العلاقات العامة والرأي العام … د. محمد جاسم فلحي 2
1- البحث :
————–
تقوم العلاقات العامة بجمع وتحليل وبحث ودراسة اتجاهات الرأي العام لجماهير المؤسسة أو الهيئة، ومعرفة آرائهم واتجاهاتهم، حتى يمكن الحصول على حقائق صحيحة، فبالنسبة للجامعة مثلاً، يمكن معرفة اتجاهات الرأي بين الأساتذة والطلبة وأولياء الأمور. وفى الجيش يمكن معرفة الرأي بين الجنود والضباط وغيرهم من الفنيين. وفي الشركات والوزارات تدرس اتجاهات الرأي العام بين الموظفين والعمال. وبالإضافة إلى ذلك تقاس اتجاهات الرأي بين الجماهير الخارجية كالمساهمين والمستهلكين والتجار. وتدرس العلاقات العامة كذلك التطورات المستمرة التي تحدث في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتقوم كذلك ببحث وتحليل وتلخيص جميع المسائل التي تهم الإدارة العليا ورفعها إليها. وتشمل الأبحاث أيضاً المبادئ الفنية للعلاقات العامة، وتحليل وسائل النشر كالصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما، وتقدير مدى نجاح الحملات الإعلامية التي تقدمها، وتحديد أي الوسائل الإعلامية أكثر فعالية، فضلاً عن البحوث التي تتناول التطور الذي يطرأ على العلاقات العامة، وتدرس كذلك آراء واتجاهات قادة الرأي في المناهج، كالمعلمين ورؤساء النقابات ورجال الأعمال وغيرهم.
2- التخطيط :
—————
يقوم جهاز العلاقات العامة برسم السياسة العامة للمؤسسة، ورسم السياسة والبرامج الخاصة بالعلاقات العامة في إطار السياسة العامة للمؤسسة وخططها، في ضوء البحوث والدراسات التي يقوم بها الجهاز، وذلك بتحديد الأهداف والجماهير المستهدفة، وتصميم البرامج الإعلامية، من حيث التوقيت وتوزيع الاختصاصات على الخبراء وتحديد الميزانية تحديدا دقيقا، مما يعاون في إدخال تعديلات على السياسة العامة للمؤسسة. بالإضافة إلى ذلك، فهي تقوم بشرح سياسات المنشأة للجمهور، أو أي تعديل أو تغيير بغية قبوله إياها، والتعاون معها.
3- الاتصال
————-
الاتصال يعني القيام بتنفيذ الخطط والاتصال بالجماهير المستهدفة، وتحديد الوسائل الإعلامية المناسبة لكل جمهور، وعقد المؤتمرات، وإنتاج الأفلام السينمائية والصور والشرائح، والاحتفاظ بمكتبة تضم البيانات التاريخية وإقامة الحفلات، وإعداد المهرجانات والمعارض والمباريات المختلفة، وتنظيم الندوات والمحاضرات، والأحاديث، والمناظرات.
ولجهاز العلاقات العامة وظيفة إدارية، فهو يقدم الخدمات لسائر الإدارات ومساعدتها على أداء وظائفها المتصلة بالجمهور، فهي مثلاً تساعد إدارة شئون العاملين في اختيار الموظفين والعمال وتدريبهم، والنظر في وسائل تشجيعهم وترقيتهم وحل مشاكلهم، وإعداد ما يلزم للعناية بصحتهم ورياضتهم وثقافتهم. كما تسهل العلاقات العامة لقسم المبيعات مهمة إقامة علاقات طيبة بالموزعين والمستهلكين، من خلال تعرفها على اتجاهات الجمهور نحو السلع أو الخدمات التي تنتجها أو تقدمها المؤسسة أو الهيئة إلى عملائها، وهي تسهل مهمة الإدارة القضائية، في عرض الحقائق المتصلة بالقضايا المختلفة على الرأي العام، وتشترك إدارة العلاقات العامة في إعداد التقارير السنوية عن المركز المالي للمؤسسة، وإخراجها في صورة جذابة، يفهمها المساهمون والمستهلكون وغيرهم، وكذلك تساعد إدارة المشتريات في إقامة علاقات طيبة بالمتعهدين، وغيرهم من مصادر الإنتاج.
وتعمل العلاقات العامة على تنمية العلاقات مع المؤسسات والجماعات الأخرى الموجودة في المجتمع، وذلك عن طريق النشاطات ذات الفائدة المشتركة، فإذا أريد أن يقام معرض ناجح للكتاب، فان المعرض ينظم بحيث يتلاقى مع رغبات أمناء المكتبات وأصحابها. كما تقوم العلاقات العامة بتعريف الجمهور بالمنشاة وتشرح السلعة أوالخدمة التي تنتجها، بلغة سهلة بغية اهتمام الجمهور بها.
وتسعى العلاقات العامة إلى إقامة علاقات طيبة مع قادة الرأي في المجتمع بوضع الحقائق أمامهم، سواء في مكتبة المنظمة أو مكتب الإعلام، أو الدوريات السنوية. كما تعمل على إقامة علاقات طيبة مع معاهد التدريب، حتى يتسنى تدريب موظفيها وعمالها في هذه المعاهد، وكذلك مد هذه المعاهد بمساعدات التعليم، والسماح لطلاب المعاهد بزيادة المنظمة.
وتساعد العلاقات العامة الجمهور على تكوين رأيه، وذلك بمده بكافة المعلومات ليكون رأيه مبنيا على أساس من الحقائق الصحيحة. كما تعمل على إحداث تغيير مقصود في اتجاهات الرأي العام وتحويله إلى صالح المؤسسة، وهى تمد المنشاة كذلك بكافة التطورات التي تحدث في الرأي العام.
4- التنسيق:
————-
تعمل العلاقات العامة على التنسيق بين الإدارات المختلفة لتحقيق التفاهم بينها، كما تعمل كحلقة اتصال وأداة تنسيق بين الموظفين والشخصيات المختلفة، وبين المستويات الدنيا والمستويات للعليا. كما تنسق بين إدارة التسويق والمستهلكين، وإدارة المشتريات والموردين والمؤسسة وحملة أسهمها.
5- التقويم:
———–
ويقصد به قياس النتائج الفعلية لبرامج العلاقات العامة، والقيام بالإجراءات الصحيحة لضمان فعالية البرامج وتحقيقها لأهدافها.
