سحر التصوير – فن و اعلام … الدكتور عبد الباسط سلمان 3
ان هذه الاحجام التي ذكرناها تتباين من مخرج او مصور لاخر كونها وكما ذكرنا متعددة المكونات في اللقطة ذاتها وكونها متعددة في الحال او الظرف التي نطلق به المفردة على التسمية للحجم، فالمفردة التي يزيد تحديدها بحجم (close up shot ) على وجه طويل لرجل قد يكون بطول عشرون سنتمترا يتغيير مع وجه اخر لفتاة او طفل او حيوان ويكون الحجم ليس كما في لقطة الرجل، أي حجم (close up ) ربما يكون في تصوير طفل ما يسمى بحجم (medium shot ) أو ربما يكون (medium close up shot ) مع العلم إن اقتراب الكاميرا من الوجهين بنفس المسافة التي تنحصر ما بين الكاميرا والوجه وبنفس العدسة وبنفس مقدار ألـ (zoom ).
اذن هناك اختلاف كبير في الوجوه البشرية من حيث حجم الانف والجبهات والفم والحنك والرقبة والاذنين وهذه الاختلافات بشكل او باخر تخلق تباين وتعدد في احجام اللقطات وبشكل يكون لا ارادي وهنا لابد من الاشارة الى ان المصور لابد ان يدرك الملامح البشرية لكل شخص يقف امام الكاميرا قبل تصويره، وذلك لاستخدام الحجم المناسب له الذي يتماشى وطبيعة الوجه والحجم، فقد تكون الوجوه متشابهة في الوهلة الاولى من المشاهدة الا ان الامعان في التركيز بالوجوه سيظهر وبشكل اكبر اختلافات كثيرة من حيث التفاصيل الدقيقة التي تشكل الوجه البشري، فهناك اختلافات عديدة في الوجوه البشرية وهناك اشكال متعددة للون البشري وهو ما يعكس حالة تقود المصور الى ان يختار حجم يتوائم مع ما يجده افضل في اظهار الوجه، اذن لابد من المصور ان يؤكد على دراسة الوجه قبل تصويره ولابد ان يطلع على كل الحجوم للقطات، ويطلع على طبيعة انواع واختلاف الوجه البشري كون ان الوجه البشري هو في اغلب الاحيان الموضوع الاساس في التصوير وهو ايضا الموضوع الاكثر جدلا في الظهور في الاعمال السينمائية والتلفزيونية والصحفية فلو تابعنا الافلام السينمائية التي تظهر كم هائل من الممثلين لوجدنا ان الفيلم يظهر الوجوه اكثر مما يظهر الموضوعات الاخرى مثل الاقدام والايدي او مناطق الصدر..الخ، ولسوف نلاحظ ان الوجه اغلب الأحيان يظهر بصورة مستقلة عن باقي الأجزاء من جسم الإنسان، فعلى سبيل المثال اقدام الممثل تظهر في الفيلم إلا إنها تظهر في لقطات تستعرض الجسم أو الجسد كاملا إلا ما ندر، فالوجه يظهر بنفس الوقت الذي تظهر فيه الأقدام، وكذلك هو الحال مع الأيدي أو منطقة الصدر او أي منطقة أخرى في الجسم، بل ان من المشاهد ما هي تستعرض جانب فعلي كأن يكون الممثل وهو يرسم لوحة تشكيلية أو يقود سيارة أو ما شابه ذلك من الأفعال التي يقوم بها الممثل بأعضاء من جسمه قد تكون أطرافه السفلية أو العلوية ومع ذلك نلاحظ ان الكاميرا تصور وجه الإنسان وعبر لقطة تسمى رد فعل (Re Action ) للوجه فقط، الى جانب ان نلتقط صورة ليد الممثل أو قدمه كأن يضغط على الكابح أو يستبدل بيده مغير حركة السيارة (الكير) او ان تظهر لقطة سريعة الى مؤشر سرعة السيارة وكل هذه اللقطات في الواقع تؤخذ بحجم كبير (Big close up shot ).
ان إدراك مفاهيم الحجوم في اللقطات ليس بالأمر الهين لدى العاملين في الإنتاج الفني كون ان تلك الحجوم مبعث جدل تكون في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال حين نريد ان نطلق مفردة لقطة متوسطة على مكان صغير نلاحظ ان استخدامنا لهذه المفردة مناظر ومطابق للمفردة التي نطلقها على اللقطة المتوسطة للمكان الكبير وهو ما اتضح في المخطط السابق حين حددنا قياس وجه الرجل وقياس وجه المرأة، والذي افصح عن اختلاف في التكوين والشكل لطبيعة كلا الوجهين رغم ان قياس الكادر متساو، والواقع ان هذا الاختلاف إنما هو مبعث للجدل الذي أشرنا إليه ومبعث للفن في ذات الوقت كون ان ذات الأمر يقود إلى حالة اللاتقنين أو حالة اللامحدود أو حالة اللاقياسية وهي التي تبعث بمثل هكذا أعمال على إنها فنون.
فالفن وكما هو معروف عالم بلا حدود لا يتقيد بحدود ثابتة الأمر الذي يرشح أرجحية لاستخدام تلك المفردات الخاصة بالحجوم في ان تندرج ضمن العمل الفني، وهنا لابد من الإشارة إلى ان ما ذكرنا في هذا الجانب الذي يعزز العمل الفني، إنما هو للإصرار في التأكيد على ان هذه الأمور لها خصوصيات الفن ولا يمكن ان تتسوق مع الأعمال الخالية من الفن، وبغية إيجاد طريقة أو آلية في معرفة حدود الحجوم بشكل عام ومفهوم من قبل الأغلبية المشتركين في العمل الفني أو الإبداعي نحدد الشكل التالي ورموزه كرسم عام للأحجام في اللقطة وهذا الشكل في الواقع هو مثال لجسم محدد قد يختلف مع الأجسام الأخرى لو اخذ ضمن قياسات دقيقة إلا انه يمكن ان يبين طبيعة الأحجام بشكل عام وان يبين العلاقات أو الروابط الناجمة من المسميات لإدراك المزيد المسميات.
الرمز الكلمة المعنى
E Extreme جدا جدا
B Big كبير
C close up قريب
S Shot لقطة
M Medium متوسط
L Long طويل
A American أمريكية
V Very جدا
تفسير الرموز
1-E.B.C.UP.S = Extreme big close up shot
2-B. C.UP. S = Big close up shot.
3-C.UP.S = Close up shot
4-M.C.UP.S = Medium close up shot(1)
5-M.S = Medium shot.
6-A.S = American shot.
7-L.S = long shot.
8-V.L.S = Very long shot.
ويمكن أيضا ان نوضح عبر الصورة آلاتية الأحجام وأنواعها ولكن في منظر عام أي من خلال لقطة- (Long shot ) ونحدد منها الأحجام الأخرى.
