الأكاديمية العربية بالدنمارك.. تحديات وطموحات عاملة…
كتب مدير الجودة بالتعليم في الأكاديمية العربية بالدنمارك – من نافلة القول: إن التعليم العالي يزداد بعداً عن متناول معظم الناس، على مستوى العالم برمته، ما يزيد في تدهور التماسك الاجتماعي، ويتسبب بتفاقم التفاوت الاقتصادي والعلمي. وقد تسارعت زيادة الأقساط المالية في العديد من الجامعات، مما يضع هذه المؤسسات العلمية في خطر ليس مرغوبا فيه، بأن تصبح نخبة اقتصادية أكثر منه نخبة فكرية وعلمية، وهذا تهديد أساسي لرسالة العلم والتعليم ومعايير الجودة فيهما.
ولا شك في أن الأكاديمية العربية بالدنمارك، لم تغفل هذه التطورات، بل تبقى على قدر كبير جداً من الأهمية في الحفاظ على مستويات الرضا العلمي والأكاديمي، لكوننا نتعلم من دروس الماضي، وفي ذات الوقت نضع المستقبل نصب أعيننا. فمنذ أن أسس الاستاذ الدكتور وليد الحيالي الأكاديمية العربية بالدنمارك في العام 2005م ، فإن هناك أمراً واحداً لم يتغير، وهو العزم على أن يكون لها تأثير على المعرفة، وعلى المجتمع، وفي التعامل مع حافات العلم الأمامية ومستلزمات البحث العلمي المتقدمة.
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف ستستمر الأكاديمية العربية بالدنمارك، بإلهام الأجيال الحالية والمستقبلية من الطلاب الأذكياء والطموحين؟.
نقول باعتزاز: لدينا خريجون ناجحون ومؤثرون، وخيرة الأساتذة الأفاضل وموظفونا متفانون جداً في عملهم العلمي الصبور، وفي ما يطمحون اليه، فالأكاديمية جماعة من العلماء والأساتذة والطلاب الباحثين عن العلم والحقيقة، لم ينفذ صبرهم ولن ينفذ، بإذن الله.
ولكن أين أصبحت الأمور الآن؟
خلال الأعوام الماضية من عمر الأكاديمية، جرى التركيز على بناء الثقة في كفاءة إدارة الأكاديمية وريادتها، وعلى صياغة رؤية مترابطة وشاملة من الامتياز والحوكمة المشتركة. فقد بدأنا العمل على بناء تحالفات محمودة بين الجامعات التي تفكر مثلنا، في البلاد العربية ودول الخارج. حشدنا ونحشد الزخم من أجل حصول الاكاديمية على الاعترافات الرئيسية داخل الدنمارك وخارجها، ونعمل على التجديد والتطوير للبرامج والمقررات الدراسية، وعملنا على تمكين أفضل قادتنا في مجالات العلم والبحث والتطوير الأكاديمي.
وفيما نعمل على السير بالأكاديمية العربية بالدنمارك، نحو مستقبل مشرق وواضح المعالم، نأخذ في الاعتبار التحديات الاقتصادية التي تجعل دفع تكاليف تعليم احترافي ممتاز، أمرا بالغ الصعوبة، إلا لعدد قليل جداً من العائلات والأفراد في هذه البلاد وخارجها.
لقد أحرزنا تقدما في العديد من الجوانب الأساسية، عبر السير مثلا باتجاه تحقيق هدفنا لاستعادة التثبيت الاعتباري الوظيفي للأساتذة، والذي يشكل السمة الأساسية للتفوق الأكاديمي، مع رغبة متزايدة بتشجيع طلابنا المستمرين والخريجين، واطلاق العنان لهم، على شق طريقهم في هذا العالم، لا أن نفرض عليهم طريقنا نحن، حين انخرطنا في حوار حقيقي وشفاف بين الطلاب والأساتذة والموظفين ومجلس الأمناء والخريجين والإدارة، الى جانب استقدامنا لعدد من الأساتذة الجدد الأكفاء من مختلف رقاع الأرض.
الرؤية وتمكين الأهداف بالشراكة..
ومما يتطلب التنويه اليه، أنه في الأعوام القليلة الماضية، تصاعدت تكلفة التعليم العالي في جامعات العالم، وفي هذا الإطار، نقرّ إن كنا صادقين، وسوف نكون صادقين، بأن الأكاديمية العربية بالدنمارك باتت تواجه صعوبة أكبر بكثير في توفير تعليم عالمي المستوى لطلاب الدراسات الأولية والعليا، بغض النظر عن قدرتهم على الدفع، بيد أن التطور النوعي والكمي في الأكاديمية ترافقت معه زيادة في تكلفة التعليم الجامعي، جعلت التعلم والتعليم أمراً ليس سهلاً بالنسبة للكثير من الطلاب العرب داخل بلدانهم وفي بلدان المهجر، مما انعكس بشكل أو بآخر على العمل في الأكاديمية وكلياتها العلمية وأعداد الملتحقين بها من الطلاب. وعليه، يجب أن نعالج هذه المشكلة التي تقوض صميم هويتنا، كأكاديمية غير ربحية، تسعى إلى إحداث فارق في مجال التعليم العالي، وكصرح يُحوّل حياة من يلمسهم الدور الأكاديمي، فيمنحهم حياة أكثر وفرة ومعنى وتصميماً.
