نحو استراتيجية لإدارة الجودة الشاملة في الجامعات العراقية
نحو استراتيجية لإدارة الجودة الشاملة
في الجامعات العراقيـــــــــــــة
أ.د.جــلال النعيمــــــــــــي
A.O.Academy .Danmark
يواجه مجتمعنا العراقي بشكل عام , والجامعات على وجه الخصوص,تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وتنظيميةنتيجة للتغير الحاصل اثر سقوط النظام الدكتاتوري السابق من جهة,وتحديات العولمة وما يصاحبها من تطور متسارع في تقانات المعلومات Information Technology وتقانات الاتصالات Communication Technology التي احدثت تأثيرا كبيرا في سياقات وآليات العمل الجامعي وانماطه المختلفة, سوأً التعليم الجامعي,(الدراسات الاولية), او التعليم العالي,(الدراسات العليا,ماجستير او الدكتوراه).
واذا كان الأمر كذلك , لابد لنا ان ننظر الى منظومة التعليم الجامعية بمنظار فاحص ودقيق , كونها تشكل عنصرا اساسيا من عناصر نهضة البلد وتقدمه , وعاملا من عوامل الرقي لما تقوم به من دور فعال ومؤثر في تطور الحياة الثقافية الشاملة للبلد بابعادها المختلفة سوأ العلمية او الأدبية او الفكرية او التكنولوجيـــــة.
فضلا عن دورها الأساسي في انتاج المعرفة المتخصصة , والسعي نحو تطوير وتعميق هذه المعرفة من خلال البحث العلمي وما يرافقها من بحوث ودراسات يفترض منها التطوير في كافة مناحي الحياة للمجتمع .
وبما اننا نعيش في عالم يتسم بالثورة المعلوماتية , فضلا عن تحوله من مجتمعات صناعيةIndustrial Society الى مجتمعات معرفيةKnowledge Society , لابد لجامعاتنا العراقية ان تعمل وفق استراتيجية واضحة المعالم , للمساهمة في بناء مجتمع عراقي معرفي , لما تتوفر فيها من مقومات النهوض بالمجتمع العراقي الجديد علميا وفكريا وفي الجوانب المختلفة للحياة . وهنا تجدر الاشارة الى ان التركيز على المجتمع المعرفي لايعني التركيز على المجتمع المعلوماتي
Information Society, بالرغم من اهميته لان المعلومات تشكل مكونا من مكونات المجتمع المعرفي .
واتساقا مع ما ورد , فان المجتمع المعرفي الذي نطمح اليه هو المجتمع الذي لا يركز فقط على الجانب المعلوماتي , بل التفكير بكيفية استخدام قاعدة المعلومات بشكل كفؤ وفعال من اجل تكوين وخلق قاعدة واسعة من الكوادر ذات المعرفة الحقيقية بقضايا البلد ومشاكله , ومن ثم معالجتها بالأسلوب العلمي السليم , والذي بدوره سيقود ويساهم في عملية التطور للمجتمع . وهنا تلعب الجامعة دورا رياديا في عملية تكوين هذه القاعدة علميا وتقنيا باشكل الذي يساهم بفاعلية في خلق المجتمع المعرفي القادر على مواكبة التطورات , والتفاعل ضمن البيئة الأقليمية والدولية باتجاه خدمة مصالح الوطن .
ولما كانت الجامعة كنظام لها مدخلاتها , وعملياتها ,ومخرجاتها , لابد من التساؤل الآتي : هل ان نظام التعليم الجامعي الحالي يستخدم استراتيجية واضحة المعالم لأدارة الجودة الشاملة , بدأ بمدخلاتها ومرورا بعملياتها وانتهاءً بمخرجاتها ؟ .
فأذا كان الأمر كذلك في جامعاتنا , فلماذا لا نزال نجتر المناهج القديمة وعدم القدرة على احداث تغييرات جذرية في النتاهج على مختلف الصعد . ثم لماذا لم نستطيع تكوين الكادر المؤهل ذات خصائص معرفية ومهارية وسلوكية تجعل منه عنصرا يتميز بالقدرة على الأبداع في مجال تخصصه,من خلال اشراكه ببرامج الجودة والأستماع الى ارائه كونه يشكل جزأً مهما من مدخلات النظام . ثم هل استطاعت الجامعات العراقية من تغيير طريقة التدريس من اسلوب التلقين الى اسلوب الاعتماد على الذات وتنمية القدرة المهارية للطالب ومساعدته وتوجيهه بشكل ينمي لديه المهارة الذاتية في البحث ومواصلة التطور الحاصل في مجال تخصصه , وجعله محور العملية التعليمية بدلا من ان يكون الاستاذ هو المحور .
