سيكولوجية الشخصية… الدكتور أسعد الأمارة 4
الشخصية القلقة …
ان الاندلاع الحاد في ظهور القلق لم يكن محظ الصدفة البحتة ، بل انه تكّون وتراكم حتى ملأ تكوين الشخصية وغلب على السلوك ، ويرى علماء النفس ان هناك تمييزاً بين القلق المرضي عن استجابة القلق السوية الطبيعية ، او ما تظهره الشخصية من استجابات ازاء المواقف الحياتية المتعددة ، ففي حالة القلق المرضي تبرز اربعة مظاهر مهمة وهي : انه ذاتي ” خاص بالفرد” ، شديد ، يدوم لمدة طويلة ، واخيراً يأخذ شكل الموقف .
اما الشخصية القلقة فأن الصفة الغالبة عليها هي شعور الفرد بعدم الارتياح وتوقع المواقف الخطيرة دائماً او توقع الاسوأ دوماً ، هذا الخطر قد لا يكون محدداً من موقف بعينه ، او حالة مواجهة معينة مع حدث او شخص او طارئ انما من مصدر ما غير واضح او ربما يكون التوقع من مصدر واضح لكن رد الفعل دائماً يكون اكثر شدة وقلقاً للفرد حتى انه يتعايش مع القلق ويعيش معه ويكاد ان يشكل معظم يومه ، بل حياته .
ان صاحب الشخصية القلقة في حالة استعداد وتحفز دائمه توقعا للخطر وتأهباً لملاقاته وتجنباً له حتى ان الفرد ذو الشخصية القلقة يخشى القيام بأي عمل او فعالية تتطلب تحمل المسؤولية خوفاً من العواقب المترتبة عليها او المتوقعة .
نحن البشر لنا من الصفات المشتركة في المظهر الخارجي ما لا يمكن عَدهُ او احصاؤه ، وبنا من السمات الشخصية ايضاً من التشابه بيننا بقدر الاختلاف ليس في نمط الشخصية بين الناس فحسب ، بل في النمط الواحد من الشخصية ، فالشخصية القلقة تتسم باعراض نفسية مصاحبة للقلق تتراوح بين الشدة والاعتدال والوسطية ، فالتوتر والشد العصبي المزمن هو من السمات البارزة في كل انماط الشخصية القلقة ، كذلك عدم قدرة الفرد صاحب الشخصية القلقة على الاسترخاء فهو به من اعتلال المزاج ما هوواضحاً وبشكل جلي ، حتى وكأنه يبدو للمشاهد الخارجي كسمة مميزة ثابتة لملامحه وسلوكه . اما الاعراض الجسمية التي يظهرها صاحب الشخصية القلقة هي الارهاق الزائد والواضح تماما فضلا عن الشد العصبي للعضلات الجسمية بأكملها مضافاً الى ذلك الصداع الذي يكاد يكون ملازماً له ، اما الارق ومشاكل النوم فهي الاخرى تعد سمة من سماته.
يقول علي كمال ان بعض خصائص الشخصية القلقة متوفرة في معظم الناس في حدود طبيعية ذلك لان بعض التحسس بالقلق ضرورة حياتية اقتضتها علاقة الفرد مع البيئة والمجتمع لتمكنه من الحذر والتهيؤ للدفاع عن النفس ، اما اذا زاد تحسس الفرد بالقلق سواء جاء ذلك من داخل الذات او بسبب عوامل من الارهاق الخارجي ، فأن ذلك قد يؤدي الى تهيئة الفرد للاصابة بمرض القلق النفسي او غيره من الامراض المشابهة للقلق في طبيعتها .
ان درجة القلق تختلف عند البشر في التفاوت صعودا ونزولا تطرفا واعتدالا ، الا ان ردود الافعال بالنسبة لاي حدث معين تعتمد الى حد ما على الافكار والمدركات وما يحمله البعض من قدرة متميزة في كبح جماح الموقف الضاغط ويقول علماء النفس هناك ادلة على ان البشر عندما يشعرون بالتوتر او القلق او المواقف غير العادية في الحياة اليومية يكونوا قادرين على التحكم بمجريات دواخلهم ، واحياناً عندما يكون التنبؤ بالقلق والضغوط النفسية المتوقعة عاليا يكون التعامل معها جيداً ويكون صد التوتر وتحييد القلق اسهل مما يكون مفاجئاً ولكن بعد انتهاء الحدث والموقف الضاغط تظهر اعراض والالام في مناطق مختلفة من اعضاء الجسم ومنها المعدة خصوصاً ، ولا يستطيع الفرد التحكم في هذا الجزء او غيره او السيطرة عليه وهي ما تسمى بالاعراض السيكوسوماتية ” النفسجسمية” .
لقد توصل علماء النفس الى ان القدرة على التحكم بما يدور داخل النفس وخصوصاً مثل نمط الشخصية القلقة، يساعد على التعامل مع المواقف الضاغطة ، والقلق المتوقع وهو تأكيد على ان ادراك التحكم وليس التحكم نفسه هو الاكثر اهمية .
من المفارقات الداعمة لكل الاشخاص بمختلف انماط شخصياتهم تقوم على فكرة مؤداها ان مساعدة الاخرين على الشعور بان في استطاعتهم التحكم في مخاوفهم وقلقهم وما يتوقعون حدوثه غالباً ما يؤدي الى التقليل من درجة القلق او الموقف الضاغط المتوقع في مواقف الحياة الكثيرة .
ولو تسألنا ما هي اثار القلق على الشخصية القلقة حصراً ؟ لوجدنا ان الامثلة كثيرة في حياتنا اليومية فمعظم هؤلاء الاشخاص يفقدون الجزء الاكبر من تركيزهم اثناء حدوث الموقف الضاغط او المصيبة المفاجئة او سماع خبر سئ ومفاجئ ، او حينما يداهمهم القلق في مواقف الحياة المختلفة او حتى في الامتحانات لدى الطلبة ، فالطلبة القلقون يفقدون زمام السيطرة على مجريات تفكيرهم وتتدهور لديهم الذاكرة ولو لحين ،
فالبعض يتعثر في الاجابة على ابسط الاسئلة ولا يستطيع ان يستدعي اية معلومة مما قرأه وخزنه قبل الامتحان تساعده في الاجابة الموفقة ، حتى انه يفقد التركيز على استدعاء الفكرة المناسبة للحل ، حتى ان بعض الطلبة بسبب قلق الامتحان يعجزوا عن استرجاع المعلومات التي يعرفونها حق المعرفة ولكن ارتباكهم افقدهم الحصول على الدرجات العالية في الامتحانات رغم تهيؤهم له .. فالقلق يؤثر على التعلم ويربك الذاكرة ويحرف استدخال المعلومات الجديدة بشكل صحيح حتى انه يؤثر على استقبال وتخزين المعلومات واسترجاعها عند الحاجة اليها،هذه التأثيرات ليس من السهل فصلها عن بعضها في مواقف الحياة المتنوعة ، حتى انها بدت سمة من سمات الشخصية القلقة .