سادساً: بناء إدارة العلاقات العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
من الصعب رسم نظام معين لإدارة العلاقات العامة في منشاة من المنشآت، فهذه تختلف من منشاة لأخرى حسب حجم المنشاة وطبيعة تعاملها ففي حال صغر حجم المؤسسة – مثلا – يقوم المدير بنفسه أو بواسطة معاون له ضمن العاملين في المؤسسة بأعمال العلاقات العامة، كما يختلف جهاز العلاقات العامة حسب مدى فهم للقائمين بالإدارة فيها لإعمال العلاقات العامة، ومن ثم يختلف البناء التنظيمي لإدارة العلاقات العامة من جهة إلى أخرى، فالوحدات التنظيمية التي تدخل في بناء إدارة علاقات عامة للقوات المسلحة قد تختلف عنها في وزارة الزراعة. والاختلاف هنا قد يكون ضرورة يستدعيها اختلاف الأهداف واختلاف الخطط واختلاف البرامج والجماهير، كذلك الأمر بالنسبة لتبعية العلاقات العامة، فقد تسند هذه المهمة إلى احد مديري الإدارات كإدارة الأفراد أو المبيعات أو إدارة الإعلانات، أو قد توزع المسئولية بينهم وفي بعض المنشآت الأخرى تجد أن هناك إدارة كاملة للعلاقات العامة يرأسها مدير يتبع عضو ومجلس الإدارة المنتدب مباشرة، وتشمل عدة أقسام من بحوث وتخطيط إلى تنسيق وإنتاج.
وتتصل أعمال العلاقات العامة اتصالا مباشرا بالأهداف والسياسة العامة التي تنتجها الإدارة، وعلى ذلك فان أعمال العلاقات العامة يجب أن توضح في التنظيم العام للمنشاة على مقربة من الإدارة العليا وتحت إشرافها المباشر، فيكون مدير العلاقات العامة مسئولا أمام رئيس مجلس الإدارة، وان يكون بالقرب من الأفراد الذين يشغلون المراكز ذات المسئولية الكبيرة في المؤسسة، حتى يمكنه أن يحقق أحسن نتائج، وان يكون على مستوى مديري الإدارات الأخرى.
ومن ناحية أخرى، فان تخصيص مدير أو قسم لإدارة أعمال العلاقات العامة لا يعني أن هذا الشخص أو هذا القسم هو الجهة الوحيدة التي تقوم بأعمال العلاقات العامة فحسب، ذلك أن العلاقات العامة عملية مستمرة يشترك فيها الجميع من المدير العام حتى عامل النظافة، ومن ثم فان على مدير العلاقات العامة أن يشجع ذوي المهارات الأدبية والفنية من غير العاملين بإدارة العلاقات العامة على المشاركة في بعض البرامج الخاصة بالعلاقات العامة. وما نقصده من تخصيص مدير أو قسم لإدارة أعمال العلاقات العامة هو وضع هذه الأعمال تحت إشراف الخبراء المتخصصين، لمساعدة بقية رؤساء الأقسام بالمنشأة في تحسين صلاتها مع فئات الجمهور المختلفة، أي أن قسم العلاقات العامة يعتبر من الأقسام الاستشارية.
وفي أغلب النماذج المقترحة لمكان العلاقات العامة في الخريطة التنظيمية، روعي أن يكون مديرها بالقرب من الأفراد الذين يشغلون المراكز ذات المسؤولية الكبيرة في المؤسسة، حتى يمكن أن يحقق أحسن نتائج.
سابعاً: صفات أخصائي العلاقات العامة
لكي يصبح المتخصص في العلاقات العامة صالحاً لأداء عمله يجب أن يتفهم الاتجاهات و التطورات التي تحدث في الرأي العام، كما يجب أن يكون على علم تام بسياسات الإدارة و مشكلاتها، وأن يؤمن إيمانا كاملا بعمله و رسالته التي يؤديها، متيقظا لما يدور حوله داخل المؤسسة وخارجها من أحداث، تتيح له طريق الاستفادة من كل فرصة لخدمة الجمهور وتحقيق مصالحه، سواء بنقل المعلومات إليه أو بالرد على ما يعين له من أسئلة، أو بالاستجابة لملاحظاته المعقولة، أو بأداء خدمة واقعية له. وهذه اليقظة أيضا تتيح له فرصة البحث السريع في العمل، وهي صفة أساسية لرجل العلاقات العامة، ففي دقائق يتطلب الأمر من رجل العلاقات العامة أن يبحث مثلا في مدى أثر نشر خبر في نفوس الجمهور أو في مشكلة تتعلق بفرد من أفراد، أو في اقتراح باتخاذ إجراء من الإجراءات، وهو بمقتضى هذا البحث السريع، سيتصرف على الفور دون تردد، ولهذا فان الظروف تدفعه دفعا إلى أن يحصل على أكبر قدر ممكن من الثقافة بكل ما حوله وبنفسية الجماهير و بوسائل التأثير فيها، وبالتنظيمات الإدارية والفنية التي تمكنه من أداء عمله على الوجه الأكمل، ونجاح المؤسسة التي يخدمها.
ولابد من توافر شروط في القائمين بأعباء العلاقات العامة، وتنقسم هذه الشروط إلى ما يأتي :
1- الشروط الموروثة
ــــــــــــــــ
وهي تتعلق بالدوافع الفطرية، التي تعد الأساس الأول للسلوك الإنساني. وتظهر هذه الدوافع بعد الولادة مباشرة، ولا تكون نتيجة خبرة أو تعلم أو تجربة، ولذلك ينبغي أن تكون شخصيته مكتملة، وأن يتميز بالنضج العاطفي والذاكرة القوية والعقل المنظم، ومن المرغوب أن يكون من يعمل في مجال العلاقات العامة مؤدبا، لبقا، سريع الخاطر، مخلصا حازما، شجاعا، مقداما، متفائلا، ويتميز بقوة غريزة الاستطلاع، وحب الاختلاط، وهذه كلها صفات من الواجب توافرها في المشتغل بالعلاقات العامة.
2- الشروط التعليمية:
ــــــــــــــ
يقصد بها توفر الحد الأدنى من المستوى التعليمي، والتعلم والتدريب الجامعي الذي يؤهل المتخصص في العلاقات العامة للعمل في هذا المجال. ولاشك أن التعليم الأكاديمي يساعد على نجاح رجل العلاقات العامة ويستحسن أن يكون الشخص قد حصل درجة جامعية في الإعلام أو التجارة أو الآداب أو القانون، وان يكون قد حصل على المواد الآتية: اللغات ـ الصحافة ـ علم النفس ـ علم الاجتماع ـ علم الأجناس ـ الفلسفة ـ المنطق ـ الإدارة العامة ـ القانون ـ الاقتصاد ـ إدارة وتنظيم المشروعات ـ التسويق ـ والإعلان ـ الإحصاء النظري التطبيقي ـ العلاقات العامة،وغيرها من المواد الدراسية.
3- الشروط المكتسبة
ـــــــــــــ
وتختلف هذه عن الدوافع الفطرية، في أن الإنسان لا يولد مزوداً بها، ولكنها تكون نتيجة لحياة الفرد في بيئة معينة وتأثره بها.
وتحقق كل من الشروط التعليمية و المكتسبة صفات يحتاج إليها المشتغل بالعلاقات العامة وهي: القدرة على الإدراك الواضح، وعلى التنظيم، والحكم العادل الموضوعي، والقدرة على تقدير المواقف والتنبؤ، وعلى مقاومة الضغوط والمرونة، والقدرة على التعامل في المشاكل المختلفة.