مستويات زوايا التصوير
تميز
بانه يصور لقطات متعددة ومتنوعة من خلال التنويع في استخدام الزوايا، حيث هناك زوايا عديدة في التصوير تتعدى الخيال وذلك من خلال استخدام وجهات النظر المتعددة او المتنوعة والتي غالبا ما تتميز بجماليات ابداعية كونها غير تقليدية، فهناك مستوى واحد تقريبا ومعروف في التصوير الفوتوغرافي استخدم بكثرة وبإفراط وهو ذات المستوى الذي استخدمه الفن التشكيلي بالرسم سنوات طويلة وعلى مر الزمن الذي اشتمل الفن التشكيلي، فمستوى زاوية النظر (Eye level) هو المستوى الذي غالبا ما كان مستخدم في اغلب اللوحات الفنية التشكيلية والصور الفوتوغرافية التي سبقت التصوير السينمائي.
نموذج لصورة لوحة تشكيلية بمستوى النظر
نموذج الصورة فوتوغرافية قديمية
ومع ظهور السينما بدأت تتحقق مستويات جديدة في زوايا التصوير بحكم الرؤيا التي يضعها المخرج السينمائي في بلورة الموضوع الذي يريد تقديمه، حيث يستخدم المخرج زوايا غير تقليدية ومتعددة لتفسير فكرته وطرحها وهو الامر الذي يدعوه في الغالب ان يفكر بامور جديدة في الطرح ليتميز عمله وليطرح مزيد من الجماليات فلذلك يستخدم بعض المخرجين على سبيل المثال زاوية مرتفعة كان تكون من طائره محلقة في السماء لإضفاء بعد جمالي للمشهد كما هو فيلم فيلم (Matrix) الذي نرى فيه استخدام صريح لزاوية عين الطائر في مشهد لمعركة تدور فوق سيارة شحن (قاطرة)، فنرى ان هناك استخدام مستمر لهذه الزاوية التي تسمى (Bird’s Eye view) أي منظر عين الطائر، وهذا الاستخدام نلاحظ انه استخدم بشكل كبير وواسع في الافلام التي انتجت بعد التسعينات من القرن الماضي وهي ماتسمى ايضا بـ (Helicopter shot) أي لقطة هليكوبتر نسبة الى طائرة الهليكوبتر التي تصور المنظر من الاعلى وتبرز من الجماليات والتفاصيل غير المألوفة، فهناك كم هائل من الافلام التي انتجت في السينما الامريكية استخدمت هذه اللقطة بشكل كبير ومتعدد لاضفاء الجماليات غير المعهودة في الافلام التي انتجت في الفترة التي سبقت هذه المدة مثل افلام (Eraser) و (The world is not Enough) و (Charlie’s Angels) و (Lord of rings) و(spider man) و (Bad Boys) و (Golden Eye)و (troy) وافلام اخرى كثيرة وعديدة والواقع ان هذه الافلام استطاعت ان تأخذ مكانة مرموقة مابين الافلام وذلك للشهرة التي حققتها وللارباح الخيالية التي كسبتها.
@@@@ نموذج للقطة high angle
ومن الزوايا الاخرى التي استخدمت في التصوير السيمائي بشكل صريح الزاوية المنخفضة والتي تسمى في اغلب الاحيان بزاوية عين الدودة وهي الزاوية التي تكون بمستوى سطح الأرض تماما أي بالمستوى الذي تكون فيه النملة على الارض وهي ما يطلق عليها (Extreme Low angle) حيث تبدو اللقطة المصورة بهذه الزاوية في مشهد غير تقليدي وذلك لان واجهة الموضوع للقطة (Front) ستكون النقطة السفلية للموضوع والمنطقة العلوية للموضوع تكون خلفية (Background) وهذا الأمر في الواقع يثير المتلقي كون ان اللقطة غير تقليدية او مألوفة بشكل مستمر، وهنا لابد من الاشارة الى ان اكثر الاعمال السينمائية الأمريكية تستخدم هذه الزاوية بكثرة في مشاهد التصوير ولعل اغلب الأفلام التي ذكرناها اعلاه تشمل هذا النوع من المستوى لزاوية التصوير، والزاوية المنخفضة لها من الاهمية البالغة في خلق التعبيرات، فهذه الزاوية تسهم في خلق الاثارة والابهار وتسهم في اعطاء المبالغة في المنظور، وكان الدكتور احمد الحضري قد اكد ذلك (الزاوية المنخفظة تستخدم للتعبير عن الرهبة او الاثارة وللمبالغة في سرعة الحركة ولتفادي خط الافق والمستوى الخلفي وللمبالغة في منظور الاجسام والمباني)(1).
@@@@@@ نموذج الصورة بمتسوى نخفض
أيضا هناك مستوى اخر غير تقليدي في التصوير السينمائي وهو المستوى المتغير والذي يكون ويكمن من خلال التصوير باستخدام الرافعة (crane) حيث ان مستويات عديدة تبرز في اللقطة الواحدة من خلال استخدام الرافعة كان تكون على سبيل المثال مبتدئة بزاوية مرتفعة ثم تنخفض لتكون بمستوى النظر وتنخفض اكثر لتكون دون مستوى النظر وأيضا يمكن ان يكون العكس بان تصور اللقطة من مستوى دون النظر ومن ثم ترتفع الكاميرا لتكون بمستوى النظر وترتفع اكثر لتكون اعلى من مستوى النظر، والحقيقة ان هذه اللقطات استخدمت في السينما منذ أوائلها حيث تدارك المخرجين هذه الجمالية التي تبعثها اللقطة بالمستوى المتغير من خلال ارتفاع وانخفاض الكاميرا بأكملها، الا ان استخدامها كان محدود وقاصر على العمالقة من المخرجين كارسون ويلز الذي استخدم هذه اللقطة في فيلمه (المواطن كين)، ذلك لان هذه التقنية مكلفة وتحتاج الى امكانيات خاصة من مصور متميز وفنيين مرافقين له، ومن الجدير بالذكر ان هذه التقنية استخدمت ايضا من قبل مصورين الفوتوغراف، وذلك لاستخدامها في الاعلانات الطباعية او الضوئية، حيث تدارك العديد من المصممين هذه التقنية وما تصنعه من تأثير في الاعلان، لذلك نرى الكثير من الاعلانات المطبوعة الان في المجلات او في الطرقات او المحلات التجارية، نرى ان زاوية التصوير مختلفة ومتغيرة من مستوى لاخر (1)، والفضل يعود بذلك الى السينما التي ابرزت للمتلقين والمصممين الكثير من الجماليات التي كانت غير محسوسة في السابق، كونها غير متوقعة، وبحكم الجماليات التي ظهرت في لقطات السينما تأكدت حقيقة التغيير في مستوى زاوية التصوير الذي يستخدم في الاعلان او في التصميم .
