الجامعة العربية المفتوحة والتطور العلمي الذي لا يتوقف – زهير الزبيدي
زهير الزبيدي
من المعروف أن التقدم العلمي الواسع في مجال علوم السيطرة والنظم، وظهور المايكرويف، ثم تلته الأقمار الصناعية للأعلام والأتصال التي ملئت الأثير ، كلها مجتمعة بعد ظهورها بفترات متعاقبة وقريبة ولا يزال علم السيطرة والنظم متجدد بالساعات والثواني أحيانا، ساهمت بشكل سريع بتسهيل الأنفتاح العلمي بطرق الأتصاله المباشر، وتوفيرامكانية اختيار طرق المعرفة والعلم، متى يشاء الأنسان، ووقتما يشاء وكيفما يشاء، وبالطرق المتنوعة الممتعة والسهلة. فاكتشاف جهاز الأنترنيت العظيم حقق وبشكل أو سع ، ومصداقية أكبر في جعل العالم قرية واحدة تتلاقح فيها الأفكار، وتتعدد من خلالها سبل التحصيل العلمي، وتنوع اساليبها ، ما شجع العلماء والعارفين بأساليب البحث العلمي، الى تطور الأبتكارفي تأسيس وتطوير المؤسسات العلمية، كالجامعات ومعاهد البحث العلمي الأكاديمي المعرفي، وفي الحقل الأكاديمي الصناعي ليمتلئ الأثير بآلاف المجلات العلمية وبمختلف الأختصاصات وبمختلف اللغات، فتطورالتواصل العملي في الجراحة المتنوعة عبر الحدود، وتعددت طرق المشاركة المباشرة لتعم المنفعة للمجمتع البشري على وجه المعمورة.
وعلى أثر هذا التطور الهائل جاءت الجامعات المفتوحة من رحم هذا التطور لترفد العلم والمعرفة والأدب، وكل مجالات الأبداع العلمي والفني بتأسيسها. ففي الوقت الذي تقوم به مثل هذه الجامعات بدورها العلمي وهي تستقيه من منابع العلم العالمي المعروفة، تتوفر لها المقدرة على المحافظة بالإرتباط بالوطن والتراث والبيئة، التي أنتجت انساننا العراقي المبدع ، والتي كانت بحق أحد أكبر منابع المعرفة في تأريخ العالم ،فجاءت الجامعة العربية المفتوحة في الدنمارك لتقوم بالواجب العملاق لهذا التواصل العلمي الحديث بين الوطن المسجى، الذي تحيطه عفاريت الأنس لالتهامه من خلال تأخير مسيرته العلمية، وبين جامعات العالم لتأخذ بيد الشباب ، الذين ضاعت أمامهم فرص التواصل العلمي والمعرفي والبحث الأكاديمي، تحت اظطهاد ذلك النظام الذي قولب المجتمع بثاقفة بالية جاهلية، تابعة لسطوته وجبروته، فاندفع لتوظيف كل الأبداع العراقي لهمجيته السادية، التي أراد بها تحويل الشعب العراقي المعطاء الى جمهور من الهمج الرعاع، المنقاد قياد القطيع، لتلبية نزواته وغرائزه السادية الساقطة. بل أن الجامعة المفتوحة توفرالفرصة أمام الرجال الذين فاتهم قطار العلم بسبب التهجير القسري وانتشارهم بالمنافي، واخضاعهم للمطاردة الدولية من أزلام النظام وممن كان يستحلب العراق بوقوفهم مع جلاد الشعب ضد أصالته من دول الشر والعنصرية، عربيا كانت أم دولية أخرى، ومنعهم من الألتحاق بالركب العلمي الحديث، ليرفدوا الوطن بابداعهم الذي لم يكن ينقصه إلا الخيمة التي تحميهم، فعراقهم تأنُّ تحت أقدام ابناءه ثروة لاتنضب، وأرض ورافدين متعطشة لمن يفعّل جهدها لتنتج لنا خيراً يعم العراق ويفيض على المنطقة كلها، وهي بحاجة الى تلاحم عقول ابناءها التي تركت بصماتها في جامعات العالم المعروفة شرقا وغربا، وهم متشوقون الى حضنها الدافئ وأحضان جامعاتها التي أحالها النظام الجائر الى خراب، وأبعد الخيرين ليخرّج بدلهم طفليين يقتاتون على الدولار الأخضر فيحولوه ثقافة بالية مشتراة من أسواق الهرج الغربية ليعودون حملة شهادات كبدلات ( اللكنة الغربية ) وهم كما البدلات، مليئون بفايروسات الدعة والترهل الحضاري، ليس لهم مبادئ إلا التخمة بالسحت والتمتع بحقوق الشعب المسروقة والمهدورة، والتمتع بملاهي الغرب لاجامعاته.
