الوجيز في القانون الإداري… الدكتور مازن ليلو راضي 4
ثالثاً : وسائل الضبط الإداري.
يجب أن تكون الوسائل التي استخدمتها سلطات وهيئات الضبط الإداري مشروعة ، وفى القيود التي استقر القضاء على ضرورة اتباعها واستخدام الإدارة لوسائل الضبط الإداري لا يجوز أن يترتب على استعمال هذه الوسائل تعطيل التحريات العامة بشكل مطلق لان ذلك يعد إلغاء لهذه الحريات ، والحفاظ على النظام العام لا يلتزم غالباً هذا الإلغاء وإنما يكتف بتقيدها . ومن ثم يجب أن يكون الحظر نسبياً ، إي إن يكون قاصراً على زمان أو مكان معينين.
وعلى ذلك تكون القرارات الإدارية التي تصدرها سلطة الضبط الإداري بمنع ممارسة نشاط عام منعاً عاماً ومطلقاً غير مشروعة . ( )
رابعاً: ملائمة قرارات الضبط الإداري.
لا يكفى أن يكون قرار الضبط الإداري جائزا قانوناً أو انه قد صدر بناءً على أسباب جدية ، إنما تتسع رقابة القضاء لبحث مدى اختيار الإدارة الوسيلة الملائمة للتدخل ، فيجب أن لا تلجأ إلى استخدام وسائل قاسية أو لا تتلائم مع خطورة الظروف التي صدر فيها.
ومن الضروري أن نبين أن سلطة القضاء في الرقابة على الملائمة هي استثناء على القاعدة العامة في الرقابة على أعمال الإدارة فالأصل هو استقلال الإدارة في تقدير ملائمة قراراتها ، لكن بالنظر لخطورة قرارات الضبط على الحقوق والحريات فان القضاء يبسط رقابته على الملائمة . ( )
وفى هذا المجال لا يجوز مثلاً لرجال الأمن أن يستخدموا إطلاق النار لتفريق تظاهره في الوقت الذي كان استخدام الغاز المسيل للدموع أو خراطيم المياه كافياً لتحقيق هذا الغرض.
المطلب الثاني: حدود سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية.
قد تطرأ ظروف استثنائية تهدد سلامة الدولة كالحروب والكوارث الطبيعية ، وتجعلها عاجزة عن توفير وحماية النظام العام باستخدام القواعد والإجراءات السابق بيانها . وفى هذه الحالة لابد أن تتسع سلطات هيئات الضبط لمواجهة هذه الظروف من خلال تمكينها من اتخاذ إجراءات سريعة وحازمة لمواجهة الظرف الاستثنائي.
على أن الظرف الاستثنائي أيا كانت صورته حرباً أو كوارث طبيعية لا يجعل الإدارة في منأى من رقابة القضاء بشكل مطلق ، فلا يعدو أن يكون الأمر توسعاً لقواعد المشروعية ، فالإدارة تبقى مسؤولة في ظل الظروف الاستثنائية على أساس الخطأ الذي وقع منها، غير أن الخطأ في حالة الظروف الاستثنائية يقاس يميزان آخر غير أن ذلك الذي يقاس به الخطأ في الظروف العادية.
أولاً : التنظيم القانوني لسلطة الضبط في الظروف الاستثنائية.
وحيث أن نظام الظروف الاستثنائية من شأنه المساس المباشر بحقوق وحريات الأفراد التي يكفلها الدستور ، فلابد أن يتدخل المشرع لتحديد ما إذا كان الظرف استثنائياً أو لا, ويتم ذلك باتباع أسلوبين : الأول أن تصدر قوانين تنظيم سلطات الإدارة في الظروف الاستثنائية بعد وقوعها ، ويتسم هذا الأسلوب بحماية حقوق الأفراد وحرياتهم لأنه يحرم السلطة التنفيذية من اللجوء إلى سلطات الظروف الاستثنائية إلا بعد موافقة السلطة التشريعية ، ويعيبه أن هناك من الظروف الاستثنائية ما يقع بشكل مفاجئ لا يحتمل استصدار تلك التشريعات بالإجراءات الطويلة المعتادة ( ) , بينما يتمخض الأسلوب الثاني عن وجود قوانين منظمة سلفاً لمعالجة الظروف الاستثنائية قبل قيامها ويرخص الدستور للسلطة التنفيذية بإعلان حالة الظروف الاستثنائية والعمل بمقتضى هذه القوانين .