@@@ صورة كرين كاميرا سينمائية
ان الاستخدام المتكرر لحركة الكرين التي تمنح مستويات متعددة لزوايا التصوير يساهم في خلق الجماليات والوظائف للفيلم الروائي وغير الروائي حيث تكمن مزايا عديدة في الاستخدام لما يمنحه من ابراز تفاصيل دقيقة في الصورة فكثير من اللقطات الصورية ذات المستوى الاعتيادي (مستوى النظر) لا تمنح اولويات في ابراز التفاصيل ذات الخصوصيات في المشهد كأن يكون كتاب على منضدة او ان يكون جهاز خطير مركون في مكان مرتفع او ان يكون بطل الفيلم يتسلق مبنى مرتفع من مكان خارجي او ان تحرق سيارة في حي شعبي ذو تفاصيل كثيرة والواقع ان هذه الحركة (crane) تختزل مجموعة من اللقطات وبزوايا متعددة في لقطة واحدة وهي بذلك توفر جهد ووقت ومال ففي حال تصوير المشهد على سبيل المثال بخمس لقطات لاستعراض لقطة من الاعلى ولقطة من الاسفل و اخرى مع مستوى النظر وواحدة بعيدة واخرى قريبة تكون التكاليف للانتاج اكثر لان ذلك يستغرق وقت وجهد اضافي وامكانيات اخرى بينما في حال تصوير المشهد بحركة ((crane تكون الامور ايسر واقل تكلفة وذلك لان الخمس لقطات تلك تختزل في لقطة واحدة معبرة عن المشهد باكمله ومفسرة للفكره التي يرموا لها المخرج بسلاسه وبتنظيم ادق واجمل، هنا لابد ان نشير الى ان اللقطة التي تصور بتقنية لـ (crane) تحتاج الى امكانيات وتحظيرات والى جهود اكثر مما في اللقطات التي تصور دون الـ (crane) الا ان هذه الامكانيات والتحظيرات او الجهود حين تكون من ضمن استخدامات الفيلم بشكل عام ولكل مشاهد الفيلم وليس من اجل هذه اللقطة فحسب فان التكاليف ستكون اقل، وايضا ستكون في نفس الوقت تقاليد معروفة في الانتاج السينمائي الامر الذي يجعل الاستخدام معهود ومعروف لدى كل العاملين في الانتاج ومن ثم يكون ليس بالعسير او المكلف، اما في حال استخدام الرافعة للقطة واحدة فقط فبالتاكيد ستكون الجهود والتكاليف باهظة جدا، وهو الامر الذي يدعو دراسة جدوى قبل الاقدام على مثل هكذا استخدام.
هناك مستويات ثلاثة في التصوير معروفة اساسية، وهي تكوّن مستويات اخرى عديدة منشقة من هذه المستويات الاساسية، والتي تندمج مع المستويات لتكون بالمستويات بكل انواعها والمستويات الثلاثة الأساسية هى(1):
* مستوى فوق النظر High angle level
* مستوى النظر Eye level
* مستوى دون النظر Low angle level
اما المستويات المنبثقة من هذه المستويات فيمكن ان ندرجها بما يأتي:
1- مستوى عين الطائر Bird’s eye view level.
2- مستوى عالي جدا فوق النظر Extreme High angle level.
3- مستوى اعلى النظر High angle level.
4- مستوى النظر Eye level.
5- مستوى دون النظر Low angle level.
6- مستوى منخفض جداً دون النظر Extreme low angle level.
رسم تخطيطي لمستويات التصوير
التصوير وفنون التصميم
بحكم المزايا التي يتمتع بها التصوير والقدرات التي يمنحها اصبح له دور أساس في الكثير من الفنون والاختصاصات الأخرى، فقد برزت مع تطور التصوير حاجات واهميات عديدة للتصوير في اغلب واكثر الأعمال وعلى كافة الأصعدة، حيث ظهرت قيمة فعلية للصورة الفوتوغرافية في العديد من المجالات الإبداعية منها التوثيقية ومنها التصويرية ومنها لإغراض البحوث العلمية، ولعل ما يهم موضوع فنون التصميم هو مجال البحوث والتطوير كون ان التصميم يشكل حاله من التطوير او حالة من البحث العلمي في تنظيم وتطوير الأشياء او لدفعها الى الأمام لتحقيق ما هو افضل واجمل، فهناك وظيفة وهناك جمالية فنرى ان المصمم يستند بشكل أساس على هاتان القضيتان في خلق او ابتكار أي تصميم يروم الاقدام عليه، في اكثر الأحيان يتحفز المصمم لتطوير تصميم سابق مستعينا بالتجربة التي سبقته، وبغية الاستعانة بتلك التجربة نراه يقترب منها ليدرسها او ليتحقق من الكثير من احداثياتها ليعيد رسمها من جديد وفق الرؤيا التي يرغبها او التي يرتيئها في التصميم، والواقع ان هذا الاقتراب إنما هو الأساس الذي نحن في صدده في موضوع التصوير، حيث ان التصوير وحسب ما أثبتته التجارب العلمية والعملية يشكل الحالة الأكثر يسر وفهم في الاقتراب من الموضوعات، كون ان الصورة الفوتوغرافية تشكل المحاكاة الشاملة والموضوعية للعديد من الأعمال التي تلتقط.
ان أي مصمم حين يقدم على تصميم عمل ما لابد وان يستعين بخياله في تحقيق التصميم واكثر المسائل التي تسعف المخيلة دون ضبابية او تهميش ودون ابتعاد عما هو مرسوم له نراه يتجسد في الصورة الفوتوغرافية، فالصورة الفوتوغرافية تقدم حقيقة افتراضية ضمن خصوصيات ونظام متفق عليه، وذلك من خلال الانعكاس الذي تخلقه الصورة الضوئية الصادقة، الصورة الضوئية الخالية من كل التأثيرات أو التشوهات البصرية، هذه الصورة إنما تعطي أبعاد شبه حقيقية للمصمم وتزوده بالكثير من الموجودات من كتل ولون وسطوح وأشكال وظل وضوء وانعكاسات أخرى وهي ما تؤدي في النتيجة الى حالة من التفكير الشامل لدى المصمم في الهيمنة على قدراته وعلى مكنوناته بل وموجوداته في التصميم ليبتدع رؤيا شاملة في التصميم او الابتكار او الخلق لأي موضوع يطمح له، ناهيك عن ان المصمم في بدا وخصوصاً في المدة الأخيرة بدا فيها بالاستعانة وبشكل واسع في الصور الفوتوغرافية الجاهزة لبلورة تصميم جاهزة وسريع، فقد ظهرت في المدة الأخيرة إبان انتشار الحاسبات الإلكترونية ظهرت تصميمات عديدة مستندة على ما يقدمه التصوير من موضوعات جاهزة وموضوعات مرسومة بالسابق، الا انها تصلح لضروف مغايرة او لظروف جديدة وهو ما يتضح بشكل واسع وكبير مع العديد من الإنتاجيات المتشابهة في المؤسسات الصناعية من مطبوعات او إنتاجيات صناعية استهلاكية، فهناك جملة من التصاميم التي تظهر في حياتنا اليومية نرى انها متشابهة ومتقاربة الى حدود بالغة، هذا التشابه او التقارب لو أمعنا فيه لتبين ان الأساس فيه يكمن في بلورة الصورة او الخيال الذي نبحث عنه لبناء او خلق او ابتداع أي موضوع نرغبه، لذا فان الصورة الفوتوغرافية دون أي شك هي الأداة والوسيلة المساعدة في تحقيق الرؤى المتعددة والمتنوعة، كونها تحتفظ بالعديد من الموجودات التي قد يتعذر على العقل الاستجابة معها في خزنها او إدراكها بالقدر الذي تخزنه الصورة في ان تثبت العديد من الموجودات اثر المكونات التي نصورها في الصورة الفوتوغرافية نفسها.