ان تكوين نمط الشخصية القلقة يرتكز على بعض الاسس والخبرات والمصادر التي اكتسبها الفرد خصوصاً في مرحلة الطفولة ومن اهم تلك المصادر :
– الايحاء .. كلنا نعرف ان الطفل سريع الايحاء ، وسريع التقبل لذلك الايحاء وخصوصاً المواقف التي تنم عن التحسس الزائد من موضوع ما بعينه او موضوع لا اساس له في الواقع حتى تتكون الاستعدادت التكوينية لهذا النمط من الشخصية .الحرمان والغيرة .. عندما لا يستطيع الطفل اشباع حاجاته ويحرم منها خصوصاً العاطفة او الحنان او الكفاية من الاشباعات المادية ، يتكون لديه الاستعدادلهذا النمط من الشخصية . فشعور الطفل بانه محروم من العطف ومن الاستجابة الوالدية الكافية التي تدعم حياته ، يؤدي ذلك الى الشعور لديه بعدم الامان والاطمئنان ، وكثيراً ما يظهر سلوك العصبية والغيظ والحنق تجاه الاخرين من الاطفال وهو نقل مشاعر عدم الامان والطمأنينة وتحويلها الى الاطفال الاخرين كتعبير عن عدم القدرة على اظهاره بشكل صريح تجاه احد الوالدين او كلاهما .
– التهديد والوعيد .. كثيراً ما يلجا الاباء الى سلوك يتسم بالتهديد والوعيد والايذاء او التلويح باستخدام العقاب لاي خطأ يرتكبه الطفل ، فيصبح حينئذ تحت طائل التهديد وتوقع الخطر والايذاء او انه محفوفاً بالعقوبة من اي فعل يقوم به في بيته وازاء ذلك يكون البيت الذي يعيش فيه مصدر قلق وليس مصدر امان ، تلك العوامل تترك اثاراً واضحة في نشأة الشعور الدائم بالقلق والتهديد فضلا عن العوامل الداخليةالتكوينية التي تلعب دوراً كبيراً في نشأة وصقل الشخصية .
– مشاعر العجز .. الطفولة هي بالدرجة الاولى اعتمادية على الابوين وبالتدريج يتعلم الطفل كيفية الاعتماد على النفس ، وكلما طالت مدة الاعتماد على الوالدين خلال مرحلة الطفولة ، كلما زادت الفرصه في تكوين الشخصية القلقة ، فالفرد عند مجابهته امور الحياة يحتاج الى ان يواجهها وعند شعوره بالعجز من المواجهة فأنه يلجأ الى التخيل او التمني او النكوص الى المرحلة الطفلية فتظهرعليه بوادر القلق في مواجهة امور الحياة .
– المشكلات الاسرية ونتائجها .. تترك التجارب المؤلمة في الاسرة خبرات سيئة على شخصية الاطفال ، فخلافات الابوين مع بعضهما تنعكس مباشرة على سلوك الابناء ، وهذه تحمل بذور حالات القلق بعدم الامان في البيئية الاسرية التي يعيش بها .
ان الشخصية القلقة هي احدى الشخصيات الانسانية في النشأة والتكوين وفي التعامل والسلوك وفي الانفعالات والتوتر واظهار العاطفة ، وهي بذلك تنحو ايضا نحو الاعتدال تارة والتطرف تارة اخرى ، حتى باتت كل تلك المتغيرات ذات تأثير في كيان الشخصية الانسانية حتى انها تطفو على سطح الشخصية بصورة واضحة .
الشخصية المازوخية
تعد الانحرافات في الشخصية بلاءاً يصيب الانسان،فانحرافات الشخصية متعددة منها ما يؤثر على اقرب المقربين ومنها ما يصل الى الغرباء من الناس وهي الشخصية السيكوباثية –المضادة للمجتمع- حيث تكون العدوانية عند صاحب هذه الشخصية عظيمة لا يمكن وصفها بشكلها الطبيعي حتى تطول جميع الاهل والناس الاخرين،فتضفي على صاحبها الروح العدوانية القاسية .أما في الشخصية السادية وما فيها من انحرافات ايضاً ،فيها عنف وسلوك عدواني ولكن تكون القسوة واضحة في التعامل الجنسي ويتعداه بشكل اوسع الى الممارسات الاخرى في الحياة اليومية خصوصاً اذا احيل بين الفعل الجنسي وممارسته مع الشريك(امرأة كانت او من نفس الجنس)فهو يعد بحد ذاته انحرافاً يشمل الفرد الذي يعاني منه ومن يمارس معه الجنس،بنفس الوقت يتحول الى عدوان سافر وسلوك عدواني قاسي علني في احيان كثيرة.
اما نمط الشخصية المازوخية فهي الشخصية القريبة من الشخصية السادية وربما كانت صنوها او نقيضها في الفعل والممارسة ويقول(سيجموند فرويد)مؤسس التحليل النفسي،يدل هذا الانحراف على ارتباط اللذة الجنسية التي يستشعرها الشخص بما يعانيه من الم بدني ونفسي،ويعود ابتداع هذا الانحراف الى الكاتب النمساوي”ساخر مازوخ” Sacher Masoch ” (1836- 1895) الذي تفنن في وصف المواقف التي تتجلى فيها سطوة المرأة وقسوتها في الحب واستخدامها السوط في تعذيب من تحب واستعبادها الحبيب استعباداً مطلقاً ويضيف(فرويد)بقوله يصحب هذا الالم الجسمي عذاب نفسي ويقول ايضاً عادة تتقمص المرأة شخصية يتوفر لها بالضرورة صفات معينة كأن تكون قوية البنية ترتدي ثوباً من الفراء وفي يدها سوط. وفي مجتمعاتنا الشرقية تظهر صورة الشخصية المازوخية لدى النساء خصوصاً بصورة المرأة المتسلطة التي تفرض سيطرتها الكاملة على الزوج وعلى الابناء وعلى من حولها حتى تلجأ احياناً الى ان تتفوه بالعديد من الالفاظ الخشنة والقاسية تجاه من تتعامل معه وتكون شخصية متسلطة في البيت والعمل ايضاً . ان المرأة في المجتمعات المحافظة مارست هذا السلوك بصورته المخففة بسبب القيود التي تفرضها الحضارة الشرقية عموماً والعربية بشكل خاص فهي تحمل الروح العدوانية وتبدو واضحة جداً في التعامل الخشن ونلاحظها ايضا في تحكمها العنيف في ادارة شؤون الاسرة “البيت”وتقسو على من معها وخصوصا الخادمات او العاملات في كل شئ ونراها تقرر وتطلب من الاخرين التنفيذ بدون مناقشة، وتشبه صورة المرأة المسترجلة، في حين يرغب معظم الرجال بعكس هذه الصورة، وهي صورة المرأة الانسحابية . ان مازوخيتها الملطفة جعلتها ان لاتتجاوز الحدود المسموحة لها في مجتمعاتنا وتكون صورة المرأة المازوخية خصوصاً في الممارسة الجنسية مع زوجها او مع من تحب في بعض المجتمعات التي تسمح بذلك تكون على الوضع التالي ، ان اشباعها الجنسي يكون مرتبطاً بالالم البدني الذي توقعه بالشريك(الطرف الآخر) ويظهر على صورة سلوك بدني مثل العض الشديد والقرص القاسي او ضغط يرتبط به الم جسدي او نفسي،والالم النفسي هو اطلاق
الالفاظ مع المحب او الشريك الجنسي بالاهانة والتحقير والاذلال ،ولاتصل المرأة المازوخية الى قمة اللذة المتاحة للاشباع الكامل الا بعد ان تمارس كل تلك الطقوس الانحرافية ويصاحبها شد نفسي وتوتر وخيالات واسعة وتستحضر او يستحضر المازوخي مواقف وخيال به من صفات العنف والقسوة بمكان لكي يزيد الاستثارة ويساعد على اكتمال الفعل الجنسي.