ولا يخضى ما لهذا الأسلوب من عيوب تتمثل في احتمال إساءة الإدارة سلطتها في إعلان حالة الظروف الاستثنائية في غير أوقاتها للاستفادة مما يمنحه لها المشرع من صلاحيات في تقييد حريات الأفراد وحقوقهم.
وقد اخذ المشرع الفرنسي بالأسلوب الأخير إذا منحت المادة السادسة عشرة من دستور الجمهورية الخامسة الصادر عام 1958 رئيس الجمهورية الفرنسية سلطات واسعة من اجل مواجهه الظروف الاستثنائية.
الفصل الثاني
المرفق العام
يعد المرفق العام المظهر الإيجابي لنشاط الإدارة وتتولاه الإدارة بنفسها أو بالاشتراك مع الأفراد , وتسعى من خلاله إلى إشباع الحاجات العامة . وتعد فكرة المرافق العامة من أهم موضوعات القانون الإداري وترد إليها معظم النظريات والمبادئ التي ابتدعها القضاء الإداري كالعقود الإدارية والأموال العامة والوظيفة العامة.
ونبين في هذا الجزء من الدراسة مفهوم المرفق العام والمبادئ التي تحكم المرافق العامة وأخيراً طرق إدارة المرافق العامة وذلك في ثلاثة مباحث على النحو التالي :
المبحث الأول : مـاهيــة المــرفــق العام .
المبحث الثاني : المبادئ التي تحكم المرافق العامة .
المبحث الثالث : طـرق إدارة المـرافـق العامة .
الفصل الأول
ماهية المرفق العام
البحث في ماهية المرفق العام يستدعي منا أن نبين تعريفه وعناصره ، ثم نستعرض أنواع المرافق العامة ونوضح أخيراً إنشاء وإلغاء هذه المرافق.
المطلب الأول : تعريف وعناصر المرفق العام
ليس من السهل تعريف المرفق العام، ولعل صعوبة تعريفه تعود إلى أن عبارة المرفق العام مبهمة ولها معنى عضوي و أخر موضوعي . ( )
المعنى العضوي ويفيد المنظمة التي تعمل على أداء الخدمات وإشباع الحاجات العامة، ويتعلق هذا التعريف بالإدارة أو الجهاز الإداري. أما المعنى الموضوعي فيتعلق بالنشاط الصادر عن الإدارة بهدف إشباع حاجات عامة والذي يخضع لتنظيم وإشراف ورقابة الدولة.
وعلى ذلك يمكن القول بأن المرفق العام هو في حالة السكون المنظمة التي تقوم بنشاط معين ، أما في حالة الحركة فهو النشاط الذي يهدف إلى إشباع حاجات عامة بغض النظر عن الجهة التي تؤديه.
وقد تراوح التعريف بين هذين المعنيين فقد أكد بعض الفقهاء على العنصر العضوي للمرفق العام، بينما تناوله البعض الأخر من الناحية الوظيفية أو الموضوعية , وبعد أن كان القضاء الإداري في فرنسا ومصر يتبنى المعنى العضوي، تطورت أحكامه للجميع بين المعنيين، ثم استقر فيما بعد على المعنى الموضوعي فعرف المرفق العام بأنه النشاط الذي تتولاه الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى، مباشرة أو تعهد به لأخرين كالأفراد أو الأشخاص المعنوية الخاصة، ولكن تحت إشرافها ومراقبتها وتوجيهها وذلك لإشباع حاجات ذات نفع عام تحقيقاً للصالح العام .( )
وفي ذلك يعرف الأستاذ “رفيرو” المرفق العام بمعناه الوظيفي بأنه نشاط يهدف إلى تحقيق الصالح العام .( )
ويعرفه الدكتور طعيمة الجرف بأنه ” نشاط تتولاه الإدارة بنفسها أو يتولاه فرد عادي تحت توجيهها ورقابتها وإشرافها بقصد إشباع حاجة عامة للجمهور” . ( )
وفي الحقيقة يمكن الجمع بين المعنى العضوي والوظيفي للوصول إلى تعريف سليم للمرفق العام لوجود التقاء بين المعنيين ، عندما تسعى الهيئات العامة التابعة لشخص من أشخاص القانون العام إلى تحقيق النفع العام وإشباع حاجات الأفراد، وهذا يحصل دائماً في المرافق العامة الإدارية.
