القضاء الإداري… (4)
التنظيم القضائي في العراق كان يعتبر الى صدور التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة، قائما على فكرة القضاء الموحد، فالمادة الثالثة من قانون التننظيم القضائي رقم(160) لسنة 1979تنص على انه
( تسري ولاية القضاء على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية العامة والخاصة الا ما استثنى منها بنص خاص). كما ان قانون المرافعات المدنية رقم(83) لسنة 1969 ينص على( تسري ولاية المحاكم على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في المنازعات والجرائم كافة الا ما أستثني بنص خاص). وهذا يعني ان ولاية المحاكم كانت تشمل النظر في جميع انواع الدعاوى بما فيها الدعاوى الادارية والتي تعنى كقاعدة عامة الغاء القرارات الادارية المخالفة للقانون ودعاوى الفضاء الكامل منها دعاوى التعويض او دعاوى المسؤولية المدنية، التقصيرية والعقدية الا ما استثني بنص خاص.
وقد اورد المشرع العراقي استثناءات كثيرة على الولاية العامة للقضاء. وذلك بالنص في قوانين متفرقة وقرارات صادرة من مجلس قيادة الثورة على استبعاد المنازعات الناشئة عن تطبيقها عن ولاية القضاء.
يمكن تصنيف هذه الاستثناءات بصورة تقريبية على النحو الاتي:
1ـ نصوص قانونية تستبعد بعض المنازعات عن ولاية القضاء دون النص على إنشاء لجنة ادارية او مجلس اداري للنظر فيها. ومن ثم لايبقى امام صاحب العلاقة سوى اللجوء الى التظلمات الادارية. الولائية منها والرئاسية، سواء نص المشرع على ذلك او لم ينص.
2ـ نصوص قانونية تستبعد بعض النازعات من الولاية العامة للقضاء وتنشئ بدل ذلك اجانا او مجالس إدارية او شبه قضائية للنظر في هذه المنازعات على خلاف في التفاصيل من حالة الى أخرى.
3ـ نصوص قانونية تنشئ لجانا إدارية للنظر في بعض المنازعات بتداء على ان يكون لذوي العلاقة حق الطعن في قرارات هذه اللجان امام محكمة التمييز.
وعلى اساس من هذا الموضوع التشريعي القائم يأتي قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة لينص على انشاء محكمة القضاء الاداري ويحدد اختصاصاتها على النحو التالي:
” تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي بعد نفاذ هذا القانون التي لم يعين مرجع للطعن فيها…”
” ولاتختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في الطعون المتعلق بما يأتي:”
أـ اعمال السيادة، وتعتبر من عمال السيادة القرارات التي يصداها رئيس الجمهورية.
ب ـ القرارات الادارية التي تحدد تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقا لصلاحيته الدستورية.
ج ـ القرارات الادارية التي رسم القانون طريقا للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها.
وفي ضوء الوضع التشريعي السابق وفي ضوء التعديل الثاني يمكن الملاحظات الاتية:
1ـ ان اختصاص محكمة القضاء الاداري كما حددته المادة السابعة اختصاص محدود ومتواضع. ذلك لان اختصاصاتها كما نص القانون يشمل فقط النظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية، التي يعين مرجع للطعن فيها او بعبارة أخرى لم يرسم القانون طبقا للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها امام الجهات الادارية التي اصدرتها او امام السلطات الرئاسية او امام مجالس او لجان ادارية او شبه قضائية استثناء من القضاء العام في ان يكون الطعن فيها امام القضاء. والنتيجة المترتبة على ذلك هي ان الهدف المرجو من انشاء القضاء الاداري ممثلا بمحكمة القضاء الاداري. وهو توفير الضمانةالقضائية من قبل قضاء اداري متخصص للمواطن، في مواجهة الجهات الادارية لم يتحقق الاعلى نحو محدود جدا، خصوصا اذا ما لمنا ان الذي ادخل في اختصاص محكمة القضاء الاداري للنظر في صحته من الاوامر والقرارات هو بكامله كان قابلا للطعن فيه قبل انشاء محكمة القضاء الاداري، امام القضاء العادي ممثلا بمحكمة البداءة.
2ـ بالاضافة الى هذا القيد المتعلق باختصاص المحكمة العامة، اورد القانون بعض الاستثناءات الاخرى المهمة والتي تشكل قيودا اخرى على اختصاص المحكمة. فهي السيادة المراسيم لاتختص بالنظر في الطعون المتعلقة باعمال السيادة كما اعتبر من أعمال السيادة والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية. كذلك لاتختص بالقرارات الادارية التي تتخذ تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقا لصلاحياته الدستورية. واذا كان استبعاد اعمال السيادة هو من الامور المتفق عليها فقها وقضاءا ووجد صداه في تشريعات كثيرة الا ان اضفاء أعمال السيادة على جميع المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية. بشكل كامل ليس محل اتفاق بل هو امر منتقد فقد تكون بعض المراسيم والقرارات مما ينطبق عليه وصف اعمال السيادة، ولكن ليس من بالضرورة ان يكون هذا هو وصفها جميعا، وبالتالي تخضع فيها امام القضاء، وهناك امثلة كثيرة على احكام قضائية صادرة من القضاء الفرنسي والمصري كان محلها قرارات اومراسيم صادرة عن رئيس الجمهورية. كما ان استبعاد القرارات الصادرة تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقا لصلاحياته الدستورية يؤدي الى استبعاد طائفة كبيرة من القرارات الادارية عن الرقابة القضائية دون مبرر. فقد تصدر قرارات ادارية بزعم انها تنفيذ صحيح ودقيق لتوجيهات رئيس الجمهورية في حين انها قد تكون مخالفة لها في جوهرها . فيقف هذا النص حائلا دون مناقشة صحتها امام القضاء.
4ـ اختصاص محكمة القضاء الاداري مقتصر على النظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية دون ان يشمل المنازعات الخاصة بالعقود الادارية ومعروف ان منازعات العقود الادارية ، تدخل في اختصاص القضاء الاداري لما لهذه العقود من خصائص تختلف بها عن العقود العادية.
