مشكلات نفسية – إجتماعية معاصرة …. الدكتور أسعد الإمارة (6)
او المذهب او الدين او المجتمع الذي ينتمي اليه،ويخلع عليه كل صفات الكمال التي تكفل تزويده بالامان والطمأنينة.وغني عن البيان أن كل ما من شأنه ان يشير الى ان خصائص الطائفة او المذهب ليست بالكمال نفسه،وأن ثمة من العقائد المغايرة ما يدعو الى الشك في هذا الكمال.فان ذلك يبعث القلق ويحفز للدفاع عن النفس. وهنا ينشأ الخلاف المذهبي والطائفي الذي يحوله البعض دفاعا عن العقيدة وعن الدين حتى وان كان الخلاف بين ابناء الدين الواحد(الاسلام مثلا –الشيعة والسنة)او (المسيحية مثلا-الكاثوليك والبروتستانت ..الخ).
ان التوحد”التقمص” بالطائفة الدينية والمذهب كما يقول”زيور” اكثر انواع التوحد في المنطقة العربية خصوصا كما تدل على ذلك الوقائع الميدانية وهي تعد اعظم درجات التباعد بين الفئات الدينية القائمة على اساس العقيدة الدينية وبعبارة اخرى فإن الاتجاهات الاخرى المتصلة بالقومية او المستوى التعليمي او الوضع الاقتصادي وما اليها يكون اقل تأثيرا بالاشارة الى الرابطة الدينية، فقيام مدارس مذهبية طائفية ثم الدعوات الى قيام تطبيق شرائع ومحاكم خاصة بالاحوال المدنية الشخصية او تنقية بعض الاحياء في العواصم والمدن الكبيرة من ابناء المذهب الآخر يخضع للاحوال المذهبية والطائفية.
وجد “اميل دوركايم”في الدين الصحيح الذي لا يدعو الى التعصب والتشدد الشكل الاولي لهذه الروح المشتركة التي تسبب تماسك كل المجتمع وليس نقيضه في تهجير ابناء الطوائف الاخرى او المذاهب . ذلك ان المجتمع ليس محصلة مجموع الافراد الذين يحتلون مكاناً معيناً في ظل ظروف مادية معينة. المجتمع هو قبل كل شئ مجموعة من الافكار،المعتقدات،المشاعر من كل نوع والتي تتحقق بوساطة الافراد، وفي المحل الاول من هذه الافكار توجد فكرة الاخلاق المثالية التي هي السبب الرئيس لوجود المجتمع . دراسة الدين تعني اذن الرجوع الى منابع العلاقة الاجتماعية حتى يمكن التفكير بشكل افضل في امكانية اعادة بناء هذه العلاقة في مجتمع الانساني.
التدين الجديد.. التدين الوسواسي
اجتاحتنا خلال السنوات الاخيرة ما يمكن ان نطلق عليه “التدين الجديد” او التدين الوسواسي، او ان صح التعبير ” الشعوذة الجديدة”، فالانسان خلال مسيرة حياته عبر عشرات القرون عاش في توافق مع نفسه ، وتوافق مع الله وتوافق مع المقربين منه من افراد المجتمع الذي يعيش فيه ولكن في السنوات الاخيرة نمت لدى شريحة من المجتمع سلوكيات لم تكن معروفة اصلا حتى في عصر النبوة الاولى في مكة او المدينة او لدى ال بيت رسول الله واصحابه (ع) ، هذه الشريحة من الناس ، هم من المسلمين الذين كما يعتقد عامة الناس ، اشهروا اسلامهم ربما تحت ظرف مشكوك فيه واعتنقوا الدين الاسلامي لغاية في نفس يعقوب والله اعلم!! هؤلاء اعلنوا للملأ ان التدين الجديد يجب ان يسلك عبر منافذ القتل والعنف والترويع والسلوك العدواني ، هؤلاء الذين يمتهنون مهنة التدين الجديد ، غالبا ما يسلكون تحت تأثير عقدهم الشخصية ، لان سلوكهم يوقظ فيهم صدى عقدهم الطفلية فيستجيبون لذلك بأن يقمعوا الناس الامنين الذين يبحثون عن السلام والطمأنينة في مشارق الارض ومغاربها حتى ولو كانوا في اقدس بقع الارض ، لا فرق ان يكون الانسان في مكة او بجوار قبر نبي الرحمة محمد (ص) او في كربلاء المقدسة او النجف الاشرف عاصمة الامام علي بن ابي طالب (ع) حكيم العرب واشجع رجالاتها زمن الرسول (ص) واثناء فترة حكم خلفاء الرسول ، فالامر سيان ، يجب ان تمتد يد العنف الى مدريد او اسطنبول اوالرياض او الخبر او بغداد او الموصل اوكربلاء اوالبصرة او الكويت .
عاد الارهاب بثوب الدكتاتورية الجديدة ، دكتاتورية التدين الجديد .. التدين الوسواسي ، الذي يفرض على الناس عقائد وتجارب فاشلة في افغانستان او في مخيلة رجالاته المرضى اينما اختبأوا تحت الارض او في الوديان ، انهم امنوا بعقائد تقوم على سفك دم هذا المسلم ، وجز عنق هذا النصراني ، وضرب اولئك البوذيين حتى الموت ، وتروييع الامنين من اجناس البشرية المختلفة تحت راية الجهاد والمقاومة المزعومة وبتسميات لا علاقة لها بالدين الاسلامي الحنيف ، او السنة النبوية الشريفة او الشريعة الاسلامية ، حتى تأكد للعالم اجمع ان هؤلاء المتدينين الجدد هم مرضى بالوساوس الدينية ، مرضى التعصب ، لذا علينا ان لا نتعامل معهم كاشرار او مجرمين او منحرفين او عدوانيين ، بل مرضى ونطلب من الجميع ان يبتعدوا عنهم لخطورة ما يصدرعنهم من افعال متوحشة لكي لا يصيبهم السوء منهم وعسى الله ان يتيح للقائمين على الامن في المجتمع ان يفك قيودهم المرضية بألقاء القبض عليهم لكي يبرأ الاصحاء من جذام التدين الجديد … التدين الوسواسي .