وتاسيسا على ما اوردناه وبشكل مختصر , تأتي ضرورة واهمية استراتيجية ادارة الجودة الشاملة , والعمل على تطبيقها بالشكل الذي يضمن مشاركة جميع اطراف العملية التعليمية في جامعاتنا الوطنية .
أدارة الجودة الشاملة :
أدارة الجودة الشاملة Total Quality Management صيحة من صيحات العصر العلمية والتي نالت اهتماما كبيرا من قبل مديري النظمات بمختلف انواعها, اضافة الى الباحثين والأكاديميين كاسلوب اداري متطورفي عصرنا الحالي . ويعد مفهوم أدارة الجودة الشاملة TQM فلسفة متقدمة في مجال الأدارة تستند على عدد من المفاهيم الأدارية الحديثة النابعة عن حالة المزج بين الاساليب الادارية والمبادرات الأبتكارية من ناحية , والمهارات الفنية من ناحية اخرى , من اجل النهوض بمستويات الأداء بشكل فاعل وكفؤ والعمل على تحسينها وتطويرها بما يخدم مصلحة المنظمة وتحقيق اهدافها .ومن الجدير بالذكر , ان لأدارة الجودة الشاملة تعريفات متعددة تشمل جوانب مختلفة باختلاف المنظمات , الا ان الباحث سيركز على التعريف الذي يخص الجامعات فقط باعتبارها محور هذه الورقة , رغم انه لازال حديثا نوعا ما . فهي عبارة عن نظام تستخدمه الجامعات للسيطرة على العملية التعليمية لأنظمتها الفرعية المختلفة وتحسين مستويات الأداء التنظيمي فيها .
ان التطورات المتسارعة في العصر الحديث والتي شملت جميع اوجه الحياة , الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها , فرضت على مؤسسات التعليم بشكل عام , والتعليم العالي بشكل خاص , تغيير الاساليب التقليدية في ادارة مؤسساتها , والبحث عن ما هو حديث ومتطور من طرق واساليب أدارية لأدارة انشطتها المختلفة نحو تحقيق اهدافها .
الجامعــة كنظام :
بما ان الجامعة كنظام System , فانه يتكون من مجموعة انظمة فرعية Subsystems ,كالأدارات المتخصصة , والكليات , والمراكز العلمية المرتبطة بها , ودوائر الخدمات , كل هذه الانظمة الفرعية تتفاعل مع بعضها البعض وفق برامج وخطط مرسومة بغية تحقيق اهدافها ومن ثم خدمة المجتمع .
واستنادا الى ذلك , وكما اسلفنا فان للنظام الجامعي مدخلات تتمثل , بالطالب , المنهج , اللأستاذ , مستلزمات العملية التعليمية , المستلزمات المادية الخ . ثم تأتي العمليات وما تتضمنه من سياسات وبرامج ومحاضرات واختبارات وابحاث وتأليف ونشر ومؤتمرات وندوات , كل هذا يقود الى مخرجات جامعية تتمثل بالكادر الخريج المؤمل ان يكون مؤهلا علميا وفكريا وموائما لاحتياجات البلد بشكل يساهم في بنائه وتطوره .
التخطيط الأستراتيجي :
يعد التخطيط الأستراتيجي سمة من سمات العصر الحديث , واداة رئيسة تمكن المنظمات بشكل عام , والجامعات على وجه الخصوص , من رسم المسارات الصحيحة لتقدم حركتها العلمية ضمن البيئة التي تعيش فيها وتتفاعل معها بغية تحقيق الاهداف المنشودة في البناء والتقدم .
لقد استخدمت العديد من الجامعات الرصينة في العالم , استراتيجية الجودة الشاملة لمجمل انشطتها العلمية والثقافية بغية الأرتقاء بمستويات الأداء سوأ على المستوى الداخلي للجامعة بأنظمتها الفرعية المختلفة , او على المستوى الخارجي من خلال تفاعلها مع البيئة التي تتواجد فيها وما تقدمه من مخرجات لخدمة البيئة وتحقيق اهداف المجتمع .