يقول(د.علي كمال)المازوخية هي القطب الثاني من محور السادومازوخية وهي الحالة التي تتمثل في تقبل الفرد للمعاناة والالم الجسمي او النفسي او لكليهما تمهيداً للعلاقة الجنسية او اتمامها وكما هو الحال فأن السادية هي الاستسلام للالم وتقبله وربما السعي اليه وتطلبه. اما المازوخية فهي تقبل الالم كشرط للاثارة الجنسية ،والسادو مازوخية هي توفر التجربتين معاً في الفرد الواحد.
تتداخل في مفهوم المازوخية العديد من الافكار وتتفاعل الممارسات في الشخصية المنحرفة بشقها المازوخي حتى يبدو الخضوع للالم او القبول به لغرض الحصول على اللذة الجنسية في الممارسة او ما يساويها من افعال تصدر من بعض المازوخيين هي الهدف والنتيجة معاً وهي بحد ذاتها لذة مبتورة تخفي خلفها العديد من الاستفسارات التي يعرفها معشر السيكولوجيين المتخصصين في علم نفس الاعماق(التحليل النفسي)اكثر من غيرهم، وازاء ذلك فأن الفرد الذي يقع عليه الالم كما يرى التحليل النفسي يشعر بذلك على صورة ألم او انه يجد لذة بتحويل الالم الى لذة.وتفسر نظرية التحليل النفسي المازوخي على اساس تجارب الطفولة التي تربط بين الممارسة الجنسية وبين الالم كما حدث في حياة “مازوخ”الذي منه اشتق هذا المفهوم،ولذلك فأن الثمن الذي لابد للشخص المازوخي ان يدفعه للوصول الى لذته الجنسية هو الالم ومدى تقبله في العلاقة الجنسية،وعَد البعض من المهتمين بدراسة الشخصية المازوخية بكل انحرافاتها،ان الحرارة والدغدغة قد تكون مثيرة للشعور بالراحة واللذة غير انها تصبح احاسيس مثيرة ومؤلمة اذا ما زادت عن مستواها الاعتيادي واستمرت مدة طويلة،حتى وجدوا ان الاحساس بالالم اذا ما استمر وتواصل ربما يصبح احساساً مرغوباً به،وبذلك فأن ما يبدأ بالاصل كمجرد
خضوع او قبول بالالم قد ينتهي الى الشعور باللذة كما يعتقد اصحاب مدرسة التعلم الشرطي،ويكون التطبيع الشرطي والتطبع بالاحاسيس الجديدة وقبولها امراً مقبولاً.
ان معظم الناس يمرون بخبرة السادية او المازوخية كسلوك في خصوصياتهم الدقيقة مع زوجاتهم او مع ازواجهم او مع من يتعاملون جنسياً معهم، وتحدث الحالة بشكلها الطبيعي وفي حدود المعقول التي لم تجد الاستمرارية والتطبع عليها بشكل مستمر،واثبتت بعض الدراسات المتخصصة بأن المرأة اكثر عنفاً من الرجل وبأنها الاكثر سادية،الا ان البعض من الباحثين يرون العكس وبأن المرأة في سلوكها اكثر تدليلاً على غلبة السلوك المازوخي في ثنايا خصوصياتها او عموميتها،رغم ان تأكيدهم بان الانثى تتحمل الالم بشكل مازوخي حاد وتقبل الخضوع والرضوخ للرجل في احيان كثيرة بغية تحقيق اهدافها التي تجد فيها اللذة ومنها عملية فض البكارة،وهي عملية مؤلمة وبها من العنف الموجه للانثى ولكن اللذة المتحققة بعد ذلك اكبر من لحظات الالم،وكذلك هو الحال في عملية الحمل،فقدرات المرأة على تحمل الصعاب والمشقة خلال مراحله ثم مرحلة الولادة والانجاب،بها من الالم ما يساوي اللذة،بل تفوق اللذة على مستويات الالم وشدته،فاللذة المتحققة من الانجاب عند الانثى تجعلها تقبل آلم الحمل وطول مدته ومضاعفاته وما ينتج عنه من معاناة مقابل اللذة المتحققة.خلاصة القول لابد من الالتفات الى ان المازوخية لاتنفصل عن السادية وان القسوة على الذات مشوبة بالقسوة على الغير،فنحن في الواقع حيال حدين متضايفين متساويين في درجة المتعة والآلم،مختلفين في النوع،متفقين في
الشخصية المبدعة “الابتكارية ”
يتحدث الناس كثيرا عن الذكاء والتفوق والموهبة والابداع والعبقرية والابتكارية وما الى ذلك من مفاهيم ومصطلحات واحيانا تدخل المعادلات في حساب نسبة الذكاء وقياسه . وفي البداية سوف نعرض لبعض التعريفات .
الذكاء .. هو القدرة على النشاط العقلي التي لايمكن قياسها مباشرة ، اما الابتكارية .. فهي النشاط العقلي الابداعي والاصيل الذي ينحرف عن الانماط المعتادة والمألوفة والذي يؤدي الى اكثر من حل واحد مقبول للمشكلة . اعتقد الناس بان الشخص المبدع لابد ان يكون مضطربا في حياته النفسية او ان هناك تصرفات او سلوكيات تصدر عنه غير متوافقة مع عامة الناس حتى انهم ربطوا هذه التصرفات بين العبقرية والجنون ، والبعض من العامة ارجع ذلك الى وجود اختلال في العقل ، مما ساعد على ترسيخ هذا الرأي والاعتقاد لدى البعض ، وهو ناتجمن اصابة بعض المبدعين والعباقرة والموهوبين عقليا او المتفوقين باضطراب عقلي في فترة او اخرى من حياتهم . ولو تأملنا في ملاحظة سلوك بعض الشخصيات المبدعة في الرسم او النحت او الادب والفن او العلوم او الموسيقى والشعر والكتابة بانواعها ، لوجدنا هناك بعض مظاهر هذه السلوكيات غير الطبيعية ، ولو تأملنا ايضا في دراسة اعمالهم ونتاجاتهم بكافة انواعها لوجدنا ان السمة الغالبة هي الاختلاف عن السلوك العام لدى عامة الناس .