يرى علماء النفس ان التعصب والتدين الوسواسي هو اضطراب في الشخصية يماثل تماما مختلف المخاوف المرضية او الحاجات العصابية . وهذه الشخصية عبارة عن مجموعة معقدة من السمات التي تميز الاشخاص مرتفعي التعصب حتى ينحو سلوكهم نحو الوسوسة والتوهمات المرضية ومن السهل ان نجد لدى هؤلاء الاشخاص وساوس في ملبسهم فقاموا بقطع جزء من ثيابهم لكي لا تتلوث او ارتدوا حللا جديدة لم تكن مألوفة زمن الحكم الاسلامي قديما او حديثا ان وجد ، ولكن وساوسهم دفعتهم لان يغادروا التسامح نحو العنف ويتركوا المودة نحو البغض ويديروا ظهورهم نحو المساعدة وامنوا بالتعنصر نحو من يؤمن بعقائدهم المريضة تلك جدلية معقدة من التشابكات النفسية الانفعالية لا يدرك كنهها الا من به خلل .
هذه السلوكيات معقدة تعترف بأن جماع الشخصية قد ينكص بصاحبها الى اسفل الدرك وهي في حقيقتها كما يقول علماء النفس تأخذ مجرى الطاقة الغريزية الحيوانية ولا يمكن ضبط حركتها نحو الاخرين وخصوصا ممن يختلف معهم في الرأي او المذهب او الدين او الاتجاه السياسي او الفكر حتى وان كان من ارق المسالمين ومن الموحدين ، فلا تجربة سابقة يمكن ان تكون دليلا انسانيا ًولا مفكر سبقهم في الرؤية كان له السبق في وضع اسس للبشر من قبلهم .. تأمل عزيزي القارئ الكريم مدى حجم هذه الاحقاد على كل من يخالفهم وكل من لا يطيع امير الجماعة لديهم .
يقول علماء النفس ان الوسواس والعصاب الوسواسي يبدأ لدى البعض من الاشخاص في بداية البلوغ وترجع اسبابه الى اختلال التوازن بين الدوافع الغريزية والاشباعات التي يحظى بها من عاطفة وابوة وحب للام وحنان وايمان صادق بالمعتقد الديني او القيمي او التعلق الصحيح بالمذهب ، فيؤدي ذلك فيما بعد الى الاختلال مع العالم الداخلي الذاتي والخارجي وتكون النتيجة حدوث النكوص او بالاحرى يزداد لديه الوضوح في تلمس الوضع النفسي المتدهور ويظهر الوسواس وتزداد ازمات الشخص الوسواسي ، ويزداد الوجه المختفي وضوحا للعلاقة بين الصراعات التي يحملها من ناحية ووضوح الصلات الوثيقة بين العصاب الوسواس من ناحية الالتزام الديني المتعصب والذي يمثل الوسواس الديني بحد ذاته ، لذا فأن القهر الوسواسي يندفع عند هؤلاء الفتية باشكال انتقامية بعيدة كل البعد عن دعوات اي دين سماوي كان ام غير سماوي ولكنه معتدل في الرؤية وفي التعامل ، فالوسواسي يريد ان يمتلك ولو بالاوهام اي شئ من ذاته المسروقة حتى يفقد بعد ذاته كل ذاته وحياته كما انه ادمج الفكر الوسواسي بوجود مستقل مع ذاته حتى يلوث ذاته ويصبح معه كلا متساوياً ويؤدي بعد ذلك الى فناء النفس بنفسها لكثرة ما بها من تشابكات معقدة لايستطيع الخلاص منها وكلما تقادم الزمن ازدادت التشابكات حتى يفني ذاته بذاته .
اسلام ضد الاسلام
عرف عن الدين الاسلامي بأنه دين سماوي ، دين اتصف بالمصداقية والرسالة وقوة التأثير والجاذبية الفكرية ، كونه منهج متكامل ينظم شؤون الحياة في العبادات والارث والاقتصاد وتنظيم المجتمع والعلاقات بين الناس ذكورا واناثا ، افراداً وجماعات ، شعوبا واقوام من اجناس مختلفة ، هذه الحقائق يعرفها القاصي والداني من المسلمين ومن غيرهم ، ويعرفها ابناء الاديان الاخرى السماوية وغير السماوية ، حتى باتت حقيقة الاسلام الناصعة للكل ، وهو يعد بحق دين تنظيم الحياة بمجملها ، ولكن نتفاجأ بين الفينة والاخرى ، او ان صح التعبير ، بين حقبة واخرى ، بأن هناك لغط وهمس يحاول به البعض ويعلنه احيانا بان ينحو بالاسلام نحو مذاهب واتجاهات وتحزبات تكاد ان تصطنع منهجا تفسر به الدين الاسلامي بمنهج فكر آخر ، هذه المذاهب او الاتجاهات او التكوينات اتخذت من الاسلام كفكر ، ومن الدعوة الى الاسلام تطبيقا محرفا ومغايراً للفكر الاسلامي .
لذا علينا الان ان ننعم النظر فيما يبدو لنا من اتجاهات او مذاهب فكرية جديدة تنحو يالاسلام منحى يبتعد عن روح الاسلام ونظامه وقوانينه وشرائعه وهذا النحو بحد ذاته تزييف المعرفة في علوم القرآن ، وهو يهدف الى خلق اللبس بين عالم الدين الاسلامي الناصع ، وعالم الواقع السياسي ، ويحاول هذا الاتجاه الجديد ان يطمس بمرور الزمن الحدود الحقيقية في شرائع القرآن وسنة نبيه عن ما جاء به هؤلاء من جديد ، وهذا يتضمن في رأينا بأنه ضرباً من التفكير المريض ، وهو يهدف كما نرى الى خلط الرؤى المتكونة من امنيات الافكار الدينية السياسية مع ما ينبع من مكونات النفس المقيدة – المغلولة ، بمعنى آخر النفس المريضة ، لذا فأن هذه الجماعات بفعلها تحاول طمس الحدود بين الدين الحقيقي النقي وبين اخاييلها المرضية ، فشعورها بالغيرة من الاخرين والتطور الاجتماعي للمجتمعات والتكنولوجيا الحديثة التي حققتها الحضارة ، يولد لديها احساس اساسه بأن كيانهم اصبح نهباً يغير عليه الاخرون بنجاحهم ، ويستهدفهم جميعاً بالابادة والخلاص منهم ، وهو شعور بالمنافسة لدى من لايقوى اٍلا على ان يكون مشاهداً محروماً بفعل المنافس.
