عودة لموضوع التعليم المدمج
أ.د. محمد الربيعي
كنت قد كتبت سابقا مقالة بعنوان “التعليم المدمج: تعليم المستقبل الأكثر اكتمالا” وضعت فيها تعريفا بسيطا لهذا النوع من التعليم، والتعلم على انه “تدريب مختلط، يجمع بين التعليم التقليدي وجهاً لوجه والتعليم الإلكتروني”، وشرحت مزاياه ومواصفاته. ما شجعني على الكتابة مرة أخرى حول الموضوع هو تأكيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأستاذ الدكتور نبيل كاظم عبد الصاحب مؤخرا في احدى لقاءاته على ان الوزارة عازمة على التحول الى التعليم المدمج.
أهمية التعليم المدمج
في السنوات الأخيرة انتشر التعليم المدمج او المختلط مع التقدم السريع في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وأصبح هذا النوع من التعليم في العديد من البلدان المتقدمة النموذج الأكثر تفضيلاً للتعلم نتيجة انتشار الإنترنت، والتي مست جميع جوانب الحياة الإنسانية. وفي العراق يبدو ان التعليم الالكتروني سيصبح أحد الوسائل الملائمة لعلاج النقص المزمن في الأبنية والمعدات والمدرسين في ظل الزيادة المستمرة لأعداد المتعلمين وحلا لأزمة التعليم التلقيني ونهاية لعصر اجترار المعلومات.
سأحاول في هذا المقال شرح فوائد التعليم المدمج، وتقديم صورة مبسطة لأكثر أنواع التعليم المدمج انتشارا. علما ان التعليم المدمج ليس ابتكاراً بقدر ما هو منتج ثانوي طبيعي للمجال الرقمي الذي يتسلل تدريجيا بداخل جسم التربية والتعليم. ومن الضروري التأكيد على أن هناك المئات من أنواع التعليم المدمج التي تختلف حسب المحتوى والحجم، والتكنولوجيا، ومساحات التعلم، إلخ. لكن الغرض من هذا المقال هو: أ) شرح أكثر أنواع التعلم المدمج شيوعاً، و ب) مساعدة الاستاذ على التفكير في التعليم المدمج كمفهوم مرن يمكّن المدرسين والطلاب من تحسين نتائج التعلم بشكل مثالي لذلك يمكن: ج) من تحديد وتكييف نموذج التعليم المدمج المناسب للجامعة، او للمدرسة او للطلاب.
فوائد التعليم المدمج
إن نموذج التعلم المدمج هو بلا شك طريقة رائعة لزيادة تجربة المتعلم، ولكن مزاياها تتجاوز ذلك. سواء كان الغرض تدريب الطلاب، او الموظفين، او أي فئة أخرى من المجتمع، فإن المؤسسات التي تستخدم التعليم المدمج تجني العديد من المكافآت. دعنا نلقي نظرة على بعض الفوائد للمتعلمين وللمؤسسات.
فوائد للمتعلمين
يوفر التعليم المدمج الراحة والمرونة للمتعلم، ويمنحه القدرة على التحكم في وتيرة التعلم وجها لوجه والتعلم عن بعد.
تشير البحوث التربوية إلى أن التعليم المدمج يمنح المتعلمين فهماً أكثر شمولاً لمحتوى المقرر او الدورة التدريبية او الورشة.
لأن التعليم المدمج يسمح للمتعلمين بالتفاعل مع المدرسين وزملائهم المتعلمين، فإنه يوفر فرصا تدريبية أفضل لاكتساب مهارات الاتصال والتواصل والتفكير النقدي.
يمكن الاستفادة من علوم وخبرات المدرسين الخارجيين كأساتذة الجامعات الأجنبية او العلماء العراقيين في الخارج للمساهمة عن بعد في المقرر او الدورة او الورشة.
فوائد للمؤسسات
يقلل التعليم المدمج من تكاليف التدريب وجهاً لوجه كتكاليف الإقامة والسفر للأساتذة من الجامعات والمؤسسات الأجنبية.
يمكن للمؤسسات استخدام أساليب التعلم الإلكتروني المختلفة، في الندوات والورش عبر الإنترنت، وما إلى ذلك، مما يؤدي إلى مشاركة أفضل للمتعلم.
نظرًا لأن التعليم المدمج يعد وسيلة أكثر كفاءة وفعالية من حيث تكلفة التدريب، لذا ينتج عائد استثمار أسرع وأكبر.
من السهل أيضاً تتبع من أكمل التدريب أو لم يكمله.
التحديات التي تعوق تنفيذ التعلم المدمج
افتقار الجامعة الى آليات مؤسساتية وتنظيمية شاملة لتسهيل تطوير ونمو التعليم الإلكتروني.
عدم وجود سياسة تعزز التعليم الإلكتروني في التعليم والتعلم والتدريس.
عدم وجود عمليات إدارة الجودة لتعزيز التعليم الإلكتروني
انعدام مبادرات التطوير المهني للتدريسيين لدمج التعلم الإلكتروني بضمن المنهج.
عدم وجود هياكل فنية داعمة.