اما علماء النفس في مجال التفوق العقلي والابتكارية فيرون عكس ذلك بقولهم بشكل عام بأن اضطراب الحياة النفسية والعقلية للعبقري لاعلاقة سببية بينه وبين العمل الابداعي وبأن معظم المبدعين في المجالات المختلفة هم من الاسوياء في حياتهم النفسية وسلوكهم الاجتماعي وان القلة فقط من المبدعين يتسمون باعراض تدلل على انحرافهم بصورة او اخرى عن المجال الطبيعي للحياة النفسية والعقلية . وللعمل الابداعي في مثل هؤلاء ان يتأثر في موضوعه وفي طريقة انتاجه وفي زمن خلقه بالحالة النفسية او العقلية لصاحبه . ومن امثلة ذلك ما يوصف به لودفيج فان بيتهوفن بالغضب ، وجوناثان سويفت بالسخط والنقمة ، وفينسيت فان كوخ بالعزلة والوحدة الكبيرة ، وآميل برونت باليأس .
رصدت بعض السمات الطاغية في سلوك الشخصيات المبدعة الخلاقة من خلال تعبيرات معينة مثل: الشجاعة في طرح الرأي ، السمة المبدعة في الطرح الفكري والاسلوب ، ذو تفكير واضح ، معظمهم متقلبون ، متفردون ، مشغولو البال ، معقدون ، في حين ان الافراد العاديين او اصحاب التفكير والقدرات الاعتيادية يتميزون بشكل واضح عن المبدعين في انهم : متذوقون ، اكثر ميلا لمراعاة مشاعر وحقوق الاخرين ، تقليديون ، ميالون للمساعدة ، متعاطفون ، كسولون ، مهملون ، خجولون ، مثبطون ، ضعفاء مع شئ من الغباء .
ان السلوك الابتكاري وسمات التفوق العقلي والقدرات غير الاعتيادية تظهر منذ مرحلة الطفولة وهناك بعض المؤشرات التي تونبئ باحتمال ظهور الابداع في المراحل العمرية اللاحقة في الكبر ، ومن اهم هذه المؤشرات في حياة الاطفال والاحداث هي وجود مظاهر واضحة على التخيل الواسع والذكاء مثل حب الاستطلاع ومعرفة الكثير من الحقائق عن الكون والخلق وتكوين الحياة فضلا عن كثرة الاسئلة والبحث عن اجابة لها من الوالدين اولا ثم الانشغال بالبحث عن اليات عمل الكون او صنعه ، فالاطفال والاحداث المبدعين لديهم الميل الى الابتكاروالانشغال بذلك على حساب النشاطات البريئة التي يمارسها الاطفال في مثل اعمارهم في نفس المرحلة العمرية .
ان الشخصية المبدعة الابتكارية المتفوقة لها قدرة خاصة متميزة لحل المشكلة وابداع الرؤية في العمل الفني واسلوب حلها وطريقة انتاج اعمال اصيلة وافكار تتميز بالخلاقة في الرسم والشعر والرياضيات والكتابة والموسيقى وفي كل المجالات حتى ان نتاجهم الفني والابداعي يكون تام التكوين ويرقى الى التفرد النوعي ، هذه المقومات لانجدها في الانسان العادي وانما تكون لدى المبدع المتفوق حصراً ومن اهم العوامل الشخصية التي يمكن ملاحظتها لديه :
–
– الحس المفرط
– المقدرة الفكرية المتميزة
– قابلية الحركة
ففي تفاعل العامل الاول “الحس المفرط”والعامل الثاني “المقدرة الفكرية” تنتج العبقرية وان كانت بعض الفنون تحتاج الى الابداع في العامل الثالث “قابلية الحركة ” بدرجة واضحة مثل الابداع في النحت والابداع في التمثيل والابداع في الرقص .
ان العبقرية والابداع والابتكارية هي سمات تقترن بالشخصية الانسانية ومدى حاجات كل منها ، فعادة ما يميل الفنانون المبتكرون الى انفاق قدر كبير من الوقت في اكتشاف العمل الفني المبدع وتحديده او اكتشاف المشكلات الاستثنائية برؤية اخرى تختلف عن الرؤية العامة للناس لذا فان المبدعين لهم بعض الصفات تختلف عن الناس العاديين وبشكل اكثر من الاخرين ومنها : المثابرة والاصرار وبذل الجهد بصورة مكثفة فضلا القدرة على ان يكونوا في براءة وصراحة الاطفال والكشف عن مشاعر يتم في العادة قمعها .
من صفات الشخصية المبدعة ان لديها قدرات خاصة متميزة في الطلاقة الفكرية والمرونة والاصالة بصورة واضحة ، كذلك وجد ان نمط الشخصية المبدعة الابتكارية تستخدم دائما استراتيجيتين في نطاق واسع خصوصا لدى الراشدين والبالغين وهما :
– القصف الذهني Brain storming
– تآلف الاشتات Synectics
وتقدم فكرة القصف الذهني لدى المبدع على انه يستطيع انتاج عدد كبير من الافكار حول موضوع معين ، وله القدرة على ايجاد العديد من الحلول لمسألة رياضية واحدة او مسألة فيزيائية او مسألة تتعلق بالعلوم الصرفة او حتى في مجال الابداع الفني والشعري والقصصي او كتابة النص او تأليف مقطوعة موسيقية او رسم لوحة فنية او ماشاكل ذلك من الاعمال ، فهويتمتع بقدرة وافرة على غزارة انتاج الافكار. اما فكرة
تآلف الاشتات فهي ايضا سمة واضحة لدى الشخصية المبدعة وتقوم على انه يعيد رؤية ودراسة اي ابداع في الانتاج الفكري من وجهات نظر جديدة ومتعددة .
تظهر بوادر القدرات المتميزة في الابتكارية والتفوق العقلي في اغلب الاحيان في مرحلة الطفولة وتنمو مع النمو الجسمي ، فالنمو الجسمي يصاحبه النمو النمو العقلي ووضع علماء النفس معادلة رياضية لقياس نسبة الذكاء والتفوق والابتكارية من خلال معرفة العمر الزمني والعمر العقلي ومؤشرات العمر النضجي الذي يسبق العمر الزمني عادة ، فالكثير منا يطلق على بعض الراشدين المتميزين بان عمرهم العقلي يفوق
عمرهم الزمني ، وهذا صحيح تماما من الناحية العلمية ، ومن الصفات الشخصية التي وجدها علماء النفس التي ترتبط بالزيادة والنقصان في نسبة الذكاء لدى المبدعين ان مؤشر حب الاستطلاع هو الواضح على سلوكهم فضلا عن الاستقلال الانفعالي مع الميل الواضح الى العدوان اللفظي والاصرار على بذل الجهد لحل المشكلات الصعبة وتحديها مهما استغرقت من الوقت والجهد فضلا عن وجود الباعث القوي على التحدي والتنافس في جوانب السلوك المألوفة ، وهي جميعها مرتبطة بنسبة الذكاء المرتفعة لديهم . ويبقى ان نطرح السؤال الاهم في موضوع الابداع والابتكار وهو : كيف يحدث الابداع لدى الانسان المبدع ؟
يرى علماء النفس ان هناك اربع ادوار للعملية الابداعية عند الاشخاص المبدعين وهي :
– الدور الاعدادي … وفيه يتوفر الجهد المركز
– دور الترقيد … وفيه تترك المشكلة او الاهتمام بدون متابعة واعية
– دور الاضاءة … وفيه تظهر الحلول او الاجابات السريعة وبقدرة بارقة وبصيرة نافذة
– دور التحقق … وفيه يعبر عن عملية الخلق والابداع في الواقع .