وقول عالم النفس الشهير “مصطفى زيور” : هي حالة من لا يعرف لنفسه كياناً اٍلا بالظفر بما ظفر به الآخرون ، فهو يرى شخصه مغتصباً اسيراً للاخرين ، ويود من جهته ان يغتصب ويأسر الاخرين ، فكأنه يلعب ادوار المواقف كله لا دوره هو وحده ، لان آنيته يعوزها الاستقلال والتمييز عن الاخرين .
ان الاتجاهات الاسلامية الجديدة المتطرفة تنبع اساساً من عقدة الشعور بالنقص والغيرة من الآخر الذي حقق النجاحات ، هذا الاخر شعبا كان ام حضارة ، دينا ام مذهبا ، فكراً سياسياً ام اتجاهاً علمياً او تكنولوجياً ، هذا الاخر مسلماً كان ام مسيحياً او يهودياً او حتى بلا دين ، هذا الاخر يعتقد اعتقاداً قاطعاً بآحقية وجود الاخرين في الحياة المسالمة دون النظر الى المعتقد او المذهب او الفكر الذي يؤمن به ، فتلك الجماعات الاسلامية التي اتخذت من الاسلام هوية ، ومن التطرف منهجاً ومن السلوك العدواني سبيلا لنشر مبادئها الاسلامية الجديدة التي لا تمت بالدين الاسلامي بصلة ، استهدفت اولا المذاهب الاسلامية ، فاعلنت عليها الحرب ، وجاز لنا ان نطلق عليها : اسلام ضد الاسلام ، ثم استهدفت ابناء الاديان الاخرى ومعابدهم وطقوسهم مثل الدين المسيحي او الصابئة في العراق او معابد البوذية في افغانستان . والسؤال الذي نود طرحه امامكم : لِـمَ استهدفت الاديان الاخرى بعد ان استهدفت المذاهب الاسلامية ؟
ان الامر لايحتاج الى ان نكون علماء في النفس او الاجتماع لكي نتبين دراسة حالة السلوك العدواني الذي بات يلاصق الجماعات الاسلامية المتطرفة في العراق وفي غيره من البلدان الاخرى في العالم.
يقول علماء التحليل النفسي ان العدوان هو طاقة انفعالية لابد لها من منصرف ، ولا مناص من ان تتخذ لها هدفا تفرغ فيه شحنتها الزائدة ، وفي الظروف الاجتماعية العادية يجد العدوان منصرفاً في انواع النميمة وتجريح الغير او يأخذ شكلا آخراً في النكتة اللاذعة او الكاريكاتير اللاذع ، وعندما يصل العدوان الى درجة بالغة في الشدة ، او عندما تتخاذل اساليب ضبطه ، فأنه يميل الى الفتك فتكاً مباشراً بمصدر النقمة .
اما اذا استحال الوصول الى مصدر النقمة ، فأن العدوان يلتمس هدفاً بآخر يصبح بمثابة كبش الفداء . اذاً الاسلام المتطرف ، حيل بينه وبين الافراغ العدواني ممن احدث به الجرح النرجسي ، وقلص نفوذه في اماكن عديدة في العالم ونجح في وأد افكاره المتطرفة من الانتشار ، فلكي لا يرتد هذا العدوان نحو الذات فتفتك النفس بنفسها ، تم توجيهه نحو كبش الفداء ، وهي المذاهب الاسلامية المعتدلة والاديان الاخرى مثل المسيحية وكنائسها والصابئة والبوذيون بمعابدهم واموالهم والحركات السياسية المعتدلة بفكرها ورجالها ، هذا السلوك انما يعني في نهاية الامر هو محاولة الابقاء على الذات بما فيها من خلل والاحتفاظ بالبناء الراهن للشخصية المتطرفة مهما كان فيه من عوج ، ومهما كلف ذلك من الشقاء لهم وللاخرين من المذاهب والاديان والحركات السياسية الاخرى ، حتى لنجد ان تلك الجماعات الاسلامية المتعصبة وقد تحصنت في نوع من القلاع النفسية في التكوين الذي لا نفاذ اليه ، وتتخذ هذه المقاومة اشكالا مختلفة منها النذير بالخراب والدمار التي تترجم لديهم بانها افعال ووسيلة للدفاع عن النفس .
ان الاسلام كدين ، هو تكوين فرضي ، واقصد هنا بالتكوين الفرضي ، يستدل عليه من خلال سلوك معتنقيه وافعالهم وما يصدر عنهم من تطبيقات في الحياة المعاشة ، فاذا كانت الفروض تنطبق على السلوك العام لمعتنقيه فان الامر يكون بذلك تطابقا مع الاهداف والمبادئ ، واذا كان ذلك السلوك نقيضاً ، فأن الامر يختلف جملة وتفصيلا ، كمن الذي يدعو الى تطبيق الاشتراكية وهو ابعد ما يكون في تشريعاته وتطبيقاته عنها ، او كمن الذي يشرح مخاطر التدخين ويدعو الى الاقلاع عنه وهو من اكثر الشرهين في التدخين .
لذا فأن فكرة التناقض في التكوين الفرضي تؤدي الى اثارة الالم النفسي وخلق الضيق والتناقض الوجداني في السلوك ، لاسيما ان الغالبية من متطرفي الاسلام هم من اكثر الدعاة الى ذكر العقاب واشعار الناس بالذنب او تحقير الذات او التقليل من شأن التكوين النفسي والخلقي للبشر ، وان القسوة والشدة هي معيار البناء السيكولوجي لمعظم شخصياتهم ، والمعروف ان البناء السيكولوجي لدى المتدينين المتطرفين قائم على نشاة الضمير الخلقي القاسي ، وهو يعني من الناحية التحليلية النفسية ، انتصار للفرد في طفولته على دوافع الكراهية ازاء الاب ، تلك الدوافع كانت تصطرع في نفسه اصطراعاً عنيفاً ابان مراحل عمره الاولى ، وهكذا فان الاذعان لسلطان الدين يسير جنباً الى جنب مع الاذعان لسلطان الاب ويشتركان في جميع الصفات النفسية ، حتى عَد المحللين النفسيين الى ان الاذعان لسلطان الدين نوعاً من الاسقاط النفسي للاذعان لسلطان الاب . وتدلنا رؤية التحليل النفسي ان الانتصار على دوافع الكراهية نحو الاب ، لايعني فناءها ، وانما تحويلها الى موضوع اخر ، ويرى التحليل النفسي ان اية جماعة او دين لايذعنون للمسالمة والامان لما يذعن له المجتمع ، هو دليل يقوم على ان السلطان الذي تذعن له هذه الحماعة او الدين هو فكر منحرف وخاطئ في البناء وفي التطبيق ، وان هذه الجماعة او الدين تصبح اشبه شئ بمحرض لدوافع الكراهية ، والنتيجة الطبيعية من ذلك ان هذه الجماعات التي تفشت في جميع المجتمعات في العالم تدعو الى محاربة كل ما هو آمن ومسالم ومتطور تكنولوجياً واجتماعياً وصناعياً ، بصيغة محاربة الكافر ، فهي اتاحت لنفسها ان تظهر عوامل الكراهية الذاتية للتمرد ضد المذاهب الاسلامية الاخرى والاديان والطوائف والحركات الفكرية والاحزاب السياسية كلها دون استثناء في جميع انحاء العالم تحت عنوان محاربة الكافر .
