سيكولوجية الشخصية… الدكتور أسعد الأمارة 5
الشخصية النرجسية
في احيان كثيرة لا يجد الفرد سلوكه الحقيقي الا في الاخرين حينما يتعامل معهم ويتفاعل معهم ويتداخل مع المقربين،فالمجتمع مرآة الشخصية حينها يجد الانحراف او السواء واضحاً في اسلوب التعامل،فنحن ربما نختلف من حيث بروز هذه الصفة او تلك عن الاخرين وبروز هذه الصفات بدرجات متفاوتة يعطي الشخصية علاماتها الاجتماعية الفارقة وليس هنالك من دلالة نفسية تبرز في الواقع الفعلي الاجتماعي الا من خلال الآخر،هذا الآخر الذي يكون في معظم الاحيان صاحب التشخيص المميز لنا،فهناك نسبة ليست بالقليلة من مجموع الناس تظهر فيهم بعض الصفات الشخصية بشكل مميز بحيث تطغي هذه الصفات على غيرها من الصفات لاخرى،وينظر المجتمع الى شخصيات اصحابها بانها منحرفة عن التوازن الصحيح للشخصية السوية او من نقيضها في الشخصية غير السوية،وحديثنا في هذه السطور عن نمط مميز من انماط الشخصية، وهي الشخصية النرجسية،وتنسب النرجسية Narcissism الى
نرجس في الاسطورة اليونانية الذي اغرم بحب نفسه.ويقول علماء النفس انه اتجاه عقلي يمكن ان يحول بين الفرد وبين احراز النجاح في اقامة علاقات سوية متوازنة مع الاخرين،وفي الزواج ايضاً،لانه لا يرى في حب الآخر ضرورة لانه هو نفسه موضوع لحبه،وتاريخياً اشتق هذا الاسم من اسطورة ناركيسوس Narcissus الذي رفض حب احدى الآلهات لانه كان يحب صورته المنعكسة على سطح النهر.
تعد النرجسية نمطاً من الانماط التي يتشبث بها البعض منذ بداية تكوين الشخصية خلال مراحل الطفولة الاولى ويقوى هذالعامل المؤثر في الفرد حينما يجد الاثابة والتدعيم والتعزيز من قبل الابوين او بديلهما حتى يبدو جزءا من مكونات الشخصية وواضحا في المراحل اللاحقة في البلوغ والرشد وتكون جميع تعاملاته ذات طابع اناني بحت.
من سمات هذه الشخصية هو الشعور بالعظمة في الخيال والسلوك فضلا عن الحساسية المفرطة في الرؤية والتقييم للاخرين فالكل يراهم بعين الاستصغار او اقل منه دائماً،انه لا يحمل اية مودة للاخرين ويفتقر للعاطفة او الحنان تجاه اي انسان حتى وصفه”دانييا لاجاش”بقوله:انه يحمل جزءاً كبيراً من الانانية،اي محبة الذات،ويضيف (لاجاش)كلما زاد حب المرء لذاته قلت محبته للاخرين والعكس بالعكس. ومن سمات الشخصية النرجسية:
* حب الذات المفرط
* استغلال العلاقات مع الاخرين الى حد لا نهاية له
* تضخم الذات ورؤية الآخر بدونية وتعالي
* المغالاة بما يقوم به والمبالغة بانجازاته
* الاقتناع التام بانه العظيم الذي لا يمكن ان يقوم الاخرين بما قام به
* الخيال الواسع بتضخيم اعماله
* الاحساس الدائم بأن تفكيره وقدراته لا يمتلكها اي من البشر
* لديه شعور بالاهمية وانه ينبغي ان يعامل معاملة خاصة
*الافتقار الدائم الى الشعور بالتعاطف مع الاخرين
* الحسد والغيرة والانانية مؤشرات لمشاعره ضد الاخرين
* تبرز لديه سمات الشخصية المعادية للمجتمع
* يختلف مع اولاده بسبب شعوره بعظمته
* يبحث عن من يضخم له ذاته ويتحدث عن منجزاته وذكاؤه وقدراته الخارقة
يمكننا ان نشير بهذا الصدد بأن شخصية الفرد لابد ان تعني شخصاً بالذات وان صاحب الشخصية النرجسية يرى في انانيته وحب الذات كياناً خاصاً به ربما لا يقبله من الاخرين ولا يفكر حتى مناقشته مع الاخرين بكل ماحملت من سلبيات وانحرافات وصنفها بعض علماء النفس بالاضطرابات وسميت اضطرابات الشخصية النرجسية ،تكونت وتبلورت هذه الشخصية على شكل طاقة نفسية تمحورت حول غريزة الحياة ويقول(فرويد)الطاقة التي تدخل في كل ما تتضمنه كلمة”حب”،الحب بكل اشكاله ابتداءاً من الحب الجنسي ،والحب الذي يتغنى به الشعراء وحب الذات وحب الوالدين وحب الاطفال والصداقات وحب الانسانية على وجه العموم،فالنرجسي يلغي كل تلك الانواع من الحب،وتتمحور طاقته على حب الذات المفرط ويقول(كارل يونغ)الطاقة النرجسية”اللبيدية”حاصلة على جهد من الطاقة مساوياً لنفسه خلال كل مظاهر الحياة،اي انه اذا اوقفت احدى مظاهرها من العلاقات الاخرى التواصل الانساني معها ،فأنها تتجلى في مظهر آخر هو السلوك النرجسي الاضطرابي،السلوك المتمحور على الذات وحب النفس فقط.
