المدخل لدراسة حقوق الإنسان… الدكتور مازن ليلو راضي… الدكتور حيدر أدهم عبد الهادي (9)
وكان يتم تعيين المدعي العام السوفيتي بواسطة السوفيت الاعلى لمدة سبع سنوات ويمثل السوفيت اعلى هيئة سياسية ممثلة للشعب هناك ويشرف هذا المدعي العام على المدعين العامين على اختلاف مستوياتهم في البحث والامن القومي ومعسكرات العمل وتحدد لائحة الادعاء العام المؤهلات القانونية والخبرة المتطلبة للتعيين في وظيفة الادعاء العام .
يتضح من هذا السرد ان هذا النظام يتمتع بالكثير من الاختصاصات التي تمكنه من الرقابة على اعمال الادارة وضمان مطابقة اعمالها وتصرفاتها للقانون وهو في ذلك يعد مساعدا للقضاء في ذلك الامر وحاميا للافراد من خلال حفاظه على مبدأ الشرعية اللازمة لحماية حقوقهم وحرياتهم رغم ما يكشف عمله بعض الأحيان من عدم ألزام آراءه للإدارة وعدم قدرته على تغير مسلكها اذا ما اصرت على رأيها . وللأهمية التي كان يتمتع بها هذا النظام في الاتحاد السوفيتي نجد ان دستور عام 1993 الروسي قد أبقى عليه رغم تفكك الاتحاد السوفيتي.
المبحث الثالث
الضمانات الواقعية لاحترام حقوق الانسان
الى جانب الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية وحقوق وحريات الافراد هناك ضمانات واقعية غير منظمة تعزز دور الضمانات القانونية التي قد تعجز احياناً عن توفير الحماية اللازمة للدستور واحترام حقوق الافراد وحرياتهم وتتمثل هذه الضمانات في رقابة الرأي العام ومقاومة الطغيان .
المطلب الاول
رقابة الرأي العام
يراد بمصطلح الرأي العام مجموعة الآراء التي تسود مجتمع معين في وقت ما بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحهم العامة والخاصة (32).
ان رقابة الراي العام تعد في الواقع العامل الرئيس في ردع الحكام واجبارهم على احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات للافراد فكلما كانت هذه الرقابة قوية كلما كان التقيد بالدستور قوياً . وكلما كانت رقابة الرأي العام ضعيفة او منعدمة كلما ضعف تبعاً لذلك احترام الدستور .
إذ إن احترام القواعد الدستورية انما يرجع الى مراقبة الافراد لحكامهم ، إلا ان هؤلاء لا يمكنهم التأثير على تصرفات الحكام ما لم يكن رايهم مستنيراً ناضجاً ومنضماً من جهة اخرى .
ومن الواضح ان هذا النوع من الرقابة له الاثر البالغ في الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية ومنعها من التعسف في استعمال السلطة غير ان هذا الطريق لا يتسع تأثيره إلا في الدولة التي تكفل حرية التعبير والتي يبلغ فيها الرأي العام من النضج ما يؤهله القيام بواجب الرقابة وعدم الخضوع لمصالح فئات معينة تسخر الارادة الشعبية والرأي العام لتحقيق اهدافها ومصالحها الخاصة فتفقد بذلك حقيقة تعبيرها عن المصلحة العامة .
ويشترك في تكوين الرأي العام مختلف الهيئات والتنظيمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والاحزاب عن طريق طرح افكارها والدعوة اليها في مختلف الوسائل التي تؤدي الصحافة والوسائل السمعية والبصرية دوراً كبيراً في نشرها وتعبئة الجماهير وتوجيههم من خلالها .
اولاً : مؤسسات المجتمع المدني .
برز مفهوم المجتمع المدني في اطار افكار ورؤى بعض المفكرين والفلاسفة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي تعتمد افكارهم اساساً على ان الانسان يستمد حقوقه من الطبيعة لا من قانون يضعه البشر وهذه الحقوق لصيقة به تثبت بمجرد ولادته . وان المجتمع المتكون من اتفاق المواطنين قد ارتأى طواعية الخروج من الحالة الطبيعية ليكون حكومة نتيجة عقد اجتماعي اختلفوا في تحديد اطرافه.
والمفهوم المستقر للمجتمع المدني يقوم على اساس انه مجموعة المؤسسات والفعاليات والانشطة التي تحتل مركزاً وسطياً بين العائلة باعتبارها الوحدة الاساسية التي ينهض عليها البنيان الاجتماعي والنظام القيمي في المجتمع من ناحية والدولة ومؤسساتها واجهزتها ذات الصبغة الرسمية من جهة اخرى(33) .
وبهذا المعنى فان منظمات المجتمع المدني تساهم بدور مهم في ضمان احترام الدستور وحماية حقوق الافراد وحرياتهم وتمثل الاسلوب الامثل في احداث التغيير السلمي والتفاهم الوطني مع السلطة في سبيل تعزيز الديمقراطية وتنشئة الافراد على اصولها وآلياتها. فهي الكفيلة بالارتقاء بالفرد وبث الوعي فيه وتعبئة الجهود الفردية والجماعية للتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم احترام الدستور وسيادة القانون.
ثانياً :- وسائل الاعلام .
تلعب وسائل الاعلام دوراً سياسياً مهماً يساهم في تعبئة الرأي العام الشعبي من خلال كتابات واقوال المفكرين والصحف والفضائيات المرأية والمسموعة والاجتماعات والندوات التي تساهم في اطلاع الجماهير على المشاكل الاكثر إلحاحاً والتي يتعرض لها المجتمع وتكون مراقب جماعي لصالح الشعب من خلال انتقاد سياسات الحكام وكشف فضائحهم وفسادهم وانتهاكهم لسيادة القانون(34) .
ثالثاً :- الاحزاب السياسية .
من اساسيات العمل الديمقراطي ان تسعى الاحزاب السياسية الى تحقيق الاتصال الجماهيري . فالدور الاساسي الذي تقوم به الاحزاب السياسية هو السعي للحصول على تأييد الافراد لبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعد بتنفيذها اذا ما وصلت الى السلطة عبر الانتخاب . وحتى تحقيق ذلك تبقى الاحزاب مراقبة لعمل الحكومات لضمان احترامها للدستور وسيادة القانون .
