في ضوء قانون الخدمة الجامعية الجديد: نظرة منهجية ومقترحات لتطوير التعليم العالي في العراق
يمثل إقرار قانون الخدمة الجامعية الجديد في العراق خطوة صائبة ومطلوبة، في الاتجاه الصحيح، من أجل نهضة المجتمع وتنميته وتطويره، وفق أسس علمية وقواعد رصينة،لأن راس المال الحقيقي في الزمن المقبل هو( العلم )، والاستثمار الأكثر ربحية وديمومة هو (التعليم)، وسيظل عقل الإنسان محور التطورات المستقبلية، في القرن الحادي والعشرين وما بعده.
في نظرة على تجارب الأمم التي استطاعت في غضون نصف قرن، أو أقل، تحقيق طفرات، إن لم نقل معجزات، علمية وتقنية واقتصادية يمكن أن نجد أن السر في ذلك كان إصلاح التربية والتعليم.
إن التربية والتعليم ميدان تتداخل وتتفاعل فيه وحوله مؤثرات ومتغيرات عديدة،من أهمها العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وعندما يتصدى المرء لمناقشة هذا الموضوع من الصعب أن ينظر إليه معزولا عن تلك المؤثرات، ومن ثم فإن فلسفة التربية والتعليم تكاد تكون فرعا من الفلسفة العامة للمجتمع… ويمكن أن تنطلق هذه الفلسفة من محاولة الإجابة على تساؤلات ثلاث هي :
1-ماذا نتعلم ؟ ..2-وكيف نتعلم ؟.. 3- ولماذا نتعلم ؟
السؤال الأول يسعى إلى الكشف عن مفهوم ومحتوى العلم الذي نريد ترسيخه في عقول أجيالنا الشابة.. وفي تراثنا العربي الإسلامي حظي(العلم) لغة واصطلاحاً ومفهوماً بأقصى درجات التقدير، وبخاصة أن الباري عز وجل يشير إلى مفردة ( علم ) واشتقاقاتها في (483 ) آية من القرآن الكريم، وقد تكررت(581 ) مرة ..((بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)) (العنكبوت:49) صدق الله العظيم.
وهناك الكثير من الاختلاف والجدل بشأن معنى العلم وأنواعه، فقد حاول بعض الفقهاء في مطلع العصور الإسلامية تحديد مفهومه في إطار العلوم الدينية والفقهية، وكانت صفة العلماء تنصرف فورا إلى رجال الدين دون غيرهم، بيد أن ذلك الإطار الضيق قد توسع كثيرا في عصر النهضة العربية والإسلامية الكبرى، وفي هذا المضمار برز علماء أفذاذ يجمعون بين مجالات المعرفة المتعددة مثل ابن سينا وابن الهيثم وابن حيان والخوارزمي والفارابي والطبري وغيرهم الكثير..وقد كان الإسلام متميزاً من بين كافة الأديان في احترام العقل ورفض التعصب والانغلاق، حيث يؤكد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم على أن:”الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها”.
بهذه الروح العالية من الانفتاح والتسامح انطلق،عبر البحر المتوسط،شعاع الحضارة الإسلامية لينير خارطة أوربا، ويمهد لنهضتها الحديثة، ولعل من أبرز ثمرات التلاقح بين الحضارات، طوال التاريخ الإنساني، أن مفهوم العلم بات يعبر اليوم عن حلقات مترابطة في سلسلة تاريخية وجغرافية طويلة..العلم بمفهومه الحديث إذاً، لم يعد قابلا للتحيز والاحتكار، بل هو مورد متاح وأرث مشترك لكل البشرية، ومن حق كل إنسان أن يَعلَم ويتعلّم..ولكن ماذا يتعلّم؟!..هذا السؤال يعيدنا إلى البداية، من جديد،ويمكن القول مباشرة ؛ إن المجتمع هو الذي ينبغي أن يضع فلسفة واضحة لتعليم أبنائه، وهذه الفلسفة لا بد أن تكون منسجمة مع طبيعة وظروف وطموحات ومخططات ذلك المجتمع .
