مشكلات نفسية – إجتماعية معاصرة …. الدكتور أسعد الإمارة (2)
التنكيل او الاعتداء ويزداد به تطرفاً ، فالعنف لا يقل شأنا عن مرض السرطان في انتشاره وتسربه بين فئات المجتمع ، فهناك الارضية الخصبة المؤاتية لانتشاره لا سيما في بلدان عانت الانظمة الشمولية الدكتاتورية لسنوات ، وانظمة الحزب الواحد وتسلط الفكر الاحادي والغاء الفكر الاخر مهما كانت منابعة واصوله ، وهي بحد ذاتها ازمة سرطانية مستفحلة منذ الازل ولسنا مغالين اذا قلنا ان مرض العنف اقدم من كل الامراض والاوبئة الفتاكة قديما وحديثاً وهو اقوى ايظا بعشرات الاضعاف من مرض السرطان .
ان العنف على مر العصور يطالب بحقه في الفناء للبشرية والبيئية وبالمزيد من هدر الحقوق الاخرى في الحياة وابادة البشرية من اجل تدوين سنوات التاريخ بالدم واذا كانت ظروف الدنيا حتى الان فرضت على الانسان ان يكابد ضد ازمات الحياة ومتطلباته والعمل الشاق وقتل كل لحظات التقدم التي تواجهه لغرض تحقيق الرفاهية فأن العنف وسلوك العدوان والتطرف في الدين والسياسة له النصيب الاكبر في ذلك وله المساحة الاوسع في شمول كل بقاع الارض من
شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها حتى لتبدو لنا وكأنها قطعة من الدم لا تنتهي من التاريخ القديم الى الوسيط الى المعاصر ، فحضارتنا ما زالت تسعى لتطبيق وتعميم قيم العنف التي جاء بها مرضى العقول والنفوس من القادة والزعماء والسياسيين والعسكر واننا ما زلنا بطريقة رمزية نقتل الآخر من خلال تسقيطه ونفيه والغاءه في حالة من الهدوء والسكينة وانتشار العنف الجماعي مثل الحروب والفتوحات والتحرير والمقاومة وانزال حكم الله على البشرية بكل اشكاله ، كل تلك السلوكيات هو افراج عن الغرائز المكبوتة دون ادنى خوف او تردد من قيم السماء او الارض او القيم الخلقية او القيم الانسانية السامية. اننا نؤكد مرة اخرى ان المعرفة التي تنبع من منظار ضيق ورؤية احادية لابد وان تكون ناقصة وانها ستكون في النهاية في مواجهة طريق مسدود وسوف تتناقض بالتالي مع المعارف والاتجاهات والعقائد الاخرى حتما ، فالذي يرى ان العنف هو الطريق الموصل الى الحياة والسلام كمن الذي يرى ((ان الثعبان كالحبل وهو يختلف مع الذي يراه عصا)) ، بينما المعرفة المسبقة بنتائج العنف قبل الخوض باسبابها ،هي معرفة متكاملة تجمع بين وجهات النظر المختلفة وتعتمد على جميع قدرات الانسان المعرفية واهمها العلم والحكمة والعقل والوجدان ، وهي الاقرب للمعرفة الحقيقة فتتجاوز ضيق الافق والرؤية الناقصة للآخر.
العنف .. تعريفات ومفاهيم
العنف Violence (تعريف موسوعة علم النفس والتحليل النفسي)
هو السلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والاكراه، وهو عادة سلوك بعيد عن التحضر والتمدن، تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثمارا صريحا بدائياً كالضرب والتقتيل للافراد والتكسير والتدمير للممتلكات واستخدام القوة لاكراه الخصم وقهره… ويمكن ان يكون العنف فردياً”يصدر عن فرد واحد” كما يمكن ان يكون جمعيا”يصدر عن جماعة” او هيئة او مؤسسة تستخدم جماعات واعداداً كبيرة،على نحو ما يحدث في التظاهرات السلمية التي تتحول الى عنف وتدمير واعتداء،او عن جماعة منظمة لديها حزب سياسي وميليشيات مسلحة ترى في العنف هدفا اساسيا من اهدافها السياسية في تصفية المقابل،مهما كان اتجاهه او فكره.
العدوان Aggression (تعريف موسوعة علم النفس والتحليل النفسي)
هو كل فعل يتسم بالعداء تجاه الذات ويهدف للهدم والتدمير نقيضاً للحياة في متصل من البسيط الى المركب.ويكون العدوان مباشراً على فرد او شئ هو مصدر الاحباط في صور مختلفة سواء باستخدام القوة الجسمية او بالتعبير اللغوي او الحركي.
ويعرف (شابلن)العدوان :
بأنه هجوم او فعل معاد موجه نحو شخص ما او شئ ما،كما يعني الرغبة في الاعتداء على الاخرين او ايذائهم والاستخفاف بهم او السخرية منهم باشكال مختلفة بغرض انزال عقوبة بهم او اظهار التفوق عليهم.
يعرف (ميشيل اراجايل)السلوك العدواني :
يشير العدوان الى السلوك الذي يتجه به صاحبه الى ايقاع الاذى بالاشخاص الآخرين او ممتلكاتهم،اما بدنياً او لفظياً او بأي طريق آخر.
العدوان Aggression :
هو احد ميكانيزمات الدفاع التي يلجأ اليها الفرد وهو توقيع العقاب على الغير او عقاب الذات او رمز لها،والعدوان ربما يكون مباشرا او غير مباشر،بالجسم او باللفظ، بالكيد او التشهير،بالنقد او بالتهديد او بالعصيان،بمخالفة العرف او التقاليد او بالخروج عليهما.والعدوان في الاغلب الاعم مصحوب بشحنة انفعالية غاضبة وينشأ نتيجة احباط فعلي او توقع له يهدد أمن الفرد. والفرد يمكن ان يعتدي ويسرف في اعتداءه مداراة لشعور بالنقص حقيقي او وهمي او ربما يعتدي توكيدا لذاته واعلان عن وجوده او لدرء عدوان متوقع عليه، والفرد المحبط يقوم بالعدوان ولكن العدوان نفسه ربما يقع له احباط ،هنا يكون العدوان المزاح”Displaced aggression ”
الارهاب Terrorism :
بالرغم من عدم وضوح تعريف محدد له ، إلا انه اخذ النمط البسيط فعبر به عن العنف او التهديد الذي يهدف الى خلق خوف او تغيير سلوكي. ويعرف النمط القانوني”الارهاب” بأنه يعني: عنفاً اجرامياُ ينتهك القانون ويستلزم عقاب الدولة.ويرجح بعض الباحثين الاجتماعيين
نمطاً آخر،هو النمط التحليلي للارهاب،ويعني عوامل سياسية واجتماعية معينة تقف وراء كل سلوك ارهابي.
سوء المعاملة Maltreatment :
وهو السلوك الذي يتعدى فعل الضرب وممارسة العنف الجسدي الى سلوكيات كثيرة اخرى قد تكون اكثر اذى كونها نفسية وغير مرئية او اقل وضوحا احيانا من حيث الاثار المباشرة.وقد تكون عبر استعمال قنوات الكلام”البذئ مثلا او الجارح والمهين”او عدم الاهتمام والاهمال.
