الجامعة الافتراضيّة المعاصرة تقودها تقنية المحاكاة بالكومبيوتر
من يريد الحصول على تجربة أوليّة عن الجامعة الافتراضيّة المعاصرة، فليجرب الدخول إليها من باب… الألعاب الإلكترونيّة! ليجرب مثلاً الانخراط في لعبة تحمل اسم الجامعة الافتراضيّة على الإنترنت في موقع «فيرتشوال- يو.أورغ» virtual-u.org، مع ملاحظة أن حرف الـ «يو» يشير إلى كلمة «جامعة» («يونيفيرستي» University) بالانكليزيّة! إذ ترتكز اللعبة إلى وجود مؤسّسة تحاكي منشأة جامعية حديثة، مع وجود افتراضي لمكوّناتها كالقاعات والمختبرات والمكتبة وملاعب الرياضة وغيرها. ليس ذلك سوى مثال عن جسر قوي ممتد راهناً بين الألعاب الالكترونية ووقائع العصر الرقمي، وهو يذكّر بالعلاقة بين الألعاب ومجريات السياسة، كما يظهر في الألعاب الحربيّة التي تدور في ميادين ودول تتشابه مع المساحات التي تدور فيها رحى الحروب فعليّاً كالعراق وسورية وأفغانستان والصومال ومالي وغيرها.
ومن لم يعجبه تشبيه الجامعة الافتراضيّة بالألعاب الإلكترونيّة، فليجرب التفكير في الشبه بين تلك المؤسّسة و «مدرسة السحر» في سلسلة أفلام هاري بوتر!
هناك جيل شاب يمارس أشياء ربما رأها الأكبر سناً قريبة من السحر، كأن ترى مراهقاً يطالع شاشة الألعاب الالكترونية ويلعب بيده على مفاتيح الخليوي ليكتب رسالة، ويتابع حساباته على الـ «سوشال ميديا» عبر الإنترنت، وربما يرد أيضاً على مكالمة عبر سماعة «بلوتوث» في الوقت عينه! هل بديهي أن نتوقع أن ينسج الجيل الشاب علاقة مع مسألة التعلّم ومؤسّساته كلّها، من المدرسة إلى الجامعة (وهذا تقسيم ألفته الثقافة طويلاً، لكن لا يعني أن يستمر إلى الأبد)، على المنوال نفسه الذي سارت عليه الأجيال السابقة؟ انجذب الجيل عينه إلى سلسلة أفلام «هاري بوتر» وروايته، التي تقدّم أجيالاً في مطالع المراهقة، لكنها تتصرّف غالباً كأنها في مرحلة تعليم جامعي. إذ يبدأ الأمر بالمراهق المنسي في عائلته، في شبه عزلة وفي علاقات مأزومة مع من حوله، وذلك أقرب إلى ترسيمة فنيّة عن شكوى شائعة في أوساط جيل الانترنت حاضراً.
سفر سحري بين الجدران كالتجوال بين المواقع
في أشرطة «بوتر» يجري الوصول إلى «مدرسة السحر» بطريقة تشمل تحرك البيوت والجدران، بل يجري اجتيازها بسفر غير تقليدي كأنه تجسيد فني مرتكز إلى صورة شبكة الإنترنت التي تهزم الجدران والطرق والجغرافيا التقليدية. وفي «مدرسة السحر» أيضاً، تتحرك السلالم بسهولة، وتتبدل الأماكن، ويبرز التفاوت في قدرات الأفراد وعلاقاتهم بصورة غير تقليديّة، ما يعيد الأذهان بسهولة إلى فكرة الإنترنت. وفي الشريط الأول، تحمل الطيور إلى هاري عصا سحرية مكتوباً عليها 2000، وكأنها بعضاً من نظم الكومبيوتر وبرامجه لتلك السنة، كنظام «ويندوز 2000». وبذا، تبدو المنافسة بالطيران في الفضاء الساحر، أقرب إلى مجاز الخيال عن فضاء الانترنت والتحليق فيه. وربما الأهم، أن معقد الأمر كله في روايات هاري بوتر هو التعلّم والوصول إلى المعرفة، ودوماً بغير الطرق التقليدية الشائعة في المجتمعات المعاصرة، التي ترمز إليها الكرة الذهبيّة.
إذاً، الأرجح أن هناك أشياء كثيرة تربط «مدرسة السحر» في «هاري بوتر» وخيالات متشعبّة في الجيل الإلكتروني المعاصر.
