المدخل لدراسة حقوق الإنسان… الدكتور مازن ليلو راضي… الدكتور حيدر أدهم عبد الهادي (10)
ثانيا: مجلس حقوق الانسان
لتجاوز السلبيات التي رافقت عمل لجنة حقوق الانسان بسبب تسييسها والانتقائيه والازدواجيه في تقاريرها وطريقة اختيار اعضائها , وفي ضوء السعي المتزايد لاصلاح الامم المتحده ومؤسساتها ولتفعيل احترام مبادئ حقوق الانسان , اقرت الجمعيه العامه للامم المتحده في 15/3/2006 تاسيس مجلس حقوق الانسان ليحل محل لجنة حقوق الانسان , وقد صوتت 170 دوله لصالح القرار من مجموع 191 دوله بينما عارضته اربعة دول هي الولايات المتحده الامريكيه واسرائيل وجزر مارشال وبالاو , وامتنعت ثلاثة دول اخرى عن التصويت هي ايران وبيلوروسيا وفنزويلا .
ومن المقرر ان يتبع هذا المجلس الجمعيه العامه مباشره مما يعطيه منزله رفيعه تتناسب مع اهمية الوظيفه الموكله به ويتجاوز مشكلة الارتباط بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التي طالما عانت منها اللجنه سابقا .
وقد نص القرار على ان يتم اختيار اعضاء المجلس البالغ عددهم 47 عضوا بالاقتراع الفردي السري وبالاغلبيه المطلقه لاعضاء الجمعيه العامه , اي حوالي 96 صوتا . ويشترط في اختيار الاعضاء ان يلتزمو ا باحترام المعايير الدوليه لحقوق الانسان ,مع امكانية اسقاط العضويه باغلبية ثلثي عدد اعضاء الجمعيه العامه في حالة انتهاك هذه المعايير .
ومن الجدير بالذكر ان مدة عضوية المجلس هي ثلاثة سنوات قابله للتجديد مره واحده فقط , ويتم اختيار الاعضاء على اساس التوزيع الجغرافي العادل بواقع 13 مقعدا لافريفيا و13 مقعدا لآسيا وستة مقاعد لاوربا الشرقيه وسبعة مقاعد لدول اوربا الغربيه بما فيها الولايات المتحده الامريكيه وكندا ونيوزلندا و استراليا وثمانية مقاعد لدول امريكا الاتينيه والكاريبي .
ويعقد المجلس اجتماعاته في مقره الدائم في جنيف ومن المقرر ان يعقد ثلاثة اجتماعات في السنه على الاقل ولمدة عشرة اسابيع وليس ستة اسابيع كما كان عليه الامر في عهد اللجنه, كما يملك المجلس الاجتماع في اي وقت آخر للنصدي للازمات الطارئه في مجال حقوق الانسان .
ومن المنتظر ان يساهم المجلس في تعزيز الاحترام الدولي لحقوق الانسان ويساهم في تجاوز الانتقائيه في التعامل مع انتهاكات بعض الدول لمعايير حقوق الانسان التي كانت سائده في ظل لجنة حقوق الانسان .
كما سيساهم في تقديم التوصيات الى الجمعيه العامه بما يؤدي الى مواصلة تطوير القانون الدولي في مجال حقوق الانسان, وسيستعرض بشكل دوري شامل وموثق مدى وفاء كل من الدول الاعضاء بالتزاماته وتعهداته في مجال حقوق الانسان على نحو من المساواة والعداله .
ثالثا : الأجهزة الأخرى
يعد مجلس الأمن الدولي الجهاز الرئيسي في المنظمة الدولية الذي عهد إليه بمهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين طبقاً لما ورد في المادة (24) من الميثاق، ومجلس الأمن الدولي مطالب في المادة المذكورة ان يعمل بالانسجام مع مبادئ الأمم المتحدة وواحداً منها (م1/3) هو (تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بينهم بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين) وقد بحث المجلس الكثير من المشاكل ذات المساس بحقوق الإنسان منها تقارير عن تعذيب المسجونين السياسين ووفاة عدد من المحتجزين وتصاعد موجات القمع ضد الأفراد والمنظمات ووسائل الإعلام في جنوب أفريقيا (القرار 417 لسنة 1977) وعدم توفير إسرائيل الحماية الملائمة للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة (القرار 471 لسنة 1980).(19)
كما أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 808 بتاريخ 22/2/1993 القاضي بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في أراضي يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 ومن أخطر هذه الجرائم جرائم التطهير العرقي التي تعد شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية ثم أصدر المجلس قراره المرقم 955 في 8/11/1994 القاضي بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة في رواندا.(20)
أما الأمانة العامة فلها مركز يسمى مركز حقوق الإنسان يشكل حلقة الوصل بين أعمال الأمم المتحدة في ميدان حقوق الإنسان وفّر هذا المركز مجموعة من الخدمات التي تقدمها الأمانة العامة لأجهزة الأمم المتحدة المهتمة بحقوق الإنسان.(21)
كذلك تلعب محكمة العدل الدولية دوراً في هذا المجال(22) فضلاً عن الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة كمنظمة اليونسكو (1945) التي تستهدف بصورة أساسية ضمان حق الإنسان في التربية والتعليم والثقافة، ومنظمة الصحة العالمية (1946) التي تسعى إلى ضمان حق كل إنسان في الصحة، ومنظمة التغذية والزراعة التي تستهدف تحرير الإنسان من الجوع، والاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية الذي يعمل على تنظيم حرية المراسلة بجميع أشكالها، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية التي تسعى إلى ضمان الحق في الملكية الفكرية.
مما تقدم يبدو واضحاً ان هناك دور معين تلعبه منظمة الأمم المتحدة في مجال حماية حقوق الإنسان وبأشكال مختلفة من خلال أجهزة المنظمة وبالتعاون مع الدول الأعضاء فيها إلا ان هذا الدور يبقى في إطار تشجيع وتطوير قضية حقوق الإنسان فهي لا تتدخل لحماية هذه الحقوق إلا في حالة وجود انتهاك لها من شأنه تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر.