المطلب الثاني
مقاومة طغيان السلطة
قد لا تؤدي الضمانات القانونية دورها في حماية حقوق الافراد وحرياتهم ويتمادى الحكام في انتهاك الدستور اما لضعف المؤسسات القانونية او لسيطرة الحكام عليها . مما يستدعي رد فعل شعبي لردع السلطات عن تعسفها وجورها .
وقد حفل تاريخ الشعوب بكثير من الثورات والانقلابات فما مدى مشروعية مقاومة الطغيان لضمان احترام القواعد الدستورية وحقوق الافراد وحرياتهم ؟
الفرع الاول : موقف الفكر السياسي من حق مقاومة الطغيان .
كان الخضوع للسلطة يمثل فضيلة وواجب في الديانة المسيحية ، ففي رسالة ( بولس الرسول) الى اهل روما يقول (لتخضع كل نفس للسلطات العليا ، فما السلطان إلا لله والسلطات القائمة على الارض انما هي من امره ، فمن يعص السلطات الشرعية فأنما يعصي الرب ومن يعصها حلت عليه اللعنه ..))(35) .
وان التزام المسيحي بطاعة الحكام مبدأ راسخ لا يمكن انكاره إلا إن هذه الطاعة قد تدرجت من كونها طاعة عمياء مطلقة حتى اصبحت مشروطة بفعل الاراء التي قال بها الفقهاء ورجال الدين المسيحيون(36) .
وكان اول من خرج على نظرية الطاعة العمياء الفقيه ورجل الدين ((جون نوكس)) الذي ذهب الى ان من واجب المسيحي تصحيح وقمع اي خروج من الملك على كلمة الرب وشرفه ومجده ، ((فهو يقول ان القول بأن الله امر بطاعة الملوك عندما يفتقدون التقوى والصلاح لا يقل تجديفاً عن القول بأن الله بسنته هو المبدع والمحافظ على كل جور)).(37) .
وبذلك دافع جون نوكسن عن حق مقاومة الطغيان والخروج على طاعة السلطان الظالم بل انه جعل ذلك واجباً دينياً واخلاقياً يلتزم به المسيحي فالحاكم يكون مطاعاً ما كان قائماً بواجباته الدينية والدنيوية وفق ما تمليه عليه العدالة والايمان فأذا انحرف عن ذلك كان الافراد في حل من طاعته واصبح واجباً عليهم ان يخلعوه .
اما في الشريعة الاسلامية فقد اكد القرآن الكريم على واجب طاعة الله ورسوله واولي الامر قال تعالى (( يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ))(8 3) ويظهر من هذه الاية الكريمة ان طاعة اولي الامر واجبه . وفي حديث للرسول (( من اطاعني فقد اطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن اطاع اميري فقد اطاعني ومن عصى اميري فقد عصاني)).(39)
لكن السؤال ما حدود هذه الطاعة وهل هي مقيدة ام لا ؟
ذهب الجانب الاكبر من الفقهاء المسلمون الى القول بان الاسلام حينما اوجب على الرعية ان تطيع اميرها لم يأمر بان تكون هذه الطاعة عمياء ، وانما حددها في اطار دائرة معينة لا تخرج عنها ، فطاعة الامير واجبة ما دام مؤمناً محافظاً على المصالح التي يحميها الاسلام.(40)
والاصل ان يأمر الحاكم المسلم الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر وينشر العدل والفضائل بينهم فان فعل ذلك استحق الطاعة من رعيته ، اما اذا خالف ذلك حرمت طاعته.
ضوابط مقاومة الطغيان في الشريعة الاسلامية .
اذا وجبت طاعة الحاكم القائم بأمور الحكم في الشريعة الاسلامية فان مقاومته وبلا سبب ظاهر يعد جريمة (( حرابة)) لان ذلك يعد افساداً في الارض . وعليه فيحرم على الرعية او أي فرد من افرادها ان تعص امر الحاكم المسلم اذا كان هذا الامر اجتهادياً وان كان يخالف رأيه.
اما اذا خرج الحاكم عن اصول الحكم وعاث فساداً في امور الدين والرعية فان طاعته غير واجبة وتجوز مقاومته وفق قيود معينة حفاظاً على اقامة الامن والاستقرار في المجتمع ، وانقاذه من الفتنة وما تجره على الامة من ويلات .
فقد تدرج الفقهاء في كيفية الخروج على الامير ودرجة مقاومته بحسب كل حال وحسب التدرج الآتي :-
أ- انكار القلب من الاعتزال : اول رد فعل على المنكر هو انكار القلب ولا يعذر المسلم بتركه لقول الرسول “ص” ( من راى منكم منكراً فليغره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان) .
ب- انكار اللسان : من اكبر الجهاد عند الله الكلمة عند السلطان والسكوت على هذه الكلمة مشاركة في المعصية.
ج- اسقاط حق الطاعة والامتناع عن تنفيذ الامر : اذا لم تجد الوسيلتان السابقتان يمتنع المسلم عن تنفيذ امر الحاكم تبعاً لقدر المعصية التي ارتكبها الحاكم .
د- الخروج على الحاكم : بعد استنفاذ الوسائل السابقة يكون من الواجب الثورة على الحاكم والخروج لعزلة بشرط الاستطاعة على الخروج والقدرة على النجاح .
الفرع الثاني : موقف الوسائل الدستورية القانونية من حق مقاومة الطغيان .
من الصعب ان تتضمن الدساتير والقوانين الاعتراف للافراد بحق مقاومة السلطة على الرغم من اعتراف بعض نصوص اعلانات الحقوق بذلك ومنها العهد الاعظم في انكلترا سنة 1215 واعلان الحقوق الامريكي 1776 والاعلانات الفرنسية لعامي 1789 (المادة2) ولعام 1793 في المواد 33و34 .
بل نجد ان من النظم الوضعية قد جرمت الثورة ومحاولات الانقلاب باعتبارها عنف سياسي غير مشروع . لشل ارادة الجماهير في السعي للتغيير السياسي والاجتماعي . فقد يلجأ الافراد الى المقاومة بقصد اقصاء الحكومة وتولي السلطة او تصحيح مسارها فيقعون تحت طائلة القانون الذي يجرم ذلك باعتباره جريمة سياسية في منظور القانون الداخلي .
إلا إنه واستثناءً من هذا المنع هناك بعض المظاهر المشروعة لمقاومة الطغيان من قبيل :
أ- المظاهرات العامة : وتكون لمطالب محددة او احتجاجاً على وضع معين وقد اعترفت الكثير من الدساتير بحق الافراد في التظاهر السلمي .
