المدخل لدراسة حقوق الإنسان… الدكتور مازن ليلو راضي… الدكتور حيدر أدهم عبد الهادي (5)
أما المادة الثانية فقد بينت ان هناك حقوق طبيعية لا يمكن التنازل عنها وهي الحرية والملكية والأمن ومقاومة الطغيان، كما ان مبدأ السيادة يقوم بشكل أساسي على الأمة وأشارت المادة الثالثة إلى ان مبدأ مساواة الإنسان هو الأساس الوحيد الذي تقوم عليه هذه الحقوق.(91)
أما المادة الرابعة فقد عرفت الحرية باعتبارها (الحق في عمل كل ما من شانه ألا يضر بحقوق الغير، ومباشرة الحقوق الطبيعية لكل فرد ليس لها من حدود إلا تلك التي تكفل تمتع أفراد الجماعة الآخرين بنفس هذه الحقوق ويجب ان لا تقرر حدود الحقوق الطبيعية إلا بواسطة القانون).
والحقيقة انه بدون الحرية السياسية تصبح الحريات الأخرى مجرد منحة تستطيع السلطة أو من يمثلها استردادها بأي وقت، ولهذا فقد عبر مونتسكيو عن هذه المسألة خير تعبير عندما قرر ان أنظمة الحكم الديمقراطية هي مصدر ضمانات الحريات جميعاً، كما ان الحرية السياسية لا يمكن ان تتحقق بصورة فعلية إلا في ظل توافر الحريات الأخرى، فالانتخاب يقتضي قيام صحافة حرة والاعتراف بحرية الاجتماع.(92)
وهذا كلام يجعل من الصعب قبول ما عبر عنه نابليون حين قرر ان (الديمقراطية عندنا تتوج في شخص رئيس الدولة الذي اختارته الأمة).(93)
فضلاً عما تقدم فقد أشار الإعلان إلى حريات أخرى بينتها المواد السابعة والثامنة والتاسعة حيث لا يمكن اتهام أي إنسان أو توقيفه واعتقاله إلا في الحالات المحددة طبقاً للقانون، كما لا يمكن معاقبة أي إنسان إلا طبقاً للقانون وان المتهم برئ حتى تثبت إدانته، كما تمنع المادة العاشرة إزعاج أي إنسان بسبب آرائه الدينية، ونصت المادة الحادية عشرة على ان حرية التعبير عن الأفكار والآراء هي من الحريات الأساسية، ومن ثم فان لكل مواطن الحق في التعبير والكتابة والنشر بحرية تامة بشرط عدم التجاوز على حريات الآخرين وفقاً للقانون والحقيقة ان السبب الذي جعل واضعوا الإعلان الفرنسي يركزون على حرية التعبير ويفردون لها مادة خاصة يعود إلى وضع الكنيسة المهيمن التي لم تكن تسمح بمثل هذا الحق فضلاً عن تسلط الإقطاع.
أما المواد الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة فقد أكدت على تأمين الحماية الضرورية لحقوق الإنسان، فضلاً عن الضرائب والنفقات العامة ومحاسبة الموظفين عن أعمال إدارتهم المتعلقة بشؤون الأفراد، بينما تكلمت المادة السادسة عشرة عن مبدأ الفصل بين السلطات باعتباره المعيار الحقيقي للنظام السياسي.
أما المادة السابعة عشرة فقد تحدثت عن الملكية عندما نصت على (لما كانت الملكية حقاً مصوناً ومقدساً فلا يمكن لأحد ان يحرم منها إلا حينما تقتضي الضرورة العامة الثابتة قانوناً هذا الأمر بصورة واضحة وشرط ان يمنح له تعويض عادل ومسبق).(94)
الفرع الثاني- حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الدساتير الفرنسية
عرفت فرنسا منذ عام 1789 حتى عام 1875 ثلاثة عشر دستوراً مكتوباً ولا يكاد يخلو دستور فرنسي ابتداء من الدستور الأول الذي صدر بعد الثورة الكبرى وصولاً لدستور ديغول النافذ لعام 1958 من تسطير مجموعة من الحقوق والحريات الأساسية، ومن أبرز هذه الدساتير التي يمكن الإشارة إليها:
1. دستور 3 أيلول 1791
هو أول دستور صدر بعد الثورة الفرنسية الكبرى ونص على ان السيادة للأمة وهذه الأخيرة تتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن شخصية الأفراد المشرفين على شؤونها إلا ان الاقتراع لم يكن عاماً وشاملاً ومباشراً، أي ان الأفراد لم يكونوا يتمتعون بحق شخصي بممارسة الانتخاب، لان السيادة هي في الأمة وليس بكل فرد، وقد نص هذا الدستور على مبدأ الفصل بين السلطات بالشكل المعمول به في الدستور الأمريكي.(95)
ان واضعي دستور 1791 لم يبدلوا شيئاً في اعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عام 1789 عندما جاء دستور 1791 لكنهم وضعوه كما هو في رأس هذا الدستور، وبهذا الشكل فقد جسد دستور 1791 اعلان الحقوق الصادر عام 1789 بصيغة دستورية ملزمة بعد ان أثار الإعلان مسألة القيمة القانونية الحقيقية لنصوصه، ونص الدستور المذكور على جملة من المبادئ الأساسية فالسيادة تعود للأمة كما ذكرنا (المادة الثالثة) وذكر هذا الدستور مبدأ الفصل بين السلطات في المادة السادسة عشرة، وقد بقي هذا الدستور نافذاً حتى تم التصويت على دستور 24 حزيران 1793.
2. دستور 24 حزيران 1793
أعلن عن حقوق الإنسان في مقدمة هذا الدستور الذي تألف من (35) مادة إذ تميز باتجاهه الاجتماعي فاعترف بحق العمل والحق في المساعدات الاجتماعية وبحق التعليم لجميع المواطنين، كما تبنى هذا الدستور فكرة الاقتراع العام دون ان تطبق بعد صدوره وثبت الحق في مقاومة الطغيان إذا ما قامت حكومة بانتهاك حقوق الشعب وادخل اسلوب الاستفتاء الشعبي في العملية التشريعية.