العنف والعدوانية … مدخل سيكولوجي
يكمن السلوك العدواني في صلب كثير من المشكلات الانسانية الملحة مثل الحرب، التعصب بانواعه ،جنوح الاحداث ، القسوة في التربية على الاطفال، التفكك الاسري وسوء التربية، الانفصال المبكر بين الابويين او الخلافات المستمرة بينهما وتدخلات الاسر في شؤون تربية الابناء وغيرها من(( الاسماء)). *****
تؤكد الرؤية النفسية للعنف والعدوان ان هناك باعث طبيعي لدى جميع الكائنات الحية للنضال ضد اي شئ يعمل على تهديد طمأنينتها او اعاقة عوامل ارضائها وعلى هذا فأن الباعث او (الغريزة)على العنف والعدوان يرتبط بالباعث على حماية الذات او اعتبار الذات. وربما يكون تعبيرا عن ارادة القوة ومن ثم فإنه يؤدي الى الاتيان باعمال وحشية .
وترى الدراسات النفسية الميدانية عن السلوك العدواني عند الراشد ما يلي: لأن الراشد العدواني يحس عادة التحكم بمظاهر عدوانيته وهو لا يفجرها الا في اوضاع معينة. ويحكمه في ذلك السلوك كوسيلة لارضاء حاجاته الداخلية بطرق ووسائل مختلفة.لذا كان العدوان هو احد انماط السلوك الهادفة الى تحقيق حاجات الفرد وكفاياته،ويجد في العدوان طاقته المحركة في قوى نفسية معينة.
يرى سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي الغرائز من وجهات نظر ثلاث: فهو يفترض ان لكل غريزة مصدرا للاشباع يمدها بالطاقة الضرورية وان موضوعا تتجه اليه لغرض الاشباع وهدفاً يحقق لها هذا الاشباع. وعرض في كتابه(ما فوق مبدأ اللذة)عن نظرية سيكولوجية في الغرائز تقوم على ان بعض السلوكيات تتكرر في حياة الفرد تكرارا آلياً اعمى( وهي غريزة
العنف والعدوان)،وهي معارضة لدوافع الحياة معارضة صريحة ،لذلك اعاد تصنيف الغرائز فأدرج دوافع حفظ الذات ودوافع حفظ الجنس تحت غريزة الحياة او الايروس،ووضع في مقابلها ما اسماه غريزة التدمير او الموت.
تقوم العملية النفسية لدى السلوك الانساني من وجهة النظر التحليلية بأن تلعب (الآنا)دور الوسيط بين نزوات (الهو) وبين الواقع .فالآنا يمثل القدرة التوليفية عند الانسان ويحدد نوعية التفاعل مع الاخرين ولهذا (الآنا) وميكانيزماته الدفاعية التي تدعمه في ضبط النزوات على وفق متطلبات التكيف والتوافق مع الوسط الخارجي وهكذا يمكننا القول ان (الآنا) بتفكيره يحول(الغريزة)الى نزوة ويميز الانسان عن الحيوان. ولقد وصف فرويد النزوة الجنسية بشكل مفصل موضحا كيفية حدوث هذه العملية بارتكازها على وظيفة فيزيولوجية اساسية للحياة.وهو يعتبر ان العدوانية هي احدى مكونات الغريزة الجنسية ،والواقع ان اعتقاد فرويد ان الجنس فقط يمثل نموذج كل غريزة .
ان مفهوم الغريزة وبالذات الغريزة العدوانية هو مفهوم مثبت بشكل صريح في التحليل النفسي، وسماها فرويد بالعقدة”القابيلية” انطلاقا من مقتل هابيل على يد اخيه قابيل ،وان الميول”القابيلية” العدوانية هي ميول موجودة لدى الجميع وهي تتغذى بالمشاعر السلبية من حقد وحسد وكره ورغبة بالثأر …الخ كما وضح ذلك عالم التحليل النفسي”سوندي” اما المشاعر الايجابية فهي التي تدفع بالفرد نحو التسامي بميوله القابيلية وصولا الى تحويلها من العدوانية نحو البناء وهي فكرة المسالمة واللاعنف بعينها.
ويرى عالم النفس التحليلي الشهير(مصطفى زيور) اننا نعلم ان العدوان طاقة انفعالية لابد لها من منصرف، ولا مناص من ان تتخذ لها هدفاً تفرغ فيه شحنتها الزائدة، وفي الظروف الاجتماعية العادية ، يجد العدوان منصرفاً في انواع النميمة وتجريح الغير في النكتة اللاذعة.وعندما يصل العدوان الى درجة بالغة في الشدة، او عندما تتخاذل اساليب ضبطه، فأنه يميل الى الفتك فتكاً مباشرا بمصدر النقمة. اما اذا استحال الوصول الى مصدر النقمة، فإن العدوان يلتمس هدفاً آخر ليصبح كبش الفداء بديل، وكلنا نعرف مثل المرؤوس الذي يكظم غيظه من سوء معاملة الرؤوساء حتى اذا عاد الى بيته صب جام غضبه على اهله.
وتدل الشواهد الميدانية على الكثير من حوادث العنف والعدوان على شريحة معينة من البشر في العديد من المجتمعات الانسانية، فحوادث العدوان على الزنوج في الولايات المتحدة الامريكية الجنوبية على ان هذه الحوادث تزداد زيادة ملحوظة كلما هبطت اسعار القطن وهو المحصول الرئيس لهذه الولايات كأن الزنوج هم المسؤولون عن هذه الضائقات المالية. او التفجيرات التي حصلت في الهند ضد احد المساجد الاسلامية ، فانبرى المسلمين في بنغلاديش ذات الاغلبية المسلمة بقتل الهندوس في بنغلاديش ، فاصبحوا الهندوس الاقلية في بنغلادش كبش الفداء للمسلمين، وكذلك الحال عند تفجير مرقدي الامامين الشيعيين(الحسن العسكري وعلي الهادي) في منطقة سامراء بالعراق ، سببا في تصفية ابناء الطائفة السنية بالعراق في جميع مناطق العراق، اصبحوا كبش الفداء لقضية لا علاقة لهم بها بعد ان نفذوها متطرفون اسلاميون لا علاقة لهم بالمذهب السني ،لا من بعيد ولا من قريب، بل ربما كفرهم السلفيون الذين قاموا بهذا الفعل. يحتمل العدوان اذن النقل اي استبدال هدف بهدف،واذا احيل بينه وبين الافراغ فإنه لا يلبث ان يرتد نحو الذات فتفتك النفس بنفسها، اما الرؤية النفسية المعرفية “Cognitive ” المتمثلة بعالم النفس الشهير (البرت باندورا)وهو يرفض وجود العدوان كغريزة ويؤكد على اهمية العمليات المعرفية التي تتضمن كيفية التمثيل الرمزي عند الافراد والاحداث.وذلك لتأثير المزايا المثيرة للغضب وللانفعال وهو يوضح ان هذه التصورات العقلية ربما تتغير من خلال تزويد الافراد بانماط مختلفة من المعلومات ومصادر الاشياء المتعلمة من الواقع وبناءا على ذلك يشير (باندورا) الى اهمية العمليات الادراكية (المعرفية) الكامنة وراء (الاستجابة) العدوانية. وبهذا ينتهي طرحه العلمي بقبول معنى العدوان من خلال التعلم الاجتماعي وذلك عن طريق المحاكاة والملاحظة،وبهذا فأن معظم انماط السلوك الفردي من وجهة نظره ورأيه هي انماط مكتسبة عن طريق ملاحظة سلوك الاخرين ونتائجه،وبقدر ما يتم تعزيز هذه الاستجابة فإن ظهورها يصبح اكثر احتمالا.