غير أن تطور الحياة الإدارية، والتغيرات الكبيرة التي طرأت في القواعد التي تقوم عليها فكرة المرافق العامة أدى إلى ظهور المرافق العامة الاقتصادية أو التجارية التي يمكن أن تدار بواسطة الأفراد أو المشروعات الخاصة مما قاد إلى انفصال العنصر العضوي عن الموضوعي وأصبح من حق الإدارة أن تنظم نشاط معين في صورة مرفق عام وتعهد به إلى الأفراد فيتوافر فيه العنصر الموضوعي دون العضوي.
وقد اعترف مجلس الدولة في فرنسا للمرافق الاقتصادية والتجارية بصفة المرفق العام، بل أطلق هذه الصفة على بعض المشروعات الخاصة ذات النفع العام التي تخضع لترخيص أداري مقيد ببعض الشروط، وفق ما يعرف بفكرة المرافق العامة الفعلية .( )
وفي الاتجاه ذاته اعترف القضاء الإداري في مصر للمرافق الاقتصادية بصفة المرافق العامة وأخضعها لنظام القانون العام . ( )
عناصر المرفق العام
من التعريف السابق يتضح أن هناك ثلاثة عناصر يجب توافرها حتى يكتسب المشروع صفة المرفق العام ويعود العنصر الأول إلى الهدف الموكل إلى المرفق الذي يقوم بالنشاط والثاني ارتباط المشروع بالإدارة ورقابتها لسير العمل فيه وأخيراً استخدام امتيازات السلطة العامة .
أولاً : عنصر الهدف .
لابد أن يكون الغرض من المرفق العام تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد أو تقديم خدمة عامة، وهذه الحاجات أو الخدمات قد تكون مادية كمد الأفراد بالمياه والكهرباء أو معنوية كتوفير الأمن والعدل للمواطنين.
وعلى ذلك يعد تحقيق النفع العام من أهم العناصر المميزة للمرفق العام عن غيره في المشروعات التي تستهدف تحقيق النفع الخاص أو تجمع بين هذا الهدف وهدف إشباع حاجة عامة أو نفع عام.
ومع ذلك فإن تحقيق بعض المرافق العامة للربح لا يعني حتماً فقدها صفة المرفق العام، طالما أن هدفها الرئيس ليس تحقيق الربح، وإنما تحقيق النفع العام كما أن تحصيل بعض المرافق لعوائد مالية لقاء تقديمها الخدمات إلى المواطنين كما هو الحال بالنسبة لمرفق الكهرباء والقضاء لا يسعى لكسب عوائد مالية بقدر ما بعد وسيلة لتوزيع الأعباء العامة على كل المواطنين .( )
ومع ذلك فان هدف المنفعة العامة الذي اعترف القضاء الإداري به عنصراً من عناصر المرفق العام لا يمكن تحديده بدقة ، فهو الهدف قابل للتطور ويتوقف على تقدير القاضي إلى حد كبير .
وفي هذا السبيل ذهب جانب من الفقه إلى أن الذي يميز المرفق العام، أن المشروعات التي تنشئوها الدولة تعتبر مرافق عامة لأنها تستهدف تحقيق وجهاً من وجوه النفع العام الذي عجز الأفراد وأشخاص النشاط الخاص عن القيام بها، أولا يستطيعون القيام بها على أكمل وجه .( )
إلا أن المتتبع لأحكام القضاء الإداري الفرنسي يجد أنه اعتبر الكثير من النشاطات تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة، رغم إن نشاطها من السهل أن يتولاه الأفراد، ومن ذلك حكم Terrier 1903 المتعلق بقتل الثعابين ، وحكم Therond 1910 الخاص برفع جثث الحيوانات .( )
ثانياً : عنصر الإدارة
تقوم الدولة بإنشاء المرافق العامة ويجب أن يكون نشاط المرفق العام منظماً من جانب الإدارة وموضوعاً تحت إشرافها ورقابتها، وخاضعاً لتوجيهها لضمان عدم انحرافه عن المصلحة العامة لحساب المصالح الخاصة( ).
وإذا عهدت الإدارة إلى أحد الأشخاص المعنوية العامة بإدارة المرافق فإن هذا لا يعني تخليها عن ممارسة رقابتها وإشرافها عليه من حيث تحقيقه للمصلحة العامة وإشباع الحاجات العامة للأفراد، ونفس الأمر إذا أصبحت الإدارة بيد هيئة خاصة بمقتضيات المصلحة العامة تقتضي النص على إخضاع هذه الهيئة الخاصة كاملة فلا نكون أمام مرفق عام.
