التربية البيئية… الدكتور كاظم المقدادي
الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك
كلية الإدارة والإقتصاد
قسم الإدارة البيئية
التربية البيئية
كتيب مساعد لطلبة قسم الإدارة البيئية
إعداد: د. كاظم المقدادي
2005 – 2006
الموضوع الصفحة
1- مقدمة 3
2- الفصل الأول:البيئة والتربية 7
– هل للتربية البيئية دور في حماية البيئة ؟ 8
3- الفصل الثاني: مفهوم التربية البيئية 9
– ما هو مفهوم التربية البيئية وما الذي تسعى إليه 9
– أهداف التربية البيئية 10
– كيف السبيل لبلوغ أهداف التربية البيئية ؟ 13
– البعد التربوي 13
4- الفصل الثالث: خصائص التربية البيئية وسماتها 15
– أشكال التربية البيئية وبرامجها 17
5- الفصل الرابع: دور الأسرة في حماية البيئة 18
– دور الأسرة في التصدي لمشكلة الأنفجار السكاني 18
– دور الأسرة في التصدي لمشكلة التلوث 19
– دور الأسرة في التصدي لمشكلة إستنزاف موارد البيئة 19
6- الفصل الخامس: دور رياض الأطفال في حماية البيئة 20
– التربية البيئية الصحية للأطفال 20
7- الفصل السادس: دور المدرسة في حماية البيئة 22
– مداخل تضمين التربية البيئية في المناهج الدراسية 22
8- الفصل السابع: إستراتيجيات تعليم التربية البيئية في المدرسة 24
9- الفصل الثامن: دور الجامعة في حماية البيئة 27
– مفهوم الخدمة العامة كوظيفة للجامعة 28
10- الفصل التاسع:التعليم البيئي 31
– التربية البيئية في المؤسسات التربوية 33
– برامج التربية البيئية 33
– دور المجتمع والأسرة في التربية البيئية 34
11-الفصل العاشر: دور الإعلام في حماية البيئة 35
– أهمية الحملات الإعلامية 35
– ما هو دور الإعلام في زيادة الوعي البيئي 35
– أساليب إعلامية 36
– ما مدى ثقة الجماهير بالإعلام البيئي ؟ 37
12 – خلاصة لمهمات التربية البيئية 38
13- الفصل الحادي عشر: لمحات من مسيرة التربية البيئية وتطورها 40
– المحطات الرئيسية لتطور مسيرة التربية البيئة 41
15 – الفصل الثاني عشر: تأثير المؤتمرات الدولية في مسيرة التربية
البيئية 42
– مؤتمر ستوكهولم 42
– ندوة بلغراد 42
– ميثاق بلغراد 43
– غايات وأهداف التربية البيئية 43
– خصائص التربية البيئية 44
– المنتفعون بالتربية البيئية 45
16- الفصل الثالث عشر: إعلان وتوصيات مؤتمر تبليسي الدولي
الحكومي للتربية البيئية 47
– إعلان المؤتمر 47
– من توصيات المؤتمر 50
17- الفصل الرابع عشر: التربية البيئية بين الواقع والأمل 52
– معالم أستراتيجية عربية 52
– واقع الحال والتطلعات 53
18- الفصل الخامس عشر: درجات الإهتمام بقضايا البيئة المختلفة 56
– هل أدى الوعي البيئي الى تغيير في السلوكيات ؟ 56
– كيف يمكن تغيير سلوكيات الإنسان تجاه البيئة ؟ 58
19- المراجع والمصادر:العربية والأجنبية 59
مقدمة
خلال العقود الثلاثة الأخيرة تحولت البيئة ومشكلاتها مع تفاقم تداعياتها الوخيمة الى قضايا ساخنة تفرض نفسها بإلحاح في كل مكان من العالم، لا على المعنيين بشؤون البيئة والمتخصصين بها، فحسب، بل وعلى جميع الناس أينما وجدوا وحيثما كانوا، بغض النظر عن مستوى معيشتهم، وظروف حياتهم، ومستواهم التعليمي والثقافي. الكل أصبح متأثراً، وحتى متضرراً، من تردي البيئة ومقوماتها. بيد أنه ليس جميع المعنيين مهتمين بتداعيات المشكلات البيئية ويسعون لمعالجتها، مع أن هؤلاء يعرفون أن من يرغب بالعيش بأمان، ويسعى خيراً لذريته، مطالب بحماية البيئة والعناية بها يداً بيد مع الآخرين الذين يشاركونه العيش فيها والنشاط في ظلها.
إن حماية البيئة والعناية بها مهمة ترتبط وثيق الإرتباط بوعي الإنسان وثقافته البيئية.وفي هذا المضمار للتربية البيئية دور كبير في خلق الوعي والثقافة البيئية، وبالتالي في حماية البيئة ورعايتها وتحسينها وتطويرها.
هذا الكتيب يحتوي على مجموعة محاضرات تتناول العديد من الموضوعات والتفاصيل المتعلقة بالتربية البيئية، التي يتعين على طالب الدراسات العليا في الإدارة البيئية ليس فقط التعرف عليها، والإستفادة منها، الى جانب الإسترشاد بها، بل والإلتزام بها، في مهماته اللاحقة.
في الفصل الأول ناقشنا موضوعتي البيئة والتربية، وفيما إذا للتربية البيئية دور في حماية الأولى.
مسلطين الضوء على ابرز التعاريف الواردة بشأن البيئة، وهي مختلفة باختلاف علاقة الإنسان بالبيئة، وتوضح مدى العلاقة الوثيقة بين الإنسان والبيئة، بوصفها إطار وجوده، والمحددة لأنشطته ومستويات معيشته،مما يتوجب على الإنسان أن يكون عاملا إيجابيا، يؤثر في البيئة،وبذلك يحافظ على ذاته ومحيطه.
من هذا المنظور، تأتي ضرورة تنمية الوعي البيئي عند الفرد من خلال التربية البيئية.ونجيب على سؤال: هل للتربية البيئية دور في حماية البيئة ؟ من خلال دور الأسرة، والروضة، والمدرسة، والجامعة، ودور العبادة، والإعلام، وغيرها، في حماية البيئة،ونعرض لها بالتفصيل..
وتطرقنا الى طروحات الكثير من الباحثين في مجال البيئة،الذين يرون ان دور التربية في حماية البيئة يبز كثيراً دور العلم او القانون، منطلقين من ان التربية هي التي تصيغ شخصيات الأفراد ليكونوا علماء، وهي التي تغير من سلوكيتهم لتقبل تعليمات القانون والإنصياع لنصوصه.
وأشرنا الى مفهوم التكيف ،الذي غدا من أكثر مفاهيم التربية شيوعاً، وأصبحت نظرية التكيف، القائلة بان التربية عملية تكيف أو تفاعل ما بين المتعلم والبيئة التي يعيش فيها، من أكثر النظريات قبولاً لدى المربين في تحديدهم لمعنى التربية.
