سيكولوجية الشخصية … الدكتور أسعد الأمارة 3
الشخصية ومسار الفعل
الانسان هو تلك الوحدة المتكاملة الحية التي يدفعها السلوك الى التعامل في مواقف الحياة المتعددة والمتنوعة المتباينة في الشدة والبساطة ،في التعقيد والتبسيط ، في الدراسة والعمل وفي البيت مع الاسرة الصغيرة وفي مستوى التعليم الثقافي والعلمي والمهني .
شكل عامل ضغط الحياة كيفية استخدام مسار الفعل في المواقف المتباينة ، فالفعل هو الفعل ، يصدر من ذات واحدة ، فأن حمل الصحة اثيب صاحبه (منح الثواب والتشجيع) ،وان حمل الخطأ عوقب صاحبه ، كل ذلك يصدر من الشخصية ونمطها في التعامل وكيفية اخراج الموقف بالطريقة الناجحة ، فالجندي في المعركة يقاتل من اجل اهداف يراها سامية مثل الدفاع عن الوطن او عن الارض او عن العرض وربما يستشهد في المواجهة وهو يدفع حياته ثمنا لها، آمن بها حتى وان كانت اهداف سياسية تمنح الكبار النجاح، وكذلك ما يفعله الشرطي الذي يكلف بواجب حماية القانون ضد اللصوص والسراق وقطاع الطرق ومكافحة الجريمة والقبض على المجرمين ومطاردتهم، فهو يؤدي واجبا يحترمه الجميع وخصوصا اذا كان الواجب حماية ارواح الناس وممتلكاتهم وأمن البلاد ، هذا المسار الذي يقوم بتطبيقه الجندي في المعركة،والشرطي في المدينة لحفظ الامن ، هو مسار حضاري للمجتمع وللشخصية ومقبول من الجميع في المجتمعات الانسانية المختلفة الاعراق ، وربما تكافئ قيادة البلد الادارية والسياسية والحكومة هذا الجندي الذي استبسل في المعركة او الشرطي الذي يخدم لحماية امن البلد والمواطنين وتمنحهما الاوسمة والانواط والنياشين لشجاعتهما وكفاءتهما وتفانيهما في اداء الواجب وتعريض النفس للموت والمخاطرة بها ، ولكن تساؤلنا في مسارين للفعل :
المسار الاول : القتل الذي يقوم به الجندي والشرطي
المسار الثاني : الاثابة للعملية باكملها
نحن نعرف تماما ان القتل هو ابشع سلوك يمارسه الانسان ضد اخيه الانسان وضد الطبيعة وضد المخلوقات الاخرى ، فهو مكروه برمته من ناحية ومحبب مرغوب فيه من ناحية اخرى ، كيف اذن نحل الاشكال ، القتل في العملية الاولى هو من اجل الدفاع عن الوطن ، ومن اجل حماية امن البلد من اللصوص وقطاع الطرق ، ومن الناحية الثانية هوفعل بشع يمارسه الانسان.
غني عن البيان ان الجندي حينما يقاتل يثاب على عمله وتفانيه به حتى يحصل على اعلى الاوسمة والنياشين برد المعتدي عن ارض الوطن وايقاع افدح الخسائر به ، من معدات وعجلات وبشر ، اي القتل المشروع وايقاع الخسائر بالعدو ، في هذه الحالة لم يعد القتل مكروه او ممنوع وانما مستحب ومرغوب فيه وربما واجب وطني او ديني ، وكذلك مسار فعل الشرطي بمطاردته المجرم والقاء القبض عليه او ربما يرديه قتيلا حتى يمنح الاوسمة والنياشين من مسؤوليه او مدراءه او من الزعماء السياسيين لشجاعته وبطولته وتفانيه من اجل تخليص المجتمع من المجرمين ، الى هنا والوضع اعتيادي ، ولكي ازيد الامر وضوحا ينبغي ان اذكر ان الجندي الذي منح الاوسمة والنياشين لكفاءته في القتل لرد الاعداء وايقاع الخسائر بين صفوف العدو في معداته ورجاله هو من الشجاعة التي لاتوصف،وقد رأيناه كيف يمارس القتل والتدمير بشكل شرعي وقانوني وانساني كما يريده القادة ويثنون عليه ، وهو الحال ذاته لدى الشرطي الشجاع الذي قتل اللصوص وقطاع الطرق، اذن مشروعية القتل تكمن بمسار فعله ، بقبوله في اللحظة التي ينفذ بها القائم في القتل ، ويمنح التكريم والاثابة . هذا الشرطي ،قاتل المجرمين ،وهذا الجندي قاتل الاعداء ، وهو عائد الى بيته بعد ان تم تكريمه ارتكب مخالفة في الشارع مع احد المواطنين ، وكذلك حال الشرطي الذي منح الاوسمة لشجاعته في مطاردة اللصوص وقتل بعضهم ، تعرض له احد المواطنين وهو في طريق
عودته الى بيته او وهو يتسوق في الشارع حيث اختلف مع احد المواطنين ، واثناء ذلك بعد تصاعد وتيرة الغضب والاصوات العالية التي بدأت رائحتها تلف الحضور سواء بالتشجيع او بالتهديد او الوعيد حتى نسى نفسه هذا الشرطي المكلف بامن البلاد ، واخرج مسدسه الحكومي واطلق النار على المواطن الذي اغضبه او اختلف معه حول موضوع تافه لا يرقى لان يكون كبيرا او عصيا ، فارداه قتيلا في الحال .
سؤالنا : كيف نفسر سلوك القتل الصادر الان من نفس الشخص ؟
في المرة الاولى :قتل مع التكريم
في المرة الثانية : قتل مع التجريم
اذن ما هو مسار الفعل في هاتين الحالتين ،وكلاهما قتل ؟
هنا يجب ان يعرف دارس علم نفس الشخصية مسار فعل الشخصية معرفة حقيقية ، وسنضرب له مثال آخر عن مهنة يدافع بها صاحبها عن الناس ،وهي مهنة المحاماة ، ان المحامي الذي تخصص في الدفاع عن قضايا الناس في المحاكم واعطاه القانون حصريا حق الترافع عن المواطنين ، يتعرض وهو في طريقه الى المحكمة لغرض الترافع عن احد موكليه والدفاع عنه لمضايقات طائشة من احد السواق في الشارع العام الذي اكتض بالسيارات والمارة ،مما سبب له الانفعال الشديد والغضب الذي لم يستطع السيطرة عليه او كبحه ، فنزل من سيارته غاضبا وصب جام غضبه على احد السواق الذين اعترض سبيله فضربه بلحظة انفعال وغضب ضربة قاتلة اودت بحياة هذا السائق المسكين ، وحولت المحامي المسؤول في مهنة الدفاع عن الابرياء الى مجرم قاتل ، وهنا نعيد التساؤل :
كيف حدث مسار الفعل في هذه الحادثة ؟
القتل عند المحامي وهو المدافع عن المتهم ..
القتل عند الجندي في المعركة ..
القتل عند الشرطي في مطاردته للصوص ..
