سيكولوجية الشخصية… الدكتور أسعد الأمارة 2
الاختبارات الاسقاطية
ظل سيجموند فرويد(مؤسس التحليل النفسي) يؤمن بان الناس يستطيعون دائما اسقاط الادراكات والمشاعر والانفعالات والافكار على العالم الخارجي دون الشعور منهم بذلك .والاسقاط يعرف بانه”حيلة نفسية ينسب فيها الشخص سماته الذاتية وعواطفه وميوله لموضوعات بيئية من اشخاص واشياء”والاسقاط هنا لا يقتصر على كونه حيلة دفاعية وانما يفهم بالمعنى الواسع للفظة ،ومن ثم فهو اساس لما يعرف بالطرق الاسقاطية Projective Methods في الاختبارات والمقاييس النفسية مثل اختبار بقع الحبر ل”رورشاخ Rorshsch ” واختبار تفهم الموضوع T.A.T واختبار تداعي الكلمات واختبار رسم المنزل والشخص والشجرة واختبارات اخرى.
فالاختبارات الاسقاطية اساليب غير مباشرة تكشف عن اتجاهات الفرد بان تجعله يستغرق في اداء مهمة يستعين فيها على قدرته على التخيل والابتكار ،بحيث يغفل عن الضبط الشعوري الارادي ويتجنب الحرج.
وضعت الاختبارات الاسقاطية بحيث تفتح عالم المشاعر والدوافع اللاشعورية وتطلب من المفحوص ان يستجيب الى مثير غير محدود وغامض نسبيا ،فربما يسأل المفحوص في اختبار تداعي الكلمات او بقع الحبر ،او يخلق قصة او صورة او يكمل قصة ناقصة حول موضوع ما.وكثيرا ما حلل الكلينيكيون الشخصية عموماً ،والسلوك خصوصا خلال فترة تطبيق الاختبار من خلال استجابات المفحوص المباشرة. ويرى البعض في تطبيق اختبار ال”رورشاخ”بعض نواحي المقابلة المقيدة ،وعد التردد الذي يبديه المفحوص في استجاباته اثناء تطبيق الاختبار بوجود علامة قوية على القلق ، بينما فسرت قلة الاستجابات المختصرة على انها وسائل للدفاع .واستخدمت الاختبارات الاسقاطية بشكل واسع في العديد من الاهداف لكشف جوانب من الشخصية التي يصعب قياسها بالوسائل الاخرى المتاحة ،ومن امثلة ذلك ما يقيسه اختبار تكملة الجمل ونورد بعض الفقرات من اختبارات تكملة الجمل :
– اني اشعر …
– انا ارغب …
– ابي …
– قلقي الاكبر …
وتحلل الاستجابات عادة بطريقة غير مقننة لتحديد الاتجاهات الانفعالية نحو اشكال الحياة المهمة ،ونحو الماضي ومصادر الصراع الحالي والمشكلات الشخصية.
تزود الاختبارات الاسقاطية الباحثين والاخصائيين السيكولوجيين بقدر كبير من المعلومات عن تلك الجوانب المستورة من الشخصية ،فقد اظهرت هذه المقاييس تقدير درجة الاضطراب النفسي والتنبؤ بطول فترة البقاء في مستشفى الامراض العقلية او تحديد نمط الشخصية او الجانب المعرفي والانفعالي فيها،وخصوصا اذا كان الباحث مدرب تدريبا جيدا ولديه من المران والخبرة اللازمة في تفسير اسقاطات المفحوص اللاشعورية المختلفة.
اختبارات اخرى
مثل :
اختبارات الذكاء ومن اشهرها
1 . اختبار وكسلر –بليفيو لقياس ذكاء الراشدين
2 . اختبار الذكاء لوكسلر للاطفال
3 . اختبار الذكاء الاجتماعي
اختبارات القدرات
وهي مجموعة من اختبارات مثل :
1 اختبارات المهن الكتابية
2 اختبارات القدرة العددية
3 اختبارات الطلاقة اللفظية –الطلاقة الفنية –
4 اختبار الطلاقة الفكرية
5 اختبار المرونة والتلقائية
6 اختبار المترتبات “الاصالة”
7 اختبار الاستدلال اللغوي
8 اختبار الميول والقيم
9 اختبار الميول المهنية
10 اختبارات الاتجاهات التربوية للمعلمين
الفصل الثالث
· الشخصية
· اللاتزامن في الشخصية
· الشخصية والتوافق
· الشخصية وسوء التوافق
· توافق الشخصيةعبرميكانيزمات الدفاع
· الشخصية السوية والشخصية المضطربة
· بين السوية واللاسوية
· الشخصية ومسار الفعل
الشخصية
الشخصية مزيج معرفي نمائي يشمل جميع مكونات الذات ويتحدد تأثير تلك المكونات حسب قوة الحاجة التي تريد الاشباع ،حتى يتم التوازن في الشخصية ويؤدي هذا التوازن الى النضج ،وعكس ذلك فان الاختلال يؤدي الى فقدان التوازن والمتمثل في الاضطراب ، تتأثر الشخصية بالبيئة وتؤثر فيها وتتاثر بالوراثة فضلا عن تأثير قوة التكوين الذي ربما يعد العامل الاهم في هذه المعادلة لتكوين الشخصية ،فالشخصية مكون متعدد الاصول والعوامل والمسببات ،والكل مؤثر بدرجات متفاوتة في اداءها ،لذا من الصعب اغفال احد هذه العوامل المؤسسة لنمط الشخصية وليس خطا ان نقول ان هناك ثلاثة عوامل اساسية تؤثر في الشخصية وتتأثر بها وتلك العوامل: العامل الوراثي والعامل البيئي والعامل التكويني. وعليه فان الشخصية يتحدد سلوكها في السواء او اللاسواء من خلال تداخل بعض العوامل التي يمكن صياغتها بالمعادلة التالية :
سلوك الانسان = الاستعداد × الاعداد × الدافعية
وراثي بيئي حالة الانسان الان وما هوعليه
فالسلوك اذن يدفع الانسان لان يعمل بالاتجاه الذي تسير عليه نمط الشخصية ، ويؤثر في هذا السلوك العامل الوراثي والبيئي وقوة الدافعية ،اي بمعنى ادق الحالة النفسية التي هو عليها الفرد في الموقف وفي اللحظة ،ويؤثر تاثير كل منهما في السلوك وعلى هذا الاساس نجد ان هناك انماطا من الشخصية تتجه نحو تغيير البيئة ،او المحاولة في تعديل السلوك لكي يتناسب مع البيئة المراد التكيف معها ، ولما كان كل ما هو مكتسب يمكن التلاعب به وتعديله ،فهو بالامكان تصحيح مساره ، اما العامل الوراثي
فمن الصعب تغييره او حتى تعديله، والعامل التكويني هو في الحقيقة عامل بيئي مع بعض الاسباب المتوافقة معه مثل تكوين خاص بكل فرد ، وعليه فان تغيير البيئة ياخذ طابع الغرائز في الاستخدام وخصوصا العدوانية مثال ذلك (الشخصية المندفعة) او الغرائز الجنسية مثل(الانحرافات الجنسية) في مقابل انماط اخرى من الشخصية تميل الى تغيير الذات اساسا ،وقد تستخدم الغرائز العدوانية مثل الشخصيات المكبوتة او تستخدم الغرائز الجنسية مثل الشخصية الاعتمادية. اننا نسعى في هذه السطور وهي محاولة فردية اجتهادية نود ان نبين ان تأثير النضج هو عامل مؤثر في الشخصية وفي اداءها ، وليس كل الشخصيات،فالشخصية المضادة للمجتمع “العدوانية- السيكوباثية” لا يؤثر فيها النضج ولا تعدل من تعاملها اطلاقا ، ولكن البعض من انماط الشخصية تستمر في النضج والتعديل والتحسن بمرور الزمن ، وهي صفة بها من الثبات والتطور كما بها من النضج ، حتى تبدو علامات النضج في السمات والصفات اساسية وتميز صاحبها لتعطيه هوية مميزة خاصة به ،وازاء ذلك فأن الشخصية تكون ذات طابع نوعي وفريد في الانسان يحمل مجموعة مواقف او خبرات ماضية او قائمة بشرط ان تكون اثرت في السلوك العام للفرد وتركت اثارا واضحة على شخصيته.