الفصل الثاني كرسناه لمفهوم التربية البيئية، ونجيب فيه على سؤال عن ماهية هذا المفهوم، وما الذي تسعى إليه التربية البيئية ؟ وأوردنا العديد من التعاريف، مع التنويه بضرورة التفريق بين التثقيف البيئي والتوعية البيئية.فالأول غير الثاني.
وإستعرضنا أهداف التربية البيئية، الراهنة والسابقة، مذكرين بغاياتها وأهدافها، التي وردت في ميثاق بلغراد،الذي تمخض عن الندوة الدولية التي عقدت في العاصمة اليوغسلافية في تشرين الأول/أكتوبر 1975، والإجابة على سؤال: كيف السبيل لبلوغ أهداف التربية البيئية ؟
وتطرقنا الى البعد التربوي،بوصفه بعداً مهماً من ابعاد حل مشكلة التلوث البيئي التي لها أهمية كبيرة، وذلك من خلال نشر الوعي البيئي، وغرس أخلاقيات بيئية تدعو الجميع لضرورة الإنتماء الى هذه القرية الكونية بإيجابية وتفاؤل.
أما الفصل الثالث فتناولنا فيه خصائص التربية البيئية وسماتها وأشكالها وبرامجها، موضحاً بأن التربية البيئية،التي تعد إستجابة للأزمة البيئية التي تواجه البشرية، تتسم بجملة من الخصائص والسمات،تناولها ميثاق بلغراد عام 1975 بالتفصيل، وأغنتها تجارب الفترة اللاحقة، الساعية لتوضيح المشكلات البيئية المعقدة، وتأمين تظافر صنوف المعرفة اللازمة لتفسيرها، من خلال تناولها لحالات واقعية، توجب المشاركة في دراستها،متطلعة الى المستقبل بالإستناد الى طابع الإستمرارية، الذي هو أحد ميزاتها.وبالتالي فأن التربية البيئية جهد لا ينبغي ان يترك للتربويين لوحدهم،وإنما هو جهد مجتمعي، تشترك في تحقيقه كافة الفعاليات،الرسمية والأهلية.والتربية البيئية ليست فكراً نظرياً، ولا وجهات نظر، بل هي علم تطبيقي يتجلى بالفعل والممارسة.
ويناقش الفصل أشكال التربية البيئية وبرامجها، التي تبدأ اليوم من مستوى رياض الأطفال وتسير قدماً حتى تغطي باقي مراحل التعليم، دامجة البرامج الدراسية المختلة على كل مستوى من مستويات التدريس، النظامية ( التعليم النظامي)، وغير النظامية ( التعليم غير النظامي)..
ويدور الفصل الرابع حول دور الأسرة في حماية البيئة، وبخاصة دورها في التصدي لمشكلات الإنفجار السكاني، والتلوث، وإستنزاف موارد البيئة.
أما الفصل الخامس، فيتناول دور رياض الأطفال في حماية البيئة، وكذلك التربية البيئية الصحية للأطفال- أهدافها، ومزايا البيئة الصحية.
ويتناول الفصل السادس دور المدرسة في حماية البيئة، ويناقش مداخل تضمين التربية البيئية في المناهج الدراسية، موضحاً بالتفصيل كيفية توظيف 3 مداخل على مستوى المدرسة، هي: مدخل الوحدات الدراسية، والمدخل الإندماجي، والمدخل المستقل.
ويستعرض الفصل السابع أستراتيجيات تعلم التربية البيئية في المدرسة، وأهمها: إستراتيجية الخبرة المباشرة، وأستراتيجية البحوث الإجرائية والدراسات العملية، واستراتيجية دراسة القضايا البيئية، وأستراتيجية لعب الأدوار، واستراتيجية حل المشكلات، وأستراتيجية الرسوم الرمزية ( الكاريكاتير)، وأستراتيجية المشاركة بالأنشطة البيئية. ويعدد الفصل الأنشطة النافعة التي يمكن ان يشارك فيها الطلبة.
الفصل الثامن يتناول دور الجامعة في حماية البيئة، معرفاً بالجامعة وبالدور الذي تلعبه في تنمية المجتمعات البشرية وتطورها، من خلال 3 وظائف رئيسية،هي: التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع ( الخدمة العامة)، وهي وظائف مترابطة ومتشابكة، ويصعب فصل أحدها عن الآخر. وتوضح موضوعات الفصل إمكانية الجامعة في ان تسهم في حماية البيئة ودرء الأخطار عنها( كجانب وقائي) والتصدي لما أصاب البيئة من أخطار، ومعالجة ما إعتراها من أذى ( كجانب علاجي) عبر وظائفها الرئيسية المذكورة.وثمة تفصيل في مفهوم الخدمة العامة كوظيفة للجامعة،وإستعراض لبعض من الأمثلة التي يمكن ان تقوم بها الجامعة في مجال الخدمة العامة، والتي تنعكس إيجابياً على البيئة، مثل مجالات: القيادة الفكرية للمجتمع، والتعليم المستمر، والإستشارات والدراسات، والخدمات النموذجية، والمحاضرات والمؤتمرات والندوات،و مجال الإحتفالات بالمناسبات العامة.
ويناقش الفصل التاسع موضوعة التعليم البيئي وأهدافه:التربوية، والعامة،والخاصة بالمجتمع،وتلك الخاصة بالأفراد. وتكون هذه الأهداف على مستويين:أهداف خاصة بالمعلمين، وأهداف خاصة بالتلاميذ. ويتناول الفصل أهداف التعليم البيئي من حيث مستوياتها.والمشكلات التربوية، التي تواجهها برامج التعليم البيئي،والتربية البيئية في المؤسسات التربوية، وبرامج التربية البيئية، ودور المجتمع والأسرة في التربية البيئية وحماية البيئة.
وقد كرسنا الفصل العاشر لدور الإعلام في حماية البيئة،مسلطاً الضوء على دوره في زيادة الوعي البيئي، وعلى أهمية الحملات البيئية الإعلامية، ومدى ثقة الجماهير بالإعلام البيئي.ونختتم الفصل بخلاصة لمهمات التربية البيئية.
ويستعرض الفصل الحادي عشر لمحات من مسيرة التربية البيئية وتطورها، ويعدد المحطات الرئيسية لتطورها.
ويتناول الفصل الثاني عشر تأثير المؤتمرات الدولية في مسيرة التربية البيئية، بدءاً من مؤتمر ستوكهولم في عام 1972، وندوة بلغراد عام 1975،وميثاق بلغراد والغايات والأهداف التربوية البيئية، وخصائصها،والمنتفعون بالتربية البيئية.
وكرس الفصل الثالث عشر لأعلان وتوصيات المؤتمر الدولي الحكومي للتربية البيئية في تبليسي بالإتحاد السوفيتي السابق عام 1977.