5ـ وعلى اساس ماتقدم اصبحت المنازعات الادارية او الطعون الادارية في غير شؤون الوظيفة العامة التي يختص بها مجلس الانضباط العام يختص بالنظر في جهات عدة وليس القضاء الاداري ممثلا بمحكمة القضاء الادارية وهذه الجهات هي محكمة القضاء الاداري، السلطات الادارية، والسلطات الادارية الرئاسية، اللجان والمجالس الادارية وشبه القضائية، القضاء العادي ممثلا بمحكمة البداءة لان هناك نصوصا قانونية تنص على اختصاص محكمة البداءة بالاسم كمرجع للطعن في قرارات معينة او مسائل معينة، محكمة التمييز، لان هناك نصوصا قانونية تنص على اعتبار محكمة التمييز كمرجع للطعن في قرارات اللجان الاداية الصادرة منها في القرارات الادارية المطعون فيها امامها. وهذا الوضع ينال من الفكرة االاساسية التي يقوم عليها انشاء القضاء الاداري وهي خص جهة قضائية مستقلة عن القضاء العادي بالنظر في تلك المنازعات الادارية لما لها من طبيعة مميزة عن المنازعات العادية. حيث يعمل هذا القضاء على إرساء المبادئ والقواعد والحلول القانونية التي تأخذ بنظر الاعتبار متطلبات العدل الاداري والتي تختلف عن تلك القواعد والحلول المعتمدة بشأن العلاقات ين الافراد. وهذا يعني المساهمة الجادة من هذا القضاء بأقامة القانون العراقي على اسس سليمة والعمل على تطويره وفق مقتضيات الحاجات المستجدة والقيم السائدة، باساليب علمية وفنية يسودها التنسيق والاتزان. ولن يتوفر ذلك ابدا اذا بقي الوضع على ماهو عليه الان، ذلك لان النتيجة التي ستترتب عليه حلولا متفرقة وقد تكون متنافرة لاتسري فيها روح واحدة لايجمع شتاتها تأصيل مبدئي ونظري سليم.
عند انشاء القضاء الاداري في اي دولة من الدول هناك قضاء اسبق منه، كان يختص بالنظر في المنازعات مهما كانت طبيعتها ومهما كان اطرافها وبانشاء القضاء الاداري تواجه المشرع مشكلة توزيع الاختصاص بين الجهين القضائيتين ، جهة القضاء العادي وجهة القضاء الوليد .
الحلول المقتصرة لحسم هذا الموضوع هي،اما الاخذ بفكرة المعيار يستند في تحديد اختصاص القضاء الاداري وبالتالي فان اي منازعة لاينطبق عليها المعياريبقى اختصاص النظر فيه للقضاء العادي . ولكن هذا لايمنع المشرع استثناء من المعيار العام على ان منازعات معينة يختص بها القضاء اوذاك على سبيل التحديد وهذا هو الحل الذي اخذ به النظام الفرنسي في توزيع الاختصاص بين القضائين.
واما الاخذ باسلوب التحديد على سبيل الحصر للمنازعات التي تدخل في اختصاص القضاء الاداري صاحب الولاية العامة فيما عدا ذلك التحديد الذي ورد على سبيل الحصر . وقد اخذت مصر في قوانينها المتعاقبة بشأن تنظيم مجلس الدولة ، فالقانون الاخير وهو القانون رقم 74 لسنة 1972، الذي جمع بين الحلين فقد اوردت المادة العاشرة منه قائمة بالمنازعات التي يختص بها مجلس الدولة بمحاكمه المختلفة.
ثم أضافت تلك القائمة” سائر المنازعات الادارية” اما المشرع العراقي وهو يتصدى الى تحديد اختصاص القضاء الاداري ، لم يسلك الى حل من هذه الحلول، وذلك لسبب بسيط هو استمرار اعترافه بقيام لجان ومجالس ادارية الى جانب القضاء العادي والقضاء الاداري،لها اختصاص النظر في منازعات ادارية كثيرة،ورد النص عليها في قوانين متفرقة ولها حسم هذه المنازعات بشكل نهائي ومستقل تماما من الجهتين القضائيتين وكان من المفروض وقد اتجه المشرع الى انشاء القضاء الاداري الى ان ينهي وجود هذه اللجان والمجالس في هذا المجال، لانها في حقيقتها تمثل مرحلة انتقالية من نظام القضاء الموحد الى نظام القضاء المزدوج ، بل هي بعبارة اخرى انما تمثل فترة مخاض لميلاد القضاء الاداري، وبالتالي فلم يعد من مبرر لاستمرار وجودهابعد ميلاد القضاء الاداري.
2ـ شروط قبول الطعن امام محكمة القضاء الاداري:
المقصود بشروط قبول الطعن او الدعوى، الشروط الواجب توافرها حتى تستطيع المحكمة قبول الدعوى ومن ثم البحث في موضوعها فاذا كانت الدعوى تفتقر لاي من هذه الشروط حكمت المحكمة بعدم دون التطرق الى البحث في موضوعها، حتىلم كانت الدعوى مرفوعة بالفعل ضد قرار اداري مخالف للقانون. ومن ناحية اخرى، فان قبول الدعوى اذا توافرت شروط لايعني اجابة المدعي لطلباته، اذ يتوقف ذلك في قانونية القرار. ومن ثم تحكم المحكمة بطلبات المدعي اذا ثبت مخالفة القرار المطعون فيه للقانون، والا حكمت المحكمة برفض الدعوى او ردها.
وبالرجوع الى المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولةالمعدل بقانون التعديل الثاني نستطيع استخلاص الشروط الاتية وعرصها عرضا موجزا دون الدخول في التفاصيل:
1) ان يكون التصرف المطعون فيه صادرا من جهة ادارية وهذا ما عبر عنه القانون ( محكمة القضاء الاداري بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر من الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي….). وعلى ذلك يعتبر من قبيل الجهات الادارية لهذا الغرض، سلطات الادارة المركزية المكونة من مجلس الوزراء وفروع الادارة المركزية في العاصمة، والمحافظات وكذلك سلطات الادارة اللامركزية الاقليمية منها والمصلحية كرؤساء المجالس المحلية والمجالس البلدية وهيئات الحكم الذاتي والمؤسسات العامة والمنشأءات العامة والشركات العامة…… الخ.
2) ان يكون التصرف المطعون فيه مما ينطبق عليه وصف القرار الاداري او الامر الاداري. فلايكفي ان يكون التصرف صادرا من جهة ادارية وانما يشترط ان ينطبق على هذا التصرف وصف القرار الاداري، حتى يمكن الطعن فيه.
ويعرف القرار الاداري على انه عمل قانوني صادر بالارادة المنفردة لاحدى الجهات الادارية في الدولة لاحداث تغيير في الاوضاع القانونية القائمة، اما بانشاء مركز قانوني جديد (عام او فردي) او تعديل مركز قانوني او الغاء فيه.
ومن خلال هذا التعريف نستطيع ان نستخلص القرار الاداري تمييزا عن بقية اعمال الادارة، وهي كما يأتي:
أ) القرار الاداري عمل قانوني ينشأ مركزا قانونيا جديدا القرار الصادر بتعيين الموظف او القرار الصادر باجازة محل عام، او يعدل في مركز قانوني قائم، كالقرار الصادر بترفيع موظف، او يلغي مركزا قانونيا قائما كالقرار الصادر بالغاء اجازة او القرار الصادر بفصل موظف….الخ.