ب- حق الاضراب: وهو حق العمال او الموظفين بالامتناع عن تأدية عمالهم او وظائفهم بصفة مؤقتة تعبيراً عن عدم الرضا عن امر من الامور او لحمل السلطة على تلبية طلباتهم دون ان تنصرف نيتهم الى ترك العمل نهائياً
وحق الاضراب من الحقوق السياسية التي اعترفت بها بعض الدول إلا انه ليس هناك موقف موحد بشأنه ومدى مشروعيته فهنالك من الدول التي تسمح به بحدود ضيقة ومنها فرنسا وكندا والمكسيك ومن الدول التي تحرمه بريطانيا والولايات المتحدة وسويسرا وبلجيكا .
ومن الدول العربية التي تحرمه جمهورية مصر العربية التي تجرم الاضراب وتجعل عقوبته الاشغال الشاقة المؤبدة(41) ) والعراق الذي يعاقب في الماده 364 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969بالحبس مده لاتزيد على سنتين وبغرامه لاتزيد على مئتي دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل موظف اومكلف بخدمه عامه ترك وظيفته ولو بصورة الاستقاله او امتنع عمدا عن واجب من واجبات وظيفته او عمله متى كان من شان الترك او الامتناع ان يجعل حياة الناس اوصحتهم او امنهم في خطر وكان من شان ذلك ان يحدث اضطرابا او فتنه بين الناس او اذا عطل مرفقا عاما.
وقد عد هذا القانون ارتكاب هذا الفعل بالاتفاق من ثلاثة اشخاص او اكثر ضرفا مشددا .
هوامش الفصل الخامس
1- د. اسماعيل مرزة – مبادئ القانون الدستوري والعلوم السياسية – النظرية العامة في الدساتير – الطبعة الثالثة ، 2004 ، ص169 .
2- د. احسان المفرجي ، نظرية الدستور ، ص173 .
3- د. احسان المفرجي ، المصدر السابق ، ص175 .
4- جيروم أ. بارون و س. توماس دينس ، الوجيز في القانون الدستوري ، المبادئ الاساسية للدستور الامريكي ، الجمعية المصرية لنشر المعرفة ، 1980 ، ص51 .
5- جيروم أ. بارون ، المصدر السابق ، ص52 .
6- د. اسماعيل مرزا ، المصدر السابق ، ص180 .
7- د. ابراهيم عبد العزيز شيحا ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، 2000 ، ص756.
8- د. اسماعيل مرزا ، المصدر السابق ، ص93 .
9- د. احسان المفرجي ، المصدر السابق ، ص182 .
10- د. محسن خليل ، القضاء الاداري ورقابته لاعمال الادارة ، القاهرة 1968 ، ص77.
11- د. عبد القادر باينه ، القضاء الاداري الاسس العامة والتطور التاريخي ، دار توبقال للنشر ، المغرب ، 1985 ، ص40 .
12- د. مازن ليلو راضي ، القضاء الاداري ، دراسة الاسس ومبادئ القضاء الاداري في الاردن ، دار قنديل ، عمان – الاردن ، 2005 ، ص60 .
13- د. عبد الغني بسيوني – القانون الاداري – منشأةى المعارف 1991 ، ص 931 .
14- د. محمود ابو السعود حبيب – القانون الاداري – ص386 .
15- صبيح بشير مسكوني – القضاء الاداري – جامعة بنغازي ، 1974 ، ص71 .
16- للمزيد ينظر : د. احمد مدحت – نظرية الظروف الاستثنائية – القاهرة – 1978 – ص129 .
17- عبد القادر باينه – القضاء الاداري الاسس العامة والتطور التاريخي دار توبقال المغرب – ص28 .
18- د. احمد مدحت علي – نظرية الظروف الاستثنائية – القاهرة – 1978 – ص192 .
19- د.حمدي عبد المنعم –نظام الامبودسمان او المفوض البرلماني –مجلة العدالة – 1981ص61 .
20- د.مازن ليلو راضي – نظام الامبودسمان ضمانة لحقوق الافراد وحرياتهم – مجلة القادسية مجلد 3 عدد 2- 1998 -249 .
21- في 24/9/1970 قدم احد اعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية مشروعا لانشاء لجنة عليا للدفاع عن حقوق الانسان ويحتوي هذا المشروع العديد من اختصاصات الامبودسمان السويدي الا ان هذا المشروع لم يحظ بالموافقة اللازمة لاصدار.
22- وفي عام 1972 قدم عضوا اخر مشروعا جديد معدلا اسماه الوسيط وتمت الموافقة على هذا المشروع فصدر في 3-1-1973 .
23- د. محمد انس قاسم جعفر – نظام الامبودسمان السويدي مقارنا بناظر المظالم والمحتسب في الاسلام – مجلة العلوم الادارية القاهرة 14 لسنة 1975 – ص78 . هذا وبموجب تعديل الدستور السويدي لعام 1971 اصبح الامبودسمان ينتخب من 48 عضوا في مجلس واحد .
24- د. حمدي عبد المنعم – المصدر السابق – ص63 .
25- د. محمد انس قاسم جعفر – المصدر السابق –ص82 .
26- د. جابر جاد نصار – مستقبل نظام المدعي العام الاشتراكي في النظام القضائي المصري – بحث مقدم الى المؤتمر السنوي الثامن لجامعة المنصورة –ص35 .
27- مجموعة احكام محكمة القيم – العدد الثالث 1987 – جهاز المدعي العام الاشتراكي –ص146. اشار اليه د.جابر جاد نصار –المصدر السابق –ص28.
28- د. حاتم علي لبيب جبر – نظام المفوض البرلماني في اوربا – مجلة المعاصرة – ص941 .
29- د. ليلا تكلا– نظام الامبودسمان – المجلة الانجلو مصرية -1979 – ص29.
30- حاتم علي جبر ص939 .
31- د. علي محمد بدير – الوسيط في النظام القانوني الفرنسي – مجلة العلوم القانونية – كلية القانون – جامعة بغداد – المجلد 11 ع2 1996 ص86 .
32- لاري الويتز ،ترجمة جابر سعيد ,نظام الحكم في الولايات المتحده الامريكيه, الجمعيه المصريه لنثر المعرفه, 1996 ص 46.د د. عبد الحميد اسماعيل الانصاري ، نحو مفهوم عربي اسلامي للمجتمع المدني ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2002 ، ص18 .
