الإخراج والسيناريو3… الدكتور عبدالباسط سلمان
:::::3
سيناريو الإعلام
قد تبدو الأخبار أو الموضوعات التي تنشر في الصحف ، والبرامج التي تعرض من على شاشات التلفزيون ، قد تبدو أنها بريئة وتلقائية وخالية من الفبركة للكثير من المتلقين لوسائل الإعلام أو الاتصال ، فهناك شرائح عديدة من المجتمع الى يومنا هذا لا تدرك حجم الإعلام وإمكانياته الجبارة ، ذلك لان الإعلام بالأساس يعمل بالخفية عن ما يتوقعه المجتمع منه ، فهو في أكثر الأحيان يميل الى التحريف والتمويه والخدعة إن تطلب الأمر، لإبراز الشكل النهائي للمضمون الذي ينويه وبأشكال متعددة ومختلفة ومن مؤسسة إعلامية الى أخرى، فعلى سبيل المثال هناك خبر ما لحدث ما نرى انه يتفاوت في الشكل الذي يحمله من مؤسسة إعلامية الى أخرى فكل مؤسسة تنشر الخبر وفق الفلسفة التي تعمل بها ووفق الأفكار والأيديولوجيات التي تناسبها أو التي تتعامل بها، فمن المؤسسات التي تبث الأخبار عن القضية الفلسطينية على سبيل المثال تشعر المتلقي للخبر بان المقاومة الفلسطينية بالحجارة للعدو الصهيوني إنما هو من صلب العمل الإرهابي على العكس من المؤسسات المحايدة التي تنقل الخبر دون أي غرض أو انحياز وتعتبر المقاومة حق شرعي للمواطن الفلسطيني المسلوب حقه ، ولعل المؤسسات الإعلامية الأمريكية خير دليل على ذلك لما تناشد به الإدارة الحكومية في أمريكا على ذلك ، ولهذا نرى إن اغلب الأخبار التي تبثها المؤسسات الأمريكية من هذا القبيل تكون مدسوسة بشكل أو بآخر بغية التماشي مع ما يترجاه الحكم في أمريكا ، في الواقع إن ما ذكر إنما يؤكد حقيقة قد تبدو هي الأخرى غافلة عن الكثير ممن هم يعملون في الإعلام وممن هم لا يعملون في الإعلام ، وهي حقيقة الإعلام المسير ، فالكثير يضن إن هناك حرية مطلقة للإعلام وان هناك حرية رأي وهناك اتجاه واتجاه معاكس وما الى ذلك من تداعيات تحفز على العمل الإعلامي المنفتح والمطلق العنان لكيف ما يشاء ويرتئي ، الواقع إن الإعلام رغم تلك التداعيات والعناوين الرنانة إنما هو رهن الحكومات بشكل ما أو بآخر ، وبعبارة أخرى شاء أو أبى ، فهناك حدود قد تكون واسعة وقد تكون ضيقة يسير عليها الإعلام في كل دول العالم ودون استثناء ، إلا ان هناك من التقنيات الإعلامية تلمع وتروج عن عملها وبأساليب لو انكشفت للمتلقين لظهرت أنها قبيحة وقذرة ، والدليل على ذلك هو الأخبار التي تبث أثناء الحروب والتي تتناقض من مؤسسة الى أخرى وفي أرقى الدول التي تعتبر نفسها مركز للديمقراطية ومركز للصحافة الحرة أو حرية الرأي ، فلو عدنا الى سنوات ماضية وتحديدا في أيام الحرب التي وقعت بين القوات العراقية وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991م لوجدنا إن كل المؤسسات الإعلامية التي كانت تبث الأخبار عن هذه الحرب كانت موالية للولايات المتحدة الأمريكية بشكل أو بآخر وبأساليب متعددة الأوجه والأشكال ، وكانت تبث كثير من الأخبار المدسوسة وغير الدقيقة بأغلب الأحيان أو أنها محرفة ، وتبث أخبار مبالغ بها كثيرا ، فعلى سبيل المثال أنا أتذكر شخصيا كوني عشت تلك الأحداث إذاعة (مونت كارلو ) الفرنسية التي تدعي في أكثر الأحيان حياديتها ونزاهتها أو موضوعيتها ، أتذكر جيدا أنها قامت بنقل جملة من الأخبار الكاذبة وبأساليب رخيصة للغاية إبان الحرب الأمريكية والقوات المتعددة الجنسية على العراق في عام 1991، وأتذكر أيضا إذاعة ( صوت أمريكا ) التي بثت من الأخبار في تلك الفترة ما لا يصدقه العقل إزاء الحرب لو أن العقل قد تعايش في الحرب أثناء تلك الفترة ، لكن ! ، وخلال تلك الفترة من هو المتفرغ أثناء الحرب ويقول إن هذه الإذاعات تكذب؟ ،ومن هو الذي سيصدق فيما لو قلنا إن هذه الإذاعات تكذب؟ ، ومن نحن أمام تلك الإذاعات إذاعة (مونت كارلو) و (صوت أمريكا) وغيرها من الإذاعات الأخرى التي تحمل تاريخ طويل في الإعلام إن أردنا القول بان هذه الإذاعة تكذب ، وهل سيصدق بنا احد لو قلنا ، خصوصا ونحن أطراف في القضية ، فإذاعة مونت كارلو وإذاعة صوت أمريكا متيقنة تماما من أن كل ما ستقوله عن الحرب سيصدق، وذلك لان الكثير من المستمعين للإذاعات في تلك الفترة هم ممن يسكنون في بيوت بعيدة كل البعد عن الحرب ولا يمكن لهم من التحقق من الأخبار ، لذا فتعبر عليهم مثل هذه الأخبار وتمر مرور الكرام دون حساب أو قيد ، إلا إن الذين يعيشون الحرب سيكتشفون تلك الأكاذيب ، ولكن متى ؟ ، فعندما تكشف الحقائق سيكون هناك استغراق في الوقت ينسي ما بث من كذب أو مبالغة وستكون هناك أخبار جديدة كثيرة جدا بعد الحرب ، تغطي الكذب الذي نشر وتعود تلك المؤسسات وتبث الأخبار بشكل حرفي لتعيد الثقة الى متلقيها وبنفس الوقت ترقع ما أفسدت أثناء الحرب وبصور متعددة يجهلها المتلقي ، وكذلك هو الحال مع وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف إبان الحرب التي شنت على العراق من قبل أميركا والدول متعددة الجنسيات في عام 2003 والذي ضل الوزير (الصحاف) يخدع ويكذب على الشعب العراقي وعلى وسائل الإعلام حتى آخر لحظة من احتلال القوات الأمريكية لبغداد وبأسلوب كثيرا ما كان يقنع المستمعين ويشوش عنهم الحقائق والوقائع، لدرجة أن الحقيقة أصبحت مجهولة، فبالوقت الذي يصرح الصحاف من ان القوات العراقية حاصرت القوات الأمريكية وستقضي على مجاميع كبيرة منهم نرى ان كبار ضباط الجيش العراقي والمخابرات والوزراء الآخرين قد اختفوا تماما، وان دبابات الاحتلال تسير وسط العاصمة العراقية دون أي مقاومة كما يزعم وزير الإعلام الصحاف، إذن هذه أمثلة للدور الذي تلعبه المؤسسات الإعلامية التي تبدو بريئة أو نزيهة في الحرب، وهو ما يعرب عن التحيز وعن النشاط السري والنشاط التعبوي الذي غالبا ما لا يعبر عن الحيادية أو الديمقراطية أو الحرية .