وبذلك يخرج عن مفهوم القرار الاداري الاعمال المادية الصادرة عن الجهات الادارية المختلفة. ومن ثم لايمكن الطعن فيه امام القضاء الاداري.
ب) القرار الاداري عمل قانوني صادر عن احدى الجهات الادارية في الدولة على النحو الذي بيناه ومن ثم لايمكن الطعن في اعمال قانونية صادرة من جهات غير ادارية كالهيئات التشريعية والقضائية والهيئات الخاصة امام محكمة القضاء.
ج) القرار الاداري تصرف قانوني صادر عن الجهات الادارية بالارادة المنفردة . وهذا مايميز القرار الاداري عن التصرفات القانونية الاخرى التي تصدر عن الهيئات الادارية كالعقود التي تكون نتيجة اتفاق جهة الادارة مع طرف اخر، ومن ثم لاتسمع محكمة القضاء الاداري الطعون المتعلقة بالعقود الادارية .
3ـ ان يكون القرار نهائيا وقطعيا:
يشترط في القرار ان يكون نهائيا حتى يكون محلا للطعن والمقصود بالنهائية صدور القرار من سلطة ادارية تمتلك اصداره دون الحاجة الى تصديق سلطة ادارية اعلى . وهذا يعني ان القرار اذا كان يحتاج الى اجراءات معينة لاصداره او يحتاج الى مراحل معينة يقطعها حتى يستكمل شكله القانوني ، فلابد ان يستكملها ويمر بها حتى يصبح قابلا للتنفيذ . لذلك يفضل بعض الكتاب استعمال كلمة التنفيذي بدل النهائي . فالقرارات من لحظة صيرورتها قابلة التنفيذ .
لذلك لايقبل الطعن ضد الاجراءات والاعمال التحضيرية كالمقترحات والاستشارات والرغبات والتقارير.
4ـ ان يكون من شأن القرار التأثير في المركز القانوني لرافع الدعوى:
وهذا يعني ان يكون من شأن القرار ان يلحق اذى برافع الدعوى وعلى ذلك لايمكن ان تكون محل طعون امام محكمة القضاء الاداري، التدابير الداخلية او اجراءات التنظيم الداخلي للمرافق الادارية كالمنشورات والاوامر المصلحية ، لان هذه الاجراءات ـ اعتياديا ـ لا تمس ولا تستهدف احدا خارج
نطاق المرفق بشكل مباشر.
الشرط الثاني: ان يكون الطعن مقدما من ذي مصلحة:
اشترط قانون مجلس شورى الدولة المعدل في المادة السابعة منه ان يكون الطعن المقدم الىمحكمة القضاء الاداري من( ذي مصلحة معلومة وحالة ممكنة . ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي ان كان هناك ما يدعو الى التخوف من الحاق الضرر بذي الشأن).
وعلى ذلك فان الطعن المقدم الى محكمة القضاء الاداري كسائر الدعاوي القضائية ، يشترط لقبوله ان تتوافر لصاحبه مصلحة في تقديمه وهو بذلك يخضع للقاعدة الاساسية (حيث لامصلحة فلا دعوى ) . ومن الملاحظ ان القضاء الاداري يملك مسلكا مرنا في تقدير هذا الشرط عند قبول الغاء الفرار الاداري ، ومن ثم لايشترط لتحقق المصلحة في دعوى الالغاء سوى ان تكون هناك مجرد مصلحة ضارة لشخص رافع الدعوى بالقرار الذي يطلب الغاؤه، في حين ان القضاء الاداري نفسه عند قبول دعوى التعويض يشترط ان يكون لرافع الدعوى حق قانوني اضير بتصرف الاداره.
ومسلك القضاء الاداري في هذا قائم على الاعتراف بالطبيعة العينية او الموضوعية عند الالغاء . وفي ذلك يقول مجلس الدولة المصري (………ان طلب الالغاء هو مخاصمة للقرار الاداري المخالف للقانون في ذاته. ومن ثم كان هذا الالغاء عينيأ ولا يلزم في طلب الالغاء ان يكون الطاعن صاحب حق ذاتي، بل يكفي ان يكون ذا مصلحة شخصية ومباشرة في طلب الالغاء. وهذه المصلحة تتحقق متى كان للطاعن في مركز قانوني خاص ومباشر بالقرار، بان لاتربطه به علاقة مباشرة ………..).
ومما تقدم واستنادأ الى النص القانوني الذي اشار الى شرط المصلحة من استنتاج الخصائص التالية للمصلحة:
1-يجب ان تكون المصلحة شخصية ومباشرة: فكما اشرنا سابقأ يجب ان يكون رافع الدعوى في حالة قانونية خاصة بالنسبة لقرار المطعون فيه من شانها ان تجعله مؤثرأ في مصلحة ذاتية لرافع الدعوى تاثيرأ مباشرأ مادام القرار قائمأ.لذلك لاتقبل لرافع الدعوى من زوج بالغاء قرار يمس مصلحة زوجته او شقيقه، كذلك لايقبل من الورثة الاستمرار في دعوى مورورثة مالم تكن له مصلحة شخصية مباشرة في طلب الغاء القرار المطعون فيه ، كذلك لاتقبل الدعوى المرفوعة من أخ بالغاء امتناع الادارة عن تجديد جوازات السفر الخاصة باخوته وان كان هو اكبر هؤلاء الاخوة والقائم على شؤون الاسرة . غير ان اشتراط ان تكون المصلحة شخصية لايعني ان تكون مانعة من ان يشاركها آخرون ، مثال ذلك رفع الدعوى من منتفع بمرفق عام، فالمصلحة التي تعود عليه من الغاء لقرار المطعون فيه ليست مقتصرة غليه بل يشاركه في ذلك كل المنتفعين.
كما ان اشتراط المصلحة الشخصية لايعني ان تكون دائمأ خاصة او ذاتية، بل قد تكون عامة مثال ذلك قبول الدعوى من الهيئات المحلية ضد قرارات الرقابة او الوصاية الادارية.
2-يجب ان تكون المصلحة معلومة: والماد بذلك ان تكون المصلحة المراد تحقيقها معلومة غير مجهولة ويتحقق ذلك عندما يكون محل الدعوى او الطعن معلومأ او محددأ تحديدأ نافيأ للجهالة، بعبارة اخرى ان يكون الطعن موجهأ ضد قرار او امر اداري محدد يستطيع الطاعن ان يحدد وصفه و محتواه وتأريخ صدورة والجهة التي صدر منها……..الخ.