الشخصية الوسوا سية التسلطية
هي حالة الافكار الوسواسية التسلطية او الافعال الوسواسية التسلطية . اهم خصائص هذه الشخصية التقيد المفرط بالدقة والالتزام الشديد بالنظام والترتيب , كذلك الحرص الزائد على النظافة حتى كاد صاحب هذه الشخصية يبدو لنا جميعاً وكأنه في حالة توثب وتحفز دائم للشك وان ما يعمله هو الصواب الذي لاخلل فيه وهو يتأكد من اي عمل يقوم به عدة مرات , لا بل عشرات المرات حتى اننا نلحظه دائماً يعيد حساباته مع نفسه ويلجأ الى محاسبتها , فهو يسعى الى الكمال دائماً في كل شئ, ولايقبل عن اي عمل مهما كان تاماً , واحيانا يلوم نفسه لماذا اتم عمله بهذه السرعة رغم انه دقيق ومتكامل . من صفاته الاخرى ايضاً انه شديد الحساسية والانطواء والخجل والتشاؤم مع المثالية العالية في الاخلاق والتعامل وبه من التواضع الشئ الكثير فضلا عن انه يهتم بالتفاصيل وعدم التساهل مع النفس او مع الاخرين فيما يتعلق بالعمل او الدقة او انجاز المهمات .
وجد علماء النفس ان هذه الشخصية تنتهي في بعض الاحيان الى الاصابة بالمرض النفسي ( التسلط الفكري والافعال القسرية ) وترجع اسباب تكوينها الى تأثير العوامل الوراثية التكوينية , وخصوصاً ان احد والدي صاحب هذه الشخصية له عادة بعض هذه الصفات وانه يتميز بالشدة والحرص والدقة والنظافة ومن اشهر ما تتميز به الوساوس القهرية بصورتيها (الافعال والافكار) التسلطية هي :
– تسلط وساوس على شكل افكار او اندفاعات قهرية على شكل افعال , كأن تكون طقوس حركية او افعال مستمرة بشكل دوري , وعادة تسبب هذه الافكار المتسلطة بشكل لايستطيع الفرد ان يتجاوزها او يمتنع من اداؤها.
– ان صاحبنا هذا على يقين تام بأن ما يقوم به من افعال هي تافهة وغير منطقية وغير معقولة , وهو على علم يقين ايضاً بأن هذه الافكار التي تراوده غير صحيحة وليست مهمة ولكنه يقوم بها وينفذها رغم قناعته بسخفها .
– يشعر احيانا ان هذه الافعال او الافكار التي يقوم بها تسيطر عليه وتقهر ارادته مما تجعله يستسلم لها وتسبب له شلل اجتماعي في الاتصال مع الاخرين .
من خصائص الشخصية الوسواسية هي تميزه بالصلابة وعدم المرونة وصعوبة جداً في التكيف والتأقلم للظواهر المختلفة مع حب الروتين والنظام الزائد على اللزوم , كما انه يتميز في الثبات في المواقف الشديدة , ويرى علماء النفس ان الانسان الناجح في حياته وعمله يحتاج الى بعض خصائص الشخصية الوسواسية التسلطية القهرية وليس كلها حتى يستطيع تنظيم ذاته اولا وعلاقاته وعمله وكلها في الحدود الطبيعية وليس الزيادة عن اللزوم , فكثيراً ما نسمع ان صاحب هذه الشخصية يصطدم مع زملاؤه في العمل او مع رؤساءه او ممن يعملون بأمرته , فهو يتمتع بالضمير الحي المفرط والمثالية الزائدة ويتغلب عليه العناد والصلابة والمضي في سبيل الحق كما يعتقد دون تراجع او تردد حتى النهاية .
