الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك بناء حضاري نفخر به
الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك
بناء حضاري نفخر به
أ.د. وليد ناجي الحيالي*
كان الزمن علينا جميعاَ قاسياَ مؤلماَ موجعاَ حيث الغربة والاغتراب وأحلاماَ حائرة في دول الشتات المهجري ونحن نتطلع للوطن وأهله ونخله وسمائه وأرضه، ننشد الأمل والخلاص، والطموح في المساهمة بعملية البناء والتنوير الإنساني الحضاري… فكان هذا وغيره من الأسباب الموضوعية التي حدت بنا لتأسيس مشروعنا الأكاديمي متمثلا في ” الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك” وهو المشروع الذي نهض بتوظيف خبرات العشرات من الأكاديمين والعلماء والمفكرين الذين غادروا الوطن وكانت خسارته بهم كبيرة.
وقد صبَّ مشروعنا بالأساس في خدمة مئات الآلاف من القوى البشرية المغتربة بعيدا خارج الوطن، وهي تتطلع لفرصة حقيقية لإعادة تأهيلها الفني – الأكاديمي. لذلك ومن دون أن ننتظر القادم من خلف حدود دول المهجر والأنفاق المظلمة انبثقت فكرة إنشاء أول صرح جامعي خارج التراب الوطني لأبناء الرافدين وللعرب الراغبين في الحصول على مؤهل يساعدهم على تكوين خبراتهم وتطويرها على وفق سياق أكاديمي منظم يعينهم على تكوين ذواتهم ويؤهلهم لمستقبل مشرق ويعيد الثقة بأنفسهم ويأخذ بأياديهم نحو غد مشرق وأفضل بالتأكيد.
لذلك تجمعت الإرادة الخيِّرة الواثقة لتزيح الظلمة الحالكة متحدة بالإمكانات المادية البسيطة ولكنها المعوِّلة على الخبرات والكفاءات العلمية النادرة التي وحَّدَها هدف رئيس وحيوي مهم هو بناء ما هدمه الزمن وما خرَّبتهالأنظمة الاستبدادية.
وهكذا قدَّمت وتقدم تلك الكوكبة من الأساتذة والعلماء أروع أمثلة التضحية ونكران الذات مصممة عازمة على الانتصار للإنسان المعذب المحروم والمغيب. وبهذه القوة والعزم وذيَّاك التصميم أثبت أبناء الرافدين في دول الشتات على المضي نحو تقديم نموذج نفتخر به جميعاَ مؤسسين جامعتنا الأولى لتعليم أبناء الوطن على اختلاف انتمائاتهم القومية والدينية مجسِّدين حقيقة وحدة العراق الذي عجز عن تحقيقه ساسة كُثُر عبرالزمن.
إنَّ كلّ كوادر وهيئات الأكاديمية من أساتذة وعلماء وموظفين وطلبة يجتمعون تحت خيمة علم العراق العلمي الذي يرفرف اليوم في وسط أوروبا ولسان حال الجميع يعبِّر برصانة العقل والعلم والمعرفة عن حضارة عريقة مقدمين أنفسهم على نحو يحترمه العالم المتقدم المتحضر. ونموذج العطاء هذا الذي شيَّدناه ممثلاَ بالأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك هو ما نفخر به وبإنجازنا إياه وهو الراية الخفاقة التي نضعها بين أيدي جميع طالبي العلم من مختلف أرجاء معمورتنا وجالياتنا التي تودّ أن تنهل معارفها باللغة العربية…
لقد بدأنا خطوات حثيثة صادقة عازمة مؤمنة بالمستقبل المشرق حيث أن البواعث النبيلة لهذا الصرح الوليد لابد أن تجعلنا واثقين من أنه سوف يجد في الغد القريب أبواباَ واسعة رحبة لنموه وتطويره. ولعل أولى بشائر الأمل بدأت تصل إلينا عبر إشارات وصلتنا من أطراف عدة داخل دول الاتحاد الأوروبي لمواصلة العمل بهدف تحقيق تلاقح ثقافي حضاري بين الشعوب. كنت وزملائي منذ البداية نراهن على عامل الزمن موصولاَ بالعمل الجاد الذي دونه لا يمكن أن نصل إلى ما نصبوا إليه من أهداف نبيلة لهذا المشروع الإنساني الذي يحمل عنوان ” الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك”.
ولا يساورني أي شك أن أبواب الوطن هي مشرعة لنا في القريب العاجل بشكل أوسع وأوضح لا محال لكي تساهم هذه الأكاديمية مع زميلاتها في العراق ببرامجها وخططها العلمية المتقدمة التي صممت بخبرات الأكاديميين العاملين فيها بعد ما نهلوا من بحور المعرفة في بلدان المهجر الأوروبي لكي يضيفوا إلى ينبوع الحضارة العراقية والعربية على حد سواء.
إن أبناء الوطن هم بحاجة أكبر من أي وقت لمعارف حقيقية تجمع الحداثة والتنوير بعد تعطيل لدور المعرفة ولزمن ليس بالقصير في بلادنا. ومن أجل ذلك نأمل أن نجد من عراقنا الذي هو المعني بنا قبل الـ “غير” أبواباَ للولوج إليه. كما نتطلع لأبواب مشرعة من جالياتنا في البلدان الأوروبية ومجموع البلدان العربية المتفتحة على آفاق البناء والتجديد والتحديث، فيما نمثل لهم جميعا بوَّابة إلى عوالم المعارف والعلوم المتجددة في الساحة الأوروبية والعالمية، علما أن جهاز الأكاديمية العربية المفتوحة قد توسَّع ببنيته لدرجة وافية لتقديم بحوثه وإمكاناته المعرفية لمزيد من طلبة العلم ومزيد من فاتحي أذرعة الفاعل والتعاون…
* رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك
https://www.ao-academy.org