اما التجربة النفسية العيادية الاكلينية المتمثلة لدى بعض علماء النفس فترى ان العنف والسلوك العدواني يجد له جذورا في التجربة الفردية والجمعية لدى الفرد والمجتمع وازاء ذلك تقول عالم النفس(هيند)انه ليس بالامكان فهم السلوك العدواني إلا برد هذا السلوك الى اطاره الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، وان الافعال العدوانية هي بحسب تعريفها علاقات موجهة مع و نحو الاخرين فوجودهم مع ما يمثلون من خصائص ونشاطات شخصية هو من بين العوامل الاساسية المؤدية الى ترهين العدوانية،اي جعلها راهنة.
ويرى عالم النفس( دانييل لاغاش)في الانثروبولوجيا التحليلية ما من مشكلة مرتبطة بالغرئز او النزوات وذلك برد الغرائز الى سياق التواصل النفسي حيث تنتقل هذه الغرائز من القوة الى الفعل. وهكذا ليس بالامكان الكلام عن العنف والعدوانية الاباعتبارها واحدة من اساليب التعامل مع الآخر. فالعدوانية هي تغيير يحرك الوعي لدى الفرد حتى يخفض الدافع. واحدى اشكال تحقيق العدوانية يتمثل بالعدوان الفعلي المدفوع باهداف سامية كانت ام خبيثة ،دينية عقائدية ام سياسية وكلاهما تمثل العدوان والعنف وهو الفعل او الانتقال الى الفعل بهدف التدمير الكلي او الجزئي،الفعلي او المتصور-المتخيل- للموضوع. الذي ينصب عليه العدوان كما يمكننا ان نشير الى نوع آخر من العدوان وهو ذلك الموجه نحو الذات،وهو يحدث عادة بسبب الكبت و/او لأنا اعلى قمعي ومهيمن ومسيطر بقسوة على النفس.
ومما تقدم يؤكد علماء النفس بأن العنف والعدوان هو حالة ارتكاسية للشعور بالاحباط ،وبأنه فشل التواصل بين الذات وبين الآخر. ولدى (سيجموند فرويد) غريزة العدوان هي غريزة التدمير والهدم وتعمل على تفكيك الارتباطات وهدم الاشياء.
العدوان والاحباط
يعد العدوان من ردود الفعل الرئيسة للاحباط، لوحظ ان نوبات العدوان تتحرك بفعل الاحباط ولا يظهر الفرد استجابة العدوانية بل انه ربما يكبتها ويخفيها. ومن الشائع في المواقف الاحباطية ان يهاجم الفرد مباشرة الاشياء او الاشخاص الذين هم مصدر احباطه. لذا يتأثر الاطفال بنوع البيئة التي ينشأون فيها في اظهار مشاعرهم العدوانية بصورة مباشرة او غير مباشرة كما عبرعن ذلك(دولارد وميلر)،اما عالمة التحليل النفسي(كارين هورني)فأنها تجد من الخطأ من وجهة نظر الصحة النفسية ،كبت كل المشاعر العدوانية، فإن كبت مثل هذه المشاعر ربما يؤدي الى القلق والعصاب النفسي،واقترحت انه من الافضل للشخص ان يعبر عن مشاعره العدوانية او العدائية بين الحين والآخر حتى يزيح عن نفسه ضغط المشاعر.
وترى وجهات نظر نفسية اخرى قولها كان من المعتقد لفترة طويلة من الوقت ان الاحباط اي منع حافز معين من الاشباع هو الشرط الاساس الذي يؤدي الى العدوان ،ومن الصحيح انه يؤدي في بعض الاحيان الى العدوان، لكنه في احيان كثيرة لا يؤدي الى ذلك ويقول”(اراجايل)هناك شرطان يؤدي فيها الاحباط الى عدوان وهما:
· إثارة العدوان إذا كان الاحباط يحدث بطريقة متعسفة ولا معنى لها.
· عندما يكون فعالا في التخلص من العقبات التي تعترض طريق اشباع الحاجات،وعندما يتوافر احد هذين الشرطين فإن الإحباط يؤدي الى استجابات مختلفة منها الانسحاب او التثبيت على سلوك عصابي.
يوجه العدوان نحو مصدر الاحباط عادة او بديله كما حدث في مواقف حياتية كثيرة ومشاهد في الواقع، وعندما لا يتمكن الفرد من توجيه العدوان نحو المصدر الاصلي للاحباط فانه يلجأ الى توجيه العدوان نحو مصدر اخر له علاقة مباشرة او رمزية بالمصدر الاصلي للعدوان وعندها يسمى هذا العدوان عدوانا مزاحا. وتعرف هذه الظاهرة في العادة بظاهرة كبش الفداء . فعند انهيار النظام في العراق في نيسان 2003 وجد الناس انفسهم بلا قيود من سلطة الدولة الدكتاتورية فوجهوا شحناتهم العدوانية نحو رموز الدولة المتمثلة في مؤسساتها ومبانيها والقصور الرئاسية التي كان الناس يرون فيها مصدر الاهانة والتحقير وسلب الحرية عندئذ كان العدوان مزاحا(النقل والازاحة Displacement وهو ميكانيزم دفاعي )اي توجية الانفعالات او الاستجابات العدوانية الى مثيرات اخرى غير المثيرات الاصلية ، اما العدوان المباشر كالعدوان الجسدي مثل الضرب او العدوان اللفظي كالتهديد والسباب.
وترى (دافيدوف) بقولها يقع الاحباط عندما تنشأ عقبة تمنع الناس من الوصول الى اهدافهم او تلبية حاجاتهم او توقع عمل شئ. والعدوان هو احد ردود الفعل الشائعة للاحباط، والشعور بالضيق ربما يكون من اسباب الشعور بالاحباط. وعندما تقل المثيرات يحاول الناس ان يخلقوا لانفسهم المثيرات .
ويمكن ان تعد المشاعر العدوانية كأحد الاسس التي تشكل التحيز ضد بعض الاجناس او الاقليات،وهناك جماعات من الناس حين تصادفهم مواقف احباطية ويقومون بالتهجم او اظهار اتجاهات غير ودية نحو مجموعة من الافراد لم تمسهم بأذى او ضرر.