مع إن هناك جانب من الفقه تؤيده بعض أحكام مجلس الدولة الفرنسي يذهب إلى أن هناك ما يمكن تسميته بالمرافق العامة الفعلية , وتخضع لبعض أحكام المرافق العامة، لأن هذا الاتجاه يتعارض والمستقر في مبادئ وأحكام القانون الإداري التي تقضي بضرورة وجود نص يخول الإدارة إنشاء المرافق العامة.
ثالثاً : وجود امتيازات السلطة العامة :-
يلزم لقيام المرافق العامة أن تتمتع الجهة المكلفة بإدارة المرفق العام بامتيازات غير مألوفة في القانون الخاص تلائم الطبيعة الخاصة للنظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة.
غير أن هذا الشرط مختلف فيه بين الفقهاء على اعتبار أن التطورات الاقتصادية وتشعب أنشطة الإدارة أفرزت إلى جانب المرافق العامة الإدارية مرافق عامة صناعية وتجارية تخضع في الجانب الأكبر من نشاطها إلى أحكام القانون الخاص كما أن خضوع المرفق للقانون العام هو مجرد نتيجة لثبوت الصفة العامة للمرفق ، ومن غير المنطقي أن تعرف الفكرة بنتائجها .( )
غير أننا لا نتفق مع هذا الرأي من حيث أن المرافق العامة الصناعية والتجارية وأن كنت تخضع في بعض جوانبها لأحكام القانون الخاص فأنها لا تدار بنفس الكيفية التي تدار بها المشروعات الخاصة كما أن إرادة المشرع في إنشائها تضعها في إطار نظام قانوني غير مألوف وأن لم تتضمن امتيازات غير مألوفة في القانون الخاص.
ومن هنا نرى ضرورة خضوع المرافق العامة لنظام قانوني متميز عن نظام القانون الخاص بسبب طبيعتها المتميزة واستهدافها المصلحة العامة ومن قبيل ذلك حقها في التنفيذ المباشر وحقها في استيفاء الرسوم، وهذا ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي .( )
المطلب الثاني :أ نـواع المرافق العامة
لا تأخذ المرافق العامة صورة واحدة بل تتعدد أنواعها تباعاً للزاوية التي ينظر منها إليها ، فمن حيث طبيعة النشاط الذي تمارسه تنقسم إلى مرافق إدارية ومرافق اقتصادية، ومرافق مهنية، ومن حيث استقلالها تنقسم إلى مرافق ذات شخصية معنوية مستقلة ومرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية، ومن حيث نطاق نشاطها إلى مرافق قومية وأخرى محلية .
ومن حيث مدى الالتزام بإنشائها إلى مرافق اختيارية ومرافق إجبارية.
أولاً : المرافق العامة من حيث طبيعة نشاطها .
تنقسم المرافق العامة من حيث موضوع نشاطها أو طبيعة هذا النشاط ‘لى ثلاثة أنـواع :
1. المرافق العامة الإدارية :-
يقصد بالمرافق العامة الإدارية تلك المرافق التي تتناول نشاطاً لا يزاوله الأفراد عادة أما بسبب عجزهم عن ذلك أو لقلة أو انعدام مصلحتهم فيه، ومثالها مرافق الدفاع والأمن والقضاء .( )
وتخضع المرافق الإدارية من حيث الأصل لأحكام القانون الإداري، فعمالها يعتبرون موظفين عموميين وأموالها أموالاً عامة، وتصرفاتها أعمالاً إدارية، وقراراتها تعد قرارات إدارية وعقودها عقوداً إدارية، وبمعنى أخر تتمتع المرافق العامة الإدارية باستخدام امتيازات السلطة العامة لتحقيق أهدافها . إلا أنها قد تخضع في بعض الأحيان استثناء لأحكام القانون الخاص، وذلك عندما يجد القائمون على إدارتها أن هذا الأسلوب يكفي لتحقيق أهداف المرفق وتحقيق المصلحة العامة .
2. المرافق الاقتصادية :-
بفعل الأزمات الاقتصادية وتطور وظيفة الدولة ظهر نوع أخر من المرافق العامة يزاول نشاطاً تجارياً أو صناعياً مماثلاً لنشاط الأفراد و تعمل في ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الخاصة، وبسبب طبيعة النشاط الذي تؤديه هذه المرافق دعا الفقه والقضاء إلى ضرورة تحرير هذه المرافق من الخضوع لقواعد القانون العام.