لوحظ في التصميم الطباعي ان الكثير من الاستعانات والكثير من الإحالات تتجاوب مع ما يذهب له التصميم في هذا الحقل حيث تعددت استخدامات الصور الفوتوغرافية فـي إدماجها بالتصميم وذلك للسهولة التــي تبديها الصورة في ان تكون ( object ) هدف او موضوع جاهز لجزء او أجزاء عديدة في ذات التصميم، فهناك الكثير من المصممين الطباعيين نراهم اليوم يستعينون بصور فوتوغرافية جاهزة ويدمجونها في تصميماتهم وهناك أيضا من المصممين ممن يقصدون المواقع او أماكن صعبة لتصوير بعض الصور الفوتوغرافية وذلك لجعلها جزءا أساس في التصميم، حيث ان التصوير هنا يحفز ويسهل في ذات الوقت على اختصار الكثير من المصاعب او المتاعب التي قد تعرقل عملية التصوير، أيضا في هذا الأمر نرى ان المصممين يستعينون بالصور الفوتوغرافية في أعمال التصميم كمشروع متكامل وكتحضير لمشروع، فكما هو معروف ان أي عمل له تحضيرات تسبق التنفيذ وهذه التحضيرات تشمل رسوم ومخططات وصور توضيحية وخرائط وما الى ذلك من ماكيتات او غيرها، هذه التحضيرات نرى انها بالوقت الحاضر تستند استنادا كبير على دور التصوير في تحقيق كل تلك المسائل بل ان من بين تلك التحضيرات الصور الفوتوغرافية ذاتها كان تكون صور للمواقع او للموضوعات التي تدخل في التصميم، فهناك الكثير من المسائل تدخل كأجزاء بسيطة في التصميم نلاحظ ان المصمم في الوقت الحاضر يستعين بها من خلال صور جاهزة في المكتبات الصورية او من المجلات القديمة او المراجع الرئيسة او انه يقوم بتصوير تلك الأجزاء للعمل او المشروع الذي هو مقدم عليه، لذلك كان لدور التصوير في هذه المرحلة اعتناء وأهمية، فكما هو معروف ان الأعمال الفنية الراقية هي الأعمال ذات الخصوصية وذات الموضوعات المتميزة الغير تقليدية، فان التصميمات الراقية والتي هي ايضا اعمال فنية هي ذات الاعمال التي تتميز بخصوصيات وموضوعات متميزة، وهذا الامر انما هو الذي يقود المصمم الجيد في ان يبحث عن تصميمات جديدة وبرؤى جديدة، حيث انه يتوسم البحث عن كل ما هو جيد ليطغيه في عمله وهنا تحتم عليه الابتعاد عن كل ما هو تقليدي او نمطي ليخلق جو تشويقي عند الملتقي للعمل مبتعدا عن كل الترهيلات التي يمكن ان تنمط العمل او تجعله رتيبا، وهو ما يقود في النتيجة الى ان يستعين المصور او المصمم بمخيلته الرائدة نحو الدقائق والتفاصيل التي تبعث خصوصيات وتفردات جديدة للاعماله، الواقع ان كل تلك الخصوصيات والتفردات الجديدة لا يمكن ان تتولد او تنشا او تنبلج على اقل تقدير مالم يمعن المصمم ذاته في انشاء وتصوير موضوعات جديدة ذات ريادة في التناول او الطرح بمعنى انه يبتعد كل الاببتعاد عن الموضوعات الجاهزة التي تبدو على شكل قوالب جاهزة ويستعين في بصيرة جديدة بموجودات العمل وتحضيراته وهي ما تحتم عليه ان يرسم من جديد او يصور من جديد كل الدقائق والتفصيلات التي تشكل اجزاء من عمله، فقد تبدو تلك الدقائق متوافرة في العديد من البرامج الحاسوبية او في المراجع والمصادر التخصصيه كان تكون على شكل صور فوتوغرافية، ويمكن ان يستعان بها وبشكل مباشر من خلال لصقها في المخططات او الخرائط الخاصة بالأعمال الفنية وهي ماتستخدم الان في العديد من التصميمات وعلى النحو الذي ذكرناه، الا اننا هنا نؤكد مرة اخرى على ان العمل المتميز هو ذلك العمل الذي يبتعد عن كل تنميط او ترهيل او رتابة أي انه العمل الذي يلجا الى الرؤى الجديدة ذات الخصوصية والتفرد.
ان على المصمم في مثل هكذا موقف ان يلجا الى الاستعانة بكل ما هو جديد في تصميمه من خلال ان يلتقط كل جديد، وهنا لابد للإشارة ان على المصمم ان يرسم ويخطط كل ماهو جديد إلا إننا نؤكد مره أخرى ان التصوير يسهل ويختصر للمصمم الكثير من الأمور التي قد لا تؤثر على التصميم ومخططاته فيما لو ظهرت على شكل صور فوتوغرافية لا رسومات ولكي ندرك هذه الحقيقة هناك فصل كامل عن علاقة الرسم بالتصوير، أي إننا هنا نشير ونؤكد في ذات الوقت ان الرسم هو مهم للغاية الا انه بحكم تقنية التصوير الفوتوغرافي وبحكم التأثيرات المرئية المنفذة عبر الكومبيوتر أصبحت عملية التصوير الفوتوغرافي بديل مناسب في اغلب الأحيان، وهو ما اتضح بشكل واسع وكبير على العديد من التصميمات العالمية الحديثة التي تستعين بالتصوير الفوتوغرافي.
إذن هي دعوة لكل مصمم في ان يدرك التصوير الفوتوغرافي ودعوة لان يجيد استخدام الكاميرا الفوتوغرافية وان يحسن من مهارته في عمل التصوير ليبدع في خلق رؤيا جديدة في أعماله الفنية وذلك للعلاقة التي تبدو وثيقة في التصوير والفنون الأخرى اجمع.
المصور الصحفي والإعلامي
كثير من المهتمين بالصحافة او الاعلام يمزجون عمل المصور الصحفي بالعمل الصحفي او ضمن المهن الصحفية، كونه عمل يتصل اتصال مباشر بالصحافة او الاعلام، ذلك لبروز اهمية الصورة الصحفية او الاعلامية بشكل عام في الاعلام، حتى اصبح المصور جزء اساس من العملية الاعلامية، ونتيجة لهذا العمل الذي تخصص بالعديد من الميزات الاعلامية البحتة اصبح للمصور الذي يقدم في العمل الصحفي او الاعلامي واجب مميز وخاص، لذا المصور في الاعلام يتميز بمميزات خاصة تميزه عن باقي المصورين الآخرين(1)، كمصوري حفلات الأعراس او مصوري صور المعاملات او المصورين الذين يعملون في شركات الانتاج السينمائي والتلفزيوني للاعمال الدرامية … الخ.