المطلب الثاني
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
جاء هذا الإعلان متضمناً مقدمة وثلاثين مادة، ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إصداره بالإجماع يوم 10 كانون الأول 1948 وهو يعد من أكثر الإعلانات شهرة، وأكثرها إثارة للجدل والنقاش، وهناك وجه شبه بين هذا الإعلان وإعلانات الحقوق الداخلية كالإعلان الفرنسي الصادر عام 1789 وإعلان الحقوق والاستقلال الأمريكي لسنة 1776 وهو أول إعلان دولي لحقوق الإنسان إتصف بالشمول إلى حدٍ ما.
تشير المادتان الأولى والثانية من هذا الإعلان إلى ان جميع الناس دونما تمييز يولدون أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق ثم تم تعداد المبادئ الأساسية للمساواة وعدم التمييز عند التمتع بالحقوق والحريات الأساسية، وبعدها تعدد المواد التسع عشرة التالية الحقوق المدنية والسياسية التي يحق لكل إنسان التمتع بها، ومنها الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي، والحرية من العبودية والرق، وعدم الخضوع للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، والاعتراف بالشخصية القانونية لكل إنسان كما نص الإعلان على ان الناس متساوون أمام القانون، ويمكن لأي إنسان اللجوء إلى القضاء أو المحاكم الوطنية للانتصاف من أية أعمال تنتهك حقوق الإنسان، وعدم التعرض إلى الاعتقال أو الاحتجاز أو النفي على نحو تعسفي فضلاً عن تثبيت المبدأ الذي مضمونه ان المتهم برئ حتى تثبت إدانته، والحق في التمتع بجنسية، والحق في الزواج وتأسيس أسرة، وحرية الفكر والضمير والدين، وحق التملك، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الاشتراك في الاجتماعات، والحق في المشاركة في الشؤون العامة لبلده وغيرها من الحقوق.
أما المواد من 22-28 فهي تنص على مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشتمل على الحق في الضمان الاجتماعي، والحق في العمل وحرية اختيار العمل، والحق في الحصول على أجر متساوٍ ومكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة فضلاً عن الحق في إنشاء النقابات والانضمام إليها، والحق في الراحة والرعاية في مجالات المرض أو البطالة أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة، والحق في التعليم، وغيرها من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
أما المادة 28 فهي تنص على ان لكل فرد الحق بالتمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن ان تتحقق في ظله الحقوق والحريات التي جاء بها هذا الإعلان بينما تؤكد المادة 29 على ان كل فرد تقع عليه واجبات ازاء المجتمع ولا تخضع حقوق أي فرد إلا للقيود التي يقررها القانون ولا يجوز هدم كل هذه الحقوق بأي شكل عن طريق تفسير نص على نحو يفيد انه يتضمن مثل هذا الأمر، فالإعلان أشار إلى ان الحقوق الواردة فيه ليست مطلقة وللدولة ان تصدر القوانين التي ترسم بموجبها حدود هذه الحقوق بشرط ان يكون الهدف الوحيد من هذه القوانين ضمان الاعتراف والاحترام بهذه الحقوق للآخرين فضلاً عن احترام النظام العام والآداب العامة والرفاهية في مجتمع ديمقراطي، بينما نصت المادة 30 على انه (ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على انه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه).
الفرع الأول-القيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان
يذهب الاتجاه الراجح في الفقه الدولي إلى ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يتمتع بقوة الإلزام طالما لم يأخذ صورة معاهدة دولية حيث أخذ صورة توصية صادرة عن الجمعية العامة، وهي تشبه بعض المواد التحذيرية الواردة في دساتير دول العالم الثالث كدستور غينيا 1958 والجزائر 1963 والكاميرون 1972 التي تؤكد اخلاصها والتزامها بالمبادئ الواردة في الإعلان فضلاً عن ان المادة الثانية والعشرون من الإعلان تقر بأن تحقيق الحقوق المنصوص عليها يجب ان يتم من خلال التنظيم القانوني الداخلي لكل دولة وحسب مواردها، وقد ضمت بعض الدول إلى قوانينها المحلية فقرات من الإعلان كما ان اتفاقيات دولية ضمت جميع الحقوق التي جاء بها هذا الإعلان.(23)
وقد أنكرت المحكمة العليا الأمريكية الصفة الإلزامية للإعلان، وكذلك فعل مجلس الدولة الفرنسي(24)، عليه فانه طبقاً للاتجاه المتقدم فان الإعلان هو تعبير عن مثل قال عنها أحد الرواد في مجال حقوق الإنسان انه يجب ان تصبح هذه المثل على مر السنين مبادئ قانونية تعترف بها وتطبقها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهذا الكلام قيل لأن نص الإعلان جاء مبهماً لا يتضمن أية توصيات للدول الأعضاء أو إحكاما تحدد الوسائل القانونية الدولية التي يمكن اللجوء إليها في حالة انتهاك حقوق الإنسان.(25)
ومن الفقهاء الذين ينكرون تمتع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقوة ملزمة الفقيه الفرنسي شومون الذي يؤكد ان الإعلان يردد بعض الحقوق دون ذكر امور محددة إذ انه يشير مثلاً إلى الحق في الحياة أو العمل أو في ان تكون له جنسية، ولكنه في الوقت نفسه لا يذكر على أي نحو يستطيع التمتع بهذه الحقوق، ويرى هذا الفقيه ان الحقوق الواردة في الإعلان لا تتحدد ملامحها إلا باتخاذ إجراءات وطنية أو دولية لاحقة كإصدار تشريعات مختلفة تكون كفيلة بوضع هذه الحقوق حيز التنفيذ أو عن طريق إبرام اتفاقيات دولية تفصل هذه الحقوق وتنص على آليات لاحترامها وتحقيقها من الناحية العملية.(26)