القتل عند الجندي في المنطقة التي يعيش فيها واختلافه مع احد المواطنين ،ادى الى مقتل المواطن ..
القتل عند الشرطي في الشارع واختلافه مع احد المواطنين وهو يتسوق ..
نلاحظ ان القتل هو القتل ، قتل يثاب عليه ، وقتل يعاقب عليه مرتكبه ، ولكن مسار الفعل اختلف في كل الاحوال وبنفس الوقت اتفق في معظم الاحوال ،فالقتل هو القتل ، وتبقى اشكالية كيف نقبل الشئ وضده في آن معا ، لاسيما ان مسار الفعل واحد والنتيجة واحدة ، لكن يقبل في المرة الاولى عند الشرطي والجندي ، ويرفض في المرة الثانية عند كلاهما وعند المحامي .
ان مسار الفعل في الشخصية وفي المهنة يحدده واقع الفعل نفسه ، فلايمكن ان يكون مقبولا عند المحامي او الجندي او الشرطي وسط المدينة وبين الناس او في التعامل ، ولكنه يكون مقبولا في الدفاع عن الوطن وعن آمن البلد ، رغم ان فعل القتل واحد في كل الاحوال ، وتؤكد جملة هيجل المشهورة(اذا ضربت “قتلت” فنفسك “تقتل” تضرب) .
الفصل الرابع
انماط الشخصية
ا لشخصية ا لشيزية “ا لفصامية” Schizoid Personality
لا اعتقد ان هناك احداً لم تتوارد الى ذهنه كلمات مثل : فصام , هستيريا , كآبة ,هذه الكلمات تطلق على كل شخص فقد اتزانه الانفعالي واطلق لحيته وظل يتجول بين الناس غير آبه بما يجري حوله ، حتى اطلق عليه العامة ” مجنون ” . ولكن في التصنيفات الطبية النفسية , ان الحالة المرضية التي تشخص اكلينيكياً هي غير ما نحاول ايضاحه في اطار الشخصيات وانماطها ، فالشخصية الشيزية وهي مختصر لكلمة شيزوفرينيا اي الفصام , ليست بحال ان تكون مرض الفصام بعينه , فانماط الشخصية هي سلوكيات تتشابه في اداءها حسب الحالة , فكل منا لديه نمط للشخصية ولايوجد اي كائن بشري بلا نمط في الشخصية , وحامل نمط الشخصية ليس بحال هو مريض بذلك المرض ولكن لو تعرض الى الضغوط النفسية القاسية والازمات والصدمات وضاقت عليه سبل الحلول , فأنه سيتجه حتماً الى المرض الذي يحمل في داخله ذات السمات العامة له .
ان خصائص الشخصية الشيزية “الفصامية ” تشبه الى حد كبير نمط الشخصية الانطوائية مع الفارق في وجود المظاهر العاطفية المتمثلة في الحساسية الزائدة وسرعة في الحساسية العاطفية.
من السمات التي يتصف بها صاحب الشخصية الشيزية بأنه حساس ، عنيد ، شكاك , كتوم ، فضلا عن انه قليل الرغبة في اقامة صلات اجتماعية او صداقات واسعة , ويبتعد دائماً عن المشاركة الجماعية وفي ممارسة الالعاب الجماعية ايضاً ويحاول ان يفضل الكتاب على الناس ,وكثيراً ما وصف الاهل صاحب الشخصية الشيزية في طفولته بأنه كان اشبه بالملاك ، هادئ , غريب الاطوار , حتى انه يشعر بغموض وصعوبة في التعبير عن افكاره ويظهر ذلك من خلال ما يلي :
– سريع الافكار المتطايرة مع ضعف في الترابط بينها .
– لايستطيع ربط الافكار بعضها البعض .
– يجد احياناً صعوبة في ايجاد المعنى المناسب بسهولة للفكرة او الكلمة .
– قلما يستطيع التركيز على المعنى المطلوب .
– يمزج الواقع بالخيال وتختلط لديه الاحداث اليومية الحقيقة مع الخيالية .
– لايعرف مايريد في اغلب الاحيان .
ا ن اعراض الشخصية الشيزية في الطفولة هي نذير بامكانية الاصابة بمرض الشيزوفرينيا في المستقبل اذا ما توفرت عوامل اخرى مثل الشدة او الارهاق او الصدمات النفسية الانفعالية او الفشل في الحياة ومواجهة صعابها ويقول علماء النفس المرضي لاشك ان هذه العوامل تؤثر على الاستعداد الوراثي وتظهر المرض وتعجل في تسارعه . ويضيف علماء النفس المرضي ايضاً , اننا نجد بالفعل ان معظم الذين يصابون بمرض الفصام –الشيزوفرينيا- اتصفوا بتلك العوامل والمسببات التي ذكرناها خلال مدة طويلة امتدت من الطفولة الى الرشد , ولكن لو سارت الامور لدى صاحب هذه الشخصية بالمسار الطبيعي دون صدمات شديدة خلال مراحل النمو المتعددة في المراهقة والبلوغ ثم الرشد وتجاوز عقبات التحول بنجاح بمساعدة الوالدين وتوجيهاتهم بهدف التقليل من امكانية الاصابة بالمرض فأنه سينشأ سليماً سوياً الى حدما رغم ان الشك والريبة وما الى ذلك من صفات تكون بارزة في سلوكه وكلما اقترب وتواصل مع المجتمع من خلال الاتصال الاجتماعي عبر العمل والدراسة فأنه سيكون سوياً حتماً .
صاحب الشخصية الشيزية له ميل حاد نحو الدراسات الغيبية وله ولع بها كذلك اهتمامه الكبير بالفلسفة والدين وعلم النفس واللاهوت واذا ما اتيحت له فرصة العمل السياسي فانه ينتمي للاحزاب السياسية النادرة المتعصبة والتي ترضي فيه عدم القدرة على الالتزام بمعنى محدد . انه كثيراً ما يشكو صعوبة التركيز وعدم القدرة على فهم الموضوعات المتعلقة بالتفصيلات التافهة مع ضعف واضح في قدرته على اتخاذ القرارات . .
من صفات الشخصية الشيزية انه يتوقف عن التفكير وهو يتحدث او اثناء حديثه ثم يبدأ الكلام ثانية في موضوع آخر , حتى ان البعض من الناس يرصدون هذه الظاهرة في التصرف على صاحب هذه الشخصية فنجده يشعر بسباق دائم بين افكاره ويشكو من ازدحام رأسه بالافكار المتعددة ولكن عندما نسأله ان يفصح عن هذه الافكار يعجز وتبدو عليه عدم القدرة على التعبير الواضح عن هذه الافكار .
الكثير منا يلاحظ ان بعض الاشخاص كثيري الشكوى وكثيري الاتهام للاخرين وانهم لايفهمونهم ولايقدرون انفعالاتهم وافكارهم حتى يصل الامر في احيان عديدة ان اصحاب هذه الشخصية يعتقدون اعتقادات خاطئة مثل الظن بالاخرين والتشكك بهم وبنواياهم , ونراهم ايضاً كثيري العلل والتوهم بها رغم انهم اصحاب بدنياً .