ان المصور الصحفي يحمل من المواصفات الهامة التي تجعل منه اساس لتحقيق العملية الاعلامية فهو يرفد كل الاخبار والموضوعات الاعلامية بتحف نادرة لاتقدر بثمن كونها تعبر ببلاغة عن الموضوعات التي يتم تناولها، لذا نرى ان اكثر الصحف والمجلات العالمية تحتفظ بمجموعة نادرة من المصورين البارعين، اضافة الى ان اكثر المؤسسات الاعلامية تضم في مراكزها اقسام اساس للتصوير الصحفي او الاعلامي، لذلك نرى على سبيل المثال اقسام عديدة في المؤسسات الاعلامية للتصوير، فهناك قسم لمصوري الاخبار وقسم لمصوري البرامج وقسم لمصوري الرياضة وقسم لمصوري النقل الخارجي وقسم لمصوري الاستوديو الذين يرابطون في الاستوديو على عكس مصورى النقل الخارجي الذين ينتقلون بسيارة النقل الخارجي الى الملاعب الرياضية لنقل مباراة بكرة القدم او ينتقلون الى وزارة من الوزارات الرسمية لنقل مؤتمر صحفي او الانتقال الى جامع لنقل صلاة الجمعة او الانتقال مركز مهم من المراكز الرسمية وغير الرسمية لنقل وقائع النشاطات الخاصة بذلك المركز او الانتقال الى دول اخرى ان تطلب الامر لتحقيق نقل مباشر لنشاطات او احداث مهمة.
اذن المصور الاعلامي حقيقة اساس لنجاح المؤسسات الاعلامية كونه يحقق من المكاسب التي تسعى لها اكثر المؤسسات، وعلى ضوء ذلك تتبنى الكثير من المؤسسات أساليب متعددة لتطوير مهارات المصورين، فتزج المصورين بدورات تدريبية بمراكز التدريب المحلية والدولية وذلك لمنحهم دروس وخبرات في مجال التصوير والمهن المرتبطة به، فعلى سبيل المثال كان للمؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون في العراق معهد خاص بتدريب الاعلاميين، وكان هذا المعهد يقوم بدورات تطويرية وتدريبية للمصورين الذين يعملون في الاذاعة والتلفزيون، وكذلك هو الحال مع وكالة الانباء العراقية التي كانت حريصة على تطوير امكانيات ومهارات المصور التابع لها، حتى ان من المصورين ممن ذهبوا الى خارج العراق لتلقي الدورات التدريبية في دول اوربية واسيوية متقدمة في مجال التصوير، وكذلك هو الحال مع المؤسسات الاعلامية الاخرى في دول الخليج العربي او في مصر او في باقي الدول العربية.
ان مسألة اعداد مصور صحفي تبدو للوهلة الاولى مسألة سهلة وغير معقدة، فكثير من الناس يتصورون ان الصحف والمجلات على سبيل المثال تحتاج الى صور وهذه الصور يمكن الحصول عليها من أي مصور يمتلك كاميرا او يمكن الحصول عليها حتى من الارشيف، متناسين الدور الذي تلعبه الصورة والخطورة التي يمكن ان تبعثها في حال عدم توافر عناصر النجاح بها، فأي صورة صحفية تظهر في الصحف او المجلات معرضة لكم هائل من البشر او المتلقين وهذه الصورة بحكم المشاهدة ستكون محط نقد ومحط حديث في اغلب الأحيان لذا كان نشرها غاية في الحذر والحيطة وكان في ذات الوقت غاية في النجاح والتأثير حال نجاحها، ولعل صور الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين التي عرضت في اغلب صحف العالم تقريبا دليل على ذلك، فقد عرضت الكثير من الصحف صور الرئيس المخلوع صدام حسين اثناء اللقاء القبض عليه وقد ترددت الكثير من الإشاعات والأقاويل حول الصور الملتقطة له اثناء القبض عليه، حيث برزت اقاويل تفند صحة الاخبار المنشورة عن تاريخ القاء القبض عليه، فهناك من يقول ان تاريخ إلقاء القبض كان قبل موعد نشر الخبر باشهر وذلك لوجود نخلة مثمرة في الصورة وهذه النخلة لايمكن ان تحمل الثمار الا في موعد محدد من العام وهذا الموعد مخالف للوقت الذي اعلن فيه القاء القبض على الرئيس المخلوع، من جانب اخر ضهرت صورة للرئيس المخلوع وبجانبه مجموعة من الجنود الامريكان وهم يرتدون زي للجيش الامريكي ومن بين اولئك الجنود جندي يرتدي حذاء مخالف لاحذية المجموعة، وهو ما يقود الى ان يتصور البعض بان هذا الجندي هو ليس من الجيش الامريكي، كون ان الحذاء الذي يرتديه الجندي هو للجيش العراقي.