والأمثلة على هذه المرافق كثيرة ومنها مرفق النقل والمواصلات ومرفق توليد المياه والغاز ومرفق البريد.
وقد اختلف الفقه حول معيار تمييز المرافق العامة الاقتصادية عن المرافق العامة الإدارية وعلى النحو التالي:-
أ- المعيار الشكلي
يعتمد هذا المعيار على أساس شكل المشروع أو مظهره الخارجي فإذا اتخذ المشروع شكل المشروعات الخاصة كما لو تمت إدارته بواسطة شركة فأنه مرفق اقتصادي , وبعكس ذلك لو تمت إدارته بواسطة الإدارة أو تحت رقابتها وإشرافها وباستخدام أساليب السلطة العامة فهو مرفق عام إداري.
ب- معيار الهدف .
اتجه هذا المعيار إلى التمييز بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية على أساس الغرض الذي يستهدفه المرفق، فالمرافق الاقتصادية تقوم بنشاط صناعي أو تجاري يهدف إلى تحقيق الربح مثلما هو الحال في المشروعات الخاصة.
في حين لا تسعى المرافق الإدارية إلى تحقيق الربح بل تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد .
غير أن هذا المعيار يتسم بالقصور من حيث أن الربح الذي تحققه المرافق الاقتصادية ليس الغرض الأساسي من إنشائها بل هو أثر من آثار الطبيعة الصناعية أو التجارية التي تمارسها فهي تستهدف أساساً تحقيق المنفعة العامة .( )
كما أن المرافق الإدارية يمكن أن تحقق ربحاً من جراء ما تتقاضاه من رسوم تقوم بتحصيلها مقابل الخدمات التي تقدمها.
ج- معيار القانون المطبق
ذهب جانب من الفقه إلى التمييز بين المرافق العامة الاقتصادية والمرافق العامة الإدارية على أساس النظام القانوني الذي يخضع له المرفق .
فإذا كان يخضع لأحكام القانون الخاص اعتبر المرفق اقتصادياً وعلى العكس من ذلك إذا كان يخضع لأحكام القانون العام فهو مرفق عام إداري .
غير أن هذا المعيار غير سليم ولا يتفق مع المنطق لأن المطلوب هو تحديد نوع المرفق العام قبل إخضاعه لنظام قانوني معين، وليس العكس أي أن خضوع المرفق الاقتصادي لقواعد القانون الخاص هو نتيجة لثبوت الصفة الاقتصادية للمرفق.
كما أن خضوع المرفق العام للقانون الخاص مجرد قرينة على أن هذا المرفق ذو صفة اقتصادية ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بثبوت هذه الصفة قطعاً .( )
د – معيار طبيعة النشاط :-
ذهب رأي أخر من الفقه وهو الرأي الراجح إلى أن المرفق يكون اقتصادياً إذا كان النشاط الذي يقوم به يعد نشاطاً تجارياً بطبيعته طبقاً لموضوعات القانون التجاري، ويعتبر المرفق مرفقاً عاماً إدارياً إذا كان النشاط الذي يمارسه نشاطاً إدارياً ومما يدخل في نطاق القانون الإداري.
وقد أخذ بهذا الرأي جانب كبير من الفقهاء، ومع أن القضاء الإداري في فرنسا لم يعتمد معياراً واحداً منها وإنما أخذ بمعيار يقوم على فكرتين أو عنصرين :-
العنصر الأول : ويعتمد على موضوع وطبيعة النشاط الذي يمارسه المرفق الاقتصادي الذي يتماثل مع النشاط الخاص.
العنصر الثاني : يتعلق بالأساليب وطرق تنظيم وتسيير المرفق في ظل ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الصناعية .( )
أما بخصوص القانون الذي تخضع له المرافق الاقتصادية فقد استقر القضاء الإداري على أن تخضع لقواعد القانون الخاص في نشاطها ووسائل إدارتها، مع خضوعها لبعض قواعد القانون العام من قبيل انتظام سير المرافق العامة والمساواة بين المنتفعين بخدماتها وقابليتها للتغيير بما يتلائم مع المستجدات وتمتعها ببعض امتيازات السلطة العامة اللازمة لحسن أدائها لنشاطها مثل نزع الملكية للمنفعة العامة، والاستيلاء المؤقت، وينعقد الاختصاص في هذا الجانب من نشاطها لاختصاص القضاء الإداري .