ان صاحب الشخصية الشيزية يمر بعدة انواع من الانفعالات دائماً تبدأ بسيطة واولها تأخر الاستجابة الانفعالية مع نقص واضح في شعوره بالالفة والعطف والحنان مع افراد اسرته اولا ثم مع اصدقاءه ثانياً , بعكس طبيعته الاصلية التي كان يتسم بها سابقاً . الشخصية الشيزية تحمل سمات اخرى يمكن ملاحظتها بسهولة هي ارتباك الانفعالات , فاحيانا يستجيب بشكل لا ارادي الى العناد والصلابة والتحكم في الرأي والاصرار عليه , فمثلا نجد الطالب “صاحب الشخصية الشيزية ” يلح على واله لتغيير المدرسة ثم عند بدءه في المدرسة الجديدة يطالب بالعودة ثانية الى المدرسة القديمة ثم سرعان ما يطالب والده بأن يبحث له عن عمل لانه لاينوي تكملة الدراسة ثم يعود للدراسة ثانياً .. وهكذا يتضح هذا ايضا لدى بعض الطلبة الذين يحولون من كلية الى اخرى دون الوصول الى هدف , كذلك ما نشاهده عند الفتاة التي ترفض الزواج ثم تقبله ثم تفسخ الخطوبة ثم توافق عليها ثانية وهكذا.. او العامل الذي كثيرا ما يتحول من عمل الى آخر داخل عمله ثم من عمل الى آخر خارج المهنة الواحدة , ويفسر علماء النفس المرضي بانه ضعف الارادة وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب والاستمرار والثبات عليه لمدة طويلة , وهي احدى سمات
الشخصية الشيزية ” الفصامية” .
يعرف علماء النفس الشخصية بانها تلك الانماط المستمرة والمتسقة نسبياً من الادراك والتفكير والاحساس والسلوك التي تبدو للاخرين شكلا متناسقاً وتعطي للافراد ذاتيتهم المميزة وصفاتهم الخاصة , فالشخصية اذن تكوين يتضمن الافكار , الدوافع , الانفعالات , الميول , الرغبات , الاتجاهات , القدرات والظواهر المشابهة . اما الفصام ” الشيزوفرينيا” فمعناها الحرفي مشتق من كلمتين , سكيز(Schiz) ومعناها الانقسام او الانفصام , وفرنيا (Phrenia) ومعناها العقل اي انقسام او انفصام العقل .
ومن المعلومات المهمة عن الشخصية الشيزية ان انتشارها بين الرجال والنساء على حد السواء وبنسبة واحدة , وتحولها الى الحالة المرضية يصل بنسبة حوالي 70% وتكون عادة في الاعمار الممتدة من 15 -40 عاماً , اي اواخر العقد الثالث من العمر وان انتشارهذه الشخصية يزداد بين العزاب عنه في المتزوجين.
يبدأ صاحب الشخصية الشيزية تفضيل الانسحاب من المجتمع والميل الى العزلة والانطواء كذلك انه يكره الربيع واوائل الصيف لان لهما دلالاتهما السيكولوجية لدى اصحاب هذه الشخصية فتزدهر حالات التردي والتدهور كثيراً ولم يجد اطباء النفس وعلماء النفس المرضي تحديداً علمياً للاسباب الرئيسة لذلك , فالبعض منهم ارجعها الى احتمال وجود تغيرات بيولوجية وفسيولوجية اثناء تغير الجو مما يجعل الفرد ” صاحب الشخصية الشيزية ” المهيأ للمرض عرضة للانتكاسات ويبدو ايضاً واضحا ان معظم اصحاب الشخصيات الشيزية هم اصغر ابناء العائلة المتعددة الافراد ويكونوا من مواليد فصل الشتاء على الارجح .
الشـخصية ا لهـسـتيرية
يثير لفظ الهستيريا حالة غير عادية لدى البعض منا , او لدينا جميعاً حتى تختلط الحقائق بالاوهام عنها ويزداد وضوح هذه الشخصية في المرأة منها في الرجل وقد رصد علماء النفس بعض الصفات في الشخصية الهسيترية ومنها :
– حب الذات والاهتمام بها
– محاولة جلب انتباه الاخرين واهتماماتهم
– المباهاة وحب الظهور
– الاتكال على الاخرين في المسؤولية
– القابلية للايحاء والتأثر بالاخرين والاخبار المثيرة وتفاعلهم القوي مع هذه المثيرات
– الاستعراضية وحب الظهور
– الميل الشديد والعالي للتمثيل
– القابلية للمبالغة والكذب
– الانفعالات السريعة والسطحية معاً
– التلون حسب الموقف
– ضحالة المشاعر وتبدلها
– الفشل المستمر في الحياة الزوجية وعدم التوافق
ان نمط الشخصية الهستيرية يذكرنا دائماً بمفهوم عدم النضج والنمو العاطفي اي فقدان الاتزان العاطفي في الشخصية , ونقصد هنا عدم الثبات في العاطفة مع سطحية واضحة في الانفعالات , فالشخصية الهستيرية من السهل لديها ان تتلون مشاعرها وتتغير بالسرعة والتقلب , فالتغير السريع سمة واضحة في الوجدان لاتفه الاسباب . اننا نلاحظ في اغلب الاحيان ان صاحب هذه الشخصية يبدو لنا وكأنه ذو عواطف قوية معبرة وتضحي , الا انه سرعان ما تخمد وتتوارى وتتبخر وتبحث عن موقف آخر به عواطف اخرى بديلة , كذلك نلاحظ التذبذب بالصداقة والسرعة في اكتسابها وبنفس الوقت السرعة في فقدانها , فالشخص ذو الصفة الهستيرية يتميز بعدم القدرة على اقامة علاقة ثابتة لمدة طويلة نظراً لعدم قدرته على المثابرة ونفاذ الصبر السريع .
من مميزات الشخصية الهستيرية تعدد المعارف والصداقات السريعة ,وحب الاختلاط ولكن يتميز دائما بالتغير وعدم الثبات , فضلا عن هذه الكثرة من العلاقات الا انها تظل سطحية ولا تأخذ العمق الكافي من الثبات . ما يميز هذه الشخصية سرعة تأثرها الواضح باحداث الحياة اليومية والاخبار المثيرة واهتمامها
بما يدور بين الناس من همس حتى انها باتت تهتم ب ” القيل والقال ” ويؤثر ذلك تماما على اتخاذها القرارات , فتخضع كل قراراتها الى الناحية المزاجية الانفعالية اكثر من الناحية الموضوعية العقلانية . ومن الامثلة الكثيرة في ذلك الهمس الذي يدور بين النساء في الخفاء , والنقل المستمر للمعلومات ومعرفة
الاحداث الجارية اول بأول من امرأة الى اخرى عن موضوع لاقيمة له , وربما كان من التفاهة بمكان , حتى انه لايثير الجدل , ولكن تلجأ اليه المرأة حينما تسمع ما لايرضي نفسها , ان تبادر وتتخذ قرارا مثل قطع العلاقة مع من تحدثت عنها بالسر, ولا تتردد اطلاقاً عن افشاء اسرارها واغتيابها وسبها علناً , حتى وان لم تتأكد من صحة هذه المعلومات او حتى مناقشة الطرف الآخر في الموضوع .