وتحقق الشروط الثلاثة السابق ذكرها أن يكون العامل في مجال العلاقات العامة اجتماعيا بطبعه، وعنده القدرة على الإقناع والإغراء، وعلى الكتابة والخطابة، وان يعترف بالخطأ إذا وقع فيه، ويرجع عنه.
وقد أجرى قسم وسائل الاتصال في جامعة جنوب داكواتا استفتاءاً لأخصائيي العلاقات العامة عن المهارات والصفات التي يجب أن يتصف بها رجل العلاقات العامة، وظهرت نتائج هذه الدراسة في مجلة (العلاقات العامة)، وجاء فيها أن ما يقرب من 90 % من المبحوثين أكدوا على أن القدرة على الكتابة هي أكثر المهارات أهمية. وذكر أحد المبحوثين انه في كل مرة يقوم فيها بعمل فانه ينتهي بكتابة كلمات على الورق، وقد يكون ذلك في شكل خطابات، وخطب، وقصص، ونشرات، وتقارير. وتأتي بعدها مهارة المعرفة بفن التصميمات المطبوعة والقدرة على تنفيذ مشروع من خلال تصور الفرد له ثم القيام بطبعه. وقد ذكر احد المديرين أن كثيرا من المشاريع يتأخر تنفيذها بسبب كثرة التكاليف، أو لأن من يقوم بها لا يعرف شيئا عن فن الكتابة والطباعة. وعليه يمكن القول أن العمل في مجال العلاقات العامة هو نوع من العمل الإعلامي، الذي يعتمد على القدرة على التحرير ومخاطبة الجمهور وإقناعه.
أما المهارات الأخرى فقد جاءت كما هو مبين وحسب أهميتها:
1- القدرة على التنظيم.
2- القدرة على الحديث.
3- القدرة على التعامل مع الناس.
4- معرفة بالأمور الاقتصادية والمالية.
5- تمييز الأخبار والقدرة على التعليق عليها.
ثامناً: مقارنة بين العلاقات العامة والنشاطات الأخرى
————————————————
1- الفرق بين العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية:
——————————————–
يوجد اختلاف بين العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية، فالعلاقات الإنسانية تركز على العنصر البشري والاعتبارات الإنسانية، وتهتم بالتكامل بين الأفراد في محيط العمل بالشكل الذي يدفعهم ويحفزهم إلى العمل بإنتاجية عالية وبتعاون، مع حصولهم على إشباع حاجاتهم الطبيعية والنفسية والاجتماعية.
وتعني مراعاة الاعتبارات الإنسانية في العمل أن تأخذ الإدارة في اعتبارها المطالب الأساسية للإنسان في الحياة.
ويرى (سكوتScott ) أن العلاقات الإنسانية تشير إلى عمليات حفز الأفراد في موقف معين، بشكل فعال يؤدي إلى الوصول إلى توازن في الأهداف يعطي المزيد من الإرضاء الإنساني، كما يساعد على تحقيق مطالب المشروع، أي تؤدي العلاقات الإنسانية إلى ارتفاع في الإنتاجية، وزيادة في الفعالية التنظيمية، وأفراد سعداء يشعرون بالرضا عن أعمالهم.
ويمكن أن نستخلص مما سبق ثلاثة أهداف رئيسية للعلاقات الإنسانية هي:
أ ـ أن تعمل على تنمية روح التعاون بين الأفراد والمجموعات في محيط العمل.
ب ـ أن تحفز الأفراد والمجموعات على الإنتاج.
ج ـ أن تمكن الأفراد من إشباع حاجاتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية.
فإذا تمكنت الإدارة من تحقيق هذه الأهداف، فان النتيجة تكون نجاح المجهود الجماعي للأفراد في محيط العمل، ولذلك يمكن تعريف العلاقات الإنسانية باختصار بأنها تنمية مجهود جماعي منتج للمشروع ومنتج للأفراد في الوقت نفسه.
2- الفرق بين العلاقات العامة والشؤون العامة :
————————————————
يوجد خلط بين العلاقات العامة والشؤون العامة، فقد جرت بعض الهيئات على إنشاء أجهزة تقوم بنشاط العلاقات العامة، وتطلق عليها خطأ تسمية إدارة الشؤون العامة. والشؤون العامة تعنى موضوعات مختلفة تختلف باختلاف الناس، وهي تعنى الأمور التي تهم الرأي العام، مثل الأمور السياسية والحكومية، وانتخابات المجالس النيابية، وكذلك العلاقات مع المجتمع المحلي، ومشاكل الهجرة، والتوطن، وسياسة الأسعار وغيرها.
وفي حدود هذا المفهوم تدرس الجامعات بالخارج ضمن برامج (الشؤون العامةPublic Affairs) والمشاكل الدولية، والموضوعات الهامة المعاصرة، والعلوم السياسية والاقتصادية، والإدارة العامة.
وهكذا يبدو الاختلاف بين مفهوم (الشؤون)، ومفهوم ( العلاقات) التي تعني كما أوضحنا سلفا(الاتصالات).
3- الفرق بين العلاقات العامة والإعلام
———————————–
يُقصد بالأعلام نشر الحقائق والآراء والأفكار بين جماهير الهيئة والمؤسسة، سواء الجمهور الداخلي أو الخارجي للمؤسسة، ومن وسائل الإعلام الأساسية الصحافة والإذاعة والسينما والتلفزيون والمحاضرات والندوات. ولقد سبق أن رأينا أن أحد تعاريف العلاقات العامة يرى أنها إعلاماً وإقناعاً يقدم إلى الجمهور، ومجهودا يبذل من أجل تحقيق التوافق والتكامل بين اتجاهات وتصرفات كل من المنظمة وجمهورها. والحقيقة أن الإعلام يعتبر جزءا أساسيا وأداة مهمة من أدوات العلاقات العامة المختلفة في برامجها لتحقيق أهدافها.
4- الفرق بين العلاقات العامة والإعلان
—————————————
تستخدم حملات الإعلان العديد من وسائل الاتصال مستهدفة بذلك الوصول إلى أكبر عدد من المشترين للإعلان عن بيع بأقل الأسعار، وتختلف العلاقات العامة عن الإعلان من ناحية أن هذا الأخير يلجأ إلى شراء مساحة في دورية من الدوريات، أو جزء من الوقت في الإذاعة والتلفزيون، وذلك من اجل التعبير عن وجهة نظر أو الإعلان عن بيع المنتجات والخدمات، التي قد تتفق أو لا تتفق مع وجهة نظر الناشر أو المذيع، وذلك لأن القارئ أو المستمع يستقبل رسالة مدفوعة الأجر.
وقد تعطي بعض الإعلانات سمعة طيبة للمصنع أو السلع أو الخدمات، ولهذا فان الإعلان يعد عاملا مساعدا لبرامج العلاقات العامة. ومع ذلك فان الإعلان يختلف عن العلاقات العامة، وإن كان يلعب دورا ملموسا في برنامج العلاقات العامة.