كتابة الأخبار كما ذكرنا أعلاه لا تخلو من الانحياز أو من المجاملة مهما كان الأمر، وتختلف من تحرير الى آخر وتعرب عن معاني متعددة وعن تأويلات عديدة رغم أنها أخبار حقيقية ، فكيف هو الحال مع السيناريو الذي هو بالأساس من الخيال أو من الرؤيا التي يحملها المؤلف ، والتي غالبا ما تقترب الى الحلم والوهم الذي يناشد المخيلة ؟ .
في 5-2-2003 وبينما كان مجلس الأمن الدولي يبحث في قضية العراق والحرب المحتملة عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، استعرض كولن باول وزير الخارجية الأمريكية تقريره الخاص بشان القضية وتحدث ساعة وعشرون دقيقة تقريبا وبتواصل مستمر دون أي انقطاع مع عرض للصور الفوتوغرافية ملتقطة عبر الأقمار الصناعية وصور أخرى مفبركة حاسوبيا ومنفذة عبر برامج الـ (3 Dimension ) مع بعض المشاهد الفيلمية وبعض المسامع الصوتية ، والواقع أن التقرير قد تم تقديمه بشكل متوافق ومتزامن (synchronization) مع الصور واللقطات والمسامع الصوتية بشكل مدروس ومنتظم لدرجة عالية من الدقة ، حتى ظهر التقرير وكأنه فيلم روائي يظهر على الشاشة ، حيث كان داخل المجلس شاشتان كبيرتان تعرض مجموعة من الصور والأفلام وبحجم شاشات صالات العرض السينمائية ، وهي مسالة اعتيادية في اغلب صالات الاجتماعات أو المؤتمرات في الوقت الحاضر ، إن ما عرضه كولن باول قد تم التعقيب عليه بعد الاجتماع من قبل المحللين السياسيين والصحفيين والمختصين على انه سيناريو من فعل الولايات المتحدة الأمريكية واتضح انه تكتيك دبلوماسي لجرف الرأي العام لصالح الولايات المتحدة، حتى أن بعض المعقبين على التقرير وصف أمريكا بأنها شهيرة في اللصق والتجميع أي شهيرة بما يسمى بالـ (collage) وهو مصطلح يطلق على عمليات تستخدم في السينما والإعلان لتحقيق افتراضات ليس لها صحة من الواقع أو يصعب تحقيقها في الواقع كدمج صورتين أو ثلاث صور في صورة واحدة مثل إظهار رجل في البحر أو السماء كـ (Superman) أو أن يظهر رجل عملاق اكبر من الجبل أو ما شابه ذلك ، الواقع إن ما قام به باول هو تأكيد على إن السياسة إنما هي السيناريو بحد ذاته ولكن بأشكال جديدة ، وان صالات الاجتماع التي تحوي على وسائل إيضاح وأجهزة العرض السينمائي أو أجهزة العرض الحاسوبية (data show) إنما هي إصرار على استخدام السيناريو في تقديم أو استعراض أي موضوع ، فوسائل الإيضاح لابد من أن تتوافر كي يكون الكلام مقنع ومفهوم أي انه لابد من التنظيم المسبق لكل حديث أو استعراض ، بمعنى ان السيناريو أصبح وسيلة من الوسائل المستخدمة في الحياة بشكل مستمر وبشكل اعتيادي ، وهو يستخدم في الكثير من المجالات وفي العديد من الأغراض وانه ليس قاصر على السينما والمسرح بل انه يستخدم من قبل العديد من الناس .
إن اغلب الاعمال الكبيرة التي حققتها السينما في العالم لم ترى النور والنجاح دون السيناريو الذي يرسم الأحداث ويصفها، فهو الذي يحدد النهج للعمل وهو الذي يقود للعملية الإنتاجية بأكملها وهو في ذات الوقت الذي يحدد النوع للعمل ككل كونه القائد لكل ما حدث أو سوف يحدث ، فهو التنظيم الكامل والدقيق لكل أحداث العمل ولكل الشخصيات التي يفترضها وهو الذي يحدد الزمان والمكان ويحدد البداية والنهاية وهو يفترض الواقع والخيال والحقيقة والوهم ويصور بعدة صور ويستعين بالرموز وبالاستعارات ويخلق النمط للأحداث ومن ثم يعرب عما يريد من قول دون قيد ، فعلى سبيل المثال هناك أفلام سينمائية كثيرة نقلت من الصور الجديدة للواقع ما لا يصدقه العقل البشري وافترضتها وجعلت منها مادة للعديد من المتلقين ، ففيلم (سوبر مان) الذي مثله (كريستوفر ريف) قاد الكثير من المتلقين الى التعلق بالممثل وبالشخصية التي مثلها رغم ان الشخصية هي بالأساس من واقع الافتراض وليس الحقيقة ، فليس هناك في الكون من هو قادر على الطيران واللف حول العالم خلال دقائق ودون مركبة ، إذن هو افتراض إلا إن هذا الافتراض الذي أراده السينارست (كاتب السيناريو) قاد الى أن تنفق أموال هائلة وقاد الى أن تذهب ملايين الناس لمشاهدة هذا العرض ومن ثم قاد الى أن تكون هناك دراسات جمـة حول الآليات والتقنيات والفرق التي ستنفـذ السيناريو وقاد وقاد وقاد الخ .
في الواقع ان كل ما بيّن أعلاه إنما هو للتأكيد على قضية غاية في الأهمية سواء في السيناريو أو في الإعلام بشكل عام ، وهي مسألة الموضوع الذين سيكتب والفبركة التي تلتف حوله لتعبر عن أهداف أو مضامين يرتئيها الكاتب أو المحرر أو الناشر ، فهناك حرفية بالغة الدقة في جعل الأحداث التي تكتب في السيناريو أحداث مؤثرة في المتلقي وتحمل مصداقية وان لم تكون صادقة في ذاتها ، فالافتراض الذي يخلقه السيناريو عميق للغاية ، وهو ما يجعل من المتلقين فريسة سهلة بان تتلقاه وتتعامل معه ، فهو يحمل من التأثير البالغ ويحمل من القدرات الهائلة بحكم انه سيكون عمل منجز أمام الأعين كان يكون فيلم أو تمثيلية أو يكون برنامج أو عمل تسجيلي الخ .