ظلت الشخصية الابداعية المتفوقة عبرتاريخ البشرية تسطر للاجيال اروع النتاجات الفكرية في الفن والادب والكتابة والشعر والهندسة المعمارية وروائع الفن القديم والطب والعلوم بانواعها وخلال ذلك لم تتوقف الابداعات رغم الحروب والاضطهاد والتسلط وعصور الرفاهية والرخاء والامان ، وهكذا فان الابداع به من الايجابيات كما به من السلبيات وبه من المميزات كما به من السيئات ولكن تبقى الشخصية المبدعة شخصية انسانية متفتحة ذات حساسية مفرطة .
الشخصية المتزنة
لم يكف الجد ل بين الناس عامة ، والمتخصصون في علم نفس الشخصية خصوصا عمن هو الانسان الطبيعي ، المتزن ، ذو الصفات التي يتفق عليها القاصي والداني ، القريب والبعيد ، اهل بيته والغرباء … وظلت هذه المسألة دون حسم قاطع الى ان توصل علماء النفس الى متقاربات في الرؤية ووجدوا ان معظم الناس في المجتمع يقعون في مجمل خصائصهم الشخصية ضمن الحدود المعروفة للشخصية الطبيعية ، على انهم مع ذلك يختلفون من حيث بروز صفة او اكثر من الصفات الكثيرة المكونة للشخصية وبروز هذه الصفات بدرجات متفاوتة ، هو الذي اعطى الشخصية علاماتها الاجتماعية الفارقة ، وليس هنالك دلالة نفسية او امكانية مرضية تنتج بالضرورة عن مثل هذا التنوع في صفات الشخصية ، رغم ان هناك نسبة لابأس بعددها من مجموع الناس ممن تظهر فيهم بعض الصفات الشخصية بشكل واضح بحيث تصبح ملفتة للنظر ، وتطغي على غيرها من الصفات الطبيعية الاخرى .
اعتاد الناس ان يشاهدوا الشخص الطبيعي في الحياة الاجتماعية وبه بعض الصفات المميزة عن الاخرين ، فتم وضع تعريف لهذه الشخصية ولصاحبها ، بأنه ذلك الفرد الذي تظهر خصائص شخصية بصورة متكاملة ، وبأنه يستطيع توجيه هذه الخصائص بشكل متوازن نحو تحقيق اهداف الحياة له .
بينما يرى آخرون ان الشخصية المتزنة –الطبيعية- هي تلك الشخصية التي يتمتع صاحبها برزانة العقل وبأنه سعيد ويتمتع بنشاط بين افراد المجتمع وله القدرة على استغلال كامل قابلياته وقدراته النفسية ويتكيف بشكل متوازن مع البيئة التي يعيش فيها ، لذا اطلق عليه بأنه الشخص السعيد الذي يبذل ما بوسعه من اجل سعادة اسرته واصدقاءه ومجتمعه ويعيش بوفاق تام مع جيرانه .
اذن نمط الشخصية المتزنة هو النمط الذي استطاع ان يجسدالانماط المستمرة والمتسقة نسبياً من ادراكاته وتفكيره واحساساته في السلوك الذي يتعامل به مع الناس ليعطي صورة عما يريد اظهاره لهم في تعاملاته اليومية ، واثبت ان ميوله واتجاهاته وقدراته ودوافعه تتوافق مع النسبة الاكبر مع الناس الاخرين ، ويمكننا التأكيد مرة اخرى ان مسألة التوافق بالسلوك السوي ، هي محك الاتزان مع الاخرين ويمكن الاستنتاج من قياسها ومعرفتها عبر شبكة الاتصال مع الاخرين والتواصل معهم في مواقف الحياة المتعددة.
ا ن الشخصية المتزنة تمثل الحد الادنى من سمات الشخصية الانفعالية ، وصاحب هذه الشخصية بأمكانه كبت انفعالاته او تأجيلها واحيانا اخرى يستطيع التحكم بها ، لكي يتعامل مع الحدث او الازمات اليومية بتعقل واضح ، فضلا عن انه يتفاعل مع شتى المواقف الحياتية التي تتلائم ومزاجه وتفكيره بشكل غير عنيف وغير سريع وبهدوء ، سواء كان بالكلام او بالفعل ، فهو يستطيع كبح جماح انفعالاته المتفجرة في احيان كثيرة ويحولها الى سلوك آخر مقبول اجتماعياً ، ونادراً مايراه الاخرين في حالة غضب او حالة مزاجية متعكرة .
يستطيع صاحب الشخصية المتزنة ان يتكيف مع المواقف المتنوعة وتاتي هذه الصفات من طبيعة الانسان نفسه وتكوينه ، لاسيما ان الانسان كائن متطور ومرن وله القابلية على اكتساب الجديد والتعلم من الاخرين ومن تجارب الحياة التي يمر بها ويتفاعل معها ويستنتج منها العبّر والمواعظ ، رغم ان هناك بعض العوامل الاخرى التي تلعب الدور الاكبر في تشكيل شخصيته ومنها الجوانب الوراثية التي قد تطغي على السلوك الشخصي للفرد .
ما يميز الشخصية المتزنة هو سيادة العقل مع الحياة العطفية الناجحة في حياته الخاصة ومع الناس الاخرين ، فضلا عن الميل الى التفكير العقلاني والتخيل والتوقع العقلاني دائما مع وجود البصيرة بشكل عالي ومميز ، كذلك ميله الى التأمل في الاشياء قبل فعلها ، والتروي الدائم الذي
يعد محك اختبار له في عدة جوانب من حياته ، وهذه الصفات والقدرات ” الملكات” العقلية التي نجدها في الشخصية المتزنة ، كثيراً ما نفتقدها في الشخصيات الاخرى او تكاد معدومة تماما .