وكثيرا ما تتخذ الاقليات في اي مجتمع ككبش فداء لتخفيف حالة التوتر التي تصيب الجماعة ككل من جراء ما يصيب فرد او مجموعة افراد منها من احباط.
انفعالات العنف
يصاحب انفعالات العنف دائماً مشاعر الخشونة والتعبيرات الانفعالية التي تحّول المشاعر الانسانية الى لغة اخرى لاتمت لانسانية الانسان بصلة ، هذه المنبهات الكريهة او خصائص البيئة الانفعالية غير السارة التي تبدو واضحة على وجوه البعض منا رجالاً ونساءاً تحمّل اجسامنا طاقة مضافة الى همومنا مع هموم الحياة اليومية ، فتقلص امعائنا واكبادنا ، بل تشد من اعصابنا حد التوتر المتوتر .. هذه الانفعالات لا نعلم كم هي مؤلمة على دواخلنا وما هي اثارها ومضارها الحالية والمستقبلية قبل ، واثناء ، وبعد ، حدوث الشد العصبي الانفعالي ، كيف تتكور كل الطاقة النفسية المهيئة للعمل والموجهة للانتاج الى طاقة لافائدة منها سوى شحن الجانب الانفعالي الى هدف لافائدة منه ، كم هي درجات الحرارة المرتفعة داخل اجساد البعض منا اثناء لحظات الشد الانفعالي ، وكم هي الحوافز التي تدفع سلوكنا الداخلي الموجه الى الآخر الذي ربما يبادلنا نفس المشاعر اوربما ينسحب وهو الاكثر تعقلا ، كم هي درجة الضوضاء والمنبهات الشديدة التي تمثل مثيرات الضغوط Stresses لحد تجعلنا نفقد السيطرة على افعالنا … هذه الاثارات والمنبهات والشحنات الانفعالية المنبعثة من دواخلنا توجه لدينا السلوك العدواني نحو الآخر الذي ربما اختلفنا معه في الرأي ، او تعارض معنا في وجهة نظرنا نحو قضية ما ، او شعرنا بالاهانة غير المقصودة في لحظة انفعال عابرة .
انها لحظات شد عصبي ونفسي لا حدود له ، تعبر عنه نظرية الانفعال السلبي Nagative Affect Theory باصدق تعبير بقولها ان اثار كافة المنبهات الكريهة او الانفعالية المؤذية تؤدي الى زيادة السلوك العدواني ، وتضيف هذه النظرية .. انها تؤدي الى زيادة السلوك العدواني حتى درجة معينة بعدها يحاول الشخص ان يهرب او يصطدم مع الآخر الذي سبب الاثارة او يصبح اكثر سلبياً تجاه نفسه وتحتقن في دواخله كل الانفعالات حتى يضعف صحياً او ينهار.ان للعنف رائحة كريهة مليئة بالانفعالات والشد النفسي العنيف وهي مزيج في
آن معاً مع ردود الافعال الفسيولوجية التي يصاحبها خفقان القلب بقوة وتوتر الجسم المثير للانتباه مع الاحتقان الواضح على ملامح الوجه حتى تكاد تتغير الايماءات الوجهية بفعل شدة الانفعال .
لقد رصد علماء النفس اعراضاً معدية معوية رهيبة عندما يتعرض الانسان لموقف قلق او لحظات انفعال عنيف ..انها مشاعر غير سارة تماما..
ان من نتائج انفعال العنف المصاحب له توتر الاعصاب ، ان كفاءة الجهاز المناعي تقل بمرور الزمن لدى اولئك الاشخاص الذين تتسم سلوكياتهم بالتعامل الانفعالي ويؤدي ذلك الى خلل في وظائف هذا الجهاز نتيجة التوتر الدائم، وبينت الدراسات النفسية الفسيولوجية ، ان الرجال اكثر معاناة وتأثراً بالنتائج السلبية للعنف وسلوكيات العدوان. ففي لحظات انفعال العنف وتوتر الاعصاب قد يؤديان الى زيادة افراز المواد المسببة للحساسية والتهابات الجلد وسقوط الشعر وزيادة الاصابة بالامراض المعدية ، وكلها ناتجة من جراء النقص في كفاءة الجهاز المناعي نتيجة الانفعالات الحادة واعراضها الجانبية الناتجة من سلوك العنف والقسوة والشدة مع الآخر ومع الذات ، فالعنف يؤثر في الاخر فيجرح مشاعره وربما يدفع صاحبه الى فعل العدوان وكذلك قد يرتد ايضاً فيسبب انفعالات سلبية تشمل تأثيراتها جميع اعضاء الجسم ، فالعنف ظاهره(الجانب الظاهري ) قساوة وباطنه مساوئ لاعظاءالجسد.
والسؤال الذي نود طرحه عبر هذه السطور : لماذا يفقد البعض صوابهم عندما يغضبون ؟ لماذا يتحول البعض الى سلوك العنف لحظة الانفعال ؟
يجيب علماء النفس بالتالي : ان الناس الذين لديهم نزعات الى الانفجار غضباً كثيراً ما يجهلون الاشارات الصادرة من داخل ذواتهم رغم ان هذه الاشارات تنبئ بأن غضبهم يعتمل ، وان لحظات الانفعال ستؤدي الى السلوك العدواني وان سلوك العنف بدأ يأخذ مساره نحو السلوك اليدوي ( العنف باستخدام اليد ) وأنه تجاوز السلوك اللفظي العنيف ، انهم بدأوا يفقدون رباطة جأشهم وهم على علم تام بانهم اصبحوا مستثارين جسدياً وسيؤدي ذلك الى فعل العنف والخشونة المفرطة . .
ويعّرف علماء النفس تمام المعرفة ان رد فعل الاشخاص العدائيين ذوي السلوك العنيف بصورة مزمنة ناتج من وجود الصلة بين الذات والنزعة العدائية العنيفة وهم يرجحون بان هذه النزعة تبدأ من الدماغ . واكتشف علماء النفس واطباءه ان الاشخاص الذين يسيطر عليهم الغضب هم اقل وعياً بتعبيرات وجوههم ووضع اجسامهم والتغيرات الصادرة في مقام اصواتهم ، لذا ان تعرق راحة اليدين وسرعة ضربات القلب وتسارع الانفاس وقصرها هي سمات السلوك العدواني العنيف ، بينما لا تظهر هذه السمات في احداها او جميعها لدى الاشخاص المسالمين، المتسامحين ، الذين يتسم سلوكهم بالتواد والآلفة والمحبة واللاعنف .. وشتان بين السلوكين “العنف واللاعنف!!” حتى ان سلوك اللاعنف يمتلك المفتاح لحماية النفس من التصرف بطرق لا يندم عليها لاحقاً !!