ويتناول الفصل الرابع عشر التربية البيئية بين الواقع والأمل،وبعض معالم أستراتيجية عربية للتربية البيئية، وواقع الحال والطموحات المشروعة.
أما الفصل الخامس عشر- وهو الأخير- فقد كرس لمناقشة درجات الإهتمام بقضايا البيئة على إختلافها، وفيما إذا أدى الوعي البيئي الى تغيير في السلوكيات، وكيفية تغيير سلوكيات الإنسان تجاه البيئة.
وإختتمنا الكتيب بالمراجع والمصادر العربية والأجنبية..
وهنا لا يفوتنا الإشارة الى إن القارئ سيلمس بجلاء غنى جهدنا المتواضع بالمصادر، التي إعتمدناها، لقناعتنا بخبرة مؤلفيها في ميدان التربية البيئية الغنية والمجسدة في تلك المؤلفات القيمة.
وختاماً،نأمل أن يفيد كتيبنا هذا طلبة قسم الإدارة البيئية، كمساعد في إستيعاب الموضوعات المطروحة، وكمعين لهم في مهماتهم اللاحقة، ككوادر بيئية، نعول عليها في نشر المعرفة والوعي البيئي، ومعالجة المشاكل البيئية،وفي تحسين حال البيئة العراقية لصالح مجتمعنا، وفي مقدمته براعم حاضر ومستقبل شعبنا العراقي- أطفاله.
د. كاظم المقدادي
ستوكهولم- السويد، 1/ 9/ 2006
الفصل الأول
البيئة والتربية
أصبح مصطلح “البيئة” شائع الاستخدام في الأوساط العلمية،والمفرح أن إستخدامه أخذ يتزايد عند عامة الناس يوماً بعد اَخر. وفي ضوء ذلك نجد للبيئة تعاريف عديدة ومختلفة، باختلاف علاقة الإنسان بالبيئة. فالمدرسة بيئة، والجامعة بيئة، والمصنع بيئة،والمؤسسة بيئة، والمجتمع بيئة، والوطن بيئة،والعالم كله بيئة. ويمكن النظر إلى البيئة من خلال النشاطات البشرية المختلفة، كأن نقول، البيئة الزراعية، أو الصناعية، أو الثقافية، أو الصحية، أو الاجتماعية،أو السياسية،أو الروحية.
ومهما كانت النظرة إلى البيئة ومجالاتها، فإن التعاريف الواردة بشأنها هي كالآتي:
1-البيئة هي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان، ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى، ويمارس فيه نشاطاته وعلاقاته مع أقرانه من بني البشر.
2-البيئة تعني كل ما هو خارج عن كيان الإنسان، وكل ما يحيط به من موجودات، فتشمل الهواء الذي يتنفسه، والماء الذي يشربه، والأرض التي يسكن عليها ويزرعها، وما يحيط به من كائنات أو جماد. باختصار هي الإطار الذي يمارس فيه حياته وأنشطته المختلفة.
3-البيئة بالمعنى العلمي المتداول تتمثل في ثلاث جوانب رئيسية، جانب اقتصادي، وجانب اجتماعي، وجانب فيزيائي (طبيعي.(
ومن خلال التعاريف السابقة يتضح لنا مدى العلاقة الوثيقة بين الإنسان والبيئة، فهي إطار وجوده، ومحددة لأنشطته ومستويات معيشته، ولذا ينبغي على الإنسان أن يكون عاملا إيجابيا، يؤثر في البيئة حتى يحافظ على ذاته ومحيطه.
ومن هذا المنظور، تأتي ضرورة تنمية الوعي البيئي عند الفرد من خلال التربية البيئية، فمساهمة التربية عموما من خلال نشر المعلومات الخاصة بها من منطلق التعريف بالمشكلات البيئية والدعوة إلى استخدام مواردها استخداما سليما وغير هدام، يشكل أهمية بالغة في تنمية الوعي. فهذه الموارد وذلك الاستخدام إنما يتعرضان لمشكلات هي من صنع الإنسان نفسه. وما دام الأمر كذلك، فلا بد من حماية هذه البيئة من الإنسان ذاته. وهذا يتطلب تنمية الوعي البيئي لديه، وغرس الشعور بالمسؤولية تجاه البيئة..
ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتربية البيئية التي من خلالها نستطيع خلق إدراك واسع للعلاقة بين البيئة والإنسان، على أن لا تكون إدراكية فحسب، وإنما ينبغي أن تكون سلوكية أيضا، تشعره بمسئوليته في المشاركة في حماية البيئة الطبيعية وتحسينها، وتجنب الإخلال بها، وذلك بتبني سلوك ملائم يمارس بصفة دائمة على المستوى الفردي والجماعي .
ولأهمية الموضوع عملت العديد من الدول إلى تدريب الكوادر اللازمة التي تقوم على نشر وتنمية الوعي البيئي لدى المتعلمين، وإشباع صفة الممارسة البناءة لسلوكيات الأداء لديهم تجاه مواردهم وبيئتهم.
وأخيراً؛ فالتربية البيئية، هي مفهوم تربوي أساسا، يجعل من عناصر البيئة مجتمعة موردا علميا وجماليا في آن واحد، ومن ثم ينبغي استخدامه في كل فروع التربية حتى يكون المتعلم مدركا للمعارف حول البيئة ولدوره حيال عناصرها[ ].
هل للتربية البيئية دور في حماية البيئة ؟
في مؤلفه القيم الموسوم :” الإنسان والبيئة:دراسة في التربية البيئية”[ ] أولى الأستاذ الدكتور راتب السعود أهمية كبيرة لدور التربية في حماية البيئة، متناولاً بالتفصيل دور كل من المدرسة، والجامعة، ورياض الأطفال،والأسرة، ودور العبادة، والإعلام، والمنظمات غير الحكومية في حماية البيئة (سنعرض لها بالتفصيل لاحقاً)، متبنياً منهجاً خاصاً في توضيح دور كل من هذه الوسائل من خلال عرض المشكلات البيئية الرئيسية الثلاث ( الأنفجار السكاني، والتلوث البيئي، وإستنزاف الموارد الطبيعية) وتبيان الدور الوقائي والدور العلاجي معاً لكل من وسائل حماية البيئة الثلاث ( العلم والقانون والتربية) في التصدي لهذه المشكلات البيئية.
يشير السعود الى 3 وسائل رئيسية لحماية البيئة ووقايتها من الأخطار القائمة، أو معالجة ما أصابها من تهديد، وما تعرضت له من ويلات، هي العلم، والقانون، والتربية، ملفتاً الإنتباه الى أن الكثير من الباحثين في مجال البيئة يرون ان دور التربية في حماية البيئة يبز كثيراً دور العلم او القانون، ذلك ان التربية هي التي تصيغ شخصيات الأفراد ليكونوا علماء، وهي التي تغير من سلوكيتهم لتقبل تعليمات القانون والإنصياع لنصوصه.
