اتجاهات إعلامية معاصرة 2
الفصل الثاني
النشر والطباعة
PUBLISHING & PRINTING
لم تعرف البشرية الطباعة إلا منذ نحو خمسة قرون مضت، عندما اخترع الألماني يوحنا غوتنبرغ أول آلة لطباعة الحروف بدلاً من النسخ اليدوي، وهو ما مهّد لعصر الطباعة والنشر، الذي تزامن مع الثورة الصناعية، في أوربا وأميركا، بيد أن رحلة الإنسان مع الرموز والكلمات والحروف تمتد إلى فجر الحضارة،وقد ارتبطت هذه الرحلة الطويلة بتطور ونمو العقل البشري وتراكم المعرفة المتوارثة، من جيل إلى جيل.
لقد حرص الإنسان على تجاوز حواجز الزمان والمكان، في نقل المعلومات وتبادل المعرفة والحوار مع الآخرين،عبر وسائل متعددة،لعل من أهمها الكتابة والتدوين،واستخدام مواد بدائية في رسم الصور والحروف مثل الصخور وألواح الطين وأوراق الأشجار والجلود والخشب،حتى تم تصنيع الورق،ثم اختراع الطباعة، لتدخل الحضارة البشرية في ثورة معرفية هائلة،من أبرز عناوينها التفكير العلمي، وأدواتها الكتاب والمكتبة والمدرسة والجامعة، ويمكن إيجاز تلك المراحل فيما يأتي:
ألمبحث الأول: عصر الكتابة والتدوين
أولاً: تطور وسائل الاتصال وتداول المعلومات
يمكن توضيح تطور استعمال الإنسان لوسائل الاتصال والمعلومات من خلال المراحل الآتية:
1ـ مرحلة الإشارات الجسدية البدائية والأصوات غير المفهومة،التي استخدمها الإنسان في التفاهم والتواصل،مع الآخرين، قبل عصر اللغة، منذ نحو مائة وخمسين ألف سنة.
2 ـ مرحلة اللغة المنطوقة الشفهية،التي ارتبطت بتكوين الأسرة والقبيلة،إذ برزت الحاجة إلى وسيلة للتفاعل الاجتماعي، من خلال استخدام القدرة على إنتاج الأصوات،وتشكيل ودمج تلك الأصوات في تكوين كلمات وجمل وعبارات،تمثل قاعدة مشتركة للتواصل والحوار، وقد استطاعت كل جماعة بشرية التوصل إلى لغتها الخاصة، التي استندت إليها، فيما بعد، في تكوين ثقافتها وشخصيتها القومية المتميزة. وبالطبع فإن اللغة المنطوقة ظلت مقيدة بضرورة اللقاء وجها لوجه، بين البشر، أي أنها تقتضي حضور أكثر من شخص، في مكان وزمان محددين لكي يتحقق التواصل بينهم، كما أن الحاجة ظلت قائمة إلى استعمال وسائل غير صوتية أحياناً، مثل تعابير الوجه وحركات الجسد، من اجل إيصال المعنى بطريقة واضحة.
3 ـ مرحلة الكتابة الصورية( المسمارية والهيروغليفية) على الصخور وألوح الطين وأوراق البردي، التي سادت في الألف الرابع قبل ميلاد السيد المسيح(ع)،أي منذ نحو ستة آلاف عام،وهي أول محاولة بشرية لكسر حاجزي (الزمان) و(المكان)، من خلال التعبير عن فكرة ما أو رسالة ما، عن طريق التجسيد الصوري، والاتصال بأشخاص آخرين،في أماكن متباعدة، أو في أوقات مقبلة،وهذه تعد أول ثورة معلوماتية حقيقية، في تاريخ البشرية!
4 ـ مرحلة التدوين والنسخ باستخدام الحروف بدلاً من الصور،حيث استطاع الإنسان أن يستخدم وسيلة تجريدية،أكثر سهولة وسرعة في التعبير، ويضع في مقابل كل صوت حرفاً، ثم يتم تجميع الحروف في كلمات وجمل مفهومة،وقد تزامن ذلك مع نزول الكتب السماوية المقدسة، وتوسعت هذه الطريقة بصفة خاصة مع انتشار المسيحية، ثم تطورت بعد نزول الرسالة الإسلامية. ولا شك أن اختراع الحرف المكتوب،قد أدى إلى ظهور الكتاب وبناء المكتبة، وازدهار صناعة النسخ والتدوين والتجليد،وافتتاح أسواق الوراقين،بعد أن انتشرت صناعة الورق، وتم الاستغناء عن المواد القديمة مثل الطين والبردي والخشب والجلود. وفي هذه المرحلة أصبحت القراءة والكتابة من المهارات الشائعة والمرغوبة، كما باتت موهبة التأليف والإنتاج الفكري والعلمي من المهن الراقية في المجتمع، وذلك على الرغم من محدودية أعداد الكتب المنسوخة وارتفاع أثمانها. لقد أصبح الكتاب جزءاً مُهمّاً ومؤثراً في الحياة الإنسانية،ووسيلة لحفظ ونقل خلاصة التفكير والإبداع.
5 ـ مرحلة الطباعة الميكانيكية، التي بدأت باختراع (غوتنبرغ) آلة تستطيع طباعة عدد غير محدود من النسخ، وسرعان ما تطورت باستخدام قوة البخار والديزل والكهرباء،لكي تتيح طباعة آلاف النسخ من الكتب والصحف والمجلات،ويمكن القول إن عملية الطباعة والنشر قد أصبحت، منذ ذلك الوقت صناعة ضخمة،توظف فيها الأموال، وتستهلك آلاف الأطنان من المواد الأولية والصناعية مثل الورق والحبر والأفلام والمواد الكيمياوية،فضلاً عن تزايد الحاجة إلى الأيدي الماهرة والمدربة.
إن عصر الطباعة والنشر الورقي قد شهد قفزات عديدة، من خلال ضخامة الإنتاج الفكري، وتنوع مجالاته، وانتشار التعليم، في كافة مراحله،وانخفاض أسعار المطبوعات،بيد أن هذه الصناعة لا تخلو من جوانب سيئة مثل تلويث البيئة،واستهلاك أشجار الغابات في تصنيع الورق،والمخاطر الصحية الناجمة عن مواد الرصاص والزنك واللدائن والأحبار المستخدمة في الطباعة، إلى جانب صعوبة الحفظ والتنظيم والأرشفة، مع تزايد المعلومات وتراكمها بصورة سريعة ومستمرة.
6 ـ مرحلة الإذاعة ( السلكية ثم اللاسلكية)،ونقل الصوت لأول مرة إلى مسافات بعيدة، من خلال الموجات الكهرومغناطيسية، بسرعة تصل إلى سرعة الضوء،وذلك منذ نحو مائة عام، حيث استخدم( الراديو) كوسيلة إعلامية جماهيرية،وهو يعد أول خطوة نحو ما يسمى بعصر الاتصال الإلكتروني، الذي تميز بالسرعة والفورية والانتشار الواسع،وسقوط الحواجز الجغرافية والسياسية في بث المعلومات، ومخاطبة قطاعات عديدة من الناس،حتى الذين لا يجيدون القراءة والكتابة.
7 ـ مرحلة الإذاعة المرئية( التلفزيون)، منذ أكثر من نصف قرن،حيث تم نقل الصورة والصوت معاً،إلى جانب الألوان والحركات والفنون التمثيلية،عبر مسافات بعيدة، من خلال تقنية الأقمار الاصطناعية.
