سحر التصوير – فن و اعلام … الدكتور عبد الباسط سلمان
فن واعلام
تاليف
الدكتور عبدالباسط سلمان
تقديم عبدالفتاح رياض
الدار الثقافية للنشر – القاهرة – مصر
شكر وتقدير
كثير من الناس ساهموا فى بلورة افكارى واعمالى لاكون محترفاً فى التصوير ، إلا أن الله سبحانه هو الواحد الأحد الذى منحنى العقل والرغبة فى أن أكون فى هذا المجال الذى يسرنى بمجرد أن تذكره، لذا أنا احمد الله واشكره أولا واخيراً الاف المرات فشكراً لربى على ما انعم على.
ايضاً اشكر صديق وأخ وزميل كان معى فى الجامعة يشاركنى فى كل تجارب الفوتوغراف فى المختبر الخاص بالتصوير ويشجعنى على الغوص فى أعماق الفن السينمائى والفوتوغرافى، هذا الزميل لا يمكن أن أنسى مؤازرته ولا جهوده المجدية فى هذا الكتاب فهو ترجم لى الكثير من الموضوعات وساهم فى تشجيعى مرات عديدة لكى أنجز عملى هذا، انه الفنان عماد على اكبر الذى يمثل لى قمه من القمم فى المعرفة والمثابرة والثقة.
الاستاذ الكبير عبد الفتاح رياض كان مفتاحاً اساسياً فى دراستى بالجامعة لذا فهو صاحب فضل على كل المصورين العرب لتوفيره جملة من المصادر العلمية القيمة، اشكره كل الشكر واتمنى له المزيد من العطاء والموفقية، ليكون ذخراً لنا اشكر ايضاً استاذى العزيز عبد الجليل الأدهم الذى أستشيره كثيراً واحبه اكثر واشكر الدكتور مختار يونس من المعهد العالى للسينما فى مصر واشكر الفنان هادى النجار العاشق والمحترف للتصوير فى العراق، واشكر الفنان الكبير شبت التشكيلى الذى يفهم فى الفوتوغراف اكثر من المحترفين فى التصوير.
اشكر امى التى أدعو لها فى صلاتى كل يوم لأنها ربتنى ومهدتنى لأن أكون ولولاها لم أكون اشكرها لأمور لا تعد ولا تحصى، اشكرها لأنها أول من اشترت لى جهاز تكبير الصور وشجعتنى على أن أخوض التصوير .
عبد الباسط
تقديم
كلمة اللواء/ عبد الفتاح رياض F.R.P.S
لقد تشرفت بقراءة هذا العمل العلمى والفنى الرائع “سحر التصوير بين الفن والأعلام” لمؤلفه الدكتور/ عبد الباسط سلمان الأستاذ بكلية الأعلام وكلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد.
وبجانب ما يحتويه الكتاب من معلومات قيمة للغاية حول تاريخ التصوير الضوئى ودوره فى المجتمع فى كافة نواحى الحياة، فى مجال الأعلام المقروء فى الصحافة، والمرئى فى التلفزيون، وفى الفنون والصناعة، وفى الأمن الداخلى والأمن الخارجى، والأبحاث العلمية فى الطب والزراعة وفى كافة فروع الحياة فى العصر الحديث، ولاسيما بعدما ناله من تحسينات أخرجته من عصر التصوير التقليدى ثم أدخلته إلى عصر التصوير الرقمى، والكومبيوتر والإنترنت، فصار هذا الكتاب مرجعا ليس فقط لهواه التصوير الضوئى بل لمحترفى التصوير فى كافة فروعة، ولكل ما يطلبه الإنسان فى عصر سيطرة المعلومات.
وقد أزاد من قيمة هذا الكتاب انه لم يكتفى فقط بعرض النواحى العلمية والتطبيقية فى التصوير الضوئى بل وضع المؤلف خبراته الشخصية بجانب عمله كأستاذ متخصص فى التصوير الفوتوغرافى والسينمائى والتليفزيونى ومارس هذه الأعمال عمليا.
أن هذا الكتاب قد جمع فيما بين الدراسة العلمية من جانب والخبرات الشخصية من جانب آخر، فصار مرجعا يجب اقتناؤه لكل من ارتبط بالتصوير الضوئى محترفا أو هاويا.
آملين أن يكون هذا العمل العلمى والفنى مقدمة لاعمال مماثلة لا حقا .
كلمة اللواء/ عبد الفتاح رياضF.R.P.S
الزميل بالجمعية الملكية البريطانية
أستاذ التصوير بأكاديمية الفنون
وبجامعة القاهرة وأكاديمية الشرطة
والجامعة الأمريكية بالقاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:-
التطور والتقدم فى الحياة افرز ضرورات كثيرة لاستخدام آلة التصوير فى الحياة اليومية، حيث برزت مجموعة كبيرة فى آلات التصوير فى العقود الأخيرة توافرت فى متناول المختصين وغير المختصين بالتصوير، ومع تصاعد الاستخدمات للحاسبة الالكترونية تحتمت ضرورات فى استخدام التصوير بأشكال شتى، حيث ظهرت تقنيات عديدة فى التصوير مكملة للعمليات الرقمية فى الحاسبات، وهو الامر الذى جعل فن التصوير يتضاعف للحدود بالغة، فبعد أن كان التصوير قاصر على المصورين المحترفين اصبح الآن فى متناول المحترفين وما دونهم لدرجة أن الطفل اصبح يستخدم آلة التصوير لتصوير جولاته والعابه وما إلى ذلك، إلا أن هناك امر غاية فلا الأهمية بهذا الجانب، وهو أن ليس كل من استخدم آلة التصوير هو مصور محترف فهناك العديد من الحدود فى أن يكون المستخدم للكاميرا محترفاً، كما أنه ليس كا النتائج التى يحققها أولئك الذين يستخدمون آلة التصوير هى نتائج ناجحة أو مقبولة، فالمصور المحترف حالة استثنائية بالمجتمع، ولا يمكن لكل من يهوى او يهتم بالتصوير أن يكون مثله، فهناك جملة من الشروط والتدابير الواجب توفرها فى المستخدم لآلة التصوير لكى يكون محترفاً، هذه الشروط والتدابير تستلزمه معرفة الكثير من التفاصيل الدقيقة فى التصوير، لذا أن هذا الكتاب سيتوغل فى هذه الجوانب ليحقق الاحتراف فى التصوير لمن يرغب أن يكون محترفاً.