33- د.عبد الحميد اسماعيل الانصاري, نحو مفهوم عربي اسلامي للمجتمع المدني . دار الفكر العربي ,القاهره 2002, ص18
34- للمزيد ينظر : لاري الويتز ، المصدر السابق ، ص66 .
35- رسالة بولس الرسول الى اهل روما ، الاصحاح 13 ، الكتاب المقدس .
36- ول ديورنت ، قصة الحضارة ، الجزء الثالث ، المجلد الثالث ، قيصر والمسيح ، ترجمة محمد بدران ، ص370.
37- جورج سباين ، تطور الفكر السياسي ، دار المعارف ، مصر الكتاب الثالث ، ص512.
38- سورة النساء ، الآية 59 .
39- د. صبحي عبده سعيد ، الحاكم واصول الحكم في النظام الاسلامي ، دار الفكر العربي ، 1985 ، ص191 .
40- د. محمد عبد القادر ابو فارس ، النظام السياسي في الاسلام ، ط3 ، 1986 ، ص561 .
41- د. ماجد راغب الحلو ، القانون الاداري ، 1988 ، ص30 -31 .
الفصل السادس
الحماية الدولية لحقوق الإنسان
إذا كانت القوانين الداخلية قد اهتمت بحقوق الإنسان بقصد توفير وسائل حماية فعالة لها، فان النظام القانوني الدولي قد فعل الشيء نفسه بعد ان تكونت القناعة لدى دول العالم المختلفة ونظراً لما عاناه الإنسان في القرن العشرين تحديداً من ويلات وآلام نتجت عن حربين عالميتين فقد بدء اهتمام القانون الدولي بالفرد من خلال صيغ وأشكال مختلفة منها الاهتمام بتفاصيل الحقوق والحريات التي نادى بها المفكرون والفلاسفة وتبنتها الدساتير واعلانات الحقوق فضلاً عن خلق آليات للحماية مقررة لمصلحة الفرد في مواجهة الدولة، والحقيقة ان كل هذا العمل قديم طبقاً للوسائل الدولية، أي الأساليب التي يعبر بها النظام القانوني الدولي عن أفكار واتجاهات أشخاصه وهم الدول والمنظمات الدولية فكانت المعاهدات والأعراف والمبادئ العامة للقانون التي أقرتها الأمم المتمدنة.
ان البوادر الأولى لوجود نوع من الحماية لحقوق الإنسان دولياً محددة الأهداف وذات فكرة واضحة قد ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، وهذا أمر ارتبط حتى قبل هذا التاريخ بتحديد مركز الفرد في القانون الدولي.
وبقصد توضيح الجوانب المختلفة لتطور الحماية الدولية لحقوق الإنسان سنقوم بالبحث في هذه الجوانب أو المظاهر المتعددة طبقاً للمباحث الآتية:
المبحث الأول
تطور موقف القانون الدولي من الفرد وحقوقه
لم يكن الموقع الذي يشغله الفرد حالياً في النظام القانوني الدولي قد حصل عليه دفعة واحدة، فالقانون التقليدي الذي ينظم العلاقات بين الدول لم يكن يسمح للفرد بأية مساحة ولو كانت محدودة في بنيانه إلا ان المسالة لم تعد كذلك مع بدايات القرن العشرين، وقد تجلت أولى ملامح هذا التغيير بعد انشاء عصبة الأمم التي لعبت دوراً في مجال التعامل مع الشخصية الإنسانية، ومن ثم سنتعرض في هذا المبحث للوضع القانوني الذي يتمتع به الفرد في ظل النظام القانوني الدولي التقليدي والتطورات التي حدثت في عهد عصبة الأمم.
المطلب الأول
موقع الفرد في النظام القانوني الدولي التقليدي
ظلت الدولة القومية منذ إبرام معاهدة صلح وستفاليا عام 1648 هي اللاعب المباشر والوحيد على مستوى العلاقات الدولية باعتبارها الشخص الوحيد للقانون الدولي وما يعنيه ذلك من القدرة على التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات التي يفرضها النظام القانوني الذي يحكم العلاقات بين الدول، وقد ترتب على هذا الأمر حقيقتين: الأولى ان الدولة كانت تصنع قواعد القانون الدولي وتخضع لها، والثاني ان مبدأ السيادة كان يعتبر طيلة هذه الفترة هو المبدأ الأساسي أو الحاكم المنظم للعلاقات المتبادلة فيما بين الجماعة الدولية.(1)
ومع ذلك فان الحقيقة المتقدمة لم تمنع المتخصصين في العلوم الإنسانية ومنها القانون الدولي من الاهتمام بحماية حقوق الإنسان الأساسية، فوضع الفرد في القانون الدولي على وجه التحديد كان ومازال موضع نقاش منذ ظهور القانون الدولي التقليدي، ولكن النتائج كانت تقود بصورة دائمة الى إنكار أي دور للفرد يلعبه بصورة مباشرة في النظام القانوني الدولي، رغم الاعتراف بانه يمثل الوحدة الإنسانية التي يقوم ويرتكز عليها أي نظام قانوني، فالقانون الدولي بقي ينظر إلى الفرد باعتباره مجرد شيء لا يمكن ان يتمتع بأي حقوق أو يلتزم بأي واجب بصورة مباشرة، وهكذا كان الفرد العادي بما له من حقوق وما عليه من التزامات مستبعداً من دائرة القانون الدولي فهو أحد مواضيع هذا القانون لا أحد أشخاصه، وكان يحق لصاحب السلطان أو الملك الذي يدين له الأفراد بالولاء والطاعة السهر على حماية مصالح رعاياه في الخارج دون ان يترتب على ذلك أي واجب تجاهه إذ ان الملك عندما يقرر حماية رعاياه في الخارج فهو يفعل ذلك من منطلق حقه الخاص.
ورأت بعض الدول الأوربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على وجه التحديد وبعد ان اتسعت تجاربها وعلاقاتها مع بعض الدول انه من الضروري ان تقوم بعقد معاهدات تتضمن احكاماً محددة تقضي بحماية مجموعة معينة من رعاياها، وهو ما قامت به المملكة المتحدة التي أبرمت عدة معاهدات مع المغرب وافق بموجبها على وجه التحديد على معاملة جميع رعاياه من مسيحيين وغير مسيحيين على قدم المساواة.(2)
ان المرحلة التي بدأت مع تكون أولى قواعد القانون الدولي في العصر الحديث فيما يتعلق بمركز الفرد حصل فيها نوع من التكوين لقيم مشتركة ومفاهيم متفق عليها على المستوى الدولي عبر جهود فكرية ذات طابع قانوني.