تلائم الشخصية الوسواسية بعض الوظائف والمهن مثل مجال الاعمال والحرف الفنية والمديرين والاداريين والمدقيين في الحسابات وكبار ضباط الجيش والشرطة وموظفي السكرتارية الذين يجيدون الدقة في المواعيد وتنظيم اللقاءات , كذلك موظفي الارشيف وتنظيم الملفات ومعرفة دقائقها وامورها بدقة متناهية فضلا عن العمل في المكتبات .
اما المساوئ التي تتصف بها هذه الشخصية فهي المطالبة الدائمة بالحق العام والنظام اللامتناهي والانتظام الزائد حتى انها تكون معرضة لاضطرابات نفسية مختلفة نظراً لاحتكاها الدائم بافراد المجتمع بسبب طبيعة العمل ولانها تطالب دائما بالمثل العليا والتقيد بها على الدوام , لذا فأن من اهم الاضطرابات او الحالات النفسية التي تصاحب الظهور هي :
– القلق النفسي الدائم
– اضطرابات الجهاز الهضمي او القلب بسبب شدة الضغط الداخلي للانفعالات
– التوهم العالي والمستمر بالاصابة بالامراض المزمنة وتوقعه دائماً
– اكتئاب واضطراب الطمث “عند النساء”
– الشعور الدائم بأن العالم يتدهور , ويتغير نحو الاسوأ
الافكار التسلطية … تختلف الافكار التسلطية لدى صاحب هذه الشحصية عن الافعال التسلطية , وهنا تسيطر فكرة خاصة او صورة لمنظر ما كريه او حميد او جمل معينة تتردد دائماً في مخيلته او نغمة
موسيقية مستمرة تراود تفكيره . فاحيانا تراود صاحب هذه الشخصية صورة الجثة بعد تعفنها كلما خلا بنفسه , رغم انه يحاول جاهداً التخلص من هذه الفكرة وطردها حتى باتت تراوده باستمرار وفي كل الاوقات حتى عندما يجلس لمشاهدة التلفزيون او عند قراءته لجريدة او تراوده افكار وهمية خيالية لا اساس لها في الواقع مثل فكرة اختطافه ثم اغتصابه , فيظل ينظر الى وجوه المارة في الشارع اثناء سيره ويتوقع ان يحدث هذا الوهم في اية لحظة ويظل أسير هذه الفكرة وتظل تسيطر عليه حتى يبدأ بالانعزال عن الناس والمشاركة معهم في افراحهم او مناسباتهم ثم يترك عمله وينعزل في بيته .
من الافكار الاخرى التي تسيطر عليه هي الرغبة الجامحة لان يقوم باعمال لايرضى عنها ويحاول مقاومتها ولكن تسيطر عليه هذه الاندفاعات والافكار والرغبات الجامحة القوية ولن ينفذها ومن هذه الافكار الرغبة القوية في رفس المارة بالشارع او دفع امه او اخته او والده من سطح المنزل او الى النهر ان كان قريب من النهر او من الشرفة او من القطار او من الباص . وفي الحالات المرضية التي تتجاوز خط السوية الى الحالة المرضية , تتكون لديه افكار واندفاعات قوية مضحكة لا ينفذها او يحققها , مثل الرغبة في الغناء في المسجد او الضحك اثناء تشييع الجنازة او ضرب من امامه على قفاه . من الرغبات والافكار الاندفاعية عند البعض من اصحاب الشخصية التسلطية الوسواسية هو عد وضرب الاعداد الاحادية او الثنائية الى ما لانهاية او عد عواميد “عامود” الكهرباء في الشارع العام وهو جالس في الباص او في القطار وفي احيان كثيرة تراوده الرغبة في عدم نطق بعض الحروف او الامتناع عن كتابة بعض الكلمات المكونة كذا حرف . وتكون لدى البعض منهم رغبة جامحة في التنقيب والبحث في كل الاوراق المرمية والملقاة في الشارع او في سلة المهملات باحثاً عن اية ورقة ورد فيها اسم الله وبالتالي يتعرض اسم الله للتدنيس والتلويث كما يعتقد فنراه يندفع باحثاً عن كل ورقة تقع امام نظره رغم انه يحاول اقناع نفسه بعدم قدرته في ان يبحث في كل اوراق العالم ولكن الاندفاع يلح عليه بشدة ولايستطيع ردعه رغم مقاومته الشديدة .
من المشاهدات التي نلحظها امامنا لدى البعض من اصحاب هذه الشخصية , الرغبة في قضم اظافر اليد دون ان يراعي الاداب او الحضور حتى ينزف الدم من اصابعه وفي اعتقاده الراسخ انها مملوءة بالميكروبات او ربما دخلتها الميكروبات دون ان يأخذ باله منها .