بحكم الدراما التي يتعامل معها السيناريو أصبح السيناريو الأهم في العملية الإعلامية ذلك لأنه هو الأساس الذي يستند عليه في انجاز أي عمل فني وإعلامي كبير ، فهو المخطط الرئيس الذي ينتهج في عملية التصوير وهو التنظيم الكامل لكل العمليات التنفيذية في العمل بل انه النوع والكم الذي يرجى لتحقيق الإنتاج ، والسيناريو بشكل عام متوافر في الكثير من المنتجات الفنية وغير الفنية ، فهو يتوافر بالعمل الإعلامي وبشكل مستمر ولكن تحت عناوين أخرى ، فالإخبار التي تحرر وتصاغ وفق المفاهيم أو الفلسفة التي تنتهجها المؤسسة الإعلامية إنما هي سيناريو ولكن بعناوين أخرى ، حيث إن الأخبار تعرب عن مضامين ربما تختبئي وراء مضلات مجهولة إزاء المتلقين ، وكذلك تنتهج الأخبار حين تبث أسلوب خاص بالطرح وطريقة مميزة ولها شروط تكاد تكون نفس الشروط التي يرتئيها السيناريو من ناحية المضمون ، وهي ما تجعل من الأخبار في بعض الأحيان تحتاج الى تتابع والى تنظيم دقيق للغاية وتحتاج الى استهلال أو مقدمة ومن ثم وسط ونهاية لتكون أخبار مفهومة وواضحة ، لتحقق الرسالة التي ترجوها ، والواقع إن مثل هكذا شيء هو بالأساس يفعل مع السيناريو ولكن بصور قد تتباين لتكون أعمق أو لتكون أكثر سطحية إلا إنها وعلى العموم ذات الشروط التي تشترط في السيناريو ومن ثم هي ذات الشروط المرجوة في بعض الأحيان من السيناريو خصوصا وان هناك الكثير من السيناريوهات التي أعدت لتكون تقارير إخبارية أو لتكون برامج سياسية تعمل بدور التفسير عن الظواهر والأحداث التي تهم الأخبار ، حيث إن هناك جملة من الأفلام ومن البرامج تؤدي ادوار تقارب الأدوار التي تقوم عليها الأخبار وهي ما ترجى لتحقيق جملة من المآرب أو الأهداف التي تحتاجها بعض المؤسسات الإعلامية لتمشية أمورها أمام المؤسسات العملاقة أو أمام القوى الجبارة كما هو الحال مع إذاعة (مونت كارلو) التي قامت بتخطيط سيناريو لكل الأخبار التي تبث عن الحرب التي شنت بين العراق ودول التحالف عام 1991 م وكشفت عن تملقها وانحيازها لأميركا ، وكذلك هو الحال مع المؤسسات الإعلامية الأخرى التي روجت عن أخبار تعرف جيدا أنها غير دقيقة وصحيحة ، ولكن كونها تحقق لها مكاسب مادية التجأت إليها وبالتالي عبرت عن مخطط لعملها الذي يقترب الى عمل السيناريو والذي نحن الآن بصدده .
إن مفردة سيناريو تقترن بالتخطيط أو التحضير أو التنظيم كون إن السيناريو إنما هو التنظيم ذاته للأحداث وللأفعال التي ستقدم في أي عمل ، فهناك تنظيم للأحداث لابد أن يأخذ مجراه كي تكون الأحداث معقولة ومقبولة ، فبغير التنظيم لا يمكن أن تقبل الأحداث أو الأخبار ذلك لان ليس كل ما يقال يصدق ولا كل ما يسمع هو مسموع مؤثر ، فهناك جملة من التدابير والمبادئ التي لابد من توافرها لكي تكون الأخبار والأحداث أو ما نريد تكون منشورة في الصحف ووسائل الإعلام ، وهي ذات التدابير والمبادئ الواجب توافرها في السيناريو مع اختلاف بسيط في الطرح آو الطريقة والتقنية ، فالسيناريو ليس سوى من إقناع في تنظيم وتسلسل للطرح المراد تفسيره فهو الرواية التي نبغيها للتوصيل الى شيء ما ، وقد يلجا السيناريو الى الأسلوب الوثائقي أي استخدام الوثيقة وذلك للتعبير عن الحدث أو الحالة بشكل أكثر جدية وإلحاح على المستوى القريب والبعيد كما هو الحال في الأفلام التسجيلية عن الحروب أو الأزمات أو الكوارث الطبيعية، أو قد يستخدم الرواية والفنطازيا والخدع والبدع السينمائية والتلفزيونية للتعبير عن حالة أو ظاهرة أو فكرة على المستوى الاستراتيجي كما هو الحال في الأفلام الأمريكية الروائية التي غالبا ما تستعرض القوة الأمريكية من خلال رامبو أو سوبرمان أو ارنولد بحيث أصبح المتلقي لمثل هذه الاعمال يدرك حجم أمريكا دون أن يسافر لها أو يعيش فيها .
السيناريو روائي أم غير روائي ؟
الفيلم الوثائقي هو عكس الروائي أي انه غير روائي ويمكن أن نقول أن هناك نوعان من الأفلام أفلام روائية وأفلام غير روائية. والواقع إن هناك المزيد من الأمور التي تجعل الفيلم الروائي يختلف عن غير الروائي أو الوثائقي ، حيث إن الفيلم الوثائقي غالبا ما يتميز بميزات قد لا تتوافر في الفيلم الروائي وكذلك هو الحال مع الفيلم الروائي الذي يحمل من المزايا قاصرة فيه ويمكن درج تلك الاختلافات على ما يأتي :-
1- الفيلم الوثائقي يستند على الوثائق ويبتعد عن القصة والخيال على العكس من الفيلم الروائي الذي يستند للقصة والخيال في تكوين مادته.
2- الفيلم الوثائقي غالبا ما يتضمن تعليق مصاحب للمشاهد أو الصور التي يستعرضها بينما يكون الفيلم الروائي خالي من التعليق إلا ما ندر.
3- الفيلم الوثائقي غالبا ما يستند على اللقاءات والمقابلات مع المسئولين أو ممن هم أصلا موجودين في فحوى مجرى الأحداث ، بينما نجد إن الفيلم الروائي لا يتضمن المقابلة أو اللقاء مع الناس .
4- الفيلم الروائي لابد وان يجمع شخصيات عديدة وهي شخصيات تقوم بادوار تمثيلية يمثلها ممثلون محترفون ، أي أنها تقدم عناصر الدراما عبر الأداء التي تقوم به تلك الشخصيات ، بينما نجد إن الفيلم الوثائقي لا يضم شخصيات تمثيلية إلا ما ندر وبحالات فريدة .
5- الفيلم الوثائقي غالبا ما يعتمد على مقدم أو معلق يقود موضوع الفيلم ويفصح عن محتواه ،وفي بعض الأحيان يلجأ الى كتابة تعليقات داخل أحداث العمل تفسر الموضوع وتحلله ، بينما الفيلم الروائي تقوده الشخصيات والحوار والحركة المفتعلة في تفسير وتحليل موضوع العمل .
6- الفيلم الوثائقي كثيرا ما يستند الى التصوير الحقيقي للمواقع ، أي انه غالبا ما يذهب للمواقع الحقيقية التي تمت فيها الأحداث ويصورها ليظهرها في الفيلم بينما نلاحظ أن الفيلم الروائي كثيرا ما يستعين بالديكور والإكسسوارات والمواقع المركبة والأماكن الوهمية في بلورة وطرح موضوعه .