الايمان ودوره في التخفيف من مرض الاكتئاب
المـــقدمـــة
لا تزال مجتمعاتنا ترفض فكرة وجود مريض نفسي أو عقلي لدى فرد معين من أفرادها، وربما تستبعد حتى الحديث عن حالته ومدى تدهور وضعه الصحي. وينبع هذا التصور من عدم الاعتراف بالحقيقة في مثل هذه الأحوال أو التصريح الواضح بوجود مريض يحتاج إلى عون أو مساعدة من الأطباء أو المعنيين بعلاج الأمراض النفسية والعقلية، رغم أن من اساسيات التكوين الفسيولوجي لجسم الإنسان، وعلم وظائف الاعضاء، أن آلية عمل القلب أو الرئتين أو الكليتين لا تختلف عن آلية عمل الدماغ، لا في التكوين ولا في العمل، لذا عندما يتعرض أحد أجزاء الجسم كالقلب أو الكبد إلى اجهاد أو اضطراب، ويعاني من مشكلات صحية، فالأمر نفسه يحدث للدماغ، ويختل ويضطرب، ويعاني من مشكلات صحية أيضا، وينتج عن ذلك اضطراب في السلوك أو التصرفات لدى مريض النفس، أو ما يصدر عن الفرد المصاب بهذا الاضطراب من ردود أفعال غير منضبطة أو موزونة في عرف المجتمع ولكن يبقى التساؤل المهم لدى معظم الناس: إلى أي مدى يعد السلوك مضطرباً أو سوياً؟ ووفق أية معايير؟
في هذا الموضوع سنحاول جهد الإمكان استعراض بعض أساسيات علم النفس المرتبطة بمرض الاكتئاب Depression حصراً وبنوعيه الاكتئاب النفسي (العصابي) والعقلي (الذهاني) مع الإشارة إلى أهمية الإيمان لدى المسلم المؤمن في إيقاف تدهور هذا المرض من خلال أساليب العلاج من منظار ديني.
التفريق بين المرض النفسي Neurosis وبين المرض العقلي Psychosis وبين المرض العصبي Neurology يعد المرض بكل أنواعه حالة خلل تصيب أجزاء من الجسم وتسبب لها تعطلاً في وظائفها المخصصة للعمل. وهذا المفهوم ينطبق تماماً على الحالة النفسية والعقلية لدى الإنسان، فالخلل في هذا النوع من الأمراض يستهدف العقل الإنساني ومسار عمله، فلا يوجد خلل أو تعطل كامل لدماغ الإنسان، وإنما يحصل خلل في جزء صغير من هذا المكوّن الرئيسي لدى الإنسان، وإذا ما اختل جزء منه، فان وظائفه الأخرى تبقى على حالة سوية من العمل، إلا اللهم في حالات التخلف العقلي الشديد والتي تقل فيه نسبة ذكاء الإنسان عن ( 30ْ) على المقاييس المعمول بها مجال تصنيف نسب الذكاء وفي حالات التخلف العقلي، وهذه تصنيفات أخرى في علم النفس لحالات التخلف العقلي.إن المرض النفسي (العصابي) يتميز بحدود واسعة وأعراض كثيرة، تتفاوت في مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة شدتها ودرجة قوتها وتنوعها، وفي أحيان أخرى تبتعد كثيراً عن خط السواء، أو تقترب من خط السواء، طالما أن الخط يقع على متصل واحد، أحد طرفيه السواء، والطرف الآخر المرض، ولكن تبقى المشكلة الأساسية هي نقطة الالتقاء بين طرفي الخط المتصل، والتي تسمى علمياً (الحالة البينية Borderline). فالأشخاص القريبون من هذه النقطة يعدون من الاسوياء، طالما انهم على طرف السواء، ويعدون من المرضى، طالما هم ضمن الطرف الآخر (أي المرض) قريباً من نقطة الالتقاء. لذا كان من المشكلات الجمة التي واجهت المختصين في دراسات النفس الإنسانية ومقتضيات تصنيفها أن يحددوا حالات المرض النفسي المطلق. أو حالات السواء النفسي المطلق.وبهذا عُرّف المرض النفسي بأنه: الابتعاد عن متوسط السلوك العام في المجتمع، ومع وجود الشكوى من بعض الحالات الغير طبيعية في السلوك. مثل التحسس من الشكوى وإعلانها وطلب مساعدة الآخرين سواءً من الأطباء أو المختصين في دراسة علم النفس، فهو اعتراف بوجود شكوى من حالة معينة. فالشخص العصابي (المريض نفسياً) يستطيع أداء وظائفه العامة بدرجة طبيعية. وقد وصف الطبيب النمساوي فرويد (الاعصبة) على أنها اضطرابات تتمركز حول القلق، حيث يبدو القلق في بعض الحالات واضحاً ومباشراً وفي بعضها الآخر لا يكون واضحاً(1).أما المرض العقلي (الذهاني) فيعرف بأنه اضطرابات في النشاط السلوكي العقلي واعراضها التي تمس الحياة النفسية للمريض(2). وأن الأفراد المصابين بهذا المرض يعاق نشاطهم العقلي بشكل كبير وتضعف قدرتهم على مواجهة متطلبات الحياة العادية.إن مريض العقل يرفض انه مريض، ولا يناقش هذا الموضوع من اساسه ولا يقرّ بحالته الصحية المتدهورة، وفضلاً عن ذلك يبدو الاضطراب واضحاً في بعض العمليات العقلية مثل ضعف الادراك، الاختلاط في التفكير، الزيادة في الانفعال، تدهور الذاكرة الواضح . مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة أما المرض العصبي Neurology فيعرّف على أنه: مجموعة الاضطرابات التي تصيب الفرد نتيجة لإصابات في جهازه العصبي في القسم المركزي أو المستقل(3). وتندرج الأمراض العصبية تحت لائحة الخلل في بعض الأعصاب مثل التهاب الأعصاب المختلفة في الجسم، وضمور أجزاء من المخ تنتج عنه آلام مع أعراض كالنسيان أو تدهور في الذاكرة أو بعض حالات الشلل المؤدية إلى عجز بعض الحركات. ويمكن تقسيم الأمراض إلى:- نفسية (العصاب) Neurosis- عقلية (الذهان) Psychosisوتشمل الأمراض النفسية:- القلق: وهو حالة السابح على غير هدى وبدون هدف معين، فلا يمكن ارجاعه أو اسناده إلى أي وضع خاص أو سبب معين، فكأنه يهيم على وجهه بحرية مطلقة.