فهذا الدستور وصف بان جانباً مهماً منه قد استمد من أفكار روسو وقد وافق الشعب على هذا الدستور بعد ان عرض عليه غير انه لم يقترن بالتنفيذ نظراً لتمرد المدن الكبرى وخطر الغزو الخارجي مما دفع الساسة (المؤتمر) إلى اتخاذ القرار في العاشر من تشرين الأول 1793 بإرجاء تطبيقه وتشكيل حكومة ثورية اشتق من هذه الحكومة لجنة عرفت باسم لجنة السلامة العامة التي خضعت لسيطرة روبسبير وعرف هذا العهد بعهد الرعب إذ بقيت الحكومة الثورية في السلطة حتى السادس والعشرين من تشرين الأول 1795،(96) حيث صدر بعد دستور 1793 دستور 22 آب 1795 ثم دستور 13 كانون الأول 1799 الذي عكس طموح نابليون بونابرت وتميز بدكتاتورية السلطة التنفيذية التي جسدها الجنرال الشاب مع الاحتفاظ ببعض مظاهر الديمقراطية ثم دستور 4 حزيران 1814 الملكي الذي رفض الملك فيه مبدأ السيادة الوطنية وأصر على اعتبار نفسه مصدر السلطة لكنه مع ذلك أقر بالحريات العامة التي حصل عليها الشعب الفرنسي واعترفت بها الدساتير الفرنسية التي صدرت بعد الثورة الفرنسية الكبرى كحرية الصحافة، والحرية الشخصية، والحرية الدينية، والمساواة أمام القانون ثم جاء بعد هذا الدستور الملكي دستور ملكي آخر هو دستور 1830 وبموجبه عرفت فرنسا لأول مرة النظام البرلماني بصيغة معينة.(97)
3. دستور 4 تشرين الثاني 1848
تم سن هذا الدستور بعد ثورة 1848 البرجوازية التي قادت إليها مسألة التمسك بالأرستقراطية الانتخابية وتم القضاء مرة أخرى على النظام الملكي وما رافقه من ممارسات صنفت بأنها مضادة للديمقراطية ولحقوق الإنسان وحرياته.
يبدأ هذا الدستور بإعلان لحقوق الإنسان عبرت عنه مقدمته المؤلفة من ثماني مواد فضلاً عن فصله الثاني الذي يبدأ بالمادة الثانية وينتهي بالمادة السابعة عشرة.(98)
وبموجب هذا الدستور فقد تم ترسيخ مبادئ إعلان عام 1789 ومعالجة جوانب جديدة واستقر حق الاقتراع العام وخفض سن الانتخاب إلى 21 سنة وسن الترشيح إلى 25 سنة، كما بررت فكرة الجمهورية بالتقدم والعدالة الاجتماعية وثّبت مشرع دستور 1848 الحقوق التقليدية ووضحها وهي الحرية والأمن وأشار إلى إلغاء الرق في فرنسا، وبموجب المادة العاشرة أشير إلى مبدأ المساواة ونص الدستور على حق التعليم مع إشراف الدولة على المؤسسات التعليمية وأشير إلى حق التجمع فضلاً عن إلغاء عقوبة الإعدام عن الجرائم السياسية، كما أشار الدستور إلى ضرورة ان تقوم الحكومة بتقديم العون والمساعدة للمواطنين المحتاجين وللعاجزين عن العمل.(99)
4. دستور 27 تشرين الأول 1946
بعد ان أُلغي دستور 1875 في 10 تموز 1940 تم انتخاب جمعية تأسيسية عام 1945 كلفت بمهمة وضع دستور جديد لفرنسا حيث برز مشروع دستور نيسان 1946 الذي وافقت عليه الجمعية التأسيسية في العام نفسه وعرض على الشعب في 5 أيار 1946 إلا انه رفض وصادف انتقادات شديدة وبشكل خاص فيما يتعلق بحرية التعليم التي لم يتم الاعتراف بها في نصوص هذا الدستور بصورة صريحة فضلا عن المواد التي تناولت حق الملكية فإذا كانت الغالبية الطاغية من صغار الملاك لم يكن يعنيهم قيام الدولة بتأميم الصناعات والملكيات الكبيرة، إلا انهم لم يقبلوا ان يقال قانوناً ان المشرّع هو الذي يعطيهم الحق في الملكية أي ان حقهم في الملكية يستمد وجوده من المشرّع الذي يستطيع ان يجردهم منها في أي وقت وكان من الأسباب المهمة للرفض ان جزءاً مهماً من الناخبين الفرنسيين كان يطالب بالمزيد من الحريات والحقوق.(100)
والحقيقة ان مشروع دستور 19 نيسان المرفوض من قبل الشعب الفرنسي قد تضمن مقدمة أو ديباجة ثم إعلان للحقوق بدأ بفصل أول تحدث عن الحريات تلاه فصل ثان تحدث عن الحقوق ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي وقام بتنظيم الحقوق والحريات في هذا المشروع على أساسيين الأول ضرورة تأكيد احترام الشعب الفرنسي وإيمانه بالمبادئ الحرة نظراً لما لاقاه الإنسان من عبودية وتسلط ثم الاعتداد بالتطورات التي أصابت مفاصل الحياة من الوجهة الاجتماعية والاقتصادية وضرورة إيجاد نوع من التوافق بينها وبين المبادئ التقليدية التي قامت عليها نظرية حقوق الإنسان وحرياته العامة أي إيجاد صيغة توافق بين المبادئ الفردية الحرة والمبادئ الاشتراكية.(101)
أما بخصوص دستور 27 تشرين الأول 1946 الذي وافق عليه الشعب الفرنسي والموضوع بعد رفض مشروع دستور 19 نيسان المشار إليه انفاً فقد قامت الجمعية التأسيسية التي انتخبت بتاريخ 2 حزيران 1946 بمعالجة مشروع دستور 19 نيسان لكي تكفل له موافقة الشعب حيث لم تكن هناك تعديلات أساسية تغير من جوهر المشروع السابق فالمبدأ العام هو محاولة إيجاد صيغة توافقية بين الماركسية والأفكار التي يقوم عليها المذهب الحر.
والحقيقة ان الصراع قد احتدم بين الآيديولوجيتين عندما قامت الجمعية التأسيسية بمراجعة إعلان الحقوق ولتفادي الخلاف فقد تم العدول عن إيراد إعلان مفصل للحقوق في الدستور المراد إعداده مع القبول بإيراد القواعد الأساسية التي تضمنها الإعلان في مقدمة الدستور حيث بدأت المقدمة بالتأكيد على ان (يعلن الشعب الفرنسي من جديد ان لكل إنسان بلا تمييز بسبب الأصل أو الدين أو العقيدة حقوقاً مقدسة لا يمكن ان يجرد منها، ويؤكد رسمياً حقوق وحريات الإنسان والمواطن المقررة بإعلان الحقوق الصادر عام 1789 والمبادئ الأساسية المعترف بها في قوانين الجمهورية).