7- الفيلم الروائي يتجاوز في وقته ساعتان أو الثلاث ساعات بينما يكون الفيلم الوثائقي في اغلب الأحيان محصور في وقت محدد بين الدقيقة والساعة ، أي أن الفيلم الوثائقي قد يكون بدقيقة واحدة أو قد يكون بساعة أو قد يكون بعشرة دقائق أو ربع ساعة الخ ، بينما يلاحظ على مجمل الاعمال الروائية أنها تتجاوز الساعة أو الساعة والنصف أو الساعتين ، بل ان من الأفلام الروائية ما هي تتجاوز الثلاث ساعات .
نموذج لسيناريو فيلم تسجيلي:-
ملاحظة : استخدمت موسيقى مختارة من مؤلفات عالمية للسيناريو ، في الاعمال العالمية توضع ميزانية للموسيقى ، وكاتب السيناريو كتب هذه الموسيقى وهو لا يعلم إن كانت الموسيقى سيضعها مؤلف خصيصا للعمل أم أنها ستكون مختارة ، وبكلى الحالتين فان السينارست أراد أن يعطي تصور للمخرج عن طبيعة مود الموسيقى أو حالتها .
بسم الله الرحمن الرحيم
النص الإذاعي
كثيرا ما نستمع للإذاعة وهي تبث أعمالها الإذاعية التي تعتمد المخيلة في المتلقي وتصوراته وكثيرا ما تجذبنا نحوها عبر الأصوات التي تطلقها ، دون أن نرى منها أي شيء ، فهناك مزيد من الإذاعات الصوتية تقدم برامجها بالاستناد الى إذن الإنسان فقط ، أي أنها تضاعف جهدها في توصيل ما ترتئيه من خلال الصوت فقط ودون الاستناد الى الصورة المرئية على اختلاف ما يستند إليه التلفزيون أو السينما في تقديم صور مرئية .
إن الاستناد الى الصوت دون الصور المرئية يشكل تحدي صريح لكل ما تقدمه السينما أو التلفزيون من صور ، فحين يكون العمل الإذاعي قادر على استقطاب المستمع من السينما أو التلفزيون فان مثل هذا الأمر إنما هو الانتصار بعينه الذي ترجوه الإذاعة، ذلك لان الإمكانيات في المعاملة التي تحظى بها السينما والتلفزيون تفوق بكثير ما تحويه الإذاعة من إمكانيات فهناك أموال هائلة تنفق على العاملين وعلى المواد والتقنيات السينمائية وهناك أمور عديدة تحتاجها السينما لإنتاج أي عمل سينمائي ترتئيه ، بينما في الإذاعة لا يكون مثل هذا الأمر على الإطلاق فمهما بلغت الإمكانيات والأموال التي تنفق في الإذاعة على أعمالها لا تصل الى الحجم أو الأرقام التي تنفق في السينما أو التلفزيون ، فهناك فروق واسعة وعديدة في تنفيذ الاعمال السينمائية أو التلفزيونية عن تقنية الاعمال الإذاعية .
التمثيلية الإذاعية:
لوحظ في كثير من المحطات الإذاعية إن البناء الدرامي في العمل الإذاعي يشكل استناد رئيس وقاعدة مهمة لتحقيق البث الإذاعي المتواصل والمؤثر فهناك كثير من المحطات الإذاعية تتعامل مع التمثيلية الإذاعية كوسيلة من وسائل الاستقطاب والتأثير في المستمعين ، كون إن التمثيلية الإذاعية تعمل على خلق صورة ذهنية عند المستمع وتبني خيال متصاعد ومتطور في بلورة مواضيع ذات متعة ومعرفة فقد لوحظ أن الأذن تستسيغ كثيرا للبناء الدرامي المنبلج من مقومات وعناصر الدراما غير المرئية كون إن التمثيلية الإذاعية تتضمن في أكثر الأحيان مجموعة من المؤثرات الصوتية و الموسيقى والحوارات والأغاني والصمت والتعليق وهي العناصر الرئيسة في الحقل الصوتي لأي عمل سينمائي أو تلفزيوني ، وهو الأمر الذي يشكل في نهاية المطاف محاكاة مناظرة للمحاكاة التي تقوم بها السينما أو التلفزيون ، وبحكم التقنيات والافتراضات المتوافرة والمسموحه للعمل الإذاعي شكلت التمثيلية الإذاعية توازن للأفكار التي يطمح لها المستمع وحققت مزيد من التواصل والتلاحم ما بين المستمع والعمل نفسه حيث إن العمل الإذاعي كثيرا ما يجرف الأذن وكثيرا ما يحاكي المتلقي وكثيرا ما يجبر بالاستمرار في التلقي من خلال الخيال الذي يفتعله العمل بأدواته التي تناظر وأدوات الحقل الصوتي في الفيلم.
إن المناظرة التي تنشدها التمثيلية مع الحقل الصوتي في الفيلم السينمائي أو التلفزيوني إنما هي مستندة في الأساس على المهارة والخيال الذي يفترضه الكاتب الإذاعي للتمثيلية والواقع إن هذا الخيال وتلك المهارة لا يمكن أن تتحقق بالشكل الذي ببغيه العمل نفسه ما لم تتوافر مزيد من المواصفات والشروط الواجب اعتمادها، فهناك متغيرات عديدة في تلك الأدوات التي يتعامل معها العمل الإذاعي والكاتب الإذاعي نفسه وهي متغيرات تحتمل العديد من الافتراضات والعديد من الأشكال والتنويعات التي تبلور مزيد من الأنواع الإذاعية الدرامية وتبلور مزيد من الجماليات ومزيد من المتعة ومزيد من الاستقطاب والإبهار والتأثير ، وهي كثيرا ما تتحقق في الفيلم التلفزيوني أو السينمائي بصور مغايرة وبعيدة عما تتحقق في مخيلة المتلقي كون إن مخيلة المتلقي في العمل الإذاعي تستند الى الإصغاء الذي يعتمد الاستماع عن طريق الأذن بينما نرى الفيلم التلفزيوني يستند الصورة من خلال العين التي تخلق حقيقة افتراضية غير الحقيقة الافتراضية في الإذاعة كون ان الصورة التي تبرز العمل التلفزيوني أو السينمائي كثيرا ما تصاغ وتتطور مع متغيرات إضافية من العناصر الصورية، فلذلك يفترض العمل التلفزيوني افتراض مباشر كيف ما شاء عبر عناصره الصورية متجاهلا في اغلب الأحيان الخيال الذي تستند إليه الإذاعة وذلك بحكم الصورة المرئية التي تعبر في أكثر الأحيان عن الكثير من الحوارات والأصوات التي تستند لها الإذاعة .