على المستوى الفقهي يمكن الحديث عن اتجاهين يتحدد بموجبها الموقف من الفرد، الاتجاه الأول يرى ان الفرد يتمتع بالشخصية الدولية سواء كانوا من المنتمين لمدرسة القانون الطبيعي أو من الذين ينتمون لمدرسة القانون الموضوعي، فانصار مدرسة القانون الطبيعي يؤمنون بوحدة القانون ولا يترددون عن الاعتراف بالشخصية القانونية الدولية للفرد إذ انهم يرون ان القواعد القانونية يجب ان تتفق وتنسجم مع الطبيعة العاقلة للإنسان حيث يرى جروشيوس ان الأفراد هم أشخاص القانون الداخلي والدولي مما يترتب عليه الاعتراف لهم بحقوق طبيعية أساسية، كالحق في مقاومة الظلم، والحق في الملاحة عبر البحار، والحق في تملك الأقاليم التي لا سيادة عليها، والحق في شراء الأشياء الضرورية بثمن عادل، كما يتحمل الأفراد بعض الالتزامات وقت الحرب، كالالتزام بعدم الاشتراك في الحرب غير العادلة، أو الحق في عقد الاتفاقات مع الدول، مثل الاتفاق الذي يبرمه أسير الحرب مع الدولة في نظير تحريره.
وأنصار مدرسة القانون الموضوعي يعترفون للفرد بالشخصية القانونية الدولية كذلك لأنهم يعتقدون بضرورة تخليص القانون من الأفكار والافتراضات والشوائب التي علقت به نتيجة ظروف التطور التي مر بها، فيرون ان الدولة مجرد حيلة قانونية أو صياغة قانونية قائمة على الافتراض، وهي منحت الشخصية القانونية بناءً على هذا الأساس وان الشخص الحقيقي للنظامين القانونيين الداخلي والدولي هو الفرد، وهم يأخذون كذلك بوحدة القانون.(3)
الاتجاه الثاني عبرت عنه المذاهب الوضعية، وهؤلاء يرون عدم امكانية الاعتراف للفرد بأي دور في القانون الدولي، فالأخير عبارة عن نظام قانوني يهتم بالدول ولا يجوز ان تعنى المعاهدات الدولية بالأفراد كما انه ليس للفرد حقوق ولا التزامات في القانون الدولي.(4)
وانسجاماً مع الاتجاه الأول (مدرسة القانون الطبيعي ومدرسة القانون الموضوعي) فقد ظهر تعزيز لدور الفرد في نطاق القانون الدولي حيث تم القضاء على محاولات تشبيه الإنسان بالأرض أو السلع عن طريق تحريم الرق منذ انعقاد مؤتمر برلين عام 1855 الذي قاد إلى إبرام اتفاقية برلين التي جعلت من تجارة الرقيق عملاً غير مشروع في القانون الدولي العام، وألزمت الدول الأطراف فيها بالقضاء على هذه الظاهرة، كما تم تحريم الاتجار بالمخدرات حيث أبرمت اتفاقية دولية عام 1912 وأخرى عام 1926 وتعاقبت بعدها الاتفاقيات التي اهتمت بهذا الموضوع فضلاً عن اهتمام القانون الدولي بمكافحة الأمراض والأوبئة حيث أنشئ مكتب الصحة الدولي عام 1903 وفي عام 1904 أنشئ مكتب مماثل بين الدول الأمريكية، وهما يعدان الأساس التاريخي لوجود منظمة الصحة العالمية، وكان هناك اهتمام دولي بحماية الملكية الأدبية والفنية والصناعية للفرد منذ عام 1883 حيث أبرمت اتفاقية دولية بهذا الخصوص.(5)
ومع كل ما تقدم فان الحقيقة هي ان القانون الدولي التقليدي كان عاجزاً عن تقديم حماية حقيقية للفرد في مواجهة سلطات دولية في ظل سطوة مبدأ السيادة إلا في الحالات التي يطبق فيها القانون الداخلي مبدأ الاندماج الذاتي الذي يعتبر القاعدة القانونية الدولية بعد اندماجها في النظام القانوني الداخلي جزءاً من الأخير وبالتالي فهي سوف تتمتع بقوة القواعد الدستورية الوطنية.(6)
المطلب الثاني
حقوق الإنسان في ظل عصبة الأمم
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وما خلفته هذه الحرب من مآسي وويلات، اتفقت الدول المنتصرة في الحرب على إنشاء منظمة عصبة الأمم، وجاءت معاهدات السلام التي أبرمها الحلفاء مع دول المحور الخاسرة متضمنة لنظام العصبة الذي لا تضم نصوصه تنظيماً قانونياً محدداً لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بل على العكس من ذلك إذ قوبل اقتراح الرئيس الأمريكي ولسون تضمين عهد العصبة نصاً بشأن المساواة الدينية بالرفض، ولكن معاهدات الصلح تضمنت للمرة الأولى نظاماً دولياً لحقوق الإنسان تعلق بالاقليات القومية التي تعيش بصورة أساسية ضمن الدول الجديدة أو القديمة التي كانت قائمة قبل الحرب إلا انها توسعت بضم أقاليم جديدة إليها كتشيكوسلوفاكيا، وبولندا، ويوغسلافيا، ورومانيا، واليونان، وكذلك على بعض الدول المهزومة والتي نشأت من أنقاضها (تركيا وإمبراطورية النمسا والمجر وبلغاريا).(7)