لذا ينبغي على الأكاديمية العربية بالدنمارك، أن تساعد على توفير فرص جديدة للطلاب الراغبين بالدراسة، والمتميزين، من أجل إحداث تغيير في المنطقة والعالم. ونقترح إطلاق نموذج وطني للخدمة والتعليم مقرون بمقاربة للإعفاء من جزء من الرسوم، وذلك بالتعاون مع الحكومات والمنظمات والجمعيات والشخصيات المعنية. وفي هذا السياق، بإمكاننا المساعدة على إحداث تحول في التعليم في العراق وسواه من البلدان في المنطقة والعالم، بالتعاون مع الجامعات الشقيقة ومَن في وصفها، عبر جعل الخريجين الجدد المتفوقين، يخدمون المجتمع بالتعليم في المدارس الحكومية والخاصة، وتسديد كامل قروضهم في الوقت ذاته. وهذا من شأنه أن يضمن توفير كل واحد من هؤلاء الخريجين لثلاث سنوات على الأقل من الخدمة القيمة في مناطق من البلاد، هي بأمس الحاجة إلى مدرسّين متميزين.
وفق هذا النهج، ينبغي أن نفهم أهداف طلابنا، لا أن نعتبرها من المسلمات، وأن نتفاعل مع طموحاتهم وندرك مخاوفهم وشكوكهم، من دون أن نحاكمهم… بل نعمل على تمكينهم من إطلاق ذواتهم، ومنحهم الشعور بأننا نحضنهم وندعمهم بالكامل. ثم أننا من أجل خدمة المحرومين وتمكين التربويين، نحن بحاجة إلى تأكيد وتعزيز شراكاتنا مع مؤسسات مرموقة في جميع أنحاء العالم، ومع جمعيات ومؤسسات وأهل الخير المقتدرين مادياً.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، وفيما تولي الأكاديمية قدرا كبيرا من الاهتمام لواحدة من كبريات الكوارث الإنسانية في الأعوام الأخيرة، لا يمكننا أن نغفل عن احتياجات اللاجئين من اخوتنا وأبنائنا الآخرين وسواهم من الشعوب المحرومة… نحن نريد أن نساعد ابنائنا العراقيين والفلسطينيين والسوريين واليمنيين، إضافة الى المحرومين اقتصاديا، يجب أن تظل الأكاديمية العربية بالدنمارك التي نطمح إليها، الأفضل والألمع، علمياً وانسانياً ومبدئياً، بغض النظر عن العرق أو العقيدة أو الأصل أو الجنسية أو الجنس أو الظروف الاقتصادية أو القناعات السياسية.
وضمن هذه الرؤية، نقترح تطوير جوانب الخدمة والقيادة في مناهجنا الدراسية، وإدراجها ضمن المواد الأساسية التي تُعطى لطلاب الدراسات الأولية والدراسات العليا، لتصبح هذه المواد إلزامية ضمن البرامج التعليمية في الأكاديمية العربية بالدنمارك.
نعم.. نريد أن يسبح طلابنا في البحار العالية، وفي القيادة والخدمة، ونريدهم أن يكونوا رياديين في التعليم العالي، وذلك من أجل الارتقاء بهم إلى المعايير المطلوبة التي تجعل من ارتياد الأكاديمية العربية بالدنمارك أمرا طبيعيا بالنسبة إلى عموم الطلاب. وفي الاطار ذاته، ينبغي النظر إلى فئة المتقدمين في السن، مما يتعين توسيع أكاديمية الكبار وتعزيزها، لنكون وجهة عظيمة للمتعلمين، من سن (16سنة إلى 95سنة)، بهدف أن يصبح كل واحد منا في السن (95) من العمر، قادرا على أن ينطلق بمفرده في الحياة، إن أراد الله تعالى وشاء سبحانه الوهاب.
ولا نحبس سراً، أننا في الأكاديمية العربية بالدنمارك، نبذل حاليا جهودا كبيرة، لإعداد علماء الغد ليكونوا المحرّكين وعناصر التغيير والتجديد والقيادة المنتجة، فالشخصية التي نروم اليها والى إعدادها، مهمة تماما بقدر الموهبة. ولا ريب في أن هذه الأهداف لن تتحقق بسهولة، ولكن إذا استعرضنا تاريخ هذه الأكاديمية، وكل ما فعله مؤسس الأكاديمية العربية بالدنمارك، لوجدنا أنه لم يكن من السهولة بمكان تحقيق كل الإنجازات المهمة التي تحققت، لولا تلك النية والمصداقية والوضوح في الرؤية العلمية والادارية والانسانية.
فهل سننجح ونستمر في المنهج العلمي المتوازن؟
نعم، أعتقد أننا نستطيع ذلك، هذا واجب علينا، ويجب أن ننجح، لأن أهدافنا قابلة للتحقيق، فهي طموحة وأقرب الى الواقع، ويحتاج تحقيقها إلى العمل والشراكة، على أن نجعل الأكاديمية العربية بالدنمارك، نموذجا مستداما يحتذى به في القرن الحادي والعشرين، ولما يجب أن تكون عليه صرحاً علمياً وحضارياً مقتدراً، يحمل لواء الفكر والتعليم والتجديد في عالم الأعمال والمال ومفاصل الحياة ومرتكزاتها الروحية والمادية المتوازنة.
الأكاديمية العربية بالدنمارك