إن الجامعة المفتوحة تعني الأنفتاح بالوقت والعلم، والتحصيل بأنواع العلوم التي تملئ الأثير كما اشرنا، ولا تحتاج إلا لرواد وقادة علم، يهدون ويرشدون الوافدين اليها، وفق اسس علمية منهجية متناسقة المستويات، ومحترفة العلم وبحوثه، لهذا فنجاحها ليس بجمال المباني وسعة المختبرات حيث أنها تعنى بالعلوم الأنسانية وليس بالعلوم بالحتة، بل بمستويات القائمين عليها وخبرتهم، وتجاربهم المبنية على أصول البحث والمتابعة العلمية، فالجامعة لاتحتاج الى مبنى بقدر ما هي بحاجة الى خبرة تنظم الجهد وتشرف عليه ، وتبرمج العمل وترصد توجهه، هادية للمصادر وموضحة لمجاهيل المواقع العلمية لتفتح أبواب الجامعات العالمية بمفاتيح ( الماوس، الفارة لجهاز الكومبيوتر) ومن ثم القيام باللقاءات المرسومة وفق منهجية ثابتة الفصول الزمنية والعلمية، يستطيع المنتمني اليها تنظيم وقته وميزانيته الأقتصادية وفق المناهج المبنية على الجداول المعدة لذلك سلفا، ووفق الخطط العلمية ومستوى المرحلة ، والطالب فيها لايحتاج الى وقت محدد يقيد حركته إن هو استطاع تنظيم وقته حيث لم يكن هناك تقيد بالوقت فهو مفتوح وفق أولوية الطالب اليومية في الحياة العادية، فلم يتقيد بالجلوس على مقعد معين وفي غرفة معينة، وفي وقت محدد لايستطيع تجاوزه إن احتاج للوقت في مهام أخرى، ولا هو بحاجة الى مادة تستهلك ميزانيته المحدودة حيث وجود الأساتذة الأكفاء على توفيرها، أو الأهداء الى مكتباتها التي تملأ أوربا وشاشات الحاسوب،أو الأكفاء بالتدريس والبحث والأشراف والمناقشة التي تثري سعي الطالب لاقتناص المعلومة للسير في طريق الدراسة الهادئة . وبهذا تكون مفتوحة بكل ما للمعنى من كلمة ويرى الطالب نفسه يسير من مرحلة الى أخرى دون أن يحس بالزمن الذي قطع ، بالإضافة الى هذا كله، فهو مجبر على الألتزام باحترام المواعيد ما يجعله محباً للوقت وبارعا بتقييمه، حاسبا لحظاته ودقائقه وبالتالي يعتاد عليه، وهو بهذا يندفع بشكل عفوي نحو ممارسة حياته العادية واكمال الدراسة دون ملل أو كلل، بل تنفتح له ابواب كثيرة ليتعلم متطلبات الرجل الحضاري العلمي الرصين.
لكن بعد اطلاعي على أقسام الجامعة وجدتها واسعة تنضوي في برنامجها التأسيسي وأهدافها المستقبلية السعي لربط العراق بمنظومة الجامعات العالمية المعروفة، العراق بحاجة اليها اليوم وهو بحاجة الى كل أنواع التحديث بسبب النظام المقبور وممارساته، التي فتكت بمساحة ليست بالقليلة من شباب العراق بعد علمائه، الذين هم جزء لايتجزء من مهمة المثقف الواعي في بناء شخصيتهم من جديد، ما لم يكونوا قد تورطوا بجرائم ضد الشعب توجب تقديمهم الى ساحة القضاء لينالوا جزائهم العادل،أقول بعد اطلاعي على موقع الجامعة تمنيت لو كان فيها قسم للدراسات الأسلامية لعدة اسباب أهمها اكتمال عراقيتها فيكون بتنوع العلوم اكمتالا لتنوع الفكر العراقي، وثانيهما التماهي مع الأسلام الحضاري الجديد وبناء علاقات وطيدة بينه وبين الأفكار الأخرى لاسيما ونحن نعيش في الغرب، وبنفس الوقت كشف كل المبادئ التي نادى بها الكثير من الجهلة والمنافقين وادعوها اسلاما ، وكشف كل المتاجرين بالأسلام باضافة جانب آخر من جوانب المعرفة الى كل الأطياف السياسية والفكرية ليس للألتزام بها كعقيدة للجميع أو فروض، ولكن لابد للمثقف من أن يلم بكل ألوان المعرفة قبل أن يتخصص بواحدة منها، وبذلك يصبح له حق النقد والكتابة والتنظير ما يثري مجتمعنا المتنوع الأديان والأفكار والحركات ، وكسر حاجز العزلة والتباعد بين الأفكار، والسعي معا للعمل ضمن القواسم المشتركة، وبناء جسور الثقة بين ابناء المجتمع الواحد، وبهذا تستطيع الجامعة المفتوحة في الدنمارك مد جسور العمل المشترك مع جامعات العراق بكل الأختصاصات، والتعرف على الجامعة الأسلامية العالمية في لندن وفيها أكثر من خمسة وثلاثين استاذا من جميع الجنسيات الأسلامية وفي مختلف العلوم الفقهية والكلامية والأدب والفلسفة. وبهذا تستطيع الجامعة أن ترفد جامعات العراق بالتواصل معها ومع العالم، ويصبح العراق جزء لايتجزء من العالم المتحضر والمتدمن، وتستطيع كذلك أن تكون الجامعة المفتوحة إحدى بوابات العلم للعراق الجديد على العالم الآخر.