هذا الكتاب تناول جملة من الموضوعات التى تهم التصوير وجوانبه المتعددة والمتفرعه، فالتصوير منذ أن ظهر ارتبط بالعديد من التطورات والابتكارات والاختراعات والاكتشافات التى تندرج ضمن العلوم والفنون، ومالم ندرك هذه الامور فى التصوير لا يمكن لنا أن نكون محترفين فى التصوير، فالتصوير مهنة وفن وعلم وتطبيق وخبرة، وهو ايضاً حالة مترابطة ومتسلسلة فى الأنواع والابتكارات اى انه متوازى مع ما يجاوره من أنواع اخرى، فهناك على سبيل المثال التصوير الفوتوغرافى، وكذلك هو الحال مع التصوير الرقمى الذى يرتبط بشكل أو بآخر بالتصوير التليفزيونى والفوتوغرافى والسينمائى، فأنواع التصوير المتعددة تشترك فى ما بينها بالعديد من الاستخدامات او الجماليات، لذا كان واجباً أن ندرك كل انواع التصوير كى نكون محترفين، وهذا الكتاب سيتناول انواع التصوير منذ أن ابتكر الى يومنا هذا، حيث سيتناول بدايات التصوير وتطوره واستخدامه فى السينما ومن ثم فى التليفزيون حتى يدخل عالم الديجتال، فهناك انواع كثيرة فى التصوير سيتم تناولها فى هذا الكتاب كالتصوير الصحفى أو تصوير البورتريف او التصوير الرقمى أو التصوير ثلاثى الابعاد ناهيك عن الموضوعات المرتبطة بالتصوير من إضاءة وزوايا للتصوير ومستويات للكاميرا وحركاتها، كما أن الكتاب سيتناول تجارب حقيقة لمؤلف الكتاب فى التصوير، حيث أن مؤلف هذا الكتاب هو بالأساس مصور فوتوغرافى وسينمائى وتليفزيونى اضافة إلى انه يدرس مادة التصوير فى الجامعات العراقية لسنوات عديدة واكتسب خبرات عديدة من ممارساته ودراساته فى هذا المجال وكل هذه الخبرة والعلمية فى التصوير ستكون منظرة فى هذا الكتاب الذى يجمع ما بين النظريات العلمية والممارسات الميدانية الحقيقية والصور الفوتوغرافية التى صورت بعدسة المؤلف
التصوير
حين نتطلع على أي جريدة أو نقرأ أي مجلة لا بد لنا وان نرى جملة من الصور الفوتوغرافية التي قد تبهرنا وتثيرنا لأن نتطلع على ما موجود في الجريدة أو المجلة، وحين نشاهد برامج التلفزيون من أخبار أو تقارير سياسية واقتصادية ورياضية فإن هناك دفق من اللقطات الصورية المتتالية ستظهر مع البرامج التلفزيونية، فهي تشكل متعة ومعلومة مرئية تحفزنا والمتلقين على الاستمرار في المشاهدة لما تحويه تلك اللقطات من تفاصيل معلوماتية بليغة، وكذلك عندما نشاهد فيلماً سينمائياً الذي يضمن هو الأخر مجموعة من اللقطات الصورية الدرامية، تبدو لنا تلك اللقطات وكأنها توثيق لمواقع وشخصيات وآثار وأحداث ومواقف، وهي كثيراً ما تحفزنا على التطبيع مع المعلومات لتـترسخ في ذهننا ولتشكل في النهاية وسيلة من وسائل الأعلام التي تؤثر بنا وتقودنا إلى ما يقود الأعلام ووسائله الأخرى، حيث أن للتصوير قدرة هائلة على تغيير وإعادة تنظيم الأشكال أو الموجودات في الكادر الصوري (من خلال اللقطة الواحدة يمكن أن يتغير ترتيب الأشياء مرارا، إذ أن الحركة داخل اللقطة ( عبر التصوير ) يمكن أن توجه انتباه المتفرج إلى أشياء مطلوبة في اللقطة حسب متطلبات الموقف ويمكن من خلال الحركة أيضا إخفاء أشياء كانت مرئية أو إظهار أشياء كانت خافية(1).
لقد حقق التصوير جملة من المنجزات التي خدمت البشرية أو الإنسانية حيث انه استطاع ان يختصر الكثير من الجهود والكثير من الوقت والمال بحكم الافتراضات الحقيقية التي حققها في العلوم والفن،ان التصوير ارتبط بالعديد من التطورات التكنلوجية التي أسهمت في تحسين وتطوير العديد من المجالات ومجال التلفزيون واحد من تلك المجالات التي استفادت من تقنية التصوير وحققت مجموعة من التطورات، ولعل ما ذكره الأستاذ عبد اللطيف السعدون تأكيد لذلك ( أهم الخصائص التي يتميز بها التلفزيون هي اهميته في العلم والتعليم حيث تمكن التلفزيون من ربط العالم ببعضه على نحو سريع من خلال المحطات الفضائية ومن خلال تبادل الثقافات والمعارف والعلوم المختلفة، وتمكن من نقل الدروس في جميع مراحل التعليم – جامعات على الهواء – نقل العمليات الجراحية والمختبرية)(1)، والواقع ان كل هذه المنجزات لم يكن له ان تتحقق لو لا التصوير.
ان التصوير باختلاف استخداماته وانواعه واشكاله في وسائل الإعلام بات يشكل ضرورة من الضرورات الحتمية في العمل الاعلامي لما له من خواص استقطابية وخواص ابهار وتأثير في المتلقي، فأكثر الجرائد والمجلات والنشرات وما إلى ذلك من الوسائل الصحفية باتت معتمدة بشكل اساسي على ما تحمله اللقطة الفوتوغرافية من قدرات تأثيرية في القارئ أو المتلقي لتحقق النجاح والانتشار، ولو تخيلنا ان الصحف وهي لا تحوي على لقطات فوتوغرافية فاننا سوف نجد ان تلك الصحف مملة وغير مرغوبة لما يبعثه الشكل العام لتلك الصحف من رتابة وغموض أو ترهيل، ويقول الاستاذ خليل صابات بشان الاهمية والتاثير للصورة ( الصورة تعادل الف كلمة، وان صور الاشخاص تجذب الانتباه أكثر مما تجذب صورة الاشياء الاخرى )(2) لذا كانت اللقطة الفوتوغرافية في الصحف بمثابة التشويق الذي يتبلور في الفلم السينمائي عبر الموضوع والأحداث التي يستعرضها، وكذلك المؤسسات الاعلامية التلفزيونية نراها اليوم تهتم بشكل أو بآخر في تقنيات التصوير التلفزيوني لكي تؤمن آخر الأحداث عبر اللقطات التلفزيونية التي تجذب المشاهد وتعطيه تحيز في الاستمرار والمتابعة ازاء ما يعرضه التلفزيون، فلو استعرض التلفزيون على سبيل المثال الاخبار والتقارير أو البرامج الأخرى دون ان يعتمد على اللقطات المصورة فانه سيفقد حتما نسبة كبيرة من المتلقين الذين يرومون مشاهدة البرامج والاخبار معززة باللقطات الصورية، وهنا الحال يكون أشبه بحال الصحف التي لا تحوي على اللقطات الفوتوغرافية (3).