اللاتزامن في الشخصية
يقوم الانسان بانشطة مختلفة وانماط متنوعة من السلوك يبتغي منها اشباع حاجاته النفسية والعضوية ايضاً،فهو يتعامل من خلال هذه الانشطة مع المواقف والامور والاشياء بما يكفل له التوافق مع البيئة الخارجية ،ولما كانت الشخصية في احد تعريفاتها هي مجموعة الصفات الجسدية والنفسية(موروثة ومكتسبة) والعادات والتقاليد والقيم والعواطف متفاعلة كما يراها الاخرون من خلال التعامل في الحياة الاجتماعية،فأن سلوك الفرد وتعامله هو شخصيته وتكوينه الجسمي والنفسي والانفعالي ،وربما كان اشد الامور خطراً في حياة الافراد وهم في حركتهم الدؤوبة
في المجتمع ،الشعور بالتصدع في الشخصية ،او تفككها بما ينعكس ذلك في عدم التوافق الداخلي للفرد ،وسوء التوافق الخارجي ،وما يترتب عليه من تشقق في الابنية النفسية وتأكلها بمرور الزمن ،وهذا ينعكس على البناء الاجتماعي للفرد،وقد يصل الامر في احيان كثيرة،وهي نتيجة حتمية كما نراها ،تصل الى الانهيار النفسي الداخلي والشعور بالتفاوت الواضح في السلوك والتعامل مع الاخرين ،هذه الظاهرة يمكن تسميتها باللاتزامن
A synchronicity .ولو عرفنا ظاهرة التزامن Synchronicity لوجدنا انها تعني:
حصول حالة نفسية معينة في آن واحد مع حدث او عدة حوادث خارجية تبدو كمتوازيات ذات مغزى للحالة الذاتية اللحظية،والعكس بالعكس في بعض الحالات.
اما اللاتزامن A synchronicity
فهي عدم الشفافية التي تعني المطابقة والتكيف مع الواقع القائم،اي عدم تناغم وتجانس كلي بين شخصية الفرد والواقع، وبالتالي فأن الشفافية اللاتزامنية هي اما ان تعتمد على الماضي كليةً ولا تعيش الحاضر ويكون التخلف واضحاً في التعامل السلوكي مع واقع المجتمع ،او مستقبلية لدى الفرد بحيث يعيش الحاضر وهو متقدم على زمنه في السلوك وفي الشخصية.
يعد اللاتزامن في الشخصية مشكلة كبيرة لدى الافراد والشعوب والحضارات التي تسير مع التطور بسرعة وتعيش التحولات الاقتصادية نحو الافضل وخصوصا النمو الاقتصادي المتزايد او التحولات الاجتماعية نحو الانفتاح والتحضر او التحولات التكنولوجية السريعة ،وهذا ينعكس على سلوك افرادها في التعامل مع الاضطراد الواضح والنوعي كل يوم. فاللاتزامن مشكلة فردية وجمعية تؤرق الكثير من الناس في المجتمعات المختلفة غير المستقرة،لانها تعيش سلسلة من حلقات مترابطة ،شكلا ومضمونا وقيما وتعاملا ،ما بين الماضي والواقع(الحاضر) والمستقبل.
لابد من المقاربة الشمولية في السلوك والتعامل بحيث تكون الشخصية واقعية ،تنطلق في التعامل من واقع
الحياة المعاشة(متزامنة) وتبحث في الماضي وتعيش الحاضر وتستشرف المستقبل. ومن هنا فأن انبثاق التزامن ينطلق من الشخصية للتكيف مع الواقع ،لا مخاصمة له كما يبدو في ظاهرة اللاتزامن . فاللاتزامن هو خصام الفرد مع واقعه ،مثل الذي يعيش الحاضر بسلوك الماضي ،ويرى ان الماضي كان هو الاصح ولو لاشعورياً ، وهو الاجمل رغم ان الحاضر منح كل مقومات الراحة والتكنولوجيا والتقدم المهني والمواصلات والاتصالات الحديثة حتى غدا العالم قرية صغيرة كما تقول وسائل الاعلام ،فالذي يمتلك اجهزة التكييف والتبريد والتدفئة في منزله وفي عمله وفي سيارته الخاصة او وسائل النقل العام والمواصلات ، لماذا يحن الى الماضي بكل ما حمله من قسوة وتخلف في البيئة الفيزيقية والاجتماعية والاقتصادية . ان البعض ممن يعملون في العواصم والمدن الكبيرة التي ضمت المراكز التجارية والصناعية ويمتلكون الكثير من وسائل الرفاهية ، يرغب البعض ان يعود فعلا الى الريف او الى الصحراء ليعيش هناك او يتمنى العيش ،لاندري هروبا لفترة وجيزة او حنينا الى الماضي،او نشاهدهم فعلا وواقعيا يمارسون اللاتزامن في السلوك وخصوصا بعض رجال الخليج العربي من السياسيين او التجار او رجال الدولة او بعض الحكام العرب خصوصا ،حينما امتلكوا الطائرات الخاصة في تنقلاتهم وجولاتهم واعمالهم وبعد ذلك حينما ينتهون من اعمالهم ولقاءاتهم الرسمية يعودون الى الخيمة التي بنوها وسط الصحراء وهي عامرة بدلات القهوة والفرش البسيط ويجلسون الساعات الطويلة بمتعة كبيرة وسط اجواء الحر القائظ او البرد الشديد او الريح الصحراوية التي تحمل الحصى والرمال معها رغم انهم يمتلكون القصور الفاخرة وكل وسائل الراحة والرفاهية في منازلهم الخاصة وبكل ما احتوت من وسائل حديثة في الاتصالات والتواصل مع جميع انحاء العالم. انها محاولة طريفة لان نستعرض ظاهرة اللاتزامن في الشخصية من منطلق اللاتوافق واللاتكيف مع الجديد رغم ان جديد اليوم هو قديم الغد ،وقديم اليوم هو جديد الامس ،ونحن اذ نسلط الضوء على هذه الظاهرة التي لا تشمل السلوك الشخصي في التعامل فحسب وانما السلوك مع الاخرين في العمل ،مثل السكرتيرة والموظفين وحتى مع الزوجة ، انها ظاهرة التحضر في السلوك والتعامل في شخصية منقسمة
بين الحاضر وملذاته وما حمل من متطلبات تستوجب من الكل مواكبتها والمعايشة مع الحاضر بكل ما يتطلب لكي يكون السلوك متوافقا مع الواقع ، فلا سبيل للتكيف الا من خلال التواصل مع الواقع ،فيكتشف الانسان الواعي ذاته عبر النمو المتسارع في الحياة المعاشةويتوافق معها . ان الانسان المعاصر في حضارتنا هذه مطلوب منه ان يقوم بوعيين
الاول :الوعي بالحاضر ليدرك التطورات ويعيش مع المتغيرات الحديثة بدون اي احساس بالتباين الداخلي “النفسي”.