8 ـ مرحلة الاتصال الإلكتروني التفاعلي، من خلال الحاسوب،منذ نحو ربع قرن، والاتجاه نحو اندماج (الوسائط المتعددة) في شبكات المعلومات، التي وصلت ذروة تطورها في شبكة( الإنترنيت).(1)
لا بد من الإشارة هنا إلى حقيقة أن هذه المراحل المتعاقبة،قد شغلت حقباً تاريخية متباينة،فالانتقال من عصر اللغة المنطوقة إلى عصر الكتابة استغرق عشرات الآلاف من السنين، في حين أن الفترة الزمنية بين اختراع كل من الراديو والتلفزيون والحاسوب لا تزيد عن خمسة وعشرين عاماً!
والحقيقة الأخرى أن هذه الوسائل المعلوماتية،ظلت قيد الاستعمال من قبل البشر،في آن معاً،ولم يلغ بعضها بعضاً، أي أن الناس ما زالوا، وسيظلون، يتحدثون وجهاً لوجه، ويكتبون ويقرءون ويرسمون ويستمعون إلى(الراديو) ويشاهدون(التلفزيون) ويستعملون الحاسوب والإنترنيت، ولسوف يستمر التعايش والتنافس بين الكتاب والصحيفة والمجلة والراديو والتلفزيون والحاسوب،حتى وقت طويل مقبل!
ثانياً: مهنة القلم وعصر التدوين
بدأ فجر الحضارة الإنسانية، في مطلع عصر الزراعة والاستقرار،ومن ثم ابتكار الكتابة والتدوين لحفظ وتداول منجزات العقل البشري، وقد ورد في منزلة القلم «ن والقلم وما يسطرون»، وهي فاتحة سورة القلم المكية، التي نراها تجمع بين الماء والكتابة جمعاً منسجماً، فالماء بداية الخلق، والكتابة أول الحضارة. وقد ذكر القرآن الكريم مواد الكتابة من المداد والأقلام والألواح والرق وغيرها، مرات عدة، كما ورد لفظ (الكتاب) في النص القرآني(230) مرة، ومفردة ( كتب) وردت(321) مرة،مما يعني أن المجتمع العربي قد عرف الكتابة واستعمل أدواتها قبل نزول الرسالة الإسلامية،على الرغم من أن القرآن الكريم يعد أول كتاب منشور باللغة العربية، ولمنزلة القلم الرفيعة اعتنى الكُتاب الأوائل بأدوات وآلات الكتابة عناية فائقة، فكانوا يختارون دَوّيهم وأقلامهم بخبرة وذوق، ويتفاخرون في مجالسهم بأناقة الدَوَاة ورشاقة القلم ونوع (الكاغد) والحبر. وتختلف آلة الكتابة ونوعية الورق حسب منزلة الكاتب ومهام الديوان، فدَوّي المعلمين وأقلامهم غير دَوّي وأقلام كُتاب دار الخلافة والوزارة، أو ما يعرف بديوان الإنشاء، كذلك يختلف الورق المستعمل للرسائل الرسمية عن المستعمل لسجلات المال.
ورغم ما للسَّيْف من دور في مجرى الحضارات، وتداول الأيام إلا أن ابن الرومي أراد للقلم السطوة فقال:
كذا قضى الله لِلأقلام مُذْ بَريَت
إن السُّيوفَ لها مُذْ أُرهِفت خَدَمُ
وربما واقع الحال وتاريخ غابر من خضوع الثقافة إلى السياسة جعل المتنبي يقول:
حتى رَجعتُ وأقلامي قوائُل لي
المجدُ للسَّيْف ليس المجدُ للقلمِ
اكتب بنا أبداً بعد الكتاب به
فإنما نحن للأَسياف كالخدمِ
واهتم مصنفو كتب الأدب العامة بمنزلة القلم وتفاصيل أدوات الكتابة الأخرى، فتحدثوا عن أشكال الأقلام والمحابر، وآداب حملها وأنواع القصب الذي تصنع منه، والمناطق التي يجلبُ منها أجود قصب الأقلام، وخص المؤرخون بهذا الفضل قصب منطقة كسكر (بدائرة واسط) بجنوب العراق. ووصف الأولون الدواة بأم آلات الكتابة، والقلم «أشرفها وأعلاها رتبة، إذ المباشر للكتابة من دون غيره، وغيره من آلات الكتابة كالأعوان» (القلقشندي، صبح الأعشى). وحدد الوزير والكاتب ابن مقلة (ت 328هـ) حجم القلم المناسب للكاتب البارع «ما كان طوله من ستة عشر إصبعاً إلى إثني عشر»، ومادة صناعته نبات القصب «أقله عُقداً وأكثفه لحماً، أصلبه قشراً، وأعدله استواءً» (النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب). وقد يتعالى الكاتب الجهبذ عن بري قلمه، وهو منه «كمحلِّ الرمح من الفارس»، فيُبرى له، لأنه «يرى في ذلك مهنة يترفع عنها» (الصولي، أدب الكُتاب). قال الشاعر ذامّاً المترفعين عن بري أقلامهم:
دخيل في الكتابة ليس منها
فما يدري دبيراً من قبيل
إذا ما رام للأنبوب برياً
تنكب عاجزاً قصد السبيل
ولبري القلم أو قطّهِ، بالمبراة أو المِقَط، أُصول يلتزم فيها الكُتاب، حددها مسلم بن الوليد الأنصاري بالقول: «حرّف قَطَّة قلمك قليلاً، ليتعلق المداد به، أرهف جانبيه ليرد ما استودعته إلى مقصده، وشقَّ رأسه شقاً غير عاد، ليحتبس الاستمداد عليه، ورفّع من شعبتيه ليجمعا حواشي تصويره». ومن محاذير بري الأقلام، لا يجوز بري المبلول منها «حتى يجف لئلا يتشظى» (الصولي، أدب الكُتاب). وما يحتاج إليه الكاتب هو «جودة بري القلم، وتحريف قطته، وحُسن التأتي لامتطاء الأنامل» (نهاية الأرب). والغاية من التزام جودة البري عزف الحروف الجميلة على الورق، فبعض الكُتاب قال: «القلم الرديء كالولد العاق». ولأنه «لسان اليد» و«يجري في الصحف كالماء السائح» و«سفير العقل ورسول الفكر» و«يزف بنات القلوب إلى خدور الكتب» فلا يهم أن يكون القلم بين أنامل رجل أو أنامل امرأة، قال الشاعر واصفاً جارية خطّاطة:
وزادت لدينا حظوة ثم أقبلت
وفي إصبعيها أسمر اللون مرهف
وُصفتْ الدواة بخزينة الأدب، وهي وعاء تحتوي على القلم والمحبرة والمبراة والملواق (عود لتحريك الحبر)، والمسطرة، لتسطير ما يُراد كتابته، والمصقلة، لصقل الكتابة بماء الذهب، والكرسف، والمسقاة (لصب الماء في المحبرة). وتسمى أيضاً الماوردية «فغالباً ما يجعل في المحبرة عوض الماء ماء ورد، لتطيب رائحته» (القلقشندي، صبح الأعشى). ويحمل دَوّي الكُتاب، من المحظيين، غلمانهم بمهارة فيدلفون بعدهم إلى مجلس الخليفة أو الوزير بكل هيبة، فلا يليق بالكاتب المتقدم أن يحمل دَوَاته بنفسه. وأن لا تسقط من اليد ولا يكون شكلها ورائحتها ما يكرهه صاحب المجلس. لذا من فن صناعة الدَوَاة أن تُحلى بعناية ولطف، خالية من الثنيات أو النقوش والصور، فكل هذه الأشياء تمنع تنظيفها من الحبر، الذي يشوه شكلها، ويبعث منها رائحةكريهة.