وقد ظهرت عبر التأريخ الإنساني مجموعة من الآراء والأفكار التي حاولت تحديد مفهوم التربية، إلا أن مفهوم التكيف قد غدا من أكثر مفاهيم التربية شيوعاً، وأصبحت نظرية التكيف القائلة بان التربية عملية تكيف أو تفاعل ما بين المتعلم والبيئة التي يعيش فيها، من أكثر النظريات قبولاً لدى المربين في تحديدهم لمعنى التربية. وبمقتضى هذه النظرية تعتبر وظيفة المعلم، في الأساس، مساعدة المتعلم على تكييف نفسه وفقاً لبيئته.ومعنى ذلك ان جميع الدروس التي يلقيها المعلم في مختلف المواضيع، وما يرافق هذه الدروس من مطالعات في المكتبات، وتجارب في المختبرات، وزيارة للمتاحف والمعارض، وجولات في المصانع والمزارع، ورحلات الى ألأماكن الأثرية، وغيرها، من مختلف أنواع النشاطات المنهجية واللامنهجية، تعتبر وسائل تستخدم لمساعدة المتعلم على تكييف نفسه وفقاً لبيئته .ولعلنا لا نجافي الحقيقة إن قلنا- والكلام للسعود- ان نظرية التكيف هذه، قد شرعت الأبواب لظهور نوع جديد من أنواع التربية المتعددة( كالتربية الخلقية، والتربية المهنية، والتربية الوطنية، والتربية الصحية، والتربية الإستجمامية، وغيرها)، هو التربية البيئية[ ]، فما المقصود بها ؟
الفصل الثاني
مفهوم التربية البيئية
ما هو مفهوم التربية البيئية وما الذي تسعى إليه ؟
عرفت جامعة أليوني الأمريكية التربية البيئية Environmental Education بأنها نمط من التربية يهدف الى معرفة القيم وتوضيح المفاهيم وتنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وثقافته وبيئته البيوفيزيائية. كما إنها تعني التمرس على إتخاذ القرارات ووضع قانون للسلوك بشأن المسائل المتعلقة بنوعية البيئة.
وعرفها القانون العام للولايات المتحدة بإنها عملية تعليمية تعني بالعلاقات بين الإنسان والطبيعة، وتشمل علاقة السكان والتلوث، وتعدد السكان والتلوث، وتوزيع الموارد، وإستنفاذها، وصونها، والنقل والتكنولوجيا، والتخطيط الحضري والريفي مع البيئة البشرية الكلية.
وتُعرف التربية البيئية أيضاً بأنها:
* التعلم من أجل فهم وتقدير النظم البيئية بكليتها، والعمل معها وتعزيزها.
* التعلم للتبصر بالصورة الكلية المحيطة بمشكلة بيئية بعينها من نشأتها ومنظوراتها وإقتصادياتها وثقافاتها والعمليات الطبيعية التي تسببها والحلول والمقترحة للتغلب عليها.
* أنها تعلم كيفية إدارة وتحسين العلاقات في الإنسان وبيئته بشمولية وتعزيز. وهي تعلم كيفية إستخدام التقنيات الحديثة وزيادة إنتاجيتها، وتجنب المخاطر البيئية، وإزالة العطب البيئي القائم، وإتخاذ القرارات البيئية العقلانية.
* عملية تكوين القيم والإتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضاراته بمحيطه الحيوي الفيزيقي والمحافظة على مصادر البيئة.
والتربية- من وجهة نظر الأستاذين رشيد الحمد ومحمد صباريني- هي عملية بناء وتنمية للإتجاهات والمفاهيم والمهارات والقدرات والقيم عند الأفراد في إتجاه معين لتحقيق أهداف مرجوة. والتربية بذلك تكون بمثابة إستثمار للموارد البشرية يعطي مردوداً ديناميكياً في حياة الأفراد وتنمية المجتمعات. وفي هذا المفهوم للتربية، فان التربية البيئية هي عملية تكوين القيم والإتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضارته بالبيئة التي يحيا بها، وتوضيح حتمية المحافظة على موارد البيئة ضرورة حسن إستغلالها لصالح الإنسان، وحفاظاً على حياته الكريمة ، ورفع مستويات معيشته[ ].
أما التربية البيئية فهي، بأختصار، الجانب من التربية، الذي يساعد الناس على العيش بنجاح على كوكب الأرض، وهو ما يعرف بالمنحى البيئي للتربية. كما تعرف التربية البيئية على أنها تعلم كيفية إدارة وتحسين العلاقات بين الإنسان وبيئته بشمولية وتعزيز.وتعني التربية البيئية ايضاً تعلم كيفية إستخدام التقنيات الحديثة وزيادة إنتاجيتها، وتجنب المخاطر البيئية، وإزالة العطب البيئي القائم، وإتخاذ القرارات البيئية العقلانية [ ].
وتُعد التربية البيئية إتجاهاً وفكراً وفلسفة، هدفها تسليح الإنسان في شتى أرجاء العالم بـ (خلق بيئي) أو ( ضمير بيئي) يحدد سلوكه وهو يتعامل مع البيئة في أي مجال من مجالاتها..” الخلق البيئي” يجب ان يكون العامل المؤثر في إتخاذ القرارات البيئية مهما كان مستواها.. بناء مدينة، أو إنشاء جسر، أو شق طريق، أو بناء سد، أو إقامة مصنع، أو إصطياد سمك في نهر، أو التخلص من القمامة المنزلية،أو التنزه على شاطئ البحر أو في حديقة عامة..وحتى القرارات الأكبر على المستوى السياسي والإقتصادي، يجب ان تحسب حساباً للبيئة في إطارها العالمي لأن المصالح البشرية واحدة، ومستقبل الجنس البشري واحد.. ” الخلق البيئي” معناه ان يعي الإنسان الوحدة والتكامل البيئي في عالمنا المعاصر، حيث يمكن ان تترتب على القرارات التي تتخذها البلاد المختلفة، وعلى مناهج سلوكها، اَثار على النطاق الدولي.. الخلق البيئي أو الضمير البيئي الذي تهدف التربية البيئية الى إيجاده أو تنميته عند كل إنسان في المجتمع العالمي، يعني أن يتكيف الإنسان من أجل البيئة، لا ان يستمر في تكييف البيئة من أجله- الخلق البيئي،بإختصار، معناه ” التعايش مع البيئة”، وبذلك تسهم التربية البيئية في حماية البيئة..[ ].