حين نفكر في أن نكتب تمثيلية إذاعية لابد لنا وان نأخذ في نظر الاعتبار مسائل عديدة عند الكتابة ، كون إن التمثيلية الإذاعية تسمع ولا تشاهد كما هو الحال في الفيلم السينمائي أو التمثيلية التلفزيونية وهو الأمر الذي يحتم على كاتب التمثيلية الإذاعية أن يراعي جملة من الأمور التي تجعل من العمل الإذاعي عملا مقبولا أو عملا ناجحا وهي أمور تكاد تكون نفس الأمور الواجب اتخاذها في كتابة العمل الدرامي التلفزيوني أو السينمائي من حيث البناء الدرامي ، حيث إن العمل الدرامي التلفزيوني أو الإذاعي لا يختلف عن الدراما السينمائية أو التلفزيونية أو المسرحية كون ان للعمل الإذاعي بداية ووسط ونهاية ، وعموما البناء الدرامي في الإذاعة يستند على أسس البناء الدرامي العام والمعروفة من فكرة وشخصيات وحوار وحبكة وهي كما حددناها في البناء الدرامي ملازمة في أي دراما أي أنها لابد من ان تتوافر لتخلق عملا دراميا مقنعا يحمل من الصراع ما يستقطب المتلقي ويبهره أو يثير انتباهه .
وهنا لابد من معرفة مزيد من الأمور الواجب إتباعها في العمل الإذاعي بشكل محدد لخلق عمل إبداعي إذاعي مقبول يمكن ان يذاع من الراديو كما حددها خبراء العمل الإذاعي .
1- استثمار المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية في العمل الإذاعي بالشكل الذي يسعف المسامع الصوتية في التعبير عن الانتقال أو في التعبير عن الجو العام.
2- الابتعاد عن الوصف الأدبي المركب الذي يعيق الفهم ويبطئ الإدراك من قبل المتلقي في فهم المعنى الكامل للعمل بالوقت المناسب ، كما ينصح في الابتعاد عن الزخارف الأدبية ذات الانعكاسات المتعددة أو المردودات البلاغية .
3- اللجوء الى الروايات أو القصص أو الموضوعات الأدبية التي تصلح للإذاعة والابتعاد عن دون ذلك ، فهناك الكثير من الاعمال الأدبية التي لا تصلح أن تكون تمثيليات إذاعية كالروايات الطويلة التي تستند على القراءة وتستند على التعبيرات الأدبية البليغة كالمسرحيات التي تستند التعبير الإيمائي أو تعتمد جماليات الحركة أو ما شابه ذلك .
4- الاعتماد على الحوارات ذات الدلالة والتعبير لتكون بديلة عن الصور التي يستخدمها الفيلم السينمائي والتلفزيوني.
5- الدقة في تحديد معالم الشخصيات كي يتأملها المتلقي ومن ثم يتعاطف معها أو ضدها وبالتالي يتحقق أهم عنصر من العناصر الأساسية في التشويق وهو التعاطف.
6- التأكيد على ان العمل الإذاعي بأنه عمل مسموع أي أن تكون الكتابة للأذان فقط والابتعاد عن الكتابة التي تقرأ .
7- مراعاة أخلاقيات الإذاعة ، فالإذاعة منتشرة بشكل واسع للغاية ومن غير اللائق أن تكون في الأعمال الإذاعية مفردات لا تتواءم والمجتمع الذي نكتب له من حيث الأخلاقيات والمنطق والأدب .
8- هناك الكثير الذين يستمعون للإذاعة لا يملكون التحليل المنطقي للإشارات والرموز والإيحاءات التي تظهر في السينما أو التلفزيون ، لذا توجب أن يكون الوضوح والدقة في الحوار والمؤثر والموسيقى في العمل ككل ليكون العمل مسموع وناجح .
9- الإقلال من الحوارات الداخلية المعقدة التي تربك فهم المتلقي كون الشخصيات غير مرئية وبالتالي قد تختلط مع الحوارات الأخرى وتبدو كأنها مخاطبة.
10- الابتعاد عن الحشو والتكرار والجمل القصيرة التي لا تغني المتلقي في أن يفهم المغزى الحقيقي للعمل.
11- التأكيد على ان تكون الشخصيات حية وبسيطة أي ان لا تكون شخصيات معقدة ومركبة وتحمل من الألوان والأنماط المتعددة التي تربك الإدراك أو الفهم لطبيعة الشخصية .
12- الاستناد في الكتابة على موضوع مثير يخلق التشويق ويمتع المستمعين وذلك من خلال تناول موضوعات تهمهم وتؤثر بهم ومن ثم الابتعاد عن الموضوعات التي لا تشغلهم أو التي لا تهمهم أو تثيرهم .
13- المحافظة على إيقاع العمل الإذاعي بشكل متساوي ومتناسب مع حجم العمل كون أن العمل الإذاعي عمل بالأساس يستند الى الدفق الصوتي وهو الأمر الذي يؤكد الاهتمام بالإيقاع لموازنة العمل بالشكل الذي يؤمن وصول الفكرة أو الموضوع بيسر وسهولة .
15- اللجوء الى المنطق والعلمية في كتابة الحوار والابتعاد عن كل ما هو غير معقول أو غير منطقي ذلك لان عملية تغيير القناة الإذاعية بالنسبة للمستمع تكون غاية في السهولة ومن ثم تكون هناك محطات أو قنوات إذاعية كثيرة تراهن على كسب المستمع لتحقيق النجاح .
عناصر التمثيلية الإذاعية :
كما ذكرنا إن أي عمل درامي مهما يكون شكله لابد أن تتوافر به مقومات أو عناصر الدراما والتي هي الفكرة والشخصيات والحوار والحبكة ، والعمل الإذاعي لا يختلف أو يتعارض في درامته مع بقية أنواع الدراما ، فهو بالإضافة الى ضمه العناصر الخاصة بالدراما نراه يضم عناصر أخرى تعمل على أن يكون العمل الدرامي عملا دراميا في الإذاعة ، وهذه العناصر كما يأتي .
1- الموضوع أو الفكرة.
2- الخطة.
3- الشخصيات.
4- الأمكنة.
5- الحوار.
6- المؤثرات الصوتية.
7- الموسيقى.