قال محمد بن يحيى الصولي (ت 335هـ): «حكم الدواة أن تكون متوسطة في قدرها، نصفاً في قدها، لا باللطيفة فتقصر أقلامها، ولا بالكبيرة فيثقل حملها. لأن الكاتب، وإن كان وزيراً، له مائة غلام مرسومون بحمل دَوَاته، مضطر في بعض الأوقات إلى حملها، ووضعها ورفعها في يد رئيسه، حيث لا يحسن أن يتولى ذلك منها غيره، ولا يتحملها عنه سواه» (أدب الكُتاب). وتصنع الدَوَاة، عادة، من خشب الأبنوس أو الصندل، ولكن الكُتاب في القرن الثامن الهجري وما بعده، (حسب القلقشندي)، رغبوا عن الدَوّي الخشبية وأخذوا يستعملون النحاسية والفولاذية غالية الثمن. وكانت دَوّي النحاس أكثر استعمالاً من دَوّي الفولاذ، لأن الأخيرة خاصة بديوان الوزارة وما ضاهاها من الرتب (صبح الأعشى). تختلف أشكال الدَوّي باختلاف رتب الكُتاب. فكُتاب ديوان الإنشاء «يتخذونها مستطيلة مدورة الرأسين، طلباً للخفة»، وكُتاب الأموال «يتخذونها مستطيلة مربعة الزوايا، ليجعلوا في باطن غطائها ما استخفوه مما يحتاجون إليه من ورق الحساب الديواني المناسب لهذه الدواة في القطع». ويكره الكُتاب أن يحملوا ما يعرف بالمرفع، لرفع دَوّيهم عن الأرض، فاستعمال هذه الآلة يعد نقصاً في مهارة الكاتب. لأحمد بن محمد بن اسحق في شأن مرفع الدَوَاة قول: «دخلت أنا وأبو علي ابن المرزبان على يحيى بن مناوة الكاتب، وبين يديه مرفع، قد قارب صدره عليه دواته، فقلت لابن المرزبان: أما ترى هذا المرفع، فقال: هذا مرفع وصاحبه رقيع لا رفيع» (الصولي، أدب الكُتاب). كذلك يكره الكُتاب، من أصحاب الدواوين، المحبرة المفردة عن الدواة، فهذا من عادة النساخ لا الكتاب، وقيل: إن المحبرة من غير دَوَاة «آلة النسخ، الذي هو أشد الحِرف، وأقلها كسباً». ويروى أن الحافظ والمحدث شعبة بن الحجاج (ت 160هـ) «رأى في يد رجل محبرة، فقال له: ارمِ بها فإنها مشؤومة، لا يبقى معها أهل ولا ولد ولا أم ولا أب». ومع ذلك جعل عبد الله بن المبارك (ت 181هـ) المحبرة آلة رزق، فقال: «مَنْ خرج من بيته بغير محبرة وأداة فقد عزم على الصدقة» (صبح الأعشى). ولا يحبذ أن يكون في الدَوَاة أكثر من أربعة أقلام.
ومن آداب الكتابة أن يحافظ على نظافة الدَوَاة وإدامتها بالملح والكافور، كل يومين أو ثلاثة أيام منعاً للرائحة الكريهة، فالحبر يركب من مواد يدخل فيها العسل والصمغ وسخام النفط وغيرها. قال محمد بن عمر المدائني في صيانة الدَوَاة:
جوّد دَوَاتك واجتهد في صونها
إن الدَوّيَّ خزائن الآداب
ومن اللافت للنظر خلو المتاحف العربية والإسلامية تماماً من بقايا دَوّيِّ الكتابة، كدواة كاتب وزير أو خليفة، أو دواة من دَوّيِّ دواوين الرسائل، مثلما حُفظت آثار السلاح من سيوف ودروع، وآثار النقود والمنابر، رغم صخب عالم الكتابة بالأدوات والمعدات، وقد كانت له تقاليده وورشات صناعته. لم يبق أثر من هذا العالم غير ما صنّفه الصولي في «أدب الكُتاب»، وما نُقل عنه في كتب الأدب العامة.(2)
المبحث الثاني:عصر الطباعة والنشر الورقي
أولاً ـ اختراع وتطور الطباعة على الورق:
الطباعة هي أبرز وسائل الاتصال في العصر الحديث، وتعتمد عليها معظم الأعمال الفكرية والعلمية والثقافية والإدارية، فإعلانات البضائع، وبطاقات الأسعار، والكتب المدرسية، والأوراق المالية، وبطاقات السفر ما هي إلا مطبوعات، فضلاً عن الكتب والصحف والمجلات،التي تطبع يومياً منها ملايين النسخ، وتستهلك فيها آلاف الأطنان من الورق.
ارتبطت الطباعة بعصر الصناعة، فالطباعة نوع من الصناعة، التي تداخلت فيها عناصر فكرية ومادية واقتصادية وفنية واجتماعية،وإذا كان المؤلف يمثل أساس عملية النشر،من خلال موهبة الإبداع الثقافي أو العلمي، وصياغة النص المكتوب وتقديمه إلى الناشر، فإن تصنيع الكتاب المخطوط وتحويله إلى كتاب مطبوع يمر عادة بمراحل عديدة من التجهيز والإعداد والطبع.
وقد عرف الإنسان فكرة الطباعة، منذ فجر التاريخ، عن طريق ضغط الأشكال المراد التعبير عنها على الصلصال الطري. ويُعتقد أن الصينيين هم أول من عرف فن الطباعة بشكله الحديث، حيث استخدموا قوالب الخشب المحفور عليها أشكال مختلفة، فكانت تبلل بالأصباغ ثم تضغط على الورق. ويعد الصيني بي تشينج (Bi-Sheng ) أول من قام باختراع حرف مستقل لكل رمز من رموز اللغة عام 1045، إلا أن تلك الفكرة لم تلق قبولاً لدى الصينيين نظراً إلى كثرة الرموز المستخدمة في اللغة الصينية.
ولم تعرف أوروبا الطباعة، حتى وقت قريب، ففي الوقت الذي كانت فيه أمم المشرق تستخدم القوالب الخشبية، كان الأوربيون ما يزالون ينسخون الكتب والرسائل بأيديهم. وأول ما طبع الأوروبيون باستخدام طريقة القوالب هي صورة للقديس كريستوفر عام 1423م، وبعد ذلك انتشرت طباعة الكتب في أوروبا باستخدام تلك الطريقة.
وفي عام 1440، قام جوتنبرج (Johann Gutenberg ) بثورة في الطباعة، حينما استخدم الحروف الطباعية المتحركة في آلة طباعة خشبية واحدة.
وبدخول أوروبا عصر النهضة ازدادت الرغبة في التعلم، تبعها ازدياد الحاجة إلى أسلوب جديد في الطباعة أكثر سهولة وفعالية، فتوالت الاختراعات في مجال الطباعة واحداً تلو الآخر. ففي عام 1800، تمكن مخترع إنجليزي من اختراع آلة طباعة كاملة من الحديد، وفي عام 1811، قام الألماني فريدريك كويننج (Friedrich Koening ) باختراع آلة طباعة أسطوانية تعمل بالبخار، الأمر الذي زاد من كفاءة الطباعة وسرعتها.