ان البدء باستخدام استراتيجية واضحة للجودة الشاملة على مستوى الجامعة , ومشاركة جميع اطراف العملية التعليمية , تفرض على الجامعة الحاجة الملحة لأعداد الخطط ورسم السياسات وصياغة الأستراتيجيات المناسبة والملائمة لظروف الجامعة , وفي مقدمتها استراتيجية أدارة الجودة الشاملة , ستمكنها من الاسراع في حركتها العلمية وتتيح لها الفرصة لمواكبة ركب التقدم العلمي بشكل عام , ورفع مستواها العلمي بشكل خاص , ووضعها في المكان التنافسي الأقليمي والدولي .
وبناءً على ما تقدم , يمكن القول بان جامعاتنا الوطنية تستطيع تسخير كافة امكانياتها وخبراتها بالشكل الذي يساعدها على الخروج بتصور واضح ومحدد مبني على اسس متينة ترتكز على نتائج ابحاث ودراسات حول كيفية استخدام وتطبيق استراتيجية الجودة الشاملة في انشطتها وهنا لابد لأدارات الجامعات العراقية من العمل وفق معايير موضوعية وعلمية كي تستطيع الوصول الى العمل باستراتيجية للجودة الشاملة نابعة من الظروف الموضوعية والذاتية للجامعة بحيث تستطيع خلق حالة جديدة قادرة على ايجاد قاعدة اساسية للتطوير المستقبلي , ومواكبة حالة التطور في العالم,ثم القدرة على التنافس في السوق المحلية والأقليمية لابل حتى العالمية.من ناحية اخرى تستطيع الجامعات العراقية من استخدام خبرات اساتذتها المغتربين على افضل وجه من خلال ايجاد قنوات التواصل , اضافة الى الأطلاع على تجارب بعض الجامعات الأقليمية والدولية التي لها تجربة ناجحة في هذا المضمار .
واتساقا مع ما ذكر, يمكن القول بان ادارات الجامعات العراقية يمكنها من استخدام معيير تقويمية للعملية التعليمية تشمل المدخلات الرئيسة للعملية منها على سبيل الذكر لا الحصر, المقررات التعليمية Curriculum من حيث الشمولية في تغطية الموضوعات الرئيسة , ومدى تناسبها مع القدرات الاستيعابية للطالب , ومدى ارتباط المقررات بالواقع العملي للبيئة التي تتواجد فيها الجامعة . ناهيك عن مدى شمول المقرر المعارف الأساسية .ثم ان هناك مسألة في غاية الاهمية يجب التركيز عليها في ظل التطورات الحالية لعصر العولمة ألا وهي امكانية الجامعة في اعداد وتهيئة الطلبة لعصر العولمة من خلال برامج لغوية لتعلم لغات اساسية عالمية على الأقل اللغة الأنكليزية , او لغة واحدة من اللغات العالمية الأساسية .
من ناحية اخرى , النظر الى عضو هيئة التدريس كونه يشكل مدخلا مهما في العملية التعليمية , من حيث مستواه العلمي وخلفيته المعرفية , ودرجة التزامه بالمقررات العلمية والعملية التعليمية , اضافة الى قدراته الأدراكية لأحتياجات الطلبة , ومن ثم قدرته على تنمية مهاراته الفكرية ومتابعته المستمرة للتطور الذي يحصل في مجال تخصصة . ان معايير تقييم أدارة الجودة الشاملة للجامعة لا تشمل فقط الطالب والاستاذ والمقررات , بل هناك المراجع العلمية , توفر المعلومات الضرورية لأدارة النظام , المدخلات المادية , والموضوعية ..الخ .
الخلاصــــــة :
ان مؤسساتنا التعليمية بشكل عام , وجامعاتنا بشكل خاص , مدعوة الى تبني استراتيجية لأدارة الجودة الشاملة ليس فقط للنهوض بمستويات الأداء فيها , بل العمل على زيادة الانتاجية , وتحسين مستوى وجودة مخرجاتها من الخريجين المؤهلين علميا وتقنيا لخدمة البلد وتحقيق اهدافه . اضافة الى دعوة جامعاتنا الى التجديد والتطوير قي اساليب ادارة العملية التعليمية بغية مواكبة التطورات الحاصلة في البيئة المحيطة بنا دوليا واقليميا , والسعي نحو تبني آلية كل وفق ظروفه وامكاناته لتحقيق الأهداف.
الهوامش :
د. الترتوري,محمد عوض.www.almualem.net
Adrian W.and others.Managing with TQM.palgrave Mc.,2003
Bosner,C.F.Total quality education,P.A.review.1992
Flood,R.L. Beyond TQM,Ch.,John Wiley.1992