راهن ومستقبل البحث العلمي والدراسات العليا في العراق
::راهن ومستقبل البحث العلمي والدراسات العليا في العراق
محمد الربيعي*
لقد اصبح البحث العلمي من المعايير المهمة والرئيسة لقياس تطور البلدان ومعرفة درجة تقدمها ورفاهيتها ولم تعد المقاييس التقليدية كمؤشرات الدخل كافية في عصر العولمة، فالفجوة تزداد بيننا وبين العالم بالرغم من انخفاض مستويات الفقر وارتفاع معدل توقع الحياة والحد من الوفيات بين الاطفال.
واذا نظرنا نظرة سريعة الى واقعنا العلمي والتكنولوجي لرأينا واقعا مؤلما يتميز بفقر الامكانيات والتخصيصات المالية وبانعدام الحوافز والدوافع للبحث والابتكار والتطوير، فجل اهتمام الانسان العراقي هو الامان وتوفير المستلزمات المادية لرفاهيته المالية باسرع واسهل الاساليب. ولقد وصل الامر بالعالم العراقي ان يبحث في شؤون التطوير ونقل الافكار العلمية واعادة البحوث وتكريرها واعتبارها اساليب بحث علمي “رصينة”.
ان تدني مستويات البحث العلمي والابداع والتطوير هو لا شك مظهر من مظاهر الخلل الذي تعاني منه سياسة التخطيط ومن اسبابه انعدام التخصيصات المالية وعدم الاستقرار والبيروقراطية الادارية وبؤس الواقع الاجتماعي ككل، ومن دون تحسين البيئة العلمية والتكنولوجية بكاملها لا اعتقد بأن هذه المشكلة التي تواجه كل البلدان النامية سيمكن حلها. ويعتبر وضع البحث العلمي والابتكار في العراق الاسوأ ضمن الدول النامية بالرغم من ان العراق يمتلك عددا هائلا من العلماء يعملون في كل المجالات وكثير منهم قد انصرف عن البحث العلمي لعدم توفر التخصيصات المالية والاجهزة والمعدات والمصادر المكتبية إضافة الى انقطاع الاتصال بالعلماء في الخارج وانعدام العلاقات العلمية بالجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية وعدم حضور المؤتمرات العلمية والمساهمة في مشاريع مشتركة.
وبالرغم من ان بعض العقول العراقية بدأت بالبحث العلمي بالرغم من وجود صعوبات هائلة تتعلق على سبيل المثال بانعدام الامان والتهديدات واعمال القتل التي اتت بحياة العديد من اساتذة الجامعات والاختصاصيين. وتشير الاخبار الى ان اكثر من الف من هذه العقول لاقوا حتفهم منذ نيسان من العام الماضي وان اكثر من ثلاثة الاف من العلماء والاختصاصيين قد تركوا العراق في نفس الفترة. ان احد اهم الاسباب التي تعود الى الانقطاع عن ممارسة البحث العلمي هو عدم الاستقرار والوضع المتأزم داخل الجامعات.
اليوم توجد حاجة ماسة للامن لكي تمارس الجامعة عملها العلمي والتربوي بصورة صحيحة كما توجد حاجة ماسة الى تدريب (الكوادر) التدريسية ورفع مستواها العلمي والاداري والتنظيمي بما يتناسب مع التطور الحاصل في الجامعات الغربية، هذا إضافة الى الحاجة الماسة لاستقطاب العقول العراقية المهاجرة للمساهمة في بناء الوطن وتطوير البحث العلمي. العلماء العراقيون يشكلون رصيدا كبيرا يمكن استغلاله لاحداث نهضة علمية وتطويرية في العراق وفي فترة زمنية قصيرة نسبيا اذا ما اتبعنا سياسات وخططاً وستراتيجيات صائبة تعتمد بالاساس على تأهيل العلم والبحث العلمي في المجتمع العراقي وجعل التفكير العلمي والقدرة العلمية والابداع جزءاً من نسيج المجتمع العراقي إضافة الى بناء قاعدة علمية عراقية لنقل المعرفة العلمية والتكنولوجيا العالمية وتوطينها.