والوعي الاخر: وهو الوعي في متغيرات الواقع مع قدرته على النضال حتى الموت من اجل ان يقيم طرفي النضال وهما القدرة على المواجهة والتصدي ،والا فأن الانطواء على الذات سيكون هو النتيجة والمرض العقلي هو الواقع.
ويصدق الحال ايضا ممن عاش في بلاد الغرب وهو من اصول شرقية ،حيث يبدو التباين واضحا وكبيرا في الشخصية، رغم انها تعيش وسط الواقع الغربي وتتعامل معه ،وتعيش فيه ولكن الشعور بالاغتراب يبدو واضحا في السلوك والشخصية ، ويقل هذا اللاتزامن في الشخصية عند الجيل الذي ولد او نشأ وترعرع في الغرب ،فيكون تكيفه اسهل مما عانى منه الاباء او الامهات، وهي اشكالية من الصعب حلها لدى الكبار ولكنها اسهل لدى الصغار ، لانها تتقارب مع السلوك الذهاني حينما نطلق عليه،بأنه يعيش الحاضر من خلال الماضي.
الشخصية والتوافق
اذا كان التوافق في معناه العام يشمل كل نشاط يقوم به الكائن الحي بما يحقق له الاشباع والتلاؤم في سياق تعامله مع الظروف المختلفة فأن الشخصية هي الاخرى دائمة البحث عن التوافق في مسعاها الحياتي ،فهي دينامية ونشوئية تعكس عبر مراحل تطورها لدى الفرد اشباعات مختلفة حتى خلال مراحلها الاولى التي تميز مرحلة الطفولة ،وان كانت الشخصية تتسم بعدم التبلور ،ولكن التوافق يجعلها تصل الى مرحلة المرونة رغم ان هناك درجة من الاهتزاز في تكوين الشخصية ،ففي تلك المراحل قبل تبلورها تارة تميل الى الكبت وتارة الى التفعيل والتفاعل مع الاخرين ،فالطفل حينما يبحث عن التوافق انما ينتقل بين الانطواء والانبساط ،ويعبر في احيان كثيرة عن السلوك العدواني اما من الداخل فيتألم واما الى الخارج في احيان اخرى بصورة انفعالات،والعنصر الاساس هنا مو القلق وعمقه وطبيعته،فالانسان عبر مراحل حياته ينتابه القلق من طفولته الى مراهقته الى بلوغه،ولكل مرحلة متطلباتها وما ينتابها من قلق ،ويقول علماء النفس اذا كانت درجة القلق محتملة(قابلة للتحمل) واستمر الانسان متكيفا مع بيئته فأنه قد يكتسب المزيد من الثقة والقدرة على التكيف بحيث يستطيع ولو جزئيا على هذا القلق .اما اذا زادت درجة القلق او كانت درجته اعمق بحيث لا يستطيع الفرد تحمله فانه سوف يلجأ الى وسائل مختلفة للتغلب على هذه الحالة او الوضع النفسي ،وهنا قد يتحول الانسان القلق الى نمط آخر من اضطرابات الشخصية، ويخرج من توافقه النفسي وربما يقوده الى اضطراب العصاب او الذهان.
لابد هنا من التفريق بين مفهومي التكيف والتوافق ،فالتكيف يعني انسجام الفرد مع عالمه المحيط به ،اما التوافق فيعني العمليات النفسية البنائية في مقابل التكيف الذي يعني السلوك الاجتماعي ،اي انه يعني الحرية من الضغوط والصراعات النفسية ،هو انسجام البناء الدينامي للفرد
ان الشخصية الانسانية وهي تبحث عن التوافق انما تبحث عن الاتزان الانفعالي ،ونعني به قدرة الشخص على السيطرة على انفعالاته المختلفة والتعبير عنها بحسب ما تقتضيه الظروف وبالشكل الذي يتناسب مع قدرته وطاقته على استيعاب المواقف الحياتية ،لهذا عندما نقول ان الشخصية تتسم بالثبات النسبي ،انما هو ثبات الاستجابة الانفعالية في المواقف الحياتية الضاغطة وهي علامة مميزة للتوافق وعلامة تدل على الصحة النفسية والاستقرار الانفعالي في الشخصية. هنا لابد لنا ان نفرق بين التوافق الاجتماعي والتوافق الشخصي (الذاتي) والتوافق العقلي والتوافق الديني والتوافق الجنسي والتوافق المهني والتوافق الدراسي ،فأي اضطراب او خلل في هذه التوافقات ينعكس حتما على الشخصية ،فالاصل في التوافق هو تعديل الكائن بحيث سلوكه مع الظروف ،وهو ما سماه كارل يونغ مغايرة Dissimilation او يلجأ الكائن الى احداث تعديل في البيئة وهو ما اسماه مماثلة Assimilation او يعدل الكائن بعضا منه وبعضا من البيئة لاعادة التوافق والتوازن .يقول احمد فائق ان التوافق هو حالة وقتية تتزن فيها قوى المجال بما فيه الشخص ذاته ،فكل مجال انساني يتضمن عديدا من القوى المتنافرة المتنازعة ،ويتضمن الانسان الذي سينمو بسلوكه انتحاءا خاصا حسب نظام هذه القوى حيث ينعكس عليه تأثير هذا الانتحاء ،فعندما يوجد انسان في مجال جديد كالدراسة الجامعية فأن القوى التي تتنازعه في هذا المجال لا تستقر بسرعة ولا توجد اصلا على استقرار ،فمن جانب سيجد ان الدراسة في الجامعة من طبيعة مختلفة يزيد فيها قدر الابتكار عن الحفظ بعكس ما كانت عليه الدراسة الثانوية ، ثم يجد ان نظام التدريس يتيح له قدر اكبر من الحرية التي كانت محدودة في نظام الحضور والغياب في المدرسة ،ذلك بالاضافة الى ان طبيعة العلاقات الانسانية في الجامعة ذات شكل غير رسمي لاختلاف الاقسام عن نظام الصفوف ،وهكذا يختل الاتزان الشخصي للطالب الذي كان قد استقر على الخضوع لقوى خارجية تفرض النظام واصبح يستلزم خلق نظام داخلي ذاتي. لذلك كان موضوع التوافق موضوعا صراعيا في حد ذاته ينعكس على الشخصية واتزانها ،بمعنى آخر ان التوافق هو نتاج قوى
متصارعة بين شخصية الفرد وبيئته،امكانياته والفرص المتاحة له في بيئته ،ولا يمكن لدارس علم النفس ان يدرس الانسان ان لم ينظر الى التوافق باعتباره عامل مؤثر ومتأثر ،قابل للتأثر والتأثير وينعكس مباشرة على الاتزان الشخصي والنفسي ،وهو الحال كذلك في جميع التوافقات الاخرى .