لم تعد هناك محرمات وقيود كثيرة تمنع الإنسان من حقه في تعلم ما يريد ويرغب، فالحرية هي الشرط الأساسي في التعليم، العلم حاجة وضرورة.. مسالة حياة أو موت، وعلى مجتمعنا أن يختار العلوم التي تلبي احتياجاته،وتغطي مشاريعه التنموية ..التنمية هي الوسيلة، والإنسان هو الغاية.
العلم لا قيمة له إن لم يدخل في نسيج الحياة ويتفاعل معها، الإنسان يتعلم من أجل أن يبتكر ويعمل ويسعد ويتطور.. وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق إن لم يصبح العلم مباحا ومتوفرا كالهواء والماء والغذاء.
العلم مفيد في الأغلب، لكنه مصدر خطر أحيانا، وبالأخص إذا تجرد من القيم السامية والأخلاق الفاضلة،لذلك فإن الترابط بين (التربية) و(التعليم) شرط جوهري في تطور المجتمع.. وعلينا أن ننظر إلى التجارب الإنسانية، بصورة عامة، ومن ثم يتعين أن نستفيد من جوانبها المفيدة،ليس بهدف تقليد الآخرين، بل من أجل أن نتجنب تكرار الأخطاء والكوارث الناجمة عنها.
أولا : كيف نتعلم..ما الوسائل والأدوات؟
كيفية التعلم تتضمن جانبين:
أولهما؛ الأسلوب أو الطريقة التي نسلكها في الحصول على المعرفة،هل نعتمد التلقين والحفظ أم الفهم والاستيعاب والاستنباط؟..لكل نوع من العلوم طريقته المناسبة، بعضها لا يمكن السيطرة عليه إلا بالحفظ واستخدام قوة الذاكرة، مثل النصوص الدينية والقانونية والشعرية،وفي المقابل فإن علوم الحياة والرياضيات والفيزياء والكيمياء تتطلب موهبة الإدراك والاستيعاب والفهم والتجريب والتركيز، قبل التحفيظ .
ومن ضمن طرق التعلم ينبغي ابتكار أساليب للقياس والتقويم والامتحانات منسجمة مع طبيعة المادة العلمية،لكي يُعرف بدقة مقدار جهد المتعلم وجديته وإمكانياته العقلية ومواهبه الشخصية.
ثانيهما؛الأدوات أو الوسائل التي ينبغي استخدامها في التعليم، وقد يسميها بعض الباحثين ( مفاتيح العلوم)، من أهمها :
1 ـ الكتاب والمكتبة، وكل وسائل النشر والمطبوعات، التي تختزن وتنقل المعرفة من جيل إلى جيل، حيث يفترض أن يبدأ المتعلم والباحث رحلته من النقطة التي وصل إليها الآخرون..لكي لا يعيد تفسير ما سبق تفسيره، واكتشاف ما سبق اكتشافه!
2 ـ ومن الأدوات العلمية المهمة(اللغة) فهي وسيلة تعبير وتفكير..كيف يمكن أن يتعلم المرء دون أن يعرف مهارات القراءة والكتابة السليمة التي لابد أن تقوده إلى الفهم الصحيح؟!..اللغة القومية تمثل أحد أوجه الهوية الثقافية للإنسان التي ينبغي ترسيخها واحترامها..ولكن اللغات الأجنبية، وبالأخص الإنجليزية،أضحت أكثر من ضرورية في الوصول إلى مصادر العلوم الحديثة.
3 ـ المفتاح الآخر هو الحاسوب وشبكات المعلومات الإلكترونية،فالتعليم،وتداول المعلومات عموما، يتجه نحو الوسائل الإلكترونية، التي أصبحت أكثر كفاءة وسرعة،وأقل جهدا،في توفير المعلومات.