ولم تقف الاختراعات الأوروبية عند هذا الحد، ففي عام 1826، قام عالم الطبيعة الفرنسي جوزيف نيبس (Joseph Niepce ) باختراع أول آلة تصوير ضوئي في العالم، الأمر الذي فتح المجال واسعاً أمام العديد من الاختراعات الأخرى في مجال الطباعة، مثل طباعة القوالب (الأكليشيهات (Photoengraving ) التي اخترعها فوكس تالبوت (Fox Talbot ) عام 1852، وطباعة الصفائح الضوئية ((Photolithographyالتي اخترعها ألفونس بوافا (Alphonse Poitevin) عام 1855. وقد أدت هذه الاختراعات إلى ظهور طباعة (الأوفسيت) في أوروبا في مطلع القرن العشرين.
أما أمريكا، فقد دخلت مضمار الطباعة متأخرة نسبياً، ففي عام 1846، اخترع الأمريكي ريتشارد هيو (Richard Hoe ) آلة الطباعة الدوارة التي تم فيها توصيل حروف الطباعة بأسطوانة دوارة، ثم استخدمت أسطوانة أخرى لتثبيت الطباعة. ووصلت سرعة تلك الآلة إلى 8000 صفحة في الساعة، ثم اخترع وليام بلوك (William Bullock ) عام 1863م آلة لطباعة الصحف ذات تغذية ذاتية من الورق الملفوف على بكرات، الأمر الذي زاد من كفاءتها وسرعتها. وفي عام 1871، طور ريتشارد مارش( Richard Marsh) هذه الآلة لتنتج 18 ألف صفحة في الساعة.
في عام 1884، قام أوتمر مارجنثالار (OttmarMergenthalar) بصناعة قطعة معدنية تحتوى على قوالب معدنية تمثل كل الحروف المستعملة منضدة بجوار بعضها بعضاً، وقد أطلق عليها اسم “خط الحروف الطباعية(” (Linotype وقد استخدمت هذه الآلة في طباعة جريدة نيويورك تريبيون عام 1886. وبعد عدة سنوات استطاع تولبرت لانستون (Tolbert Lanston ) اختراع آلة لجمع الحروف المستقلة، تتألف من وحدتين رئيسيتين؛ هما: وحدة لوحة المفاتيح، ووحدة صب الحروف.
ثم قام الأمريكيان ماكس ولويس ليفي (Max & Louis Levy ) باختراع شاشة التلوين النصفي (Halftone Screen )، الأمر الذي مهد الطريق أمام ازدهار طباعة الصور في مختلف المواد. ومع بداية القرن العشرين تمكن الأمريكي آيرا روبل (Ira Ruble) من استخدام طباعة( الأوفسيت) التي انتشرت على نطاق واسع.ثم قفز فن الطباعة قفزات واسعة ليساير النهضة العلمية، والتقدم التقني في العصر الحديث، فمع اختراع أجهزة الحاسوب أصبح صف الحروف وتنسيقها يتم باستخدام تلك الأجهزة، ثم تعدى ذلك إلى استخدام أشعة الليزر في تنسيق الحروف، والتقاط الصور، وفصل الألوان، وتنسيق الصفحات.(3)
وبصورة عامة يمكن تحديد ثلاث مراحل من التطور مرت بها الطباعة:
1 ـ طابعة الليتر بريس: Letter Press
وهي وليدة أول ماكينة طبع في التاريخ، وتعتمد في عملها على رصف حروف رصاصية بارزة وصور محفورة عكسياً على (اكليشهات) خشبية أو معدنية، بالضبط كالأختام، توضع تلك (الإكليشهات) على الماكينة المعروفة بأصواتها الرتيبة، التي تحركها ذهاباً وإياباً بين المحبرة ومنصة الدمغ، حيث الورق الذي ينقل من الرف إليها ورقة بعد أخرى، بواسطة مصاصات هوائية.
هذه الطريقة تكاد تختفي من أغلب دور الطباعة، بيد أنها ما زالت تستخدم في الطباعة بشكل محدود جداً، وأغراض خاصة،مثل البطاقات والأوراق الإدارية،وذلك لرخص ثمنها.
2 ـ طباعة الأوفسيتOffset
أصبحت طباعة (الأوفسيت) الأكثر شيوعاً وانتشاراً، منذ نصف قرن،وقد تميزت بضخامة الإنتاج والسرعة والمرونة،بيد أنها لا تصلح إلا لطباعة أعداد كبيرة من النسخ، حيث تتميز بكلفتها المرتفعة،بسبب تعدد المواد المستخدمة فيها، وتتضمن عدة خطوات:
خطوات طباعة الأوفسيت:
*التصميم:إن عملية تصميم المطبوع تشبه الخارطة التي تسبق عملية البناء،فالمصمم غالباً ما يضطلع بعدة أعمال من أهمها:
أ- تحديد حجم المطبوع في ضوء النسخة المخطوطة،وتقدير عدد(الملازم) الورقية.
ب- تحديد نوع ووزن وسمك الورق المستخدم في الطباعة.
ج- تصميم الغلاف، وإعداد العنوان والصور والأشكال والألوان التي تحدد المظهر الخارجي للمطبوع.
د- تحديد أنواع الحروف وأحجامها، وتنظيم العناوين الرئيسية والفرعية والهوامش.
هـ- توضيب الصور والرسوم والجداول والخرائط وغيرها من المؤثرات البصرية التي تدعم النص وتكمله.
* التنضيد( أو صف الحروف):
تعد عملية التنضيد أو صف الحروف أول خطوة،في تحويل المخطوط إلى حروف طباعية،وقد كانت هذه العملية تتم بالجمع اليدوي للحروف الرصاصية، ثم استخدمت طريقة الجمع الساخن أو الآلي بواسطة آلة( المونوتيب)،ثم(اللاينوتيب)،لكن هذه الطريقة أصبحت قديمة ونادرة، وقد استعملت بعدها طريقة التنضيد التصويريPhoto setting حيث استبدلت مخازن الحروف الرصاصية بقطعة اللادن الشفاف( الفلم) الذي تطبع عليه الحروف بطريقة سالبة،بيد أن الوسيلة السائدة اليوم هي استخدام الحاسوب،وبرامجه المتخصصة في معالجة الكلمات والنصوص والصور.
* التدقيق والتصحيح:
بعد انتهاء عملية التنضيد أو تجميع الحروف، سواء بالجمع الرصاصي أو التصويري أو بالحاسوب،يتم سحب نسخة ورقية أولية من النص المطبوع، لغرض إجراء التصحيح والتدقيق، لتجنب الأخطاء المطبعية، ثم تعاد النسخة المصححة إلى الطبّاع لإجراء التعديلات والتصويبات الضرورية.
* الإخراج الفني:
الإخراج يعني تنفيذ التصميم على الورق، بعد إكمال تنضيد الحروف، ويجري الإخراج بطريقتين:
1-الإخراج على الورق: حيث يتم تقطيع النص المطبوع، وتوزيعه على الصفحات والمساحات المخصصة، من خلال اللصق بصمغ خاص على ورق قياسي( ماكيت)، كما يجري إدخال الصور والرسوم وغيرها من الأشكال.