الاتجاه الثاني يقول بتمتع هذه الوثيقة بقوة إلزام في حدود معينة، وهو يؤدي إذا ما توافرت شروط معينة إلى تكوين وارساء قواعد قانونية تلتزم الدول بها عن طريق العرف الدولي.(27)
وفريق آخر ضمن الاتجاه الثاني يقول ان الإعلان يتضمن تفسيراً رسمياً أو تحديداً لمضمون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية المشار إليها في الميثاق، وأخذ بهذا التفسير اتجاه فقهي وحكومي منها ما أعرب عنه ممثل فرنسا، ومن بين الوثائق الرسمية التي أخذت بهذا الاتجاه إعلان طهران لسنة 1969 الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي حضرته وفود من مائة دولة.(28)
وقبل ذلك اشارت إعلانات مؤتمر باندونغ عام 1955 فضلاً عن قرارات صادرة عن المؤتمرات التي عقدت في أمريكا اللاتينية لهذا الإعلان، وكان له أثر كبير في الاتفاقيات الدولية، وأشير إليه في العديد من أحكام المحاكم الوطنية التي تبين بشكل واضح ممارسات الدول، وهذه تشارك في تطوير القانون الدولي المعاصر ولعل الدور المتفق عليه الذي يقوم به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انه يمثل (المستوى المشترك) فهو المرشد أحياناً في تفسير القوانين الوطنية وتطبيقها، ويستشهد به باعتباره دليلاً على وجود قانون حديث طور التكوين في مجال حماية حقوق الإنسان وحريات الأفراد الأساسية.(29)
وخلاصة ما تقدم ان من الصعب تجريد إعلان عام 1948 من أية قيمة قانونية فضلاً عن تأثيراته الفكرية على مستوى المشرع الوطني والدولي، فقد حرصت بعض الدول مثلاً على الإشارة إلى أنها تلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في دساتيرها بل ان دولة بيرو قد تبنت نصوصه كاملة بموجب قانون أصدرته عام 1959 فضلاً عن أن محكمة العدل الدولية قد أشارت في العديد من أحكامها وفتاويها إلى هذا الإعلان والحقوق التي جاء بها كالقرار الصادر في قضية شركة برشلونة تراكشن عام 1970 فضلاً عن قرارات أخرى كما ان الصفة الإلزامية يمكن الدفاع عنها إذا ما قبلنا وجهة النظر التي مضمونها ان المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان تعد قواعد آمرة في النظام القانوني الدولي.(30)
الفرع الثاني- السمات الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان
يتميز هذا الإعلان بالسمات الآتية:
1. لا يختلف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كثيراً في صياغته عن الأسلوب الفرنسي المتبع في مثل هذه الإعلانات، إذ انه لا يُفَصِلْ في توضيح مضمون الحق الذي يثبته للإنسان، كما لا يرسم صورة واضحة له لكنه يكتفي بوضع المبدأ العام أو الاتجاه العام لمضمونه، ومع ذلك فهو يأخذ في بعض الأحيان بالاتجاه الانكلوسكسوني الذي يعبر عن صياغة اكثر تفصيلاً، فهو لا يكتفي بذكر مضمون الحق بصورة عامة لكنه يحدد مضمونه، ومن الأمثلة على الصياغة الشبيهة بالاتجاه الانكلوسكسوني يمكن الإشارة إلى المادة (2) بشأن عدم التمييز التي نصت على (لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود).
والمادة (18) بشأن حرية التفكير التي نصت (لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الاعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة)، والمادة (25) بخصوص حق كل إنسان في مستوى جيد من المعيشة حيث تنص على (1- لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته. 2- للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية.)
2. يؤكد الإعلان على الحقوق الفردية التقليدية ولا تحتل الحقوق ذات الطابع الاقتصادي الاجتماعي والثقافي سوى مكاناً متواضعاً فيه وهذا مرده لأسباب سياسية نظراً لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على المنظمة وقت إصدار الإعلان مما ترتب عليه تغليب المفهوم الليبرالي على المفهوم الماركسي للحريات، ومع ذلك فان مفهوماً وسطاً تم تبنيه في العديد من الصياغات الواردة في الإعلان فمقدمته مثلاً تتحدث عن عالم حر انبثق حديثاً يتمتع به الفرد بصورة فعليه لا نظرية بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة، وهذه صياغة ترضي الدول الاشتراكية بينما تأخذ المادة الأولى من الإعلان ذاته بالمذهب الفردي وبنظرية الحقوق الطبيعية إذ تنص على (يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق).
وكذلك الحال مع المادة (17) التي توفق بين الفكرين الليبرالي والماركسي حيث تنص على (لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره)، ولا نجد من جهة أخرى أي ذكر لحق الإضراب الذي لا تقره الدول الشيوعية كما لا نجد إشارة إلى حرية التجارة والصناعة المقررة في الدول الرأسمالية، فهذا السكوت هو نوع من التوفيق كذلك.
3. ان نصوص الإعلان عالمية النزعة فهي موجهة إلى الإنسان أينما وجد بغض النظر عن ديانته ولونه وجنسه، وجنسيته أي انه إعلان لا يحمل السمة الوطنية لدولة معينة أو الخصائص المميزة لأمة معينة طالما انه يتجاوز نطاق الدولة الواحدة.