الافعال الحركية … تتبادر الى ذهن صاحب هذه الشخصية فكرة ما , ويقوم بتنفيذها مهما كلف الامر , ومن امثلة هذه الافكار , فكرة غسل اليدين عشرات المرات او غسل الجسم بعد التبول او التبرز او اثناء فترة الطمث , فالبعض منهم يمكث في الحمام ثلاث – خمس ساعات متواصلة لانهاء عملية الاستحمام ويخرج صاحبنا من الحمام وهو في حالة اعياء وانهاك شديد وضياع وقت النهار مع الشلل الاجتماعي في اتمام كل الواجبات الملقاة على عاتقه من العمل والتواصل مع الناس . صاحب هذه الشخصية يقوم بغسل يديه عشرات المرات واذا اخطأ بالعد والحساب الصحيح لعدد المرات فأنه يعود مرة اخرى ويبدأ ثانية وبعض الاشخاص من الذكور والاناث لايستطيع مصافحة احد فيلجأ الى لبس القفازات في يديه حتى وان كان موسم الصيف الحار او يمسك ورقة باليد وهكذا , والبعض منهم لايحمل اي شئ الابواسطة ورقة حتى لاتتلوث يديه او لكي لا تصيبه العدوى . هناك البعض من اصحاب هذه الشخصية
تراوده فكرة الخطأ بالوضوء فيعيد الوضوء عدة مرات او الشعور بحاجة الى التبول او التبرز بعد الوضوء , فيضطر الى اعادة الوضوء مرة اخرى بعد ان يقضي حاجته . وهناك عند البعض من الاشخاص اصحاب هذه الشخصية الشعور باختلال في عد وحساب عدد الركعات التي اداها اثناء الصلاة في صلاة الظهر او العصر او المغرب او العشاء ونجد بعض الحالات الغريبة مثل الحاح فكرة غلق الباب والتأكد من قفله عدة مرات تصل في احيان كثيرة الى عشرة مرات ، فهو يفتح الباب بالمفتاح ثم يعود لقفله عدة مرات وهكذا …
تكثر الافعال التسلطية الوسواسية لدى الذكور والاناث معاً وخصوصاً في فكرتي ” التأكد checkers ” و ” الغسيل washers ” حيث يشكل هذين العرضين الاكثر شيوعاً بين اصحاب الشخصية التسلطية الوسواسية .
الفصل الخامس
كيف ترى النظريات الشخصية
· نظرية التحليل النفسي
· السلوكية
· نظرية الذات”روجرز”
· نظرية السمات”كاتل”
نظرية التحليل النفسي(الصورة الدينامية للشخصية)
يعد سيجموند فرويد (1856-1939)واضع اسس نظرية التحليل النفسي من اكثر علماء النفس شهرة ورسوخا في اذهان الناس ،هذا الطبيب النمساوي الذي تخصص في معالجة مشكلات الجهاز العصبي ،خاصة الاضطرابات العصابية.والاضطرابات العصابية تشمل القلق المفرط،وبعض حالات الاكتئاب النفسي والوسواس بانواعها والهستيريا والاضطرابات النفسجسمية “السيكوسوماتيك” والارق والاجهاد والقائمة تطول .استطاع فرويد ان يضع نظرية متكاملة عن الشخصية بكل خصائصها ووظائفها ومكوناتها ومبادئها وميكانيزماتها”حيل الدفاع”ودينامياتها ،واعتقد فرويد ان سلوك الانسان انما هو نتاج عمل ثلاثة قوى تكون الشخصية ،وهذه القوى هي:
– الهو Id
– الانا Ego
– الانا الاعلى Super Ego
الهو ID
انما هو مستقر الطاقة النفسية والبيولوجية ويتكون من كل ما هو موروث اي ما هو فطري بما في ذلك الغرائز Instincts ويسميه فرويد (بالواقع النفسي الحقيقي)لانه محصلة تجربة مقصورة على الخبرة الذاتية للعالم الداخلي ويجهل كل شئ عن العالم الواقعي ،وهو جانب لا شعوري عميق لا يعرف عن الاخلاق شيئاً ،ولا عن القيم ،والهو يتخلص من التوترات غير المريحة التي تصيب الفرد بطريقة تفريغية مباشرة ،اي يخوض التوتر اياً كان صوره وهذا المبدأ هو مبدأ الذة Hedonism والهو هو الجانب البيولوجي للشخصية ،وبتاثير العالم الخارجي الواقعي المحيط بالشخصية ،يطرأ على جزء من الهو تغيير خاص،فما كان في الاصل طبقة لحائية مزودة باعضاء لتلقي المنبهات وبأجهزة للوقاية من الاثارة ،ينشأ عنه تنظيم خاص يتوسط الهو والعالم الخارجي،هذا الجزء من حياتنا النفسية يسمى الانا Ego .