ثم تضيف المقدمة النص الآتي (وفضلاً عن ذلك يعلن-كضرورة خاصة لعصرنا-المبادئ الأساسية والاقتصادية والاجتماعية التالية:
1. يضمن القانون للمرأة حقوقاً مساوية للرجل في كافة الميادين.
2. كل فرد يضطهد في سبيل حريته له حق الالتجاء إلى أراضي الجمهورية.
3. عل كل فرد واجب العمل وله حق الحصول على العمل ولا يظلم فرد في عمله أو مهنته بسبب اصله أو آرائه أو معتقداته.
4. من حق كل فرد ان يدافع عن حقوقه ومصالحه بواسطة النقابة التي يختار الانضمام إليها.
5. حق الاعتصام تنظمه قوانين خاصة.
6. كل خدمة وكل مشروع تتسم ممارسته بطابع أهلي أو ينطوي على احتكار يجب ان تؤول ملكيته إلى الجماعة.
7. تكفل الأمة للأفراد وللعائلات الأسباب الضرورية لتقدمهم وتضمن للجميع ولاسيما للأمهات وللعمال المسنين حماية الصحة والضمان المادي والراحة والإجازة، وكل إنسان يجد نفسه عاجزاً عن العمل بسبب سنه أو عدم قدرته البدنية أو العقلية أو لسوء حالته الصحية له حق الحصول على المقومات الضرورية لمعيشته، وتضمن الأمة للصغير والكبير فرصاً متكافئة للتعليم والتثقيف والتدريب وتأخذ الدولة على عاتقها تنظيم التعليم ومجانيته في كافة مراحله.)(102)
القيمة القانونية لإعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789 ومقدمة دستور 1946 الفرنسي
أثير البحث أولاً في فرنسا حول القيمة القانونية التي تملكها إعلانات الحقوق ومنها إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عام 1789، ثم أثير الجدل بعد ذلك حول القيمة القانونية لديباجة أو مقدمة دستور 1946 الفرنسي التي تضمنت مجموعة من الحقوق والحريات العامة.
فبخصوص إعلان الحقوق الصادر عام 1789 رأى إيسمان عدم امكانية اعتبار نصوصه ذات طابع قانوني وضعي، ومن ثم فهي غير واجبة النفاذ إذ انها مجرد إعلان عن مبادئ لكنها تفتقر للصفة القانونية الملزمة.
فهذه المقدمة أو الديباجة هي عبارة عن إعلان وهي لا تعدو ان تكون قواعد فلسفية أو برامج لا شان للقانون بتنظيمها ولو أراد المشروع ان يسبغ عليها الصفة القانونية لنظمها في صلب الدستور خاصة إذا أراد ان يراعي الناحية الشكلية وليحسم أي خلاف قد يثار في المستقبل بهذا الشأن عن طريق نصوص وعناوين واضحة ومحددة لا ان يوردها في المقدمة إذ ان العبارات المنمقة والرنانة قد تثير مسامع الإنسان البسيط لا رجل القانون الذي عليه ان يستعمل منهجيته في التفريق بين ما هو ملزم وما هو اختياري غير ملزم وهذا الأمر ينطبق على إعلانات الحقوق وكذلك فهي ذات طبيعة فلسفية مثالية غير ملزمة وهذا في أقل تقدير بالنسبة للمدرسة الشكلية التي يمثلها (كاري دي مالبيرغ وإيسمان).
أما المدرسة الموضوعية التي مثلها (العميد ليون دوجي وموريس هوريو) فهما يذهبان إلى عكس ما ذهبت إليه المدرسة الشكلية(103) إذ يؤكد العميد دوجي على ان إعلان الحقوق أسمى مرتبة وأكثر قوة من النصوص الدستورية ذاتها، ولهذا فان الحقوق والحريات العامة التي لم ينص عليها دستور 1875 الفرنسي تعتبر أعلى شاناً من ذلك الدستور نفسه بل هي قيد على الجمعية التأسيسية التي وضعته.(104)
أما مقدمة دستور 1946 الفرنسي فهو لم ينص على الحقوق والحريات العامة في نصوصه لكنه أعلن عنها في ديباجة بعكس مشروع الدستور الذي رفضه الشعب الفرنسي في العام ذاته (مشروع دستور نيسان 1946) والحقيقة ان الفقهاء مختلفون حول القيمة القانونية لهذه الديباجة أو المقدمة رغم كونها جزء مرتبط بالدستور سواء عند وضعها من جهة واحدة أو عند الاستفتاء عليها من قبل الشعب حيث تم الاستفتاء عليها مع الدستور ولم تفصل عنه، وهي بذلك ليست وثيقة منفصلة كما كان عليه حال إعلان 1789.(105)
ويرى أحد الأساتذة الفرنسيين (رينيه) انه يجب التمييز بخصوص القيمة القانونية لديباجة دستور 1946 بين ثلاث حالات هي:
1. بعض نصوص الديباجة لا تتضمن أية مادة قانونية إذ انها لا تتضمن أمر أو نهي أو أي التزام حقيقي لكنها عبارة عن تأكيد لبعض الأفكار السياسية ومثالها العبارة التي وردت في الديباجة والتي تسجل ان الجمهورية الفرنسية تراعي قواعد القانون الدولي العام والعبارة التي تقدم تعريفاً للاتحاد الفرنسي.
2. توجد عبارات كحالة النص على الحق في العمل وضمان النماء الفردي والعائلي أي تلك الحقوق ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي فهي تتضمن أكثر من وعد من جانب الدولة مضمونه قيامها بإصدار التشريعات الضرورية اللازمة بتحقيق مضامين هذه الحقوق إذا سمحت الظروف بذلك، (فلا يتأتى للفرد التمسك بها قبل الدولة أمام القضاء إلا إذا سمحت الظروف بذلك).