من المثير في هذه الشخصية ايضاً الاستعراضية الزائدة وحب الظهور الذي يقترن بالانانية دائماً فصاحب هذه الشخصية من الرجال او النساء لديه ميل مرتفع نحو استجلاب الاهتمام والعمل الدؤوب ليكون محور الارتكاز , فهو ينظر الى كل الامور نظرة ذاتية , فضلا عن الاستعراضية والمبالغة في طريقة التكلم والتحدث والاشارات والملبس والتبهرج والعمل على لفت الانظار بحركات مسرحية ومواقف تثير الانتباه لغرض المبالغة في الاستعراض . ومن الملاحظ في نمط الشخصية الهستيرية ان تكوينها الجسمي يميل الى النحافة وصغر الحجم وهو ما يطلق عليه التكوين الواهن ولكن هناك تكوينات جسمية اخرى تظهر فيها الشخصية الهستيرية ايضاً .
ان نمط الشخصية الهستيرية عرضة للتذبذب الانفعالي الوجداني , فهو يعيش حالة المرح والنشوة والحماس القوي وينقلب فجأة الى الاكتئاب والانطواء والبكاء ورغبة في محاولة الانتحار, وهذا ما يجعل حالة التغير السريع والمفاجئ سمة من سمات الشخصية الهستيرية التي تنعكس على حياته الاسرية .
ومن الملاحظات التي نشاهدها , ان اقل اهتمام من الرجل بالانثى الهستيرية يجعلها تذهب بعيداً في افكارها وفي التأويل والتفسير والتخمينات , في حين ان الامر لم يكن في حقيقته كذلك عند الرجل واكنها تفسر الموضوع بالرغبة الجامحة تجاهها وانه يحاول اقامة علاقة عاطفية معها وربما لم يكن ذلك مقصده اطلاقاً . وما نلاحظه ايضاً عند الشاب الهستيري الذي يعتقد ان ابتسامة الفتاة له , انما معناها انها ترغب فيه , وانها سوف تقع في غرامه وهكذا …
اثبتت الدراسات النفسية ان معظم الرجال ينجذبون للشخصية الهستيرية نظراً لحيويتها وانفعالاتها
القوية وجاذبيتها الجنسية والاثارة وقدرتها على التعبير عن عواطفها , الا ان جزءاً كبيراً من النساء اللاتي يتمتعن بهذه القدرة العالية من الاثارة الاستفزازية المفرطة يعانون من البرود الجنسي , ويصاب المرء بالدهشة عندما تعلم ان بعض ملكات الجنس في العالم واللاتي يثرن الشباب في جميع الانحاء من العالم قد يعانين من هذا البرود الجنسي .
مما يميز اصحاب الشخصية الهستيرية بشكل واضح وملحوظ هو القدرة على الهروب من مواقف معينة من خلال التحلل من شخصيتهم الاصلية واكتساب شخصيات اخرى تتلائم مع الظروف الجديدة كما يتطلب احياناً من الممثل او الممثلة ان تعيش في شخصية البطل او البطلة يومياً لمدة ساعات باجادة تامة , فالشخصية الهستيرية لها قدرتها على تقمص الشخصية التمثيلية واندماجها مع الشخصية التي تقوم بالدور عنها ويتطلب ذلك انفصالها عن شخصيتها الاصيلة وهو ما تتميز به الشخصية الهستيرية كما يقول علماء النفس .
تصلح الشخصية الهستيرية للوظائف التي تحتاج لعلاقة مباشرة مع الناس مثل الخطابة واللقاءات والعلاقات العامة والتمثيل السينمائي والتلفزيوني والمسرحي وبكل اشكاله ومذيعي الاذاعة والتلفزيون وبعض المهن التي تحتاج الى اللباقة في الحديث والاقناع مع الاستعراضية والمباهاة .
وجد علماء النفس ان الشخصية الهستيرية تستجيب في احيان كثيرة بسهولة الى الضغوط النفسية الحياتية والشدائد في مسار الحياة والاجهاد والقلق التي تتعرض له او حينما تواجه ازمة نفسية تسبب المرض او صدمات مفاجئة تؤدي بها الى الحالة المرضية , ومن اهم الاعراض التي تظهر عليها :
– الاضطراب التحولي Conversion Disorders
اي يتحول القلق والاجهاد والازمة النفسية الى صراع نفسي بعد ان تم كبته الى حالة عضوية او جسمية واضحة , يكون له معناه بشكل رمزي ويحدث ذلك بطريقة لاشعورية , اي ان الشخص الذي يتعرض للحالة المرضية لايفهم المعنى الكامل لاعراضه ومعاناته والآمه , ويحاول الشخص الهستيري الذي تحول الى المرض ان يربط بين حالته المرضية واعراضها بظروفه البيئية التي ادت الى حالته .
– الاضطراب الانشقاقي Dissociative Disorders
وبها تنفصل شخصية الفرد الهستيري في حالة اصابته بمرض الهستيريا الى شخصيات اخرى يقوم اثناءها بتصرفات غريبة عنه , او انه يفقد احياناً ذاكرته وهو سبيلا للهروب من مواقف نفسية مؤلمة او بواسطتها يحاول ان يجذب انتباه الاهل ورعايتهم الخاصة به . ونلاحظ حدوث العمى الهستيري في ساحات القتال عند الجنود او الضباط او فقدان الذكرة الهستيري او الشلل الهستيري , او عندما يتعرض المرء الى موقف صادم ويفقد فجأة القدرة على الكلام او المشي او الرؤية , ويذكرلنا اطباء النفس ان الشلل الهستيري في
حالة الحرب يحدث عندما لايكون الجندي او الضابط مقتنعاً بجدوى الحرب والقتال , ويبدأ عنده الصراع الداخلي بين عدم الرغبة في الاشتراك في المعركة وبين الرغبة في الهروب ويصبح خائناً . وتزداد الازمة والشدة وينشأ الصراع الذي لم يجد الحل وينتهي الى الشلل الهستيري الذي يدخله الى المستشفى للعلاج ويحميه ولو مؤقتاً من هذا الصراع .
ويشيع انتشار الاضطراب الهستيري بين الفتيات والشباب الذين يتعرضون الى مواقف ضاغطة لاتجد حلاً لهذا الصراع . فالشاب الذي نشأ في بيئة دينية شديدة التمسك بالقيم الدينية , وكانت توجيهات والده الصارمة تحذره وتمنعه عن الفحشاء والتقرب الى النساء , يلجأ الى ممارسة العادة السرية , ولكنه تحت ضغط كبته الجنسي بدأ ممارسة هذه العادة بأفراط شديد فنشأ لديه الصراع بين حاجاته البيولوجية , وقسوة ضميره الديني , مما جعله هذا الصراع ان يخلق لديه ازمة نفسية حادة مع قلق شديد واكتئاب نفسي , انتهت باصابته بالشلل الهستيري في الذراع الذي يمنعه من مزاولة هذه العادة . ان هذا الشاب يجهل اسباب حالته المرضية وما آلت اليه الامور ولكن حين وضحت له اسباب حالته من خلال العلاج النفسي , وحل منشأ الصراع تحسنت حالته وان هذا الشلل الذي اصابه في ذراعه كان يحميه من الاقدام على ما لايرضي ضميره .