ان انفعال الغضب هو سلوك يصحب العدوان ويمكن تعريف الغضب بانه انفعال يتميز بدرجة عالية من النشاط في الجهاز العصبي السمبثاوي وبشعور قوي من عدم الرضا سببه خطأ وهمي او حقيقي. ويميز علماء النفس بين العدوان الناجم عن غضب والعدوان الناجم عن عن الباعث،فالاول كما يعتقد الكثير من الناس وهم على وهم وخطا ،ان العدوان هو الوسيلة الوحيدة لتهدئة الغضب ،وهذا غير صحيح اطلاقا ،فقد بينت الدراسات النفسية الميدانية ان معتقدات الفرد تؤثر على نوعية الاسلوب الذي يتبعه ليقلل من التوتر المصاحب للغضب،وتوحي هذه الدراسات بان اي رد فعل يرتبط بتجنب العدوان من قبل الاخرين يمكنه ان يقلل من الغضب.
اما الثاني وهو العدوان الناجم عن الباعث ربما يكون العدوان احيانا نتيجة باعث،فكما يفعل الجنود في الحرب بقتل المدنيين وكل من يعترض تقدمهم من المدنيين ،فهذا يعني انهم ينفذون اوامر رؤوساءهم الصادره لهم بكل دقة ويحققون نتائج مرضية كالاوسمة او الانواط الخاصة بالحرب وفداحة الضحايا الذين اوقعوهم بالقتل، ومن هنا يتعلم الافراد سلوك القتل والتدمير بالفعل العملي وبالمشاهدة، وتزيد الضغوط الاجتماعية المشجعة على العدوان بعد انتهاء العمليات العسكرية وتسريح هؤلاء الجنود الى زيادة الاعمال العدوانية سواء في الشارع او في العمل او في التعامل الفردي او في الحياة الواقعية،فالقسوة تكسب الافراد ذوي الميول العدوانية هيبة واحتراما وتقديرا ذاتياً بغياب القانون وسلطة الدولة،حتى يتحول السلوك العدواني سلوكا مفروضا على الاخرين من اجل المال او تصفية من يقف ضد هذه العصابات، وبالتالي لا حاجة لهؤلاء الافراد بالعمل فالسلب والاختطاف من اجل المال يحقق مكاسب مالية اكثر مما يتيحه لهم العمل الطبيعي او اي عمل مهني او حرفي او يدوي. وفي ذلك امثلة لا حصر لها في عالمنا المعاصر ابتداءا من العراق وافغانستان وروسيا بعد الفترة الشيوعية وجنوب شرقي اسيا وامريكا اللاتينية ، وتزداد هذه الظاهرة في الدول الفقيرة او التي تتعرض الى فوضى الادارة وضعف سيطرة الدولة.
المعقول واللامعقول في العنف
تطالعنا الصحف اليومية والاسبوعية كل يوم وكل اسبوع باشكال لاتوصف من الاحداث المحزنة ، فضلا عّما تنقله لنا شاشات الفضائيات المتنوعه بأهوال القتل والترهيب البشع كل ساعه على مدار اليوم حتى باتت المشاهد البشعه زاد المترقب للاخبار المفجعه كل لحظه في حياته من اقصى الكرة الارضية الى اقصاها .
أننا أزاء حيرة من مآسي الحضارة الانسانيه وكأن تلك الحضارة بنيت بالدم والخوف ومشاهد الترويع … نشاهد كل صباح ومساء الجثث البشرية ملقاة على الارض ، وقد تشوهت، اوفي مشاهد اخرى كيف تحرق وتتحول الى اجساد مفحمه ، والادهى من ذلك ان عظمة الانسان التي وصفها الخالق عز وجل ووصفتها الاديان ، باتت سهله من كثرة تكرارها واقترن ذلك بأجبار المشاهد ان يعيش تلك اللحظات المرئية رغماً عنه .
ليس من المعقول ان نشاهد الجسد البشري يحترق ويمثل به كالخشب او الورق اليابس ، او حتى جعل في احيان كثيرة كبريتا.. وليس من المعقول ان يتحول الجنود في بقاع عديدة من أرجاء المعمورة الى قتلة وسفاحين ، بعد ان كانت الجيوش تمثل قيمة عليا للشعوب ، ورموزا تمثل للدفاع الامثل عن الاوطان.. وليس من المعقول ان تلجأ شلة من الافراد في أي بلد فقد الامن ، الى مجموعة تمثل بالاجساد وتسلخها ، اوتعلقها وكأنها شياة مهيئه للذبح…ان اللامعقول في حياتنا المعاصره ان تتحول جماعات تبتدع اساليب الرعب الجديده في نفوس
الابرياء مهما كان دينهم او مذهبهم او انتمائهم او اتجاههم.. ولا يحق لاي كائن من كان ان يمثل في جسد الغير، حتى وان أختلف معه في الدين او المذهب او الرأي او المعتقد ..
أننا أزاء كوارث ترتكب يوميا بأسم مسميات دخلت جديده في قاموس الحياة اليومية للشعوب فتارة تطالعنا الجيوش بعزمها على تحرير شعب ما ، او اقلية ما ، او تطالعنا جماعة اطلقت على نفسها مسميات عده ، أرتال النصر او جيش النبوه ، قوات تحرير الائمة والصالحين ، حماة المبادئ ، بناة العقيدة .. الخ من التسميات الرنانه والالفاظ التي تخترق العاطفة قبل الفكر البشري وتحاول مداعبة المشاعر والاحاسيس .
ان الذاكرة البشريه تحفظ ما تدركه العين وتراه ، فأن رأت منظرا خلاب او صورة طفل حديث الولادة يبتسم ، او حيوان يداعب طفلا او أمرأة جميله ارتدت فستان الفرح بزهو لا نظير له ، وهي تبدأ دورة الحياة مع شاب اقترن بها وسط اهازيج الاهل وافراحهم وشجون العذارى بالتمنيات وبدء حياة ملؤها المسرة والسعادة ، وبنفس الوقت تحفظ لنا العين ما تراه في الذاكرة غيوم الجيوش السوداء بظلالها المدججه بالسلاح وآلياتها التي تعيث في الارض والطبيعه والبيئه تدميرا ، تحفظ العين والاذن في الذاكره العنف في الكلمات التي تقال من خلال محطات الاذاعات وشاشات الفضائيات والعنف و التدمير وبشاعة الكلمات و الصور ..
ليس من المعقول ان يتفنن جماعة من الساسة او القادة من العسكر او اصحاب الميليشيات بانواعها الدينية او المذهبية او الطائفية باطلاق التصريحات المرعبه تجاه بني البشر .. كذلك من الرجا ل الذين خطوا طريقا لحركاتهم السياسية او الدينيه برنامجا قائما على اسس الترهيب والعنف !!