5- الفرق بين العلاقات العامة والدعاية
—————————————-
يخلط البعض بين العلاقات العامة والدعاية، ويرجع هذا الخلط إلى اتحاد أهدافها، وهو الاتصال بالرأي العام ومحاولة بلورته وتعديله والتأثير فيه. فالدعاية هي أحد أنواع الاتصال والتأثير، تستخدم كقوة للسيطرة على أفكار أفراد المجتمع وتوجيههم الوجهة التي حددت لهم عن طريق استغلال عواطفهم وغرائزهم، ويتم ذلك من خلال وسائل الاتصال العامة، مثال ذلك حين تنظم إحدى الشركات حملة دعائية لتغيير مفهوم الناس من طبيعة السلعة التي تنتجها، فحين ثار جدل حول مدى اتفاق مشروب الكولا مع الشريعة الإسلامية، سارعت الشركة المنتجة لشراب البيبسي كولا وقت ذاك إلى تنظيم حملة دعائية من خلال وسائل النشر العام للتأكيد على صلاحية وطهارة للمشروب، دون أن تفصح عن شخصيتها.
وفي ضوء هذا يختلف الإعلان عن الدعاية في أن المعلن يفصح عن شخصيته في الإعلان، ويدعو القارئ أو المستمع إلى إتباع سلوك محدد، وبالتالي يرتبط اسمه في ذهن المتلقي بمضمون الرسالة الإعلانية، أما في حالة الدعاية فإن المتلقي لا يستطيع تحديد مصدر المعلومات المرسلة إليه.
وهكذا تعمل الدعاية على تكوين الأخبار وإخفاء بعض الحقائق أو تغيير بعضها، وبوصفها هذا فهي وسيلة متميزة لا تمد الجمهور إلا بالمعلومات التي تتفق ووجهة نظر المسؤلين عنها بأي ثمن وبأي وسيلة، بينما تهدف العلاقات العامة، عن طريق الأخبار الصادقة والتعليم والممارسة إلى إقناع الجمهور، وتحقيق تعاونه معها، على أساس الثقة والتفاهم المثمر.
الفصل الثاني
الجمهور والرأي العام
أولاً: الجمهور
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تحتاج المنشآت، صغيرها وكبيرها، إلى ثقة الجمهور، ومن هنا نرى أن المنشآت، على اختلاف نشاطاتها، في حاجة إلى التعرف على آراء الجمهور، ومده بالمعلومات، لكسب ثقته وتأييده، ويتطلب هذا دراسة الجمهور وميوله واتجاهاته بصورة وافية.
ولكن من هو الجمهور؟..وكيف يتحد الناس في جماعات صغيرة ووحدات كبيرة تعبر عن رأيها ؟..وما هي أهمية الجمهور بالنسبة لواضعي برامج العلا قات العامة؟
الجمهور في نظر خبراء العلاقات العامة جماعة من الأفراد، تقع في محيط نشاط منشاة أو مؤسسة معينة، تؤثر عليها وتتأثر بها، وتتسم بطابع مميز، وينمو بين أفرادها مجموعة من الشعارات والرموز وتوجد بينهم مصالح متشابهة، وتربط بينهم روابط معينة، وكلما ازدادت هذه الروابط وتوثقت كانت الجماعة أكثر تجانسا.
ويختلف الجمهور في حجمه وتكوينه، فقد يكون صغيرا في بعض الأحيان، وقد يكون كبيراً. فالجماعة الخاصة بمؤسسة تربوية هي جماهير واسعة النطاق قوامها الطلاب الحاليون والسابقون وطلاب المستقبل وأولياء الأمور، وجماهير من المؤسسات التربوية التي لها صلة بالمؤسسات والهيئات الرسمية ذات الصلة بها، ومحررو الصحف ومذيعو محطات الإذاعة والتلفزيون، وهكذا يتسع جمهور تلك المؤسسة. وينتمي المهندسون إلى جماعة متجانسة تعمل في نفس المهنة، وإذا كان احدهم متخصصا في الهندسة السمعية، فهو ينتمي إلى جماعة فرعية تنطوي تحت جماعة أكثر اتساعا، وهى جماعة المهندسين.
ويختلف الجمهور حسب الخصائص السكانية، مثل العمر، حيث ينقسم الناس إلى فئات عمرية مختلفة، ويمكن أن يوجه برنامج العلاقات العامة إلى فئة عمرية دون أخرى، كما يختلف الجمهور حسب الجنس، حيث ينقسم إلى ذكور وإناث، وينقسم كل منهم إلى متزوجين وغير متزوجين، ومطلقين، وأرامل. وسكان العقارات ينقسمون إلى ملاك ومستأجرين، والبرنامج السياسي قد يكون عاماً لكل الناس، وقد يكون خاصا بمن ينتمون إلى حزب سياسي معين، وهناك تمييز البيض والسود، في بعض البلدان، وهناك تمييز حسب الدين أو المذهب أو الطائفة.
كما ينقسم الجمهور إلى جمهور محلي وجمهور خارجي. ويتكون الجمهور الداخلي من الأفراد الذين يعملون في خدمة المنشاة مثل مجلس الإدارة، والرؤساء، والموظفين والعمال،وهذه أول فئة يجب دراستها وتحسين علاقة المنشاة وتوطيدها. أما الجمهور الخارجي فانه ينقسم إلى فئات كثيرة منها الجمهور بصفة عامة، وجمهور المستهلكين، وجمهور المساهمين، وجمهور الصحافة، وجمهور الموزعين..الخ.
وفي ضوء هذا تتضح أهمية تحديد الجمهور تحديداً واضحاً، في الحالات التي نقوم فيها بدراسة مشكلات معينة.
ثانياً: مفهوم الرأي العام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي العام هو المادة الخام الذي تعمل فيه العلاقات العامة، وحيث تسعى العلاقات العامة دوما على تنميته سواء فيما يتعلق بالنظم الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، كما تعمل على دراسته وتحليله، و معرفة طبيعته و كيفية تكوينها، وطرق التأثير فيها ولعل أهم سمات المجتمعات الحديثة الاعتراف بأهمية الشعوب، و اعتبار الرأي العام الحكم النهائي في الشؤون العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع أن الرأي العام وجود معنوي لا نراه، فان ذلك لا ينقص شيئا من قوته، شانه في ذلك شأن الضغط الجوي الذي لا نراه ولكنه موجود.
تعريف الرأي العام :
بالرغم من أن مصطلح الرأي العام Public Opinion لم يستخدم بهذا المسمى إلا في أواخر القرن الثامن عشر، نتيجة لظهور الجماهير الغفيرة بسبب النمو السكاني السريع حينذاك، فان المناقشات القديمة المتعلقة بالرأي العام لا تختلف كثيرا عن المناقشات الحديثة من حيث إدراك مدى النفوذ الذي يفرضه الرأي العام على تصرفات الإنسان وحياته اليومية فقد سماه (موتتسيكيو) العقل العام، و سماه (روسو) الإرادة العامة. أما الاختلاف الوحيد بين المناقشات القديمة و المناقشات الحديثة، في هذا الصدد، فهو ذلك الذي يتعلق بإدراك مدى النفوذ الذي يفرضه الرأي العام على تصرفات الساسة و الفلاسفة.