وهناك العديد من الاعراض الهستيرية غير المرضية ولكنها تأخذ شكل العادات التي يصعب على المصاب بها التخلص منها ومن تلك الاعراض حركة بعض العضلات الفجائية وتسمى ( اللازمة Tics) وتسبب بعض الاحيان الاحراج للشخص ومن امثلتها : رجفة في عضلات الوجه لا يستطيع المرء السيطرة , ارتعاش في جفون العين الفجائي والمستمر , حركة الرقبة او الرأس الفجائية والمستمرة , المبالغة في حركة اليدين او اللعب بالشارب , او في الشعر او ضبط ربطة العنق بأستمرار , او حركة الفم غير الاعتيادية مع حركة الفكين .. الخ , الى المحاولة المستمرة لتعديل الملبس قبل الجلوس واثناءه واثناء الحديث وبعده وخصوصاً في الاماكن الحساسة عند الرجال .
الشخصية الاعتمادية Dependent Personlity
انه لمن الصعب جداً قراءة ومعرفة الناس بدقة متناهية ، وانه من الصعب ايضاً وضع حسابات دقيقة وتصورات نظرية وعملية عن البشر وانماطهم ، فالبعض منهم كانوا مثل الكتاب يمكن قراءته بسهولة ، والآخر ظل مغلقاً مستحكماً حتى مع نفسه ، وان بدا للمتخصصين على وفق منهج دراسة سيكولوجية الشخصية وعلم نفس الاعماق شكلا ذو ابعاد واضحة ، الا ان العامة من الناس يرون غير ذلك .
نمط هذه الشخصية اقل وضوحاً من خصائص الشخصيات الاخرى مقارنة بهم . فنحن نرى في حياتنا الشخص الذي ينهار امام اول عقبة تواجهه او مشكلة صعبة او ضغوط حياتية تواجهه ، ينهار ويتألم ، وربما يقوده هذا الانهيار الى حالة الاضطراب النفسي.
ان ما تتميز به هذه الشخصية ً هو الافتقار التام الى الثقة بالنفس والاعتماد عليها حتى كادت تطغي عليه مشاعر العجز الشامل وعدم القدرة على حل ابسط مشكلة تواجهه او اتخاذ قرار مناسب ويقول علماء النفس ان هذا الشخص لايتحمل المسؤولية ويظل سلوكه طفلي , ويميل الى التعلق بالاخرين كما يفعل الطفل المعتمد على والديه .
وعند قراءتنا التحليلية لهذه الشخصية نجد ان هذه الشخصية نمت منذ صغرها على الرقة والتدليل الزائد
وتلبية كل المتطلبات دون استثناء ، ومهما كانت الرغبات ممنوعة او مرغوبة حتى ضاعت لديه الحدود بين المسموح والمقبول , انه احيط برعاية فاقت عن الضرورة مما اكد في نفسه شعور بالقصور عن مواجهة مشاكل الحياة وضغوطها وازماتها لوحده , ولهذا فأن قابليته على التحمل توقفت عند حدود قابلية الطفل , وظل يظن بأن كل ما يطلب ينفذ له وان كل ما يريد يستجاب له ، وكل ما في الحياة سهل المنال وهي متعة ولذة فقط لاغير , ونسى ان الحياة قائمة على اللذة والالم وليس اللذة وحدها وان الكفاح واجب من اجل نيل المطالب والوصول الى الاهداف .
ظل الشخص الاعتمادي يحمل في داخله التدليل الزائد كاسلوب في التعامل وظل يرمي بكل ثقله على امه التي كثيراً ما تكون هي السبب في عزاءه وهوكبير ناضج ثم تقوده الحياة بعد ان ترك حضن امه وهو صغيراً يافعا ومراهقاً وبالغاً الى اعتمادياً كاملا على المرأة الجديدة الاخرى التي حلت بديلا عن الام ولكن بصورة اخرى وهي الزوجة ، فهي تحركه بالاتجاه الذي تريده كيفما تشاء ، واحياناً تجزع من تصرفاته الطفلية حينما تطلب منه شيئاً ويذهب الى امه ليستشيرها بموضوع خاص جداً يتعلق بالزوجة ولا علاقة له بالوالدة .
هذه الشخصية يميل صاحبها الى التعلق بالاخرين كما يفعل الطفل المعتمد على والديه وهو يحتاج دائما الى الموافقة على سلوكه والتشجيع الدائم والطمأنة في اي خطوة يخطوها حتى تحل الزوجة بديلا عن الام في الاعتماد والاتكال في التوجيه واتخاذ القرارات المهمة وغير المهمة .
صاحب هذه الشخصية خائف , منسحب من اي مواجهة او موقف يمكن ان يثير العداء , فهو هياب يتراجع بسهولة وهو سلبي ايضاً في اتخاذ القرار ويلجأ الى الاستشارة حتى في توافه الامور ومن الام اولا وهي تقرر ذلك دائماً ، وان حلت الزوجة بديلا تكون هي الاخرى صاحبة القرار وهو المنفذ , فنراه يرتبك عندما يكلف بأي مجهود او يواجه اي اجهاد او مشكلة .
معظم الناس يعرفون حق المعرفة ان صاحب هذه الشخصية نشأ مدللا او اعتمادياً مترفاً حتى وان نشأ وبلغ مرحلة النضج والرشد يظل طفلا اعتمادياً ومن سماته البارزة :
– اعتمادية شديدة على الاخرين
– سلبية في مواجهة المواقف الحياتية واتخاذ القرارات
– شكوى دائمة وتوهم بالمرض بوساطته يحقق مكاسب تساعده على الاعتماد دون تحمل المسؤولية
– ارتباك واضح في الاداء الاجتماعي والمهني
– ضعف في القدرة واقامة علاقة شخصية مستقلة ووثيقة
– يحتاج دائما الى دعم واسناد من الاخرين
ان نمط الشخصية الاعتمادية كثيراً ما ينتهي به الامر الى المرض النفسي , فهو يتأرجح دوماً بين حالات المرض النفسي الخفيف في البداية والصحة النفسية القريبة الى الوضع المرضي ولذا فأن صاحب هذه الشخصية يضطر في الاخير الى الاعتزال عن الحياة العامة ومواجهة الضغوط الحياتية والصعوبات والازمات الى الركون للبيت ومحاولة الاحتماء تحت ظلال الزوجة او من ينوب عن الام او بديلها , لذا فهو يفضل البقاء ضمن حدود الحياة الضيقة تجنباً للاجهاد او التعرض للمواجهة التي تؤدي الى زيادة تدهور قدرته في مواجهة ازمات الحياة بعد ان ضعفت قدرته على التحمل وقابليته على المواجهة وهذا الامر لايكون سهلا عند الناس الاسوياء في ظل ظروف الحياة التي تحتاج الى المواجهة والكفاح وتحدي
مصاعبها .