من أعطى رجلا الحق في التصرف على نحو ما من العنف والتشريد والتصفيات الجسديه والتمثيل بها او حرقها؟
من اعطى جماعة ما الحق في التنكيل بالاف الابرياء بأسم الدين اوالخلاص من العبوديه ؟
ان ظاهرة التسلط الجماعي لفئة من الناس على ارواح البشر وممتلكاتهم باتت الصوره السائدة في الحضارة الحديثه ، حتى شكلت ظاهرة العنف وما زالت تشكل الظل الاسود الذي يلازم الانسانية ويقض مضاجعها ، وعلى الرغم من الامال التي علقتها الانسانيه على الدور المتعاظم للتقدم الانساني في مجالات عدة منها الاتصالات و التكنولوجيا و العيش الآ من ، وا يجاد فرص الحياة الخاليه من الازمات والكوارث باتت اقرب الى السراب، وقليلا ما تذكر في الصحف اليوميه والاسبوعيه او المجلات المتخصصة اوعلى شاشات التلفزيون والفضائيات ثمة سؤا ل يطرح نفسه ، و مع ذلك لا يبدو اننا لا نتبينه … لعل السبب ، وهو ان الوضوح الساطع في الرؤية ومعرفة الاهداف التى تقود البعض من الساسة او القادة او ممن امنوا بعقيدة ما تقوم على العنف والارهاب يناظر احيانا الغموض المظلم من حيث تضييق افق البصر لديهم هذا الى الشدة و العنف التى تفيض بها النفس لديهم مما لا تترك فضلا من الانتباه الى ما عداها واى شدة و عنف اعظم من شدة وعنف مواجهة مع بشر عزل ابرياء ، او على الاصح يريد هؤلاء القادة و الساسة و المجاهدين ( حسب ما سموا انفسهم ) ان يكونو سادة على نحو يعيد الى الذهن ما ابرزه (هيجل) في جدال السيد والعبد ، بحيث تكون وظيفة البشرية جمعاء عبيدا لهم ليلا و نهارا اعترافا يمنحهم شرعية الوجود و فرض الاراء و المعتقدات والافكار التى حملوها حتى وان كانت شوفينية او عنصرية او تعصبية.
ليس من المعقول ان يتحول العنف و الارهاب و التقتيل هو الاسلوب السائد فى مجتمعات تجاوزت عصور الظلام و تحولت الى الحضارة المتجددة و التطورات الحضارية .
واود ان ابين في نطاق علم النفس وحده ، اي اننى ابحث عن الدوافع النفسية وراء ظاهرة العنف والارهاب والقتل والتمثيل بالاجساد وترويع الناس الآمنة ، وهذا لا يعنى اننى لا اقيم وزنا للعوامل غير النفسية ( السياسية، الاقتصادية ، التوسع الامبريالى، التسلط الدينى المتعصب ، النزعات المذهبية الجامدة ) التى ساهمت في انبثاق ظاهرة العنف و العدوان والتمثيل بجثث الابرياء.
ان تفسير اي سلوك – صحيا كان او مريضا- انما يرتد الى نمط علاقة الفرد بالاخرين ،اى نمط بناء الشخصية ، وهذا يرتد فى نهاية الامر الى ما نطلق عليه (هوية الذات) ومن الثابت ان هوية الذات انما هى نتاج عمليات (التوحد) بالاخرين (اى تقمص شخصيات الاخرين ) والتي تبدأ منذ بواكيرالنمو النفسي الانفعالي في السنوات الاولى من حياة الفرد .
ولسنا نرى في اختتام هذا ا لمقال خيرا من القول : ان موضوع العنف انما هو دراسة الشخصيه ودراسة الصلات المتبادله بين الاوجه السيكولوجيه والاوجه السيا سيه والاوجه الدينيه والتوسع العقائدي والمذهبي على حساب الحاله النفسيه والصحيه والامن والاستقرار للشعوب والامم ، لذا ما نراه نحن اقل بكثير مما لا نراه في الواقع اثناء حدوث العنف وما يتركه من ازمات وصدمات نفسيه وهول وكوارث لدى الشعوب والامم التي تتعرض له .
· رفقاً بالقوارير
· المرأة وعاء مكسور..
انها اقوال للانبياء عيسى(ع) والنبي محمد(ص)، واذا كان العنف هو ذلك السلوك الذي يتسم بالعدوانية ويصدر عن طرف ربما يكون فرداً او شريحة اجتماعية او طبقة اجتماعية او دولة بهدف استغلال واخضاع طرف آخر في اطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا وسياسيا مما يتسبب في احداث اضرار مادية او معنوية او نفسية لفرد او جماعة او طبقة اجتماعية او دولة اخرى،فان العنف ضد المرأة هو السلوك او الفعل الموجه الى المرأة على وجه الخصوص سواء اكانت زوجة او اماً او اختاً او ابنة او عاملة،ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية الناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والاسرة على السواء،ولما كانت المرأة تشكل نصف المجتمع عدداً وقدرات وطاقات مهيئة للعمل، فأن العنف ضدها،انما يعني العنف ضد نصف المجتمع وعلى هذا الاساس جاءت توصية الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 1993 بأن العنف ضد المرأة هو : اي عمل مبني على اساس النوع ، والذي يؤدي الى اذى مادي او جنسي او معنوي او معاناة للمرأة ويشمل: التهديد بهذه الافعال والاكراه او الحرمان من الحرية، سواء كان حدوثه في الحياة العامة او الخاصة.
لذا فأن دور المرأة لا يقل عن دور الرجل في جميع مواقف الحياة واساليب تفاعلنا معها،فالرجل يساوي المرأة في كل الحقوق والواجبات،وربما زادت المرأة او تفوقت على الرجل في مواقف عدة،ونحن نتحدث في الوضع المثالي لاحقيتها في الوجود،لا نتكلم عن ظرف بحد ذاته او موقف معين وانما الصورة الصحيحة المراد ان تكون.
المرأة تفوق الرجل في مواقف عدة في الحياة، منها قدرتها على الانجاب في حين لايمكن للرجل ان يقوم بذلك فضلا عن تعرضها للاحتراق النفسي Burn out دائما مع زوجها واولادها من اجل اسرتها الصغيرة، فتقول عالمة النفس “كريستينا ماسلاك” واضعة اسس نظرية الاحتراق النفسي : انها تفني نفسها من اجل جنينها وهي تحمله خلال شهوره التسع وتفني نفسها من اجل استمراره في الحياة لكي يكون طبيعيا وسويا بدون امراض او اختلالات عضوية، فما تعيشه خلال اعوام عدة من حياتها لاجل ان ينشأ الطفل سليماً معافى، فهي تحرق نفسها كالشمعة من اجل ان ينشأ الطفل سليما، وتحرق نفسها ذاتيا لكي لا تصدر منها معاملة لا انسانية تجاه ابناءها او تصدر عنها انفعالات تؤدي الى توتر العلاقات في المنزل مع زوجها اوابناءها حتى لا تجعل من مسكنها بؤرة توتر،فهي تساير الضيق المستمر من اجل سعادة زوجها وابنائها وتساير قساوة الحياة اذا كانت تعمل وتربي ابناء ولابد من الموازنة بين عملها البيتي والمادي ، لذلك كانت وما تزال المرأة تمثل اعلى درجات الرضا عن الحياة، وهي مقياس تحضر او تخلف الامم والشعوب،سعادة او توتر المجتمعات ولابد من جعلها المحك الذي به تقاس الحضارة الانسانية او التطور الاجتماعي، فمقياس اي شعب هو بالدور الي تقوم به المرأة،فأن كانت متخلفة ،ولم تأخذ فرصتها في المساواة والعمل والحقوق والواجبات يكون الحكم على ذلك المجتمع بالتخلف وهو مؤشر نحو التخلف اكثر منه نحو التحضر.