المطلب الثالث
العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان لعام 1966
المقصود بالعهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان هما الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية، وكذلك الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية اللتين اقرتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها المرقم 2200 أ (د-21) فضلاً عن البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والخاص باستلام ودراسة تبليغات الأفراد الذين يدعون بانهم ضحايا الاعتداء على الحقوق المنصوص عليها في العهد، وقد بدأ نفاذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بتاريخ 3 كانون الثاني 1976 في حين دخلت الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية بتاريخ 23 آذار 1976 بتمام تصديق خمس وثلاثين دولة على كل منهما وهو ما قضت به المادة (49) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ودخل البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية حيز التنفيذ في الوقت ذاته بتمام تصديق عشر دول عليه، وهو ما قضت به المادة (9) من البروتوكول، والعراق من الدول التي صادقت على هاتين المعاهدتين دون ان تصادق على البروتوكول الملحق بالاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية،(31) وبموجب هاتان الاتفاقيتان تحولت الحقوق التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 إلى التزامات دولية مصدرها القانون الدولي الاتفاقي مما يعني نهاية الجدل حول القيمة القانونية لإعلان عام 1948، كما أنشأت هاتان الاتفاقيتان نظاماً قانونياً دولياً للرقابة يعمل على ضمان تطبيق واحترام الحقوق والحريات التي جاءت بها هاتين الاتفاقيتين.(32)
ان جهود الأمم المتحدة التي بذلت بهذا الخصوص تنقسم إلى مستويات عدة، المستوى الأول يتمثل بإحساس المنظمة الدولية بضرورة وجود قواعد تكرس حقوق الإنسان وهي تعبر عن هذا المستوى أو الإحساس عن طريق إجراء دراسات في مختلف المجالات المرتبطة بهذا الموضوع.
المستوى الثاني يتجسد بالاعتراف بوجود هذه الحقوق أو تقوم بالإعلان عن وجودها بصورة فعلية وهي تعبر عن هذا المستوى ببحث الانتهاكات لهذه الحقوق في أجهزة الأمم المتحدة المختلفة، وتقوم بإصدار التوصيات، وتدين الانتهاكات لها.
المستوى الثالث يتمثل بالعمل على توفير نوع من آليات الحماية للحقوق المعترف بها والمعلن عنها عن طريق المعاهدات الدولية، وهي بذلك تنتقل بها من المستوى الأخلاقي غير الملزم إلى المستوى القانوني الملزم.(33)
فضلاً عما تقدم تتضمن هاتان الاتفاقيتان بعض الأحكام المشتركة كمقدمة كل منهما، والمواد (1، 3، 5) حيث ان ديباجة أو مقدمة كل اتفاقية منهما تذكِّر الدول بالتزاماتها طبقاً لميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان، وتذكِّر الفرد بالمسؤولية الملقاة عليه في السعي إلى تعزيز هذه الحقوق واحترامها وتشير المقدمة كذلك إلى المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها الاتفاقيتين المتمثلة بالكرامة اللصيقة في جميع أعضاء الأسرة الدولية وحقوقهم المتساوية وصدور هذه الحقوق كذلك عن الكرامة اللصيقة بالإنسان، وتضيف ان لا فرق من حيث الأهمية بين حقوق الإنسان المختلفة، فالتحرر من الخوف والحاجة يتحقق فقط إذا استطاع كل فرد ان يتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك بحقوقه المدنية والسياسية.
وتعلن المادة (1) من الاتفاقيتين ان حق تقرير المصير حق عالمي، ودعت الدول إلى احترام هذا الحق وتعزيزه، وتؤكد المادة الثالثة من الاتفاقيتين على حق المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بكافة الحقوق وطالبت الدول إلى تحويل هذا المبدأ إلى حقيقة مطبقة، بينما تنص المادة الخامسة من الاتفاقيتين على ضمانات ضد القضاء على أي حق من الحقوق أو الحريات الأساسية أو تقييدها دون مسوغ، كما تضمنت ضمانات ضد سوء تفسير أي نص من نصوص الاتفاقيتين واتخاذ هذا التفسير كمبرر لانتهاك أي حق من الحقوق أو حرية من الحريات الواردة فيهما.
والحقيقة ان تفكير الأمم المتحدة كان قد اتجه أولاً إلى وضع اتفاقية واحدة تضم جميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلا ان اختلاف طبيعة الالتزامات التي تفرضها كل من الحقوق المدنية والسياسية من جانب والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جانب آخر والملقاة على الدولة جعل التعامل مع هذا الموضوع يقضي بضرورة عقد اتفاقيتين منفصلتين إذ ان الحقوق المدنية والسياسية تفرض التزاماً سلبياً على الدولة يتمثل بالامتناع عن التدخل إلى حدٍ ما بينما تفرض الحقوق ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي التزامات إيجابية فالحق في مستوى جيد أو عادل من المعيشة يقتضي توافر إمكانات اقتصادية جيدة إلى حدٍ ما للدولة لكي تستطيع ان تضع هذا الحق موضع التطبيق والدول كما هو معروف تختلف في إمكانياتها الاقتصادية(34) وأشارت الفقرة الرابعة من المادة الأولى من الاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى هذه المسالة حيث أشارت إلى طبيعة الالتزامات التي تقع على عاتق الدول الأطراف من هذه الاتفاقية عن طريق تبني أسلوب أو منهج تدريجي في تحقيق هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك على وجه التحديد تبني خطوات تشريعية، ويلاحظ على هذين العهدين أو الاتفاقيتين انهما تستهدفان تحقيق نوع من الحماية الدولية ذات الطابع العالمي لحقوق الإنسان فهما تستهدفان وضع نظام دولي عالمي لحقوق الإنسان يحكم الجماعة الدولية بأسرها.
كما انهما قد اهتمتا بجميع أعضاء الجماعة البشرية وليس الفرد فقط، وهذا يعني ان الحماية تمتد للأسرة والتجمعات العرقية والاقليات والشعوب، أي ان النظرة إلى الإنسان قد امتدت لتشمله في إطاره الاجتماعي لا بصفته كفرد فقط.