3. هناك فئة ثالثة من العبارات التي وردت في المقدمة تتمتع بالصفة القانونية، إذ انها تتضمن النص بصفة عمومية على الحريات السابق إعلانها في عام 1789 ويمكن ان يضاف إليها الحريات الجديدة وبعض الحقوق الأخرى التي وردت في دستور 1946 كالحق النقابي والحرية النقابية ومجانية التعليم والمساواة بين الرجل والمرأة، فهذه الحقوق تتمتع بصفة قانونية كاملة ولا يستطيع المشرع إصدار قوانين أو تشريعات تخالفها، وإذا كانت القاعدة المتقدمة تخلو من الجزاء طالما ان المحاكم الفرنسية لا تملك سلطة مناقشة دستورية القوانين فان الضمانة الوحيدة المكفولة للقوانين تتمثل في سلطة رئيس الجمهورية بان يرفض التوقيع على أي تشريع يكون مخالفاً للدستور ويعيده للبرلمان بهدف مناقشته مرة أخرى، ويؤكد الاستاذ (رينيه) ان هذه الكفالة واهية وغير فعالة في ضوء السوابق البرلمانية الفرنسية، فضلاً عن ان دستور 1946 قد أخرج صراحة المقدمة (الديباجة) من اختصاص اللجنة الدستورية التي انشأها لمراجعة دستورية القوانين طبقاً للمادة (92).(106)
5. دستور 4 تشرين الأول 1958
بعد اندلاع حرب التحرير الوطنية في الجزائر تأزمت أوضاع الجمهورية الرابعة التي جاء بها دستور 1946 مما قاد إلى بزوغ ما يعرف بالجمهورية الفرنسية الخامسة التي جاء بها دستور ديغول الصادر عام 1958 إذ وضع الجنرال الفرنسي الخطوط العريضة لهذا الدستور في خطاب ألقاه بتاريخ 15 حزيران 1944 وطوره بعد ذلك أثناء وجوده على رأس السلطة في فرنسا حتى عام 1969 ويتضمن دستوره هذا أثنتين وتسعين مادة.(107)
والحقيقة ان دستور 1958 لم يقدر له ان يقدم جديداً في مجال الحقوق والحريات العامة يتجاوز ما قدمه دستور 1946 لكنه أعلن تبنيه لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عام 1789 فضلاً عن تبنيه مقدمة دستور 1946 التي قضت بالاعتراف بالحريات الجماعية في مجالات متعلقة بالعمل إذ أقر حق الإضراب وحق اختيار المندوبين كما تمت الإشارة إلى مسألة التخطيط الاقتصادي لضمان الاستخدام العقلاني للموارد كما أقر حق الحياة اللائقة لجميع المواطنين في مجالات الحماية الصحية والأمن والراحة والتسلية والتعليم المجاني.
ويلاحظ ان دستور 1958 قد تمسك بإعلان 1789 وما جاء به من مضمون يعبر عن الفردية وسلبية الدولة ولكنه بالمقابل أقر مقدمة دستور 1946 وما عبرت عنه من مضمون إيجابي للدولة حيث تم التوسع في مجال الحريات من مجالها الفردي السلبي والمحدد بثلاث مجالات تتعلق بحماية الفرد والمحافظة على ملكيته وتأمين ذهابه وايابه إلى مجالات وافق انصرفت إلى التوسع لحماية الجماعة ومقدراتها المادية والصحية والتعليمية بصورة تعبر عن الاهتمام بالفرد والجماعة في الوقت نفسه ضمن مفهوم الدولة القومية الحارسة والمرفهة والضامنة للحياة.(108)
المطلب الرابع- موقف الاتجاهات الدستورية من الحقوق والحريات العامة.
مثلت عملية ظهور الدساتير الطابع المميز للدولة في العصر الحديث وفي ضوء الشعارات المطروحة من جانب القابضين على السلطة فقد عبرت هذه الاتجاهات الدستورية عن طابع فهم معين للحقوق والحريات التي تبناها دستور كل دولة. وقد ساهمت الحروب والثورات التي شهدها العالم في صياغة العديد من دساتير الدول التي عبرت عن اتجاهات متباينة في ممارسة السلطة وفي الإقرار بحقوق وحريات للإنسان ذات طابع مختلف الواحدة عن الأخرى على انه يمكن تلخيص أهم الاتجاهات الدستورية التي ظهرت في دساتير العالم من خلال المراحل التاريخية الآتية:
المرحلة الأولى: مثلت هذه المرحلة موجة الدساتير التي ظهرت بعد حرب الاستقلال الأمريكية والثورة الفرنسية وتميزت هذه المرحلة بظهور الدساتير المكتوبة وهذا عكس ما كان معمولاً به قبل ذلك إذ كانت الأعراف والتقاليد هي المتحكمة في عملية تنظيم ممارسة السلطة ومصدر هذه الأعراف والتقاليد هم الحكام ومن ثم فان الدستور الأمريكي الفيدرالي وقبله دساتير الولايات ومن أهمها دستور فرجينيا كان قد تضمن بعض الحقوق والحريات الأساسية أو الطبيعية.
أما في فرنسا فقد صدر أولاً إعلان للحقوق ثم صدر دستور 1791 الذي اعتبر الإعلان الصادر عام 1789 جزءاً منه، ومن ثم فقد بقي موضوع الضمانات أمراً مشكوكاً فيه طالما ان الإعلان بتفاصيله لم يكن في متن الدستور وقد تأثرت بعد ذلك دساتير العديد من الدول الأمريكية والدول والأوربية بالدستور الأمريكي والدساتير الفرنسية.
المرحلة الثانية: شهدت هذه المرحلة ظهور الدساتير في ألمانيا والأراضي المنخفضة وكان ورائها ثورتي عام 1830 الليبرالية وعام 1848 الاجتماعية في فرنسا إذ جاءت ثورة 1830 بدستور ملكي اعتمد النظام الليبرالي البرلماني بينما جاء دستور 1848 بمجموعة من المبادئ الاجتماعية.
المرحلة الثالثة: جسدت هذه المرحلة الدساتير التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى إذ انهارت إمبراطوريات ودول أدى إلى ظهور دول جديدة في العالم العربي وأوربا الوسطى، وهذه هي المرحلة ذاتها التي شهدت ظهور دول فاشيستية تميزت بتوجهاتها الاجتماعية التي انحسر فيها دور الفرد إذ قامت هذه الدول على تأليه الدولة فالفرد لا دور له ولا اعتراف به إلا في ضوء دوره المساند للدولة، وبالنتيجة تم تقليل دور الحريات الفردية في الدول الفاشيستية والنازية والبلشفية والاستعاضة عنها بمفاهيم الحريات ذات المضمون الجمعي، فالماركسية اللينينية تحدثت عن حماية الطبقية، والفاشيستية تحدثت عن حماية الأمة وصيانتها وإعلاء شانها لتحقيق مفهوم الأمة الرومانية، وفيما يتعلق بالنازية فان الأمر مرتبط بالاهتمام وتعظيم الشعب بمفهومه المنظم السامي لمجموعة متجانسة ومنسقة لا دور لحرية الفرد فيها في هذا الإطار كفرد.