الشخصية وسوء التوافق
ترى نظرية التحليل النفسي ان الشخصية مزيج بين الناحية الدينامية والناحية التكوينية،وان فرويد أحسن التمييز بينهما(الدينامية والتكوينية) فوجهة النظر التكوينية تفسر السمات الشخصية والانماط السلوكية على ضوء التطور النفسي ،اذ ان مقارنة تاريخ حياة الافراد تكشف عن بعض الثوابت في تتابع وترابط انماط السلوك.وقد وصف فرويد منذ عهد مبكر مراحل تطور الغرائز ومراحل تطور العلاقات مع الموضوع ،وعلى هذا النمو يمكن دائما فهم اي سلوك او سمة شخصية او عرض بوصفها ارتقاءا او نكوصا ً، وهو الحال في سوء التوافق وانعكاس ذلك على الشخصية،اذا ما سلمنا جدلا بان علم الشخصية هو الدراسة الكلينيكية للسلوك الملموس والخبرات التي يحياها الشخص في اتصاله مع بيئته. ونضطر لان نستخدم التكيف التكتيكي تعبيرا نقصد به تحقيق التوافق بين مجتمعات بني الانسان في صراعها المرير مع بيئاتها الفيزيقية ،وهكذا ايضا استخدم علماء الاجتماع اصطلاح التكيف الاجتماعي لكي يدل على عملية التوافق بين افراد متعارضين او بين جماعات متنافرة. ونعود مرة اخرى للتحليل النفسي بتعبير “اوتو فينخل”باستخدامه التكيف الدينامي ،وعرفه بانه العثور على حلول مشتركة التي تمثلها الحوافز Motives الداخلية والمثيرات الخارجية Stimuli القائمة على الكف او التهديد حتى نخلق سوء التوافق او التوافق الانهزامي وهو ان يلجأ الفرد الى السلبية او الخيالات او
النكوص ،او ربما يكون توافقا بالكبت او الخوف كما قد يلجأ الفرد الى التوافق بردود الفعل المستمرة التي لا تؤدي الى توافق سوي مثل القلق او الانطواء ،وهو سوء التوافق بعينه حينما يلجأ الفرد الى اسلوب الاستجابة بوساطة ميكانيزمات الدفاع”حيل الدفاع” مثل الاسقاط،الكبت،النقل،العزل..الخ والتي سنتناولها بشكل مفصل .
توافق الشخصية عبرميكانيزمات الدفاع
يقول دانييل لاجاش تنحصر صياغة السلوك في الشعور بحاجات الشخصية ،وفي اكتشاف الاهداف والموضوعات والوسائل المناسبة للاشباع ،ولما كان حل التوترات وتحقيق الامكانات والتوافق مع الواقع من وظائف الانا الى حد بعيد ،فانه تتضح اهمية كل ما يضعف قوة الانا : القوة المفرطة للحوافز الغريزية اي للحاجات والانفعالات ،واجبار التكرار الذي يحول دون التوافق عن روية مع النتائج البعيدة،فيلجأ الانسان الى استعادة التوافق في الشخصية عبر آليات او ميكانيزمات”حيل”دفاعية وازاء ذلك تقول”دافيدوف” اننا نعرف التوافق على انه محاولة لمواجهة متطلبات الذات ومتطلبات البيئة ،ففي ثنايا محاولة التوافق كان الانسان يتظاهر بوجه مبتسم ،بينما كانت تعتريه اوهام عن الانتحار او قتل الاخرين ،او الانزواء عن الناس او العودة الى زمن جميل ،ليس في الواقع الحالي،وانما في التخيل منذ زمن بعيد عندما كانت الايام جميلة،وتقول ازاء ذلك ما الامر الذي يدفع شخصا ما بعينه الى اختيار طريقة معينة دون الاخرى؟ وهل يقوم نفس الفرد باستخدام اساليب متنوعة؟
تؤكد المقولة النفسية ان اسعد الناس واكثرهم تفهما للحياة وما يعتريهم منمصاعب ،تواجههم الكثير من ضغوط الحياة والازمات وخيبات الامل والصراعات والاحباط والانواع المحتلفة من مواقف الحياة الصعبة،ولكن عدداً قليلا منهم يواجهون هذه الظروف وهذه المصاعب والضغوط بحلول ولو مؤقتة تبعد عنهم شبح الكآبة او الوساوس او القلق وما الى ذلك من عرض قد يقود الى المرض ، وتتم هذه العملية
من خلال استخدام آليات الدفاع(الحيل الدفاعية) او ما تسمى ميكانيزمات الدفاع ويقول سيجموند فرويد ان ميكانيزمات الدفاع تساعد الناس على خفض القلق حينما يواجهون مواقف تثير التهديد وتفقد توازن الشخصية وتؤدي الى الاحباط اوسوء التوافق.
والسؤال ما هي الحيل الدفاعية؟
متى يلجأ الانسان الى استخدام الحيل الدفاعية؟
الحيل الدفاعية هي عبارة عن انواع من السلوك او التصرفات التي ترمي الى تخفيف حدة التوتر النفسي المؤلم وحالات الضيق التي تنشأ من استمرار حالة الاحباط مدة طويلة بسبب عجز الانسان عن التغلب على العوائق التي تعترض اشباع دوافعه،ولهذا فالحيل الدفاعية شائعة ومألوفة عند جميع الناس وهم يلجأون اليها في كثير من المناسبات غير ان التعود عليها اة الاسراف فيها يدل على وجود حالة مستمرة من سوء التوافق ،وهلى وجود خلل او بداية اضطراب نفسي قد يقود صاحبه الى مشاكل ومضاعفات سلبية ،وتتميز الحيل الدفاعية بما يلي:
– انها تزور وتحرف الواقع المعاش
– تعمل لا شعوريا بحيث لا يفطن الفرد اليها
ومن تلك الحيل- الميكانيزمات- الدفاعية التي سنتناولها بالشرح:
الكبت النكوص الاسقاط
التكوين العكسي الاعلاء والتسامي الانكار
التبرير التعويض النقل
التوحد(التعيين والتعيين الذاتي-التقمص)
الكبت Repression
من الحيل الدفاعية اللاشعورية التي يلجأ اليها الفرد للتخفيف مما يعانيه ويؤثر على توازنه النفسي الذي ينعكس على شخصيته وتعامله مع الاخرين في اسرته وفي عمله ومع افراد المجتمع،ثم ان الكبت العنيف –القوي يستنفذ قدرا كبيرا من طاقة الفرد المتاحة للعمل حتى يحيله الى الانهيار النفسي. اما عند فرويد فيعني الكبت عملية آلية لا شعورية وهو من اول واهم وسائل الانا في الدفاع والافكار والصراعات والذكريات المثيرة للقلق من حيز الشعور والادراك. وحينما يتم الكبت فأن المادة المعزولة لا تدخل نطاق الشعور على الرغم من انها تؤثر في السلوك وتعد بعض انماط فقدان الذاكرة دليلا على وجود الكبت ،فضلا عن النسيان العالي لدى الطالب اثناء الامتحانات للمعلومات التي درسها جيدا ،وهي احدى علامات الكبت ،فالكبت يمكن ان يحدث تحت ظروف اقل من تلك الظروف الصادمة ،ويرى فرويد ان عملية نسيان الاسماء والمعلومات ونسيان الافراد والاماكن المثيرة للقلق(كنسيان اسم المحب المنافس مثلا) يعزى هذا كله الى الكبت ،وحتى الاحلام ما هي الا مكبوتات تمثل رغبات لا شعورية مثيرة للقلق.