أما من ناحية التعديل لهذين العهدين فإن الإجراءات الخاصة بذلك تعكس مدى سيطرة الأمم المتحدة على عملية التعديل، فالمادة 29/2 من الاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة 51/2 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية تنصان على (يبدأ نفاذ التعديلات متى أرقتها الجمعية العامة للامم المتحدة وقبلها أغلبية ثلثي الدول الأطراف في هذا العهد وفقاً للإجراءات الدستورية لدى كل منها).(35)
وإذا كانت اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية قد ألحق بها بروتوكول بدأ نفاذه عام 1976 مع نفاذ الاتفاقية وتتعهد الدول التي انضمت إليه بتمكين اللجنة المختصة بحقوق الإنسان من القيام طبقاً لأحكام العهد باستلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الذين يدعون انهم ضحايا أي انتهاك لأي حق من الحقوق المقررة في العهد فانه من جانب آخر اعتمدت الجمعية العامة البروتوكول الاختياري الثاني الذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام وبدأ نفاذه بتاريخ 11 تموز 1991 والصادر في 15 كانون الأول 1989، وهو ملحق كذلك باتفاقية الحقوق المدنية والسياسية.(36)
أما أهم الأحكام أو الحقوق التي جاءت بهما هاتين الاتفاقيتين فقد وردت في القسم الثالث منهما إذ وردت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المواد 6-15 من اتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه تشمل الحق في العمل، والحق في التمتع بشروط عمل صالحة وعادلة، وحق تشكيل النقابات والانضمام إليها، والحق في الإضراب، والحق في الضمان الاجتماعي وحماية الأسرة، والحق في مستوى معيشي مناسب، والحق في الصحة البدنية والعقلية، وحق كل فرد في الثقافة مع وجوب جعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومجانياً للجميع مع تيسير التعليم الثانوي والمهني والفني والتعليم العالي فضلاً عن حرية البحث العلمي وحماية الإنتاج العلمي.
أما الحقوق المدنية والسياسية فقد جاء تفصيلها في المواد 6-27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهذه النصوص تعترف بالحق في الحياة مع وجوب عدم توقيع عقوبة الإعدام فيما عدا الجرائم الأكثر خطورة وبشروط وضمانات خاصة، وتحريم التعذيب والعقوبات والمعاملات القاسية وغير الإنسانية، وحظر اخضاع أي فرد دون رضاه للتجارب الطبية أو العلمية، وتحريم الاسترقاق والسخرة والحق في الحرية والسلامة الشخصية، وحق كل منهم في معاملة إنسانية، وتحريم سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته التعاقدية (عدم حبس المدين المعسر) والحق في التنقل والمساواة أمام القضاء والنص على مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وحق كل إنسان في ان يعترف به كشخص أمام القانون وحرمة الحياة الخاصة، وحرية الفكر والضمير والديانة، وتحريم الدعاية للحرب، والدعوات الهادفة إلى بث الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، والحق في الاجتماعات السلمية، والحق في إنشاء الجماعات كتشكيل النقابات والانضمام إليها، والحق في الزواج، وحق الأطفال في الحماية بما في ذلك الحق في الاسم والجنسية، وحق المشاركة في إدارة الشؤون العامة، والمساواة أمام القانون، وعدم التمييز، وحماية الاقليات العنصرية أو الدينية أو اللغوية والتي تتضمن حقهم في التمتع بثقافتهم أو الإعلان عن ديانتهم وإتباع تعاليمهم أو استعمال لغتهم.
المطلب الرابع
الاتفاقيات الأخرى والجرائم الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان
إذا كانت الحماية الدولية لحقوق الإنسان في ظل الأمم المتحدة قد شهدت تطوراً ملحوظاً على المستوى الدولي سواء تعلق الأمر بنشاطات أجهزة المنظمة أو الاتفاقيات الدولية التي تعرضت لحقوق الإنسان بهدف حمايتها فانه لا يمكن انكار الدور الذي لعبته الأمم المتحدة في إبرام هذه الاتفاقيات التي أصبحت تشكل ما يعرف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو فرع جديد للقانون الدولي العام يقوم بتنظيم القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في حالة السلم، وعلى الرغم من ان النقاش الذي سبق ان أثير حول ما إذا كانت المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية تقع ضمن الاختصاص الداخلي لكل دولة قد تم حسمه باتجاه عدم اعتبارها كذلك طبقاً للرأي الراجح في الفقه الدولي فان هناك تساؤولات مختلفة طرحت على مستوى الفقه مضمونها هل ان تحقق الديمقراطية في المجتمعات الوطنية لكل دولة هي واحدة في المبادئ الأساسية الجديدة التي يرتكز عليها القانون الدولي؟ والحقيقة ان جانباً مهماً من المفاهيم الديمقراطية تتحقق فيما لو تم تطبيق مضمون الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وهي اتفاقيات متعددة منها ما أصبحت تكون جزءاً من القانون الجنائي الدولي، وسنتعرض لهذه المفردات عبر فرعين:
الفرع الأول- الصكوك الدولية الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان
توجد اتفاقيات دولية متعددة نظمت جوانب تتعلق بحقوق الإنسان منها:
أولاً: الاتفاقيات الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري
وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذه الاتفاقية عام 1965 وبدأت في السريان عام 1969 وهي تهدف إلى تقنين فكرة المساواة بين الأجناس البشرية المتنوعة.(37)
وتعرف المادة 1/1 منها التمييز العنصري بانه (عبارة تمييز عنصري تعني كل شكل من أشكال التفرقة أو الاستثناء أو التقييد أو التفضيل بسبب الجنس أو اللون أو النسب أو الأصل الوطني أو العرقي، يكون من أغراضه أو آثاره تقويض أو تهديد الاعتراف أو التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو ممارستها في ظروف قوامها المساواة في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو في أي مجال آخر من مجالات الحياة العامة).
ويبدو من هذا التعريف ان المعنى المقصود للتمييز العنصري مفهوم مركب يشترط فيه حدوث فعل محدد أو ترك ينظر إليه ويوصف بانه تمييز أو استثناء أو تفضيل، وان يكون هذا الإجراء أو الترك (الإغفال) الواقعان في نطاق هذا التعريف الوارد في الاتفاقية مبنيين على دوافع معينة هي الجنس واللون والنسب والمنشأ القومي أو العرقي، وان يستهدف هذا الإجراء غرض أو هدف معين أو أثر يتمثل في تقويض أو تهديد الاعتراف أو التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
والحقيقة ان ميثاق الأمم المتحدة يحظر كذلك الممارسات التميزية بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين في المواد (1/3) و (13/ب) و (55/ج) و (76/ج) وهذا هو الحال بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يمنع أي تمييز بسبب اللون … أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر طبقاً لمادته الثانية، وتكرر هذه الاعتبارات في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المواد 2/1 ، 24/1) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 2/2).