وفي ضوء الاهداف العامة للتوجه العلمي الجديد في عراق اليوم الذي تتبنى اهدافه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي في صدارتها هدف تعزيز القدرات العراقية في العلوم والتكنولوجيات الحديثة ودورها في البناء والتنمية لبناء العراق، ودون توفر ومساهمة الكفاءات العلمية والتكنولوجية في الداخل والخارج، وهكذا فأن اي مشروع لاعداد ستراتيجية اجمالية للتنمية الوطنية لابد ان يأخذ بنظر الاعتبار ما يلي:
1- واقع البحث العلمي والتكنولوجي والتطوير من حيث عدد ومستويات القدرات العلمية في كل فرع من فروع المعرفة العلمية وما يمكن ان تقدمه مؤسسات البحث العلمي في الجامعات وخارجها كالمجمع العلمي العراقي من مساهمات في تطوير وتنمية الاقتصاد العراقي وحل مشكلات البلد الصحية والزراعية وارتباطها بالتنمية واغناء المعارف العلمية والتكنولوجية على الصعيد العالمي.
2- العلاقة الادارية والعلمية بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة العلوم والتكنولوجيا ودورهما في الاشراف على البحث العلمي وتطويره.
2- دور العلوم والتكنولوجيا في حل مشكلات التنمية وتوفير اختصاصيين ومستشارين بالاضافة الى عدد وحجم البنى المؤسساتية العلمية كالجامعات ومراكز البحوث.
3- الامكانيات المالية المخصصة للتربية والتعليم الاساسي والعالي ونسبة الانفاق الحكومي على البحث العلمي.
نبذة عن اوضاع البحث العلمي في العراق
اصدر مجلس وزراء النظام السابق بتاريخ 19 اذار 1995 نظام مراكز البحث العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وبموجبه تشكلت هيئة للبحث العلمي غير متفرغة ترتبط بوزير التعليم العالي مهمتها تحديد الاهداف العامة والاطار العام لسياسة البحث العلمي للمراكز والوحدات البحثية ومتابعة برنامجها وتنشيط حركة البحث العلمي. والهيئة هي لجنة استشارية ليس لها هيكل تنظيمي وقراراتها بعضها ملزمة مثل استحداث مركز وبعضها توجيهية (مثل نوعية البحوث فهي من اختصاص المركز).
تتشكل المراكز والوحدات على الأسس الآتية:
1- ترتبط المراكز برئيس الجامعة
2- ترتبط الوحدات بعميد الكلية
3- يعين مدير المركز بقرار من الوزير
4- يعين مدير الوحدة بقرار من رئيس الجامعة
هذا و يمنح مدير المركز او الوحدة صلاحية الموافقة على نشر البحوث وعلى اقترح الغاء تشكيلات المركز او الوحدة والتوصية والاجازات الدراسية والدراسات العليا. ويعامل مدير المركز معاملة العميد و مدير الوحدة معاملة رئيس القسم العلمي في الكلية.
تشترط المادة 5 من تعليمات (رقم 148 لسنة 2002) من وزارة التعليم العالي على ان يقدم الباحث في المركز او الوحدة ما لا يقل عن 3 بحوث ولا يزيد على 4 بحوث سنويا ويتقاضى اجورا عن الساعات الاضافية التي تزيد على نصابه (6 ساعات الى 12 ساعة اسبوعيا للبحث الواحد).
– لا تشير هذه القرارات الى كيفية تمويل البحث العلمي.
التمويل
1- تقرر الجامعة ميزانية البحوث التي يتم الموافقة عليها وهي مسؤولية رئيس الجامعة.
2- البحوث المشتركة التي كانت تجرى مع التصنيع العسكري والصناعة يتم تمويلها من الدائرة المستفيدة.
3- على سبيل المثال كان يخصص نحو 15% من ميزانية الجامعة المستنصرية لميزانية المراكز والوحدات. هذا علما ان بعض المراكز كالمركز الوطني للسكر يعتمد على التمويل الذاتي بل يساعد الجامعة ماليا وهذه المراكز تعتبر مراكز خدمية بحثية.