ان أي عمل سواء كان صحفي أو تلفزيوني يعتمد وبشكل لا يقبل الشك على التأثيرات التي تحققها اللقطات الصورية جراء التفاصيل والمصداقية التي تحملها اللقطة ذاتها، ذلك لان اللقطة الصورية أصبحت بالوقت الحاضر الدلالة التي تعبر عن الحدث او الخبر أو الموقف بالشكل السريع والمؤثر فاللقطة الصورية أصبحت الشفرة أو الرمز للموضوع الذي يختاره المتلقي فهي قد تستقطبه ان كان يرغب موضوع الصورة أو تبعده ان كان لا يملك الوقت لمتابعة موضوع هذه اللقطة أو لا يرغبه، وهي في نفس الوقت ستعطيه تلخيص لمجمل ما تحتويه الصفحة وماهيتها وتعطي تلخيص لما يضمنه البرنامج التلفزيوني ان كانت لقطة تلفزيونية تعرض من على شاشة التلفزيون، وحتى في السينما نلاحظ ان اللقطة الصورية هي الاساس في الانجذاب نحو عمل ما أو النفور عنه، ذلك لطبيعة اللقطة التي تعبر عن طبيعة الموضوع الذي تستعرضه،( للتصوير د ور مهم في اثارة انتباه المشاهد من خلال ما يمتلكه من امكانية في الاقناع والتاثير )(1) فعلى سبيل المثال حين نذهب لاي دار عرض سينمائي فاننا قبل ان ندخل لصالة العرض السينمائي نشاهد مجموعة من الصور الفوتوغرافية ملصقة على جدران دار العرض تبين طبيعة العمل السينمائي الذي ستعرضه الصالة وبالتالي فان اللقطات الفوتوغرافية ستكون بمثابة المنذر لموضوع العمل السينمائي المعروض داخل الصالة أي انها ستكون المرشد أو المعين لما يرغبه المتلقي من أعمال فان كان العمل على سبيل المثال عملا رومانسيا فان اللقطات الملصقة حتما ستعبر عن ذلك وان كان عملا بوليسيا فان اللقطات ستبين ذلك وبالتالي ستقود المتلقي في ان يدخل صالة العرض أو لا يدخل.
لقد تمكن التصوير من ان يدخل العديد من المجالات في حياتنا الشخصية بحكم انه استخدم بالعديد من المنتجات، حيث ان هناك الكثير من الاستخدامات للتصوير في الحياة الشخصية كان تكون على المطبوعات التي انتشرت على كل المنتجات الاستهلاكية، من مواد غذائية واجهزة الكترونية وكهربائية وعلب وملابس وكتب وامور لاتعد ولاتحصى، فاكثر الاعلانات نرى انها تعتمد الصورة الفوتوغرافية اساس للاعلان في تحقيق النجاح، حيث ان اغلب الاعلانات اليوم لايمكن ان تستغني عن التصوير، وذلك للخواص التي يتميز بها التصوير، وفي الواقع ان للصورة جملة من الخصائص او المميزات التي تدعم الاعلانات او المطبوعات وتعود الاسباب الى ما ياتي(1) :
1- اسباب تقنية وتشمل :
أ- وضوح التفاصيل.
ب- الدرجات اللونية المتعددة.
ث- الاختيار الدقيق لمواقع التصوير والموضوعات والتصاميم والمعالجات.
2- اسباب مضمونية وتشمل :
أ- المضامين الاثارية التي تحملها الصورة الاعلانية بضمنها المبالغة في اضهار المنتوج.
ب- الاختيار الامثل في اختيار المشاهير في تمثيل الفكرة الاعلانية.
ت- الاستعانة بافضل الصيغ الاعلانية لتمثيل الفكرة الاعلانية.
ث- المباشرة المغطاة باقصى قدرة تعبيرية للافكار الطروحة التي تطرا عليها.
وهناك ايضا وظائف للصورة في مجال الصحافة، حيث ان من اهم الوظائف هي (2):
1- الوظيفة الاخبارية.
2- الوظيفة السايكولوجية.
3- عنصر تيوغرافي، فالصورة تشترك مع حروف الصحف والعناوين والفواصل والمسافات البيضاء في بناء الجسم العادي للصحيفة ايا كان شكلها وطريقة اخراجها.
4- قيمة جمالية.
5- اضفاء عنصر الواقعية والصدق على الموضوع (3)
ان التصوير ليس فقط طوّر العمل الاعلامي ونشره بالشكل الذي نلاحظه اليوم بل انه هو الاخر تطور ازاء الاعلام ودوره، فلولا الدور الذي شغله الاعلام في استخدام التصوير لما اصبح التصوير متطور لهذه الحدود، فالاعلام حفزّ العملية التصويرية في ان تتقدم لما يحتاج من كميات هائلة من اللقطات الصورية في الاخبار والموضوعات الصحفية أو الموضوعات التلفزيونية، وهو كذلك شكل منافسة في ان تستخدم اللقطات الصورية مع مرور الزمن، وولد حاجة أساس في ان تتطور آلة التصوير لحدود متقدمة، فالعمل الاعلامي وما يحتاجه اسهم في ان يوفر حاجة لتطوير الكاميرا الفوتوغرافية والكاميرا التلفزيونية والسينمائية من قبلها ليكون أساس في تطوير العملية التصويرية بشكل عام، فلولا العمل الاعلامي من توثيق أو تسجيل لكثير من الأحداث في الفترة من العشرينات وحتى الثلاثينات من القرن الفائت الى ان ظهرت الكاميرا السينمائية المحمولة أو المتنقلة بالشكل الايسر وظهرت الكاميرا الفوتوغرافية المتنقلة والتي تنتقل بشكل سريع وسهل لما كانت هناك حاجة لان تتطور الكاميرا الفوتوغرافية أو السينمائية ومن ثم التلفزيونية، وهو الامر الذي اجبر في ان يتطور التصوير إلى هذا الحد ليؤمن ما يحتاجه الاعلام من لقطات تصويرية، ولعل المسابقات التي تقوم بها المؤسسات الاعلامية في مجال التصوير وبشكل مستمر خير دليل على تطور التصوير،فهناك جوائز كبيرة تمنحها المؤسسات الاعلامية للقطات التصويرية تحفز المصورين في التسابق لالتقاط افضل واكثر اللقطات التصويرية، وحتى يومنا هذا نلاحظ ان اغلب المصممين والمخترعين يطورون الكاميرا الفوتوغرافية والتلفزيونية التقليدية منها والرقمية على أساس الحاجة التي توفر سرعة وسهولة في العمل الاعلامي،فلوحظ في الفترة الأخيرة من بداية الالفية الجديدة ظهور كاميرات تلفزيونية وفوتوغرافية بشكل صغير للغاية تؤمن تصوير اكبر كمية من اللقطات باسرع وقت وباسهل طريقة وباقل تكلفة لتيسر العملية التصويرية في العمل الاعلامي، ومن الكاميرات الرقمية الجديدة في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الجديد كاميرات رقمية تصور لقطات فوتوغرافية ولقطات تلفزيونية الامر الذي يطور من عمل الاعلامي وييسره لحدود واسعة.