وقد صبغه العلامة (تارد) بصبغة فردية، واعتبره محض تقليد، ففي كل مجتمع من المجتمعات، يمتاز بعض الأفراد بمواهب خاصة وقدرة على الابتكار والتجديد، فتسري موجة بين أفراد المجتمع الآخرين نحو تقليد هؤلاء الأفراد النابهين و هكذا يتكون الرأي العام.
و يؤخذ على هذه النظرية الآتي:
أ – أنها تغفل الجانب الروحي، فهناك اتصال روحي بين أفراد المجتمع هو أساس تضامنهم.
ب – لا يعتمد الرأي في تكوينه على التقليد و المحاكاة، بل على وسائل أخرى هي مكونات الرأي العام كالصحافة والخطابة و الإذاعة والتلفزيون…الخ.
ج – الظواهر الاجتماعية يفسر بعضها البعض الآخر، أي تفسر بظواهر اجتماعية أخرى، ولا يجوز تفسيرها بعوامل نفسية أو حيوية.
و عرف (ماكينونW.A.Mackinon ) (1808) الرأي العام بأنه رأي في موضوع ما يضمره الأشخاص المتميزون بالذكاء و حسن الخلق، وهو يتسم بالانتشار التدريجي، فيقتنيه أغلب حتى لو تباينوا في مستواهم التعليمي. أما (لأويلL.A.Lawell ) فيعرف الرأي العام بأنه قبول لواحدة أو اثنتين أو أكثر من وجهات نظر متضاربة يقبلها العقل و المنطق باعتبارها حقيقة.
و يرى (كولي) : أن الرأي العام لن يكون تجمع لأحكام فردية مختلفة، و لكنه تنظيم تعاوني يتم عن طريق اتصال التأثير المتبادل والمشترك، وربما يختلف الرأي العام عن افتراض أن الأفراد ربما يكونون في تفكير معين كأفراد منفصل الواحد منهم عن الآخر، بيد أن هذا يتلاشى حينما نرى أن الرأي العام بمثابة سفينة تبنى عن طريق مئات من الرجال لا يستطيع واحد بعينه بنائها على انفراد. أما (ليونارد دوبLeonard Dob ) فيرى أن الرأي العام يعني اتجاهات ومواقف الناس إزاء موضوع يشغل بالهم،/ بشرط أن تكون هذه الجماهير في مستوى اجتماعي واحد.
و صبغ (جنزبرجGinsberg ) الرأي العام بصبغة اجتماعية، ففي رأيه أن الرأي العام رغبة مبهمة تسود المجتمع و تهدف إلى المحافظة على كيان المجتمع، فهو ظاهرة اجتماعية، و ينتج تلقائيا من تفاعل مجموعة الآراء المختلفة التي تسود بين أفراد المجتمع، وتتبلور في شكل موضوعات معينة.
وهكذا يختلف الرأي العام عن الرأي الخاص، فالرأي العام هو رأي الجماعة، أما الرأي الخاص فهو رأي فرد. ويعرفه أغلب الباحثين بأنه ثمرة تفاعل الآراء والأفكار داخل أي جماعة من الناس، وقد عرفه (جيمس برايس) في كتابة (الديمقراطيات الحديثة)، بأنه اصطلاح مستخدم للتعبير عن مجموع الآراء الذين يدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثر في مصالحهم العامة و الخاصة.
و جملة القول، فالرأي العام إنما يعبر عن آراء الجماهير، بعد المناقشة والجدل بين الأفراد، فهو ليس اتجاها انفعاليا يصدر من الجمهور الهائج الذي يجتمع اجتماعا مؤقتا، و إنما هو حكم عقلي يصدر من جمهور من الناس يشتركون بالشعور بالانتماء و يرتبطون بمصالح مشتركة، إزاء موقف من المواقف أو تصرف من التصرفات، أو مسألة من المسائل التي يثار حولها الجدل بعد مناقشة عقلية.
والرأي العام ليس مجرد رد فعل بسيط أساسه العرف و التقاليد، بل على العكس من ذلك قد ينطوي على الخروج على التقاليد، فهناك وعي و تفكير للمشكلات. فالجماعة – مثلا- قد تواجه مشكلة من المشكلات تتطلب حلاً، و تتصل برغبات الجمهور وحاجاته، فيهب القادة لتحديد المشكلة وإلقاء الضوء عليها، واقتراح ما يرونه لحلها. ويعلن المختصون والمعنيون بالأمر ملخص خبراتهم و معلوماتهم، ثم يدور النقاش الحر من كل جانب ن وفي كل مكان، و تمتزج الأفكار بالعواطف، و تختلط التحيزات بالحقائق، وتتصارع المصالح و المبادئ، و تصدر الأحكام المختلفة. ويكون الرأي النهائي للجماعة هو حصيلة الاحتكاك بين هذه القوى جميعها، بما فيها من أفكار محافظة و أخرى تقدمية. وهكذا تعبر الجماعة عن رأيها العام. وعلى أساس هذه الأحكام ومدى صحتها ولياقتها يرجى للجماعة أن تبقى وتعيش. أما إذا كانت هذه الأحكام الجماعية قاصرة فاشلة فإنها تصبح معاول هدم وفناء للجماعة.
ولما كان من الصعوبة بمكان اتفاق جميع الناس على موضوع ما أو مسالة من المسائل، فانه يمكن القول أن الرأي العام هو رأي الأغلبية، ونموذج معين من الفكر والقول يعم و يسود على النماذج الأخرى، و تتضمن فكرة الرأي العام مع ذلك أن ثمة رأيا متفق عليه من غالبية الأفراد، وهو ما يسمى بالرأي الغالب. و ليس معنى ذلك أن لا تكون هناك آراء متعددة للأقليات، وتلك الآراء الخاصة لا تعوق أن تطلق على الرأي السائد لدى معظم هذه الجماعات و الجماعات الفرعية رأيا عاما، حيث لا يوجد رأيا عاما بطريقة مطلقة أو عامة، ولكنه الحد الأقصى لمجموع الآراء.
وقد يظل الرأي العام كامنا غير ظاهر لأسباب سياسية أو اجتماعية، ولكنه لا يلبث أن يظهر بشكل انفجار عندما تزول الأسباب المعوقة لظهوره.