4 ـ ورغم أهمية العناصر السابقة، فإن(الأستاذ) يظل محور العملية التعليمية الذي ينبغي أن تلتقي في شخصيته كل العوامل والأدوات المطلوبة في هذه المهنة المقدسة، ويجب الارتقاء بمهنة التعليم،مادياً ومعنوياً،والتدقيق في سمات من يتم اختيارهم لتأدية هذه المسؤولية.. وتحقيق توازن معقول بين عدد التدريسيين وبين عدد الطلبة في كل صف دراسي.
ثانيا: ماذا نريد من التعليم؟
لماذا نتعلم؟..سؤال يكشف عن جوهر القضية كلها، ويجب أن يكون جوابه واضحا لدى المجتمع والعائلة والمتعلم نفسه.. هل الشهادة العلمية والدراسية غاية المتعلم أم وسيلته في مواجهة متطلبات الحياة المتغيرة بسرعة؟!..إذا كان التعلم والشهادة مجرد وسيلة، فما الهدف والنتيجة؟
أغلب المتعلمين، مع الأسف، لا يجدون إجابة على مثل هذين السؤالين، لأنهم ببساطة لا يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين هم يسيرون.
هنا يجب على المجتمع، وبخاصة المؤسسات التربوية والتعليمية بث التوعية والإرشاد والتوجيه، من أجل اكتشاف قدرات كل طالب، وتوجيهه إلى اختصاص معين، يستطيع من خلاله أداء دور فعال في المجتمع.
قد نطرح سؤالا بسيطا على الطالب:هل يرضيك الحصول على شهادة معينة، مثلما يفعل أغلب الطلبة، لكي تجد نفسك بلا عمل بعد التخرج..أم من الأفضل أن تنظر إلى مواهبك وحاجات مجتمعك، ومن ثم تختار الطريق في رحلة العلم والحياة ؟!
في المقابل يترتب على مؤسسات الدولة والمجتمع عموما وضع خطة لربط مخرجات التعليم بحاجات المجتمع.. كم نحتاج من الأطباء والمهندسين والمدرسين مثلا خلال السنوات العشر المقبلة؟ .. ما المشاريع التنموية الجديدة، وما الكوادر المطلوبة لتنفيذها؟.. ما الوظائف التي يحتاجها المجتمع؟
وينبغي أن تكون هذه الحاجات معلومة من قبل المؤسسات التربوية والتعليمية،لكي تسعى لتغطيتها في برامجها الدراسية،وربما فتح كليات ومعاهد جديدة متخصصة، كما يجب أن تكون الوظائف المتوقعة والمرغوبة معلنة، ومفهومة من قبل الطلبة وأولياء أمورهم.
ثالثا : مقترحات تطبيقية:
الفلسفة التعليمية لابد أن تقود إلى وضع استراتيجية أو خطة متكاملة لتحقيق الأهداف التي يفترض وضعها مسبقاً،وينبغي أن تقوم تلك الخطة على الترابط بين حلقات عدة، من أهمها : الأستاذ والطالب والمنهج الدراسي والإدارة والبحث العلمي والميزانية المالية.
لكل من هذه الأطراف مواصفات معينة في الاختيار والتطوير..وسوف نضع هنا بعض المقترحات العملية التطبيقية وكما يأتي :
1 ـ إن التربية والتعليم يمكن ان توصف بأنها سلسلة من الحلقات المترابطة والمتدرجة، من لحظة دخول التلميذ في السنة الدراسية الأولى ، وحتى الحصول على الشهادة العليا، ومن الممكن معالجة مسألة الترابط بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي من خلال ما يأتي :
الاستمرار في نظام الثانويات العامة ( العلمي والأدبي) إلى جانب زيادة عدد الثانويات التخصصية(الصناعة والتجارة والزراعة والتمريض وغيرها)، وبهذه الخطوة يمكن أن تتاح حرية أوسع في الاختيار أمام الطلبة، فالطالب الذي يكون متفوقا يمكن أن يواصل مساره الدراسي من خلال التعليم الثانوي العام ثم إلى الجامعة، أما الطالب الأقل تفوقا فيتوجه إلى التعليم التخصصي الذي يتناسب مع قدراته وإمكانياته ورغباته، وفي هذه الحالة سوف يكون أمامه خياران: أما أن يواصل دراسته الجامعية بعد أن يحقق تفوقا في التعليم التخصصي أو يكتفي بالحصول على الشهادة الثانوية التخصصية التي تؤهله للدخول في سوق العمل والانخراط في مهنة معينة .