اذن تطور التصوير على أساس العمل الإعلامي وتطور الاعلام على أساس العملية التصويرية وما تحققه من نجاح للعمل الإعلامي، فالعمل الاعلامي بات يقترن بما يتضمنه من لقطات صورية وكذلك العمل التصويري بات يتأثر بما تقدمه الكاميرا من خدمات للعملية الاعلامية، وهنا تتضح الصورة في تشابك العملية التصويرية والعملية الاعلامية لما تقدم من معلومات تقود المتلقي للمتابعة.
أهمية التصويـــر
يشكل التصوير عنصراً اساسياً في العمل الاعلامي لما له من اهمية بالغة في توثيق الاحداث والمناسبات الرسمية وغير الرسمية، ولما يحقق من مصداقية في الاخبار والتقارير الاخبارية، فهو يعد من الامور الاساسية في العمل الاخباري او في العمل الاعلامي كونه يحمل من المزايا المهمة في تطور وانشاء المواد الاعلامية، والتصوير بأنواعه الفوتوغرافي والسينمائي والتلفزيوني طور العمل الاعلامي الى حدود بالغة جداً لما يتمتع من قدرة على الاثارة والتشويق واستقطاب المتلقي، حيث ان التصوير عامل اساسي في تحقيق الاثارة والتشويق، كونه يجمع مكونات عديدة مثل اللون والكتلة والخطوط والاجسام والإضاءة والظل وما الى ذلك، وهو بالاضافة الى ذلك يتطور مع تطور الاحداث والتقنيات او التكنولوجيا، فهو يشكل حاجة ماسة ومهمة في الحياة اليومية للمجتمعات، وهو ايضا يشكل وسيلة من وسائل الامتاع التي يحتاجها الانسان بين الحين والآخر، فالتصوير له تاريخ طويل يبدأ مع العالم العربي ابن هيثم ويتطور الى ان يظهر بشكله العملي او التقليدي عندما حَضَّرَ العالم الالماني ( شولتز ) نترات الفضة ووجد تغيراً طرأ على هذه النترات التي سقط عليها الضوء، حيث تطور هذا الاختراع او الابتكار وبصورة مستمرة والى يومنا هذا حتى دخل عصراً جديداً يتعامل بالتقنيات الرقمية، فقد دخلت في عصرنا هذا تقنية الـ (ديجيتال) ( Digital ) في التصوير، واستطاعت هذه التقنيات ان تحقق من القدرات العظيمة في التصوير من خلال اختصار الوقت والتكلفة والجهد،وايضا للتصوير قدرة عظيمة في رصد وتوثيق العديد من الوثائق المهمة، (ان للصورة الملتقطة في اللحظة المناسبة ذات اثر كبير في تحديد النتائج وهي وثيقة اكيدة يؤخذ بها)(1) ولكي نفهم التصوير بشكله الحقيقي لابد ان نتوقف في مجموعة من المحطات لكي نتوغل بالشكل الدقيق وندرك معنى التصوير بأنواعه وأشكاله وأحجامه وطبيعته، وهنا سنقسم التصوير الى ثلاثة أقسام منشطرة من قسمين :
(1) التصوير التقليدي، وينقسم الى :
ا – الفوتوغرافي.
ب – السينمائي.
ج – التليفزيوني.
التصوير الرقمي، وينقسم الى :
ا – الفوتوغرافي.
ب – التلفزيوني.
وهناك تجارب حديثة لجعل التصوير السينمائي يعمل بشكل كامل وفق التقنيات الرقمية بشكل تام حيث أن هناك الكثير من الأفلام السينمائية استعانت بالتقنيات الرقمية لتنفيذ أصعب وأعقد المشاهد السينمائية .
التصوير التقليدي
وهو الذي يشمل التصوير التلفزيوني والفوتوغرافي والسينمائي، ويعد هذا التصوير ضمن حقبة الثمانينات في القرن الماضي وما دون، حيث ظهر التصوير الفوتوغرافي والسينمائي الذي يتم بواسطة المعالجات الكيميائية، وكذلك هو الحال مع التصوير التليفزيوني الذي يتم التعامل معه من خلال المجال المغناطيسي والالكتروني والكهروضوئي.
والتصوير التقليدي له تاريخ طويل ويتميز بمجموعة من المبتكرات والتطورات والاختراعات في مجالات العلوم الكيميائية والفيزيائية والميكانيكية، حيث ان التصوير السينمائي او الفوتوغرافي تبلور بمجموعة من العلوم الكيميائية والفيزيائية والميكانيكية حتى وصل الى ما نعهده في يومنا هذا، فكثير من العلماء في مجال الكيمياء أبدوا بآراء ونظريات ومعادلات لتصميم هذا العلم والفن، وكذلك هو الحال مع التصوير التلفزيوني الذي اشترك فيه مجموعة من الباحثين والخبراء والعلماء والمصممين في مجال الفيزياء والإلكترون والكهرباء ليصل التصوير التلفزيوني إلى ما نعهده في يومنا هذا.
التصوير الفوتوغرافي
يعتبر التصوير الفوتوغرافي الأساس لكل العمليات التي تحدث وتتطور مع مرور الزمن في مجالات التصوير، حيث ان هذا الفن والعلم يشكل القاعدة الأساس لكل عمليات التصوير في السينما أو في التلفزيون أو في تصوير الأمور العلمية كان يكون في الطب أو في الكيمياء أو في الفيزياء أو الفلك أو ما إلى ذلك من علوم مهمة (1)، والتصوير هو بالأساس علم وفن، فهو يقترن بمجموعة من العلوم والفنون كونه نتج من تجارب علمية وتجارب جمالية، فهناك العديد من العمليات التي تتم فيها عملية التصوير التي تمر بجملة من المركبات الكيميائية وجملة من التحضيرات والترتيبات التي تحدث وتنشأ على أساس علوم الفيزياء واصل المواد المستخدمة في تهيئة ورق التصوير والطبع الملون والعادي هي تستند بالأساس إلى مواد الكيمياء من خلال التحضيرات والتفاعلات النابعة من تلك العلوم، وكذلك هو الحال مع الفيلم الذي يمتزج مع مركبات كيميائية تعمل على إظهار الصورة سالبة على الفيلم ذاته، وهناك العدسات التي تشكل أساس حتمي في عملية التصوير، يعتمد تحضيرها على العلوم الفيزيائية والميكانيكية، فالعدسات جانب أساسي يحدد طبيعة الموضوعات التي ستظهر وستكون النتاج الذي يراد من العملية التصويرية، حيث ان العدسات تعتمد وبصورة مباشرة على المعادلات والأبحاث والدراسات الخاصة بعلوم الفيزياء، وهناك علوم أخرى يستند عليها في تهيئة آلات التصوير وآلات الطبع والتحميض، وحالياً اعتمدت الكثير من الشركات التي تصنع الآلات الخاصة بالتصوير التقنيات الرقمية كوسيلة رئيسية تسهل عملية التصوير، وهذه التقنيات الرقمية إنما هي بالأساس تقنيات تستند إلى علوم الفيزياء والهندسة الالكترونية.