3-الاصل ان تكون المصلحة حالة محققة ويجوز استثناء ان تكون محتملة، ان كان هناك مايدعو الى التخوف من الحاق الضرربذوي الشأن….
الاصل في الدعاوي العادية وكحالة عامة ان تكون لرافعها مصلحة محققة ، ولكن استثناء يمكن ان تكون المصلحة المحتملة كافية لقبول الدعوى كما يسن على ذلك قانون المرافعات اذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لرفع ضرر محدد او الاستيثاق بحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.
وقد سلك القضاء الاداري نفس المسلك فيما يتعلق بدعوى الالغاء، فقبل بقيام المصلحة المحتملة كشرط لقبول الدعوى. وقد ذهبت محكمة القضاء الاداري الى ذلك حين قررت (لايشترط لاستيفاء شرط المصلحة في الغاء قرار اداري مطعون فيه ان يكون للمدعي مصلحة حالة من وراثة بل يكفي ان تكون في ذلك مصلحة محتملة) . وقد قضت محكمة القضاء الاداري المصرية بان ( للموظف حق الطعن في القرارات المخالفة للقانون حتى ولو لم يكن من شأنه الغاء هذه القرارات فورأ….ومن ثم فان للمدعي في هذه الدعوى مصلحة محتملة في الطعن في القرار رغم عدم استيفائه وقت صدوره للمدة الزمنية الواجبة للترقية اذ انه سيترتب على تنفيذ القرار اسبقية زملائه له في الدرجة المرقين اليها….).
4-ان تكون المصلحة قائمة عند رفع الدعوى ولايلزم استمرار قيامها حتى صدور الحكم فيها: الاصل في الدعاوى العادية اشتراط قيام المصلحة عند رفع الدعوى مع ضرورة استمرار قيامها حتى صدور الحكم فيها، ذلك لان الدعوى العادية تستهدف حماية حق المدعى عليهى وهو مهدد بالاعتداء عليهفاذا مازال الاعتداء او التهديد يصبح من العبث ويؤدي الى اضافة وقت القضاء لو استمر في نظر الدعوى الا اذا كان هناك محل لتصفية آثار الاعتداء كتقرير تعويض.
اما دعوى الالغاء فهي ترمي الى تحقيق مصلحتين ، مصلحة شخصية ترتبط برافع الدعوى ، ومصلحة عامة تتعلق بالمجتمع وحق الدفاع عن مبدأ المشروعيه وازاء هاتين المصلحتين ، اذا انتقلت وزالت مصلحة رافع الدعوى بعد قيامها لاي سبب فان المصلحة العامة تبقى قائمة ويجب ان تستمر الدعوى على اساسها.
وعلى هذا الاساس يعول مجلس الدولة الفرنسي في قبول الدعوى على قيام المصلحة وتوافرها عند رافع الدعوى، ثم بعد ذلك يتعرض لموضوع الدعوى، ويقضي فيه بالغم من زوال مصلحته قبل صدور الحكم الا ان القضاء الاداري المصري متردد في احكامه في هذا الشأن بين اتجاهين الا ان المحكمة الادارية العليا تبنت الاتجاه الذي يشترط استمرار توافر المصلحة الى حين الفصل في الدعوى ، بينما انقسم فيه القانون العام في مصر على نفسه ازاء هذه المسألة.
الشرط الثالث: ان يتظلم صاحب الطعن لدى الجهة الادارية المختصة قبل تقديم الطعن الى محكمة القضاء الاداري:
اشترطت الفقرة(و) من البند ثانيا من المادة السابعة المعدلة بقانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة التظلم الوجوبي لدى الجهة الادارية المختصة قبل رفع الدعوى او تقديم الطعن الى محكمة القضاء الاداري.
وفيما يبدو ان المشروع قصد من وضع هذا الشرط فسح المجال للادارة التي اصدرت القرار او الجهة الادارية الرئاسية للجهة الادارية التي صدر عنها القرار مراجعة القرار ومعالجة عيوبه بالغائه او تعديله ان تبين ان القرار معيب او مخالف للقانون ، وبذلك ينتهي النزاع بشأنه من اي حاجة للتقاضي
امام القضاء . وفي ذلك تحقيق للمصالح كتقليل الوارد من الدعاوى الى محكمة القضاء الاداري وانهاء الصراع بشكل ايسر واسرع وبتكاليف اقل بالاضافة الى عدم احراج الادارة امام الغائه . اما اذا وجدت الادارة ان قرارها صحيح فانها ترفض التظلم اذا بقي صاحب الشأن مقتنعأ بعم صحة القرار فعندئذ يقدم طعنه الى المحكمة.
وحتى لاتتمادى الادارة في اطالة مدة نظرها في التظلم فيبقى امر القرار محل التظلم معلقأ مدة طويلة دون حسم لمسألة صحته ، اوجب المشرع في الادارة البت في التظلم خلال مدة ثلاثون يومأ من تأريخ تسجيله لديها ، فاذا انتهت هذه المدة دون ان تبادر الادارة الى اصدار قرارها بالتظلم خلالها وذلك رفضها للتظلم.
ولكن مما يلاحظ ان المشرع من ناحية اخرى لم يلزم صاحب التظلم بمدة تظلمه الى الجهة الادارية خلال فترة يحددها ، وبذلك ترك له الخيار في ان يقدم تظلمه في اي وقت يختاره بعد تبليغه او علمه بالقرار الاداري . وهذا فيما ارى نقص في التشريع لايؤمن ناحية جديرة بالاهتمام وهي ؟ استقرار المراكز خلال فترة معقولة دون ان تبقى معلقة مدة طويلة وغير محدده.
كما يلاحظ ايضأ ان المشرع يشترط التظلم الوجوبي الى الجهة الادارية في رفع الدعوى امام محكمة القضاء الاداري ولكنه لم يشترط الشرط ذاته فيما يتعلق برفع الدعاوى المتعلقة بحقوق الخدمة امام مجلس الانظباط العام.
ومن الجدير بالذكر هنا ان المشرع المصري اخذ ايضأ بفكرة التظلم الوجوبي ولكنه لم يجعل ذلك شرطأ عامأ بالنسبة لسائر دعاوى الالغاء وانما فقط بالنسبة لدعاوى الالغاء الخاصة ببعض القرارات المتعلقة بالشؤون العامة او بحقوق الخدمة . كما اشترط تقديم التظلم الى الجهة الادارية خلال ميعاد رفع دعوى الالغاء وهو (60) يومأ من تأريخ العلم بالقرار بالنشر او بالتبليغ . كما اشترط على الجهة الادارية ان تبت بالتظلم خلال (60)يومأ من تأريخ تقديمه اليها.