ثالثاً: مكونات الرأي العام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن عملية تكوين الرأي العام من العمليات المعقدة التي تمتد بجذورها في مجالات مختلفة، ويتكون الرأي العام نتيجة التفاعل بين مجموعة من العوامل الفسيولوجية والوظيفية والاجتماعية والنفسية المتداخلة بحيث يمارس كل منها أثره في تكوين الرأي العام، وهذه العوامل هي :
1- العوامل الفسيولوجية والوظيفية :
———————————————–
ترى بعض البحوث أن هناك سمات جسيمة تؤثر في عقلية الفرد وأفكاره، فالمريض تكون أفكاره عليلة، وقد تكون نظرته للحياة متشائمة. ومن الدراسات المهمة في هذا المجال بحث تأثير فصائل الدم، والعصارات القلوية والحمضية وأثرها في شخصية الإنسان. كما أجريت أبحاث كثيرة تدور حول السمات الجسمية الأخرى، مثل خصائص الجمجمة التي عُني علماء الجريمة من أمثال (لومبروزو) بدراستها، وقد اتضح أخيرا أن الغدد الصماء وما تفرزه من هرمونات تؤثر تأثيرا مباشرا على الفرد، فعندما يزداد نشاط الغدة الدرقية – مثلا – يصبح الفرد متوترا وقليل الاستقرار وسريع الغضب.
2- العوامل النفسية :
———————–
هناك عوامل نفسية تؤثر في تصرفات الفرد وفي سلوكه، فقد يكون الإنسان متصفا بالحب لأن غريزة الخوف قوية لديه، أو انه لم يكتسب بعد صفات التسامي والإعلاء، وينطبق نفس القول بالنسبة لغرائز أخرى كالغريزة الجنسية أو حب الاستطلاع أو السيطرة أو غيرها. وتلعب الأهواء دوراً بالغ الأهمية في بلورة الرأي العام، وذلك حسب الظروف السائدة. ففي ظروف الحرب- مثلا- يتقبل الناس آراء، ويعتقدون في صحتها وأهميتها، بينما يشكّون فيها في وقت السلم، أي في الظروف العادية. وحتى في الأحوال العادية يتأثر الرأي العام بأفكار لا شعورية دون أن يعرف الناس. فاللاشعور يؤثر في توجيه أفكارنا وآرائنا، بصدد عمل أو حادثة أو فكرة، وذلك تبعا لخبراتنا السابقة، وما مر بنا من انفعالات وصدمات.
3- الثقافة
————-
وهي تمثل مجموع العادات والتقاليد والقيم وأساليب الحياة التي تنظم حياة الإنسان داخل البيئة التي يعيش فيها، فأفكار الشخص الذي نشأ في بيئة مترفة غير أفكار شخص نشأ في بيئة فقيرة أو مهمشة. والعادات المكتسبة أثناء عملية التنشئة الاجتماعية المختلفة لها تأثير على ما يصدره الفرد من أحكام، ومما لاشك فيه أن الدين والتعليم والعادات المكتسبة تؤثر في نفسية الفرد، وما يصدر عنه من أفكار وآراء، ويتأثر الرأي العام تأثرا شديدا ً باتجاهات الجماعات الأولية وقيمها. ومن ناحية أخرى فان زيادة ثقافة المجتمع وانخفاض نسبة الأمية تساعد على تكوين الرأي العام، كما أن الإنسان العادي بمعتقداته الراسخة ـ دينيا وسياسيا واقتصاديا ـ لا يمكن أن يتقبل أي مناشدة دعائية تتعارض مع معتقداته.
وقد فطنت أجهزة الدعاية إلى خطورة وجود الجماعات ذات النزعات العنصرية والسياسية والدينية في إثارة الانفعالات الجماهيرية، وتهييج الخواطر والترويج لأفكار معينة، فأخذت تستغلها في نطاق واسع في الإعلام والثقافة والاتصال الشخصي وعن طريق النكات أحياناً.
وهكذا فان الثقافة تعد من أخطر العوامل المؤثرة في الرأي العام تجاه موضوع معين، ومثال ذلك أن كراهية الأمريكيين البيض للمواطنين السود كانت نتيجة عناصر ثقافية خضعوا لها في الماضي، حيث ظروف الثقافة التي يتعرض لها الطفل الأمريكي تكسبه الاتجاه العدائي ضد السود.
4- النسق السياسي:
تسمح الديمقراطية بذيوع وانتشار الرأي العام، ولا تعمل الهيئات والمؤسسات العامة في الخفاء. كما تعمل الديمقراطية على قيام حرية الفكر والاجتماع والتعبير عن الرأي بين أفراد المجتمع، وذلك على عكس ما هو موجود في ظل الدكتاتورية، بالإضافة إلى ذلك فان الحريات العامة، وهي حرية الرأي، وحرية الصحافة والكتابة، وحرية الاجتماع، وحرية العمل وغيرها تعد من مكونات الرأي العام.
ويعتبر وجود المفكرين ورجال الأعمال والقادة الذين يتميزون بالقدرة على التأثير على الآخرين من العوامل المهمة في تكوين الرأي العام، وذلك لما يتميزون به من قدرة على معرفة الرأي العام ومعرفة بمشاعر وأحاسيس الجماهير. وحينما تتوفر ثقة الجماهير في القائد، فأنه يصبح أداة قوية وفعالة
في تغيير اتجاهات الجماهير والتأثير فيهم، وتكوين الرأي العام الذي يؤيد القضايا التي يدعو إليها.
5- الأحداث والمشكلات:
———————–
تعتبر الحوادث المشكلات والأزمات، التي يتعرض لها مجتمع معين، من العوامل المهمة التي تعمل على تكوين اتجاهات جديدة للرأي العام، فمهما قيل عن عبقرية وزير الدعاية النازية (جوبلز)، فالحقيقة انه لا هتلر، ولا جوبلز، ولا غيرهما من الدعاة والعباقرة كانوا يستطيعون تحويل ألمانيا إلى النازية دون الاعتماد على الأزمة الاقتصادية، والشعور بالقلق وعدم الأمن بين صفوف الشعب الألماني، فالتغيير الثوري ليس حركة فجائية تحدث في فراغ، ولكنه تعبير عن ظروف موضوعية وأحداث سياسية واقتصادية واقعية، ولهذه الأسباب نجحت الثورة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق، ولم يكن اتجاه الصين الشعبية إلى الشيوعية نتيجة الدعاية أو التعاليم الماركسية وحدها، ولكن حكم (تشانج كاو تشيك) الفاسد، وظروف البلاد المتردية خلقت حالة من عدم الرضا، استغلها الدعاة الشيوعيون استغلالاً طيباً، فنجحت الثورة الصينية. وقد يكون الرأي العام مؤقتا، كالذي يحدث نتيجة مشكلة بين أصحاب العمل والعمال، عند مناقشة الأجور مثلا، ففي هذه الحالة يزول الرأي العام بزوال المشكلة.
6- الإعلام والدعاية :
الإعلام هو العمليات التي يترتب عليها نشر معلومات وأخبار معينة تقوم على أساس الصدق والصراحة، واحترام عقول الجماهير وتكوين الرأي العام عن طريق تنويره. أما الدعاية فهي العمليات التي تحاول تكوين رأي عام عن طريق التأثير في شخصيات الأفراد من خلال دوافعهم وانفعالاتهم ومفاجأتهم بالأخبار، والتهويل فيها، وتقديم الوعود الكاذبة. ومن هنا فان كلاً من الإعلام والدعاية ووسائل الاتصال من صحافة وإذاعة وسينما ومسرح واجتماعات عامة، تعد قوة إيجابية فعالة لها تأثير ناجح في تكوين الرأي العام. كما تلجأ بعض أجهزة الدعاية السياسية إلى جعل بعض الجماعات الثانوية كالاتحادات المهنية، واتحادات الطلاب، والمحافل الماسونية، والجمعيات الدينية، منافذ أو مسارب تسرى فيها الدعاية الحزبية، وتقرر اتجاهاتها.