الانا Ego
يتكون بفعل التنشئة الاجتماعية ،ولما كان الانسان بحاجة لاشباع المتطلبات النفسية من خلال حاجات الكائن الانساني ،لذا تتطلب التعامل مع العالم الخارجي(العالم الواقعي) لاشباع تلك الحاجات ،فهو يتعلم كيفية الاشباع للحاجات الفطرية دون معارضة من العالم الخارجي (العالم الواقعي)او قمع او احباط لتلك الحاجات ،فالانا يسيطر على الحركات الارادية ويخضع لمبدأ الواقع(التفكير الموضوعي،المتسم باوضاع اجتماعية ،العقلانية في التعامل ،فهو يتكفل بالدفاع عن الشخصية وتوافقها مع البيئة ،وحل الصراع بين الكائن الحي والواقع ،او بين الحاجات المتعارضة داخل النفس الانسانية ،ويتضمن الوظيفة التنسيقية للشخصية. ،كما يقوم بمهمة حفظ الذات ،وهو يؤدي هذه المهمة بان يتعلم معالجة المثيرات الخارجية ،فيختزن خبرات يتعلق بها في الذاكرة ويتفادى المثيرات المتطرفة المفرطة (بالهرب) ويستقبل المثيرات المعتدلة (بالتكيف) وهو يتعلم تعديل العالم الخارجي تعديلا يعود عليه بالنفع –النشاط-.
الانا مركز للشعور والادراك والتفكير وتبصر العواقب ،لهذا فهو يقوم بالحد من اندفاعات الهو ورغباته اللامحدودة واللامعقولة ،ويحاول تعديل سلوكه .موجز القول ان الانا هو الذي يوجه وينظم عمليات توافق الشخصية مع البيئة والتوترات التي تحفز الشخصية وتحقق امكانياتها ،وفي وظيفته هذه لا يتقيد الانا بانعدام او نقص بعض المقدرات فحسب،بل يتقيد كذلك بارتشاحات الهو والانا الاعلى اللذين يحملانه على العمل في اتجاه غير ملائم او يمنعانه عن العمل ،كما يحدث مثلا في صورة تكرار الفعل السئ ،والفرد يعلم به ولكنه لا يستطيع ان يتجنبه ،او الافعال المازوخية في الشخصية.
الانا الاعلى Super Ego
وهو منفصل عن الانا وبقدر ما ينفصل هذا الانا الاعلى عن الانا فهو يعارضه،ويكون قوة ثالثة ينبغي على الانا ان يعمل لها حسابا .الانا الاعلى يمكن النظر اليه على انه سلطة
قوية ويكون الضمير جزءا منه وليس كله،هذه السلطة هي ممثلة للقيم كما تعلمها الطفل اثناء عملية التنشئة الاجتماعية عن طريق الثواب والعقاب . والمعروف ان “الانا الاعلى Super Ego “هو تعديل للانا باعتناق اساليب الكبت التي يمر بها الفرد اثناء تطوره ونموه النفسي. ويتبدى نشاطه في حالة الصراع مع الانا بانماء انفعالات تتعلق بالوجدان الخلقي ولا سيما وجدان الاثم .وبعض حالات السواء مثل ملاحظة الذات،انتقاد الذات والتحريم ،وفي الحالات المتطرفة غير السوية كما نشاهدها في الاضطرابات العصابية مثل “الوساوس”وفي الاضطرابات الذهانية “الاكتئاب العقلي- الميلانخولي-السوداوي”صورة تبلغ من الخطورة بحيث ان قلق الضمير يجعل الحياة لا تطاق .اما في حالات “المازوخية النفسية في الشخصية” فهي تستحوذ على الفرد حاجة لا تكبح الى اتهام الذات وعقابها،والى معاناة العذاب والفشل،ويتكون الانا الاعلى بتوحد “تقمص”الطفل للصورة الوالدية المثالية”للاب”. ان الامثلة التي نشاهدها في اصدق تعبير لهذه الجدلية ،هي عندما ترى الانا الاعلى يعامل الانا مثلما يعامل الاب القاسي ابنه.