2 ـ إن الجامعات والمعاهد العليا تلعب دوراً رئيسياً ورائداً في نهضة المجتمع، لذا ينبغي تعزيز دورها الحضاري وتطويرها، والحرص على رصانتها العلمية من خلال التدقيق في اختيار وقبول الطلبة،على أساس أن التعليم الجامعي حق للقادرين عليه علمياً وفكرياً فقط، وإن الشهادة الجامعية ينبغي أن تؤهل الشخص لأداء دور فعال في المجتمع، من خلال وظيفة أو مهنة محددة، وعلى هذا الأساس ينبغي مراجعة وتقدير حاجات المجتمع والعمل على تغطيتها في مخرجات التعليم الجامعي، وإن القبول في الدراسات العليا يجب أن يخضع لمعايير علمية دقيقة لإعداد الكوادر القادرة على المشاركة في النهضة العلمية، كما أن الإيفاد في البعثات العلمية الدراسية إلى الخارج يجب أن يتم وفق الحاجة الآنية والمستقبلية للتخصصات المطلوبة، ومن الضروري اختيار الجامعات الرصينة المستهدفة في تلك البعثات.
3 ـ إن التطورات التقنية، وثورة المعلومات التي يشهدها العالم تفرض تغييرات عديدة وملحة في طرق وأساليب التعليم الجامعي، حيث لم تعد الطرق التقليدية المستخدمة منذ قرون في عملية التدريس والتعليم، بمراحله كافة، وبخاصة في الجامعات، كافية لاستيعاب انفجار المعرفة، وتزايد المعلومات،في ظل البيئة الإلكترونية الجديدة، واستخدام الحواسيب وشبكات المعلومات، التي تتميز بالسرعة الفائقة والجهد الأقل في الوصول إلى المعلومات، فضلا عن ابتكار الوسائط المتعددة (Multi-Media) التي تمزج بين المطبوع والمسموع والمرئي في آن معا، والطرق الخائلية(Virtuality) التي تعتمد على صنع عالم افتراضي يناظر العالم الواقعي، على سبيل المثال ؛ جولة فيديوية خيالية في قلب الإنسان ودورته الدموية، أو جولة بين المجرات الكونية البعيدة.. الخ،من أجل تقريب البعيد وتكبير الصغير، والتغلغل في العوالم التي يعجز الإنسان عن إدراكها بحواسه الاعتيادية. ومن هنا نشأت الضرورة إلى دمج تقنيات المعلومات في النظام التعليمي،من خلال إعادة النظر في دور كل من الوسائل التقليدية التالية وكيفية استخدامها في عصر المعلومات الإلكترونية :
أ ـ التدريسيون: إن دور الأستاذ التقليدي يرتكز على إعداد المحاضرات أو الدروس، وإلقائها على مجموعة من الطلبة في قاعة، وجها لوجه، وتدخل في هذه العملية عناصر ومتغيرات عديدة من بينها مهارة التحدث وفن الإلقاء، والقدرة على شد الانتباه والضبط، لكن استخدام تقنيات المعلومات الحديثة، كالحواسيب وشاشات العرض الإلكترونية، ومنظومات الصوت والصورة، سوف يجعل مهمة التدريسي أكثر فاعلية في إيصال المعلومات إلى أذهان الطلبة وترسيخها،وبناءً على ذلك ينبغي تأثيث الصف الدراسي بالوسائل الصوتية والصورية والحواسيب، لينتهي عصر السبورة والطباشير،كما ينبغي تأهيل التدريسيين وتدريبهم على استخدام الوسائل الألكترونية، وربما يتغير مفهوم الامتحانات من قياس الحفظ والتذكر، إلى اختبار الفهم والاستيعاب والتحليل والتركيب والاستنباط .