عدم وجود تفهم من القيادة لأهمية التغيير ولإدارته.
انعدام التمويل لتنفيذ برنامج التعليم الإلكتروني الناجح.
أنواع التعلم المدمج
التعليم المدمج المتناوب
وهو نموذج يسمح للطلاب بالتناوب في الساعات الدراسية بين التعليم وجها لوجه وبين التعليم الالكتروني وفقاً لجدول دراسي محدد، حيث تخصص إحدى الساعات على الأقل للتعليم عبر الإنترنت. هذا النموذج هو الأكثر شيوعًا في المدارس الابتدائية ويتميز بجدول ثابت للساعات الالكترونية والساعات وجها لوجه.
التعليم المدمج المرن
يتم تضمين “المرونة” في أنواع التعليم المدمج بحيث يكون التعليم عبر الانترنت في الدراسة هو العمود الفقري لتعلم الطلاب. يتعلم الطلاب في الغالب بداخل الحرم الجامعي، باستثناء أي واجبات منزلية. يقدم المدرس الدعم وجهاً لوجه على أساس مرن وقابل للتكيف حسب الحاجة من خلال أنشطة مثل تعليم المجموعات الصغيرة والمشاريع الجماعية والدروس الفردية. يتميز بشكل أساسي بما يلي: تنوعه في تلبية احتياجات عمليات مختلفة من التعلم الرسمية وغير الرسمية (الجامعات والمدارس والمنظمات والتعليم في البيت، وما إلى ذلك).
التعليم المختبري المتناوب
نموذج للتعليم المدمج يشبه التعليم المدمج المتناوب، حيث يعمل من خلال السماح للطلاب بالتناوب في الدروس وفقاً لجدول دراسي محدد لكنه يتم في مختبر حاسوب مخصص يسمح بترتيبات جدولة مرنة تتناسب مع أوقات الاساتذة وتمكينهم من الاستفادة من مرافق تكنولوجيا المعلومات المتوفرة. يتميز في المقام الأول باستخدام مختبرات الحاسوب عبر طرق جديدة.
التعليم المدمج عن بعد
في هذا النوع من التعليم المدمج، ينصب تركيز الطالب على إكمال ساعات الدراسة عبر الإنترنت من خلال الاجتماع الافتراضي مع المدرس على حسب الحاجة. وفيه ليس من الضروري ان يتعلم الطلاب بالتواجد في الجامعة يوميا وبتلقي الدروس وجها لوجه، وانما التركيز فيه يتم على التعليم الالكتروني وبقدر ما يسمح لهم التعلم بهذه الطريقة وعلى أساسها يتم تحديد فيما إذا كانت هناك حاجة لساعات تعلم وجها لوجه. يتميز في المقام الأول بـكون الطلاب يدرسون بشكل كامل عن بعد وبشكل مستقل.
التعليم المدمج الفردي المتناوب
يسمح نموذج التناوب الفردي الطلاب بالتناوب عبر الأنشطة المختلفة، ومثله كمثل التناوب على اجراء التجارب المختبرية او قراءة المصادر المكتبية، بضمن جدولة فردية يحددها المدرس او المدرسة او القسم ويتم تحديد الأوقات اللازمة لكل طالب على أساس قابليات الطالب وسرعته في التعلم. يتميز في المقام الأول بما يلي: إضفاء الطابع الشخصي على تعلم الطالب على النحو المحدد في الجداول الفردية التي لديها الفرصة لتلبية احتياجات كل طالب بشكل أفضل.
التعليم المدمج القائم على المشاريع
يعد التعليم المدمج القائم على المشاريع نموذجًا يستخدم فيه الطالب كلاً من التعلم عبر الإنترنت – إما في شكل دورات تدريبية أو عن طريق التعليم الذاتي – والتعليم وجهاً لوجه لتصميم مهام التعلم القائمة على المشروع. في التعليم القائم على المشاريع يعمل الطلاب في مشروع محدد على مدى فترة زمنية ممتدة – من أسبوع حتى فصل دراسي – يشتركون في حل مشكلة حقيقية أو في الإجابة على سؤال معقد. ويظهرون معرفتهم ومهاراتهم من خلال إنتاج مشروع متكامل او إجابة شاملة أو عرض تقديمي لجمهور حقيقي او عبر الانترنت. ونتيجة لذلك، يطور الطلاب معارف عميقة وكذلك التفكير النقدي والتعاون والإبداع ومهارات الاتصال وجها لوجه وعن بعد. يطلق التعليم القائم على المشاريع العنان لطاقة مبتكرة حميمية بين الطلاب والأساتذة. وباختصار هو طريقة تعليم مدمج يكتسب فيها الطلاب المعرفة والمهارات من خلال العمل لفترة طويلة من الوقت للتحقيق والرد على سؤال أو مشكلة أو تحدٍ حقيقي وجذاب ومعقد. يتميز في المقام الأول: استخدام الموارد عبر الإنترنت لدعم التعليم القائم على المشاريع.
المصادر
https://al-nnas.com/ARTICLE/MAlRubey/29k0.htm
https://www.teachthought.com/