البناء الدرامي في السيناريو
إن أي فيلم روائي أو أي تمثيلية تلفزيونية أو مسلسل لابد من وان يحوي على بناء درامي يسلسل الأحداث ، حيث ان البناء الدرامي إنما يكون المخطط الذي ينتهج العمل ككل ، فالبناء الدرامي يتواجد بشكل إجباري في أي عمل روائي فهو الذي يؤسس العمل ككل كونه الموجه نحو موضوع العمل وكونه الأساس الذي تنشا عليه الأحداث والموضوعات ، لذا كان البناء الدرامي هو المحطة الرئيسية التي يستند عليها كاتب السيناريو في بناء أي عمل روائي يقدم عليه ، والبناء الدرامي بالرغم من انه يشكل الأساس الرئيس للعمل الروائي فهو يختلف من كاتب الى آخر كون الرؤيا أو المخيلة التي يتمتع بها الكاتب تتفاوت من واحد لآخر ومع ذلك تبقى المقومات التي يستند عليها البناء الدرامي واحدة وأساسية ، فالأعمال مهما اختلفت ومهما تباينت لابد وان تحمل عناصر ثابتة تركز العمل الروائي ، فهي عناصر لا يمكن الاستغناء عنها مهما كانت طبيعة الاعمال ، وهي في نفس الوقت العناصر التي تتوالد وتتطور اثر العلاقات التي تربطها لتحقق في النتيجة دراما متكاملة ، حيث إن كل عنصر من عناصر الدراما إنما يرتبط بالعناصر الأخرى بشكل أو بأخر وهو واجب توفرها بالاجمع لإكمال البناء الصحيح ، فلا يمكن أن يستغنى عن أي عنصر من العناصر التي تخلق الدراما إلا ما ندر ، والعناصر الرئيسية للدراما هي :
الفكرة
الحوار
الشخصيات
الحبكة
حيث ان هذه العناصر مهما كانت الاعمال ومهما أصبحت أو بلغت لابد وان تتوافر ، وفي نفس الوقت مهما تباينت الاعمال الدرامية أو الروائية ومهما تباين عرضها وطريقة طرحها فهي واحدة ولا يمكن أن تكون مختلفة ، ومع ان هناك ممن يظن ان الاعمال السينمائية الجيدة هي التي تعبر من خلال الصور وليس الحوار، وممن يظن ان أعمالا سينمائية روائية لا تشمل على شخصيات حقيقية بان لا تحوي على ممثلين يقومون بادوار الشخصيات في العمل فأن هذا الظن إنما هو لا ينطبق في كل الأحوال والظروف، فصحيح ان هناك أعمالا روائية لا تحوي على الحوار أو لا تحوي على الشخصيات لكن الحوار والشخصيات موجودة بشكل أو بآخر وبوسائل للتعبير تفوق ما يتصوره المتلقي، فعلى سبيل المثال هناك أعمال روائية تجمع بين شخصيات كارتونية ولا يمثل فيها أي ممثل لكنها بالنتيجة تحوي على الشخصيات ذلك لان الذي يقوم بالأحداث الشخصيات ، كما هو الحال في أفلام كارتون ( توم وجيري ) ، فالقط توم إنما هو شخصية مستقلة بحد ذاتها وجيري أيضا، فهما يقومان بأحداث يمكن أن يقوم بها ممثل حقيقي ويكون عمل روائي للكبار وليس للصغار ، وكذلك هو الحال مع الأفلام التي تعتمد على الحيوانات فقط كأن تكون الأحداث في غابة ما أو أي مكان يحوي تلك الحيوانات كفيلم (lion king) أو حتى فيلم (Garfield) .
وهنا لابد من أن نتعرف على ان أي عمل درامي إنما هو بداية ووسط ونهاية ، أي إن العمل كما حدده سد فيلد في كتابه (السيناريو) لابد من أن يتضمن بداية (set up) ويتضمن وسط (confrontation) ويتضمن نهاية (resolution) .
البداية تحوي عادتا المقدمة أو الاستهلال تمهد الى دخول الأحداث وتبشر في سير نوع العمل ومن ثم تعمل على خلق الافتراض الذي يسعى له العمل وفي نفس الوقت تفصح عن الشخصيات والعلاقات التي تربط تلك الشخصيات وتحدد في ذات الوقت أيضا الزمان والمكان والشكل العام لطبيعة الموضوع، وتنذر بما سينجم أو يحدث من تطور وتبلور لكل مجرى الأحداث لكي تكون مقبولة ، وبعد ذلك تأتي نقطة الهجوم ( point of attack ) في مرحلة الوسط وهي نقطة لبداية تأزم الأحداث كون أن هذه النقطة هي التي تشعل الفتيل وتصعّد بالأحداث بعد أن يمهد لها، وهي في ذات الوقت تكون المقدمة للصراع أو المقدمة للأزمة التي تفتعل الحبكة وتبلور الصراع، حيث لا قيمة للعمل ما لم تكن هناك أزمات أو يكون هناك صراع لكي تكون الحبكة، حيث ان الحبكة لا يمكن ان تكون ما لم يكن هناك صراع ، وكان الكاتب فخري قسطندي في موضوعه بناء الحبكة قد أكد ذلك حين قال (لا حبكة بدون صراع ولا صراع بدون حبكة) ، وما أن تظهر الأزمة بعد نقطة الهجوم تتوالى أزمات مرتبة ومنتظمة تعقد سير أحداث العمل الدرامي وتخلق في نفس الوقت أزمات درامية أخرى ليكون الصراع متطور ومتشتت ومعقد للغاية من الصعب حله أو فكه وهو الأمر المطلوب في العمل الدرامي الناجح، كون ان الصراع المفضوح أو السهل يكون غير مرغوب لأنه مكشوف ، وكونه لا يحمل من الأسرار ما تحفز المتلقي في أن يكشفها، وفي نفس الوقت يكون المتلقي غير راغب في أن يصارع صراع العمل الدرامي البسيط، أي أن لا يشترك في أحداث الدراما السهلة ، فالمشاهد كثيرا ما يرغب في أن يحل بنفسه التعقيدات الدرامية والأحداث التي يتلقاها على أن تكون معقدة ومحبوكة بالشكل الذي يتواءم وإمكانياته وتوجهاته وهو الأمر الذي يعزز في النتيجة أن يكون العمل ناجح أو مقبول .
إذن لابد من خلق أزمات ، ولابد من هذه الأزمات أن تكون متعددة ومعقدة في العمل ليكون الصراع مركب أو معقد يسهم في تحقيق موازنة درامية مرغوبة ومعقولة في نفس الوقت ، وهذه الأزمات إنما هي الأساس الذي يطور الحبك الدرامي ويشعل الفتيل الدراماتيكي في فحوى الأحداث المتعاقبة ، لذا فان أي أحداث متعاقبة أو متراكبة في سير العمل لا تحدث ما لم تكن هناك مجموعة من الأزمات ، وهذه الأزمات تسلط وتركز الأحداث لتجبرها في نهاية المطاف على أن تتبلور عبر مساحة معقولة من سير العمل الفني .
وبعد أن تتطور الأزمات تكون هناك جملة من التعقيدات التي تكوّن مجتمعة التعقيد أو الحبك، كون ان الأزمات تخلق الحبكة الدرامية أو الصراع والواقع هذا الصراع يبقى مع مرحلة الوسط مستمر ومتناوب ، فمرة نرى إن الصراع يتأرجح مع البطل ومرة أخرى يتأرجح ضد البطل وبشكل متوالي ومستمر حتى تأتي الذروة التي تحسم ذلك التأرجح وتحدد فيما لو ينتصر البطل أو يخسر أمام الخصم ، أي أن الذروة تكون هنا قمة الأحداث التي ستنفرج أو تنحل حلا سلبيا أو ايجابيا ، فالذروة يسعى لها الكاتب دائما ويخطط من بداية الأحداث حتى نهايتها على أساسها كونها المنطق المقنع لكل ما يحدث وكونها المرحلة الأخيرة من الأحداث ، حيث إن الحل ياتي مباشرة بعد الذروة ، وفي أكثر الأحيان لا تكون قيمة للحل إزاء الذروة التي تمهد الى نهاية العمل وتكشف المصير وتنذر بالنهاية فهي قمة التأزم المنفرج أي أنها اللحظة الأخيرة التي ستكشف انتصار البطل أو اندحاره أمام الغريم أو الند أو الخصم .