وتسعى التربية- بحسب الأستاذ راتب السعود – الى إعداد الأفراد ليكونوا متوافقين مع بيئتهم، ويتمثل ذلك في تعليم الفرد كي يكون قادراً على القراءة والكتابة Literate وفهم الأرقام، وإستعمالها Numerate وفهم نظم البيئة الطبيعية المعقدة التي هو جزء منها، وإستخدامها بمسؤولية وتعزيز Ecolate. ويعتبر الشرط الأخير من خصائص الإنسان المربي Educated الهدف الأساسي للتربية البيئية التي تسعى الى إعداد الفرد الإنساني للعيش الآمن في كوكب الأرض، ومن هنا تتضح العلاقة الوثيقة بين التربية والبيئة، والتي أفرزت مجالاً تربوياً له أصوله ومبرراته وفلسفته وأهدافه ومحتواه ومستلزمات تعليمه وتقويمه، ألا وهو التربية البيئية Environmental Education [ ].
الى ذلك يضيف الأستاذان الحمد وصباريني بان التربية البيئية تسعى الى إيجاد وعي وطني بأهمية البيئة بالنسبة لمتطلبات التنمية الأقتصادية والإجتماعية والثقافية بحيث تؤدي الى إشراك السكان كافة طوعاً لا كرهاً، وبطريقة مسؤولة وفعالة، في صياغة القرارات التي تمس نوعية البيئة بكافة مكوناتها.وتهدف التربية البيئة أخيراً الى إيجاد وعي على أهمية التكامل البيئي في العالم المعاصر[ ].
ويدعو الأستاذان بشير عربيات و أيمن مزاهرة الى التفريق بين التثقيف البيئي والتوعية البيئية.فالأول غير الثاني.وإذا كان الوعي البيئي يندرج في سياق حملات الإرشاد السريعة، فالتثقيف أو التربية البيئية هي أحد علوم البيئة المتعددة العناوين والمراحل، والذي يقتضي له برامج متخصصة ضمن جداول زمنية يشارك فيها الجميع بدون إستثناء كل من نطلق عمله وطموحاته [ ].
أهداف التربية البيئية
مع أن التربية البيئية ليست حديثة العهد، بيد أنه منذ عهد قريب بدأ الإهتمام بدمج البيئة صراحة في عملية التعليم، ولكن بإعطاء الأوليات والعناية بالمشكلات التي تتعلق بحماية الموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية، او ما يتصل بهما من موضوعات [ ].
إن الأهداف، او الأسس، أو المنطلقات للتربية البيئية، عديدة، وتشمل ما يلي:
بما ان المشكلات البيئية تتسم بالتعقيد، فينبغي أن تواجه بمجالات المعرفة المختلفة.ويتعين النظر للمشكلات البيئية في سياقها المحلي،أولاً، ومن ثم العالمي،حتى يدرك الفرد حجم المشكلات، ويقتنع بها وبخطورتها.فالتربية البيئية تكون أكثر تاثيراً في الأفراد عندما توضح لهم.والسلوك الظاهر للناس تجاه البيئة يعتمد على المعارف والقيم التي يمتلكونها[ ].
وكان ميثاق بلغراد،الذي تمخض عن الندوة الدولية التي عقدت في العاصمة اليوغسلافية في تشرين الأول/أكتوبر 1975، قد شرح غايات وأهداف التربية البيئية كونها تهدف الى تمكين الإنسان من فهم ما تتميز به البيئة من طبيعة معقدة نتيجة للتفاعل بين جوانبها البايولوجية والفيزيائية والإجتماعية والثقافية.. ولابد لها بالتالي من ان تزود الفرد والمجتمعات بالوسائل اللازمة لتفسير علاقة التكافل التي تربط بين هذه العناصر المختلفة في المكان والزمان بما يسهل توائمهم مع البيئة ويساعد على إستخدام موارد العالم بمزيد من التدبير والحيطة لتلبية إحتياجات الإنسان المختلفة في حاضره ومستقبله. وينبغي للتربية البيئية كذلك ان تسهم في خلق وعي وطني بأهمية البيئة لجهود التنمية، كما ينبغي لها ان تساعد على إشراك الناس بجميع مستوياتهم وبطريقة مسؤولة وفاعلة في صياغة القرارات التي تنطوي على مساس بنوعية بيئتهم بمكوناتها المختلفة، وفي مراقبة تنفيذها.. ولهذه الغاية ينبغي للتربية البيئية ان تتكفل بنشر المعلومات عن مشروعات إنمائية بديلة لا تترتب عليها اَثار ضارة بالبيئة، الى جانب الدعوة الى إنتهاج طرائق للحياة تسمح بإرساء علاقات متناسقة معها.
ومن غايات التربية البيئية أيضاً تكوين وعي واضح بالتكامل البيئي في عالمنا المعاصر حيث أنه يمكن ان تترتب على القرارات، التي تتخذها البلدان المختلفة، وعلى مناهج سلوكها، اَثار على النطاق الدولي.
وثمة دور بالغ الأهمية للتربية البيئية من هذه الناحية يتمثل في تنمية روح المسؤولية والتضامن بين بلاد العالم بصرف النظر عن مستوى تقدم كل منها، لتكون اساساً لنظام يكفل حماية البيئة البشرية وتطويرها وتحسينها.
ان بلوغ هذه الغايات إنما يفترض تكفل العملية التربوية بنشر معارف وقيم وكفايات عملية ومناهج سلوك من شأنها ان تساعد على فهم مشكلات البيئة وحلها..
فبالنسبة للمعارف يتعين على التعليم ان يوفر الوسائل اللازمة وبدرجات متفاوتة في تعميقها وخصوصياتها تبعاً لتباين جماهير المتعلمين لإدراك وهم العلاقات القائمة بين مختلف العوامل البايولوجية والفيزيائية والإجتماعية والإقتصادية التي تتحكم بالبيئة من خلال اَثارها المتداخلة في الزمان والمكان. وإذ يقصد من هذه المعارف ان تسفر عن تطوير مناهج السلوك وأنشطة مؤاتية لحماية البيئة وتحسينها، فمن الضروري ان يتم تحصيلها قدر الإمكان عن طريق وضع البيئات الخاصة موضع الملاحظة والدراسة والتجربة العلمية..
وفيما يتعلق بالقيم ينبغي للتربية البيئية ان تطور مواقف ملائمة لتحسين نوعية البيئة، فلا سبيل الى إحداث تغيير حقيقي في سلوك الناس إتجاه البيئة إلا إذا أمكن لغالبية الأفراد في مجتمع معين ان يعتنقوا، عن إرادة حرة ووعي، قيم أكثر إيجابية، تصبح أساساً لأنضباط ذاتي. ولهذه الغاية ينبغي للتربية البيئية ان تسعى الى توضيح وتنسيق ما لدى الأفراد والمجتمعات من إهتمامات وقيم أخلاقية وجمالية وإقتصادية بقدر ما لها من تأثير على البيئة..