وتتطرق الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لمجموعة من الحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منها حق الوصول إلى كافة الأماكن والمرافق المعدة للاستخدام العام كوسائط النقل والفنادق والمطاعم والمنتزهات، وغيرها من الحقوق المدنية الأخرى التي تعددها المادة (5/د) وهي على وجه التحديد الحق في حرية التنقل واختيار السكن وحق مغادرة أي بلد وحق العودة إليه بما فيه بلد الشخص نفسه.(38)
وتحدد المادة (2) من الاتفاقية التزامات الدول الأطراف فيها للقضاء على سائر أشكال التفرقة بالآتي:
1. تتعهد كل دولة طرف في الاتفاقية بالامتناع عن القيام بأي عمل أو ممارسة أي إجراء يتضمن تمييزاً ضد الأشخاص أو المؤسسات، كما ان الدول الأطراف تضمن ان تعمل سلطاتها ومؤسساتها الوطنية طبقاً لهذا الالتزام.
2. تلتزم كل دولة طرف في الاتفاقية بعدم دعم الممارسات التميزية التي تمارس من قبل أي شخص أو منظمة، وعدم الدفاع عنه أو تأييده.
3. تلتزم كل دولة طرف في الاتفاقية باتخاذ الإجراءات الفعالة بهدف مراجعة السياسيات الحكومية، وتعديل أو إلغاء أو إبطال أية قوانين أو لوائح يكون من نتائجها خلق أو إبقاء التمييز العنصري أينما وجد.
4. تلتزم كل دولة طرف في الاتفاقية بمنع التمييز العنصري، وان تنهي كافة الوسائل بما في ذلك التشريع هذه المسالة الممارسة من قبل أي شخص أو مجموعة أو منظمة.
5. تلتزم كل دولة طرف في الاتفاقية بتشجيع المنظمات والحركات الاندماجية المتعددة الأجناس، وغيرها من أساليب إزالة العوائق بين الأجناس المتعددة كلما كان ذلك مناسباً فضلاً عن عدم تشجيع كل ما من شأنه تقوية الانقسام العنصري.(39)
وتلزم الاتفاقية (المادة 6) كل دولة طرف فيها ان تؤمن لكل شخص خاضع لولايتها الحماية الفعلية عن طريق توفير سبل الانتصاف إذا ما تعرض لفعل يشكل خرقاً للاتفاقية، وما جاءت به من حقوق فردية وحريات أساسية سواء أمام المحاكم الوطنية أو أية هيئات حكومية أخرى مختصة ويحق لكل شخص انتهكت حقوقه المضمونة في هذه الاتفاقية المطالبة بالتعويض عن الضرر.
أما المادة (8) من الاتفاقية فقد أكدت على المبدأ الذي نصت عليه المادة (2/3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتمثل بقيام النظم القانونية الوطنية أو المحلية بتأمين حق رفع الدعوى ضد أي خرق لحقوق الإنسان، كما تنص الاتفاقية على إنشاء لجنة من أجل القضاء على التمييز العنصري تتكون من (18) خبيراً مشهوداً لهم بعدم التحيز والخلق العالي تختارهم الدول الأطراف من بين رعاياها تقوم بالأعمال الآتية:
أ- فحص التقارير التي تتسلمها من الحكومات وتقديم التوصيات والاقتراحات بصددها.
ب- التوصل إلى تسويات بصدد بعض المنازعات الدولية المتعلقة بتطبيق الاتفاقية.
ج- استلام وفحص البلاغات الصادرة عن أشخاص أو مجموعات من الأشخاص يشكون من اعتداء وقع عليهم من جانب دولة طرف اشتركت في الإعلان المنصوص عليه في المادة (14) من الاتفاقية.
د- التعاون مع أجهزة الأمم المتحدة المختصة فيما يتعلق بالتظلمات الصادرة عن سكان الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي.(40)
ثانياً: التنظيم الخاص بالوضع القانوني للمرأة
ساوى ميثاق الأمم المتحدة بين الرجل والمرأة بعبارات وردت في ديباجته والتي أكدت على ان شعوب الأمم المتحدة قد آلت على نفسها (ان تؤكد من جديد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء …… من حقوق متساوية) ، وأكدت المادة (1) من الميثاق على عدم وجود تفريق بين الرجال والنساء في مساعي الأمم المتحدة المتعلقة بتعزيز احترام حقوق الإنسان، وهذا النهج سارت عليه نصوص الميثاق الأخرى كالمواد (8) و (13) و (55) و (76) ، وينص العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان لعام 1966 على مبدأ عدم التمييز بين الرجل والمرأة وورد هذا المبدأ في صكوك دولية متعددة تناولت الحقوق الخاصة بالمرأة، كاتفاقية الحقوق السياسية للمرأة، والاتفاقية الدولية بشأن جنسية المرأة المتزوجة، والاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والاعراف والممارسات الشبيهة بالرق.(41)
ان أبرز الاتفاقيات التي نظمت الوضع القانوني للمرأة المتعلق بحقوقها وحرياتها هي اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة التي وافقت عليها الجمعية العامة عام 1952 والتي أشارت مقدمتها إلى رغبة الدول في احترام مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.(42)
كما تضمنت أحكامها المساواة بين الرجال والنساء وحق التصويت في جميع الانتخابات بشروط متساوية (المادة 1) بينما نصت المادة (2) على ان (للنساء أهلية في ان يتم انتخابهن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع المنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز).