كلمة فوتوغراف تنقسم إلى كلمتين وهي :
فوتو ( Photo ) وتعني ضوء.
غراف ( Graph ) وتعني رسم أو تصوير.
وبذلك يكون المعنى الكلمة ( التصوير بالضوء )، أو ( الرسم بالضوء )، حيث ان التصوير ومنذ نشأته في تجاربه الأولى التي تمتد إلى سنوات عديدة تستند إلى الضوء في تحقيق العملية التصويرية، لأن الضوء هو الاساس في تحقيق الموجودات والماديات، حيث انه يشكل لنا متغيرات كثيرة من ظل وضوء واجسام وخطوط وكتل والوان واحجام.. الخ من عناصر الصورة، وكما هو معروف ان الضوء يعتمد على العلوم الفيزيائية كظاهرة حقيقية لحقيقة الاشياء والمواد، التي يعتمد كمنهج ضمن علوم الفيزياء باعتباره حالة من الحالات المهمة في حياتنا المهمة.
ان التصوير الفوتوغرافي بات يندرج ضمن الاساسيات للفرد، كونه يعد حاجة ماسة في توفير المستمسكات الرسمية وغير الرسمية، ويشكل حاجة أيضا في اشباع الرغبات وتوثيق الحقائق أو توثيق المواقف الملحة التي نرغبها ونتوق إليها من مناسبات وأحداث مهمة، والتصوير بالإضافة إلى ذلك يعد حاجة اساسية في كثير من المجالات الطبية والهندسية والعسكرية والاعلامية وما إلى ذلك من مجالات أخرى كونه يوفر الكثير من الحقائق ويوثقها بشكل دقيق يسهل عملية الدراسة والبحث من خلال الصورة نفسها، فكثير من العمليات الطبية التي تقوم على مبدأ التصوير الاشعاعي أو على اجهزة الناظور انما هي بالاساس تستند بشكل أو بآخر على مبدأ التصوير الفوتوغرافي، وكذلك هو الحال مع تصوير المسح الجوي أو تصوير الكواكب والاجرام السماوية أو تصوير الوثائق العسكرية أو المدنية والعلمية أو الخرائط تندرج جملة وتفصيلاً من تدرجات العمل الفوتوغرافي، بل ان حتى التصوير الرقمي الحديث الذي ظهر نهايات القرن الماضي لم يكن له أن يرى النور أو يجد طريق له لو لم تكن هناك مجموعة من التجارب الفوتوغرافية السابقة.
ان للتصوير الفوتوغرافي دور فاعل ومهم في كل العلوم المتطورة والمتقدمة، وله دور في تقدم كل التقنيات الحديثة، ذلك لأنه يستخدم وبشكل مفرط للعديد من المجالات التي تسهم في تطوير العلوم والتقنيات في الحياة، حيث انه طور المزيد من العلوم من خلال الاستعانة بما يتمخض من نتائج يحققها التصوير الفوتوغرافي بأنواعه وأشكاله المتعددة.
مبدأ التصوير الفوتوغرافي
عين الإنسان تصوّر
لكي نفهم عملية التصوير الفوتوغرافي بشكل مبسط وموضوعي علينا أن ندرك أولا العملية البصرية التي تحدث في العين البشرية لرؤية الاشياء، كيف تستطيع العين ان ترسم الاشياء في دماغ الانسان ؟، ما هو الضوء؟، وكيف تتحقق الالوان ؟، كيف ندرك العتمة ؟، كيف ندرك الضوء ؟، تساؤلات اخرى عديدة تحتاج الى اجوبة تفصيلية لكي نتمكن من فهم العين والاشياء والعلاقات الرابطة فيما بينها للتحقق العملية البصرية.
العين البشرية جزء صغير جداً في الانسان الا انها توازي اجزاء اخرى كبيرة جداً من حيث المنفعة او الاهمية التي تشكلها العين في الحياة، هل فكر الانسان بما سيجري له لو انه لا يستطيع ان يحقق العملية البصرية؟، كيف سيكون؟ فليجرب ساعة واحدة فقط بان يعصب عينيه ويسير وسط سوق شعبي او يجلس امام اصدقائه وهو لا يشاهد ابسط الاشياء، ليحمد الانسان ما انعم الله عز وجل، حاسة البصر التي تندرج ضمن حواس اخرى عديدة في الانسان كالشم والسمع والذوق واللمس لا يمكن ان تكون بنفس المقدار من الاهمية بالمقارنة مع الحواس الاخرى، التي هي الاخرى حواس ذات اهمية عظيمة في الانسان، فهو يحتاجها منذ بداية الصباح حتى نهاية المساء أي انها تلازمه منذ ان يستيقظ من النوم حتى يعود في الليل الى النوم ودون ان يمنحها الانسان أي مستقطع من الوقت ليحمد الله على ما قدم بهذه الحاسة التي لايقدرها الا من يفقدها،فالانسان يستخدمها بشكل مستمر ومباشر مادام هو مستيقظ، ومن دون ان يتذكر بان في العين ملايين من الخلايا والانسجة والعصيات والمخاريط واجزاء اخرى كلها تعمل بقدرة الإله الخالق، واي خلل يحدث في ابسط جزء من تلك الأجزاء يمكن ان ينقطع الإنسان عن الضوء الذي يتحقق عبر العين.
إذن لابد من ان نفهم اولاً كيف تحدث العملية البصرية لكي نفهم عملية التصوير التي تحدث من خلال آلة التصوير الفوتوغرافي ( الكاميرا Camera).
الكاميرا تعمل بمبدأ العين : كيف نرى الأشياء؟
العين تحلل الموجات الضوئية عبر مجموعة من الاعصاب والاجهزة الحساسة التي تنقل الموجات الضوئية للدماغ ليحلل الدماغ الضوء ويكونه على شكل صور ملونة.
لابد من ان ندرك جيداً بان الكاميرا ما هي الا عبارة عن آلة تشبه العين البشرية، وان العين البشرية تحتوي على مكونات بالغة في التعقيد والدقة لتحقيق الصورة التي يرى الإنسان بها الأشياء، فهناك عمليات عديدة وبالغة جداً يقوم بها الإنسان من خلال عينيه واجزاء اخرى من جسمه لتتحقق عملية النظر والبصيرة(1)* التي يشاهد بها كل المناظر والألوان والكتل والأشكال الخ، والكاميرا تعمل أيضا بنفس المبدأ الذي تعمل به العين البشرية لتشاهد او تصور الأشياء، حيث ان الكاميرا تحتوي على اجزاء تشابه الأشياء او المكونات الخاصة بالعين البشرية من شبكية وعدسة وبؤبؤ وحاجب وما الى ذلك، والمكونات الخاصة بالكاميرا انما هي بديلة لما في العين من مكونات لتحقيق العملية التصويرية، فهناك كم هائل من المكونات داخل الكاميرا الفوتوغرافية تعمل جميعاً من اجل تحقيق صورة فوتوغرافية (Negative) سالبة على الشريط السيليلودي وهذا الشريط السيليلودي تجرى عليه عمليات اخرى وفي اجهزة اخرى لتكون الصورة متكاملة وعلى شكل ( Positive) فهناك عمليات طبع وتحميض تجرى على اثر الشريط السيليلودي لتظهر الصورة الفوتوغرافية التي نراها امام اعيننا، والواقع يمكن ان نمثل الاجهزة المكملة للكاميرا الفوتوغرافية كي تكتمل الصورة يمكن ان نمثلها بالاجهزة البشرية الاخرى داخل الانسان المرتبطة بالعين البشرية التي تعطي التصور الحقيقي للأشياء في داخل الإنسان كالأعصاب والمخاريط او العصيات وأمور أخرى عديدة كلها تدخل في العملية البصرية داخل الانسان لكي يرى ويشاهد الاشياء، وكأنها تعمل من دون ان يشعر الانسان انها حدثت او عملت مع العين وليس فقط في داخل العين.