الشخصية الانبساطية
الانبساط هوا لنقيض التام للانطواء وكلاهما من انماط الشخصية الانسانية ، ومن اهم سمات الانبساطي انه اجتماعي الاتجاه ، واقعي التفكير ، يميل الى المرح ، ينظر الى الاشياء في محيطه كما هي من حيث قيمتها المادية الواقعية ، لا لأهميتها ودلالاتها المثالية ، وهو بذلك يتعامل مع الواقع الذي يعيشه بدون خيالات او تأملات ويعالج امور حياته بالممكن والمتاح من الطاقة الفعلية وينجح في اغلب الاحيان في ايجاد الحلول التي يتوافق من خلالها مع البيئة الاجتماعية .
وضع عالم النفس التحليلي ” كارل يونغ ” تقسيمات الانبساط والانطواء في الشخصية ورأى ان الانطوائي يكون احياناً اكثر اهتماماً بالاحاسيس منه بالافكار الواقعية ، بينما الانبساطي يكون في اغلب الاحيان قليل الاحساس في امور حياتية ذات صلة بالمشاعر المرهفة او الاحساسات . انه بمعنى آخر يتعامل مع الواقع كما هو بدون تضخيم او اثارات عاطفية .
يميل الشخص الانبساطي الى العمل دائماً وخصوصاً المهن التي لها مساس مباشر مع البشر وتغلّب عليها صفة المكاسب المادية مثل البيع والشراء والمتاجرة بالسيارات القديمة او بالعمل التجاري الحر او المهن ذات العوائد المالية المتنوعة والوفيرة .
يتميز صاحب الشخصية الانبساطية بالقابلية العالية في التكيف السريع مع الاحداث والمواقف ويمتلك مرونة عالية حسب متطلبات الحياة وظروف التواصل الاجتماعي وتحقيق مكاسب مادية عالية ونجاحات تقترن بالرضا الذاتي والاجتماعي .
ان هذا النمط من الشخصية يلاقي الاعجاب والقبول من الكثير من الناس ولعله الاوفق بين شرائح المجتمع ، ويرى البعض من الناس بأنه شخصية طبيعية يمكن التعامل معها بشئ من المرونة من خلال الاخذ والعطاء بسهولة ، وكان” كارل يونغ ” حينما وضع هذين التقسيمين للشخصية ” انطوائيـــــــــــة
Introvert ” و “انبســـاطية او اتصالية Extrovert” لم يكتفي بهما ، بل طور هذه الانماط بتقسيمات اضافية لكل منهما الى النوع الفكري والعاطفي والحسي والالهامي ، وكل هذه الانماط ذات صلة بشخصيتي الانبساط والانطواء .
يرى علماء النفس ان سمات الشخصية هي السمات او الصفات الظاهرة للشخصية وهي بمجموعها لايمكن ان تتساوى مع الواقع الفعلي للشخصية والذي يشمل الى جانب ظواهر الشخصية جميع الامكانيات التي لايستطيع الفرد التعبير عنها في الظاهر ، او التي يحتفظ بها لنفسه لسبب او لاخر ، او التي لايعرفها عن نفسه ، وتظل كامنة خفية عليه وعلى الغير ، فضلا عن ذلك انها تشمل الامكانيات التي لابد من توفر الظروف الملائمة لاظهارها واحيانا ًيختار المهنة التي تناسبه سيكولوجياً ، فالشخصية الانبساطية تكون ناجحة ومتوافقة مع المهن التجارية ، حيث يستطيع صاحبها ان يؤثر في الاخرين ، ولديه القدرة في اجتذابهم اليه ، وتنجح هذه الشخصية ايضاً في تحقيق التأثير على الناخبين او كسب اصواتهم في الانتخابات العامة . ولكن تبقى الكثير من الاسرار الخافية لهذه الشخصية ويبقى من العسير ان يعرفها الناس عنها رغم انها مرحة وكثيرة المداعبة والتلاطف ، اٍلا ان ضمانة في ان يكون الظاهر من سمات الشخصية دليلا صادقاً على ما تبقى منها مستتراً عن الظهور ، هي المشكلة الاعقد في معرفة الشخصية وتعاملها ، وهذه النظرة المتكاملة لخصائص الشخصية تجعل من الصعب ،ان لم من المتعذر التوصل الى الفهم الكامل لشخصية اي انسان مهما بدا واضحاً او مكشوفاً يمكن معرفته معرفة دقيقة ، ومعرفة شخصيته المعرفة الادق .
الشخصية الا نطوائية
اعتاد الناس مشاهدة بعضهم الآخر والتحدث معه في امور عديدة منها الاجتماعية والصحية والتسائل عما يشغل الجميع في امور عديدة ، وربما كان الاحتكاك والتفاعل هو السمة الغالبة لدى البشر جميعا . وازدادت وشائج المعرفة وتمتنت لتصبح حالة انسانية ترقى الى الصداقات الطويلة او حتى زمالة العمل وربما في احيان كثيرة تقترن بالتواصل الدائم من خلال الاقتران بالزواج ، والاقتران كما يراه علماء علماء النفس الاجتماعي هو عملية توافق بين شخصين ، يحمل احدهما سمة تتفق مع سمة الآخر، او قد يختلف احيانا في بعض السمات ولكن يتعايش الناس في ظل ظروف اجتماعية تحددها البيئة او القيم السائدة في المجتمع .
ان عوامل الاتفاق والاختلاف في سمات الشخصية الانسانية امر متشابك وصعب جدا قياسه او معرفته بسهولة لاسيما ان علماء النفس المتخصصين بالشخصية يعرفون الشخصية تعريفا علميا بأنها تلك الانماط المستمرة والمتسقة نسبيا من الادراك والتفكير والاحساس والسلوك الذي يبدو ليعطي الناس ذاتيتهم المميزة .
فالشخصية اذن تكوين اختزالي يتضمن الافكار والدوافع والانفعالات والميول والاتجاهات والقدرات والظواهر المتشابهة . وهي تحوي القلق والراحة معا والعدوانية والمسالمة معا ، والحاجة الى الانجاز والاهمال معا ايضا ، وتحوي كذلك الاحساس بالضبط واللامبالاة ايضا، ولكن سؤالنا المهم هو كيف يمكن قياس ومعرفة نمط الشخصية ؟
استطاع عالم النفس الشهير “كارل يونغ” ان يضع في بداية القرن الماضي قطبي تقسيم للشخصية هما الشخصية الانطوائية والشخصية الانبساطية ، رغم ان معظم الناس والاغلبية الساحقة منهم يتميزون بخصائص مشتركة ، اي “ثنائية” الاان البعض منهم كان اميل في تصرفاته وصفاته الى الانطواء منه الى الانبساط ، وقد يكون هذا الاتجاه شديدا ويقترب من الحدود المرضية غير الطبيعية .