ان هذه المرحلة طبقاً للتطبيقات المتقدمة عبرت عن تراجع في مفهوم الحريات العامة وضماناتها بالمقارنة مع المرحلة الأولى والحقيقة ان مضمون الحريات ذات الطابع الجمعي قد امتد الى البرتغال وإسبانيا والنمسا وبولندا بل حتى فرنسا التي لم تأمن من تدفق الأفكار الداعية إلى تبني حريات بمضمون جمعي على حساب المفهوم الفردي ولم تسلم من هذه الموجة إلا بريطانيا وبدرجة ما عندما تمسكت بالليبرالية.
المرحلة الرابعة: هي من أهم المراحل من جهة عدد الدساتير التي أشارت الى الضمانات للحريات الفردية إذ ظهرت العديد من الدول الجديدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وإنشاء منظمة الأمم المتحدة، وهذه المجموعة من الدساتير توزعت بين مجموعتين الأولى عبرت عن توجهات ليبرالية بينما عبرت المجموعة الثانية عن توجهات ماركسية، أما المجموعة الثالثة فقد احتوت مضامين مشتركة من المجموعتين، ومع ذلك فعوامل الاشتراك بقيت قائمة من جهة المضامين التي عبرت عنها مجموعة من دساتير هذه المرحلة فالدساتير الاشتراكية تبنت مفاهيم ليبرالية والعكس صحيح.
أما دساتير دول العام الثالث فان أغلب هذه الدساتير احتوت على حقوق وحريات ذات طابع ليبرالي وأخرى ذات طابع جمعي إلا ان الطابع الجمعي كان أكثر بروزاً نظراً لطابع الأنظمة السياسية، ويمكن القول ان دساتير دول العالم الثالث تنقسم إلى فئتين أو اتخذت مرحلتين هما:
الفئة الأولى: اتسمت هذه المرحلة بطابع الاستنساخ أو النقل من دساتير الدول المستعمرة ولهذا فقد أخذت دول العالم الثالث المتحررة حديثاً بالضمانات الدستورية من دساتير الدول الغربية المستعمرة لها من الناحية الشكلية وهذا ما سارت عليه موريتانيا وتشاد إذ انها أخذت أو هي تنطبق إلى حد كبير مع الدستور الفرنسي فمقدمات بعضها تكلمت بعبارات إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي وطرحت ذات الشعارات (حرية، إخاء، مساواة)
الفئة الثانية: عبرت عن هذه المجموعة دساتير تونس والجزائر والكاميرون والسنغال حيث أبرزت المضامين الاشتراكية فضلاً عن تبنيها لنظام الحزب الواحد كما ان تفاصيل الحقوق والحريات ذات الطابع الفردي لم تكن غائبة عن نصوصها مع غلبة التوجه الجمعي بسبب حرص هذه الدول على سيادتها والمفاهيم التي سادت في تلك المرحلة كمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وحق كل شعب في اختيار دستوره ونظامه السياسي وتراجعت على المستوى الفعلي الحريات الفردية بمفرداتها المعروفة في هذه الدساتير بسبب تأكيدها على مضامين جمعية حرصاً على الاستقلال وباسمه على حساب الحريات الفردية.
هوامش الفصل الثالث
1. غانم محمد صالح، المصدر السابق، ص 175-177
2. نعيم عطية، النظرية التقليدية في حقوق الأفراد العامة، مجلة المحاماة المصرية، العدد(1) 1953، ص63.
3. المصدر نفسه، ص63.
4. غانم محمد صالح، المصدر السابق، ص189.
5. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص25.
6. المصدر نفسه، ص26.
7. غانم محمد صالح، المصدر السابق، ص206-207.
8. المصدر نفسه، ص213.
9. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص26-27.
10. غانم محمد صالح، المصدر السابق، ص217 والهامش رقم (1).
11. المصدر نفسه، ص221.
12. المصدر نفسه، ص224.
13. مصطفى كامل ليلة، شرح القانون الدستوري، الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي، 1952، مصر، ص373-374.
14. أزهار عبد الكريم عبد الوهاب، المصدر السابق، ص6.
15. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص76.
16. أحمد جمال الظاهر، المصدر السابق، ص252-253.
17. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص77-78.
18. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص79.
أنظر ملخصاً لهذه الآراء في عبد الحميد متولي، الوجيز في النظريات والأنظمة السياسية ومبادئها الدستورية، الطبعة
الأولى، 1959، ص107-119.
19. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص81.
20. مصطفى كامل ليلة، المصدر السابق، ص374.
21. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص82-83.
22. ابدوريا، ترجمة نوري محمد حسين، المدخل إلى العلوم السياسية، النظريات الأساسية في نشأة الدولة، وتطور الأحكام والنظم والقوانين والدساتير في أهم دول العالم، الطبعة الأولى، بغداد، 1988، ص22.
23. إيسمن، ترجمة محمد عادل زعيتر، اصول الحقوق الدستورية، المطبعة المصرية، ص157.
24. أزهار عبد الكريم عبد الوهاب، المصدر السابق، ص8.
25. أبدوريا، المصدر السابق، ص16.
26. مصطفى كامل ليلة، المصدر السابق، 375.
27. ابدوريا، المصدر السابق، ص16.
28. المصدر نفسه، ص17.
29. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص254.
30. المصدر نفسه، ص254.
31. ابدوريا، المصدر السابق، ص20.
32. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص85-86.
33. احسان حميد المفرجي، محاضرات في القانون الدستوري ألقيت على طلبة المرحلة الأولى في كلية القانون/ جامعة بغداد، 1987-1988.
34. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص257.
35. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص87، 89-90.
36. المصدر نفسه، ص91.
37. المصدر نفسه، ص92-93.
38. المصدر نفسه، ص95.
39. المصدر نفسه، ص95.
40. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص257.
41. أنور أحمد رسلان المصدر السابق، ص95.
42. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص258.
43. احسان حميد المفرجي، المصدر السابق،
44. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص258.
45. أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص96.
46. المصدر نفسه، ص96.
47. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص258.