ويقودنا هذا التطرق الى نظرية الانصاف التي تقوم على اساس من العدل بين الرجل والمرأة ويجب ان تكون العلاقة مفيدة لكل منهما،وترى نظرية الانصاف السيكولوجية الاجتماعية ان الناس يتزوجون عندما يميل البعض منهم نحو الآخر في درجات مقاربة من حيث الجمال ،الصحة العقلية، الجسمية، الخلفية الاجتماعية والشعبية، فكثير من الازواج متوازنون في نقاط القوة والضعف،ويميل الشركاء الى الشعور بالارتياح حينما يعتقدون انهم يحصلون من هذه العلاقة على قدر ما يبذلون فيها،فاذا كان اسهام احدهما يفوق بكثير اسهام الآخر فأن العلاقة تولد نوعا من التوتر، او احساس بأنه ادنى من الآخر، وتناقش نظرية الانصاف كيفية حسم هذا التوتر بين الاثنين من خلال:
1) يحاولان استرداد التوازن
2) يحاولان اقناع انفسهم بأن العلاقة منصفة في الواقع
3) او يجدان الحلول غير المرضية ، وهي الانفصال
اذن لابد من وجود توازن يحفظ لطرفي الوجود الانساني المتمثل في الرجل والمرأة في هذه الحياة تساو متعادل يولد الاحساس بالرضا عن النفس، وازاء ذلك يجب ان تكون المرأة متساوية مع الرجل امام القانون ويحق لها نفس الحقوق الاساسية المستحقة للرجل.
ان كمية العنف الذي تتعرض له المرأة مذهلة ورهيبة رغم ان عدداً غير قليل من النساء ما زال يخفي آثار العنف ويتظاهر انها نجمت عن اسباب مختلفة وذلك خشية ان تتعرض لعنف اشد اذا ما اعلنت الحقيقة، فالعنف ضد المرأة تناول الجسد والروح المعنوية لديها والاهانة النفسية والجرح النفسي الذي يدمي ذاتها ويمرغ كبريائها في الدونية لا سيما ان الحضارات والثقافات والامم عرفت جمال المرأة من كبريائها وجمالها، هو كبرياءها.
واثبتت الدراسات بأن المرأة التي تتعرض للعنف وتصبح ضحية له تفقد الثقة بنفسها كما تفقد الثقة بذاتها المجروحة ولا تشعر بالامان والطمأنينة وينعكس هذا على النصف الآخر من المجتمع بأكمله واوله الطفل الذي ينشأ فاقد الثقة بالنفس، متوتر، تغلب سمة العنف على سلوكه كرد فعل للانتقام والثأر من الاخرين لما اوقعوه من عنف ضد امه او اخته او زوجة اخيه.. فتصح المقولة : العنف يولد العنف.
لذا فقولنا ان ظاهرة ممارسة العنف ضد المرأة هي اقبح عار يجلل الانسانية في عصرنا الحالي فمن بين كل ثلاث نسوة في العالم تتعرض واحدة على الاقل في حياتها للضرب او الاكراه على الجماع او لصنوف اخرى من الاعتداء والايذاء حتى ان اعمال العنف شاعت بشكل ملفت للنظر خلال الصراعات المسلحة بين الدول او الجماعات او القوميات او الاقليات او المذاهب الدينية حتى صار اغتصاب النساء والتمثيل بهن كالوباء المتفشي واصبحت النساء اهدافا رئيسة يستهدفها المقاتلون المسلحون والجهات المتصارعة او رجال الميليشيات وكأنهن كبش الفداء الذي يسقط المقاتلون انفعالاتهم عليه، فضلا عن ان المرأة عانت ايضاً من العنف العائلي فصار هو الآخر بلاءاً مستفحلاً في جميع المجتمعات البشرية في اصقاع مختلفة من كرتنا الارضية.
ما زالت القيم الاجتماعية والاعراف السائدة في العديد من المجتمعات وخاصة القبلية والعشائرية او المتدهورة اقتصاديا وحتى المتحضرة منها، تفرض على المرأة اساليب غير انسانية يدخل في نطاقها ممارسة اعمال لا تليق بانسانيتها او تمنع عنها فرص التعليم العالي او تجعلها تقدم الخدمات الواطئة “المنحطة” او اجبارها على الفعل الجنسي مقابل استمرارها في العمل او لاغراض اغواءها ومن ثم تسقيطها، او الزواج القسري المبكر او الطلاق التعسفي او العمل دون السن القانونية مقابل آجر متدني، كذلك العنف الموجه لها من خلال اجبارها على زيادة الانجاب فضلا عن العنف الذي تتعرض له في مكان العمل وخصوصا من قبل بعض الرجال الذين يتهكمون عليها من خلال النظرات والنكات والتعابير التهكمية وهي اسهل انواع العنف الذي تتعرض له المرأة.
وهناك نوع آخر من العنف موجه ضد المرأة يمارسه الرجل وبكل قسوة دون اية اعتبارات انسانية، هذا النوع من العنف يتمثل في التحرش الجنسي الذي تتعرض له المرأة في مجال العمل،حيث ان البعض قد يعتبر تبوأ المرأة في السلم الوظيفي او حتى احتفاظها بموقع تستحقه رهينة مهادنتها على جسدها او استثمار مفاتنها استثماراً حيوانيا للمتعة واللذة، وعبرت الكثيرات من الفتيات اللواتي يبحثن عن عمل من انهن يواجهن مشكلة التحرش من قبل الموظف المسؤول ثمناً للحصول على عمل او من اجل الاحتفاظ بهذا العمل وهو امر مهين يوقعهن في خيار مرير: اما الخضوع والابتزاز الذي يمس بكرامتها واحترامها لذاتها، واما اتخاذ موقف حازم والتخلي عن الوظيفة التي ربما تكون هي مصدر الرزق الوحيد،او مواجهة سلسلة من المتاعب والمضايقات النفسية والادارية. هذا النوع من العنف يعد اقسى انواع العنف، كذلك العنف الذي تواجهه النساء والفتيات من اضطهاد بسبب الاقلية الدينية او العرقية او القومية فالكثير منهن يتعرضن للتنكيل والاجبار على ايدي رجال من الاغلبية الدينية او العرقية او القومية او رجال السلطة التابعين والمقربين للنظام ويتعامل هؤلاء بأسم الصفة الرسمية حتى يتم اجبارهن على الخضوع من اجل التنكيل بهن.