ان هذه الامور التي تم ذكرها بشأن صورة الرئيس المخلوع صدام حسين ممكن ان تتكرر وبأنواع متعددة مع الكثير من الاخبار او الموضوعات الاعلامية في حال توفر اهمية للموضوع توازي اهمية خبر القاء القبض على الرئيس العراقي المخلوع، وهذه الامور في الواقع انما هي صلب عمل المصور الصحفي الناجح فهناك دقة وتركيز وامانة لنقل الاحداث والمواقف، وهذه جزء من المميزات التي لابد وان تتوفر في المصور الصحفي او الاعلامي ليكون مصور ناجح او مقبول، وبطبيعة الامر هذه المسائل التي ذكرت هي اسباب ودوافع لان تقود المصور في ان يلتقط ما يعزز نجاحه في تغطية الحدث او الخبر او الموقف لتحقيق العملية الاعلامية المرجوة، لذا كان على المصور ان يتحلى بالكثير من المواصفات الخاصة والمميزة ليكون اهل للمكانة التي هو يحتلها، فمسألة ان يكون شخص مصور في المؤسسات الاعلامية مسألة ليس بالهينة او السهلة فهي صعبة المنال للغاية، فهناك الكثير من المصورين على سبيل المثال يحلمون بان يصبحوا مصورين في قنوات فضائية او في صحف محلية ودولية او ان يعملوا مساعدين حتى في هذه المؤسسات، كون ان المصور الصحفي وخصوصا الذي يعمل بمؤسسات اعلامية كا (C.B.S) او الـ (B.B.C) او ( الجزيرة) او (التايمز) او (CNN) او ( الواشنطن بوست) او مؤسسات اخرى مرموقة يتمتع بالكثير من الحوافز والمخصصات والحقوق او المميزات التي تمنحه فرصة ذهبية في العمل والحياة، فأي مصور على سبيل المثال يعمل مع هذه المؤسسات التي ذكرت يتمتع بمرتب شهري يفوق مرتب مدير عام في دولة من دول العالم الثالث، ويتمتع بنفس الوقت بفرص للسفر الى دول خارج بلده والسكن بافضل واحسن الفنادق العالمية وبنفس الوقت يعمل مع احدث التقنيات في العالم، وموفره له وسائل للراحة لايمكن ان توفر لمصور متجول يعمل في وسط العاصمة العراقية بغداد بالباب الشرقي مثلا او لمصور متجول يعمل في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة، ان هذه الامور حتما ستكون اسباب لخلق التنافس بين المصورين للعمل في مؤسسات اعلامية مرموقة وهو ما جعل اكثر المسؤولين في المؤسسات الاعلامية بدول العالم الثالث ان يكونوا اسباب اساس في فشل المؤسسات التي يديرونها، فهذه المميزات من اجور عالية وتقنيات عالية وسفر ممتع وامور اخرى قادت اولئك المسؤولين في تلك المؤسسات الى ان يوفروا هذه الفرص لمن هم اقرباء لهم او لمن هم ابناء لمسؤولين في الدولة وكأن فرصة العمل كمصور اشبه ما تكون تكريم لهم، فعلى سبيل المثال كان المركز الصحفي في وزارة الثقافة والاعلام بالعراق يضم مجموعة كبيرة من المصورين الذين يعملون في مؤسسات اعلامية مرموقة واغلب هؤلاء المصورين هم اما اقارب لمسؤولين في الحكومة العراقية كأن يكون وزير او ضابط كبير في المخابرات او شقيق لقائد في الجيش او ماشابه ذلك، حيث ان المبالغ التي تمنح للمصورين او للاعلاميين تفوق كل مرتبات المدراء العامين العاملين في وزارة الاعلام، وفي بعض الاحيان تتفوق على مرتب وكيل الوزير في حكومة جمهورية العراق ابان فترة فرض الحصار الاقتصادي، ولعل ابن وزير المالية العراقي السابق دليل على ذلك، فحتى سقوط النظام العراقي السابق في التاسع من نيسان من عام2003 م كان يعمل ابن السيد وزير المالية ونائب رئيس الوزراء في حكومة العراق، كان يعمل في قناة ابو ظبي وقبلها كان يعمل مع المنتج العراقي الفنان فيصل الياسري رئيس مجلس مؤسسة الديار الفنية التي كانت مسؤولة تنفيذية لقناة الجزيرة القطرية وقناة ابو ظبي الاقتصادية، وكذلك هو الحال مع شخصيات أخرى عديدة كانت تعمل بالمؤسسات الإعلامية المرموقة وهي تدفع للجهات الأمنية والمخابراتية مئات الدولارات شهريا لتبقى محافظة على مراكزها بالعمل مع تلك المؤسسات، وهذا الامر ليس في العراق فحسب بل هو موجود وللاسف في اكثر المؤسسات العربية ومؤسسات العالم الثالث، لذلك كانت هذه اسباب مباشرة في تردي عمل التصوير وانحداره، فهذه إشارات مهمة نحو العمل الإعلامي الذي نحن بصدده، وهي بذات الوقت دلائل للاهمية التي يتمتع بها العامل في المجال الإعلامي ودلائل للفرص العظيمة التي يمكن ان يحصل عليها جراء العمل في هذا الحيز.
ان الفرص التي تمنح للعمل في المؤسسات الاعلامية قادت في اغلب بلدان العالم الثالث الى تردي المستوى الاعلامي وقادت الى تفشي الفساد الاخلاقي في ذات الوقت، حيث ان العمل في الاعلام بحكم المميزات التي يمنحها جعل من المنافسة أن تكون حادة عليه، ومن ثم اصبح العمل في الاعلام لمن هم يمتلكون النفوذ، حتى ان بعض المسؤولين الكبار في بعض الدول فضلوا العمل كمستشارين اعلاميين في السفارات الخارجية بدل العمل كضباط للمخابرات او وكلاء لوزراء او حتى وزراء، وهي حقيقة لا تزال موجودة في اغلب دول عالم الثالث حتى يومنا هذا، وبطبيعة الحال ان مثل هذا الامر سيقود الى تردي الواقع الاعلامي لهذه الدول كون ان الاعلام علم وخبرة وفن وتخصص حساس جداً ولا يمكن لكل من هب ودب ان يتدخل به او ان بتبوء مناصب فيه او ان يحدد العاملين فيه، وبما ان اولئك الذين عملوا في هذه المراكز الاعلامية الحساسة دون تخصصات إعلامية كان الامر بواقع غير صحيح في هذه المؤسسات الاعلامية.
المصور في العمل الاعلامي يتمتع بكثير من المخصصات التي يحسد عليها وبذات الوقت يتحمل اعباء تبدو غير منظورة لمن هم غير مختصين في التصوير، فهناك مواقف غاية في الخطورة والصعوبة يتعرض لها المصور اثناء العمل الذي يقوم به في المجال الاعلامي، فبعيدا عن الموت الذي قد يتعرض له بأي وقت جراء تصوير خبر عن قوات اسرائيلية في فلسطين تحتل منطقة ما او جراء تصوير غارة جوية في منطقة خطرة او ماشابه ذلك، وبعيدا عن الخطف الذي قد يتعرض له كما حدث لبعض المصورين البولنديين او الايطاليين في العراق ابان الاحتلال الامريكي، هناك مواقف غاية في الخطورة، ابسطها على سبيل المثال التعرض الى ركلات او كدمات من حماية الرؤساء والوزراء والمسؤولين خلال اجراء اللقاءات معهم في المؤتمرات الصحفية او في تغطية الاخبار السريعة، فلي صديق يعمل في وكالة ( الاسوشتد بريس AP) تعرض انفه للكسر اكثر من مرة، آخرها عند كان يصور لعضو مجلس الحكم العراقي الدكتور احمد الجلبي، حيث تزاحم اكثر من عشرون مصور لمجموعة مؤسسات صحفية من اجل تصوير خبر عاجل عن د.