ويمكن عبر المخطط الآتي ملاحظة التطور والتصاعد الذي يحدث في البناء الدرامي عبر المسيرة التي تبدأ بالبداية وتنتهي بالحل:-
*ـــــــــــــــــــ*ــــــــــــــــ
البداية الوسط النهاية
Set up Confrontation Resolution
سيناريو للسينما وسيناريو للتلفزيون
(موجة هجوم حادة انصبت فوق رأس الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة عندما طرق أبواب السينما في أفلام (كتيبة الإعدام ) ، ( الهجامة ) ، ( تحت الصفر ) ، وقالوا كيف له وهو التلفزيوني ان يدخل أعتاب السينما … وكأنه مبدع أجرم عندما قدم محاولاته السينمائية تلك)(3).
يلاحظ ان الهجوم الذي لحق بالكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة فيه تصور واضح حول الفرق ما بين الكتابة للتلفزيون أو للسينما ، بمعنى ان هناك فرق ما بين الاثنين ، وهنا لابد من الإشارة الى ان هذا الهجوم الذي نتحدث عنه لا يعني ان أسامة أنور عكاشة هو كاتب للتلفزيون فقط ، بل على العكس فالكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة اثبت ومن خلال أفلامه السينمائية قدراته المتميزة في الكتابة ، بدليل انه كتب العديد من الأفلام .
قد يعرض الفيلم السينمائي من على شاشة التلفزيون ويصبح عملاً تلفزيونياً كونه أصبح مادة تلفزيونية تبث عبر ساعات البث التلفزيوني ، إلا ان هناك مسالة في غاية الأهمية وهي الأهداف والأسس التي يستند عليها الفيلم السينمائي قبل ان يظهر على شاشة التلفزيون، حيث ان الإمكانات المادية الهائلة التي تنفق على إنتاج الفيلم السينمائي تتجاوز الحدود المرسومة للإنتاج التلفزيوني، وهو الأمر الذي يدعو في النتيجة الى إن العمل السينمائي يحمل مناخ خاص في الإنتاج والتوزيع والعرض والإيرادات، حيث ان الفيلم السينمائي يحمل من الأجواء ما لا تحمله الاعمال التلفزيونية، وهي ما تمنح العمل السينمائي الخصوصية التي تجعل من الفيلم السينمائي يتميز في الجاذبية أو في الاستقطاب .
إن الأهداف أو الأسس التي يستند بها الفيلم السينمائي يمكن أن تندرج ضمن الصناعة الفيلمية أو التجارة التي تحقق الفيلم وتمنحه الديمومة أو الاستمرار في التدفق لحجم الإنتاج السينمائي، فهذه الأسس إنما تختلف عما عليه في الإنتاج التلفزيوني كونها تتجاوز الحدود المعقولة في الناتج التلفزيوني ، فكميات الأموال التي تنفق في السينما لصناعة فيلم ما إنما هو تكريس وإصرار في الانفراد أو الخصوصية إزاء التلفزيون، كونها أموال تبدو خيالية فعلى سبيل المثال الأجر الذي قد يتقاضاه المؤلف الموسيقي في فيلم سينمائي عالمي قد يصل الى أجرة إنتاج عمل تلفزيوني كامل كما هو معروف في أفلام حرب النجوم أو جيمس بوند أو تايتنك أو ماتركس وغيرها ، فاجرة الموسيقى في فيلم(Dai another day)( مت في يوم آخر )للمؤلف الموسيقي( ديفيد ارنولد) تقترب الى المليون دولار وهو المبلغ الذي ينفق على إنتاج عمل تلفزيوني كامل ، ففي لقاء مع الموسيقار العربي الكبير عمر خيرت ، أجاب عن سؤال وجه له عن أجرة المؤلف الموسيقي في بعض الأفلام الأمريكية كأفلام جيمس بوند أو أفلام المخرج ستيفن سبيلبرغ، إن الأجرة تصل الى مليون دولار وذلك لحجم الإنتاج ولحجم الحالة التي يكون فيها الفيلم السينمائي والبهاء والطبيعة التي يتمتع بها الفيلم عن المسلسل ، والواقع إن الإجابة هذه للموسيقار عمر خيرت تنطبق معه في أعماله السينمائية والتلفزيونية فهو يتقاضى اجر لموسيقاه في الفيلم السينمائي ما يفوق الأجر الذي يتقاضاه في العمل التلفزيوني ففي فلم ( سكوت هنصور ) للمخرج يوسف شاهين تقاضى اجر تفوق عما يأخذه في العمل التلفزيوني، لا لسبب ان الفيلم السينمائي أجوره اكبر من التلفزيون أو من هذا القبيل بل إن الموسيقار عمر خيرت سيبذل جهود أكثر وسيقدم عمل اكبر وأصعب ولربما اعقد ، وذلك لأنه سيتناول الصورة السينمائية من خلال مخيلة له تتفاوت وتختلف مع طبيعة العمل الذي يقدم عليه في التلفزيون، أي إن هناك مخيلة للفيلم السينمائي وتصور غير اعتيادي أمام الاعمال التلفزيونية ، لذلك فهناك كم من التصورات وكم من الجهود للبحث عن ما هو يلاءم المشاهد الضخمة في الإنتاج السينمائي الذي عادة ما يكون في غاية من الدقة والوضوح إبان عرضه من على شاشات العرض السينمائي، سيما وان هناك من الخصوصيات في العرض السينمائي ما تمنح المتفرج مزيد من التمعن أو الإمعان بكل تفاصيل العمل .
إن العرض السينمائي وما يحتويه من خصوصية أو نكهة تمنح الفيلم السينمائي أولويات عديدة في أن يتفوق على العرض التلفزيوني ، فشدة الوضوح أو النقاوة الصورية وعمق الصورة النابع من الأفق الضوئي لطبيعة العرض السينمائي وتضخيم الصوت ورخامته إنما هي أسباب كافية لجعل المتلقي يميل الى المشاهدة السينمائية الضخمة ، أما في التلفزيون وما يحويه من كم هائل وشامل وواسع من الاعمال المتنوعة والأخبار والبرامج فلا يحظى بهذا الميل الذي ينشى عند المتلقي ، وذلك لأسباب أخرى غير التي ذكرناها من عمق ورخامة ودفق ووضوح ، حيث التقاليد في المشاهدة السينمائية أجبرت الى حد بعيد أن تكون مرحلة الاستقطاب عند المتلقي بهذا الشكل أو بهذه الصورة التي تميز السينما ، وهنا لابد من التذكير الى ان التقاليد ليس كفيلة في ان تتفوق السينما على التلفزيون وإنما الأجواء والمتعة والخصوصية للفيلم هي الأساس في أن يكون الفيلم السينمائي بصالة العرض السينمائي هو الأفضل ، ولعل الاعمال السينمائية التي تعرض الآن من على صالات العرض عبر أجهزة التلفزيون ( L.C.D) أو (Data show) وهي تشابه الى ما يعرض في السينما، لعلها دليل واضح على العمق السينما وارجحيتها أو جدواها إزاء التلفزيون ، فهذه العروض عبر (LCD) أو (Data shoe) لم ترتقي الى السينما رغم أنها تعرض نتاجات سينمائية بالأساس ، وهو ما يوعز الى ان السينما تشكل طقوس للعرض لتمنحها الجاذبية والأولوية والأفضلية في الاستمتاع والمشاهدة.