ب ـ المكتبة: إن مفهوم المكتبة يجب أن يتغير من خزانة للكتب والمطبوعات الأخرى إلى شبكة معلومات تتضمن الكتب والمطبوعات، فضلاً عن الوسائل السمعية والبصرية والحواسيب، وينبغي أن تتفرع من المكتبة المركزية لكل جامعة شبكة حواسيب مرتبطة بالكليات والأقسام ومراكز البحوث والجامعات الأخرى، والاستفادة من خدمات شبكة الانترنيت، وتسهيل استخدامها في العملية التعليمية، من قبل الأساتذة والطلبة والباحثين، على حد سواء، وتوفير القاعات والأجهزة الكافية. وبالطبع يجب أن لا يقلل ذلك من الاهتمام بالمكتبة الورقية وتزويدها بالمطبوعات الحديثة.
ج ـ اعتماد نظام الجامعة المفتوحة أو التعليم عن بعد أو نظام التعليم الإلكتروني، عبر شبكة الإنترنيت، للطلبة الذين لا تسمح لهم ظروفهم بالدوام المنتظم، واستخدام التقنيات الحديثة، في ربط هؤلاء الطلبة المنتسبين بالجامعة، من خلال إنشاء موقع إلكتروني لكل جامعة على شبكة المعلومات الدولية، يستطيع الطلبة عن طريقه الحصول على المحاضرات والمناهج الدراسية، فضلاً عن ارتباط نظام المعلومات في الجامعة مع المجتمع، مثل استخدام الإذاعة المسموعة والمرئية، وشبكة الإنترنيت، في بث الدروس والمحاضرات والندوات والمؤتمرات العلمية.
د- من المهم الاعتراف بالشهادات العلمية الممنوحة من الجامعات الالكترونية، في داخل العراق وخارجه، والتوسع في إنشائها، ودعمها، مادياً ومعنوياً وعلمياً، باعتبارها تمثل نوعاً متطوراً من التعليم، الذي أصبح شائعا ومعترفاً به، في جميع أنحاء العالم، في ظل ثورة المعلومات.
هـ ـ اعتماد النشر الإلكتروني العلمي إلى جانب النشر الطباعي، حيث يمكن نشر الكتب المنهجية وبحوث التدريسيين واطروحات الباحثين والطلبة عبر شبكة المعلومات الإلكترونية، مع مراعاة المعايير العلمية والتقويم قبل الموافقة على النشر، وزيادة الحوافز المادية والمعنوية لتشجيع الإنتاج العلمي، وبخاصة نشر الكتب المنهجية والمساعدة.
4- لعل من المفيد خلق قنوات إتصال عديدة بين الجامعة والمجتمع مثل المجلات المتخصصة والعامة، والصحف والمواقع الالكترونية، والقاعات الفنية والمنتديات الثقافية والمسارح، التي تجعل من الجامعة مركز إشعاع وسط المجتمع، وتسهم في تنمية وإطلاق الطاقات ورعاية المواهب الشابة.