من الواضح ان الناس يتفاوتون في شخصياتهم وفي تجاربهم الحياتية وفي الطريقة التي يعالجون بها الامور ، فالبعض من عامة الناس عندما يصيبه التوتر والاضطراب يكاد ان يفقد اعصابه او اتزانه ، وعندما يواجه مشكلة تعتريه او ازمة تحل به ، يكاد ان ينهار او يفقد الجزء الاكبر من مقومات وجوده كعاقل ومتمكن في المواجهة ثم نراه يستسلم تماما للمشكلة حتى تتفاقم ، بينما صاحب الشخصية المتزنة يتعامل مع الازمة بكا تأني وواقعية يقل مثيلها عند الاخرين ، حتى انه يحاول ان يطوع الحدث ويتكيف معه حتى يستوعبه بالكامل ، واذا استعصى عليه الامر طلب المشورة من الاخرين دون عيب او شعور بالنقص ،
فالجميع يتعامل معه بكل رحابة صدر ويقدم له المشورة ، الى ان يضع الحلول المؤاتية الملائمة لها ولا يترك نفسه في مهب الريح دون مواجهة حقيقية للمشكلة.. وعليه ان الاحاطة بنمط الشخصية المتزنة ومظاهرها المعلنة وما يصدر عنها من سلوك ، هو اكتساب معلومات وعبر وخبرات جديدة للجميع لا سيما ان في الحياة تجارب متنوعة لاشخاص مختلفين ، حقق الكثير منهم النجاح وراحة البال واولهم صاحب الشخصية المتزنة – الطبيعية-
اتفق الكثير من علماء النفس ان الفرد السليم من الناحية النفسية هو الذي تتمثل في شخصيته بعض الخصائص الاساسية على الاقل ، فعلى المستوى السلوكي ، له القدرة على حسم الامور بدون جهد كبير او تأجيل في المواجهة .
اما على المستوى العاطفي ، فهو لا يعاني من الصراعات النفسية او العقلية الواضحة وله القدرة المعقولة في التغلب عليها ، فضلا عن توافقه في العمل وفي اقامة علاقات ملائمة مع زملاءه دون مشاحنات اة تنافس عدواني ، فهو ينجح في العمل وفي العمل ، وينجح في اقامة علاقة متزنة ، وينجح في التوفيق بين افراد اسرته وينجح في التوفيق بينه وبين الاخرين . انه يجد ارتياحاً في العلاقات الاجتماعية وفي التعامل مع الناس ويحاول ان يستميل كل الناس وارضاءهم ، فهو لا يترك غضاضة في نفس احد ، حتى كاد الناس ان تجمع عليه بالتعامل الحسن والتصرف اللائق دائماً .
اما على مستوى حياته الزوجية العائلية ، فهو يتفهم شؤون اسرته دائما ويرضي زوجته وابناءه ولديه القدرة في اضفاء السرور والمودة والمحبة بينهم ، ويتفهم حاجاتهم العاطفية ووجهات نظرهم .
يتفق معظم اجماع الناس على شخص ما ، بأنه يتميز بالتعقل والتبصر والتروي والتسامح مع المرونة ، وهذه الصفات تجمع الشخصية المتزنة كحالة صحية كاملة ، وبهذا المفهوم نرى ان الشخصية المتزنة بانها تتمتع بقدر عالي من الصحة ، ولا يعني بحال انه خالياً تماماً من بعض الصفات الاخرى ، ولكن ان وجدت فهي بدرجة معقولة مثل المعاناة والالم والتحسس ولكن بالحدود الطبيعية ، فهو يجمع بين معظم العوامل في تكوينه النفسي والعقلي والشخصي ، وتبدو السمات الايجابية هي السائدة على سلوكه العام ، فهو يجمع الجوانب البيولوجية التكوينية والنفسية والاجتماعية في شخصيته ، وبمجموعها كلها تساهم في تكوين نمط الشخصية المتزنة المتوافقة ذاتياً مع نفسه والمتكيفه مع الاخرين .
الشخصية المتفجرة Explosive
ا ن فكرة تصنيف كل الناس الى اصناف ربما لا تروق للبعض منا ، وهناك الكثير من علماء النفس يقولون انه لا يمكن تصنيف الناس الى صنفين او الى ستة او ثمانية او حتى عشرين ، والبعض منهم يقول هناك من اصناف الناس بعدد الناس ، وكل شخص يمكن ان يكون نوعاً مختلفاً من الاشخاص في اوقات مختلفة . فالانسان كائن بشري معقد ، تنتابه الانفعالات في لحظة ما ووقت ما ولكن لايمكن ان يكون دائماً بهذا الحال ، رغم ان هناك فروقاً فردية بين الناس . اننا ازاء نمط من انماط الشخصية ربما اتفق عليه الناس وعلماء النفس معاً ، هذه الشخصية هي الشخصية المتفجرة ، واعتاد الناس تسميتها بالشخصية الانفعالية .
من اهم صفات هذه الشخصية هي سرعة التأثر والانفعال الظاهري مما قد يؤدي الى زيادة في الحركة او العنف الكلامي او ربما حتى الفعلي . اذن صاحب هذه الشخصية ينفعل بسرعة ، ويتفاعل مع شتى المواقف الحياتية التي لاتتلائم ومزاجه بشكل عنيف وسريع وغاضب سواء كان بالكلام او بالفعل ، وهو لايستطيع كبح جماح انفعاله المتفجر .
اننا كبشر اسوياء نتعامل مع مواقف الحياة المختلفة في الشارع وفي مكان العمل واثناء تواجدنا في اماكن اجتماعية كالمناسبات الدينية او الافراح او المناسبات المحزنة التي تستدعي المشاركة الجماعية،
يظهر البعض منا اعلى درجات الضبط الانفعالي ، وتكون مشاركته خلاقة الى الحد الذي يبهر الاخرين في حضوره ومشاركته الصادقة ، والبعض الآخر ربما تكون مشاركته شكلية ، وكأنها مراسم يؤديها على مضض دون اي اعتبار ، والبعض من الناس يشارك وتبدو على ملامحه علامات الانفعال والتشنج، وكأن هذا الحدث محزناً كان او مفرحاً ، وطنياً ام دينياً ، عاماً ام طارئأ ، بأنه الحدث الاول والاخير في هذه الدنيا ، فتراه يحاول ان يتعامل بكل خشونة مع هذا الشخص او ذاك ، يسمُع الاخرين كلمات ربما كانت قاسية لايرضى سماعها احد من الحضور ، وهوبنفس الوقت لايرضى على ما يؤديه الاخرين من عمل كـلُ حسب قدرته واداءه .
هذا الشخص يتعامل بشدة دائماً مع الاخرين بمناسبة او بدون مناسبة ، وقد يكون سريع الانفعال بشكل عام ولإتفه الامور ، وقد ينحصر انفعاله في مواضيع معينة تثير حساسية وتخلق هذه الحساسية بسبب تجارب سابقة تطبع على الانفعال بسببها . ويرى علماء النفس ان هذه السمة تبرز عادة منذ الطفولة ، على انها يمكن ان تبدأ او ان تتعزز في وقت لاحق من مراحل العمر الاخرى ، مثل المراهقة والبلوغ ، بسبب التجارب الحياتية النفسية والمعنوية او المادية في الجسم كالمرض .
ان الغضب والانفعال اللذان يبدوان بشكل واضح على الانسان في ملامح وجهه وتعبيراتها يرتبطان بالمكونات الفسيولوجية ، اما الاحساسات والمشاعر فتبدوان في المكونات السلوكية ، ورأى علماء النفس ان الحالات الفسيولوجية وتغير ملامح الوجه وتعبيراته تسبق بدورها الاحساسات والسلوك على الاقل لبعض الوقت . وعليه يبدو ان تعقيد الانفعالات يرجع لسبب آخر هو انها تتغير باستمرار وبصفة عامة لاتتحكم المشاعر العنيفة القوية في الافراد بصورة مستمرة ولكن تسود الانفعالات دائماً على شخصية الفرد الذي يتسم بالانفجار والانفعال .