48. (هو أحد الأساتذة المرموقين في جامعة جلاسكو وكان صديقاً لديفيد هيوم حيث كان الطلبة يقصدونه من روسيا ومن أرجاء القارة الأوربية لسماع أحاديثه أضف إلى ذلك انه كان له شخصية مميزة فهو معروف بانه لا يتذكر شيئاً وغائب الذهن في معظم الأحيان، فقد روى ان صديقاً له قدم له كوباً من الزبدة والخبز المغليان وقد علق سميث على ذلك بعد ان شرب الكوب بأنه أسوء كوب شاي شربه في حياته. على الرغم من هذه الصفات فان هذا لم ينقص من قدرته في البحث والتأمل، وقد تركزت محاضراته على الفلسفة الاخلاقية وقد تضمنت آراءه الفلسفية في الدين الطبيعي والأخلاق والقانون التشريعي والاقتصاد السياسي).
49. المصدر نفسه، ص214-215.
50. المصدر نفسه، ص318.
51. المصدر نفسه، ص319.
52. نعيم عطية، النظرية التقليدية في حقوق الأفراد العامة، المصدر السابق، ص66.
53. آلان بالمر، ترجمة سوسن فيصل السامر، يوسف محمد أمين، موسوعة التاريخ الحديث، الجزء الأول، دار المأمون، ص105-106.
54. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص259-260.
55. المصدر نفسه، ص261.
56. سعد زيداني، إطلالة على الديمقراطية الليبرالية، المستقبل العربي، العدد 193، أيار-1990، ص16-17.
57. إيسمن، المصدر السابق، ص159.
58. نعيم عطية، النظرية التقليدية في حقوق الفراد العامة، المصدر السابق، ص63-64.
59. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص570.
60. أحمد أنور رسلان، المصدر السابق، ص104.
نعيم عطية، الأسس التقليدية لنظرية حقوق الأفراد العامة في الفكر الدستوري الفرنسي مجلة إدارة قضايا الحكومة العدد الثالث، 1976، ص572.
61. منذر الشاوي، مذاهب القانون، وزارة العدل، بغداد، 1986، ص38-39.
62. نعيم عطية، الأسس التقليدية لنظرية حقوق الأفراد العامة في الفكر الدستوري الفرنسي، المصدر السابق، ص570-571.
63. المصدر نفسه، ص572-573.
64. نعيم عطية، النظرية التقليدية في حقوق الأفراد العامة، المصدر السابق، ص66.
65. اسكندر غطاس، حقوق الانسان في الدول الاشتراكية، مجلة السياسة الدولية، العدد 39، 1975، ص54-55.
66. أنظر في مفهوم الحقوق والحريات العامة في نظم الديمقراطية الماركسية، أنور أحمد رسلان، المصدر السابق، ص120-150.
67. نعيم عطية، إعلانات حقوق الإنسان والمواطن في التجربة الدستورية الانكلوسكسونية، مجلة إدارة قضايا الحكومة، العدد الثاني، 1973، ص378.
68. المصدر نفسه، ص380-382.
69. نعيم عطية، إعلانات حقوق الإنسان والمواطن في التجربة الدستورية الانكلوسكسونية، المصدر السابق، ص382.
70. المصدر نفسه، ص382-383.
71. فيصل شطناوي، حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، الطبعة الثانية، 2001، ص41.
72. نعيم عطية، إعلانات حقوق الإنسان والمواطن في التجربة الدستورية الانكلوسكسونية، المصدر السابق، ص384.
73. المصدر نفسه، ص384.
74. المصدر نفسه، ص385.
75. المصدر نفسه، ص387-388.
76. المصدر نفسه، ص426-427.
77. المصدر نفسه، ص424-425.
78. أدمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، الدول وأنظمتها، الجزء الأول، الطبعة الثانية، بيروت، 1968، ص435.
79. فيصل شطناوي، المصدر السابق، ص45.
80. نعيم عطية، إعلانات حقوق الإنسان والمواطن في التجربة الدستورية الانكلوسكسونية، المصدر السابق، ص428-429.
81. المصدر نفسه، ص431-432.
ادمون رياط، المصدر السابق، ص444.
82. المصدر نفسه، ص445.
83. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، المصدر السابق، ص145.
84. فيصل شطناوي، المصدر السابق، ص46-47.
85. نعيم عطية، إعلانات حقوق الإنسان والمواطن في التجربة الدستورية الانكلوسكسونية، المصدر السابق، ص439-440.
86. ادمون رياط، المصدر السابق، ص446.
87. عبد الحميد متولي، الوجيز في النظريات والأنظمة السياسية ومبادئها الدستورية، ص333.
88. إسماعيل الغزال، القانون الدستوري والنظم السياسية، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1982، ص47.
89. مصطفى كامل ليلة، المصدر السابق، ص381.
90. المصدر فسه، ص381-382.
91. فيصل شطناوي، المصدر السابق، ص52.
92. مصطفى كامل ليلة، ص387.
93. المصدر نفسه، ص389.
94. فيصل شطناوي، ص53-54.
95. إسماعيل الغزال، المصدر السابق، ص269-270.
96. المصدر نفسه، ص271-272.
97. المصدر نفسه، ص272-278.
98. المصدر فسه، ص279.
99. فيصل شطناوي، المصدر السابق، ص61.
100. نعيم عطية، إعلانات حقوق الإنسان والمواطن في التجربة الدستورية الفرنسية،
المصدر السابق، ص1015.
101. المصدر نفسه، ص1007.
102. المصدر نفسه، ص1016-1017.
103. حسان محمد شفيق العاني، الحريات العامة، محاضرات ألقيت على طلبة الماجستير
في كلية القانون/ جامعة بغداد في السنة الدراسية 1996-1997.
104. عثمان خليل، القانون الدستوري، الكتاب الأول، القاهرة، 1956، ص136.
105. المصدر نفسه، ص136.
106. نعيم عطية، إعلانات حقوق الإنسان والمواطن في التجربة الدستورية الفرنسية،
المصدر السابق، ص1018-1019-1020.
107. إسماعيل الغزال، المصدر السابق، ص293.
108. حسان محمد شفيق، نحو تصنيف جديد للحريات العامة، مجلة القانون المقارن،
ص55.