7- الشائعات :
ــــــــــــ
هي الأحاديث والأقوال والأخبار والروايات التي يتبادلها الناس ويتناقلونها دون التثبت من صحتها أو التحقق من صدقها. ويميل كثير من الناس إلى تصديق ما يسمعونه ثم يأخذون في ترديده ونقله، وقد يضيفون إليه بعض التفصيلات الجديدة.
رابعاً: أنواع الرأي العام :
ــــــــــــــــ
ينقسم الرأي العام إلى درجات وأنواع، فهناك من يرى انه ينقسم إلى:
1ـ الرأي العام المسيطر.
2ـ الرأي العام المستنير أو القارئ.
3ـ الرأي العام المنقاد.
والأول هو رأي القادة والزعماء والحكومات في اغلب الأحيان، والثاني رأي الطبقة المثقفة في الأمة، وهي الطبقة القادرة على الدرس والناقشة، والثالث رأي السواد الأعظم من الشعب ممن لا يستطيعون متابعة البحث أو الدرس.
ومن الباحثين من رأي أن هناك ثلاثة أنواع، حددها على النحو التالي:
1ـ الرأي العام الكلي.
2ـ الرأي العام المؤقت.
3ـ الرأي العام المنقاد.
والأول يتصل اتصالا قويا بالدين، والأخلاق العامة، والعادات والتقاليد وغيرها من الأشياء الثابتة في الأمة، ويمتاز هذا النوع بالثبوت ويشترك فيه أغلب الناس. والثاني ما تمثله الأحزاب السياسية والهيئات العامة والخاصة، وذلك عندما تسعى لتحقيق هدف معين في وقت معين. والثالث هو النوع المتقلب كتقلب الجو، وعليه تعيش الصحف اليومية والإذاعة والتلفزيون.
ويرى فريق آخر من الباحثين أن الرأي العام ينقسم إلى أربعة أنواع هي:
1ـ رأي الأغلبية.
2ـ رأي الأقليات.
3ـ الرأي الساحق.
4 ـ الرأي الجامع.
فالرأي الأول هو رأي الجماعة حيث ينقسم إلى هذين القسمين:
أغلبية وأقلية، وقد تتحول الأولى إلى الثانية، وقد يحدث العكس، ومن أجل هذا كان لرأي الأقلية وزن كبير في الأمة، وذلك لأن أصحاب الأقلية إنما يعتمدون على بذل الجهود الكثيرة في سبيل الوصول إلى الأغلبية، وبهذه الجهود تنتفع الأمة، أما الرأي الثاني فهو رأي الأقليات حين تتفق أحيانا مع رأي معين في ظرف معين وهدف معين، ولكن قد يفضي هذا النوع من الرأي بالأمة إلى التحول السريع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن اجله قد تسقط وزارة وتعقبها أخرى، ويستمر الحال هكذا حتى تتمكن إحدى الأقليات من أن تصبح أغلبية. أما الثالث فكثيرا ما يكون نتيجة لاندفاع الشعب، أو نتيجة لتكامله في بحث المشكلات العامة، فالشعب إذا وصل إلى الرأي الساحق عن طريق البحث أو الدرس، فانه يكون في مثل هذه الحالة قد بلغ الذروة، ولكنه في الواقع قلما يصل إلى ذلك. والرابع هو الرأي الذي تجمع عليه الأمة وما ورثته من عادات ونزعات ومعتقدات، وهذا الرأي هو ما يسمى بالاتجاه العام أو النزعة العامة، وهو لا يناقش في العادة، وإذا تعرض احد لمناقشته، عرض نفسه للخطر المحدق، ومع هذا يستطيع عدد قليل من القادة في كل امة أن يقنعوا أمتهم بفساد جزء من أجزاء هذا الرأي الجامع، بشرط ألا يمس هذا الجزء أصلا من أصول الدين أو العقيدة، وإن كان ذلك يحتاج إلى صبر طويل وكفاح مرير وعمل متواصل.
ويرى البعض أن الرأي العام ينقسم إلى درجات وهي :
1ـ موافقة اجتماعية.
2ـ موافقة عن طريق التراضي.
3ـ موافقة عن طريق التصويت.
4ـ موافقة عن طريق الضغط.
أما الموافقة الاجتماعية فهي لا تحدث إلا بين أفراد بعض الهيئات الخاصة، كما يحدث غالبا بين جمهرة العلماء، نحو اكتشاف معين أو اختراع جديد أو كاتفاق أفراد قبيلة ما على موضوع يخصهم، وذلك لصغر حجم المجتمع القبلي. وهذه الدرجة من الرأي العام نادرا ما تحدث في المجتمعات المتقدمة نظرا لتشعب الآراء والأفكار وكثرة السكان.
وفي الرأي العام عن طريق التراضي يتنازل كل فريق عن جزء من رأيه نحو موضوع معين مع علمه التام بصواب رأيه، وذلك في سبيل الوصول إلى رأي واحد، وحل مشكلة هذا الموضوع على أية، صورة كما يحدث بصدد الشؤون الاقتصادية.
والرأي العام عن طريق التصويت، هو رأي الأغلبية الذي يسود،وهذه الدرجة من الرأي العام ينتج عنها كبت آراء خفية معارضة، قد تؤدى إلى عدم استقرار المجتمع.
وقد يأتي الرأي العام عن طريق الضغط، كأن يضغط قائد الجماعة على أفراد جماعته ويحملهم على قبول رأي معين، وهذه الدرجة اقل درجات الرأي العام دواماً، ولا يعتبر هذا النوع رأيا عاما بالمعنى الصحيح، إذ أنه مبني على الكبت والضغط، لا على حرية الفكر والرأي.
ويقسم البعض الرأي العام إلى الآتي:
1- الرأي الظاهر × الرأي العام الباطن.
2- الرأي العام الثابت × الرأي العام المتغير.
والرأي العام الظاهر هو تعبير مجموعة من الناس عن اتجاهاتهم وآرائها، إزاء مشكلة تعبيرا صريحا بحيث تتوفر الحرية ولا يخشى الناس أن يعبروا عن آرائهم بصراحة. والرأي العام الباطن أو غير الظاهر،وهو عكس الأول،أي الرأي العام غير المعبر عنه، لأن أفراد الجماعة يخشون التعبير عن آرائهم واتجاهاتهم، لأنها ضد القانون أو المعايير الاجتماعية المتعارف عليها.