- الهستيريا بنوعيها:(1) التفككية: وتتمثل في شرود الذهن والمشي اثناء النوم وتعدد الشخصية.(2) التحويلية: وتتمثل في اضطرابات متعلقة بالوعي، واضطرابات حسية متنوعة.- الاكتئاب النفسي: إحساس بالتعاسة الزائدة الناجمة عن بعض مشاكل الحياة.- المخاوف المرضية (الرهاب) (الفوبيا): وهي الخوف من أشياء غير ضارة مثل الخوف من الأماكن المظلمة أو الفسيحة والمرتفعة، أو الخوف من الحيوانات الأليفة.- الوسواس القهري: بنوعيه 1ـ الأفكار التسلطية. 2ـ الافعال التسلطية.ففي الأول، تتسلط بعض الأفكار على الفرد لتعيقه عن عمله وتسبب له قلة في نشاطه العادي. أما الثاني: ففيه يلجأ الفرد إلى أفعال تتسلط عليه ولا يستطيع التخلّص منها (مثل تكرارغسل اليدين عدة مرات بعد المصافحة، أو التأكد من إقفال الباب عدة مرات). – النفسجسمية (السيكوسوماتيك): وهي تلك الأمراض العضوية ذات المنشأ النفسي، مثل أمراض قرحة المعدة أو ارتفاع ضغط الدم، أو بعض حالات الطفح الجلدي. مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة – الوهن النفسي (النورستانيا): المتمثل في التعب والضعف المزمن بدون أية أسباب مؤدية لذلك، وبدون أي جهد يستدعي التعب.- توهم المرض: وهو الانشغال بتوهم المرض والاعتقاد بوجود بعض الأمراض المتخيلة، التي لا وجود لها في الأساس.أما الأمراض العقلية (الذهان) فتتمثل في:- الذهان العضوي ويشمل: الصرع – عته الشيخوخة – تصلب شرايين المخ.وأما الذهان الوظيفي فيشمل: الفصام (الشيزوفرينيا) بأنواعه: البسيط، الكتاتوني، الهيبوفريني.والفصام: هو انشطار العقل ويدل على الخواطر والأفكار والانفعالات المتضاربة لدى الفرد الذي يصاب بهذا المرض.- البرانويا (الخيلائي) ويشمل:برانويا الاضطهاد: وهو أحد أنواع الفصام المتميز في أحد جوانبه بالشعور بـ(الاضطهاد)، ويعتقد المريض باوهام الاضطهاد مثل قوله (إنهم يريدون قتلي) (إنهم يراقبونني).برانويا العظمة: تنتاب المريض أوهام العظمة، فيعتقد بأنه ملك، أو انه قائد عظيم، وبعض المصابين بهذا المرض يعتقد بانه المسيح.- الهوس وأنواعه: الخفيف، الجنسي، الدوري.يتميز الفرد المصاب بالهوس، بحالة خاصة من ارتفاع الروح المعنوية العالية والثقة الزائدة بالنفس، وهو سريع الاستثارة والغضب والانفعال، ويبدو عليه الحديث السريع، والتغير المستمر في المواضيع، والانتقال من موضوع لآخر، ويكون تركيزه على الموضوعات العظيمة، وتحقيق الثروات والقوة والشهرة ، وإذا ما اختلف مع أحد الأصدقاء أو الاقرباء، فإنه ينظر إليه على انه عدو وخائن، وإذا ما غضب فانه يهاجم هجوماً شديداً ومباشراً دون مراعاة للصداقة أو صلة القرابة. ويتصف المصاب بالهوس بممارسة الجنس بصورة غير شرعية. مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة من هو المريض نفسياً، ومن هو المريض عقلياً؟(المعايير التي تحكم السلوك السوي والمرضي) يرى بعض علماء النفس بأن السواء والمرض مفهومان، لا يفهم احدهما إلا بالرجوع إلى الآخر، وهما مفهومان نسبيان في مراحل العمر المختلفة، وفي الأزمنة المختلفة وحتى في الثقافات المختلفة. فما هو سوي وصحيح في مجتمع ربما يكون غير سوي في مجتمع آخر، لذا فإن مفهومي المرض والسواء من المفاهيم الصعبة التحديد(4). فتعتقد ليندا دافيدوف أن السواء واللاسواء (المرض) يشخصان من حيث درجة الاضطراب فقط، فيقال حينئذ أن الأفراد غير الاسوياء نفسياً تعتريهم مشكلات عقلية اكثر ويتصرفون بطريقة غير ملائمة اجتماعياً، كما يبدو انهم اقل قدرة على التحكم بانفعالاتهم مقارنة بالأفراد الاسوياء. وعلى الرغم من الاختلاف في وجهات النظر بتحديد السواء والمرض، إلا أن المختصين اتفقوا على تحديد بعض المعايير تبعاً لاهتماماتهم أو مجالات عملهم واطرهم الفلسفية ومنها:أ. المعيار الاجتماعي: السواء ما تتفق عليه الجماعة وتقبله، والمرض (اللاسواء) كل ما لا يتفق عليه وما لا يتوقعه المجتمع من أنواع السلوك. فوجود مجموعة من التقاليد والاعراف الاجتماعية التي تنظم السلوك في كل مجتمع، تحدد انحراف السلوك عن ما يتفق عليه المجتمع وهو بذلك يعتبر سلوكاً غير سوي (مرضي). لذا فان السلوك الاجتماعي الملائم للقواعد الثقافية والاجتماعية في أي مجتمع، يحدد نوع السلوك سواء الشاذ عن تلك القواعد أو المنسجم معها فما كان متوافقاً مع تلك القواعد فهو سلوك سوي وما غايرها فهو سلوك مرضي.ب. المعيار الطبي: يعد المعيار الطبي من المعايير المهمة جداً في تحديد السلوك المرضي أو السلوك السوي، ويعتمد هذا المعيار على ادواته الكلينيكية التي توصله إلى مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة الحقائق العلمية الطبية. فعدم مقدرة الإنسان على ضبط سلوكه والتحكم فيه، يعد في المفهوم الطبي مرضاً، أو الزيادة غير الطبيعية من القلق لدى الإنسان وفي أوقات غير محددة يعد مرضاً أيضا، كذلك كثرة الأسى والشكوى وعدم الارتياح والحزن بدون سبب والغضب دون سبب، كلها انفعالات لكن التعبير عنها بطرق غير مناسبة يعد مرضاً، فرد الفعل على موقف محزن، يعد طبيعياً، لكن استمراره لفترة أطول وأوقات متباينة، يعد مرضاً في المعيار الطبي. ونعود مرة أخرى إلى التساؤل المهم: من هو السوي، ومن هو المريض؟