قد تكون السينما متمتعة بهذه الخصال قبل ظهور التلفزيون، إلا أنها تطورت الى حدود واسعة إزاء ظهور التلفزيون، وذلك لخلق منافسة وخلق أفضلية لها بحيث أنها ابتكرت آليات جديدة في التصوير وفي العرض وفي الصوت وفي المونتاج ، أو في التقنيات التي تتعامل معها وهو ما جعلها تتميز لتحافظ على مكانتها ، وهنا تحديداً لابد من الإشارة الى ان هذا الأمر هو الذي ساق الى أن يكون للسينما سيناريو مخالف أو منافس لسيناريو التلفزيون، حيث إن المنافسة والتقنية والطقوس التي يخلقها وغيرها من الخصوصيات للسينما تجعل من كاتب السيناريو أن يتخطى حدود كبيرة كي يكتب للسينما ويقدم رؤيا منفردة ومتقدمة عما عليه في التلفزيون ، ولربما يكون ذات السينارست الذي يكتب للتلفزيون يغير طموحاته وأفكاره ليمنحها الى السينما، وهي ما قد يتشدق بها في نتاجه التلفزيوني المنعكس عن السينما .
إذن السينما تحمل سيناريو يقارع السيناريو التلفزيوني كون أن السينما في كل الأحوال ابلغ وأوسع وأطور ، فكل التقنيات التي تظهر في التلفزيون إنما هي بالأساس تقليد لما يظهر في السينما ، ومن هنا كان للسينما أن تغوص وتبحث بعمق لكي تحافظ على نموذجيتها في العرض عما هو عليه في التلفزيون ، ولكي تصل الى ما ترموا لها فهي في استمرار دائم على عرض المزيد من الحداثة من الابتكارات التي تفوق بكل الأشكال والأحوال ما يتوصل له التلفزيون ، لذلك فان كاتب التلفزيون لا يمكنه ولو حتى التخيل أو التصور الذي يتصوره أو يتخيله بالكتابة للسينما ، أي ان ذات المصدر الذي يكتب للسينما ويكتب للتلفزيون لا يقدم الرؤيا بنوع واحد في الكتابة للسينما وللتلفزيون ، هو يكتب بشكل للسينما ويكتب للتلفزيون بشكل آخر ، فعملية تخيله للأحداث وهو يكتب للسينما غير عملية تخيله لذات الحدث لو فكر ان يكتب للتلفزيون، وكذلك هو الحال ما سيعرض من إمكانيات متوقعة للعرض التلفزيوني هي الأخرى لا يمكن أن تحفز السينارست على أن يكتب بذات الطريقة ، فالسينارست حين يكتب السيناريو يضع بالحسابات الحالة التي تنشا عند المتلقي إزاء العرض وما سيشاهد المتلقي من مناظر ولقطات ، بل إن السينارست يضع في حسابه إن المتلقي الذي يستقبل العمل وهو في المنزل كان يشاهد العمل من على الساتلايت وهو يمسك بيده بجهاز التحكم بالقنواتRemote control) ) سيكون المتلقي بحال مغاير لما هو الحال عندما يكون المشاهد في صالة العرض السينمائي التي تكون بالعادة في عتمة شديدة لإبراز الفيلم الذي يظهر على الشاشة بحجم يفوق حجم شاشة التلفزيون بعشرات المرات ، إضافة الى التركيز المنبعث من الفيلم السينمائي الذي يتواجد دون التلفزيون بحكم ان التلفزيون غالباً ما يكون التركيز فيه اقل منه في السينما حيث تكون العائلة مجتمعة تشاهد البرامج أو الأفلام من التلفزيون وهي لا شك تكون منغمسة في أحيان كثيرة بحديث اسري مع المشاهدة للأحداث في التلفزيون بل إن هناك من العوائق العديدة التي لا تمنح فرصة في أن تكون المشاهدة في التلفزيون مركزة كان يطرق الباب لحضور ضيف مفاجئ أو أن يرن هاتف المنزل أو يصرخ طفل الخ ، ناهيك عن ان الإعلانات التجارية التي تقحم في الأعمال التلفزيونية أو (subtitle)(العناوين الفرعية أو الحاشية – الكلام المطبوع أدنى الشاشة ،الإخباري) أو انقطاع الأعمال في التلفزيون في بعض الأحيان وظهور خبر عاجل أو خطاب مهم أو تافه لرئيس جمهورية (حفظه الله) أو ما شابه ذلك، بينما تنعدم هكذا عراقيل على الإطلاق في السينما ، لذلك يفكر السينارست بان يكتب للسينما كل ما هو ساحر ومثير ومبهر وكل ما هو ينقل الأذهان الى عالم آخر ، أي أن يكتب لأحلام عميقة جداً وان يجسد مالم يكن مجسد بالواقع وان يخرج خليط ما بين الحقيقة والوهم ليحقق حالة تكاد تكون سحر .
الكتابة للقنوات الفضائية
بحكم تعدد القنوات وتنوعها ، وبحكم السهولة التي تتمتع بها القنوات في الوصول الى المنازل وبحكم كل الخصائص التي تمنح القنوات ان تتنافس على الاستقطاب لأكبر كم من المتلقين ، تبلورت جملة من المواصفات والمهام للكتابة في القنوات الفضائية ، فهناك مئات القنوات التي تبث من الأفلام والأخبار والتقارير والبرامج الأخرى المتنوعة، تبث باليوم الواحد ما لا يقل عن عشرين ساعة يومياًَ ، وبطبيعة الحال مثل هكذا قنوات تتنافس في ما بينها لتحصل على مكانة مرموقة، وهذه المكانة لا يمكن أن تترصن أو تتطور ما لم يكون خلفها كادر نشط يعمل بجد لتحقيق كل ما يؤثر ويكسب رضا الجمهور ، وكما ذكرنا إن الجمهور في التلفزيون يختلف عما هو عليه في السينما، وفي أكثر الأحيان يسمى بالجمهور المدلل(1)، كون ان جمهور التلفزيون يتلقى على الحاضر ، أي انه يستقبل البرامج والأفلام وهو بالبيت بينما في السينما يكون عليه الذهاب واجب إن أراد مشاهدة الفيلم ، وعلى اثر ذلك ابتكرت القنوات الفضائية سبل عديدة لكسب المتلقي وبكل الأشكال حيث نرى إنها تعمل جاهدة لعرض المزيد من التنويع والمزيد من الكم للبرامج أو الأعمال السينمائية والتلفزيونية وذلك لكي تحقق ما تروم إليه ، فيكون السينارست في القنوات الفضائية بظروف تختلف عن الظروف التي تتوافر في الكتابة للسينما ، لذلك فقد كان الكتاب للقنوات الفضائية عديدين جداً وبذات الوقت بمستويات تختلف عن مستويات الكتابة للسينما ، فحجم البث وط