الفصل الرابع
أشكال وصور حقوق الإنسان والترابط بينها
توجد قائمة طويلة من الحقوق والحريات الأساسية التي تضمنتها الإعلانات والدساتير والتشريعات العادية الصادرة في دول العالم المتعددة، فهناك أولاً الحريات والمراد بها حقوق الإنسان التقليدية التي تمتنع فيها الدول عن التعرض للأفراد طالما هي تمثل مراكز قانونية يمارس الأفراد من خلالها خصائصهم الذاتية بقصد إشباع حاجاتهم الخاصة وقد عبرت عن هذه الحريات بصورة أساسية قائمة حقوق الإنسان والمواطن في الدساتير وإعلانات الحقوق التي بدأت بالظهور منذ أواخر القرن الثامن عشر، وهناك من جهة أخرى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حيث لا تقف الدولة في مواجهة هذه الحقوق موقفاً سلبياً من الأفراد كما هو حالها في الحريات، لكنها ملزمة باتخاذ مواقف ايجابية تتمثل بتقديم الخدمات المختلفة في مرافق الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي وهذه مجموعة من الحقوق بدأت تحتل مكاناً بارزاً في قائمة حقوق الإنسان منذ نهاية الحرب العالمية الأولى نظراً لتطور فكرة الحرية من كونها مجرد فكرة تستهدف تحطيم العوائق إلى فكرة تعمل على تنمية الكرامة الإنسانية وهذا كله نتيجة للترابط الذي ظهر بين فكرة الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية.(1)
ومع تطور الحياة ونمو المجتمع أضيفت حريات وحقوق أخرى للإنسان لم تكن إعلانات الحقوق والدساتير الأولى قد تضمنتها، ومن هنا فإنه سيصبح من الضروري التعرض لتفاصيل الحقوق والحريات المعروفة في بعض الدساتير ومنها الدساتير العراقية مع تحديد مضمونها أو معناها، فضلاً عن التطرق لتفاصيل هذه الحقوق والحريات في المعاهدات الدولية، أي على مستوى القانون الدولي لحقوق الإنسان في المبحثين الآتيين:
المبحث الأول- تصنيف الحقوق والحريات ودور الدولة في تحقيقها.
المبحث الثاني- صور الحقوق والحريات.
المبحث الأول
تصنيف الحقوق والحريات ودور الدولة في تحقيقها
ان وضع تصنيف للحقوق والحريات أمر لم يكن محل اتفاق في النظرة إلى هذا الموضوع بين القانونيين كما ان دور الدولة قد شهد تطوراً في هذا المجال.
وعموما تتضمن تسمية الحقوق والحريات امتيازات الافراد في مواجهة السلطة العامة من ناحية ، وعموميتها وتمتع جميع الافراد بها بصفة عامة وبدون تفرقة او تمييز بين المواطنين والاجانب من ناحية اخرى . (2)
والحقوق الحريات العامة عموما هي مراكز قانونية للافراد تمكنهم من مطالبة السلطة بالامتناع عن القيام بعمل مافي بعض المجالات ، او هو التزام السلطة بغل يدها عن التعرض للنشاط الفردي في بعض نواحيه المادية .(3)
وفكرة الحقوق والحريات العامة فكرة نسبية يختلف مضمونها بأختلاف الزمن وتبعا لطبيعة النظام السياسي القائم .
ففي ظل المذهب الفردي كانت الحقوق والحريات هي الحقوق والحريات الطبيعية التي يكتسبها الفرد بولادته وهي لصيقة به ولاتنفصل عنه . ووظيفة الدولة في هذا النظام تقتصر على حماية هذة الحقوق والحريات وضمان عدم المساس بها تماشيا مع وظيفتها الوحيدة في حراسة الامن الداخلي والخارجي .
اما في ظل المذهب الاشتراكي فقد تطورت فكرة الحقوق والحريات بحكم تطور وظيفة الدولة التدخلية فصار على الدولة ان تتدخل لتوفير اغلب تلك الحقوق كحق الافراد بالضمان الصحي والاجتماعي وتوفير العمل والتي عرفت فيما بعد بالحقوق الاجتماعية .
ولم تعد تقتصر وظيفتها على توفير الحقوق والحريات الفردية والتي تلقى على الدولة واجبا سلبيا بالامتناع عن التدخل فيها , الا ان هذا التدخل كان في كثرة من الاحيان على حساب الحقوق السياسية وحق الملكية .
ازاء ذلك اخذت الكثير من الدول موقفا وسطا بين النظم الفردية والاشتراكية وعالجت مساوئ المذهب الفردي من خلال توسيع مجالات تدخل الدولة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي دون ان يصل هذا التدخل الى حد الغاء الملكية الفردية الخاصة . (4)
وخلصت النظم الاقتصادية الى اقرار تدخل الدولة ايجابيا لتوفير الحقوق الاجتماعية للافراد بالاضافة الى دورها السلبي في الامتناع عن المساس بالحقوق والحريات التقليدية .
المطلب الأول
تصنيف الحقوق والحريات
اختلف الفقه في الاساس الذي يتم فيه تصنيف الحقوق والحريات العامة وسلكو في ذلك
مذاهب شتى ومن ابرز هذة التقسيمات:
اولاً:- تقسيم ايسمان
ذهب ايسمان الى ان حقوق الافراد وحرياتهم تتضمن فرعين رئييسين هما :
الفرع الاول :الحريات ذات المضمون المادي : وهي تلك التي تتعلق بمصالح الافراد المادية ومنها حرية الامن ،والتنقل ، والملكية ، والمسكن ، والتجارة ، والصناعة .
الفرع الثاني :الحريات ذات المضمون المعنوي : وهي تلك الحريات التي تتضمن حرية العقيدة ، والعبادة ، وحرية الصحافة ، وحرية الاجتماع ، وحرية التعليم ، وحرية تكوين الجمعيات.
ولم يسلم هذا التقسيم من النقد من حيث انه لا يرتب اية نتائج قانونية او مزايا عمليه من جهة ولانه غير منطقي من جهة اخرى فهو يضع الحريات الفردية داخل اطار الحريات المادية لاسيما الحق في الامن .(5)
كما ان هذا التقسيم قد تجاهل الحقوق الاجتماعية كحق العمل والضمان الاجتماعي والصحي . (6)
ثانياً :-تقسيم دوجي :
يميز دوجي بين نوعين من الحريات ايضاً هما :
النوع الاول: يشمل الحريات السلبية وهي التي تظهر في صورة قيود على سلطة الدولة .