يقول علماء النفس ان عقولنا تحاول المحافظة وجود توازن انفعالي أمثل عن طريق اختزال شدة المشاعر الموجبة والسالبة ويرى البعض من علماء النفس بقولهم : قد تعمل الخبرات على نشأة انفعالات قوية نسبياً ، وترتفع شدة تلك الانفعالات الى ان تبلغ اوجها ، ربما يتحول الصوت الصادر من الشخص المنفعل الى كلمات غير مفهومة او حتى الى زمجرة وعواء ، وهنا يفقد العقل التحكم في مجرى التفكير ، وهو الجزء المسؤول في دماغ الانسان عن تكوين المفاهيم وترتيبها بشكل لا ارادي ، حيث تخرج بصورة جمل منسقة وافكار مرتبة ، ما ان يسمعها المقابل حتى يفهم كنهها ، حتى وان كانت على مستوى راقٍ او على المستوى البسيط ، ففي حالة صاحبنا ، صاحب الشخصية الانفعالية المتفجرة ، ان غضبه وانفعاله اثناء الموقف يفقده هذه السمة التي اختص بها الانسان دون غيره من الكائنات الحية الاخرى . هذه النواتج السلوكية من نمط الشخصية الانفجارية تشابه الى حد كبير سمات انماط اخرى من الشخصيات ، كالشخصية القلقة ، التي عندما تتعرض الى موقف صادم ، تفقد السيطرة على النطق وتكوين استجابات مفهومة يمكن الاهتداء اليها وفهمه لدى
سماعها من الاخرين ، وكثيراً ما يحدث هذا الامر في الحروب والمنازعات واثناء المعارك او الانسحاب العسكري غير المنظم من ساحات القتال او عند الاحساس بالخطر الشديد الذي لا يمكن تحمله مثل حالة اصدام سيارة امام الناظرين فجأة بشكل غير متوقع وما الى ذلك من مواقف صعبة .
يشابه نمط هذه الشخصية ايضاً بعض الانماط الاخرى منها نمط الشخصية الهستيرية اثناء تعرضها الى نوبات انفعالية شديدة يصعب التحكم فيها او حالات التجوال النومي وما شاكل ذلك . اننا حينما نعرض لمثل هذه الانماط البشرية ، لانبالغ او نجافي الحقيقة كثيراً يقدر ما هو واقع ملموس في حياتنا اليومية المعاشة ، لا في مشارق الدنيا وعالمها المتخلف فحسب ، بل في مغاربها وعالمها المتحضر في علوم التكنولوجيا والهندسة ، فالانسانية تتشابه جميعها في انماط الشخصية من حيث مرضها وسواها “صحتها” من حيث تدهورها وتحسنها ، وعليه فيمكننا القول وليس بالقول القاطع ولكن ربما ان من اهم المهيئات للانفعال في مثل هذا النوع من الشخصية هو الارهاق الجسمي والنفسي ، والتثبيط الدائم الناجم عن فشل او تفشيل الفرد في تحقيق اهدافه .
يرى اطباء النفس ان الانفعالات قد تحدث بسبب المرض او التحسس به ، وقد يلي بعض الالتهابات البسيطة كالرشح او اصابات الشدة على الرأس او لدى بعض المصابين بالصرع ، كما انه قد يكون عارضاً لحالات انخفاض السكر في الدم وزيادة افرازات الغدة الدرقية وفي حالات الخرف العضوي في اي مرحلة من مراحل العمر .
الشخصية الانفجارية انفعالياً ، ينتابها ميلاً شديداً نحو التصرف تبعاً للاندفاعات دون مراعاة التبعات فضلاً عن وجود مزاج غير مستقر يتسم بالنزوة ، فهو لايستطيع التحكم بسلوكه وما يؤول اليه تصرفه ، فكما قلنا ان هذه التصرفات من الغضب الشديد تؤدي كثيراً ما الى العنف او انفجارات سلوكية وقد يوجه صاحب هذه الشخصية نقداً لاذعاً للاخرين ، او اعتراض الاخرين ويكون بشدة عالية . ان اهم ما يميز صاحب هذه الشخصية هو :
الاندفاع وعدم التنبؤ بالسلوك .
– الغضب غير المناسب او ضعف التحكم في الغضب .
– اضطراب الهوية الداخلية مثل اهتزاز الصورة الذاتية ، اهتزاز القيم والولاء والصداقة اثناء الغضب .
– ضعف التوازن الوجداني وتذبذب العاطفة اثناء الانفعال الشديد .
– اثناء لحظات الغضب والانفجار يتراوح سلوك الشخص من الغضب الى العصبية الزائدة لعدة ساعات الى القلق ويستقر اخيراً الى الاكتئاب ثم يعود بعدها الى وضعه الطبيعي .
– ان صاحب الشخصية الانفعالية المتفجرة سرعان ما يدرك انزلاقه وغضبه وانفعاله ونزوته المزاجية، وما دفعته اليه ، يشعر بعدها بالندم او بالاثم بينما في الشخصيات الاخرى المشابهة ” القلقة ، العدوانية، المضادة للمجتمع ” لايحدث هذا الشعور اطلاقاً .
الشخصية المتقـلبة Cycloid
تعارف الناس فيما بينهم ان الانسان السوي به من المميزات الواضحة التي يستدل بها من سلوكه، واول هذه الميزات المرونة مقابل الابتعاد عن التصلب والجمود ، والمرونة تعني مواجهة المواقف الحياتية والتغيرات الضاغطة في مسيرة الحياة بكل شجاعة وحزم ، فكلنا نواجه الاحداث والصراعات الخارجية ونبذل مجهوداً حثيثاً لمحاولة حسمها ، ففي علاقتنا مع زوجاتنا نواجه احياناً احداثاً ، وكذلك عند توجيه ابناءنا وفي طريقة تربيتهم واسلوب ممارسة الحياة وكذلك في اماكن العمل ، ونتخذ القرارت التي تنبع من دواخلنا بغية حسم الامور بالتوافق والرضا مع الاحساس التام بأهمية هذه القرارات ومدى ثباتها ، حتى بات الناس يتعاملون مع بعضهم البعض بكل ثقة عبر ما ينطقون به ويتفوهون به ، ويؤكدونه ذلك في تصرفاتهم
وسلوكهم حتى بات السلوك القريب الى الثبات في الرأي والدفاع عنه سمة من سمات تحضرالافراد و الشعوب ، ونبذت هذه المجتمعات سمة الكذب او التبرير الزائف للاقوال والافعال او التلون في السلوك وما الى ذلك من صفات سيئة .