5 ـ إن من أبرز معوقات التعليم الجامعي عدم وجود تناسب بين عدد التدريسيين والطلبة، فهناك صعوبات واضحة في توفير الكادر التدريسي إزاء عدد الطلبة المتزايد، وربما يكون هناك حل مناسب لهذه الظاهرة، لا يعتمد على زيادة عدد التدريسيين أو تقليص عدد الطلبة، بل يتم من خلال تقسيم المرحلة الدراسية الواحدة إلى عدة صفوف،على أن لا يتجاوز عدد الطلبة في كل صف خمسين طالبا وطالبة،ومن جانب آخر اعتماد مبدأ النصاب الدراسي وتحديد عدد الساعات المطلوبة من التدريسي أسبوعياً، حسب المرتبة العلمية، وعندما يتجاوز الحد الأعلى للنصاب، يتم احتساب حوافز مالية إضافية عن كل محاضرة،ولهذا المقترح عدة مزايا، من أبرزها الاستفادة القصوى من إمكانيات التدريسيين في كل كلية وقسم، بدلا من تعاونهم مع جامعات وكليات أخرى، ورفع المستوى المعيشي للكادر التدريسي في نسبة تصاعدية مع الجهد والوقت الذي يبذله كل منهم، فضلاً عن معالجة ظاهرة تكدس الطلبة في قاعة واحدة لتلقي المحاضرات.
6 ـ إنشاء مركز لتطوير طرائق التدريس وتأهيل التدريسيين والتعليم المستمر،في كل جامعة، يقوم بفتح دورات تدريبية للتدريسيين الجدد،يتلقون فيها خبرات وتجارب من سبقهم في مهنة التدريس،فضلاً عن تجديد معلومات التدريسيين القدماء، كما يمكن أن يستقبل المركز في دوراته المتخصصة الكادر الوظيفي في الدوائر والمؤسسات العامة والخاصة مقابل مبالغ مناسبة، وفي السياق ذاته، من المفيد فتح مراكز لتعليم اللغات الأجنبية وبخاصة اللغة الإنجليزية لطلبة الدراسات العليا والتدريسيين، مقابل أجور رمزية.
7ـ إن التعليم يعد استثماراً استراتيجيا طويل الأمد،لأن طاقة الإنسان المنتج المبدع هي أثمن ثروة في المجتمع ، لذا تحدد الدول المتقدمة نسبة كبيرة من ميزانياتها المالية لدعم التعليم والبحث العلمي،فضلاً عن إيجاد موارد إضافية من خلال التبرعات الشخصية والرسوم الدراسية وعائدات المراكز الإنتاجية والورش والمعامل والمزارع والمستشفيات المرتبطة بالجامعات،ولا شك أن مجانية التعليم ينبغي أن لا تعني الإسراف في الاستفادة من هذه الفرصة التي يوفرها المجتمع لجميع أبنائه، حيث أن تكرار الرسوب يمثل هدراً في موارد المجتمع، وفي هذا الصدد يمكن فرض رسوم مالية على الطلبة الراسبين، وتحويلهم إلى نظام الانتساب أو ترقين قيدهم إذا ثبت ضعف مستواهم الدراسي.
8- العمل على إعادة الكفاءات العلمية المهاجرة، باعتبارها ثروة قومية كبرى، تستحق الرعاية والتكريم،من خلال توفير الامتيازات المادية والمعنوية المناسبة للعلماء وأعضاء هيئة التدريس والباحثين، وتسهيل عودتهم وتعيينهم، وتشجيعهم على الإسهام في بناء وطنهم وتوظيف خبراتهم وكفاءاتهم في النهضة التنموية الجديدة.
9- إن المقترحات السابقة لا يمكن أن تطبق إلا وسط بيئة أكاديمية علمية خالية من التحيز السياسي أو الديني أو المذهبي، وأن يتم اختيار الإدارات الجامعية- ابتداءاً من الوزير- وفق المعايير العلمية، والمواصفات القيادية الدقيقة، وينبغي أن يكون الحرم الجامعي مصاناً ومحمياً من تيارات العنف والتحريض والتمييز، لكي يضمن المجتمع للأستاذ والطالب الكرامة والحرية ويوفر لهما أجواء دراسية وعلمية هادئة وصالحة.
أرجو أن تكون هذه المقترحات مساهمة متواضعة في دعم النهضة العلمية والتعليمية في العراق.. والله من وراء القصد وبه نستعين.
د. محمد جاسم فلحي – أستاذ الإعلام في جامعة بغداد وجامعة عمر المختار في ليبيا ولأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك
mfalhy2002@yahoo.com