فالهو يمثل آثار الوراثة ،ويمثل الانا الاعلى في جوهره كا آخذ عن الاخرين مثل تقمص الطفل للموضوعات الاولية لحوافزه الجنسية والعدوانية ،ويمثل الانا الاعلى والهو كلاهما تأثير الماضي،ربما ان الهو يمثل تأثير الوراثة ،فأن الانا الاعلى يمثل التأثيرات الابوية والاجتماعية ،اما الانا فمحدد بما يخبره بالذات اي الاحداث العرضية الفعلية ،والخبرة الخاصة للفرد ،ونستطيع اجمال ذلك في ان :
– الهو .. هي الغرائز والحاجات البيولوجية والرغبات
– الانا الاعلى .. هو الرقيب على السلوك من الانحراف وجزء منه الضمير
– الانا .. هو الواقع وما يفرضه
موجز القول نرى ان في الشخصية ثلاث قوى متعاونة متآزرة تعمل كفريق واحد متعاون ،قوة بيولوجية وقوة سيكولوجية وقوة اجتماعية ،والشخصية تكون قواها متعاونة في حالة السواء متصارعة في حالة المرض او سوء التوافق ،وبهذا يسوء توافق الفرد وتصبح عرضة للصراعات والقلق والتوتر ويبتعد عن الصحة النفسية.
نظريات التعلم”السلوكية”
تلتقي نظريات التعلم مع نظرية التحليل النفسي في تأكيدها على اهمية مرحلة الطفولة واكتساب الخبرات التي تشكل السلوك والشخصية بكل وضوحها ولكن تنطلق نظرية التحليل النفسي من فرضيات تختلف تماما عما تنطلق منه نظريات التعلم ،فنظريات التعلم تستخدم المناهج العلمية التجريبية الصارمة،فاحيانا يدرسون الحيوانات في المعمل وذلك بهدف الاستبصار بالعمليات الاساسية في الشخصية،انهم يؤكدون على مبادئ التعلم والظروف البيئية،فتأكيدهم على البيئة ورفضهم الجانب الوراثي جعل اعتماد نظريات التعلم تأخذ بنظر الاعتبار متغير البيئة على حساب متغير الوراثة واهمال الجانب التكويني في تكوين وبناء الشخصية.
يقترن اسم السلوكية عادة باسم جون واطسون الامريكي الذي كان يرى ان الدراسة الموضوعية للسلوك تقوم على رصد السلوك واخضاعه للتجريب وليس بوساطة التأمل او اللاشعور او ما يمكن كشفه بوسائل ذاتية اخرى،ولذلك فهو يقول”واطسون” بان كل ما هو غير سلوكي لا يمكن اخضاعه للتجربة والملاحظة
ولا يمكن الوثوق به كمصدر من مصادر العلم .فهو يركز على الحقائق التي تأتي عن طريق التجارب الموضوعية،ولما كانت السلوكية تهمل بعض المصادر المهمة من الدراسة الانسانية للشخصية ،فأنها عدت نقطة ضعف اساسية لا يمكن التقليل منها،ومع ذلك فأن المدرسة السلوكية رغم اهمالها لبعض الحقائق غير الملموسة في سلوك الانسان الا انها ارست بطرق بحثها الموضوعية العلمية اسساً قوية في البحث والكشف عن الكثير من الظواهر التي لم تدرسها النظريات الاخرى.
تعرف نظريات التعلم”التعلم” بانه تغير دائم نسبياُ بالسلوك يحدث نتيجة للخبرة ويقيس علماء السلوك ما تفعله الكائنات الحية وذلك للتوصل الى “فهم” عملية التعلم الا ان التعلم هو نشاط يحدث داخل الكائن لا يمكن ملاحظته بصورة مباشرة ،ويتغير المتعلمون بطرق غير مفهومة تماماً حيث يكتسبون الجديد من خلال: الارتباطات ، المعلومات ، الاستبصارات ، المهارات ، العادات ، وما شابه ذلك.
قياس التعلم
يعد اثر الخبرة على السلوك موضوعا اساسيا ومهما في ارساء بناء الشخصية الى حد ان جميع علماء النفس السلوكيين يقيسون مستوى التعلم في السلوك والشخصية عن طريق ملاحظات التغيرات الحاصلة في السلوك وما يصدر من الفرد من اداء في المواقف الحياتية المختلفة. ترى السلوكية في دراسة الشخصية انها يجب ان تقوم على التجارب شديدة الضبط كما يجب ملاحظة سلوك الناس في مواقف واقعية وكيفية تعاملهم استنادا الى خلفياتهم المختلفة وخبراتهم.ولا يتفق علماء النفس السلوكيين حول مفهوم السمة في الشخصية وبأنه مفيد في تحديد نمط الشخصية وتعاملها ،بل يؤكدون دائما على ان ما يفعله الناس في اي مناسبة او موقف او حالة حياتية محددة انما يعتمد على متغيرات متفاعلة وليست نتاج استعدادات عامة.