في كتاب طب الإمام علي (عليه السلام) لمؤلفه عبد الحسين الجواهري تطرّق للعين البشرية، فيصور العين البشرية بالة التصوير الرائعة حيث يقول ( العين هذه الكرة الأعجوبة من بدء التكوين الى نهاية التخلق، وهي من أروع آلات التصوير واصغرها واعقدها وادقها تركيباً وعملاً وصيانة ففي واحدة من طبقات شبكة العين يوجد خمسمائة مليون خلية بصرية تسمى (العصيات والمخاريط) ووظيفتها نقل مختلف الألوان التي يتكون منها طيف الضوء ثم تحويلها الى سيالة عصبية ينقلها عصب البصر المؤلف من نصف مليون ليف عصبي الى مركز البصر في الدماغ، الذي يحولها صوراً مرئية)(1).
اما من الوجهة التشريحية بصورة مختصرة (فالعين غرفة مظلمة مؤلفة من ثلاثة اغشية او طبقات وثلاث رطوبات)(2).
ان ما ذكر في هذا الكتاب يعد بمثابة تأكيد لما ذكرناه من ان العين هي مشابهة للكاميرا وان الكاميرا مشابهة في مكوناتها لما في العين حيث ان العين تحتوي على مكونات متقاربة او مناظرة لما تحتويه الكاميرا، فهناك امور دقيقة للغاية في العين تشابه لما توصل اليه العلماء في ابتكارهم للكاميرا، ولعل ما ذكره الاستاذ عبد الحسين الجواهري بكتابه طب الامام علي عن الطبقات او الاغشية توضيح لما تفعله العين لكي ينظر الانسان، وقد اضاف هذا الكتاب بان هناك طبقات ثلاث اساسية في العين، هذه الطبقات هي ايضا مشابهة لما في الكاميرا، فيمكن للانسان ان يعرف عمل العين ايضا من خلال عمل الكاميرا بمعنى انه طالما تمكن الانسان من معرفة عمل الكاميرا من خلال العين، فانه يمكن ان يعرف ايضا عما العين من خلال الكاميرا، ذلك لان عمل الكاميرا يقرب للانسان فهم عمل العين، وهذه الطبقات هي التي تشكل اساس في فهم عمل الكاميرا هي:
أ- الطبقة الخارجية او الصلبة : وهي غشاء متين يحيط بباقي الطبقات و الرطوبات لوقايتها وحفظها ولا ينفذ النور من هذه الطبقة الا في مقدمتها حيث توجد القرنية، وهذه الطبقة اشبه بما تكون ممر اظلم في الكاميرا او صندوق مظلم يؤمن دخول الضوء للكاميرا بشكل دقيق جداً بحيث يكون التعريض في الفيلم داخل الكاميرا ناجح ودقيق دون أي خطا.
ب- الطبقة الوسطى او المشيمية: وهي الطبقة المغذية للعين، ويفصلها عن القرنية من الامام الرطوبة المائية ومن الخلف حجاب ملون يسمى ” القزحية” وفي الوسط ثقب يسمى ” البؤبؤ” يليه مباشرة الرطوبة الثانية او “البلورية”.
ج- الطبقة الداخلية او الشبكية: وهي مكونة من الخلايا البصرية، ويفصلها عن القزحية الرطوبة الثالثة او “الزجاجية” وهي جسم شفاف لزج كبياض البيض.
ان هذه المكونات التي خلقها الله في الانسان، تمكّن الانسان ذاته ان يقلّدها ليخلق عين صناعية تسجل له بعض المناظر التي يحتاجها ومن ثم يتم حفظها، وعلى هذا الاساس اثيرت العديد من التساؤلات لابتكار الكاميرا، التي تصور لنا الاشياء، وهنا تحتم علينا ان نفهم اولاً عمل العين التي تحقق لنا ادراك الاشياء او ادراك العالم الذي يحيط بنا، لذلك ضروري جداً ان نفهم عملية الادراك للضوء او اللون في العين البشرية لكي نفهم عملية التصوير ونفهم مكونات الة التصوير، ولنبدأ اولا بالضوء،
ما هو الضوء ؟
الضوء حسب ما ذكر في كتاب الدكتور قاسم حسين صالح (هو عبارة عن شكل من حركة الطاقة القائمة على مبدأ انتقال الموجات، حيث ان للضوء خاصيتان أساسيتان لانتقاله هي (Frequency) التردد ويقصد به عدد الموجات و (Wave Length) خاصية طول الموجة ويقصد به المسافة الواقعة بين قمة موجة ضوئية والقمة الموجية التي تليها)(1).
الضوء هو المصدر الرئيسى لتحقيق البصيرة أو المشاهدة، كونه الاساس الذي يحقق العملية البصرية فمن دونه ليس هناك أي ابصار، إن الضوء هو المجال الذي تنتقل فيه الإشارات الادراكية، الإشارات الادراكية هذه تستلمها الأعضاء الحسية وتمر عبر عملية فسلجية، والواقع ان هذه العملية الفسلجية غاية في التعقيد والدقة وهي تتحقق في سرعة متناهية داخل جسم الانسان لتكون عملية الادراك متكاملة حيث يستغرق الانسان بعملية ادراكه الحسي (البصري) الى ربع ثانية كي يتحول الضوء الى صور بصرية اولية قبل ان تنتقل الى مخزن اخر تستقر فيه زمنا اطول.
هذا الضوء لا يمكن ان ترى العين بدونه أي ان قيمة العين تكمن مع وجود الضوء، فبغير الضوء لا يمكن للعين ان ترى أي شيء وهذا الامر ينطبق على الكاميرا الفوتوغرافية التي هي الاخرى لا يمكن ان تلتقط أي شيء ما لم يكن هناك ضوء وهو الامر الذي يقود الى ان العين المصدر الاساس للكاميرا حيث ان الكاميرا تقلد عمل العين من خلال امور عديدة تكمن في الضوء الذي يسقط على الاشياء لينعكس على الطبقة الحساسة في الفيلم الفوتوغرافي داخل الكاميرا وعلى الشبكية في العين البشرية، وكذلك هناك فتحة في الكاميرا تكون مدمجة مع العدسة تقوم هذه (Aperture) الفتحة بتحديد اتساع العدسة لاستقبال الضوء أي ان هذه الفتحة تحدد حجم الاتساع لدخول الضوء، هذا الأمر نراه في العين البشرية ويكمن في ( Pupil) البؤبؤ الذي يحدد الاتساع لدخول الضوء.