أما عن الكفايات العملية،فان الهدف هو تزويد كافة أفراد المجتمع،أي مجتمع، بمجموعة بالغة التنوع من الكفايات العلمية والتقنية، تسمح بإجراء أنشطة رشيدة في مجال البيئة، وذلك عن طريق الإستعانة بأساليب متعددة، تتفاوت في درجة تعقيدها. والمقصود بوجه عام هو إتاحة الفرصة في كافة مراحل التعليم المدرسي وغير المدرسي لأكتساب الكفايات اللازمة للحصول على المعارف التي تتوافر في البيئة، والتي تسمح بالمشاركة في إعداد حلول قابلة للتطبيق على المشكلات الخاصة بالبيئة وتحليلها وتقييمها، ذلك لأن القيام بصورة مباشرة ومحدودة بأنشطة ترمي الى حماية البيئة وتحسينها هو خير وسيلة لتنمية هذه الكفايات .
وتشكل هذه الأهداف كلها عملية تربوية موحدة، حيث لا طائل يرجى من أنشطة تربوية ترمي الى تحقيق أهداف معينة بصورة مشتتة، وجزئية. ولا يجدي ذلك كثيراً في تطوير نهج جديد شامل تجاه البيئة[ ].
يشير د. غازي أبو شقراء[ ] الى أن أهداف التربية البيئية حددت بما يلي:
أ- تعزيز الوعي والإهتمام بترابط المسائل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والبيئية (الإيكولوجية) في المناطق المدينية والريفية.
ب- إتاحة الفرص لكل شخص لإكتساب المعرفة والقيم والمواقف وروح الإلتزام والمهارات الضرورية لحماية البيئة وتحسينها.
ت- خلق أنماط جديدة من السلوك تجاه البيئة لدى الأفراد والجماعات والمجتمع ككل.
ودعا أبو شقراء الى إسترشاد التربية البيئية بالمبادئ التالية:
1- البيئة وحدة متكاملة- بجوانبها الطبيعية، والتي صنعها الإنسان- وكذلك بجوانبها التكنولوجية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والأخلاقية والجمالية.
2- التربية البيئية عملية متواصلة مدى الحياة، تبدأ في مرحلة ما قبل المدرسة وتستمر في جميع المراحل التربوية النظامية وغير النظامية.
3- الأخذ بمنهج جامع بين فروع المعرفة يستعين بالمضمون الخاص لكل فرع منها لتيسير التوصل الى نظرة شمولية متوازية.
4- التعرف الى القضايا البيئية الكبرى من منظور محلي وقومي وإقليمي ودولي.
5- التركيز على الأوضاع البيئية الحالية والمحتملة مع مراعاة الإطار التأريخي لهذه الأوضاع.
6- تعزيز التعاون على الصعيد المحلي والقومي والإقليمي والدولي في تلافي المشكلات البيئية والإسهام بحل هذه المشكلات.
7- أن تؤخذ صراحة بعين الإعتبار الجوانب البيئية في مخططات التنمية والتطوير.
8- الربط بين الحس البيئي ومعرفة البيئة والمهارات الكفيلة بحل مشكلاتها وتوضيح القيم المتعلقة بها في كل مرحلة من مراحل العمر.
9- مساعدة الدارسين على إكتشاف أعراض المشكلات وأسبابها الحقيقية.
10- التأكيد على تشعب المشكلات ومن ثم ضرورة تنمية الفكر النقدي والمهارات الكفيلة بحل المشكلات.
11- إستخدام بيئات متنوعة للتعلم، ومجموعة كبيرة من النماذج التربوية، في التعلم والتعليم عن البيئة، مع التأكيد على الأنشطة العملية والتجارب المباشرة[ ].
وتناول أ.د. راتب السعود هذه الأهداف بتفصيل أكثر[ ]،موضحاً بأنه على الرغم من ان للتربية البيئية أصولها القديمة إلا أنها إكتسبت أهمية خاصة منذ السبعينات من القرن العشرين نتيجة لحدوث وعي بالمشكلات البيئية الكبرى التي بدأت تؤثر بعمق في نوعية الحياة البشرية، وتهدد مستقبل الأجيال، مثل الإنفجار السكاني، والتلوث، وإستنزاف الموارد الطبيعية، إذ إنطلقت التربية البيئية من إعتراف مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية، الذي عقد في ستوكهولم/السويد عام 1972، بدور التربية كركن من أركان المحافظة على البيئة، فأصدر المؤتمر التوصية 96 التي دعت اليونسكو خاصة، ووكالات الأمم المتحدة الأخرى عامة، الى إتخاذ التدابير اللازمة لبرنامج جامع لعدة فروع علمية للتربية البيئية في المدرسة وخارجها، من حيث الإهتمام بالبيئة وحمايتها، ويوجه الى جميع قطاعات السكان. وكانت هذه التوصية اساساً ومنطلقاً ومبدأ هادياً إستندت إليه اليونسكو في تحديد الأهداف الخمسة التالية للبرنامج الدولي للتربية البيئية الذي ترعاه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهي:
1-تشجيع تبادل الأفكار والمعلومات والخبرات المتصلة بالتربية البيئية بين دول العالم وأقاليمه المختلفة.
2- تشجيع تطوير نشاطات البحوث المؤدية الى فهم أفضل لأهداف التربية البيئية ومادتها وأساليبها، وتنسيق هذه النشاطات.
3- تشجيع تطوير مناهج تعليمية وبرامج في حقل التربية البيئية وتقويمها.
4- تشجيع وتدريب وإعادة تدريب القادة المسؤولين عن التربية البيئية، مثل المخططين والباحثين والإداريين والتربويين.
5- توفير المعونة الفنية للدول الأعضاء لتطوير برامج في التربية البيئية.
كيف السبيل لبلوغ أهداف التربية البيئية ؟
عن هذا السؤال يجيب رشيد الحمد ومحمد سعيد صباريني بان بلوغ هذه الأهداف يتطلب عملية تربوية تستطيع:
– تأمين المعرفة الخاصة بالعلاقات بين مختلف العوامل البايولوجية والفيزيائية والاجتماعية التي تتحكم في البيئة من خلال أثارها المتداخلة تكون قادرة على تطوير مناهج للسلوك وإستحداث نشاطات مناسبة من خلال الملاحظة والدراسة والتجريب لصيانة البيئة.
– تطوير مواقف ملائمة لتحسين نوعية البيئة عن طريق إحداث تغيير حقيقي في سلوك الناس إتجاه بيئتهم بحيث يؤدي ذلك الى إيجاد الشخصية المنضبطة ذاتياً والتي تتصرف في البيئة بروح المسؤولية.
– الإستعانة بأساليب شتى لتزويد الناس بمجموعة متنوعة من الكفايات العملية والتقنية التي تسمح بإجراء أنشطة رشيدة في البيئة.ويمكن تحقيق ذلك عن طريق أتاحة الفرصة في كافة مراحل التعليم (النظامي وغير النظامي) لإكتساب الكفايات القادرة على كسب المعارف المتوفرة عن البيئة، تكون قادرة بالفعل للإسهام في وضع حلول قابلة للتطبيق لمشكلات البيئة [ ].