النكوص Regression
يدل مفهوم النكوص على عدد من الظواهر النفسية تتميز جميعها بتقهقر النشاط النفسي الى مرحلة سابقة من مراحل تطور اللبيدو”الطاقة النفسية الجنسية” وهذا الرجوع الى الوراء قد ينحصر في العودة الى موضوع الاشباع التي تتميز به مرحلة سابقة .فقد يتوقف النمو السوي للشخصية اي ان يصبح الشخص مثبتا على احدى هذه المراحل المبكرة لان الانتقال الى المرحلة التالية يكون مشحونا بالحصر والقلق.ويقول فرويد ان مرجع النكوص هو الحرمان ،ومن امثلة الارتداد والنكوص الصريح هو عودة الفرد
في سن ناضجة او ربما بعد الزواج الى مرحلة تعشق الذات وممارسة العادة السرية التي قد يجد الفرد لذته فيها اكثر مما يجدها في العلاقة الجنسية مع زوجته.ولا يقتصر النكوص على الكبار فقط،بل يلجأ اليه الصغار ايضا ،فالطفل الذي تجاوز سن السادسة من عمره قد يأخذ في مص اصابعه ويكثر من العناد وعدم اطاعة اوامر والديه،او ان يأخذ في التبول اللاارادي في الفؤاش وهي اعراض عن وجود مكبوتات لم تحل او تجد طريقها للانطلاق.
ان النكوص يظهر كثيرا لدى الافراد الذين تتدهور حالتهم الصحية النفسية او العقلية،وان كان ظهورها لدى الذين يعانون من الامراض العقلية(الذهانية)اكثر ،حيث تظهر في صورة تجهم واكتئاب وحزن وبكاء وصراخ مع الغيرة العنيفة والغضب الشديد الذي يصاحبه التبول والتبرز العلني ،كل هذا عودة الى الاساليب الطفلية في مراحل الطفولة الاولى.
الاسقاط projection
وهي حيلة لاشعورية من حيل دفاع الانا بمقتضاها ينسب الشخص الى غيره ميولا وافكارا مستمدة من خبرته،يرفض الاعتراف بها لما تسببه من الم وما تثيره من مشاعر الذنب،فالاسقاط هنا بمثابة اسلوب لاستبعاد العناصر النفسية المؤلمة عن حيز الشعور ويقول فرويد ان ما يواجه الفرد هو ادراكاته التي تأتيه من الخارج او من الداخل ،اما ما ياتيه من الخارج فأمره هين وبسيط اذ يستطيع الفرد ان يغير او يتفادى ما لايروق له فيما يأتيه من الخارج ،اما ادراكاته الداخلية من دوافع غريزية لا ترحم فلا يستطيع منها مهربا،لذلك يسقط الفرد دون شعور منه،دوافعه الداخلية وانفعالاته غير المرغوب فيها الى الخارج حتى يستطيع ان يحيدها باكثر الوسائل يسراً ،ومن امثلة السلوك في الاسقاط هو حينما يشن البعض من الناس هجوما لا شعوريا يقصد به الصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المستهجنة على الاخرين مثال :فأنا اكره شخص ما ولكني اقول هو يكرهني ،هنا اريد ان اتخفف من اثمي.
الشخص في هذه الحيلة الدفاعية حينما يخاف من نزعاته العدوانية والجنسية يرغب في شئ من التخفيف من قلقه حين ينسب هذه النزعات العدوانية الى غيره من الناس،فالاسقاط اذن حيلة نفسية ينسب فيها الشخص سماته الذاتية وعواطفه وميوله لموضوعات بيئية من اشخاص واشياء.
التكوين العكسي Reaction formation
تعد هذه الحيلة التي يلجأ اليها الانا بغية اصطناع سلوك مغاير او اتجاه مناقض يخفي او يموه على دوافع او نزعات او افكار او رغبات لاشعورية مستهجنة غير مقبولة او محظورة ،فمن خلال هذه الحيلة الدفاعية يخفي الناس دافعا حقيقيا عن انفسهم ،ويعبروا عن العكس باتجاهاتهم وسلوكهم ،فهم بذلك يستخدمون التكوين العكسي لكي يساعدهم على تجنب القلق المرتبط بعملية المواجهة الفعلية للسمات الشخصية غير المرغوبة ،ومن امثلة هذا الميكانيزم في حياتنا الواقعية ،حينما نشاهد احد الاشخاص وهو يظهر الحب بشكل ملفت للنظر لزوجته او مع حبيبته او مع من يحب ،انما هو هنا بديل للشعور بالكراهية الكامنة في اللاشعور ،هذا الحب العكسي يختلف عن الحب الحقيقي ،في ان الحب الحقيقي لا مبالغة فيه،وليس فيه قسر ،اي لا يشعر فيه الفرد بارغام على ابداءه في كل وقت وكل حين.ومن الامثلة الاخرى الحية ايضا من الواقع ،ان هناك فتاة عانس تخشى الانفراد باي رجل خشية ان يعتدي عليها،هذا هو سلوكها في حين ان رغبتها الحقيقية هي ان تمارس الجنس مع اي رجل ،وتقول ادبيات علم النفس يختلف التكوين العكسي عن التصنع ،فالفرد في التصنع يشعر بالدافع او النزعة او الفكرة المستهجنة او المحظورة ويرغب مع سبق الاصرار في التمويه عليها او اخفائها. اما التكوين العكسي احدى الحيل الدفاعية الاساسية التي نجدها في العصاب الوسواسي Obsess ional neurosis .