ويبدو من ذلك مدى الخلاف الواسع بين القانوني العراقي والمصري في هذا الشأن . ومن ناحية اخرى نجد ان المشرع العراقي اوجب التظلم الى الجهة الادارية المختصه . وهذه عبارة غير دقيقة قد تثير لبسا واختلافا في وجهة النظر في تفسيرها . فهل الجهة المختصة هي الجهة التي اصدرت القرار
او الجهة الرئاسية التي تتبعها الجهة التي اصدرت القرار؟ وهل ان تقديم التظلم منهما يعتبر استيفاءأ لهذا الشرط ؟ وكان المفروض ان ينص المشرع على تقديم المشروع الى الجهة الادارية التي اصدرت القرار او الجهة الرئاسية.
الشرط الرابع : ان تقديم الطعن الى محكمة القضاء الاداري خلال ثلاثين يومأ من تأريخ انتهاء مدة الثلاثين يومأ الخاصة بالبت في تظلمه الى الجهة الادارية المختصه.
اشترطت الفقرة (ز)من الفقرة الثانية من المادة السابعة المعدلة ان يقدم صاحب الشأن طعنه الى محكمة القضاء الاداري خلال ستين يوما من تأريخ مدة الثلاثين يوما الخاصة بالبت في تظلمه لدى الجهة الادارية المختصة والمنصوص عليها في الفقرة السابعة والا سقط حقه في الطعن ولا يمنع من مراجعة المحاكم للمطالبة في حقوقه في التعويض عن الاضرار الناشئة عن المخالفة او الخرق للقانون. وكان المفروض في صياغة الفقرة(ز) لكي تكون منسجمة مع الفقرة التي سبقتها ان تشترط تقديم الطعن خلال ستين يومأ من تأريخ تبليغ صاحب الشأن برفض تظلمه او من انتهاء مدة الثلاثين يوما الخاصة بالبت في التظلم من قبل الادارية المختصة ومع ذلك ينبغي ان تفهم مدة الفترة على هذا النحو دون التقيد بالنص الحرفي لانه هو التفسير المنطقي لذي ينسجم مع الفقرة السابقة.
وهذا وقد رتب القانون على مدة الستين يوما المذكورة دون تقديم الطعن الى المحكمة ، تحصن القرار الاداري ضد الالغاء او التعديل دون الاخلال بحق صاحب الشأن في رفع دعوى التعويض امام القضاء العادي من الاضرار الناشئة عن القرار ان كان بالفعل مخالفا للقانون.
ويظهر من ذلك واستنادا الى ماورد في الفقرة (ط) من البند الثاني من هذه المادة ، ان محكمة القضاء الاداري تنظر في طلب التعويض اذا قدم بصفة تبعية للطلب او بالالغاء او التعديل حال تقديمه خلال الستين يوما المذكورة دون ان يكون لها سماع التعويض عن القرارات اذا رفعت بصفة اصلية سواء خلال مدة الستين يوما او بعد انتهائها.
وهذا على خلاف ماذهب اليه القانون المصري . اذ نص البند (عاشرا) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم (47) لسنة 1972 وهي المادةالتي تناولت تحديد اختصاصات محاكم مجلس الدولة دون غيرها على مايلي (طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في البنود السابقة سواء رفعت بصورة اصلية او تبعية ) . وهذايعني ان طلبات التعويض عن القرارات الادارية تختص بها محاكم مجلس الدولة دون غيرها سواء رفعت بصورة اصلية او تبعية مع دعوى الالغاء ضمن ميعاد الستين يوما او رفعت بصفة اصلية بعد انتهاء هذا الميعاد . وهذا الاتجاه من المشرع المصري ينسجم الحكمة من ايجاد قرار اداري مختص دون غيره في دعاوى الغاء القرارات الادارية ودعاوى التعويض عنها.
1) اسباب الطعن امام محكمة القضاء الاداري:
يقصد باسباب الطعن او باوجه الطعن او حالات الطعن مختلف العيوب التي تصيب القرار الاداري فتجعله غير مشروع ومن ثم يمكن الاستناد الى اي منها لطلب الغائه او الغائة جزئيا او تعديله او طلب التعويض عنه اذا كان له مقتض بعد التوصل الى عدم مشروعيته استنادا الى سبب او اكثر من هذه الاسباب والعيوب التي تصيب القرارالاداري، في اي ركن او عنصر من عناصره ولما كان من المتفق عليه فقها وقضاءا ان القرار الاداري يقوم على خمسة اركان او عناصر هي : الاختصاص والشكل والسبب والمحل او الغرض ، فتكون اشكال عدم الشرعية التي تصيب القرار الاداري والتي كون كل
منها عيبا يصيب القرار يمكن الاستناد اليه للطعن في القرار وهي على هذا النحو الاتي:
1ـ عدم الشرعية التي تتعلق بالجهة التي تصدر القرار( عيب عدم الاختصاص او عيب الاختصاص).
2ـ عدم الشرعية التي تتعلق بالاشكال والاجراءات الخاصة باصدار القرار؟
3ـ عدم صحة الوجود المادي للوقائع،عدم صحة التكييف الوجوبي للوقائع، الخطا في تقدير اهمية الوقائع.
المشروعية التي تتعلق بمحل القرار(عيب مخالفة القانون):
المشروعيةالتي تتعلق بالغرض او الغاية من القرار( الانحراف بالسلطة او استعمال السلطة او التعسف باستعمال السلطة).
وقد نصت الفقره(هـ)من البند ثانيا من الماادة السابعة من اوجه او اشكال عدم الشرعية التي ذكرناها كاسباب الطعن في محكمة القضاء الاداري وقد جاء نصها على النحو الاتي:
1ـ يعتبر من اسباب الطعن بوجه خاص:
طعن الامر او خرقا او مخالفة للقانون او الانظمة والتعليمات. يكون الامر او القرار صدر خلافا لقواعد الاختصاص او معيبا في شكله يكون الامر او القرار، خطأ في تطبيق القوانين او الانظمة والتعليمات او تقسيرها او فيه اساءة او تعسف باستعمال السلطة. فالفرع(1) من هذه الفقرة يشير الى حالة عدم الشرعية بمحل القرار(عيب مخالفة القانون) وكلمة تؤخذ بالمعنى وبشكل كل قاعدة قانونية مهما كان مصدرها وعيب مخالفة القانون يعني بشكل دقيق انه يتضمن القرار مضمونا او اثرا او حكما يخالف القواعد القانونية التي صدر القرار تطبيقا لها.
والفرع(2) اشار الى شكلين من عدم الشرعية المتعلقة بالجهة التي تصدر القرار (عيب الاختصاص).