من جانب آخر بذلت جهود صينية يابانية في مؤتمر الصلح الذي أعقب الحرب كانت تهدف إلى ضرورة تضمين ميثاق العصبة النص على التزام أعضائها بالتسوية في المعاملة بين الأجانب دون تفرقة أساسها الأصل أو الجنس إلا ان هذه الجهود لم تثمر، وفي عام 1933 وأثناء مناقشة قضية الأقليات ومعاملة اليهود في ألمانيا، تقدمت هاييتي باقتراح إلى جمعية العصبة يهدف إلى ان تعبر الجمعية عن أملها في إبرام اتفاقية دولية لضمان حقوق الإنسان، ولم تتخذ خطوات جدية باتجاه إبرام مثل هذه المعاهدة.(8)
فنظام حماية الأقليات عبر عن الاهتمام بحقوق الإنسان في ظل عصبة الأمم، وهو نظام لم يذكر في ميثاق العصبة إلا بالنسبة للدول المهزومة أو الدول الجديدة التي ظهرت بعد انهيار الإمبراطوريات القديمة وأعفت الدول المنتصرة من الخضوع لهذا النظام الذي ذكر في المادتين 86 و 93 من معاهدة فرساي، وكان الهدف الأساسي من المعاهدات الخاصة بالاقليات تأمين التمتع بصورة قانونية وفعلية بالحقوق الأساسية المعترف بها للفرد في جميع الدول المتحضرة مثل حماية الأشخاص المنتمين لهذه الاقليات، وتأمين حريتهم، وكرامتهم، والمساواة في المعاملة بينهم وبين غالبية السكان، وقد احيلت بعض المشاكل المتعلقة بالاقليات إلى محكمة العدل الدولية الدائمة كالمسالة المتعلقة بالأقلية الألمانية في بولندا، وفيما يخص حالة الألمان المقيمين في بولندا حددت المحكمة مفهومها لكلمة المساواة إذ أكدت ان هذه الكلمة استعملت في المعاهدات الخاصة بالاقليات لتعني المساواة الفعلية وليست الشكلية، وقد تعني هذه الكلمة كذلك لكي تستفيد أية أقلية من المساواة الحقيقية في المعاملة ضرورة منحها معاملة تفضيلية بالنسبة لما تعامل به الغالبية التي تعيش الأقلية بينها.(9)
ان التطبيق الفعلي لنظام الأقليات وضع في الأشكال الآتية:
1. معاهدات الأقليات، وهي معاهدات خاصة أبرمت بين الحلفاء وكل من يوغسلافيا ورومانيا واليونان وتشيكوسلوفاكيا وبولندا.
2. نصوص خاصة بحماية الأقليات وضعت في معاهدات الصلح التي أبرمت مع النمسا وبلغاريا والمجر وتركيا.
3. نصوص خاصة بحماية الأقليات وضعت في معاهدات ثنائية أبرمت بين بعض الدول كالمعاهدة المبرمة بين بولندا وتشيكوسلوفاكيا عام 1921.
4. تصريحات صادرة من جانب واحد قامت بها بعض الدول عندما انضمت إلى عصبة الأمم كالتصريحات الصادرة عن فنلندا وألبانيا والعراق باحترام حقوق الأقليات عند انضمام كل منها إلى عصبة الأمم.
أما الضمانات الخاصة لحقوق الأقليات فكانت على ثلاثة أنواع:
1. ان المعاهدات الدولية وغيرها من الوثائق القانونية التي نصت على حماية حقوق الأقليات لم تكن تخضع للتغير أو الإلغاء إلا بموافقة مجلس العصبة.
2. أجازت هذه المعاهدات للأقليات التقدم بشكاوى إلى مجلس العصبة الذي يملك الحق بتوجيه ملاحظات للدول المشكو منها.
3. ان الجهة المختصة بتفسير نصوص هذه المعاهدات أو تطبيقها هي محكمة العدل الدولية الدائمة.(10)
فهذا النظام الذي يهدف إلى منع التمييز بين الأغلبية والأقليات هو نفسه كان قائماً على التمييز بين الدول المنتصرة المطالبة بتطبيق هذا النظام والدول المهزومة التي فرض عليها هذا النظام، كما سمح هذا النظام بتدخل بعض الدول بشؤون الدول الأخرى بحجة حماية الأقليات، وقد انهار نظام الأقليات مع انهيار عصبة الأمم إذ انه كان نظاماً مرتبطاً بها.
إلا انه مع ذلك فان حقوق الاقليات قد تم حمايتها ضمن الحماية المقررة لحقوق الإنسان في الاتفاقيات المعنية بهذه المسالة، وقد صدر إعلان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يتعلق بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وأصبحت هناك آليات لحماية وتعزيز حقوق الاقليات في ظل الأمم المتحدة.
أما دستور منظمة العمل الدولية الذي تم النص عليه في معاهدة فرساي وكافة معاهدات السلام التي أعقبت الحرب فقد تضمن في مقدمته ما يلي:
(لما كان الغرض من عصبة الأمم إقامة السلام العالمي، وكان هذا الغرض لا يمكن تحقيقه إلا على أساس من العدل الاجتماعي، ولما كانت توجد ظروف للعمل تتضمن لعدد كبير من الأشخاص الظلم، والبؤس، والحرمان، مما يولد سخطاً يؤدي إلى تهديد السلام والتناسق العالمي. ولما كان من الواجب العمل عاجلاً على تحسين تلك الظروف … لذا فان الدول المتعاقدة، مدفوعة بشعور العدل والإنسانية وبالرغبة في توطيد سلام عالمي، قد اتفقت على إنشاء منظمة دائمة لتحقيق تلك الأغراض).