الاعلاء والتسامي Sublimation
وهو يعني الارتقاء او التسامي او التعالي بنزعات الفرد الغريزية العدوانية او الجنسية الى اتجاه نافع ومفيد ومقبول من الذات والاخرين وصولا لنوع من التوافق الذاتي الداخلي- والتوافق الخارجي مع البيئة ،وفي هذه العملية ايضا يحول الفرد دوافعه ورغباته غير المقبولة الى مجالات مقبولة شخصيا واجتماعيا،وهي بهذا الشكل من اكثر العمليات النفسية انتشاراً بين الناس وفي كل المجتمعات الانسانية ومن امثلة استخدام ميكانيزم التسامي عند بعض الافراد ،هو انتاجاتهم الادبية او الفنية التي ينتجونها وهي انعكاس لمظاهر التسامي من دوافع داخلية في النفس،فكثيرا ما تعبر هذه المظاهر على طبيعة هذه الدوافع ونوعها،فمثلا التسامي بالدفعة العدوانية تجاه الاخرين تتحول الى العمل والتفوق في مجال الجراحة فيحدث نوع من اشباع للرغبة الجنسية المحرمة في شكل فن ،فيعبر عنها الفرد في رسم لوحات جميلة لجسم امرأة عارية جذابة وبالتالي تنجح الانا في التوفيق ،وهو في الحقيقة نوع من تشويه وتحريف للواقع ولكن يتضمن تخفيف لحدة التوتر النفسي المؤلم وحالات الضيق التي تنشأ نتيجة لاستمرار وجود الدفعات والشحنات وطلبها للاشباع،وازاء ذلك يقول فرويد:ان المنبهات القوية الصادرة عن المصادر الجنسية المختلفة تنصرف وتستخدم في ميادين اخرى بحيث تؤدي الميول التي كانت خطرة في البداية الى زيادة القدرات والنشاط النفسي زيادة ملحوظة ،وترى وجهة النظر التحليلية النفسية ان تحليل شخصية الافراد ذوي المواهب الفنية ليدلنا على العلاقات المتغيرة القائمة بين الخلق الفني والانحراف والعصاب.
الانكار
ينكر بعض الناس وقائع في حياتهم ،اي يرفضون الاعتراف بوجود الخبرات غير السارة التي يدركونها ويعرفونها تماماً،وذلك لحماية انفسهم وتدخل هذه العملية دائما خداع الذات،فحينما يغفل الفرد
بشكل لاشعوري بعض الوقائع ،انما يتعامل مع تلك الوقائع بالهروب من مواجهتها ويقول (مصطفى زيور) عالم النفس العربي الشهير الانكار وسيلة لمعرفة المكبوت ،ومن الميسور ان نتبين على ان نمو تنمية الوظيفة العقلية وتتميز عن الوجدان بما يلي ،ذلك ان الانكار لم يبطل الانتيجة واحدة من نتائج الكبت(اعني امتناع الاستبصار بالمحتوى اللاشعوري،اذ يترتب على الانكار الوقوف على ما كان مكبوتا – ولكن الكبت لايزال في اساسه قائما من حيث ان الانكار يتضمن رفض الاعتراف بالمكبوت ،ولما كان الانكار ضربا من الحكم المنطقي وكان الحكم هو الوظيفة العقلية الاساسية ،لان كل تفكير لا يعدو ان يكون حكما ،فالانكار اي الحكم بصيغة النفس انما هو البديل العقلي للكبت،ويضيف زيور ،الانكار يختلف عن الميكانيزمات الدفاعية الاخرى لاسيما ميكانيزم الكبت في انه لا يوجه الى مغالبة مكالب الغريزة ،بل يوجه الى وقائع مؤلمة في العالم الخارجي.ان حيلة الانكار حيلة شائعة ،فقد يعبر الاطفال غير المرغوب فيهم على ان آباءهم يحبونهم حباً جماً وقد يرفض الطالب الطموح الاعتراف بوجود قصور في قدرته او امكاناته.
التبرير Rationalization
هو حيلة لا شعورية يلجأ اليها الفرد للدفاع عن سلوك خاطئ او دوافع عدوانية او جنسية لاشعورية تعبر عن نفسها في فلتة لسان او زلة قلم وهي تعني اختلاق اسباب غير الاسباب الاصلية ولكن يتضمن هذا السلوك خداع النفس لنفسها ،والتبرير يختلف عن الكذب ،ذلك ان الكذب هو خداع الناس اما التبرير فهو كذب على النفس وخداعها. والتبرير عملية لاشعورية ومن الممتع والمفيد للشخصية ملاحظته لدى غيرنا من اشخاص وان نكشف النقاب عنه في انفسنا،ويقول علماء النفس ان الاسراف في استخدام ميكانيزم التبرير قد يؤدي الى نشأة الهذاءات Deluations وهي عبارة عن اعتقادات خاطئة تظهر لدى مرضى الذهان ،فكثيرا ما يستخدمها هؤلاء المرضى بتبرير عيوبهم بانها ليست عيوب ،واخطاءهم ليست اخطاء. ومن الامثلة الواقعية في حياتنا اليومية ،فقد يقول الطالب الذي يفشل في دراسته،كان بامكاني ان اجتاز الامتحان لولا ان المدرس وضع فيه تلك الاسئلة السخيفة،بدلا من الاعتراف
بسوء استعداده وضعف قدرته،وكذلك حال الموظف الذي يتأخر دائما ،فهو يلوم جدوله المزدحم يوميا،بدلا من اعترافه بانه غير منظم في حياته. ويحدث في اصدق مثال عربي شعبي هذا الميكانيزم : الذي لا يستطيع ان يصل الى العنب يقول انه حامض . خلاصة القول تقوم هذه العملية على ايجاد الاعذار المقبولة والمنطقية لتصرفات الفرد الذي لا يستطيع تحقيق اهدافه.
التوحد”التعيين والتعيين الذاتي”التقمص Identification
يعد التوحد من المفاهيم الاساسية التي يستعين بها التحليل النفسي على تفسير نشأة الشخصية وتكونها عن طريق تمثل الطفل خصائص والديه او من يقوم مقامهما ،والتوحد يختلف عن المحاكاة او التقليد اختلافا جوهريا،فالمحاكاة Immation عملية شعورية قصدية يضع بها الفرد نفسه مؤقتا موضع فرد آخر فيسلك على نحو ما يسلك دون ان ينتج عن ذلك تغيير جوهري في شخصيته .اما التوحد فهو على الضد ،عملية لاشعورية ذات تأثير عميق دائم ،تتشكل بها(انا) الشخص على وفق(أنا) شخص آخر تربطه به رابطة انفعالية قوية،فالانا يسعى الى التشبه بمن اتخذه نموذجا يحتذى به.
التوحد “التعيين والتعيين الذاتي”هو الدمج الكامل لشئ او لشخص مع خصائص غيره وينجم عن هذا نشوء الاحساس على وفق ما حس به الشخص مقابل الشئ الاول والسلوك بنفس طريقته بازاءه، والتقمص او التوحد او التعيين والتعيين الذاتي هي عملية لا شعورية قصدية يضع بها فرد نفسه مكان الآخر وضعا مؤقتا –فياتي بافعاله ويردد اقواله – دون ان ينتج عن ذلك تغيير جوهري في شخصيته.