واستنادا الى المعلومات التي ذكرت لي خلال وجودي في العراق عام 2003 بعد الحرب مباشرة كان هناك نحو 7000 الى 9000 بحث ينجز سنويا في الجامعات من ضمنها ليس الا زهاء 900 ينجز في المراكز، اما البقية فأنها تنجز في الاقسام العلمية. لم يجد من بين هذا العدد الهائل من البحوث الا النزير طريقه للنشر في المجلات العالمية مما يدل على البون الشاسع بين المستوى الوطني والمستوى العالمي وعلى كون ان معظم هذه البحوث في طبيعتها تطويرية وتطبيقية على الصعيد المحلي ولربما لا تحل مشاكل مهمة او حقيقية.
دائرة البحث والتطوير
– مسؤولة عن الدراسات العليا والبحث العلمي والمسابقات العلمية والنشاطات العلمية الاخرى وتدار من قبل مدير عام عضو في هيئة البحث العلمي ومقرر الهيئة يكون ايضا من الدائرة.
– لا يدخل عمل الهيئة ضمن دائرة البحث والتطوير التابعة للوزارة. وهذه الدائرة (تشكلت عام 1992 وصدر تشريع رسمي عام 1996 بصورة مقتضبة) تعتبر دائرة نوعية ومن اهم دوائر التعليم العالي وكانت مسؤولة عن المشاريع المشتركة مع التصنيع العسكري والصناعة. ومهمة الدائرة متابعة وتنفيذ قرارات هيئة البحث العلمي، وفيها ايضا تجتمع الخطط البحثية للجامعات حيث تقوم الدائرة بتحويلها الى جداول احصائية عن الخطط والمشاريع العلمية ضمن تقارير سنوية. الدائرة بصورة عملية لا تتعلق برسم دراسات البحث العلمي ووضع الخطط بل تزويد الوزارة والدوائر الاخرى بالاحصائيات. وتقوم الدائرة بتشكيل اللجان لاختيار الفائزين بجوائز العلم وكان غرضها منح امتيازات مادية لشريحة معينة والمفاضلة على اساس الدرجات التي تعتمد على عدد البحوث وليس نوعيتها وعضوية الحزب والاوسمة والانواط..الخ.
– البحث العلمي والدراسات العليا من مسؤولية الدائرة. احيانا يتوجه الاهتمام بالبحوث المختصة بمواضيع معينة والتنسيق مع الوزارات الاخرى ضمن عقود مع الوزارات حيث تكون الدائرة وسيطاً بين هذه الوزارات والجامعة حيث يتم الاتصال بالباحثين عن طريق عمادات الكليات. مع ذلك كانت توجد علاقات مباشرة بين الباحثين والتصنيع العسكري.
– مجلس البحث العلمي الذي الغي عام 1989 كانت مهمته رسم سياسة البحث العلمي في العراق. بعد الغائه اصبحت كثير من المؤسسات مسؤولة عن رسم سياساتها وتحديد احتياجاتها وبذلك افتقد التنسيق والتخطيط لمعرفة الحاجة الحقيقية للبلد لغرض تطوير العلوم والتكنولوجيا.
سلبيات نظام البحث العلمي والدراسات العليا
1- لا توجد منظومة متكاملة لرسم سياسات البحث العلمي ومراقبة تنفيذها على صعيد العراق باجمعه ولا توجد ستراتجيات على مدى قصير وطويل تحدد اهداف وسياسات البحث العلمي.
2- تأسست في العهد السابق مراكز بحثية بصورة اعتباطية ولاعتبارات شخصية ورغبات رئاسية ووساطات ومعارف شخصية لا تمت للبحث العلمي والحاجة العلمية والتكنولوجية لها.
3- تقتصر مهمات هيئة البحث العلمي ودائرة البحث والتطوير على وزارة التعليم العالي وليس من شأن اختصاصهما البحث العلمي والتطوير على صعيد العراق كله.
4- البحث العلمي اصبح وسيلة ارتزاق لا يخضع لرقابة ويعتمد على الكمية ويفتقد الصدقية.
5- الدراسات العليا لم تعد وسيلة من وسائل تطوير البحث العلمي وانما وسيلة لمنح الشهادات مما ادى الى انتشار التزوير وسرقة نتائج منشورة والادعاء باجراء تجارب من المستحيل اجراؤها في ظل الظروف الفقيرة للمختبرات العلمية وفي وقت انعدمت فيه البعثات العلمية الى الخارج.