2- الإخراج الإلكتروني: يتم إجراء عملية الإخراج حاليا باستخدام برامج حاسوبية متخصصة،حيث يتم توزيع النص والرسوم والصور،واعدا الشكل النهائي لصفحات المطبوع، على الشاشة، دون استخدام المواد اللاصقة أو أدوات القص واللصق.
* التصوير الطباعي والتقطيع:
بعد إكمال تصميم وإخراج الصفحات، يتم تصويرها على فلم طباعي، بمساحة ورق الإخراج، وعند إظهار الفلم السالب بالمحلول الكيمياوي، يقوم المخرج بإجراء التعديلات واللمسات الفنية، من أجل توضيح الكلمات والصور، وتسمى هذه العملية بالتقطيع( المونتاج).
* الفرز واستخراج الأفلام :
في هذه المرحلة يتم إعداد العمل الملون من خلال تخصيص فلم لكل لون من ألوان العمل.ويصور فلم بمساحة( 100سم×70 سم)أو( 50سم×70سم) لكل لون من الألوان الأساسية الأربعة( الأسود والأحمر والأزرق والأصفر).
* ترتيب الأفلام وتوزيع الصفحات :
معظم الأعمال الطباعية تتم على حجم كبير، من الورق، يقسم إلى عدد من الصفحات في آن معاً، تثنى وتطوى بعد الطبع، لذا فمن المهم أن ترص صفحات العمل بحيث تتسلسل الصفحات بعد الطي، أضف إلى ذلك أن من أهم الأمور في الطباعة الملونة أن تتراص أجزاء كل صوره وألوانها، على بعضها البعض، لتكوّن المطبوع الملون ،وهو أمر من اختصاص فنان الترتيب والتقطيع( المخرج الفني).
* الألواح المعدنية( بليت الزنك) :
تثبت الأفلام فوق ألواح الزنك، ويتم تعريضها للضوء لبضع لحظات، ومن ثم تحمض الألواح وتغسل بالأحماض الفوتوغرافية المعروفة.
* تثبيت الألواح :
تثبت أربعة ألواح، لكل صورة ملونة، على أسطوانات ماكينة الطبع (مكائن الأوفسيت قد تكون ذات اسطوانة أو اثنتين أو أربعة أو ستة أو ثمانية)، وفي مكائن الأسطوانة والأسطوانتين يطبع اللون الأول، ثم يترك الورق ليجف، ثم يوضع اللوح الثاني، ويعاد تمرير الورق..وهكذا دواليك حتى تتم طباعة الألوان الأربعة.
* التصحيف أو الثني:
تتم الطباعة عادة على ورقة كبيرة مساحتها(100سم×70سم) لعدد من الصفحات في آن واحد، وما أن يجف الورق حتى تتم عملية التصحيف والطي على ماكينة خاصة.
*عملية الفرز والتجميع والقص:
تفرز بعدها محتويات كل مطبوع على حدة وتجمع، ثم تقص الزوائد بواسطة مقص كبير.
* التغليف :هو على عدة أنواع أهمها:
– التجليد الفني وهو التجليد الكرتوني السميك.
– تجليد الصمغ الحار وهو تجليد الكتب والقصص ذات الغلاف الورقي.
– التجليد بالدبوس: وهو ما يستخدم في الكتيبات والمطبوعات الصغيرة.
مميزات طباعة الأوفسيت:
• إنها أرخص طريقة معروفة للاستنساخ لأكثر من 500 نسخة.
• توجد أحبارها وقطع غيارها في أغلب الأسواق، مما يقلل تكلفة، الصيانة ويؤثر في أسعار الطباعة.
• طباعة مليون نسخة، لا تمثل مشكلة، فمطابع الأوفسيت الشبكية قادرة على توفير ذلك، وفي أوقات قياسية.
عيوب طباعة الأوفسيت:
• إنها صناعة ضخمة، وبحاجة إلى أيدي عاملة فنية، واستثمارات خيالية، في بعض الأحيان.
• تتضمن مراحل وخطوات عديدة، والتأخير في التنفيذ وارد دائماً، إذا ما حدث خلل في إحدى المراحل.
• تصبح ألوانها، بعد أن تجف، كابية، ومحاولة توضيحها تؤدي إلى زيادة التكاليف.
• تستعمل في طبع ما يزيد على ألف نسخة، ويندر أن يستخدم أحد الألف بأكملها في وقت قصير، مما يعني تخزين ومصاريف وورق ومواد أخرى.
3 ـ الطباعة الرقمية: Digital
وهي الجيل الأخير من عملية تطور وارتقاء آلة التصوير (الزيروكس) التي أخرجت طابعات (الاستانسل) من سوق الطباعة المكتبية للأبد، وتسمى طباعة رقمية لأنها تعتمد اعتماداً كاملاً على الترانزيستور المصغر (Micro chips) في عمليات التحكم في الحبر والورق.
أنواع الطابعات الرقمية:
• طابعات الألواح البلاستيكية : وتعتمد فكرتها على ماكينة رقمية لمطبعة (الأوفسيت) حيث تتم عملية إعداد الألواح ( بليتات) داخل الماكينة وباستخدام الليزر، بدلاً من الضوء العادي، كما في الأوفسيت، ومن ثم تركيب الألواح أوتوماتيكياً، وهناك أيضاً فارق آخر وهو الحبر المستخدم وطريقة نقله إلى الورق وذلك باستخدام مجال مغناطيسي بدلاً من طريقة (الإستنبة) العادية.
• طابعات مباشرة: وهي أقرب ما تكون لطابعات الليزر المعروفة، وفيها يتم بخ الحبر بلا ألواح معدنية أو بلاستيكية.
مميزات الطابعات الرقمية :
• لا حد أدنى للنسخ، وتستطيع أن تحصل منها حتى على نسخة واحدة إن شئت.
• ألوانها أكثر دقة ووضوحاً.
• تعتمد على استخدام الحاسوب وملحقاته،بلا مراحل ولا فنيين ولا مشاكل صناعية، ويمكن أن تجري بعامل أو عاملين، على الأكثر، ويمكن أن تصبح تكون بديلة عن المطبعة، وتنافس في نوعيتها أثمن وأكبر المطابع.
• مشاكلها التقنية أقل بكثير.
• معظم المكائن يمكن إضافة تجهيزات لها للثني والتغليف، وبعضها مصممة بحيث ا تطبع نسخة نسخة، وتقوم بالتغليف حسب الطلب إليكترونياً، وتعد طبعة مغلفة جاهزة خلال دقائق.
• سريعة جداً،تعمل بدقائق، لا ساعات ولا أيام من الإنتظار، هذا بالطبع إن كان العمل الفني جاهزاً.
العيوب:
• لا تصلح للكميات الضخمة من النسخ
• ما تزال باهظة الثمن، إن كنت تفكر بالشراء.
• أحبارها وقطع غيارها ما زالت حكراً لصانع الماكينة وأسعارها مرتفعة.
ثانياً:- أنواع آلات الطباعة
تختلف آلات الطباعة من حيث أنواعها وأشكالها وأحجامها، إلا أنها في النهاية تنتمي إلى أحد الأنواع الثلاثة الآتية:
آلة الطباعة المسطحة (Flat Bed Press ).
آلة الطباعة الأسطوانية (Cylinder Press).
آلة الطباعة الدوارة (Rotary Press).