اننا الان امام نمط من الشخصية مازال به من السمات تختلف عن السمات الاخرى تماماً ، صاحبها لايهدأ له با ل ولا يستقر على رأي ولايمكن ان يؤخذ منه قرار واضح او صريح ، فهو يتقلب بعدد دقائق الساعة ، وله عدة اراء وخصوصاً في التعامل وازاء ذلك يقول علماء النفس ان تسمية هذه الشخصية جاءت نتيجة حالة المزاج الذي لايستقر على صورة ثابتة ، فهو سريع التقلب في الشعور والعاطفة من حالة الايجابية الى نقيضها في السلبية ، ويتأرجح في المزاج من الانفعا ل الى الهدوء والسكينة ،و من حالة الفرح والسرور الى حالة الحزن والغم حتى رأى البعض من علماء النفس ان نمط هذه الشخصية اكثر ميلا للشخصية الفصامية لولا ا لبنية الجسمية التي تميل الى البدانة فمعظم الفصاميين هم من اصحاب البنية النحيلة .
تعد الشخصية المتقلبة شخصية ذات ميل شديد للتصرف باندفاع قوي دون مراعاة لاية ضوابط او تبعات ومن صفاته ايضاً ميل الى الحدية في التصرف والسلوك ومن الصعب ان يتوافق اجتماعياً بالرغم من وجود مؤشر قوي وواضح بعدم قدرته على التوازن الوجداني ، فهو يتذبذب دائماً في اتخاذ القرار ويتذبذب بين القلق والغضب الى العصبية الزائدة فضلا عن عدم معرفته واستقراره بما يريد حتى سمي بالنزق ” النوع النزقي Impulsive type ” .
ومن صفاته ايضاً انه اناني وله القدرة العالية على الهروب من المواقف الحياتية التي بها تعهد او التزام او توكيد للذات ، فهو متحلل بكل معنى من كل انضباط او التزام قيمي يؤدي الى انضباط في التعامل. ويمكن القول ا ن نمط هذه الشخصية هو نمط الشخصية السلبية او العدوانية احياناً ، فعدم الالتزام والتقيد بالكلمة او العهد لدى صاحب الشخصية المتقلبة يدفع بالاخرين الى فقدان الصلة به او التعامل معه او حتى نبذه بمرور الوقت وبمرور الوقت ايضاً تصبح هذه الشخصية شاذة اجتماعياً .
تتكون هذه الشخصية بسبب القسوة في التربية خلال مراحل العمر الاولى وخصوصاً السنوات الستة الاولى ، كذلك بعد وطأة القسوة المفرطة في التعامل اثناء مراحل العمر حتى الرشد مع الحرمان من العاطفة والمحبة داخل الاسرة ، لذا فأن تربية التصلب والجمود والقسوة تترك لدى الفرد شخصية اكثر تصلباً ، لاتعرف المرونة ، وتكون متقلبة في الرأي والقرار ، ومن الصعب عليها التكيف الصحي السليم ولهذا تتكون لدى هذه الشخصية بعض السلوكيات تبدو واضحة للمقربين من ابرزها :
– الشك بالاخرين مع موقف عدائي دفين تجاههم لايظهره .
– الاحساس الدائم بأنه على شفا خطر في التعامل مع الاخرين .
– احساس داخلي باليأس .
– الشعور بالاغتراب الداخلي .
– التعامل مع الاخرين بحذر وكأنه تحت وطأة التهديد .
هذه الشخصية تواجهنا في التعامل الحياتي اليومي وتستثار بأقل حافز يوجه اليها وربما يؤدي احياناً الى عملية جذب او شد لاتفه الاسباب والامور حتى نعتقد اننا نفقد التفاهم لكثرة اللف والدوران في الحديث مع هذه الشخصية ، ويجزع البعض منا ويريد انهاء الحديث معها لكثرة التقلب في المزاج وعدم الاستقرار والوضوح في الرأي ، وكثيراً من هؤلاء الاشخاص ذوي الشخصيات المتقلبة يعترفون بأنهم متعبيّن ولايستقروا على رأي او الاعتماد على قولهم بشكل ثابت .
الشخصية المضاده للمجتمع ” السيكوباثي”
يقول الكاتب اولدس هكسلي – كلنا ملائكة وكلنا قتلة- كثيرة هي انماط السلوك الانساني ، المعتدلة منها ا و المتطرفة والاكثرها تطرفا هو هذا النمط الذي يتخذ بعضه عدوانية سافرة نحو المجتمع ا و نحو الجنوح الاخلاقي ا و سيكوباثية التعدي ، فالسلوك السيكوباثي في معظمه يتجه نحو الضرر والايذاء الاجتماعي ،
لذا فتعريف السلوك السيكوباثي يتحدد في وجود اضطراب مستمر ا و عطل عقلي ينجم عنه عنف غير طبيعي او سلوك خطير لا يتسم بالمسؤلية . وكثيرا ما تسبب المعاناة للبيئة المحيطة بالشخص من الاهل والاقرباء وافراد المجتمع الاخرين ولوتأملنا في ما يصدر عنه لوجدنا انه سريع الاندفاع وعديم الشعور اوقليل الشعور بالندامة والاثم ، وهوبنفس الوقت عاجز عن تكوين علاقة دائمة من المودة والصداقة مع غيره من الناس … او انه ذلك الشخص الاناني الذي لا يعرف احد سبب انانيته .
تتسم الشخصية المضادة للمجتمع بعدم النضوج العاطفي مع فقدان التبصر بما يقوم به من افعال فضلا عن العبثية والانانية والنشاز الاجتماعي وبذلك فأن من الخصائص العامه هي : عدم المقدرة على التحكم بدوافع سلوكه ، وعدم توفر الوازع الضميري بما يكفي للشعور بالاثم والندم على تصرفاته المخلة بقيم المجتمع واخلاقياته والتي تبرز من خلال : السطحية في العلاقات مع الناس ، العجز عن اقامة علاقة صحيحة وثيقة ودائمية حتى مع زوجته ، السعي الدائم لاستغلال الاخرين اما بالتحايل او الابتزاز او التطفل، فقدان الخجل والاحساس بالعيب ، ضعف التحسس بسلوك المساعدة والنخوة او الاحترام ، فقدان الشفقة والتعاطف مع الاخرين ، ضعف او فقدان التفكير المنطقي الملائم مع قيم وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه ، التصرف برعونة وغطرسة ، يتصف بوجود نزوات عابرة وآنية او اثارة عارضه حتى بدون سبب ، التباهي والتفاخر عند الحاق الاذى بالاخرين او عند الافلات من القانون ، يتسم بالتمارض والتغيب وتجنب المسؤلية ودفع العمل على الاخرين ، اضطراب في علاقة السيكوباتي الدائمة في مجال عمله والاختلاف الدائم مع الادارة ، التعاطي المفرط للمشروبات الكحولية والمقامرة .
ولوتأملنا في الاسباب التي تبرزلوجدنا انها تظهر عادة في سن المراهقة وخصوصا ( قبل سن الخامسة عشرة ) وهي الفترة التي تعد اكثر السمات ظهورا حيث تتطور بتطور السلوك الى ظهور النمط المنحرف من السلوك المتمثل في السيكوباث . وتظهر بوادر الكذب في مرحلة المراهقة بشكل لافت للنظر ، كذلك الانشغال بالجوانب الجنسية والالحاح في ممارست