السلوكية ترى ان الحالات التي تؤثر في السلوك في كل موقف تختلف ،وطريقة التعامل معها ايضا تختلف
ولا ترى السلوكية في السمات مؤشر لقياس الشخصية ،فيعتقد كثير من علماء النفس السلوكيين ان السلوك غالبا يعتمد على السمات الدائمة وقولهم ان الناس غالبا ما يسلكون بطريقة متسقة ويبدو ان الاتساق السلوكي يعتمد على العديد من العوامل ومن الامثلة الحياتية : ان الخصائص المزاجية مثل المثابرة والمزاج والشدة والاتجاه نحو الخبرات الجديدة والحاجات مثل الحاجة الى الاثارة الحسية ،والخصائص العقلية الاخرى مثل الذكاء تميل الى الاستقرار خلال الحياة. وما اكدته نظريات التعلم في بحوثها الحديثة ، وجدت ان الناس يختلفون في سلوكهم باتساق وتنظيم ،فالافراد الذين يعتبرون انفسهم منظمين متسقين في سمات الشخصية مثل يقظة الضمير ،الصداقات الثابتة ،يميلون الى التعامل بطريقة يمكن التنبؤ بها.
نظرية السمات Traits
اسس هذه النظرية هو عالم النفس الامريكي ريموند كاتل في الثلاثينات من القرن العشرين،جمع هو وزملاءه ما يقارب ثمانية الاف كلمة تهتم في وصف الناس ومن ثم قام بحذف العديد من هذه الكلمات اما بسبب ضعف دلالتها اللغوية او قلة استخدامها او لانها تعطي عدة معاني ،حتى جعلها 200 كلمة ،وقام بتحليل هذه الكلمات والتعبيرات المستخدمة بطريقة رياضية احصائية تسمى التحليل العاملي Factor analysis ،ثم قام بربط الكلمات والالفاظ ببعضها البعض لتدل على سمة معينة او صفة عامة .تمكن (كاتل) من تحديد ست عشرة مجموعة وضعت لها عناوين وتعرف هذه الخصائص الست عشرة بالسمات المصدرية ،وهي مستقرة نسبيا مدى الحياة .اما السمات الظاهرية (السطحية) فهي تأخذ الجانب الآخر من السمة المصدرية .
استطاع كاتل ان يطور العديد من قوائم (اختبارات)التقرير الذاتي لتمييز الشخصيات عند بعض الافراد وتصنيف درجة بعض السمات ،فهي نظرية استطاعت ان تقيس جوانب من الشخصية وتقديم وصف لها اعتماداً على ما تعطيه درجات القوائم- الاختبارات- التي تم تطبيقها ،وساعدت ايضا في تفسير السلوك والتنبؤ به.
نظرية الذات Self
مؤسس نظرية الذات(كارل روجرز)،وهو واضع اسس طريقة العلاج المتمركز حول المريض”المسترشد”.عرف روجرز الذات او مفهوم الذات على انه نموذج منظم ومتسق من الخصائص المدركة “للانا” مع القيم المتعلقة بها.
ويرى روجرز ان مفهوم الذات ينمو مع الاطفال حينما يلاحظون اعمالهم الخاصة كما يلاحظون سلوك الاخرين ،فخلال سنوات الطفولة الاولى المبكرة يتعلم الاطفال الكثير من السلوكيات ويحددون لانفسهم سمات معينة وهم على درجة عالية من الوعي مثل الغضب ،العناد، الغيرة، العدوانية الطفلية، وكذلك يتعلم هؤلاء الاطفال الكثير من السمات الايجابية مثل التعاون ،التقارب، تقبل الاخر، التفهم ، حتى تتكون لديهم (انا) اجتماعية ،وهكذا تتطور لديهم مفاهيم الذات ببطء ،ويرى روجرز ان الكائنات البشرية تجاهد لتحقيق التناسق بين الخبرات وصورة الذات.
ادرك روجرز مرحلة الطفولة ادراكا دقيقا وعدها مرحلة حرجة لنمو الشخصية فيما بعد ،وهو بذلك يتقارب مع النظريات الدينامية في تقييمها لاهمية مرحلة الطفولة .ويرى فيها مرحلة تكوينات متعددة منها الفكرية والاجتماعية والنفسية والتربوية،فالطفل يتعلم الدفء من الاسرة(والديه واخوته)ويتعلم القبول والرفض من الاسرة ،ويتعلم الاحترام والتقدير الذاتي من نفسه ومن الاخرين في المجتمع.