1 ـ آلة الطباعة المسطحة:
وتُعدّ أبسط أنواع آلات الطباعة، إذ تعتمد في عملها على التقاء سطحين مستويين، الأول: يمثل الشكل المراد طبعه محملاً بالأحبار (الفورمة)، والثاني: يمثل المادة المراد الطباعة عليها. وعند تقابل السطحين، وعن طريق الضغط بينهما، تتم عملية الطباعة.
وهناك أحجام مختلفة من آلة الطباعة المسطحة وفقاً لحالات استخدامها، إلا أن أغلبها يعد من الأحجام الصغيرة،التي تُستخدم في طباعة المطبوعات التجارية والمنشورات الصغيرة. ويستخدم السطح الحامل للأحبار (الفورمة) حروفاً مصنوعة من الرصاص، أو القصدير، أو الأنتيمون، أو قالباً (أكليشيه) من الزنك، أو النحاس، أو كليهما، كما تُستخدم في بعض الأحيان ألواح من (المبلمرات)، على أنها بدائل للقوالب (الأكليشيهات) المعدنية. وتدار آلات الطباعة المسطحة في معظم الأحيان بالكهرباء، إلا أن منها ما يدار باليد.
2 ـ آلة الطباعة الأسطوانية:
وهي أكبر من آلة الطباعة المسطحة، وتُستخدم في طباعة الكتب والمطبوعات متعددة الصفحات. وتتكون آلة الطباعة الأسطوانية من سطحين: الأول مستوٍ، وهو المحتوي على الشكل المراد طباعته (الفورمة)، والآخر أسطواني، وتلتف حوله المادة المراد الطباعة عليها، وغالباً ما تكون من الورق. وتتم عملية الطباعة بتحريك السطح الأسطواني المحتوي على الورق على السطح المستوي المحتوي على الشكل المراد طباعته.
3 ـ آلة الطباعة الدوارة:
آلة الطباعة الدوارة،تتميز بحجمها الكبير، وسرعتها الفائقة، وتستخدم لجميع أنواع الطباعة، ويوجد منها نوعان:
النوع الأول: هو آلة الطباعة الدوارة المغذاة بالأفرخ(بند)، وفيها يكون ورق الطباعة منبسطاً على هيئة بند يتكون غالباً من 500 صفحة، مساحة كل منها 100سم×70 سم، في حين يكون الشكل المراد طبعه أسطوانياًّ.
النوع الثاني: هو آلة الطباعة الدوارة ذات النسيج المحكم ، وفي هذا النوع يُستخدم الورق على هيئة بكرات، وفيها تتحرك أسطوانتان متقابلتان؛ إحداهما: حاملة للأحبار، والأخرى حاملة لبكرات الورق. وتُستخدم هذه الآلة في طباعة المجلات،والصحف،والكتب، ومطبوعات التغليف. ويمكن لهذا النوع أن يطبع على وجه واحد أو وجهين في وقت واحد، وكذلك بلون واحد أو بعدة ألوان(5).
ثالثاً:أنواع الطباعة
هناك أنواع أساسية للطباعة، وأخرى فرعية. وتنقسم الأنواع الأساسية إلى ثلاثة أنواع: الطباعة البارزة (Relief Printing )، والغائرة (Rotagravure )، والمستوية (Lithography ).
أما طرق الطباعة الفرعية، فمنها ما يلي:
الطباعة المسامية ( Silk _ Screening ).
الطباعة الالكتروستاتيكية ( Electrostatic _ Printing ).
الطباعة النافرة ( Raised _ Printing ).
طباعة النفث الحبري ( Ink Expectoration _ Printing ).
1 ـ الطباعة البارزة:
هي أقدم أنواع الطباعة، وتعتمد على تحبير الحروف أو الأشكال البارزة المصنوعة من المعدن، أو النايلون، ثم ضغطها على سطح الورق. وقد استخدم الصينيون هذه الفكرة منذ آلاف السنين. وقد عُرفت تلك الطريقة بأحد أشكالها الحديثة منذ منتصف القرن الخامس عشر، واستمرت بوصفها عملية أساسية في الطباعة لمدة خمسة قرون متتالية. وقد استحدثت ألواح السيريل أو النايلون أو المبلمرات بديلاً للقوالب المعدنية أو الشبكات الحريرية في الطباعة المسامية المسطحة، وأُطلق عليها اسم الطباعة المرنة. ثم استحدثت رقائق اللدائن الحساسة للضوء، حيث يتم إبراز الأجزاء المراد طبعها على تلك الرقائق، ثم تعرض للضوء، الأمر الذي يجعلها تتصلب. بعد ذلك يتم إزالة الأجزاء غير المتصلبة باستخدام الماء والمحاليل الكاوية، وتدخل تلك الرقائق إلى غرفة الطباعة، حيث تتشرب الحبر، ثم تلامس الورق، فينتقل الحبر إلى سطح الورق.
2 ـ الطباعة الغائرة:
وهي على عكس الطباعة البارزة، تتم باستخدام أسطوانة نحاسية محفور عليها الكلام، أو الصور، أو الأشكال المراد طباعتها بحفار ميكانيكي أو بأشعة الليزر، وتُملأ التجاويف الممثلة للنص أو الأشكال، بحبر الطباعة، ثم يضغط بهذه الأسطوانة على الورق، فتطبع الحروف والأشكال، وتستخدم هذه الطريقة في طباعة الصور والمجلات والكتالوجات ومطبوعات التعبئة والتغليف وطوابع البريد وورق الحائط. وقد يستخدم التصوير الضوئي في هذا النوع من الطباعة، حيث تُعَرَّض رقائق (الجيلاتين) الحساس للضوء للرسوم أو الأشكال المراد طباعتها، من خلال شرائح تم تصويرها ضوئياً، فيتصلب (الجيلاتين) تبعاً لكمية الضوء المار، ممثلاً الرسوم التي صُورِّت، ثم تستخدم تلك الرقائق بعد ذلك بمثابة قوالب في عملية الطباعة.(6)
3 ـ الطباعة المستوية:
تعتمد تلك الطريقة على نظرية الفصل الدهني للماء، وأول من اكتشف هذه الطريقة هو الألماني ألويز سنفلدر(Aloys Senfelder) عام 1796، وكان ذلك بطريق المصادفة البحتة، عندما كتب على حجر جيري بقلم رصاص، فسقط بعض من محلول حامضي على هذا الحجر، فلاحظ أن الحامض قد غطى سطح الحجر الجيري، ما عدا الأماكن التي كتب عليها بالقلم الرصاص، وحينما أضاف حبر الطباعة على سطح هذا الحجر، لاحظ سنفلدر أن الحبر قد استقر على الأجزاء المكتوبة، ولم يتجاوزها إلى الأجزاء الأخرى التي تخللها الحامض. وعندما ضغط هذا الحجر على ورقة، وجد أن ما كتبه على الحجر قد طُبع معكوساً على الورقة، وكانت تلك بداية اكتشاف طريقة الطباعة المستوية، وفي بداية القرن العشرين تم استبدال لوحات الزنك بالحجارة الجيرية المستوية، ثم تطورت بعد ذلك هذه الطريقة من طباعة مباشرة من اللوح المعدني إلى طباعة غير مباشرة باستخدام وسيط مطاطي، وهو ما يطلق عليه (طباعة الأوفسيت)، حيث سهلت هذه الطريقة الطبع على مختلف الوسائط التي لا يمكن الطباعة عليها مباشرة مثل اللدائن والمعادن(7).