احمد الجلبي الذي منح خمس دقائق فقط حول التصريحات الصحفية لضيق وقته وبينما كان يتسارع مصور الـ (AP) حول مكان ذلك المسؤول المهم لتصوير لقطة فوتوغرافية تعرض الى لكمه على انفه الذي هو بالاساس مركول مرات عديدة، مع العلم ان هذا المصور يمتلك من الخبرة في هذا الصدد تحول دون وقوع مثل هكذا موقف، ومع ذلك ركل بيد احد رجال الحماية، وهناك من المواقف الكثيرة ماهي تعرض المصور الى مواقف لا يحسد عليها مثل الانتظار الطويل كان يبقى المصور في مكان ما ينتظر خروج المسؤولين من الاجتماع الذي لايعرف متى ينتهي ولايعرف ان كان سيصرح احد المسؤولين عن الاجتماع او انه سيتحفظ عن ذكر أي شيء ليعود المصور بعد انتظار طويل دون نتائج كذلك هناك من المواقف المحرجة والخطيرة، في عمل المصور منها ان تتعرض أدواته وكاميرته للكسر او السرقة او الإتلاف من خلال تعامله مع مجموعة من الأشخاص الذين لا يتواءمون مع ما ذهب أليه المصور وبالتالي تكون هناك نتائج غير متوقعة او محرجة، في بداية عام 2001 وقعّ العراق مع مصر اتفاقية التجارة الحرة، تمت مراسيم التوقيع في مجلس الوزراء المصري بالقاهرة، وبينما كنت أغطى هذا الاتفاق إعلاميا أنا وصديقي مظهر المسعودي مدير وكالة الأنباء العراقية في القاهرة ومجموعة هائلة من المحطات الفضائية كالـ (CNN) و (CBS) و ( الجزيرة) ومحطات عديدة أخرى، ازدحمت هذه الوكالات والمحطات بمراسليها ومصوريها، وقف اكثر من ثلاث ساعات انتظر أنا وباقي الوكالات لنعرف ما سيتم التوصل اليه، وما ان خرج رئيس الوزراء المصري الدكتور عاطف عبيد ومجموعة من وزراء مصر مع نائب رئيس جمهورية العراق آنذاك طه ياسين رمضان، حتى شعرت اني قد حوصرت تماما من قبل المسؤلين والمراسلين والاعلاميين حيث اصبح المجال أمامي اقل من خمس سنتميترات لتصوير وجه الدكتور عاطف عبيد والعدسة التي في كاميرتي – هي ذو بعد بؤري متوسط أي انها لايمكن ان تلتقط بمسافة خمس سنتميترات، والصحفيون والمصورون يتصارعون بعدساتهم لالتقاط أي لقطة فالمكان غاية في الضيق كون ان الحماية والوزراء والصحفيين واقفون في مكان واحد وهو الامر الذي دعى ان اغير العدسة وبسرعة فائقة ووسط هذه الزحمة وانا لا اعرف كم سيقف رئيس الوزراء وهل ان مكاني سيبقى محجوز لي ام ان مصور آخر سيستغل فرصة تبديل العدسة ويدفعني ليستحوذ على مكاني، قررت ان ابقى دون تغيير العدسة والرجوع قليلا لالتقاط الصورة ثم ابتعدت اكثر وأسرعت اسفل السلم لالتقط صورة واضحة وبهية لرئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية، تحايلت كثيرا لاحتل المكان الذي يوائم اللقطة التي ابتغيها حتى التقطت الصورة الفوتوغرافية.
صورة لرئيس الوزراء المصري د.عاطف عبيد مع نائب رئيس جمهورية العراق السابق طه ياسين رمضان خلال توقيع اتفاقية التجارة الحرة
ان المكان الذي دخلت فيه لا اعرفه جيدا فدخولي له هو المرة الاولى لي ولا اعرف عنه شيء لكن فترة الانتظار منحتني فرصة لان اكتشف المكان جيدا وابحث فيه مناطق الجمال واحتمالات التصوير الناجحة، وبالفعل تمكنت من التقاط الصورة وبشكل مرضي ومعقول، ولكن بعد مداهمات عديدة مع المصورين في احتلال المكان المناسب لالتقاط الصورة، وبعد صبر وعناء للمجاملات مع العاملين في الاعلام وفي المبنى، وبعد اقتناص الفرصة الملائمة للالتقاط وهذه من الامور التي قد تبدو غير محسوبة او غير سارة للبعض خصوصا وان هذه الأمور هي جزء بسيط من المعاناة الاخرى والمزعجة التي سبقت وقت توقيع الاتفاقية، فالاعلاميين ينتظرون من الساعة الثامنة لكي يسمح لهم دخول مجلس الوزراء، وبعد عمليات تفتيش المعدات والتأكد منها دخلوا في الساعة التاسعة ثم انتظروا في باب المجلس الداخلي قرب حديقة صغيرة بالمجلس اكثر من ساعتين، بعدها دخلوا للمجلس وانتظروا ايضا في الباحة ساعة اخرى، حتى سمح لهم بالدخول ولمدة خمس دقائق فقط للتصوير داخل المجلس، ثم أغلقت أبواب المجلس لاكثر من ساعتين تقريبا حتى خرجوا لعقد اجتماع اخر في الطابق العلوي من المجلس وانتظروا الإعلاميين وأنا معهم ساعة ونصف ثم خرجوا المسؤولين مسرعين، ثم وقفوا للتصريح باقل من خمس دقائق حتى خرجوا من المجلس بشكل عام.
ان هذه الظروف التي يمر بها المصور قد تبدو جميلة امام المصور الهاوي الذي يحلم بان يكون في مكان يرى فيه مجلس الوزراء المصري ويصور شخصيات بمستوى نائب رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، الا ان هذه الظروف تبدو مزعجة ومملة امام المصور المحترف الذي اعتاد على التصوير في هذه الاماكن واعتاد على مشاهدة وتصوير المسؤولين الكبار وليس في الامر شيء جديد امامه، بل على العكس يرى ان الانتظار الطويل مزعج والمداهمات مع المصورين حول المكان الذي سيقف فيه امر متعب والاذلال الذي يتعرض له من الحرس ورجال الشرطة او الحماية امر في غاية الصعوبة خصوصاً وان المصور المحترف حين يذهب لمثل هذه الأماكن هو بالأساس مدرك جيداً لما ستحول له الظروف والمواقف بهذا الشان، فهو عارف جيداً بان الانتظار لربما يكون بخمس ساعات او اكثر، وبذات الوقت ياتي قبل الموعد بساعة على اقل تقدير لان الانتظار لربما يكون بخمس دقائق او اكثر او لربما تحدث امور مفاجئة، وفي حال عدم تصوير أي مواقف او أمور قد تحدث بشكل مفاجئ سيكون الموقف محرج للغاية وستكون هناك عواقب غير مرضية، او غير سارة، الامر الذي يقود الى ان يكون المصور بمواصفات غير اعتيادية او مواصفات خاصة، وعموماً هناك مواصفات لا بد للمصور الصحفى أن يتحلى بها وهى:-
* الصبر: اهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها المصور في العمل الصحفي، الصبر والقدرة على الانتظار او القدرة على التحمل في العمل من اجل الحصول على المعلومة والصورة، حيث لا قيمة للصورة دون معلومة ولا قيمة للمعلومة دون صورة في التصوير الصحفي.
ان هذه الميزة قد تكون سهلة او بسيطة للمصور المستجد في العمل، الا انها بعد التمرس وبعد ان يرتبط في العديد من المسؤوليات الاخرى يجد انها مسألة ليس بالسهلة، لذا توجب على المصور ان يدرك امر مهم للغاية وهو التفرغ للتصوير وعدم الارتباط بمسائل اخرى تعيق عمله وتحرجه ومن ثم تقوده الى ان يقصر في واجبه التصويري.