ولو تأملنا في نمط هذه الشخصية الانسانية ” الانطوائية-Introvert” لوجدنا ان صاحبها يتحاشى الاتصال الاجتماعي ويميل برغبة عالية الى الانعزال والوحدة مع وجود استمرار حالة التأمل حتى انه يفضل صاحب هذه الشخصية الالتماس مع الواقع ويتجنبه ، انه يرى في الواقع عقبة امامه دائما، وحاجزا نفسيا من الصعب اجتيازه ، ويحاول جاهدا مع نفسه تجنب الواقع بكل ما استطاع وبأية وسيلة ممكنة .
ان صاحبنا هذا لا يميل الى الجوانب المادية في البيئة التي يعيش فيها ، ويفضل في معظم الاحيان الاعتبارات النظرية والمثالية ، ويميل الى الخيال أكثر من الواقع الحقيقي حتى وصفه بعض علماء النفس بأنه اضطراب شخصية يتميز بأحاسيس مستمرة وواسعة المدى بالتوتر والتوجس واعتياد على الوعي الشديد بالذات ، واحاسيس بعدم الامان والدونية ، ولديه حساسية مفرطة نحو الاخرين وحساسية مفرطة نحو الرفض والنقد ، ورفض الدخول في اي علاقات الا بعد الحصول على ضمانات شديدة بالقبول غير المشروط بنقد.
من سمات الشخصية الانطوائية وجود ارتباطات شخصية محدودة جدا واستعداد دائم للمبالغة في الاخطار او المخاطر المحتملة في المواقف اليومية الى حد تجنب بعض الانشطة الاجتماعية او الرياضية او الفكرية او حتى الخاصة المعنية . ان نمط الشخصية الانطوائية اطلق عليه في احيان كثيرة نمط الشخصية التجنبية المتفادية للغير او للاخرين .
ان الشخصية الانطوائية وبكل ما تحمله من سمات وصفات وخصائص ، هي شخصية حساسة المزاج ، وقد تظهر هذه الحساسية بانفعال ظاهري سريع ، رغم انه قد يكبت انفعالاته الى حد ما في نفسه اثناء وخلال التفاعل الحذر مع الاخرين ، وهذا ما يدفعه الى الابتعاد اكثر عن الاختلاط بالناس وممارسة حياته في الواقع بشكل اكثر طلاقة وتحررا، وتتشابه الشخصية الانطوائية الى حد كبير مع شخصية اخرى خصوصا الشخصية” الشيزية” الفصامية من حيث الابتعاد والانطواء والانعزال .
ومن ابرز افراد الشخصية الانطوائية هم الشعراء ، الكتاب ، الادباء ، الفلاسفة ، حتى ولو كان البعض منهم اطباء او مهندسين او مدرسين ، ولكن ظلت قدرة الكتابة ونظم عالم الشعر وسمة الادب هي الطاغية على سلوكهم وتأملاتهم .
جنون العظمة (الشخصية البرانويدية)
وهو احد الاضطرابات العقلية يسمى ايضا باضطراب الشخصية البارنويدية ، يتميز صاحب هذه الشخصية بحساسية مفرطة نحو الحاق الهزائم والرفض وعدم مغفرة الاهانات وجروح المشاعر، ويحمل في داخله ميل الى الضغينة بشكل مستمر والشك وميل لتقليل قدرات الاخرين حتى المقربين منه من خلال سوء تفسير الافعال المحايدة او المحببة للاخرين على انها عدوانية تقصده ، او يريد الآخرين به الفتك او القتل ويكون لديه احساس بالقتال ضد كل الناس مع التشبث بالحقوق الشخصية والطمع في الاكتساب حتى انه لايمل من سلب حقوق الاخرين ، وتظهر القابلية العالية المصاحبة لكل تلك السلوكيات مع الغيرة المرضية العالية من الاخرين مع تعاظم غير متناهي للذات ، مفرط في الذاتية المقيتة ، وفي كثير من الاحوال يصل به الاحساس المبالغ فيه الى انه خالق كل شئ حوله مع الاشارة الواضحة لمنح الحياة للمقربين له وللاخرين من الناس..
ان علماء النفس المرضي وجدوا سمات خاصة بهذه الشخصية اهمها الطابع المميز والمتفاقم في الشك في كل من حولها ، مع الشكوى الدائمة من ان المحيطين به او الذين يعملون في خدمته او معه لايقدرون اهميته وعظمة افكاره وسمو شموخه حق التقدير ، حتى المجتمع بأكمله لايعطيه المنصب اللائق به ، وانهم جهلة بقدراته وعظمة ابداعاته وتفكيره المتقد دوما نحو الابداع والخلق المتجدد ، فهؤلاء الناس على الدوام –زملاءه ، جيرانه، ابناء شعبه، قومه، يريدون الحاق الاذى به، ويعيقون قدراته في بناء الامجاد لهم وللاجيال القادمه ..
صاحب هذه الشخصية لايمكن اقناعه بشئ ، اما اذا تكلم احدا هامسا في وجود حضرته التي هو بها فأن هذا يعني انه يتكلم عنه ، وأذا وجد زوجته تتحدث في التليفون فأنه يخطفه منها ، ليرى اذا كان المتحدث معها رجلا او امرأة بل انه يترك عمله احيانا ليفاجئ زوجته بالمنزل ويرى ماذا تفعل !! وهودائم الشجار مع زوجته لانها ابتسمت لفلان او تحدثت مع فلان او تناقشت مع البائع في السوق وهي معه او ان فلانا ينظر اليها بطريقة يفهم منها انها على علاقة به.
يتصف صاحب الشخصية البرانوية (جنون العظمة) بأنه صنع الحياة للناس وانه اخترع استمرار المجد للشعب وانه يعلم بكل بواطن الامور قبل حدوثها وانه فيلسوف ولديه معرفة خاصة بالعلوم تفوق انشتين او ابلغ الفصحاء في اللغة او في التخطيط الاقتصادي او العسكري او الحضري للمدن والشعوب ، وانه بين الحين وآلاخر يقدم النصح والمشورة للمؤسسات الكبرى في اقتصاديات النفط وتسويقه وبرمجة الحياة في تكنولوجيا حديثة وغيرها من الافكار الوهمية التي تتقارب من الضلالات المرضية.
يدعي دائما ان افكاره وحديثه نظريات تتعدى الواقع الى عالم المستقبل ، وبها من الاختراعات لا حصر لها ولكن الناس الذين يحيطون به اغبياء ، وافراد المجتمع متخلفين تماما لايواكبون قدراته الخارقة ، وانه لو ا تيح له الوقت لاكتشف علاج للسرطانات المختلفة بعد ان عجز اعظم الاطباء المختصين في ذلك واشهر باحثي الكيمياء العضوية في ذلك ، اما اذا تأمل فأنه يصدر اعظم الدواوين الشعرية والمؤلفات الروائية التي ستظل خالدة في ذاكرة التاريخ والشعوب والامم القادمة على الكرة الارضية .. ربما ابدع في الكتابة
والتأليف مثل ما أ لف (صدام حسين) رواية زبيبة والملك وغيرها من الخيالات المرضية ومن اشهر الشخصيات المصابة بجنون العظمة : صدام حسين، ادولف هتلر ، موسوليني –الزعيم الايطالي الفاشي في الحرب العالمية الثانية- والمارشال النازي (هيرمان جورنج) الذي كان طيارا جريئا ، حيث كانت له حديقة حيوان خاصة به واحتوت على الحيوانات المفترسه التي كان يربيها لديه، وكان المذكور يأكل ويشرب بطريقة غريبة ويحب الخيلاء والزهو والمصادفة ولم يكن لديه اي ضمير ، فكان يطلب من جنوده ان يطلقوا النار حسب امره اولا ثم يستفسروا عن السبب فيما بعد ، وكان يعتقد ان واجبه يكمن في القتل والابادة وهو الذي ادخل فكرة الاعتقال ويرجع اليه الفضل في الكثير من الاعمال البربرية واللاانسانية الاخرى.