4 ـ الطباعة المسامية:
وتستخدم في هذه الطريقة شبكة حريرية مثبتة على إطار من الخشب أو المعدن، وتُطْلَى هذه الشبكة بطلاء خاص، وذلك لغلق مسامها، وبعد جفاف الطلاء تغطى بمادة حساسة للضوء، ثم يوضع الشكل المرسوم المراد طباعته على سطح شفاف منفذ للضوء، ثم تُعرَّض الشبكة الحريرية للضوء عبر السطح الشفاف، فينفذ الضوء من المناطق غير المرسومة، فتتصلب نظيراتها على الشبكة الحريرية. وباستخدام بعض المذيبات العضوية في إزالة المناطق التي لم تتصلب، تعود الشبكة إلى سابق حالتها. ويوضع اللون المراد طباعته على هيئة سائل غليظ القوام، ثم يوزع اللون بواسطة ضاغط مطاطي يساعد على نفاذ اللون من خلال الشبكة الحريرية؛ حيث يقوم بتلوين المناطق المطلوب طبعها على مختلف الأسطح. وقد تطورت هذه الطريقة حالياً، حيث تتم الطباعة بهذه الطريقة في وقت قياسي، وبدقة متناهية، وعن طريق التحكم الإلكتروني في كل الخطوات.(8)
5 ـ الطباعة الإلكتروستاتيكية:
في هذه الطريقة، يُعالج ورق الطباعة بشحنة كهربائية في المناطق المراد الطباعة عليها، ويعالج كذلك مسحوق الحبر بشحنة مغايرة، ثم يُعرَّض كلٌّ منهما إلى جهد كهربائي معاكس لجهد الآخر؛ فيتم الاتحاد بين جزيئات الحبر وجزيئات الورق.
6 ـ الطباعة النافرة:
وهي ليست نوعاً من أنواع الطباعة بقدر ما هي نوع للمادة المطبوعة، فالمادة المطبوعة تكون ذات سطح بارز، ويتم ذلك بعدة طرق؛ منها: استخدام مواد ملونة صمغية حرارية، أو استخدام الضغط الشديد على السطح المراد الطبع عليه باستخدام قوالب خاصة بهذا الغرض لإنتاج أشكال مجسمة.
7 ـ طباعة النفث الحبري:
تعتمد هذه الطريقة على استخدام الحاسوب. وتتم عن طريق نفث الحبر من صمام دقيق لتظهر بالشكل المطلوب، وتستخدم هذه الطريقة لكتابة تاريخ الصلاحية على المنتجات الغذائية، والعبوات الدوائية، كما تستخدم لوضع العلامات الشفرية والأرقام في تسعير المنتجات المختلفة.(9)
رابعاً: تجهيز مواد الطباعة
وهي عملية تتم في أربع مراحل: تنضيد الحروف، وتصحيح النماذج، وإعداد الأشكال والرسوم، وأخيراً تنسيق الصفحات وترتيبها، وتنضيد الحروف هي أولى المراحل، وتتم إما باستخدام المواد المعدنية المسخنة، وبخاصة الرصاص،(Hot-Metral Typesetting) إذ يتم تنضيد حروف سطر كامل (الطريقة السطرية)، أو تنضيد كل حرف بشكل مستقل بذاته (الطريقة الحرفية).
وقد تُصفُّ الحروف بالطريقة الضوئية التي تعتمد على إمرار حزم ضوئية من خلال شرائح مفرغة بأشكال الحروف، ثم استقبال تلك الحزم الضوئية على شرائح حساسة للضوء (الأفلام).
وقد ظلت عملية الطباعة تعتمد حتى بداية القرن العشرين على تجميع الحروف الرصاصية يدوياً Monotype وهي طريقة تعتبر بدائية وبطيئة وشاقّة، وكانت تجري من خلال تذويب مادة الرصاص، وصبها في قوالب، على شكل حروف مقلوبة،ثم يقوم عمال الطباعة بترتيب هذه الحروف ووضعها في إطار حديدي لتكوين كلمات وعبارات وصفحات،ويجري مسح هذه الصفحات بمادة الحبر ثم تضغط الأوراق عليها،لكي يطبع النص على الورق،ثم استخدمت آلة الصف الميكانيكيLinotype التي أدت إلى تحسين سرعة الطباعة وتقليل الجهود البشرية،وفي مطلع السبعينيات من القرن الماضي اخترعت آلة الصف التصويريPhoto Type Setters التي اعتمدت على الأفلام الحساسة للضوء بدلاً من الرصاص، وحدث تطور آخر في هذه الآلات ليؤدي إلى مزيد من السرعة، وذلك باستخدام الاسطوانة الدوارة، التي تحتوي على مجموعات كاملة من الحروف،في الشكل السالب، لإنتاج أحجام وأشكال مختلفة.
أما عملية تصحيح النماذج أو ما يعرف ب(البروفات)، فتتم فيها طباعة نُسخ تجريبية، وتصحيح ما بها من أخطاء، ويتعين على المصحح أن يقوم بمراجعة جميع تلك النسخ التجريبية عدة مرات للتأكد من خلوها من الأخطاء، ثم تعاد للتصحيح.
يقوم قسم خاص بعد ذلك بتجهيز الرسوم والأشكال، ويوجد نوعان من الرسوم، يحتاج كل منهما إلى تجهيز خاص، فالرسوم والأشكال الخطية- مثل الرسوم اليدوية والخرائط والأشكال التوضيحية- يتم تصويرها بكاميرا خاصة، ثم طباعتها على فيلم له عامل مغايرة عالٍ (High Contrast Film )، حيث تنتج صور سلبية بالمقاس المطلوب. أما الصور الضوئية والملونة، فيتم تجهيزها باستخدام شاشة التلوين النصفي (Halftone Screen )، حيث يتم التعامل معها كآلاف من النقاط الدقيقة المصمتة. تدخل عملية التجهيز بعد ذلك مرحلتها الأخيرة، وتتمثل في تنسيق الصفحات؛ حيث يتم تجميع الرسوم والأشكال مع القطع المكتوبة، وتنسيقها لتكوين صفحة أو وجه طباعي واحد، ويتم ذلك بإحدى طريقتين: إما بلصق الصور الموجبة لمختلف الأشكال والرسوم والقطع وجمعها وتنسيقها، ثم تصوير كل ذلك في صورة سلبية واحدة، وإما بعمل صورة سلبية لكل شكل أو رسم أو قطعة مكتوبة على حدة، ثم تقص، وتنسق، وتلصق في صفحة واحدة. وبعد ذلك تستخدم الصفحة التي تم تنسيقها لإنتاج قوالب الطباعة، حسب الطريقة المستخدمة. وهكذا تصبح المواد جاهزة لأن تدخل في عملية الطباعة وإنتاج مواد مقروءة.(10)
خامساً: الورق الطباعي
عرف الإنسان التدوين والتسجيل منذ قديم الأزل، واستخدَّم الحجارة، والأشجار، والمعادن، لهذا الغرض، فازدانت جدران المعابد بأخبار الانتصارات العسكرية، وأهم الأحداث، وسُكَّت على العملات أسماء الحكام. ثم ابتكر الإنسان مادة جديدة للتدوين، هي الورق، دخل بها عصراً جديداً. وقد تباينت المواد المستخدمة في إنتاج الورق باختلاف الأمم والعصور؛ فبدأ الفراعنة باستخدام نبات البردي
( Papyrus )، ومنه اشتق لفظ الورق باللغة الإنجليزية(Paper). ثم قام الصينيون بصناعته من عجينة مُشكلَّة من ألياف القنب، ولحاء شجر التوت، والخرق البالية، حيث كانت تخمر، ثم تفرد لتجف، وتستخدم للكتابة عليها،وبعد الميلاد ظهرت أنواع مختلفة من الورق، فاستخدم الأنجلوساكسون لحاء شجر الزان، أما الرومان والإغريق، فقد استخدموا أنواعاً رقيقة من جلود الماعز وصغار الأبقار في كتابة الصكوك. وعند وصول الفتح الإسلامي لأواسط آسيا، اتصل المسلمون بالحضارة الصينية، وأخذوا عنها صناعة الورق، فأنشأ المسلمون مصنعاً للورق في سمرقند عام 751م.