الشخص السوي (المتوافق) والمتمتع بالصحة النفسية والعقلية، هو الشخص الذي يجدّ ويعمل ويتفاعل مع المجتمع.أما المريض (غير المتوافق) فهو الذي يعاني من الاضطرابات الانفعالية التي تنعكس على السلوك وتشكل اعراضاً مرضية.مرض الاكتئاب Depression يُعرّف الاكتئاب على انه استجابة تثيرها حادثة مؤلمة كالفشل في علاقة، أو خيبة أمل، أو فقدان شيء مهم كالعمل، أو وفاة إنسان غال(5).وهو أيضا حالة من الألم النفسي يصل في الميلانخوليا إلى نوع من العذاب الشديد مصحوباً بالإحساس بالذنب شعورياً، وانخفاض ملحوظ في تقدير النفس لذاتها، ونقصان في النشاط العقلي والحركي والحشوي(6).كما عرفه بأنه حالة من الحزن الشديد والمستمر، يبدو الشخص وكأنه في حداد دائم والكآبة واضحة على قسمات وجهه(7).
مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة أنواع الاكتئاب..الاكتئاب نوعان: الأول: الاكتئاب النفسي (العصابي).الثاني: الاكتئاب العقلي (الذهاني) ويسمى السوداوي أو الميلانخولي.وللاكتئاب العقلي ثلاثة مستويات من الشدة:- الاكتئاب البسيط.- الاكتئاب الحاد.- اكتئاب القعود(8).يتميز الاكتئاب البسيط بأن المصاب به يعاني من بطئ في نشاطه الذهني والحركي، فضلاً عن الشكوى الزائدة المصحوبة بمسحات من الحزن، ويصف المريض نفسه بأنه فاشل ويرجع سبب ذلك لسوء حظه، ومن الملاحظ على المريض حالة من اليأس والاستسلام، وعدم المشاركة بالفعاليات الاجتماعية، لاعتقاده بان الحياة لا معنى لها ولا فائدة منها.أما الاكتئاب الحاد، فيتميز بأنه أشد الأنواع قوة وحدّة..، وفيه يشعر المريض بأنه في عزلة تامة عن المجتمع، يرفض الاختلاط بالآخرين وينقطع تماماً عن الحياة الاجتماعية وعادة تكون إجابته عن أي تساؤل بكلام مختصر جداً وبصعوبة.إن مريض الاكتئاب في الحالات الحادة، يوجه اللوم نحو ذاته، ويعتقد اعتقاداً كاملاً بأنه مسؤول عن كل هذه الآثام والجرائم التي ارتكبها بحق نفسه، وهو المسؤول عن كل النكبات التي حلت بالناس.أما اكتئاب سن القعود، ويسمى بالاكتئاب الارتدادي، فهو اكتئاب يحدث للإنسان في النصف الثاني من عمره بسبب التقدم في السن وما يصحب ذلك من ضعف في الحيوية، وتختلف بداية هذا السن عند الرجال والنساء، فهي عند المرأة من سن 40-50 تقريباً وعند الرجال من سن 50-60 أي عند سن القعود، ويشعر المريض بالشك والقلق والهم والهذاء، وأفكار الوهم، والتوتر العاطفي والهواجس السوداوية، وتتميز النساء بانهن اكثر من الرجال عرضة لهذا النوع من المرض. مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة وتركز كثير من المريضات افكارهن حول أخطاء قديمة حقيقية أو وهمية يشعرن انهن سيحاكمن عليها إلى الأبد. كذلك نجد أن الهذاءات المتعلقة بتوهم المرض كثيرة الشيوع، فالمريضة قد تعبر عن اعتقادها بان امعاءها قد انسدت أو بان كبدها قد تحجر أو بان فمها قد ذبل، أو بان قلبها يتمزق ويتفتت(9).وهناك بعض الاختلافات التي تميز الاكتئاب النفسي عن الاكتئاب العقلي. فالاكتئاب النفسي تستثيره خبرة معينة (غير سعيدة) أو حادثة مؤلمة مثل فقدان المرء لعمله أو حادثة وفاة قريبٍ له أو إصابة شخص عزيز عليه بمرض خطير أو تدهور في الحالة المالية، وهذه الأمور تستوجب الحزن عند كل الناس، ويكون الألم والحزن هما الاستجابة الطبيعية لها. ويستعيد الناس الاسوياء اتزانهم بعد فترة معقولة من الزمن، في حين نجد أن المريض (المصاب) يندفع إلى حالة عميقة من الاكتئاب، ويظل محاصراً فيها(10). كما يتميز المصاب بالاكتئاب النفسي بأنه يستجيب للتشجيع والدعم والاسناد ويطلب العون في التخفيف من آلامه وحزنه ولا ينقطع عن عمله، ويحاول تغيير ظروفه بالانتقال إلى محيط آخر. في حين نجد مريض الاكتئاب العقلي لا يستجيب إلى من يتقدم لمساعدته ولا يطلب العون والاسناد والدعم من أحد ويرفض فكرة مرضه تماماً، فهو يشعر بوجود هذاءات لديه، ولكن لا يعترف للآخرين بها، وتؤدي به هذه الأعراض دائماً إلى التدهور في التفكير، ومن ثم تؤدي به إلى الانتحار.أسباب الاكتئاب..تعددت التفسيرات التي تتناول مرض الاكتئاب من حيث الأسباب والنشوء، فترى النظرة التحليلية والتي يمثلها الطبيب النمساوي سيجموند فرويد، بان الإشباع الزائد جداً، كذلك الاشباع الضئيل خلال المرحلة الأولى (الغمية) يولد شخصية مهيأة لهذا المرض(11). فضلاً عن تأكيدها على أهمية اللاشعور والخبرات الطفولية المبكرة، وهي وجهة نظر مؤداها أن الأمراض النفسية التي تطرأ على الشخص فيما بعد، بما فيها القلق والاكتئاب، هي في واقع الأمر نتاج للصراعات المبكرة.
مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة ويرى لييرنج وهو من المحللين النفسيين أن الخاصية الرئيسية التي تميز الاكتئاب تتمثل في العجز عن تحقيق الحاجات أو الطموحات. ويرى أيضا أن الحاجة إلى الحب والتقدير ما هي إلا واحدة من ثلاثة احتياجات رئيسية. أما الاحتياجات الأخرى فتشمل الحاجة للقوة والأمان والحاجة لمنح الحب، فضلاً عن الحصول عليه.ويحدث الاكتئاب نتيجة للفشل في إرضاء الآخرين، أو نتيجة لإحباط أي حاجة من الحاجات الثلاث السابقة، والصراع الذي يحدث في الذات، والمرتبط بفشل إشباع أي منها(12).أما النظرية العضوية، فترى أن أسباب نشوء مرض الاكتئاب تأتي نتيجة إصابة أو اضطراب في الوظائف الفسيولوجية والكميائية للدماغ. فهناك علاقة يمكن ملاحظتها في حالات فترة الطمث لدى المرأة. حيث تكثر الشكوى لدى النساء، وفيها يحدث التوتر الداخلي والصداع والانتفاخ في البطن وآلام الثدي، وسهولة التهيج العصبي والانفعال وكثرة البكاء.إن في حالات الاكتئاب تضطرب الدورة الشهرية لدى المرأة وينقطع الطمث وتزداد نسبة المرض بين سن البلوغ وسن اليأس وكل هذه تصاحبها اضطرابات هرمونية وخاصة في الغدد الدرقية(13).أعراض الاكتئاب.. أجمع معظم الأطباء وعلماء النفس المرضي بأن أعراض مرض الاكتئاب تتمثل في:- الانقباض واليأس والقنوط وهبوط الروح المعنوية، والحزن العميق والبكاء دونما سبب، مع التشاؤم والتبرم باوضاع الحياة.- بطء التفكير والاستجابة والحركة ثم الانطواء والوحدة والانعزال والصمت، والشرود والذهول.- عدم الاهتمام واللامبالاة بالمحيط ومن حوله، وقصور الدوافع والميول.- الشعور بعدم القيمة واحتقار الذات والشعور بالخطايا والذنوب وطلب العقاب محاولة الانتحار. مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة – الشعور بالضيق وانقباض النفس وفقدان الشهية للطعام والإمساك.- الصداع والتعب وضعف النشاط العام.- الأرق وقلة النوم، وإذا نام فانه يستيقظ مبكراً.- توهم المرض والانشغال على الصحة والاعتقاد بان مرضه عضال وميؤوس منه(14).ويرى (كمال) بأن أعراض الاكتئاب تنحصر في:الاحتقار 84 % – الضجر 72% – الشكوى الجسمية 60% – عدم التركيز الذهني 44% – البكاء 36% – الخوف 36% – القلق 52% – الأرق 52% – اضطراب الشهية 52% – الانفعال 52% – التعب 52% – عدم الاستقرار 44% – التشاؤم 38%(15).وتمثل هذه النسب مدى شدة الأعراض لدى مريض الاكتئاب، وتتباين الحالة المرضية من خلال أعراضها، فعندما تزداد حالات القلق المصاحب للاكتئاب، يسمى بالقلق الاكتئابي، وعندما تزداد حالات النحول والخمول، يسمى المرض بالاكتئاب النحوليالإيمان ودوره في التخفيف من شدة الاكتئابعرف عن الإسلام بأنه دين متكامل المنهج، يصلح لكل زمان ومكان ويشمل كل أجناس البشر واصولهم العرقية ويعنى بدراسة المجتمعات وافرادها، ومكونات تفاعلها الفرديةوالجمعية وانعكاسات ذلك على السلوك بشكل مباشر، لذا يعد الدين الإسلامي شريعة تملأ الحياة في عباداته ومعاملاته وأحواله الشخصية(16) وكان وما زال له الأثر الأعظم فعالية في السلوك الإنساني ان للمسلمين أمجاد وتاريخ عريق في بناء الحضارة الإنسانية العالمية ولهم دورهم الواضح في معظم الدراسات وخاصة النفسية والاجتماعية منها، فدراسات ابن سينا (980-1037م) وبحوثه في مجال النفس الإنسانية وتشخيص وعلاج مرضى الاكتئاب (الميلانخوليا) معروفة، كما عرف عنه معالجاً للأمراض النفسية. مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة اعتمدت أساليب العلاج الديني وآلياته على مختلف الحالات وشدتها من الأمراض النفسية، ولكن يبقى أهم أسلوب وأكثر فاعلية في التأثير هو الإيمان. ويعرف بأنه عبارة عن اليقين الثابت في قلوب المؤمنين مع الاعتراف به في اللسان(17). ويرى الإمام الشيرازي في (الاجتماع) أن الإيمان بالله هو العامل الوحيد الذي يمكن به تعديل الصفات والعواطف والأعمال وهو يعد العامل المعنوي القوي المحرك لدى المسلم المؤمن، وتحتاج المعنويات إلى قوة إرادة، وهذه الإرادة هي المحرك الأساسي للإيمان وقوته، فالإرادة إذن هي إيمان يتخلق من خلال سلوك المسلم المؤمن في مصارعة الحياة وملذاتها في حالة السواء (الصحة) والمرض. فالنبي محمد(ص) سمى هذا النوع بالجهاد الأكبر، أي معالجة النفس وانتزاع صفاتها الذميمة وغرائزها المستحكمة فيها والمطبوعة عليها(18). ولقد عرف عن المؤمنين بأنهم أهل حلم وصبر وتواضع وتسامح قال تعالى:(يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)الفرقان 63.