ان الصندوق في آلة التصوير الذي يحوي الفيلم، يكون مملوء بالهواء في حين ان صندوق العين يكون مملوء بسائل يمر الضوء من خلاله باتجاه شبكية عين الانسان التي تكون في حركة دائمة، حيث تمر الموجات الضوئية الى الداخل مارة اولاً بالقرنية النافذة الامامية الصافية القليلة التحدب، وبعد ان تخترق الاشعة الضوئية السائل المائي الكائن خلف القرنية تمر في عدسة العين التي هي عبارة عن قرص محدب السطحين تستقبل الاشعة الضوئية المتوزاية ثم تجمعها في الناحية الاخرى في بؤرة محدودة وترتبط العدسة بأربطة يمكن شدها او ارخاؤها بفعل عضلات رقيقة، ويعمل انكماش تلك العضلات وانبساطها على تغيير شكل العدسة ومن ثم تغيير بعدها البؤري لكي تسقط الصور بوضوح على الشبكية، بعدها تسير الأشعة الضوئية عبر السائل الكائن بين العدسة والشبكية لتسقط اخيراً على الشبكية، حيث يكون الضوء معكوساً او مقلوباً بعد ان تتعرض له الشبكية وهو ما يحدث تماماً في الكاميرا حيث يدخل الضوء ويسقط على الفيلم الحساس ليكون مقلوباً او معكوساً كما في الشبكية، الواقع ان الشبكية تحتوي على قناتين الاولى تصب في
(Visual Image) الصورة البصرية وهي تحدث مباشرة بعد حدوث الاثارة البصرية حيث تحدث عندها المعرفة بخبرة الادراك اما القناة الثانية التي تنتقل خلالها المعلومات البصرية، فانها تصب في مخزن اخر يسمى
short term memory )) ( الذاكرة قصيرة الأمد) حيث تجري عمليات الترميز للمعلومات برموز لغوية او صور ادراكية، حيث تستقر المعلومات في هذا المخزن لفترة زمنية اطول تصل الى عشرين دقيقة، ومن ثم يمكن ان تنتقل إلى مخزن آخر يكون ذو قدرة على حفظ المعلومات بفترة أطول وهو
Long term memory)) مخزن الذاكرة الطويلة الذي يحتوي على الصور والحروف والكلمات والرموز والأيقونات، حيث يمكن أن يكون هذا الصندوق بمثابة محصلة مسار عملية تنظيم ومعالجة المعلومات، وهذه(output) المخرجات تكون على شكل (responses) استجابات حيث تتطلب كل استجابة برامج لتنفيذها، أشبه بالحاسبة الإلكترونية التي تحتوي على بيانات وكل نوع من تلك البيانات تتحول إلى معلومات أو صور مرئية عبر برنامج حاسوبي ( software ) ينصّب في الحاسبة الإلكترونية كالصور نوع JPEG)) التي تحتاج على سبيل المثال برنامج (ACDC ) أو برنامجImaging ) ) أو (Paint) لكي تتحول البيانات إلى صور مرئية يمكن مشاهدتها من على شاشة الكومبيوتر أو من خلال طبعها على ورق عبر جهاز الـ((Printer، وعلى هذا الأساس فان المخزن Long term memory) ) يمثل عدداً من المسارات المحتملة لمخرجات النظام الادراكي.
@@@@@@ صورة تشريحية للعين البشرية
ان الشبكية التي لا يتجاوز سمكها بضع الميكرونات تشكل في تكوينها غاية في الإبداع الخلقي للباري عز وجل، حيث أنها بهذا السمك الدقيق جداً وتحتوي على كم هائل من المركبات المعقدة والأجهزة الدقيقة التي لا يمكن لاكبر شركات التصنيع في الكون ان تصنع ولو جزء بسيط منها، كونها تتكون من مجموعة تركيبات وأجهزة دقيقة للغاية، أهمها المستقبلات التي تسمى (Rods) العصيات و (Cones) المخاريط، حيث ان لكل من هذه المستقبلات وظائف خاصة، فتقوم هذه المستقبلات بامتصاص الضوء من الكائنات الموجودة أمام العين وتقوم بتحويلها الى طاقة كهربائية وهذه الطاقة الكهربائية تشغل الأعصاب الممتزجة والممتدة في العين البشرية والمرتبطة مع الدماغ في راس الإنسان وتحديداً في مركز الرؤية بالدماغ، ومركز الرؤية في الدماغ هو (optical lobe) الفص القفوي (القذالي) الذي يكون بالعادة في مؤخرة الدماغ البشري، ولكل عين بشرية عصب بصري واحد يلتقيان هاتان العصبان في نقطة وراء العينين ليتقاطعان في نقطة تسمى بالمفرق البصري
(optic chiasm) في الواقع ان الشبكية تحتوي على ملايين الخلايا الحساسة للضوء، حيث تقوم هذه الخلايا البصرية بعملية اشبه ما تكون عملية كيميائية مصحوبة بتغيرات كهربائية تسري الى الدماغ والخلايا البصرية فتتصل كل خلية بصرية بمجموعة أو سلسلة من الالياف العصبية التي تنطلق فيما بعد الى الدماغ في الفصين القفويين ومن ثم تجري عملية سريعة جداً في الفصين ليحلل الدماغ ويخلق الصورة التي امام العين البشرية، حيث تقوم المخاريط بعملية تحسس اللون والضوء ذي الشدة الاعتيادية بينما تقوم العصيات بتحسس الضوء ذات الشدة المنخفضة، فالعصيات والمخاريط تتصل بخلايا عصبية عقدية خلف الشبكية تمتد محاورها حول العين ثم تتلاقى لتكون العصب البصري (optic Nerve) الذي ينقل الرسائل او الاشارات العصبية او الرموز لتحقيق الصورة.
@@@@@صور تخطيطية للعين والكاميرا
بعد ان عرفنا كيف تتحقق عملية النظر او الابصار نعود لنفهم المبدا الذي يستند عليه الفوتوغراف في تحقيق عملية التصوير، حيث اعتمد التصوير الفوتوغرافي على مبدأ تفاعل هاليدات الفضة أثر سقوط الضوء عليها، فالعالم الألماني ( شولز ) لاحظ وجود تأثير ملحوظ على الهاليدات حين يسقط عليها الضوء، وقد استمرت التجارب من قبل مجموعة من المهتمين في علوم الكيمياء حتى توصلوا الى طريقة مثلى لطبع المناظر او المشاهد على الزجاجة المطلية التي وضع عليها تلك الهاليدات بالاستعانة بمجموعة من العدسات التي عملت على تجميع الضوء وتركيزه بالشكل المناسب والملائم لطبيعة المواد الكيميائية الملتصقة بالزجاجة، وأيضا تطورت العلوم لتصنيع أنواع من العدسات التي تسهم في إرساء مجموعة من القوانين القياسية في تحديد المناظر المراد تصويرها.