والرأي العام الثابت هو المستمد من العادات والتقاليد. أما المتغير فهو الذي يتكون نتيجة الحملات الإعلانية والترويجية والإعلامية والدعائية.. إلا أننا يجب أن نلاحظ أن الثبات والتغيير مسألة نسبية، ففي حين تتغير العادات والتقاليد بمضي الزمن، إلا أن للتغير دورا مهما. كذلك الرأي العام المبني على حملات الإعلان والترويج يمكن أن يظل ثابتا لمدة طويلة، باستمرار الحملات الموجهة إلى الأفراد.
خامساً:الرأي العام و العملية الإعلامية
المقصود هنا بتحديد الرأي العام لشكل عملية الاتصال الإعلامي، هو دراسة العلاقة بين الرأي العام،وشكل العملية الإعلامية، وحتى نتعرف على هذا فإننا سوف نتعرف على العلاقة التي بين الرأي العام والعملية الاتصالية، بصفة عامة، ثم نتعرف على أهمية الرأي العام في تحديد شكل الرسالة الإعلامية، وأخيراً دور الرأي العام في تحديد الوسيلة الإعلامية المناسبة لكل جمهور، ولكل وقت من الأوقات، ولكل مكان من الأماكن.
فالرأي العام يلعب دوراً خطيراً في التحكيم في العملية الإعلامية من حيث شكلها و مضمونها ؛ وسوف نتعرض للعلاقة بين الرأي العام وشكل العملية الإعلامية، ثم نتعرف على العلاقة بين الرأي العام ومضمون العملية الإعلامية، أي كيفية تأثيره، ومدى تحكمه في تحديد وتوجيه السياسة الإعلامية في المجتمع.
وحتى يمكن معرفة علاقة الرأي العام بشكل العملية الإعلامية، لابد أن نتعرض لعلاقته بالعملية الاتصالية بداية، فالمعلوم أن الاتصال هو الأوسع أو الأكثر عمومية من الإعلام، فما الإعلام إلا شكل من أشكال الاتصال، أو إحدى عملياته، لأن الاتصال مفهوم أكثر اتساعا، حيث يبدأ بالاتصال الذاتي، الذي هو الأساس في كل عملية اتصالية إعلامية أو غير إعلامية، وربما أغفل البعض الاتصال الذاتي، أو رأوا أنه غير هام، وهو عملية الإدراك والفهم وصياغة الأفكار، ولكن هذه العملية هي البداية، فالإنسان لا يتصل بغيره من الناس في حالة ما إذا بدأ هو بالاتصال، إلا بعد التفكير، كما أنه لا يفهم من يتصل به إلا بعد التفكير أيضا، و يلي ذلك الاتصال الشخصي ثم الجمعي، ثم الاتصال الجماهيري الذي هو الصورة البارزة للإعلام، ولابد من التأكيد على انه لا يستغنى عن الاتصال الذاتي ولا الشخصي ولا الجمعي فكل نوع من هذه الأنواع في خدمة النوع الآخر.
أما الاتصال كمفهوم عام فهو عملية التفاهم بين البشر، أو حتى بين البشر وغيرهم من المخلوقات، بأي وسيلة من الوسائل سواء كانت اللغة أو الإيماءة أو الإشارة أو الحركة أو الضوء أو غير ذلك من الوسائل، لتحقيق هدف عام أو خاص، لذلك سوف نبدأ في التعرف على العلاقة بين الرأي العام والعملية الاتصالية بصورة عامة.
1- العلاقة بين الرأي العام والعملية الاتصالية عامة :
تتلخص العملية الاتصالية الإعلامية في عناصرها التي جمعتها العبارة القائلة (( مَن، يقول ماذا، لمن، وبأي وسيلة، وما هو التأثير؟ )) وتفسير هذه الأركان هي : المرسل – الرسالة – الوسيلة – المستقبل، ثم رد الفعل الذي ينتج عن التأثير والذي يكمل الدائرة الاتصالية.
وبقدر حدوث التوافق بين هذه الأركان الخمسة للعملية الاتصالية، بصفة عامة، والإعلامية منها بصفة خاصة، بقدر حدوث تحقيق الهدف من الاتصال، وذلك لأن أي اتصال لابد له من هدف، وإلا لما بدأ من حيث البداية، وإذا بدأ فما كان هناك دافعا إلى الاستمرارية في القيام بالعملية الإعلامية، وإذا حدث هذا فما كان هناك دافعا إلى عملية التلقي أو الاستقبال.
ومعنى حدوث التوافق بين أركان العملية الاتصالية، هو فهم المرسل لهدفه من القيام بالاتصال، وبالتالي فهمه لرسالته، وللوسيلة المناسبة للرسالة، والمناسبة له كمرسل من حيث الإمكانيات والقدرة على الاستخدام الواضح، إن لم يكن الأمثل، ثم مدى التوافق بين الرسالة والوسيلة والجمهور، وإذا توافقت هذه العناصر الأربعة كلها، أدى هذا إلى التأثير، وبالتالي إلى رد الفعل الذي يؤدي بالمستقبل إلى أن يصبح مرسلاَ، والمرسل إلى مستقبل وهكذا تدور عجلة الاتصال، وتستمر في الدوران.
ولابد هنا أن نقف على حقيقتين هامتين، الأولى : انه لا يمكن حدوث التوافق بين عناصر العملية الاتصالية بدرجة 100% مائة في المائة.
الثانية : أنه أيضا لا يمكن أن ينعدم حدوث الاستجابة تماما بدرجة مائة في المائة أيضا.
أما انعدام حدوث التوافق تماماً، فهذا لأن هذه العناصر المتعلقة بالعملية الاتصالية تتدخل فيها ظروف وعناصر أخرى تختص بالنفس البشرية، أو إدراك الأشياء، أو عمليات التفسير وصياغة الأفكار وتلقيها.
وهذه العمليات تتعلق بكثير من الأشياء المعقدة والمتشابكة، والتي يتدخل في تفسيرها ومعرفة إبعادها كثير من العلوم كالاجتماع وعلم النفس وعلم الوراثة، ودراسة الأجناس، ونحو ذلك، ولا يمكن التعمق وراء كل مرسل أو كل مستقبل، للتعرف على ما يؤثر في نفسيته أو يتحكم في عقليته أو مدى وكيفيه إدراكه وفهمه للأشياء، حتى نستطيع الوقوف على كيفية فهم المرسلين جميعا، لإمكان صياغة رسائل إعلامية متوافقة مع الجمهور ومع الوسائل، ووسائل متوافقة مع الرسائل ومع الجمهور.
ولا يعني هذا من ناحية أخرى عدم الاجتهاد في التعرف على هذه الأشياء ومراعاتها ولو بقدر أو نسبة معينة، وإنما لابد من التعرف على الخطوط العريضة أو السمات المميزة للمجتمع و أفراده وأوقات الاجتماع أو المشاهدة المفضلة لديهم إجمالا، أما تفصيلا فهذا يتوقف على مزاج كل فرد، وهذا شيء يستحيل فهمه على الشخص ذاته في