يتسم اصحاب هذه الشخصية ايضا بأنهم اذكياء ،جذابين، مؤثرين، لهم درجة عالية من الانبساط الظاهر والمؤثر في الاخرين فضلا عن اعتقادهم الراسخ غير القابل على التغيير بانهم مهمون بدرجة كبيرة لايتصورها احد من بني البشر ، حتى انهم يعتقدون ان الاحداث الطبيعية غير الشخصية هي نوع من الاتصال موجه اليهم ، فأحيانا يفسر الشخص المصاب بجنون العظمة ان ” الكحة” او “السعلة” التي تبدو من احد الحاضرين معه ما هي الا رسالة معناها ان شيئا ما سيحدث قريبا منه، ويقصده شخصيا او يقصد قومه او شعبه اذا كان زعيما مشهورا ، فالنوايا دائما تضمر ضده، الا ان الله يقف معه دائما ويظهر الحقيقة كظهور الشمس كل يوم في ارض بلده وشعبه ..
هذا النوع من الشخصيات يصبح غير مرغوب فيه بمرور الزمن عندما تنكشف حقيقة تصرفاته وسلوكه الذي يكون عدواني في احيان كثيرة واذا كان في مكان قيادي او مركز ذو نفوذ فأنه يفتك بالناس ويقودهم الى التهلكه والموت والحروب دون اي وازع للضمير حتى انه لمن الغريب فعلا ، انه لم يكن يرى اي شئ خطأفي كل هذه التصرفات والافعال ، ولم يشعر بالتأنيب او الذنب بسبب ايلامه الاخرين وجلب الحزن عليهم ، وعلى الرغم من ان سلوكه سيحطم ذاته بذاته على المدى الطويل ، انه يعتبره سلوكا عمليا مبتي على التفكير السليم الصحيح .
الشخصية السادية
ربما من اكثر انحرافات الشخصية شيوعاً بين الرجال ،وتبرز اثاراها بشكل واضح وجلي في العمليات الجنسية خصوصاً،فالسادية Sadism هي ايقاع الألم كشرط للاستثارة الجنسية مع الموضوع الذي يشكل الطرف الاخر في العلاقة والذي يكون عادة هي الانثى في العلاقةالجنسية السوية.ان حياتنا الجنسية تكاد تكون قلاع مغلقة لا يمكن ان يخترقها اي كائن من كان ،فمهما كان بها من انحراف او توتر او قسوة او قمة في اللذة تظل خبرتها حصرا على صاحبها رجلا كان ام امرأة ،وهي تجربة تعد من الممنوعات ولا يمكن الاطلاع عليها خصوصا لدى ابناء الحضارة العربية وبعض المجتمعات الاسلامية المحافظة،فيكون نصيب الموضوع”الانثى”عادة هو التحمل وضبط النفس وقبول الأمر الواقع دون البوح بأية شكوى مهما كانت قاسية.
يجد معظم الرجال بعض اللذة او مايثيرها او يعجل في تسارعها او تكوينها اثناء الممارسة الجنسية مع الشريك واحياناً يكون الطرف اكثر ايلاما وقسوة ويمتد هذا الايلام من الجسد الى النفس حتى ليغدو الفعل الجنسي بكل ما يحمل من لذة ومتعة اكثر كراهية للطرف الآخر واكثر ذكرى ساترة عن خبرة مؤلمة تظل في الذاكرة تتحملها وتنوء تحت ثقل الامها،ولو تتبعنا اصل هذه العملية ووضعها بالاطار الواضح لوجدنا انها تنسب الى”المركيز دي ساد”وهو من كبار الكتاب الفرنسيين في القرن الثامن عشر(1740- 1814) عاش معظم حياته سجيناً(27)سنة في السجن اثر احكام صدرت بحقه لارتكابه افعال جنسية فاضحة غلب عليها طابع القسوة والتجريح وانزال الالم بالغير.
يقول(سيجموند فرويد) تدل السادية على انحراف ينحصر عامة في استمداد اللذة الجنسية مما يلحق الغير من ألم بدني ونفسي،والشخص الذي يقع عليه هذا الالم قد يكون من نفس الجنس الذي ينتمي اليه السادي او قد يكون طفلاً او حيواناً وفقا لارتباط الانحراف بالجنسية المثلية او عشق الاطفال او الحيوانية،ويضيف(فرويد)قد يكون الالم الذي ينزل بالضحية ألماً مادياً مثل الضرب او الوخز او العض او التشويه او القرص الشديد الذي قد يصل الى حد القتل،او في الصورة النفسية مثل التجريح والاذلال والاهانة والتقريع.
تعد الانحرافات عادة في نطاق الشخصية،والسادية هو انحراف بعينه في الشخصية قد لا يكون على مستوى الممارسة الجنسية وفعلها فحسب،بل يتعداها الى العنف ويرى علماء النفس بأن مثل هذا العنف او القسوة الجسدية او النفسية(التجريح،الاذلال..الخ)ما هو الا حالة مبطنة ومتسترة من الدوافع الجنسية التي يتعذر تحقيقها بشكل مقبول شرعياً او قانونياً،وتتحول لذلك الى مجرى اخر في الفعل وهو عن طريق العنف على الغير او قبوله على النفس ويصبح بذلك مساوياً للارضاء الجنسي. ويذهب علماء النفس التحليلي بقولهم ان بعض الناس يشعرون بالمتعة الجنسية نتيجة مشاركتهم في هذه المواقف سواءاً كانوا طرفاً فيها ام لا ويذهب البعض الى حدود ابعد من هذا فيجدون في الجريمة فعلا سادياً او مشاركة البعض في اغتصاب الفتيات المختطفات رغم انهم يؤمنون بالخط الاسلامي ايماناً مطلقاً وينهجون نهج التطبيق الاسلامي المتطرف الذي يدين اجبار التابعين على الممارسة الجنسية خارج اطارها الشرعي وحسب ما يقره الدين الاسلامي،فنراهم
يفرضون على الاخرين تلك الممارسات تحت ستار الجهاد الاسلامي المزعوم وهو بحد ذاته تشويه متعمد لصورة الاسلام،ان الكبت الجنسي دفعهم لأن يمارسوا هذا الفعل لذا فأن جميع انواع العنف بما في ذلك الحروب والمشاجرات والاعتداءات المنظمة