البعد التربوي
يعتبر البعد التربوي Educational Dimension من ابعاد مشكلة التلوث البيئي التي لها أهمية كبيرة، وذلك من خلال نشر الوعي البيئي المرتكز على أخلاقيات بيئية Educational Ethics تدعو الجميع لضرورة الإنتماء الى هذه القرية الكونية بإيجابية وتفاؤل.وإن نقطة إنطلاق الإهتمام في هذا الجانب بدأت من مؤتمر ستوكهولم، الذي عقد خلال الفترة ما بين 5-16 حزيران / يونيو 1972 تحت عنوان ” عالم واحد فقط !”، حيث تضمن المؤتمر إن الإنسان صنيع بيئته وصانعها في اَن واحد.وإن بين المجتمع والبيئة علاقة وثيقة، فهي معيله الطبيعي الذي يوفر له فرصة للنمو الفكري والإجتماعي والروحي.
وتهدف التربية البيئية كمفهوم الى بناء المواطن الإيجابي الواعي بمشكلات البيئة، وتنمية الوعي بأهمية البيئة، وتنمية القيم الإجتماعية، ودراسة المشكلات البيئية، وتحليلها، من خلال منظور القيم، وتنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وبيئته البيوفيزيائية.وتهدف ايضاً الى تنمية أخلاق بيئية تسعى الى إيجاد التوازن البيئي ورفع مستوى المعيشة للأفراد، وتنمية مفهوم جماهيري اساسي للعلاقات الإنسانية والتفاعلات البيئية ككل،بالأضافة الى تزويد المواطنين بمعلومات دقيقة وحديثة عن البيئة ومشكلاتها بهدف معاونتهم على إتخاذ القرارات السليمة لإسلوب التعايش مع البيئة وتوعية المجتمع، وبأن من حق كل مواطن إتخاذ القرارات بشأن المشكلات البيئية.
ويقع على عاتق التربية البيئية مسؤوليات ضخمة لتحقيق التعاون بين الدول لتوفير حياة كريمة لكل البشر عن طريق الإستغلال العلمي للموارد المتاحة وتوجيه الإهتمام الى المشكلات البيئية المعاصرة، وضرورة دراسة المشكلات الناجمة عن التغيرات التكنولوجية التي احدثها الإنسان وكانت لها اَثار سيئة على الأنظمة البيئية، كالتلوث.
وتتمثل مسؤولية التربية البيئية أيضاً في دراسة المشكلات البيئية وتحليلها من خلال منظور شامل وجامع لفروع المعرفة تتيح فهمها على نحو سليم.كما دعت ندوة بلغراد عام 1975 الى أهمية التربية البيئة التي تهدف الى تكوين جيل واع مهتم بالبيئة وبالمشكلات المرتبطة بها، ولديه المعارف والقدرات العقلية، والشعور بالإلتزام، بما يتيح له ان يمارس، فردياً أو جماعياً، حل المشكلات القائمة، وأن يحول بينها وبين العودة للظهور.
ومن هنا فان التربية البيئية أصبحت بعداً مهماً من ابعاد حل مشكلة التلوث البيئي من خلال غرسها لأخلاقيات بيئية عند الأفراد.وفي هذا الإتجاه يقول ليوبولد- أستاذ البيئة الشهير:إننا نحقق فكرة أخلاقية-المحافظة على الأرض حين ننظر على أنها مجتمع ننتمي إليه.وبذلك يمكننا أن نستخدم الأرض بطريقة تنم عن الحب والإحترام.
والتربية البيئية المرتكزة على وعي بيئي كبير وأخلاق بيئية رفيعة، كفيلة في أن تسهم في الحد من التلوث وتدهور الحياة، بالإضافة الى دور العقيدة التربوية في غرس القيم الإيمانية والسلوكيات الإيجابية للتعامل مع البيئة.
الفصل الثالث
خصائص التربية البيئية وسماتها وأشكالها
تتسم خصائص التربية البيئية بجملة من السمات يوجز رشيد الحمد ومحمد صباريني أبرزها بالتالي:
* التربية البيئية تتجه عادة الى حل مشكلات محدودة للبيئة البشرية عن طريق مساعدة الناس على إدراك هذه المشكلات.
* التربية البيئية تسعى لتوضيح المشكلات البيئية المعقدة وتؤمن تظافر أنواع المعرفة اللازمة لتفسيرها.
* التربية البيئية تأخذ بمنهج جامع لعدة فروع علمية في تناول مشكلات البيئة.
* التربية البيئية تحرص على ان تنفتح على المجتمع المحلي إيماناً منها بأن الأفراد لا يولون إهتمامهم لنوعية البيئة ولا يتحركون لصيانتها أو لتحسينها بجدية وإصرار إلا في غمار الحياة اليومية لمجتمعهم.
* التربية البيئية تسعى بحكم طبيعتها ووظيفتها لتوجه شتى قطاعات المجتمع ببذل جهودها بما تملك من وسائل لفهم البيئة وترشيد إدارتها وتحسينها، وهي بذلك تأخذ بفكرة التربية الشاملة المستديمة والمتاحة لجميع فئات الناس.
* التربية البيئية تتميز بطابع استمرارية والتطلع الى المستقبل [ ].
إن التربية البيئية تعد إستجابة للأزمة البيئية التي تواجه البشرية.وهي تتناول حالات واقعية، توجب المشاركة في دراستها.وتأخذ أهداف التربية البيئية المعرفية بالمنحى التداخلي.والتربية البيئية ذات طابع كلي في توجهاتها.وتضمن الفعل في تعاملها مع المشكلات البيئية.وتستخدم، بشقيها الطبيعي الصناعي، وسطاً للتعلم.وتبحث عن البدائل في دراسة الحالات البيئية.وتسعى الى تبني المدخل القيمي الذي يعني تلازم بناء أنماط سلوكية تساعد بالمحافظة على البيئة.وتهتم باسس الأختيار بين بدائل الحالات البيئية.وتهدف التربية البيئة الى تطوير مهارات حل المشكلات البيئية.
وهي جهد لا ينبغي ان يترك للتربويين لوحدهم، بل هو جهد مجتمعي تشترك في تحقيقه كافة الجهود، الرسمية منها والأهلية.والتربية البيئية ليست فكراً نظرياً، ولا وجهات نظر، بل هي علم تطبيقي يتجلى بالفعل والممارسة[ ].