في المقابل، من المستطاع تجربة شيء مباشر تماماً: المواقع الشبكيّة للجامعات الافتراضيّة. ويصلح موقع «فرانك. أم تي أس يو. إديو» frank.mtsu.edu نموذجاً عن موقع يهتم بنقاش المفاهيم الأساسية فيها، خصوصاً مفهوم «التعليم المتمحور على الدارس» Learner Centered Learning، الذي نقاشات معاصرة أشارت إلى أن التغيير الأساسي في عالم الشبكات يتمثّل في صعود قدرة الفرد الرقمي المعاصر على التعلّم ذاتيّاً، في مقابل اعتماد التعليم التقليدي على المؤسّسات وطواقمها وتراتبيّاتها وغيرها. ويبدي موقع «فرانك. أم تي أس يو. إديو» إهتماماً فائقاً بالنقاش عن دور تقنية المحاكاة بالكومبيوتر Computer Simulation، باعتباره ركناً أساسياً في التعليم الافتراضي، بمعنى أنه الأداة المتينة لتحقيق مفهوم «التعليم المتمركز على الدارس».
النقاش عن الجامعة الافتراضيّة يستدرج نقاشات واسعة عن الكتب والمكتبة الافتراضيّة، وموضوع الملكيّة الفكريّة وغيرها. وتقدّم مشاريع كـ «مكتبة غوغل» صورة ما يتوافر من علوم على الانترنت. وينطبق الوصف عينه على مشاريع كـ «غوغل سكولار»Google Scholar، و «حوسبة الغمام» Cloud Computing، التي تحفّز أيضاً على ضرورة التنبّه للدور الواسع الذي تؤديه الشركات العملاقة حيال ما يملكه الذكاء الجماعي للبشر على الانترنت. تلك الأمور كلها تحتاج نقاشات اخرى متصلة بـ «الجامعة الافتراضيّة».
المحاكاة وذكرى «فلايت سيميولايتر»
ويصعب اختتام المقال من دون ملامسة بسيطة لتقنية المحاكاة بالكومبيوتر. إذ إنّها ترتكز على ربط سلاسل من معادلات الرياضيات ببعضها بعضاً، بطريقة تجعلها تعبر عن واقعة أو مسار أو معلومة محدّدة. لنفرض أن الأمر يتعلق بمزج افتراضي للهيدروجين مع الأوكسجين لإعطاء الماء. تقدّم المسألة للدارس مجسّمة بصرياً، ولا ينجح فيها إلا إذا مزج المقادير بصورة ملائمة، وضمن حرارة وضغط مناسبين. ولذا، توصف المحاكاة بأنها «المختبر في الكومبيوتر». ويألف الجمهور الشبابي تلك التقنية في ألعاب قيادة السيارات والطائرات. من ينسى مثلاً لعبة «فلايت سيميولايتر» التي تحاكي الطيران، ولكنها استعملت في تدريب إرهابيي «القاعدة» لتنفيذ هجمات 11/9؟
وكذلك تساهــــم تقنيــــة المحاكاة في نوع مــــن تفكيك المرجعيّة، إذ تقدم بدائل عن الاستاذ وقاعة الدراسة والمختبر. ومع تعدد النماذج، تتفكك المرجعيات وتتذرى. ومن ناحية ثانية، تحفظ المحاكاة شروط العلم، إذ تفرض التقييد بالمعلومات، لكنها تتسم بالجمود التام. لا يمكن الخروج عما جرت برمجته في المحاكاة الافتراضيّة لأي شيء! واستطراداً، تظهر سيطرة خفية وطاغية: من يملك النماذج وصناعتها يملك عقل العلم وتفاعلاته في الفضاء الافتراضي للمعلوماتيّة وشبكاتها. كيف يمكن ضمــــان شرط النقد والنقض في العِلم، في ظل الجمود الهائل في المحاكاة الافتراضيّة؟ ربما مثّل التمكّن من البرمجة، وبالتالي التمكّن (أفراداً أو مجمـــوعات أو غيرها) من صنع نماذجها. الأرجح تلك الأمـــور تمثّل إشكاليّات أساسيّة في مسألة الجامعة الافتراضيّة. في المقابل، ألا يعود الكلام إلى أفلام «هاري بوتر»، بمعنى صورة التنافس في «مدرسة السحـــر» على الإمساك بكرة الذهب المخاتلة والصعبة والمُشتهاة أيضاً، كأنها المعرفة (أو ربما الحقيقة) بحد ذاتها؟