أما المادة (3) فقد أشارت إلى حق النساء وأهليتهن في تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط متساوية مع الرجال ودون تمييز.(43)
الاتفاقية الثانية التي أنصبت على مكافحة التمييز ضد المرأة تعرف باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة في 18 كانون الأول 1979 والتي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 3 أيلول 1981 حيث تم انشاء لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة طبقاً للمادة (17) من الاتفاقية عام 1982 وهي تختص بالنظر في تقارير الدول الأطراف عن التدابير التي قامت بها لتنفيذ أحكام الاتفاقية فضلاً عن إعداد مقترحات وتوصيات ورفع تقرير سنوي إلى الجمعية العامة، وهي تتألف من (23) عضواً تنتخبهم الدول الأطراف لمدة أربع سنوات، وتجتمع في فيينا لمدة أسبوعين مرة واحدة في السنة.(44)
وتنص هذه الاتفاقية في المادة (7) على ان الدول الأطراف تتعهد بكفالة المساواة مع الرجل في مجالات متعددة منها التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام فضلاً عن المشاركة في صنع سياسة الحكومة وتنفيذها، وفي شغل الوظائف العامة، وتأدية المهام العامة على المستويات الحكومية كافة كما تلتزم الدول طبقاً للاتفاقية بمشاركة النساء على قدم المساواة مع الرجال في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تعنى بالحياة العامة السياسية للبلد، وتكفل الحكومة مشاركة المرأة في عملية اتخاذ القرارات على الصعيد الوطني والحكومي والمحلي بواسطة تدابير تشريعية وإدارية كما ينبغي القيام بأنشطة خاصة لزيادة توظيف وتعيين وترقية المرأة وعلى وجه الخصوص في مناصب اتخاذ القرارات وتقرير السياسات.(45)
أما الاتفاقية المعنية بجنسية المرأة المتزوجة اتفق الأطراف فيها على انه لا يجوز ان يكون لعقد الزواج أو انفصال الرابطة الزوجية فيما بين مواطنين وأجانب أو لتغيير جنسية الزوج أثناء الزواج أثر تلقائي في جنسية المرأة.(46)
أخيراً نشير إلى صدور إعلانات متعددة من جهات مختلفة ومؤتمرات دولية عقدت في أكثر من بلد تطرقت لموضوع أوضاع المرأة بقصد تحسينها أو الدفع بهذا الاتجاه منها الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993(47) فضلاً عن صدور البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1999.(48)
ثالثاً: الاتفاقيات الخاصة بالجنسية وانعدامها واللاجئين
تعد المسائل المتعلقة بالجنسية واللاجئين من القضايا المهمة المطروحة على مستوى البحث والحقيقة ان هناك ارتباط حقيقي بين مستوى الجنسية وانعدامها والوضع الخاص باللاجئين إذ ان مشكلات اللجوء قد أخذت في التفاقم بدرجة ملحوظة مع تزايد حدة الصراعات والمنازعات الداخلية والدولية فضلاً عن استمرار بقاء نظم الحكم الشمولية التي غالباً ما تبالغ في انتهاكات حقوق الإنسان والتنكيل بالمعارضين السياسيين، وهذا الوضع يصاحبه اسقاط للجنسية في حالات معينة، ومن ثم فان هناك مجالين للبحث هنا: الأول يتعلق بالتنظيم القانوني للجنسية وحالة انعدامها والثاني يخص الوضع القانوني للاجئين.
1. الاتفاقيات الخاصة بالجنسية وانعدامها
تعرف الجنسية باعتبارها رابطة قانونية وسياسية بين شخص ودولة تترتب عليها مجموعة من الحقوق والالتزامات المتقابلة وطبقاً للمادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فان الجنسية حق لكل شخص.
والحقيقة ان الجنسية تعد شرطاً مسبقاً لنشاط دولي معين إذ انها ذو صلة في مجال القانون الدولي بقدر تعلق الأمر بالولاية على الأشخاص، وعلى وجه التحديد بموضوع الحماية الدولية التي تؤمنها دولة ما لشخص معين باعتبار الجنسية أحد شروط ممارسة هذه الحماية، وقد تم إقرار عدد من الاتفاقيات الدولية تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة نظمت بعض الجوانب القانونية المتعلقة بالجنسية وحالة اللاجنسية منها الاتفاقية المتعلقة بجنسية المرأة المتزوجة لعام 1957 والتي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 11 آب 1958.
الاتفاقية الثانية هي الاتفاقية المتعلقة بوضع عديمي الجنسية المعتمدة بتاريخ 28 ايلول 1954 والتي تولت معالجة بعض الجوانب الخاصة بوضع عديمي الجنسية، وهو وضع فيه امتهان لكرامة الإنسان واهدار لإنسانيته ولامكانية تمتعه بالحقوق والحريات في دولة ما إلا بصفته كأجنبي مع استمرار حالة اللاجنسية لصيقة به، وطبقاً للمادة (1) من الاتفاقية يقصد بمصطلح (عديم الجنسية) (كل شخص لا تعتبره أية دولة واحداً من رعاياها بمقتضى أحكام تشريعاتها)، وتنص هذه الاتفاقية على مجموعة من الواجبات التي تقع على كاهل عديم الجنسية تجاه البلد الذي يعيش فيه كالامتثال لقوانين هذا البلد وأنظمته وخضوعه للتدابير التي تتخذ للمحافظة على النظام العام، والحقيقة ان المعاملة التي يعامل بها عديم الجنسية لا تختلف على وجه العموم عن معاملة اللاجئ بموجب الاتفاقية الخاصة باللاجئين، وبناءاً على ما تقدم نصت المادة (3) المشتركة في الاتفاقيتين على (تطبق الدول المتعاقدة أحكام هذه الاتفاقية على عديمي الجنسية (اللاجئين) دون أي تمييز بسبب الجنس أو الديانة أو بلد المنشأ).