ولكن الحياة بتعقيدها ومصاعبها ومواجهاتها وضغوطها تجعل الإنسان يتقهقر أو تتدهور حالته الصحية رغماً عنه، حيث تضعف قدرته على المواجهة والتصدي لاهوال ومصاعب الحياة، فحينها يطلب العون، ولكن الإيمان يبقى في داخله قوياً، سنداً له في المصاعب.ومن هنا يطرح التساؤل الآتي:إلى أي مدى يؤثر الإيمان لدى المؤمن في مجابهة حالة التدهور النفسي والعقلي عند مرض الاكتئاب؟ينظر إلى مرض الاكتئاب بأنه نتيجة الشعور بالإثم إثر ذنب فردي أو جماعي، أما الدين فانه يوفر للفرد وسيلة لزيادة الشعور بالاثم والتخفيف من هذا الشعور في آن واحد وبالتبادل، فزيادة الإثم تأتي عن طريق تبني الفرد لقواعد سلوكية اسمى، تشعره بأنه تجاوزها وتعدى عليها، أما التخفيف من الإثم فيأتي عن طريق الاعتراف بالذنب والصلاة وعمل الخير وغيرها من المسالك التي لها أن تقلل من إثمه وتفرج عنه غمه(19). ويقول تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يونس 62.إن مجاهدة النفس وايقافها عن غيها من أولى مسلمات قوة الإيمان لدى المؤمن بالله، ولا مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة تجعله ينحدر بتدهورها إلى اسفل السافلين، حيث تصل حالات الاكتئاب الشديدة بالفرد إلى الانتحار، وإنهاء حياته المؤلمة ولا سيما أن الشخص المكتئب يرى الحياة بانها عديمة الجدوى، وانها كفاح طويل وعقيم، ولحظات الفرح فيها والسعادة اقل بكثير مما فيها من مشقة وجهد. إلا أن قوة الإيمان لدى المسلم المؤمن المدعوم بثباته على دينه يستطيع أن يناضل ويجاهد تدهور حالته النفسية والعقلية في مرض الاكتئاب، فهو لا يتجه بعدوانه نحو الذات، كما هو معروف لدى مرضى الاكتئاب وانما يتسامى ويعلو بايمانه بالله وصلاته وقراءاته المستمرة والدائمة للقرآن الكريم، تؤدي به إلى التخفيف من شدة الضغط الداخلي فيتحول هذا إلى أسلوب من أساليب التعامل مع الضغوط النفسية المؤدية إلى التدهور.. فينتج منه مغالبة التدهور والانتصار عليه… فالمسلم المؤمن يعتقد اعتقاداً لا شك فيه أن النفس الإنسانية، خلقها الله في أسمى صورها، وهو بارئها وهو قابضها في أي حين… فلا يدانيه أي شك في هذه الأفكار، لذا لا يصل به التدهور المرضي الداخلي إلى حالة الانتحار.. وكما هو السائد في الثقافات الشرقية والغربية، فالمجتمعات الشرقية والغربية تجعل من الدين وظيفة لمعاملات دنيوية، تنظم الحياة الوضعية، فمعظم المجتمعات التي تتخذ مذاهب أو فلسفات أو أدياناً مختلفة، حينما تعصف بها الأزمات المرضية وتتدهور لتصل إلى اعمق مستوى من البدائية في السلوك الإنساني، وهو الحيوانية. مما يؤدي بها هذا التدهور الصحي إلى اختلال العقل واضطرابه، وهو العامل الأساسي الذي يفرق المسلم المؤمن عن غير المؤمن.. عندما يضرب المرض النفسي والعقلي في كيانه البشري ويجعله يفقد مقومات وجوده.ويمكننا أن نستدل بقوة العلاج الديني على حالات المرض النفسي والعقلي من النظريات التي عنيت بعلاج تلك الحالات، فترى نظرية التحليل النفسي أن الدين له فعل وقاية الفرد من الحالات المرضية وذلك انه يبعده عن العزلة التي تمثل ابتعاده عن الالم، ويعطيه شعور الاطمئنان بالانتماء إلى الهوية الجماعية، ويسهل عليه الاتصال بما هو عقلاني بدون وجل عظيم. ويرى (أدلر – محلل نفسي) أن الإنسان… طبقاً لنزعته الجسدية والنفسية… عليه أن يجاهد باستمرار نحو المحافظة على النفس والارتقاء، وبهذه الكيفية فإنه يؤثر الطريق للهدف المتوازن والمتكامل… مشكلات نفسية – اجتماعية معاصرة أما (يونغ) وهو من المحللين النفسيين أيضا، فيرى أن الكثير من مظاهر القلق وعدم الاستقرار والإيذاء التي يتصف بها الإنسان، إنما تنجم عن واقع طاقته النفسية التي لم تعد تسري في رموز دينه(20).خلاصة القول مما تقدم يمكن أن نستدل بان العلاج الديني الروحي يلعب دوراً مهماً وحاسماً في نقل الإنسان من حالة المرض والتدهور في متاهات التفكير والمشكلات النفسية إلى طريق الهداية والعودة بالعقل إلى الاستغفار والتوبة من خلال ذكر عظمة الخالق وتمتين الصلة بالله عن طريق الصلاة والدعاء. وهذه الأساليب تقوي شعور المريض بالانتماء، وهذه التقوية تحدث التأثير اللازم وتساعده على مواجهة مشاكل واقعية لم يستطع مواجهتها، أو على حل صراعات نفسية قائمة تعذر عليه حلها. ومن تلك الأساليب أيضا، عمليات التطمين والزيارات والمواساة والتشجيع، وهي تخدم غرض تحقيق عدة أهداف في حياة الفرد، ومنها مساعدته على استعادة قوته الروحية، وإشعاره بأنه غير وحيد في عالمه مما يسهل عليه مواجهة مشاكله وحلها(21). وهي تؤدي غالباً إلى أن يعدل الإنسان طريقه إلى ما يراه(22).