4ـ ولاية محكمة القضاء الاداري:
نقصد بولاية المحكمة، انواع الاحكام التي يمكن ان تصدرها بشأن الاوامر والقرارات الادارية المطعون
بها امامها.
فالمحكمة بعد ان تقرر قبول الطعن ، اذا توفرت شروط القبول تنتقل الى البحث في موضوع الطعن. ويتمثل بحثها في هذا المجال في صحة الامر او القرارالمطعون فيه من عدمه. وذلك في ضوء سبب او اكثر من اسباب الطعن او اسباب عدم الشرعية التي استند اليها الطاعن وفي ضوء طلباته ودفوع الجهة الادارية مصدرهالقرار وطلباته. ثم تصدر حكمها في القرار المطعون فيه.
وقد بينت الفقرة (ط) من البند ثانيا من المادة السابعة المعدلة انواع الاحكام التي للمحكمة اصدارها بشأن الطعن في الامر او القرار الاداري وقد جاء نصها على النحو الاتي( ط ـ تبت المحكمة في الطعن المقدم اليها ولها ان تقرر الطعن او الغاء او تعديل الامر او القرار المطعون به مع الحكم بالتعويض ان كان له مقتض على طلب المدعي…..) وهذا يعني ان ولاية المحكمة فيما يتعلق بالطعن فيما يأتي:
1ـ رد الطعن وحكمها وهذا يعني عدم اقتناع المحكمة بصحة اسباب الطعن التي اثارها الطاعن بالنسبة للامر او القرار المطعون فيه. كما يعني ان المحكمة من ناحية اخرى لم تجد عيبا اخر مما يحق لها ان تثيره من تلقاء نفسها كعيب عدم الاختصاص والاصل ان صاحب الطعن يستطيع ان يطعن مرة أخرى في القرار استنادا الى اوجه طعن او اسباب اخرى لم يثرها في طعنه الاول. ولكن هناك عقبة ستقف امامه في ذلك، وهي انتهاء المدة المتعلقة برفع الطعن الى المحكمة وهي مدة الستين يوما التالية لانتهاء مدة التظلم الى الجهة الادارية المختصة.
2ـ الغاء القرارالمطعون فيه ، وحكمها بالغاء القرار يعني ان المحكمة اقتنعت بصحة سبب الطعن او اسباب الطعن التي الطعن التي اثارها المدعي في مواجهة القرار، مما يجعله قرارا غير مشروع حقيقيا بالالغاء . ويؤدي حكم الالغاء الى اعدام القرار المطعون فيه بشكل نهائي ومنذ صدوره، واعتباره كأن لم يكن، اذ يكون لحكم الالغاء اثر رجعي يعود الى تاريخ صدور القرار المطعون فيه . كما ان لحكم الالغاء حجية مطلقة تكون له حجية بالنسبة للكافة وليس في مواجهة اطراف الدعوى فقط كما هي القاعدى العامة في حجية الاحكام.
هذا وما تجدر ملاحظته هنا ان المحكمة وهي تقضي بالغاء القرار كليا بجميع اجزائها كما يكون لها ان تقضي بالغاء القرار جزئيا عندما يكون بالامكان فصل اجزاء القرار عن بعضها البعض بدون ضرر وكان رافع الدعوى قد طلب ذلك.
وينبغي ان يلاحظ هنا ، بان الاصل كمبدا عام ان طعن الالغاء ليس له اثر في وقف تنفيذ القرار المطعون فيه . وهذا يعني للادارة في تنفيذ القرار على الرغم من الطعن فيه امام المحكمة الا اذا كان
هناك نص خاص بالنسبة لبعض القرارات، يفرض وقف تنفيذها في حالة الطعن لها بالالغاء.
لانه في بعض الحالات قد ترتب على التنفيذ نتائج من الصعوبة وان المتعذر تداركها عند الحكم بالغاء القرار بعد ذلك، لذلك وجب ان يكون للمحكمة ان تقرر وقف التنفيذ مثل هذه القرارات قبل الفصل في الطعن اذا ما طلب الطاعن ذلك.
وقد اشار قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة1972 الى بند في المادة (49) منه اذ نصت
على مايأتي:
” لايترتب علىرفع الطلب الى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب الغاؤه على انه يجوز للمحكمة ان تأمر بوقف تنفيذه اذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة ان نتائج التنفيذ يتعذر تداركها”.
ويمكن تلخيص صدور اصدار المحكمة لقرارها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه قبل الفصل في الطعن بموجب قانون مجلس الدولة المصري بما يأتي:
أ ـ ان يطلب ذلك الطاعن في صحيفة الدعوى.
ب ـ ان يكون تنفيذ الادارة للقرار من شأنه احداث ضرر جسيم بالطاعن لايمكن اصلاحه او يتعذر التخلص منه ولايغني التعويض عنه.
ج ـ ان يكون الطعن الموجه للقرار على اسباب جدية تكشف بحسب الظاهر من احتمال الغاء القرار.
د ـ الايكون القرار المطلوب تنفيذه متعلقا بالنظام العام( الامر العام، الصحة العامة، السكينة العامة).
غير ان القانون المصري اذا اجاز وقف تنفيذ القرار المطعون امام المحكمة على النحو المتقدم لم يجز بالنسبة للقرارات التي لايقبل طلب الغاءها قبل التظلم منها اداريا طلب وقف تنفيذها.
ان قانون مجلس شورى الدولة المعدل لم ينص على جواز ان تأمر المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه امامها ،ذلك ان المشرع اشترط التظلم الوجوبي امام الجهة الادارية المختصة بالنسبة لجميع الاوامر والقرارات التي يراد الطعن فيها امام محكمة القضاء الاداري . وبذلك لم يعد من مبرر لنص على جواز وقف تنفيذ القرار المطعون فيه امام المحكمة.
3ـ تعديل الامر او القرار المطعون فيه، وفي هذه الحالة تمارس ولاية القضاء الكامل وبمعنى اخر فان تخويل محكمة القضاء لاداري سلطة تعديل الامر او القرار المطعون فيه يعني ممارستها سلطات كاملة لحسم النزاع بشأنه لايقف عند مجرد الغاء القرار غير المشروع وانما ترتيب جميع النتائج القانونية على ذلك، من تعديل للقرار بشكل جزئي او كلي الى استبدال غيره به.
وواضح من ذلك ان ولاية محكمة القضاء الاداري وهي تنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية، تشمل نوعي القضاء الاداري قضاء الالغاء والقضاء الكامل. وان استنهاض ولايتها لهذا القضاء او ذاك متوقف على طلبات رافع الدعوى وطبيعة النزاع بشأن القرار.