اثناء عمل المصور تحدث العديد من المواقف التى تكون اشبه بالمغريات او الفرص التي يتحين لها البعض وخصوصا ممن لم يزاول مهنة التصوير، حيث تتشكل علاقات عمل او علاقات شخصية او علاقات غرامية او ما شابه ذلك، وهي بالواقع قد تكون فرص مرغوبة للبعض في ان ينظر في جوانبه الشخصية ليحقق منافع ذاتية، الا انها بالنتيجة تكون فرص للتقصير في عمله ومن ثم قد تكون اسباب في ضياع او فقدان مهنته ووظيفته، ان هذا الجانب في الواقع لم يتم تناوله في الكثير من المصادر المختصة كون هذه المسالة يمكن ان تحدث ليس فقط مع المصور بل يمكن ان تحدث مع الكثير من المهن الاعلامية وغير الاعلامية، لكن هنا توجبت الاشارة الى ان هذا الحال يكون مع المصور بشكل ادق واعمق، كون ان المصور يقترب من الحدث بشكل تفصيلي ودقيق جداً فهناك الكثير من المصورين تستمر علاقاتهم مع الاشخاص الذين يتم تصويرهم ولا باس ان تكون هناك علاقات مستمرة الا ان المطلوب ان تكون هذه العلاقات ذات منفعة للعمل الذي هو بصدده، كان تسهم هذه العلاقة في ان يحصل المصور على اهم واخر المستجدات التي تهم موضوع الاعلام والحصول على فرصة بان تتاح له فرصة قادمة بالتصوير بشكل متميز، لا ان يستغل المصور مكانته ويلجا الى المتاجرة بالصور او استغلال الشخصيات التي يصورها بمنافع شخصية او مطلبية بحتة ومن ثم يخلق حالة سلبية بان يعكس صورة سيئة عن المؤسسة الاعلامية التي يعمل معها، والواقع ان هذا الجانب يدخل ايضاً في جانب نزاهة المصور وعفته كان لا يرضخ للمغريات التي قد تحدث امامه ومن ثم يتمكن من ان يعكس صورة مشرقة او مشرفة للمؤسسة التي يعمل بها.
هناك أمور اخرى تتعلق بالمزايا التي يجب ان تتوفر في المصور الصحفي تكمن في شخصية المصور نفسه، وهي الأخلاق النبيلة حيث ان المصور وكما ذكرنا يكون معرض للكثير من الظروف والمصادفات التي يمكن ان تستثمر لموضوعات عدة خارج عمله، كان تستغل النتائج التي يحصل عليها من خلال عمله لصالح مؤسسات اخرى مشابهة وفي هذا الامر يكون المصور قد اخلى بمهامه التي اوجد من اجلها وخان الامانة التي اوتمن عليها في عمله حيث ان المؤسسة التي يعمل معها توفر له ضروف ومناخ خاص بالعمل الصحفي ولا يمكن لاي مصور ان يدخل هذا المناخ الا من خلال المؤسسات الصحفية، فالمؤسسة تؤمن المصور على امانة العمل وعلى الظروف التي تمنح المصور العمل ودون رقابة مقننة، فبإمكان المصور ان يستغل نتاجاته الصورية كان تكون صور حساسة او صور تفضح بعض الشخصيات النسائية والرجالية او صور لرؤساء جمهوريات وملوك أو وزراء لأو صور يمكن ان تكون تعبير عن مواقف غير صحيحة وما الى ذلك من امور تتعلق باستغلال الموقف او الحالة، وهنا تحتم على المصور ان يعمل باخلاقه النبيلة وان يبتعد عن كل ما يمكن ان يشكل استغلال دنيء او غير شريف، فهناك الكثير من الفرص التي يمكن للمصور ان يستغلها لتحقيق منافع شخصية، فعلى سبيل المثال في دائرة السينما والمسرح العراقية كان هناك ارشيف صوري للنجمة السينمائية سعاد حسني اثناء مراحل التصوير حين مثلت في فيلم القادسية الذي صور في العراق، وهو في الواقع ارشيف صوري نادر فيه الكثير من المواقف والاحداث الوثائقية المهمة وغير معروضة لهذه النجمة خلال فترة إقامتها في العراق، وعند وفاة هذه النجمة الكبيرة واعلن في الصحف عن الاخبار التفصيلية عن الوفاة كانت هناك ضجة اعلامية كبيرة، وبهذه المدة تحديدا فُقِدَ هذا الارشيف الصوري المهم، وبعد مدة قصيرة تحدثت احدى المخرجات العراقيات في مصر عن ان هذا الارشيف الصوري المهم، وقالت ان الارشيف الخاص بالفنانة سعاد حسني قد تم بيعه لاحدى المؤسسات الاعلامية بصورة غير شرعية من خلال موظفين في دائرة السينما والمسرح، الواقع ان هذا الارشيف الصوري كان مؤمّن في هذا الدائرة من قبل مجموعة من المصورين ومجموعة اخرى من الموظفين، وبطبيعة الحال الموظفين لا يدركون ولا يعرفون بالاساس قيمة هذا الارشيف وحتى لايعرفون مكانه، لكن المصورين يدركون وبشكل جيد اهمية الارشيف وفي هذه الفترة التي تم بها الاعلان عن وفاة النجمة سعاد حسني بل ويعرفون ايضاً المكان الذي يحفظ به الارشيف الصوري والمواد الفلمية الغير ممنتجة (الرشز Rushes)،وهناك الكثير من هذه المواقف غير الطيفة يمكن ان تحدث في أي وقت في حال ابتعاد المصور الصحفي عن النزاهة والأخلاق النبيلة التي تؤمن له العمل بصورة صحيحة دون أي مسائلة او اهانة او تشكيك، حيث ان المصور يمكن ان يتعرض للمسائلة القانونية التي يمكن ان تطول الى ان يسجن او يحكم باحكام تؤذيه في حال ارتكابه مثل هكذا مواقف، كان يكون مستغلاً لطبيعة العمل الذي يقوم به، والامكانيات المتاحة له، والفرص التي يمكن ان تستغل من قبل شركات او مؤسسات منافسة اخرى، وهو الامر الذي يدعو الى ان يتحلى المصور الصحفي بالمزيد من النزاهة والاخلاق الرفيعة والصبر، وهنا نؤكد مرة اخرى على الصبر كون ان المصور يمكن ان يتعرض الى مواقف مغرية جداً كان يبيع بعض الصور او المشاهد الصورية لمؤسسات اخرى تدفع له من المبالغ المرتفعة فيقوم بتصوير اكثر من نسخة على سبيل المثال للمواضيع التي يصورها، ومن ثم يقوم ببيعها على المؤسسات الاعلامية المستفيدة، والواقع هذا الامر يقود الى ان المصور لا يتمتع بقدرة الصبر بحيث انه لا يحتمل الموقف امام العروض المغرية وبالتالي يلجا الى ان يخون عمله او مهنته.
* الدقة بالموعد : امر غاية في الاهمية بالعمل الصحفي كون ان أي تاخير يقود الى عواقب وخيمة في كل المؤسسة الاعلامية، وهذا الامر ليس فقط في العمل الذي يتعلق بالتصوير بل في الاعمال الاخرى المرتبطة بالاعلام بشكل عام، فهناك اوقات ومواعيد ثابتة في المؤسسات الاعلامية للنشر والتوز