لنجعل من الجامعة العربية المفتوحة في الدانمارك أحد مناهل العلم والمعرفة في أوروبا – الأستاذ الدكتور كاظم حبيب
الأستاذ الدكتور كاظم حبيب
خلال العقود المنصرمة حط رحال عشرات ألوف الطلبة من خريجي الثانويات وطلبة الجامعات العراقية في شتات المهجر, الذي قال عنه أحد الأصدقاء يوماً “الوطن أم والغربة زوجة الأب”. وكانت الأسباب كثيرة لا حصر لها, ولكنها كانت لا تبتعد عن الهروب من ممارسات الاستبداد والعنصرية والحروب الداخلية والخارجية وانتشار البؤس المعيشي والتدهور الاقتصادي والتخلف. وتسببت الهجرة في عجز تلك الآلاف المؤلفة عن الاستمرار في الدراسة والتحصيل العلمي المناسب, ومن ثم العمل المناسب.
وبموازاة ذلك أجبر الألوف من أساتذة الجامعات والمعاهد والمدرسين والمعلمين من مختلف الدرجات العلمية على ترك مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم ووطنهم الحبيب والنزوح منه قسراً أو هرباً إلى بلدان أخرى. ولم تتوفر إلا لنفر قليل منهم فرصة العمل في المدارس والمعاهد والجامعات الأجنبية أو في معاهد البحث العلمي, في حين كانت وما تزال الغالبية منهم محرومة من فرص العمل أو إمكانية توسيع وتعميق معارفها وتحديثها. وغالباً ما أجبر هؤلاء الأساتذة على العمل في مهن بعيدة كل البعد عن مجال اختصاصهم, وبدأ البعض منهم يفقد أي صلة بشهادته والمعارف التي اقترنت بها. وهي خسارة للفرد ذاته, ولكنها خسارة أكبر للبلد الذي حرم منه ومن كفاءته والمجتمع الذي صرف كثيراً على تكوينه.
ومن يقف على رأس السلطة أو يجلس في مقاعد الجمعية الوطنية في عراق اليوم هو جزءٌ من أولئك الذين أجبروا على ترك مقاعد الدراسة والهجرة إلى الخارج أو المشاركة في النضال السري المليء بالمخاطر في الداخل أو الصعود إلى جبال كردستان الشماء ليواصلوا نضالهم من هناك ضد الاستبداد والقهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري. ولكن ما تزال هناك نسبة عالية جداً من بنات وأبناء الوطن يعيشون في الغربة لأسباب كثيرة, رغم سقوط النظام. وهؤلاء يستحقون الانتباه لأوضاعهم وحاجاتهم وطموحاتهم التي ضيعها لهم النظام السابق المقبور. وجل الانتباه يفترض أن يأتي من الدولة العراقية ومن الحكومة الجديدة التي ستشكل وكذلك من الجمعية الوطنية المؤقتة أو التي ستتكون بعد الانتخابات القادمة.
وفي مجال مهم من تلك المجالات التي يفترض الانتباه إليها من جانب الدولة في العراق هو موضوع العلم والمعرفة والدراسة وسبل تأمين وصولها إلى العراقيات والعراقيين في الخارج, وكذلك إلى الكرد العرب أو الناطقين بالعربية, وفيما بعد اللغة الكردية, الذين يرغبون في ذلك وهم في أوروبا أو في غيرها من بلدان وقارات العالم, وأعني به حقل الجامعة والدراسة الجامعية والتدريس الجامعي.
وإزاء هذا الواجب تحرك الزميل الأستاذ الدكتور وليد ناجي الحيالي, وتنادت معه مجموعة خيرة من أساتذة الجامعات والمعاهد العراقية المقيمين في الخارج, إلى تأسيس جامعة مفتوحة في كوبنهاجن, عاصمة الدانمرك. وقد تأسست فعلاً هذه الجامعة المفتوحة في ربيع عام 2005 وبدأ التسجيل للدراسة فيها وحصلت على عدد كبير ومهم من أساتذة الجامعات العراقية الموجودين في الخارج أو في الداخل وكذلك بعض أساتذة الجامعات في الدول العربية للتدريس بالمراسلة وعلى مستويين: دراسة جامعية ودراسة أكاديمية لنيل شهادة الماجستير. وبدأت منذ فترة مناسبة الاتصالات الرسمية للحصول على موافقة وزارة التعليم العالي العراقية ومنظمة اليونسكو وغيرها من الجهات المسؤولة لتسجيل الجامعة رسمياً وإقامة علاقات تعاون وتنسيق وتبادل مع الجامعات العراقية وبعض الدول العربية.
عقد المجلس العلمي للجامعة ممثلاً برئيس ونائب رئيس الجامعة لقاءً في كوبنهاجن في نهاية شهر آذار/مارس 2005 مع مجموعة من الطالبات والطلاب الراغبين في التسجيل في الجامعة المفتوحة لتوضيح طبيعة الجامعة ومهماتها وشروط القبول.
وتقع على عاتق الحكومة العراقية, وحكومة اتحادية كردستان العراق, رغم الصعوبات التي يمر بها العراق حالياً, تقديم يد العون المعنوي والمادي لهذه الجامعة الجديدة للنهوض بأعباء المهمات التي أخذ السيد رئيس الجامعة والمجلس العلمي على عاتقهما إنجازها.
إن من واجب العراقيات والعراقيين في الخارج دعم هذا المجهود العلمي الكبير الذي يمكن وفي فترة قصيرة أن يتحول إلى مركز علمي مهم في الخارج يدعم جهود الدولة العراقية مثلاً في الداخل عن طريق المشاركة في تكوين الكفاءات والملاكات العلمية العراقية.
كما أن من واجب الأحزاب والقوى السياسية العراقية التي عانت الأمرين من نظام الحكم السابق أن تقدم الدعم لهذا الجهد العلمي المستقل الذي لا يرتبط بحزب أو جهة سياسية, بل يرتبط بالوطن والمواطنات والمواطنين, وبمهمات المجتمع في هذه المرحلة المهمة من تاريخ العراق الجديد.
ومن واجب الإعلام العراقي أن يساهم في نشر المعلومات عن هذه الجامعة الفتية وتشجيع الانخراط فيها, سواء أكانوا طلبة أم أساتذة.
وفي المقابل تتحمل إدارة الجامعة مسؤولية إيصال صوتها إلى كل الراغبين في الدراسة أو التدريس في الجامعة المفتوحة, وإيصال أخبار الجامعة ونشاطاتها المستقبلية إلى الصحافة العراقية وإلى صحافة البلدان العربية, وأن تكون لها نشرة أخبارية دورية خاصة بشؤون الجامعة المفتوحة. ولا شك في أن الجامعة ستتوفر لها الإمكانيات الضرورية لإصدار مجلة علمية خاصة بالفروع الإنسانية تنشر البحوث والدراسات العلمية والأدبية التي ترتقي إلى مستوى الترقيات العلمية, إضافة إلى تشجيع الشابات والشباب من الطلبة والأساتذة للنشر فيها.
نتطلع إلى أن نرى علماً جديداً من أعلام المعرفة ينهض في أوروبا ليمارس مهماته على أحسن وجه ممكن لصالح مجتمعات المنطقة. فإلى العاملين في هذا المجال وإلى كل المساندين لهذا الجهد كل القدير والاحترام.
برلين في 9/4/2005 كاظم حبيب