6- كثرة عدد الدراسات العليا بحيث اصبحت بالمئات وفي اختصاصات لا توجد حاجة ماسة اليها مما ادى الى تضخم عدد حملة الدكتوراه المحلية في الاقسام العلمية نتيجة عدم وجود مجالات عمل اخرى لهم في مؤسسات الدولة الاخرى فاصبح البحث العلمي عملية مهنية اكثر من كونها اكاديمية.
7- نشوء دراسات عليا في جامعات فتية او اهلية لم يكتمل بناؤها الاكاديمي او هيكليتها ولم تتوفر فيها الابنية والاجهزة اللازمة اوادنى مستلزمات الدراسات العليا.
8- لا توجد جهة مركزية مسؤولة عن تمويل البحث العلمي والتطوير ولا ميزانية محددة ومدروسة للتمويل.
9- عدم وجود تعاون مع جامعات الدول المتطورة والاشتراك في مشاريع عالمية مشتركة.
10- الانفصام الرهيب عن العلم العالمي ومتطلباته ومستوياته.
ستراتيجية جديدة لتطوير ا لبحث العلمي
كنت قد تعرضت الى السياسات العامة للتعليم العالي والبحث العلمي في مقالتي السابقة المنشورة في “المدى” وكنت قد اكدت الاسباب التي تحدد مدى جودة الخدمة المقدمة للمجتمع من قبل الجامعة بما يتعلق بمستوى التدريس والكفاءة والانتاجية واشرت الى “ان الجامعة العراقية يجب ان تتمتع باستقلالية مؤسساتية واكاديمية ومالية على وفق مبادئ ومقاييس موضوعية ومرونة تنظيمية ضمن رؤية ستراتيجية لقضايا التعليم العالي ومستقبله تضمن تطبيق مفرداتها الدولة من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لكي تتخلص من مشكلاتها التي تعيق تطورها وتكبل حركتها وتمنعها من اداء رسالتها بحيث تساير الجامعات الاخرى. وهذا لا يتحقق الا بإصلاح القوانين والتشريعات واللوائح المنظمة لشؤون الجامعات ووضع خطة ستراتيجية جديدة وآليات تنفيذ لتطوير التعليم العالي في العراق”. وفي هذه المقالة احب ان اعرض مفاصل ستراتيجية جديدة للبحث العلمي في العراق. غرض هذه الستراتيجية هو تطوير بيئة متكاملة لتمكين الجامعات والمؤسسات العلمية من بناء هيكلية للبحث العلمي بالاستناد إلى الاجهزة الحالية بعد تطويرها لتتلاءم مع التطورات العالمية في اساليب وطرق واغراض البحث العلمي اخذين بنظر الاعتبار شحة الموارد المالية وظروف العراق المرحلية والتي تتطلب برنامجا جذريا وسريعا وقابلا للتطور والعطاء.
اهم مرتكزات هذه الستراتيجية تشمل الاهداف التالية:
1- استحداث منظومة مالية متوازنة ومستقرة لتمويل البحث العلمي.
– لكي نضمن نجاح اية ستراتيجية للبحث العلمي لابد من توفير المخصصات المالية الكافية واستنادا لذلك لابد للدولة من ان تقوم بتخصيص ميزانية منفصلة للبحث والابتكار وعلى اساسها يتم تمويل المشاريع العلمية الفائزة ضمن مسابقات وطنية لاختيار افضل مشاريع البحث. هذا إضافة الى ايجاد مصادر اخرى لتمويل البحث العلمي ومنها مصادر صناعية وخدمية وعالمية. والمصدر الاخير يعتبر من اهم المصادر في مرحلة فقر الامكانيات المحلية ويمكن الاعتماد عليه لتمويل مشاريع مشتركة مع مؤسسات جامعية او بحثية او شركات عالمية.
– تشكيل لجان على صعيد الوزارة والجامعة والكلية والقسم تشرف على ادارة وتنظيم ومراجعة سياسة البحث العلمي وتقييم مواضيع البحث العلمي والاشراف على عملية صرف الاموال اللازمة ومعالجة ضعف وتخلف المردودية مما يتطلب من كل قسم وضع خطة عمل وبرنامج لدعم البحث العلمي في القسم واعتباره جزأ لا ينفصم من مهمات القسم الرئيسة. كما لابد من وضع الية عمل جديدة لتقديم الحوافز الملائمة للباحث والقسم بحيث تعتمد على مبادئ التقييم العلمي العالمي. كما يتم دعم التجديد والابداع وتوفير الحوافز لمن يتبنون البحث والتطوير، ومكافأة المبدعين والعلماء وتوفير فرص حقيقية لهم لتحقيق الرفاهية والتميز في المكانة الاجتماعية.