ويوجد نوع آخر من التوحد وهو التوحد بالمعتدي ،وهو من ميكانيزمات الانا الدفاعية ،ويفيد كما تقول(انا فرويد) ان يسيطر الفرد على مخاوفه من الشخص او الموضوع المعتدى عليه بتوحده به ،وفيه يتحول الشخص المهدد الى شخص يهدد ،مثال ذلك: بعد ان كان اليهود على مدى التاريخ مهددين بالطرد والفناء والمطاردة ،اصبحوا من محتلين واصحاب حق في ارض غيرهم التي احتلوها وهي فلسطين بعد ان طردوا سكانها الاصليين وهذا نا تمارسه اسرائيل ،فخوفها الشديد من العرب وخشيتهم “الاسرائيليين” من
رجوعهم الى دول الشتات والى المانيا وما عانوه ايام النازية من قهر وذل وهوان ،فأنهم يتقمصون شخصية النازيين ويعتدون اعتداءات وحشية على العرب وهذا ما يسمى بالتوحد بالمعتدي. ويقول علماء النفس ان التوحد “التقمص” وسيلة للتخفف من الخوف او القلق او التغلب على الحزن.اما من الناحية
المرضية فيبدو واضحا لدى مرضى الذهان”العقل” وخاصة لدى مرضى البرانويا”بشقه:جنون العظمة” اذ يعتقد احدهم بانه قائد عسكري فيرتدي ملابس القادة العسكرين ويمشي مشيتهم بطريقتهم ،اما من ايجابيات التوحد فانه عامل مهم في نمو الذات وفي تكوين الشخصية والخلق،لذلك من الضروري تزويد الابناء بصور ناصعة عن قيم الشخصيات البارزة في الادب والعلم والفن الاصيل والفنون الاخرى لكي يتوحد الطفل بها منذ الصغر.
النقل Displacement
عملية لا شعورية تنحصر في زحزحة دافع معين او انفعال ما من موضوعهما الاصيل الى موضوع بديل،ويظهر بشكل واضح في الشخصية الوسواسية ويقوم بدور مهم في العصاب الوسواسي اذا ما عرفنا ان من اهم المميزات الاساسية في الشخصية الوسواسية هو الميل الى الانطواء والانشغال بالصراع الداخلي الذي يحد من قدرة الفرد،اما في الطفولة فأنه يؤثر تأثيرا كبيرا من خلال تحديد قدرة الطفل على التفاعل مع بيئته وهو بالتالي يغير نفسه ويمنع غرائزه من التعبير المباشر.ومن صفات هذه الشخصية ايضا ان صاحبها دقيق جداً ،حريص ،حي الضمير يحب الدقة والنظام في المواعيد ويبالغ في النظافة ،جاف العواطف ولكنه اكثر ميلا الى التفكير والمنطق والعقلانية. تعد حيلة النقل احدى الحيل الاساسية في “اعصبة المخاوف phobias “الفوبيا ،وهي تخدم غرض التحكم في القلق المرضي. بين فرويد في حالة الطفل “هانز الصغير” الذي كان يخاف خوفا مرضيا من عضة الحصان ،ان خوفه انفعال منقول من شخص الوالد كما يتخيله الطفل لا شعورياً.
التعويض Compensation
وهو يعني محاولة الفرد التغلب على نقطة الضعف في الشخصية او شعوره بالنقص،هذا النقص فهليا ام متوهماً،جسميا او نفسيا او ماديا. والتعويض محاولة لا شعورية يهدف منها الارتفاع الى المستوى الذي وضعه الانسان لنفسه،فاذا ما شعر الفرد بالعجز في موقف معين فهو يميل نحو
تعويض ذلك العجز والفشل الى نجاح وتفوق في موقف آخر حتى يقلل من حدة التوتر التاتج عن حالة الاحباط التي يتعرض لها،ومن الامثلة الواقعية في حياتنا اليومية حينما نشاهد ان الفشل في العلاقات الزوجية ربما يعوضه بعض الافراد في النجاح في مواقف اخرى مثل العمل او التفوق المهني والعلمي وقد يبالغ البعض في التعويض عن عقدة النقص ليثبت تفوقه وتميزه في الموقف الذي اخفق او فشل فيه كنوع من الابدال ويرى فرويد في حيلة التعويض عملية لا شعورية تهدف الى اخفاء الاتجاهات اللاشعورية التي لا يتقبلها الشعور بتقوية اتجاهات مضادة لها.
قد يدفع الشعور بالنقص صاحبه الى التعويض عنه لدى بعض المشاهير الذين برزوا في ميادين الحياة المختلفة، فكانت عقدة النقص لدى هتلر وموسوليني وفرانكو وستالين الذين كانوا على شاكلة نابليون في قصر القامة ،وانهم عمدوا الى تحصيل قوة الشخصية وجمع النفوذ السياسي في ايديهم بعد ان صعب عليهم ان يغيروا من تكوينهم الجسمي،ويقول (الفرد ادلر)عالم النفس الشهير ان في انواع الاضطراب النفسي صورا من التعويض عن الشعور الدفين بالنقص والفشل في التفوق ،او قد يدفع الشعور بالنقص الى التعويض عنه كوسيلة لجلب الاهتمام من الاخرين او السيطرة على حياتهم من ناحية اخرى، وقد عانى ادلر من عقدة النقص وكتب المؤلفات العديديدة عن علم النفس الفردي ومحاولات الفرد في تعويض عقدة النقص بالتفوق .
الشخصية السوية والشخصية المضطربة”اللاسوية”
الشخصية السوية Normal Personality
يقول كارل يونغ ان الشخصية في الاصل هو القناع الذي يحجب به الممثل وجهه،والقناع هو النظام الذي يتبعه الفرد في تكيفه مع العالم او هو الطريقة التي يتبعها في تعامله مع هذا العالم ،لكل حرفة او صنعه قناعها الميز،ولكن الخطر يكمن عندما يصبح الناس متوحدين مع اقنعتهم :الاستاذ مع كتابه والمغني مع صوته ولعلنا نستطيع القول في شئ من المبالغة ان القناع هو ما لا سكونه المرء في الحقيقة ،بل هو ما يعتقد –كما يعتقد غيره- انه هو .من خلال ذلك نستنتج ان الشخصية ماهي ؟ ومن هي الشخصية الطبيعية ،وما هي خصائصها ،ومدى اختلافها عن الشخصية اللاسوية”المضطربة”؟
ان الشخصية الطبيعية السوية هي التي تتمتع بحالة دينامية تبدو في قدرة الفرد على التوافق المرن الذي يناسب المواقف التي يمربها من خلال تفاعله مع الاخرين عبر مسيرة الحياة ، ويرتبط بهذه الشخصية عدة عوامل منها الثقة بالنفس التي تتصل او ترتبط بالاستقلال الذاتي في القدرة على اتخاذ القرارات ازاء قضايا مصيرية تهم الشخص والاخرين ذوي صلة القربى به ،حتى تبدو العملية نمواً نفسيا متوازيا يجاري احداث الحياة ومتطلباته ،فضلا عن توافر احساس الفرد بالمسؤولية الملقاة عليه لمواجهة قضايا الحياة والتي يتعامل معها تعاملا مرنا ،وهو بذلك يدرك مسؤوليته ادراكا كاملاً ويعبر عن ذاته في تقييم المواقف الانفعالية ،فهو اذن يحس ويشعر بحاجات الاخرين ويدرك رضى اهله واقرب الناس له،ويشاركهم في سعادتهم ويعرف الطريق الاسلم في اساليب التعامل الصحيحة مع مواقف الحياة ومتطلباتها ،انه يستطيع ان يقوم بيسوية متناغمة بين قطبي الصراع :الرغبة والدفاع.ولهذا فأنه يمتلك البناء النفسي في الصحة الذي يعد بالاساس نجاح(الانا)في تسوية متناغمة مع مقتضيات الواقع المتمثلة بين رغبات “الهو”بكل شطحاته ومناهضات “الانا الاعلى” بكل قسوته وتصلبه.