إن عملية تعريض الفيلم الحساس إلى المصدر الضوئي تبلورت في مجموعة من التجارب والابتكارات على مر السنين ليكون التصوير وفق قياسات نموذجية ومعايير ثابتة، حيث استندت العملية على صندوق مظلم ومثقوب(1) وقد زود هذا الثقب بعدسة خاصة تعمل على تنظيم دخول الضوء بشكل مـوازي لما يتطلبه الفيلم والموضوع المراد تصويره، وقد زودت هذه العدسة بمجموعة من العتلات تعمل على تصويب وتحديد الكادر بالشكل الذي يتواءم مع طبيعـة ما هو مطلوب وأيضا زودت هذه العدسة بآلة تعمل على سيطــرة كميات الضوء التي تنفذ الى الصنـدوق المظلم، وقد سميت هذه الآلـة المرفقة ضمـن العدسة بـ Aperture (الفتحة) وهي تعمل بعدة حركات تحدد كل حركة من تلك الحركات كمية الضوء الذي ينفذ إلى الخام أو الفيلم داخل ذلك الصندوق، وأيضا زود الصندوق بآلة أخرى أساسية تعمل على تحديد سرعة أو مدة تعرض الفيلم للضوء، وقد سميت هذه الآلة بـ Autter (الغالق) وهي تعمل على تحديد وقت التعريض للخام وفق درجات متعددة، هذه الدرجات انما هي اختيارات للمصور في تحديد طبيعة تعريض الضوء الذي يتباين ويختلف من مكان لآخر ومن وقت لآخر حسب طبيعة الألوان وطبيعة المسافة التي تنحصر بين آلة التصوير والموضوع الذي يراد تصويره، اذن لا بد من توافر فتحة وغالق تسيطر على كميات الضوء الذي سيستقر على الخام، وقد تطورت تلك الآلات مع تطور التقنيات الحديثة حتى تحول الغالق والفتحة في الكاميرات الحديثة الى تقنية تعمل على اساس السيطرة الحاسوبية (الرقمية)، وهنا لابد من الاشارة الى ان مع تقدم العلوم والتكنولوجيا استمرت الحاجة الى توافر الغالق والفتحة للتحديد والسيطرة على الضوء، فيلاحظ ان الكاميرات بشتى انواعها في الوقت الحاضر لا بد من ان تظم الغالق والفتحة فهي الاساس الذي استند اليه التصوير الفوتوغرافي في طبع او تصوير المناظر على الورق المعالج كيميائياً او المعالج طباعياً وفق تقنيات الحاسوب او وفق تقنيات الطباعة التقليدية المعهودة منذ سنوات عدة.
اذن التصوير الفوتوغرافي مهما تغيرت اشكاله وتغيرت انواعه على مر العصور والازمان لابد ان تكون هناك محددات للضوء تعمل ضمن وحدة التصوير المستخدمة في تصوير الاشياء والموضوعات، ومن بين الامور الاساسية التي لا يمكن ان يستغنى عنها مهما تطور العلم او تطورت التكنولوجيا هي :
1- العدسة
2- الفتحة
3- الغالق
4- الصندوق المظلم او الممر المظلم.
إن هذه الأمور هي أساسيات في عمل التصوير سواء كان هذا التصوير معالج كيميائياً ام انه كان يعمل وفق التقنيات الرقمية فيلاحظ ان الكاميرات الرقمية الحديثة المتطورة إنما هي تتضمن فتحة وغالق وعدسة وصندوق مظلم أو ممر مظلم يعمل للسيطرة على الضوء، حتى وان كان هذا الصندوق المظلم بمثابة نافذة صغيرة يمر منها الضوء، والواقع ان التصوير مهما تعددت استخداماته وأنواعه فانه يبقى مستند الى ما ذكر، فيلاحظ على سبيل المثال ان عمليات التصوير الاشعاعي في المستشفيات والمراكز الطبية انما تعتمد ايضاً على توافر تلك الأمور من فتحة وغالق وعدسة وصندوق مظلم لكي تتم عملية التصوير الاشعاعي المطلوب في تحديد الحالات الطبيعية، وكذلك هو الحال مع التصوير الذي يتم عبر الاقمار الاصطناعية او عبر اجهزة الارسال التلفزيوني نلاحظ انه لابد من ان تتوافر هذه الامور من فتحة وغالق وعدسة وصندوق مظلم لكي تكون عملية التصوير مناسبة لما يتطلبه الأمر، فمهما اختلفت التقنيات في التصوير فانها لا بد ان تتوافر هذه الأمور بشكل أو بآخر لتوازي او لتواكب هذا المبدأ الأساسي في التصوير الفوتوغرافي.
التصوير السينمائي
لم يكن التصوير السينمائي تصويراً كما نعهده اليوم ولم يتبلور بالشكل الذي نلاحظه يتطور يوماً بعد يوم لو لم يبتكر العالم ( ايستمان كوداك ) مادة شفافة بلاستيكية عملت بديلاً عن الزجاج الذي كان مغطى بهاليدات الفضة، حيث ابتكر كوداك مادة ( سيليولودية ) تعمل بمثابة الزجاج المغطى بهاليدات الفضة وتسهل عملية التصوير بكميات كثيرة ذلك لأن هذه المادة السليلودية مادة مرنة يمكن طيها، أي لفها على اسطوانات او بكرات وبالتالي يمكن ان تنظم مجموعة كبيرة من اللقطات الفوتوغرافية، حيث ان التصوير الفوتوغرافي قبل ابتكار ( ايستمان ) لم يكن يحمل من المزايا التي تشجع على تصوير مجاميع كبيرة من اللقطات، كون ان مادة الزجاج غير قابلة للطي الأمر الذي جعلها تلتقط لقطة واحدة وبالتالي اصبح التصوير منفرد والصورة الفوتوغرافية واحدة فقط، وعند دخول المادة السيليلودية في التصوير انتقلت عملية التصوير الفوتوغرافي وتطورت تطوراً ملحوظاً أدى الى ابتكار الصور المتحركة (motion pictures) أي الصورة السينمائية، حيث ان مبدأ التصوير السينمائي يعتمد على تدفق الصور بكميات كبيرة وهو ما يعادل ( 24 ) صورة في الثانية، أي ان الدقيقة الواحدة في التصوير السينمائي تحتاج الى اكثر من ( 1400 ) صورة فوتوغرافية، والساعة في التصوير السينمائي تتطلب الى اكثر من ( 86000 ) ألف صورة وهو الامر الذي شجع على ان يكون الفيلم السينمائي شريط طويل جداً وبطبيعة الحال هذا الطول لا يمكن السيطرة عليه ما لم ينطوي هذا الشريط على بكرة او مجموعة من البكرات.
وقد تطور التصوير السينمائي عل