ويكمن الهدف الأساسي للمنظمة في العمل على تحقيق الرفاهية للعمال ماديا ومعنوياً وثقافياً، وهي تعمل على تحيقيق هذه الأهداف من خلال خلق قانون عالمي موحد يضمن حقوق العمال بعقد الاتفاقيات الدولية والتوصيات التي تصدر عن مؤتمر العمل الدولي أحد أهم أجهزة المنظمة، وهو ينعقد سنوياً في مقر المنظمة في جنيف.(11)
ويشمل نشاط المنظمة مسائل هامة مختلفة تنصب بصورة أساسية على مجموعة الحقوق ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي كالعمالة، والبطالة، والشروط العامة للعامل، وشروط تشغيل الأطفال والنساء، والمسائل المتعلقة بصحة العمال وأمنهم وضماناتهم الاجتماعية، والعلاقة بين أصحاب العمل والعمال، وسياسة التشريع الاجتماعي ولا يقتصر دور هذه المنظمة على عقد الاتفاقيات وإصدار التوصيات المتعلقة بشؤون العمال لكنها ساهمت بدور مهم في إعداد التشريعات الوطنية الخاصة بحقوق العمال.(12)
وقد تأكدت مبادئ وأغراض المنظمة في الإعلان الخاص بأهداف وأغراض منظمة العمل الدولية الذي أقره المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية بمدينة فيلادلفيا عام 1944 وقد أدمج هذا الإعلان بشكل ملحق في دستور المنظمة طبقاً لتعديل تم سنة 1946 حيث أكد هذا الإعلان المبادئ التي قامت عليها المنظمة، ومنها على وجه الخصوص ان العمل ليس سلعة، وان حرية الرأي وحرية الاجتماع لا غنى عنهما لأطراد التقدم، وان الفقر أينما وجد يولد خطراً يهدد الرفاهية في كل مكان وبعد مراجعة دستور المنظمة في مدينة مونتريال عام 1946 أعلن ان لجميع البشر بصرف النظر عن فوارق الجنس أو العقيدة الحق في تحقيق رفاهيتهم المادية وتقدمهم الروحي في ظروف عيش تكفل الحرية والكرامة والاستقرار الاقتصادي وتكافؤ الفرص، وهكذا فقد أصبح الحق في الرفاهية هدفاً أساسياً تضمنه إعلان رسمي.(13)
المبحث الثاني
حماية حقوق الإنسان في ظل منظمة الأمم المتحدة
اتجهت البشرية بعد الحرب العالمية الثانية إلى العمل على إقامة نظام دولي بهدف تحقيق السلام والرفاهية، وقد عمل ميثاق الأمم المتحدة على تحقيق هذه المبادئ والأهداف عن طريق خلق مناخ دولي مناسب وظروف ملائمة لعلاقات دولية مبنية على السلم، وهذا ما يمكن ان يتحقق من خلال احترام المساواة في الحقوق بين الشعوب، وان يكون لكل منها تقرير مصيرها، وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته بدون تمييز بسبب الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين دون تفرقة بين الرجال والنساء، وقد عملت الأمم المتحدة بهذا الاتجاه وتكون نتيجة لهذه الجهود ما عاد يعرف اليوم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.
المطلب الأول
حقوق الإنسان في الميثاق
تضمن ميثاق الأمم المتحدة العديد من المواضع التي أشارت إلى ضرورة احترام حقوق الإنسان سواء المضامين التي وردت في الديباجة أو في نصوص الميثاق ذاته.
الفرع الاول- ديباجة الميثاق
تضمنت الديباجة مبدأين يمثلان في نظر واضعي الميثاق الجزء الأساسي في تحقيق الهدف الذي قامت عليه الأمم المتحدة وهو حفظ الأمن والسلم الدوليين، وهذا الهدف لا يتحقق دون احترام حقوق الإنسان أفراداً وجماعات دون تمييز، فضلاً عن احترام المساواة بين الدول صغيرها وكبيرها، وهو العنصر الأول لتحقيق أهداف المنظمة الدولية، أما العنصر الثاني فيؤكد على ضرورة احترام العدالة والالتزامات الدولية.
وترى الديباجة ان الضمانة الحقيقية لاحترام هذه القواعد لا تكمن في الانصياع لها بتأثير عنصر الجزاء الذي قد يقترن بها لكن الالتزام الحقيقي بها ينبع من قيام المخاطبين بهذه القواعد بصورة طوعية وبحسن نية باحترامها، ومن ثم فان هذا المبدأ يعد الضمانة لاحترام ما ورد في الديباجة من مبادئ.
وهنا يجوز لنا ان نتساءل عن الأثر القانوني أو القيمة القانونية للمبادئ الواردة في ديباجة الميثاق؟
انقسم الفقه الدولي إلى اتجاهين للإجابة عن السؤال المتقدم، فذهب الاتجاه الأول إلى ان الديباجة لا تفرض التزامات محددة على عاتق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث ان أثرها يقتصر على توضيح السبب الذي قامت الأمم المتحدة من أجله كما انها تساعد على تفسير التزامات الدول الأطراف في الميثاق وتحديد مضمونها، دون ان تكون بمفردها مصدراً لالتزامات محددة على عاتق الدول.
أما الاتجاه الثاني فيذهب إلى عدم جواز التفرقة بين القيمة القانونية للديباجة، وما تتمتع به من إلزام، وبين ما جاء في المادتين الأولى والثانية من الميثاق المتضمنتين لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها حيث ان العبرة ليست بالموضع الذي يأتي فيه الحكم أو الشكل الذي يتخذه، وإنما العبرة بحقيقته ومضمونه، كما ان هناك أفكاراً أساسية قامت عليها الأمم المتحدة تتعلق بحقوق الإنسان لا نجدها إلا في الديباجة فضلاً عن ان نصوص الميثاق المتعلقة بحقوق الإنسان لا تعكس هذه الفلسفة أو الأفكار، ومن ثم فإن الخروج بنظرة شاملة وصحيحة عن موقف الميثاق من حقوق الإنسان لا يتحقق إلا إذا فسرت هذه النصوص طبقاً لعدة اعتبارات منها ان الحرب العالمية الثانية كانت في جوهرها حرباً ضد العنصرية كما ان الديباجة قد تحدثت عن الشعوب كطرف أساسي في النظام القانوني الدولي وربطت الديباجة كذلك بين تحقيق حقوق الإنسان والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما كرسته المادة (55) من الميثاق.(14)
ان ديباجة الميثاق قد تطرقت لحقوق الإنسان متضمنة العبارات الآتية (نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا ان ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وان نؤكد من جديد ايماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية …… وان ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وان نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح …. وان نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها….).
الفرع الثاني- حقوق الإنسان في نصوص الميثاق
عالج ميثاق الأمم المتحدة حقوق الإنسان في الديباجة وفي المواد 1، 13، 55، 56، 62، 68، 76 ولعل أهم هذه المواد هي 1، 55، 56.