– تمويل البحث العلمي في الجامعات وغيرها يتم على اساس المفاضلة من حيث مستوى مشروع البحث واهميته وتوفر البنى التحتية ومستوى الباحث.. الخ
2- تدريب وتأهيل قيادات فاعلة لتسيير وادارة المؤسسات الوزارية والجامعية.
– على الجامعة وضع برنامج للتدريب الاداري والقيادي (للكوادر) الجامعية العليا ورؤساء الوحدات الادارية. يوفر هذا البرنامج تطويرالقابليات واساليب تحقيق الاهداف ومراقبة الاداء كجزء من عملية التدريب المستمر والاتصال الدائم بين الهيئات العليا للجامعة والاستاذ والباحث ولتطوير الخبرة الادارية والمالية للهيئات المختصة بالبحث العلمي للجامعات وصولا الى تغيير جذري في كيان نظام البحث العلمي بحيث يستجيب في اهدافه وبرامجه وطرائقه للمستجدات المعرفية بصورة مرنة ومن مقياس الجودة العلمية بالمقارنة مع المستويات العالمية.
– تحسين وتطوير سرعة وتأثير طرق صناعة القرار بحيث تصبح القرارات اكثر شفافية وصانعي القرار اكثر تعرضا للمساءلة والمسؤولية.
– على الوزارة وضع خطة لمراجعة وتقييم الفعاليات الاكاديمية والاداء البحثي للاستاذ بصورة مستقلة عن التقييم لغرض الترقية.
3- خلق اجواء علمية ايجابية لتنمية القابليات الابتكارية للاكاديميين.
– لربما يتم ذلك بوضع تصور جديد بان البحث العلمي حق من حقوق الاستاذ الا ان الامكانيات لا تتوفر له الا عند وجود الفكرة والقابلية والتصور والتخطيط الملائم عند الاستاذ والامكانيات المالية عند الجامعة.
– البحث العلمي من مهمات كل استاذ الا عند عدم توفر الامكانيات او عدم كون البحث العلمي من الاولويات في الجامعة. والبحث العلمي لابد ان يكون بمستوى عالمي ملائم او ان يتطرق الى مشكلة انية مهمة من مشاكل الاقتصاد الوطني لا يمكن حلها بطريقة اسرع او ابسط او اقل تكلفة.
– توفير وسائل الاتصال المعرفي واليكتروني بالعالم وتشجيع السفر لغرض الاشتراك في المؤتمرات الدولية او لعقد الاجتماعات مع العلماء في العالم وذلك بتوفير ميزانية مستقلة لتمويل السفرات العلمية.
4- تركيز مصادر البحث العلمي والامكانات من بنيات تحتية و تجهيزات و موارد بشرية في عدد اقل من المؤسسات العلمية.
– عند وضع ميزانية البحث العلمي لابد من تحديد الاولويات ومنها بالضرورة بناء وادامة مشاريع البحث في المواضيع الرائدة والمهمة للبلد واقتصاده وما يساعد العلم العراقي بالوصول الى مستواه العالمي. ولذلك فان مسؤولية لجان البحث العلمي على جميع المستويات هو تطوير مشاريع في مواضيع بحثية محددة بحيث تصبح لهذه المواضيع الاولوية في التمويل وينطبق هذا المبدا على الجامعات والمعاهد العلمية ايضا، فالمفاضلة هي اساس التمويل حتى ولو اقتضى ذلك تحديد عدد معين من الجامعات كجامعات بحث وتشجيع الاخرى على الاهتمام بالتدريس بصورة رئيسة وهذا سيتطلب وضع اسس جديدة للترقية العلمية. ويتم تحديد الجامعات والاقسام المؤهلة فعلا لمنح شهادة الدكتوراه اعتمادا على المعايير التالية: اساتذه اكفاء للاشراف، مستلزمات مختبرية لانجاز البحث، مراجع علمية، مراقبة علمية صارمة وارتباط علمي بجامعات غربية. واستنادا لهذه المعايير يجب تركيز البحث العلمي والدراسات العليا في بعض الجامعات من دون فرض هذا النظام على الجامعات الاخرى وترك تحديده الى المفاضلة.