ان الشخصية السوية جمع صاحبها ديالكتيك متناغم من حيث صراع الواقع ومتطلبات النفس ،وبالعكس حتى استطاع ان يتوصل الى ايجاد الحلول المتناغمة في تسوية موفقة بلا مضاعفات او ازمات او الالام يشعر صاحبها بالارتياح النوعي الفريد الذي يترك اثراً في النفس يصعب مقاومته من التوازن والاعتدال ،فهو كائن متطور عبر مسيرة حياته ،كائن متطور ومتغير ومتفاعل مع بيئته مع مرور الزمن الخاص به في حياته.
يقول(مصطفى زيور) شيخ ومؤسس التحليل النفسي في العالم العربي ان النفس اثناء جهادها للمعرفة،لاتقتصر على ان تكون مرآة تعكس الاشياء لأن الانتقال من المعرفة المشوشة الى المعرفة الواضحة الجلية،ضياء وشفاء للنفس معاً، ولا تقتصر النفس على استقبال المعرفة ،وانما هي مصدر اصيل من مصادرها ،وتظهر مفاهيم “التصفية”،و”النجاة”،و”الشفاء” وما اليها مقرونة بمفهوم المعرفة.ان الشخصية السوية الطبيعية من الناحية النفسية كما يقول(علي كمال) هي التي تتمثل فيها الخصائص التالية:
· من الناحية العاطفية ..
عنده اقل ما يمكن من الصراعات العقلية ،وله القابلية والرغبة المعقولة على العمل وفي
مقدوره ان يحب احداً غير نفسه.
· ومن ناحية السلوك ..
له المقدرة على الوصول الى بت الامور بدون عناء كبير او تأخر زائد.يحب عمله ولا يشعر بتعب الا بما يتناسب مع الجهد ،ولا يرغب في تغيير مستمر لنوعية عمله ،ويجد ارتياحا في العلاقات الاجتماعية وفي الحياة الزوجية العائلية،ويتفهم الحاجات العاطفية ووجهات نظر الاخرين فيها،ويتجاوب معها.
· ومن الناحية الجسمية ..
خلوه من الشكوى ومن الاعراض الجسمية والنفسية التي لاترد لاسباب عضوية المنشأ.
قد يكون هذا التحديد للفرد السليم نفسياً امراً ممكنا ،لكنه في بعض نواحيه يفرض قيوداً تجعل الفرد السوي ،السليم كائناً مثاليا يصعب العثور عليه بين الناس ، ولعل اهم القيود وهي :
– تحديد الصراعات العقلية او”النفسية”
– خلوه من اعراض الامراض النفسية
– ابتعاده عن انحرافات الشخصية على وفق المعيار الاجتماعي في البيئة التي يعيش فيها
– قدرته على مواجهة مشكلات الحياة وازماتها بتفهم كامل
ان معايير الشخصية السوية ربما توجد في كل الناس بنسب متفاوتة وتتراوح بين الدرجات العليا وبين الدرجات المتوسطة ،فخلو الشخصية من اعراض الامراض النفسية والانحرافات موجودة لدى معظم الناس بصورة طبيعية وبدرجات مختلفة وكذلك الحال بالنسبة للشكوى الجسمية واعراضها على اختلاف انواعها،ويمكن ان تعد مظهرا طبيعيا لتفاعل الامكانيات النفسية مع الامكانيات الجسمية للفرد،وهي دليل على التكامل والارتباط الوثيق وهكذا يمكننا وصف الشخصية السوية “الطبيعية” على اساس متصل آخر هو تفاعلها مع البيئة وبوساطتها ،فنصفها على اساس قدرتها على البناء والالتحام والرغبة في الحياة.
الشخصية اللاسوية”المضطربة”
نحاول في هذه السطور ان نستعرض لبعض الرؤى النفسية لمفهوم اللاسواء –الاضطراب-النفسي تحديدا وما يرتبط به من مفاهيم او معايير ،فنقول ان اللاسواء في الشخصية ما هو محاولات فاشلة لحل الصراع الداخلي الذي سيفضي الى الاضطرابات العصابية ،وان الصراعات النفسية الداخلية التي تهز الشخصية تنشأ عندما يحال بين اللبيدو “الطاقة النفسية الجنسية”عند الانسان وبين امكان العثور على اشباع يرضى عنه الانا في العالم الخارجي او عندما تحول الاصابات النرجسية غير المحتملة دون تحقيق اعلاء مقبول كما تقول (هيلين دويتش)وعلى هذا فالذي يجعل الصراع الفعلي المرتهن بالواقع صراعا نفسيا يغطي الشخصية هو العجز الذاتي عن حله ،على ان هذا العجز عن الحل هو ذاته تعبير عن اتجاه عصابي –مرضي-حيال العالم الخارجي كما انه يؤدي الى تحول الاحباط الفعلي الى صراع عصابي نفسي.
تضيف دويتش ان كل انسان يكون في حقيقة الامر في حالة مستمرة من الصراع الكامن ،مع العلم الواقعي من جانب ومع قواه الذاتية الداخلية من جانب آخر ،طالما كان عليه ان يواجه دوماً الاحباط ويتحمله والكف يغالبه.ان الحل المنسجم لهذه الصراعات الداخلية والخارجية امر يتعلق بشخصيته ولكل فرد ،اسلوبه الشخصي المميز في مواجهة الاحباط السوي.وتؤكد الدراسات النفسية بان خلو الفرد من مظاهر السلوك غير الطبيعية وخلو شعوره من التحسس باي اضطراب او صراع نفسي وعدم شكواه من الاعراض المرضية النفسية والجسمية ،لا يكفي برهانا على عدم اصابته بخلل او اضطراب نفسي،فقد اثبتت الوقائع النفسية وجود اضطراب نفسي او خلل في السلوك او في التوازن كما تقيسها الاختبارات والمقاييس النفسية المقننة الموضوعية او الاسقاطية .ان سلوك الفرد وتعامله وتصرفاته في ظروف خاصة او غير طبيعية كما يحدث عبد بعض الناس عندما يتعاطون المخدرات او الكحول او العقاقير المهلوسة او تحت ظرف ضغط مفاجئ او طارئ ،تبدو هيكلية النفس وتشريحها واضحا ،وتميط اللثام عن عمليات