فالمادة (1) تجعل من حقوق الإنسان احدى أهداف الأم المتحدة فضلاً عن ان الدول الأعضاء تلتزم بالتعاون مع المنظمة الدولية لتحقيق الهدف المشار إليه، واحترام الالتزامات الواردة في المادة (55) من الميثاق حول الاحترام العالمي لهذه الحقوق، وهكذا فان الميثاق يلزم الدول الأعضاء والمنظمة بالعمل على احترام حقوق الإنسان كافة، ولا تستطيع أية دولة ان تتحلل من التزاماتها المتعلقة بهذه الحقوق بحجة ان ما تقوم به يعد من مسائل الاختصاص الداخلي للدول التي تنظم على المستوى الوطني فقط من الناحية التشريعية والقضائية.(15)
أي ان ميثاق الأمم المتحدة لم يعتبر المشاكل ذات الصلة بحقوق الإنسان من الأمور الداخلة في صميم الاختصاص الداخلي للدول الأعضاء في المنظمة بل على العكس من ذلك حيث يكفي ان يكون الأمر معروضاً عليها ليثير اهتماماً دولياً ليثبت اختصاصها، ولقد اعتبرت الأمم المتحدة جميع المسائل التي تعرض عليها ذات الصلة بحقوق الإنسان حتى ولو تعلق الأمر بمعاملة دولة لرعاياها من المسائل الدولية وتستطيع بحثها دون ان يمنعها ذلك قيد الاختصاص الداخلي المنصوص عليه في المادة (2) فقرة (7) من الميثاق(16) التي نصت على (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة ان تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء ان يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على ان هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع).
أما المادة (55) من الميثاق فهي ترسي نوعاً من العلاقة بين تحقيق الأمن والسلم الدوليين وبين ضرورة العمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبين احترام وضمان حقوق الإنسان، والحقيقة ان هذه المادة بصياغتها الحالية تفرض مجموعة من الالتزامات على الأمم المتحدة وأجهزتها مضمونها ضرورة اتخاذ إجراءات وتدابير إيجابية لتحقيق هذه الغاية عن طريق البحث عن آليات أو وسائل تحقيق هذه الأهداف فالمادة (55) تنص على (رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبان يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على:
(أ) تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
(ب) تقديم الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.
(ج) ان يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً).
فضلاً عما تقدم فان المادة (56) من الميثاق قد فرضت التزاماً على الدول الأعضاء في المنظمة الدولية بان يقوموا منفردين أو مجتمعين بما يجب عليهم من عمل لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في المادة (55) وبالتعاون مع الأمم المتحدة.
الفرع الثالث- أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان
أناط الميثاق الجزء الأكبر من المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان إلى الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلا ان ذلك لم يلغِ دور الأجهزة الأخرى، وهو ما سيتوضح طبقاً للتفصيل الآتي:
أولاً: الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي
تعد الجمعية العامة ثاني أهم جهاز بعد مجلس الأمن الدولي وهي بالدرجة الأساس جهاز للمداولة والإشراف والاستعراض لأعمال الأجهزة الأخرى، وبقدر تعلق الأمر بحقوق الإنسان فان المادة الثالثة عشرة من الميثاق تنص على قيام الأمم المتحدة بإنشاء دراسات وعمل توصيات بقصد (إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء) وتنشأ الجمعية العامة طبقاً للمادة (22) من الميثاق ما تراه ضرورياً من الأجهزة الفرعية للقيام بوظائفها، ومن هذه الأجهزة لجنة القانون الدولي، واللجنة الخاصة لمناهضة التمييز العنصري، واللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف وغيرها، … .
أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهو جهاز متخصص في المسائل الاقتصادية والاجتماعية، فهو طبقاً للمادة الستون يعمل تحت إشراف الجمعية العامة، وهي جهاز سياسي بالدرجة الأساس، وطبقاً للمادة (62/2) من الميثاق فان للمجلس ان يقدم توصيات فيما يتعلق بإشاعة ونشر واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها فضلاً عن تقديم دراسات في مجالات الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة وتقديم توصيات إلى الجمعية العامة وأعضاء الأمم المتحدة وإلى الوكالات ذات الشأن وإعداد مشاريع القوانين في المواضيع التي تدخل تحت اختصاصه ومنحت المادة (68) من الميثاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي الحق بإنشاء لجان تعنى بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز حقوق الإنسان وغيرها من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه، وهو ما قام به المجلس بصورة فعلية فأنشأ عدداً كبيراً من الأجهزة الفرعية التابعة له لتعمل ضمن وظائفه، وهذا ما دعا الجمعية العامة لإنشاء لجنة خاصة لتنسيق العمل بين هذه الأجهزة الفرعية.(17)
ومن أهم اللجان التي أنشأت من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي التي تهتم بهذا الموضوع هي لجنة حقوق الإنسان التي تتمتع بنظام قانوني خاص بها إذ انها الوحيدة التي خصها الميثاق بحكم تضمنته المادة (68) (ينشئ المجلس الاقتصادي لجاناً للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولتقرير حقوق الإنسان كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه) والحقيقة ان هذه اللجنة قد تم إنشائها طبقاً لقرارين أصدرهما المجلس الاقتصادي والاجتماعي أولهما القرار رقم 5/1 الصادر في نيسان 1946 وبموجبه تم إنشاء لجنة حقوق الإنسان من تسعة أعضاء لتقوم بتقديم التقارير إلى المجلس المذكور كما تقدم له المقترحات والتوصيات في مسائل حقوق الإنسان وحماية الحريات الأساسية في صورة إعلانات أو مشروعات معاهدات، أما ثانيهما فهو الصادر في 12 يونيو 1946 والذي يحمل الرقم (9) وبموجبه حدد كيفية تشكيل هذه اللجنة واختصاصاتها التي لم تكن شاملة في جميع مسائل حقوق الإنسان، وفي مواجهة كافة أجهزة الأمم المتحدة وإنما تحدد اختصاصها على تقديم مقترحات وتوصيات إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، و كانت تتكون من (53) عضواً ينتخبون لمدة 3 سنوات على أساس التوزيع الجغرافي العادل، و كانت اللجنة تستطيع ان تنشئ أجهزة فرعية تابعة لها إذا كان ذلك ضرورياً لأداء وظائفها، وقامت بذلك فعلاً وأنشأت ثلاثة أجهزة فرعية لها عام 1946 هي اللجنة الفرعية لحرية الإعلام، واللجنة الفرعية لحماية الأقليات، واللجنة الفرعية للقضاء على التمييز العنصري، واختصرت هذه اللجان إلى لجنة واحدة هي اللجنة الفرعية لمقاومة التمييز العنصري وحماية الاقليات وتتكون من (26) عضواً.(18)
وقد ساهمت لجنة حقوق الانسان خلال الستين عاما الماضيه من عمرها بانجازات كبيره في مجال احترام حقوق الانسان الا ان الكثير من السلبيات رافقت عملها, مما استدعى الى تاسيس جهاز اخر ليحل محلها هو مجلس حقوق الانسان .