وكان ميثاق بلغراد في عام 1975 قد اشار الى ان السعي الى تحقيق الغايات والأهداف التي عرضناها يضفي على عملية التعلم خصائص معينة، ويتطلب توافر شروط معينة فيها، سواء في ما يتعلق بتصميم مضمون التربية وتنظيمه، أو بأساليب التعليم والتعلم وطريقة تنظيم هذه العملية.وقد تكون أهم سمة لهذه التربية هي كونها تتجه الى حل مشكلات محدودة للبيئة الإنسانية، فهدفها معاونة الناس أياً كانت الفئة التي ينتمون اليها، وأياً كان مستواهم، على إدراك المشكلات التي تقف حائلاً دونما فيه خيرهم كأفراد وجماعات وتحليل أسبابها وتقييم الطرق والوسائل الكفيلة بحلها.وهي تهدف كذلك الى إشراك الفرد في وضع تحديد إجتماعي للأستراتيجيات والأنشطة الرامية الى حل المشكلات التي تؤثر على نوعية البيئة.وإذا كانت توجد اليوم مشكلات بيئية كثيرة، فمرد ذلك، في جانب منه، الى أن قلة ضئيلة من الناس كانوا قد أعدوا لتبني مشكلات تتسم بالتحديد والتعقيد، فضلاً عن إبجاد حلول فاعلة لها.وقد اساء التعليم التقليدي، بإفراطه في التجريد وعدم التناسق إعداد الأفراد لمواجهة ما يطرأ على واقعهم من تعقيدات متغيرة ، في حين ان التربية التي تتخذ من مشكلات بيئية محدودة محوراً لها تتطلب على العكس تظافر المعارف بشتى جوانبها لتفسير الظواهر الواقعة المعقدة. ومع ذلك تبرز سمة أخرى من سماتها الأساسية، وهي كونها تأخذ بمنهج جامع لعدة فروع علمية في تناول مشكلات البيئة.
والواقع أنه يحسن لفهم هذه المشكلات على نحو سليم ان تكون على البيئة من وجوه الترابط القائمة بين الظواهر والأوضاع السائدة والتي كان أتباع نهج يعتم على فرع واحد من فروع العلوم سينحو الى تجزأتها. فالنهج الجامع لعدة فروع علمية يتجاهل الحدود الفاصلة بين العلوم التخصصية ويعنى بأعطاء نظرة أكثر شملاً وابعد عن التبسيط للمشكلات الماثلة، إذ انه لا يتمثل في البدء بوضع العلوم المختلفة جنباً الى جنب، ولكن في فهم العملية فهماً شاملاً قبل التطرق الى تحليل إحدى المشكلات الخاصة وحلها.. على ان التوصل الى تربية جامعة لعدة فروع علمية بصورة حقة يشكل مطلباً صعباً ينبغي ان نسعى الى تحقيقه تدريجياً.. ويفترض لذلك ان تقوم إتصالات ميسرة بين المعلمين بفضل ما يتلقاه المختصون من تدريب جديد ووضع نظام ملائم للتعليم يأخذ في أعتباره الروابط الفكرية والمنهجية بين فروع العلم على إختلافها. وتدعو الحاجة الى وضع تعليم يستجيب للإحتياجات الإجتماعية إستجابة فاعلة للتنويه بإحدى الخصائص الرئيسية الأخرى للتربية البيئية وهي إنفتاحها على المجتمع المحلي المعين. فليس يفترض في التربية التي تهدف الى حل مشكلات بيئية محددة ان تعمل على تنمية المعارف والمهارات وحسب، بل وان تعمل أيضاً وبوجه أخص على تطوير عرف محلي يمارس في بيئات محددة، ومن التحقق ان الأفراد والجماعات لا يولون إهتمامهم لنوعية البيئة، ولا يتحركون لحمايتها او تحسينها بعزم وإصرار إلا في غمار الحياة اليومية لمجتمعهم المحلي، وحين يواجهون ما يعترض سبيلهم من مشكلاتها.. ولهذا النهج الجماعي أهمية لأنه من الجلي ان كثيراً مما يسمى بالمشكلات الوطنية لا يعدو كونه حصيلة مشكلات فردية وان كانت مشتركة بين عدة مجتمعات محلية في وقت واحد.. وإذا أمكن حل مشكلات معينة تخص أحد المجتمعات المحلية فاننا نكون قد قطعنا بذلك في الوقت نفسه شوطأ صوب تحسين البيئة لصالح مجتمع أوسع نطاقاً مثل القطر او المنطقة. ويتطلب تحسين نوعية البيئة من ناحية أخرى، توفر الإدارة السياسية اللازمة، ونهوض شتى قطاعات المجتمع ببذل جهود لدعمها بكفاياتها وبما تملكه من وسائل متعددة. ذلك ان التظافر الحقيقي بين قدرات المعرفة وغيرها من العناصر مثل القيم والنظرة الجمالية والمهارات العملية في إطار الجهود المنسقة ومشاركة الأفراد داخل مختلف الجماعات والمرافق التي يتكون منها المجتمع المحلي، سيؤدي الى فهم البيئة وترشيد إدراتها وتحسينها.
وهناك في النهاية جانب اَخر من الجوانب الأساسية للتربية البيئية وهو ما تتميز به طابع الإستمرار والتطلع الى المستقبل.فحتى وقت قريب من تأريخ الإنسانية كان التغيير في الإطار الإجتماعي والثقافي والطبيعي للحياة يحدث ببطء، وكان من الميسور في ظروف كهذه ان يتعلم أبناء الأجيال الجديدة قيم اَباءهم ومعارفهم وان ينقلوها الى أبنائهم وهم على يقين من ان هذا التراث الثقافي سيكون كافياً لضمان تلاءمهم مع المجتمع.. ومنذ الثورة الصناعية وخلال النصف الثاني من القرن العشرين بوجه أخص تعرض هذا الإطار لهزة عنيفة، فقد أدى التقدم الباهر الذي أحرزته المعارف العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية الى مضاعفة سيطرة الإنسان على بيئته وتزايد سرعة التغيرات التي تعرضت لها. وفي يومنا هذا تتغير البيئة الطبيعية والمبنية في مختلف جوانبها بسرعة بالغة مما يسفر عن ظهور نظم إقتصادية وإجتماعية وثقافية جديدة، ومن تولد مشكلات جديدة دون إنقطاع. وأصبحت المعارف والتقنيات تتغير للمرة الأولى في تأريخ الإنسان خلال فترة تقل عن عمر الفرد..إذاً لا مناص لتربية تهدف الى حل مشكلات البيئة من ان تتسم في هذا السياق بطابع الإستمرار، ولكي لا تتخلف المعارف التي يكتسبها الناس ضماناً لأستمرار فاعلية الأنشطة الجارية يتعين على التربية البيئية ان تحرص دائماً على إعادة صياغة توجيهاتها ومضمونها وأساليبها، وان تعنى في ذات الوقت بان ان تكون المعارف المتاحة لمختلف الفئات مستوفية بصورة دائمة مع تطويعها للأوضاع الجديدة بإستمرار.. وهي تتدرج بهذه الصفة في إطار التربية المستديمة[ ].
أشكال التربية البيئية وبرامجها
يعتبر الأستاذ راتب السعو