إلا انه بخصوص بعض الحقوق يلاحظ ان عديمو الجنسية يحصلون على وضع أقل من وضع اللاجئين فحق الاجتماع والعمل بأجر يتعين على الدول المتعاقدة ان تمنح الأشخاص عديمو الجنسية المقيمون بشكل قانوني على أراضيهم معاملة مماثلة بقدر الإمكان، وهي لا تقل رعاية بأي من الأحوال عن تلك الممنوحة في الظروف نفسها للأجانب على وجه العموم، وهذا ما قضت به المواد (15) و (17).(49)
الاتفاقية الأخرى المتعلقة بحق الجنسية هي اتفاقية تقليل حالات انعدام الجنسية المعتمدة بتاريخ 30 آب 1960 والتي دخلت حيز التنفيذ في 13 كانون الأول 1975 وحاولت من خلال نصوصها تحسين أوضاع عديمي الجنسية حيث تضمنت بعض الأحكام منها ضرورة قيام الدول الأطراف بمنح جنسيتها لأي شخص ولد على أراضيها، وإذا لم يمنح جنسية هذه الدولة سيصبح عديم الجنسية إذ تمنح هذه الجنسية عند الولادة بحكم القانون أو بناءاً على طلب يقدم طبقاً لقانون الجنسية في الدولة المعنية إلى الجهة المختصة من جانب صاحب الشأن أو من ينوب عنه إلا انه يجوز للدولة الطرف في المعاهدة اخضاع منح جنسيتها لشروط معينة، وهذا هو حكم المادة (1) من الاتفاقية.
المادة الثانية نصت على ان أي لقيط يعثر عليه داخل أراضي الدولة الطرف يعتبر ما لم يثبت العكس، انه مولود على أراضي هذه الدولة من أبوين يحملان جنسيتها.
وفي حالة وجود نص في قانون جنسية دولة طرف يتضمن سقوط الجنسية بسبب تغيير في الحالة المدنية كالزواج او الإقرار بالشرعية او الاعتراف أو التبني يشترط قبل إسقاط الجنسية ان يكون الشخص حائزاً لجنسية دولة أخرى أو مكتسباً لها (م5) كما نصت المادة (8) منها على عدم جواز ان تقوم دولة ما بحرمان شخص من جنسيته إذا ترتب على هذا الحرمان قيام حالة اللاجنسية مع وجود بعض الاستثناءات على هذه الحالة، بينما نصت المادة (9) على عدم جواز حرمان أي شخص من جنسيته أو أية مجموعة لأسباب تتعلق بالجنس أو العرق أو الديانة أو السياسة.(50)
2. الحماية الدولية للاجئين(51)
تعد اتفاقية عام 1933 الخاصة بوضع اللاجئين على المستوى الدولي المعاهدة الأولى التي حددت وضعاً دولياً للاجئين، ثم عقدت اتفاقية أخرى عام 1938 تخص اللاجئين المنحدرين من ألمانيا، وأخيراً عقدت الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 تموز 1951(54) ودخلت حيز النفاذ بتاريخ 22 نيسان 1954 وتعرف الاتفاقية في مادتها الأولى اللاجئ باعتباره (كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته/ جنسيتها أو بلد إقامته/ إقامتها المعتادة وعنده خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر أو الدين أو القومية أو الإنتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب الرأي السياسي ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد ان يستظل/تستظل بحماية البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد).(53)
وتحدد الاتفاقية حقوق اللاجئين بما في ذلك حقوقه المتعلقة بحرية العقيدة والتنقل من مكان إلى آخر، والحق في التعلم، والحصول على وثائق السفر، واتاحة الفرصة للعمل، وتشدد على أهمية التزاماته تجاه الحكومة أو الدولة المضيفة حيث ينص أحد الأحكام الرئيسية في الاتفاقية على حظر إعادة اللاجئين أو ردهم إلى بلد يخشى فيه من التعرض للاضطهاد، وتحدد الاتفاقية الأشخاص أو مجموعة الأشخاص الذين لا تشملهم هذه الاتفاقية، وهم الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد السلام، أو جريمة حرب، أو الجرائم الإنسانية أو جرائم جسيمة غير سياسية خارج بلد اللجوء.(54)
وقد تعهدت الاتفاقية بإعطاء اللاجئين معاملة لا تقل من حيث الدعاية عن تلك الممنوحة لمواطنيها خاصة فيما يخص بعض الحقوق مثل حرية ممارسة الشعائر الدينية، والتقاضي أمام المحاكم، والتعليم الأولي، والأمن الاجتماعي، والإغاثة العامة، ويعطى اللاجئون فيما يتعلق بحقوق الملكية معاملة لا تقل في جميع الأحوال عن تلك الممنوحة للأجانب عموماً، وتنص الاتفاقية على عدم جواز طرد أو رد اللاجئ دون إرادته إلى حدود أراضي البلد الذي هرب منه أو ان يتم طرده إلى بلد تكون حياته فيه وحريته عرضة للخطر بسبب جنسه أو جنسيته أو آرائه السياسية أو معتقداته الدينية أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، إلا انه لا يحق للاجئ التمسك بهذه الأحكام إذا ما توافرت بحقه أسباب مقبولة وجيهة تقود إلى اعتباره خطراً على أمن البلد الموجود فيه أو سبق وادين طبقاً لحكم بات بجرم هام يشكل خطراً على مجتمع ذلك البلد (م33).
أما بروتوكول 1967 الذي عد نافذاً في 4 تشرين الأول 1967 بانضمام ست دول إليه وأدى إلى اعتماده، فقد جاء باضافة جديدة إذ ان المادة الأولى من اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين لعام 1951 قد أوردت قيدين لتحديد مفهوم اللاجئ عند صدورها: الأول زمني، والثاني جغرافي إذ اقتصر مفهوم اللاجئ على الذين اصبحوا لاجئين نتيجة أحداث وقعت قبل الأول من كانون الثاني 1951 دون غيرهم بينما تعرضت الاتفاقية لمشكلة تمثلت بعدم امكان اعتبار أي شخص لاجئاً إذا كان تركه لبلده للأسباب المبينة في ال