فقد يكفي لصاحب الشأن حتى يعيد الامر الى نصابه بالنسبة الى مصالحه وحقوقه المشروعة ان يطلب الغاء القرار المطعون فيه . ولكنه في احوال اخرى قد لايحقق له الغاء القرار كل مايتطلع اليه. فيستنهض ولايتها في القضاء الكامل لتخذ المحكمة من الاحكام في شأن النزاع ما يعيد الحق الى نصابه.
ومن أمثلة الدعاوى او الطعون التي يمارس القضاء الاداري بشأنها ولايته في القضاء الكامل . المنازعات الخاصة بالرواتب المستحقة للموظفين والرواتب التقاعدية المستحقةلهم وكذلك الطعون الخاصة بالتعيين او الترقية او بمنح العلاوات . والطعون في القرارات الصادرة في موضوع الضرائب والرسوم ودعاوى الجنسية والمنازعات الخاصة بالعقود الادارية وطلبات التعويض عن القرارات الادارية المعيبة.
الا ان اغلب هذه الدعاوى والطعون تخرج ابتداء عن اختصاص محكمة القضاء الاداري على النحو الذي بيناه عند التكلم عن نطاق اختصاصها . فالمنازعات الخاصة بالرواتب المستحقة للموظفين وكذلك الطعون الخاصة بالتعيين والترقية ومنح العلاوات هي في اغلبها من اختصاص مجلس الانضباط العام ويمارس بشأنها ولاية ولاية القضاء الكامل. والمنازعات الخاصة بالرواتب التقاعدية هي من اختصاص لجان التدقيق وقراراتها يمكن الطعن فيها امام محكمة التمييز. والمنازعات الخاصة بالعقود الادارية هي من اختصاص القضاء العادي ويمارس بشأنها ولاية القضاء الكامل. والمنازعات الخاصة بضريبة الدخل المحاكم ممنوعة من النظر فيها، ويتم حسمها من قبل السلطات ولجان التدقيق . والمنازعات الخاصة بالجنسية المحاكم ممنوعة من النظر فيها.
4ـ الحكم بالتعويض، بالاضافة الى انواع الاحكام السابقة التي تستطيع محكمة القضاء الاداري اصدارها في شأن الطعون المرفوعة امامها في صحة الاوامر والقرارات الادارية خولها القانون بالتعويض ان كان له مقتض بناء على طلب المدعي . وهي في ذلك تمارس ولايتها في القضاء الكامل . فهي بعد ان تحكم بالغاء القرار ؟ المشرع تحكم بالتعويض ان كان له مقتض بناء على طلب رافع الدعوى .
ومما تجب ملاحظته هنا ان ولاية المحكمة بالتعويض مقتصرة فقط في طلبات التعويض المرفوعة الى المحكمة بصفة تبعية لطلبات الالغاء. اما طلبات التعويض بصفة اصلية فلا تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر فيها، بل تختص بها محاكم القضاء العادي. وهذا مستفاد من نص الفقرة(ز) من (ثانيا) من المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة المعدل، والتي تنص على مايأتي:
( على المتظلم ان يقدم طعنه الى المحكمة خلال ستين يوما من تاريخ انتهاء مدة الثلاثين يوما المنصوص عليها فب الفقرة(و) من (ثانيا) من هذه المادة ، والا سقط حقه في الطعن ولايمنع ذلك من مراجعة المحاكم العادية للمطالبة بحقوقه في التعويض عن الاضرار الناشئة من المخالفة والخرق للقوانين).
في حين ان الاصل في التعويض عن القرارات الادارية ان يختص بها القضاء الاداري دون غيره، سواء بصفة تبعية لدعوى الالغاء او بصفة اصلية بعد انتهاء ميعاد رفع دعوى الالغاء.
وفي ذلك ينص قانون مجلس الدولة المصري رقم(47) لسنة 1972 وهو ؟ في المادة(10) منه الموضوعات التي تختص بها محاكم مجلس الدولة دون غيرها (عاشراـ طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في البنود السابقة سواء رفعت بصفة اصلية او تبعية).
والمحكمة في ذلك واضحة وهي المحافظة على التخصص . فمادام قد اصبح القضاء الاداري هو المختص بالنظر في مشروعية القرارات الادارية ، فيكون من الطبيعي ان يختص دون غيره بالنظر في طلبات التعويض عنها سواء رفعت بصفة اصلية او تبعية.
الطعن في قرارات محكمة القضاء الاداري:
نص قانون مجلس شورى الدولة المعدل في المادة السابعة على جواز ان يكون قرار محكمة القضاء الاداري قابلا للطعن فيه تمييزا لدى الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة خلال (30) يوما من تاريخ التبليغ به واعتباره مبلغا، ويكون قرار المحكمة غير المطعون فيه وقرار الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة الصادر نتيجة الطعن باتا وملزما .
وتمارس الهيئة العامة في مجلس شورى الدولة الاختصاصات التي تمارسها محكمة التمييز المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية عند النظر في الطعن في قرارات محكمة القضاء الاداري.
وبالرجوع الى قانون المرافعات نجد ان محكمة التمييز في حالة الطعن في الاحكام لديها تمييزا ، اما ان تقرر تصديق الحكم ان كان موافقا للقانون، او تنقضه ان كان مخالفا للقانون، وتعيد الدعوى الى المحكمة التي اصدرت الحكم للنظر فيها مجددا بموجب المواد(210، 211، 212) من قانون المرافعات.
وقد نصت المادة (203 ) مرافعات على انه ( ينقض الحكم المميز في الاحوال الاتية ):
1ـ اذا كان الحكم قد بني على مخالفة للقانون او خطا في تطبيقه او عيب في تأويله .
2ـ اذا كان الحكم قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص .
3ـ اذا وقع في الاجراءات الاصولية التي اتبعت عند رؤية الدعوى خطا موثرا في صحة الحكم.
4ـ اذا صدر حكم يناقض حكما سابقا صدر في الدعوى نفسها بين الخصوم وانفسهم او من قام مقامهم وحاز درجة البتات.
5ـ اذا وقع في الحكم خطا جوهري ويعتبر خطا جوهريا اذا أغفل الحكم الفصل في جهة من ماهو جهات الدعوى او الفصل في شيء لم يدع به الخصوم او قضى باكثر مما يدعو على خلاف ما هو ثابت في محضر الدعوى او على خلاف الاوراق والسندات المقدمة من الخصوم . او كان منطوق الحكم مناقضا بعضه او اذا كان الحكم غير جامع لشروطه القانونية.
ونصت المادة(214) من قانون المرافعات (اذا رأت محكمة التمييز نقض الحكم لمخالفته القانون او للخطا في تطبيقه وكان الموضوع صالحا للفصل فيه، وجب عليها ان تفصل فيه، ولها في هذه الحالة دعوة الطرفين وسماع اقوالهما ان وجدت ضرورة لذلك…..).