النوع الثاني :فيتضمن خدمات ايجابية تقدمها الدولة للافراد . (7)
ثالثاً:- تقسيم هوريو :
يقسم هوريو الحقوق والحريات الى ثلاثة اقسام يطلق على القسم الاول الحريات الشخصية ، وتشمل الحريات الفردية والحرية العائلية وحرية التعاقد وحرية العمل .
اما القسم الثاني ويسمى الحريات الروحية او المعنوية ويتضمن حرية العقيدة والتدين وحرية التعليم وحرية الصحافة وحرية الاجتماع في حين يحتوي القسم الثالث على الحريات المنشأه للمؤسسات الاجتماعية وهي الحريات الاجتماعية والاقتصادية والنقابية وحرية تكوين الجمعيات . (8)
رابعاً :- تقسيم بيردو :
قسم الاستاذ بيردوا الحريات الى اربعة مجموعات رئيسية هي :ـ
1- الحريات الشخصية البدنية وتتضمن حرية الذهاب والاياب وحق الامن وحرية الحياة الخاصة .
2- الحريات الجماعية وتشمل حق الاشتراك في الجمعيات وحرية الاجتماع وحرية التظاهر .
3-الحريات الفكرية وتشمل على حرية الرأي وحرية الصحافة وحرية التعليم والحرية الدينية .
4- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية : وتحتوي على الحق في العمل والملكية وحرية التجارة والصناعية.(9)
وعلى أي حال فأنه على الرغم من اختلاف الفقهاء في تقسيم الحقوق و الحريات فأنهم يشملون كافة الحقوق والحريات في ضمن تقسيماتهم تلك. وعموما يمكن تقسيم الحقوق والحريات من خلال تتبع المراحل التاريخية التي مرت بها طبقا للتفصيل الاتي:
الفرع الأول- التصنيف التقليدي للحقوق والحريات (الجيل الأول)
استند التصنيف التقليدي للحقوق والحريات إلى نظريتا القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي اللتان أكدتا على الطابع الفردي للحقوق والحريات في مواجهة الدولة، فالحرية الفردية هي الأصل وهذا ما يؤكد عليه (لوك) الذي يعرفها (بالحق المطلق في تقرير الفرد لمصيره وشؤونه)، فالفكر الغربي في عصر التنور (القرن الثامن عشر) الذي أكد فلاسفته على أهمية احترام الفرد باعتباره فرداً أو أنسانا، ومع انهم سلموا بضرورة وجود الدولة لكن على أساس احترامها للحقوق والحريات الفردية، وهذا ما يتحقق إذا لم تتدخل الدولة في تنظيم أمور المجتمع إلا في نطاق الحد الأدنى وعلى هذا الأساس يفهم تعريف (جون ستيوارت مل) للحرية إذ يذكر انها (الحد من سلطة الحاكم).
وبالاستناد لمل تقدم كرس إعلان حقوق الإنسان المواطن الصادر عام 1789 هذه الأفكار في معالجة الحقوق والحريات حيث أقرت المادة الثانية منه صراحة ان هدف كل تشكيل سياسي هو الحفاظ على الحقوق الطبيعية للإنسان التي لا يمكن إلغائها وقد أكدت الكتابات القانونية اللاحقة الفكرة المتقدمة التي مضمونها ان الحقوق والحريات الطبيعية هي لصيقة بالفرد عندما لا يكون هناك مجال لتدخل الدولة في شؤونه أي عندما لا تكون الدولة طرفاً فيها وقد ذهبت التقسيمات التقليدية المستمدة من المفاهيم المتقدمة إلى بيان الحريات ذات الطابع المادي والحريات ذات الطابع الروحي، وهناك تقسيمات أخرى سلمت بوجود حريات أساسية وحريات ثانوية أو غير أساسية.(10)
عليه فان الجيل الأول من الحقوق والحريات يراد بها مجموعة الحقوق السياسية والمدنية التي هي حقوق في مجموعها تتحقق بمجرد الامتناع عن الاعتداء عليها سواء من جانب السلطة العليا أو من أية جهة أخرى، ومثالها الحق في الحياة وحرية الرأي والتعبير.(11)
الفرع الثاني- التصنيف الحديث للحقوق والحريات (الجيل الثاني)
ظهر هذا المفهوم في بيئة مختلفة عن بيئة الجيل الأول من الحقوق والحريات التي طالب بها الإنسان فبعد ان تحولت المجتمعات في بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى مجتمعات صناعية وما رافق ذلك من خلق تجمعات سكانية مكتظة والمطالبة بظروف معيشة أفضل، وهو ما أدى إلى ظهور مضامين جديدة للحقوق والحريات ارتبطت بالمساواة السياسية فطالب المواطنون بالعدالة الاجتماعية من خلال توفير فرص العمل والتعليم والرعاية الاجتماعية، فالمطالبات المقدمة ارتبطت بالمجموع ولم تعد تؤكد على الفرد، وهذا يعني ان المضمون الحديث قد تحول إلى المطالبة بالحصول على عطاء، أو امتياز من الدولة ليشمل المجتمع بالرعاية والاهتمام وليس الفرد بهذا الوصف.(12)
إذن الجيل الثاني من الحقوق والحريات يراد بها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كالحق في العمل، والحق في المسكن والملبس، والحق في الغذاء، والرعاية الصحية، والتعليم ودور الدولة هو دور ايجابي فهي مطالبة بتحقيق هذه الحقوق وليس دوراً سلبياً كما هو الحال في حقوق وحريات الجيل الأول التي تكون الدولة مطالبة فقط بعدم الاعتداء عليها.(13)
الفرع الثالث- حقوق وحريات الجيل الثالث
اقترنت حقوق وحريات الجيل الأول بالفرد، بينما اهتمت حقوق وحريات الجيل الثاني بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أما حقوق وحريات الجيل الثالث فقد اقترنت بالدور الذي تلعبه الأمم المتحدة طبقاً لميثاقها وهذه الحقوق يرتبط بعضها بالفرد بينما يرتبط البعض الآخر بالجماعة، لكن ليس ضمن مفهوم الدولة القومية وإنما ينصرف الاهتمام بها إلى سائر البشر متخطياً الدولة القومية ليشمل الإنسانية كلها، وهي حقوق وليدة التطور القانوني على المستوى الدولي، والمثال على هذه الحقوق الحق في السلام، والحق في بيئة نظيفة، والحق في التنمية، وهذه الحقوق تفرض دوراً ايجابياً على كل الأطراف المعنية وهي الشعوب، والحكومات، والمجتمع الدولي.(14)