عدت الدول الاسكندنافية(السويد،الدنمارك،النرويج،فنلندا،ايسلاند) من الدول المتقدمة جداً في منح المرأة حقوقها واحترامها ومنحها التقدير الذاتي لكيانها ووجودها الانساني حتى باتت تتمتع بحقوق ربما فاقت الرجال في هذه الدول وصار لها الحق القانوني في كل مجريات الحياة الخاصة والعامة، والعمل والمشاركة وفرض الرأي او الغاءه بالقانون وليس بالقسر والاكراه. اما البلدان الاخرى فهي كذلك قطعت شوطا كبيرا ولكنها لم تصل الى المستويات التي وصلتها المرأة في الدول الاسكندنافية ، فما زالت تتعرض المرأة في الدول الصناعية الاوروبية المتقدمةللضغوط المتنوعة والازعاجات المباشرة وغير المباشرة واستخدام اساليب العنف المبطنة احياناً،واحيانا اخرى المعلنة، اما دول العالم الثالث المنتشرة في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وبعض دول اوروبا الشرقية ،فأن العنف الموجه للمرأة لا يمكن وصفه بالمفهوم الانساني حتى فاق في الوصف ما تتعرض له بعض الحيوانات الاليفة من رعاية واهتمام.
فبعض الدول تولي اهتماما متزايدا لتربية الخنازير والدجاج والطيور والارانب اكثر مما تمنح جزءا يسيرا من هذا الاهتمام للمرأة فكأن العائد المادي الذي تجلبه الحيوانات الاليفة يساوي الخدمة التي تقدم لها ، اما المرأة فلا اهتمام او عناية او اكتراث بوجودها الانساني ومشاعرها وما ينتج عنه من تهديم لذاتها البشرية حتى سميت في ثقافات عدة ومجتمعات متخلفة بانها”الحية-الثعبان”او حينما يذكر اسمها تسبقه كلمة تبجيل للسامع لكي لا تخشن مسامعه ذكر اسمها..الخ من التسميات التي هي بحد ذاتها عنف معنوي ونفسي ضدها. وهذا ما يسميه المتخصصون العنف اللغوي والنفسي فهو شكل من اشكال العنف يستهدف كيان المرأة وكبرياؤها ويمارس بشكل مستمر ويوميا وعلى مدار الساعة في بعض المجتمعات ،والاخطر من ذلك هو تلقين الاجيال اللاحقة –الصغار من الابناء – دروسا شفهية متعلمة من الواقع في تحقير المرأة والاقلال من كيانها والتاكيد على انها لا تستحق الاحترام من زوجها وبالتالي لا تنال احترام اولادها.
فالاب الذي يصرخ بوجه زوجته وينعتها بالفاظ دونية وكريهة مثل”غبية،سخيفة،حمارة،غير متربية، يا مسمومة،لعينة”لابد وان تختل ثقته بالمرأة لا سيما ان هذه الاوصاف تلصق بأمه وتنهال عليها وتتكون لديه نظرة دونية عنها رغم انها امه، وتظل امه، فينشأ الصراع بين ما يسمع بالواقع وما تدعيه الاديان من رؤى وتوجهات باجلال الام وتقديرها وبذل الغالي لها.. كيف تستقيم لديه الرؤية والموازنة لهذا التناقض؟
كما ان الفتيات الصغيرات اللواتي يسمعن هذه الالفاظ الجارحة تنهال على الام، تهتز لديهن الثقة بالنفس ويضعف الاعتزاز بالذات فتنمو لديهن الروح الانسحابية وقبول الواقع في اول مواجهة لهن مع متطلبات الحياة. وتشيع في بعض الثقافات وخاصة العربية منها عنف نفسي خاص يتميز به الرجل ضد المرأة،هذا العنف يتمثل في الصمت المرعب الذي يبديه الرجل وكأنه محقق فقد كل انسانية في حضرة متهم، يحاول ابتزاز الاعترافات منه، ويصبح هذا الصمت ثقيلا خاصة للمرأة التي تمتلك احساسات مرهفة زائدة عن اللزوم، وقتها تفقد امكانية التعامل مع هذا السلوك النفسي المدمر فقول الكاتبة”ايفيلين عقاد”في روايتها ليكسينري ووصفها لصمت الاب او الزوج على انه صمتا رهيبا قاتلا ثقيلا ، ايلامه يتجاوز كل الالفاظ فيما لو اطلقها او صرخ او اشتط غضبا او حتى عنفا جسدياً ،انه يصمت ولا ينبس ببنت شفة ،وتظل المرأة وكأنها المتهم الذي ينتظر حكم الجلاد .. هذا العنف بالصمت بعد اهانة لا يقبلها الرجل نفسه عندما توجه اليه، فكيف يقبل هو ان يوجه الى الاخر الذي اصبح جزءا منه، وهو صار ايضا جزءا من الآخر..
هذا العنف وغيره من العنف النفسي المتمثل بالتهديد والوعيد واطلاق الالفاظ النابية،ما هو الا تأكيد لاذلال الآخر وتحفيزه واشعاره بدونيته ،لا من اجل توجيهه او ارشاده نحو الصحيح ،او فتح الحوار معه للتوصل الى حلول وسطية ترضي المختلفين..
ان الشرخ النفسي يترك اثراً مدى الحياة لا يمكن للرجل ان ينساه لو تعرض هوّله او مارسه هو ضد الآخر رجلا كان او امرأة او طفلا او حتى كلباً او قطة تعيش معه في البيت وتشاركه التواجد اليومي. وبناءا على ما تقدم يمكن اجمال بعض اسباب العنف ضد المرأة في :
· النظر الى المرأة نظرة دونية بسبب التراكمات الثقافية الاجتماعية السائدة في معظم المجتمعات
· بعض التشريعات الخاطئة التي تمنح الرجل حق ممارسة العنف ضد المرأة
· اتكالية معظم النساء في الجانب الاقتصادي على الرجال مما ادى الى فقدان استقلالها المادي
· دور الاعلام في ترسيخ الصورة الدونية للمرأة في فكر الاجيال من جيل الى آخر
· اذعانها ومسايرتها للواقع دون اية ردود افعال تضع حداً لاهانتها
· قبولها التدريجي بتسلط الرجل ادى الى الطاعة الكاملة
ان العنف ضد المرأة هو مظهر لعلاقات قوى غير متكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ، ادت الى هيمنة الرجل على المرأة وممارسة شتى انواع التمييز ضدها،حتى جعلها تذعن وتساير الوضع المهين وكأنه وضعا طبيعيا وكانت آليات المجتمع هي الاخرى لعبت الدور الكبير في اذعانها لانها بالنتيجة هي وضع الرجل،فوضع اللوائح والتشريعات والاحكام قام بها الرجل واذعنت لها المرأة صاغرة دون ان تناقش وهذا يخالف القاعدة السيكولوجية في الحياة الزوجية كما عبر عنها “مصطفى زيور” والتي تقول: ان الرجل يحب من زوجته ان تتصف بشئ من الامومة نحوه، والمرأة تحب من زوجها ان يتصف بشئ من الابوة نحوها، فاذا استطاعا ان يتبادلا العطف والمودة والرحمة كان هذا دليلاً على نضجهما فتستقر السعادة في البيت.اما اذا