يقول روجرز ان الاطفال سوف يعملون اي شئ لاشباع هذه الحاجات ،والحاجات تتطلب الاشباع،واذا ما اشبعت تترك اثرا نفسيا في الذات ،اهمه الحرمان او النقص الانفعالي او الاجتماعي ،فالاسرة تعلم الطفل اشباع حاجات مثل الحب ،المعرفة ،الفهم،الانتماء،التفاعل الاجتماعي،التقدير ،الخضوع،تحقيق الذات،المعاضدة ،التعاون. ويضيف روجرز لكي يحصل الاطفال على قبول الوالدين عادة ما ينكرون ادراكاتهم الخاصة،وانفعالاتهم،واحساساتهم وكذلك افكارهم ،و يؤدي هذا الاسلوب الى مشكلات على المستوى البعيد ،وفي المستقبل ،حينما تتكون الشخصية وتأخذ طابع الخصوصية.
على الرغم ان روجرز يعترف ان الوراثة والبيئة تحددان الشخصية على نحو ما،فأنه يركز على الحدود التي تضعها الذات والتي يمكن ان تمتد الى مراحل العمر اللاحقة ،ونقول عندما يتصرف الفرد بموجب (الذات الطفولية)فهذا يعني انه يخاطب الافراد بنفس الطريقة التي يخاطب بها الطفل اقرانه او ابويه،ونحن نعلم ان الذات الطفلية سريعة الغضب والاستثارة وتكون عادة اتخاذ القرارات لديها غير مدروسة وهو تعبير عن سلوك اناني وحب الامتلاك ،وهي بذلك تعبير عن عدم النضج النفسي ويتحكم غيها الانفعال ،فالذات الطفلية تطلب كل شئ ولا تعطي شيئا. اما في النضج يبدأ الناس في تقبل انفسهم ويصبحون اكثر انفتاحا على الاخرين لما اكتسبوه من خبرات وتكون حركتهم في الحياة من اجل تحقيق الذات ،وهي ما تسمى بالذات الراشدة او البالغة ،اي ان كل الناس في المجتمع يسلكون المواقف ويتخذون القرارات بناءاً على المنطق والموضوعية دون انفعالات وتكون العلاقة بينهم وبين الاخرين ناضجة وتقوم على التفاهم وتسعى نحو تحقيق الاهداف والغايات ،وتكون لكل انسان غاية وهدف وهو قمة الانسجام وهي تعد الشخصية السوية في تعاملها.
يقول كارل روجرز انه بالرغم من ان مفهوم الذات ثابت الى حد كبير ،الاانه يمكن تعديله تحت ظروف العلاج النفسي المتمركز حول المريض”المسترشد”الذي يؤمن بان احسن طريقة لاحداث التغيير في السلوك وبعض جوانب الشخصية يكون بان يحدث التغيير في مفهوم الذات.
المصادر
– علي كمال (1988) النفس،دار واسط للطباعة والنشر،بغداد،العراق
– سيجموند فرويد(ب.ت)ثلاث مقالات في نظرية الجنس،ترجمة سامي محمود علي،دار المعارف،مصر
– سيجموند فرويد(ب.ت)الموجز في التحليل النفسي،ترجمة سامي محمود علي وعبد السلام القفاش،دار المعارف،مصر
– ليندا دافيدوف (1984) مدخل علم النفس،ترجمة سيد الطواب واخرون،دار ماكجروهيل،القاهرة
– محمد شعلان(1979)الاضطرابات النفسية في الاطفال،ج1،ج2،دار الشعب،القاهرة
– مصطفى زيور(1986)في النفس ،دار النهضة العربية ،بيروت
– س،هاثاواي&ج ماكنلي(1978)اختبار الشخصية المتعددة الاوجه MMPI الصورة العربية،اقتباس عطية محمود هنا،محمد عماد الدين اسماعيل ،ولويس كامل مليكة،مكتبة النهضة العربية ،القاهرة
– عبد الرحمن العيسوي،نماذج من الاختبارات النفسية المستخدمة في البيئة المحلية،مجلة الثقافة النفسية المتخصصة،العدد التاسع،المجلد الثالث،ك 2-1992
– دانييل لاجاش(1979)المجمل في التحليل النفسي،ترجمة مصطفى زيور وعبد السلام القفاش،مطبعة عين شمس ،القاهرة
– عباس محمود عوض(1977)الموجز في الصحة التفسية،دار المعارف بمصر،القاهرة
– بدر محمد الانصاري،السمات الانفعالية لدى الشباب الكويتي من الجنسين ،مجلة العلوم الاجتماعية،المجلد،عدد 2،صيف 2000
–
–
–
– هيلين دويتش(ب.ت)محاضرات في التحليل النفسي والعصاب،ترجمة فرج احمد فرج،مكتبة الانجلو المصرية،القاهرة
– احمد عكاشة(1998)الطب النفسي المعاصر،مكتبة الانجلو المصرية،القاهرة
– سهير كامل احمد (1999) الصحة النفسية والتوافق،السيف للنشر والتوزيع،الكويت