ومنذ ذلك الحين انتشرت صناعة الورق في العالم الإسلامي، شأنها في ذلك شأن أي صناعة حضارية عرفها المسلمون وطوروها، فأنشأ هارون الرشيد مصنعا للورق في بغداد مستعيناً بالمهرة من عمال تلك الصناعة القادمين من سمرقند، ثم ما لبثت صناعة الورق أن انتشرت وازدهرت، فأنشأ المسلمون مصانع للورق في مصر والمغرب العربي. ولم تعرف أوروبا صناعة الورق إلا على أيدي المسلمين، حيث قاموا بتشييد مصنع للورق بمدينة فالينسيا بالأندلس عام 1100، ثم في مدينة فبريانو بصقلية عام 1276،ومنهما انتقلت تلك الصناعة إلى باقي أوروبا، فظهرت صناعة الورق في تورين بإيطاليا عام 1348، وعرفتها ألمانيا عام 1391، ثم المملكة المتحدة في القرن الخامس عشر.
وفى نهاية القرن الثامن عشر لاحظ عالم الطبيعة الفرنسي رينيه أنطوان دي ريمور (René Antoine de Réamure ) أن بعض أنواع الدبابير تبني أعشاشها من مادة شبيهة بالورق المقوى، وبتتبع هذه الدبابير، وجد أنها تقوم بالتهام لب الأخشاب، ومضغه، ثم بناء أعشاشها منه، فقام- منذ ذلك الحين- باستبدال لب الأخشاب بالألياف والخرق، حيث كان يتم استخلاص لب الأخشاب من أشجار الغابات، ثم يخلط بالماء حتى يصبح عجيناً، ثم يفرد ويجفف فيصير ورقاً.
ولكي يتم استخلاص اللب من الأشجار لابد من إذابة المادة اللاحمة لألياف الخشب، والمعروفة باسم (اللجنين)، وكانت عملية الإذابة في بادئ الأمر تتم باستخدام حجارة مستديرة ضخمة تشبه الرحى، تُدفع خلالها جذوع الأشجار، ونتيجة للاحتكاك الشديد تنتج حرارة كافية لإذابة اللجنين.
أما الآن فقد أصبحت الحرارة تنتج من عملية تسخين أولي لجذوع الأخشاب، ثم تدفع قطع الخشب بين أقراص دوارة ذات سرعات عالية، فينتج عن ذلك تفتيت الخشب إلى ألياف. وفي خمسينيات القرن التاسع عشر استطاع الكيميائي الأمريكي بنيامين تلجمان ( Benjamin C. Tilghman ) أن يستخلص اللب بمعالجة مسحوق الخشب بمحلول حمض الكبريتوز تحت البخار الساخن. وفى عام 1883، قام المخترع الألماني كارل دول (Carl Dohl) بإضافة كبريتات الصوديوم إلى الصودا الكاوية في عملية استخلاص لب الأخشاب، الأمر الذي أنتج نوعاً ملائماً لصناعة الورق المقوى الذي اُستخدم في تصنيع صناديق الكرتون والعبوات الورقية المختلفة، وفي بعض مصانع الورق يتم الجمع بين الطريقتين السابقتين؛ إذ تضاف مواد كيميائية، ثم يدفع الخليط الناتج إلى الأقراص الدوارة لفصل الألياف،ومع التطور المستمر في صناعة الورق، أصبحت عملية الاستخلاص تتم باستخدام وسائل أكثر تعقيداً، ويتم التحكم فيها باستخدام الحاسوب، وبعد إتمام عملية الاستخلاص، يُدْخل اللب في عملية التكرير، بواسطة إمراره خلال شرائح دوارة داخل مصفاة التكرير؛ فينتج عن ذلك تحلل جدر خلايا ألياف الخشب، الأمر الذي يؤدي إلى تكوين ألياف أكثر مرونة. وبتكرار هذه العملية عدة مرات يتم الحصول على ورق ذي جودة أعلىن وبعد ذلك يتم غسل اللب، وترشيحه، وتجفيفه، ثم إضافة بعض المواد المبيضة.
وتقسم الأخشاب المستخدمة في صناعة الورق إلى نوعين، الأول : أخشاب لينة مثل أخشاب شجر الصنوبر، والأناناس، والتنوب. وتتميز هذه الأخشاب بأليافها الطويلة؛ ولذا تُستخدم في صناعة معظم أنواع الورق.
الثاني: أخشاب صلبة مثل أخشاب شجر الصمغ، والحور، والقيقب، والبلوط. وتتميز هذه الأخشاب بأليافها القصيرة، ويستخدم لب هذه الأخشاب في صناعة أوراق الطباعة، والكتابة، والأنواع الفاخرة من الورق، ونظراً إلى ندرة الغابات في الكثير من دول العالم، يلجأ عدد منها إلى إضافة قش الأرز والقمح إلى لب الأخشاب في تصنيع الورق. وبعد مرحلة التكرير تأتي مرحلة تشكيل العجينة على هيئة أفرخ. وقديماً كان ذلك يتم بطريقة يدوية، حتى جاء الفرنسي نيكولاس روبرت (Nicholas Robert )، في عام 1798 واستحدث البكرات لفرد عجينة اللب.
وفي عام 1803، قام الأخوان الإنجليزيان هنري وسيلي فوردينيه (Fourdinier Brothers ) بتصنيع آلة عرفت باسم “آلة فوردينيه”. حيث ظلت هي الآلة الأساسية في تصنيع الورق حتى يومنا هذا، ويبلغ عرض هذه الآلة عشرة أمتار، وطولها أكثر من مائة متراً، وتستطيع إنتاج فرخ متصل من الورق بعرض عشرة أمتار، وبسرعة تصل لأكثر من تسعمائة متر من الورق في الدقيقة الواحدة. وتُكَوَّن الأفرخ عن طريق نشر عجينة اللب فوق سير دائم الحركة والاهتزاز، حيث تؤدي إلى تساقط الماء وانحساره عن العجينة بمساعدة آلات ماصة، تتبقى بعد ذلك حصيرة من الألياف شبه الجافة التي تعصر خلال أقراص دوارة، ثم تمرر على أسطوانة تجفيف مسخنة بالبخار فيزال معظم محتواها المائي، وتنعَّم أسطح الأفرخ المجففة بواسطة ضغطها بين أسطوانات آلة خاصة يطلق عليها “آلة التصقيل”، ثم تُطوى الأفرخ، وتلف – بعد ذلك – على بكرات،ومن المل