وعلى ذلك فان الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة وهي تنظر في الطعن في قرارات محكمة القضاء الاداري وكذلك قرارات مجلس الانضباط العام عليها ان تتقيد بهذه الاحكام.
وواضح من ذلك ان الهيئة العامة وهي تنظر في الطعن ينحصر عملها كمحكمة تمييز في التأكد من ان الحكم المميز يوافق القانون ام لا ، ولاتتعرض لوقائع الدعوى. فهي تنظر فقط فيما اذا كانت المحكمة قد طبقت حكم القانون على وقائع الدعوى تطبيقا سليما فعندئذ تصدق الحكم. والا فتقرر نقض الحكم واعادة الدعوى الى محكمتها للسير فيها وفق المنهاج الذي ترسمه لها محكمة التمييز. ذلك ان التعرض للوقائع تعتبر مسألة من المسائل الموضوعية التي تختص بها محكمة الموضوع لانه لا يعدو التحقق من الوجود المادي لوقائع الدعوى ، فلا يخضع لرقابة محكمة التمييز، على العكس الخطا في القانون او تأويله يخضعان لرقابة محكمة التمييز.
الا انه من المعروف ، ان الطعن في احكام المحاكم الادارية كقاعدة عامة لايقتصر على الطعن فيه تمييزا.
ففي فرنسا مثلا، يعتبر مجلس الدولة اعلى محكمة بين محاكم القضاء الاداري الفرنسي، وبالتالي يمكن في احام بعض المحاكم الادارية امامه بالاستئناف. كما يمكن الطعن امامه في احكام المحاكم الادارية الاخرى بالتمييز.
ومن مقتضى الطعن بالاستئناف في حكم صادر من احدى المحاكم الادارية نقل النزاع بأكمله الى مجلس الدولة والفصل فيه من جديد من حيث الواقع ومن حيث القانون.
اما في مصر، فتختص محكمة القضاء الاداري ـ بالاضافة الى اختصاصها في نظر المنازعات الادارية التي لم يمنح القانون اختصاص النظر في المحاكم الادارية للمحاكم الادارية والمحاكم التأديبية ـ تختص بالفصل في الطعون التي ترفع اليها عن الاحكام الصادرة من المحاكم الادارية.
اما المحكمة الادارية العليا فتختص بالفصل في الاحكام الصادرة من محكمة القضاء الاداري او من المحاكم التأديبية وذلك في الاحوال الاتية :
1ـ اذا كان الحكم المطعون فيه مبنيا على مخالفة القانون او خطا في تطبيقه او تأويله .
2ـ اذا وقع بطلان في الحكم او بطلان في الاجراءاتاثر في الحكم .
3-اذا صدر الحكم على خلاف حكم سابق حاز قوة الشئ المحكوم فيه سواء دفع بهذا الدفع ام لم يدفع . اما الاحكام الصادرة من محكمة القضاء الاداري في الطعون المقامة امامها في احكام المحاكم الادارية
فلا يجوز الطعن فيها امام المحكمة الادارية العليا الا من رئيس هيئة موظفي الدولة وذلك اذا صدر الحكم على خلاف ما جرت عليه قضاء المحكمة الادارية العليا او اذا كان الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق لهذه المحكمة تقريره.
لقد استحدث المشروع المصري طريقة الطعن في احكام المحاكم الادارية لاول مرة امام المحكمة الادارية العليا في قانون مجلس الدولة رقم(165) لسنة 1955، ولكنه لم يذكر طبيعة هذا الطعن ، كما لم يذكر المشرع العراقي . ولكن لما كانت الاسباب التي حددها المشروع للطعن هي اسباب قانونية ، فقد تبادر للذهن ان هذا الطعن طعن بالنقض بالتمييز على النحو المقرر في قانون المرافعات . ولكن المحكمة الادارية العليا- غداة نشأتها مباشرة- رفضت التقيد بذلك وحرصت على ان تؤكد الطبيعة الذاتية للنقض او التمييزالاداري . ومن اوائل احكامها في هذا الصدد حكمها الذي تذهب فيه( ومن حيث انه يجب التنبيه الى انه لاوجه لافتراض قيام التطابق التام في نظام الطعن بطريق النقض (التمييز) المدني ونظام الطعن الاداري سواء في شكل الاجراءات او كيفية سيرها في مدى سلطة المحكمة العليا للاحكام موضوع الطعن وكيفية الحكم فيه، بل مرد ذلك الى النصوص القانونية التي تحكم الطعن المدني وتلك التي تحكم الطعن الاداري وقد تتفقان في ناحية وتختلفان في ناحية اخرى . فالتطابق قائم بين النظامين من حيث تبيان الحالات التي تجيز الطعن في الاحكام والتي بينتها المادتان(425) و(432) من قانون المرافعات المدنية والتجارية اوردتها المادة(15) من القانون رقم(165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة ولكنه غير قائم سواء بالنسبة الى ميعاد الطعن او شكله او اجراءاته او كيفية الحكم فيه، اذ لكل من النظامين قواعده الخاصة مما قد يمتنع معه اجراء القياس لوجود الفارق اما من النص او من اختلاف طبيعة الطعن اختلافأ اساسأ الى التباين بين طبيعة الروابط التي تنشأ بين الادارة والافراد في مجالات القانون العام ، وتلك التي تنشأ بين الافراد في مجالات القانون الخاص……… ومن حيث انه ليس لمحكمة القضاء الاداري او للمحاكم الادارية في دعوى الالغاء سلطة قطعية في فهم الوقائع او الموضوع تقصر عنها سلطة المحكمة العليا . والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق ، ذلك ان رقابة محكمة القضاء الاداري والمحاكم الادارية على القرارات الادارية ، هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها للقانون . وهذا بدوره هو عين الموضوع الذي ستتناوله المحكمة الادارية العليا عند رقابتها القانونية لاحكام القضاء الاداري . فالنشاطات وان اختلفت في المرتبة الا انهما متماثلان في الطبيعة ، اذ مردهما في النهاية الى مبدأ المشروعية ، تلك تسلطه على القرارات الادارية وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الاحكام……..
وقد استمرت المحكمة الادارية العليا بعد ذلك في رقابتها على احكام المحاكم الادارية على تأكيد الطبيعة الذاتية للطعن امامها وانه ابعد مايكون عن الطعن بالنقض(بالتمييز). فهي لم تتقيد بالاحوال التي وردت في قوانين مجلس الدولة المتعاقبة لالغاء احكام المحاكم الادارية المطعون بها امامها.
بالسلطة الكاملة في فحص الموض