5- تشجيع البحث العلمي المشترك الداخلي والتعاون العالمي.
– تهدف هذه العملية الى فرض مبدا التعاون المشترك كاساس للبحث العلمي وعلى اساسها يفضل البحث المشترك بين الكليات والاقسام والمراكز لغرض التمويل. ويعتبر ايضا التعاون العلمي العالمي ومع الجامعات الاوربية والامريكبة هدفا اساسيا لتطوير مستوى البحوث الوطنية كما يعتبر التعاون والاشراف المشترك مع العلماء العراقيين الموجودين في خارج البلاد اساسا للنظر في امكانية تمويل البحث.
6- وضع منظومة تقييم بالاستناد الى المعاييرالعالمية.
– تقوم الوزارة بمراقبة اداءات البحث العلمي من خلال مؤشرات خاصة بكل موضوع تستند إلى قياس عوامل التأثير (Impact factors) للبحوث وهو مقياس عالمي عام لقياس اهمية البحث ودرجة تأثيره في تطور البحث والابتكار في ذلك الاختصاص، والاستناد ايضا إلى المعايير العالمية الاخرى لاهمية البحوث وعلى درجة التعاون العلمي مع جامعات او معاهد بحثية مهمة، وعلى مدى شمولية البحث من ناحية عدد الجوانب والمواضيع التي تدخل في صلب التقنيات التي استخدمها. ولابد من الاخذ بنظر الاعتبار التقنيات التي طورها او استوطنها البحث وعدد البحوث التي نشرت في المجلات العالمية كنواتج لمشروع البحث.
7- مراجعة وتقييم ستراتيجية البحث العلمي بصورة دورية.
– تقوم هيئة البحث العلمي بمهام الاشراف على تطبيق هذه الستراتيجية (Review Board). وتقوم دائرة البحث والتطوير بمهام مراقبة تطبيق هذه الستراتيجية واهدافها وتقديم تقرير مفصل للهيئة كل ستة اشهر.
واخيرا نقترح تحويل هيئة البحث العلمي الى مجلس البحث العلمي لرسم سياسة البحث العلمي والابداع والتطوير ونقل التكنولوجيا وهدفه ايضا ادارة مراكز نوعية للبحث العلمي خارج الجامعة ويوزع المهام على مراكز البحث العلمي في الوزارات، كما يؤسس ويشرف على حدائق البحوث (Research Parks) وحاضنات التكنولوجيا (Technology Incubators). ويرتبط مجلس البحث العلمي الذي يتبع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بصورة وثيقة بوزارة العلوم والتكنولوجيا لتنسيق مهمات البحث العلمي والتطوير بما تحتاجه عملية التنمية والتطوير الى حين ايجاد حل للازدواجية في الاهداف التي فرضها وجود مؤسسات الطاقة الذرية والتصنيع العسكري السابقة ضمن وزارة اخرى للبحث العلمي.
ونقترح ايضا تغيير اسم دائرة البحث والتطوير الى دائرة البحث والابتكار لان التطوير لا علاقة كثيرة له بالبحث العلمي الجاري في الجامعات وانما بالصناعة والزراعة والنفط والرى والمواصلات والاتصالات وغيرها من مؤسسات الدولة التي يهمها التطوير والتطبيق ونقل التكنولوجيا اكثر من الابتكار والاكتشاف والاختراع.
وفي الختام نود ان نقول اننا وضعنا هذه الستراتيجية استنادا على واقع لمسناه في جامعات العالم المتطورة حبذا لو ننطلق منها كأساس في مسيرتنا لبناء مؤسسات البحث العلمي والابداع في عراقنا وان تتخذ كمنطلق لنقاش موضوعي وعلمي بعيدا عن الطرح الفوقي من “ينبغي” و “يجب” غير المدروس ليؤدي هذا الحوار الى صياغة هيكلية جديدة لمؤسسات البحث العلمي والابتكار في العراق.
________________________________________________
*الكاتب بروفيسور في الجامعة الوطنية الايرلندية وفي جامعة برمنغهامبريطانيا