وبهذا المعنى فهي تخضع لنظام قانوني مختلط يجمع بين أحكام القانون الخاص والقانون العام معاً، إلا أن العمل قد جرى في القضاء الليبي على استثناء المرافق العامة الاقتصادية التي تدار من قبل الشركات والمنشآت العامة من تطبيق أحكام القانون الإداري فلم يعتبر العاملين فيها موظفين عامين كما أن الأعمال الصادرة منها لا ترقى إلى مرتبة القرارات الإدارية ويخضع نظامها المالي لحكام القانون الخاصة، وتعتبر العقود التي تبرمها عقوداً خاصة . ( )
3- المرافق المهنية :-
وهي المرافق التي تنشأ بقصد توجيه النشاط المهني ورعاية المصالح الخاصة بمهنة معينة، وتتم إدارة هذه المرافق بواسطة هيئات أعضائها ممن يمارسون هذه المهنة ويخولهم القانون بعض امتيازات السلطة العامة .مثل نقابات المهندسين والمحامين والأطباء وغيرها من النقابات المهنية الأخرى.
وقد ظهر هذا النوع من المرافق عقب الحرب العالمية الثانية لمواجهة المشاكل التي كان يتعرض لها أصحاب هذه المهن والدفاع عنهم وحماية مصالحهم، لا سيما في فرنسا التي ظهرت فيها لجان تنظيم الإنتاج الصناعي عام1940 .
وتخضع هذه المرافق لنظام قانوني مختلط فهي تخضع لنظام القانون العام واختصاص القضاء الإداري في بعض المنازعات المتعلقة بنشاطها غير أن الجانب الرئيس من نشاطها يخضع لأحكام القانون الخاص.
فالمنازعات المتعلقة بنظامها الداخلي وعلاقة أعضائها بعضهم ببعض وشؤونها المالية تخضع للقانون الخاص ولاختصاص المحاكم العادية، أما المنازعات المتصلة بمظاهر نشاطها كمرفق عام وممارستها لامتيازات السلطة العامة فتخضع لأحكام القانون العام واختصاص القضاء الإداري .( )
ومن ثم فإن المرافق المهنية تتفق مع المرافق العامة الاقتصادية من حيث خضوعها لنظام قانوني مختلط، غير أن نظام القانون العام يطبق بشكل أوسع في نطاق المرافق المهنية ويظهر ذلك في امتيازات القانون العام التي يمارسها المرفق، في حين ينحصر تطبيقه في مجال تنظيم المرفق في المرافق الاقتصادية .
ثانياً : المرافق من حيث استقلالها
تنقسم المرافق العامة من حيث استقلالها إلى مرافق تتمتع بالشخصية المعنوية أو الاعتبارية ومرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية.
1- المرافق العامة التي تتمتع بالشخصية المعنوية : وهي المرافق التي يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويكون لها كيان مستقل كمؤسسة عامة مع خضوعها لقدر من الرقابة أو الوصاية الإدارية.
2- المرافق العامة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية : وهي المرافق التي لا يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويتم إلحاقها بأحد أشخاص القانون العام وتكون تابعة لها، كالدولة أو الوزارات أو المحافظات، وهي الغالبية العظمى من المرافق العامة .
وتبدو أهمية هذا التقسيم في مجال الاستقلال المالي والإداري وفي مجال المسؤولية ، إذ تملك المرافق العامة المتمتعة بالشخصية المعنوية قدراً كبيراً من الاستقلال الإداري والمالي والفني في علاقتها بالسلطة المركزية مع وجود قدر من الرقابة كما أوضحنا ، غير أن هذه الرقابة لا يمكن مقارنتها بما تخضع له المرافق غير المتمتعة بالشخصية المعنوية من توجيه وإشراف مباشرين من السلطات المركزية ،أما من حيث المسؤولية فيكون المرفق المتمتع بالشخصية المعنوية مستقلاً ومسؤولاً عن الأخطاء التي يتسبب في إحداثها للغير في حين تقع هذه المسؤولية على الشخص الإداري الذي يتبعه المرفق العام في حالة عدم تمتعه بالشخصية المعنوية.
ثالثاً: المرافق العامة من حيث نطاق نشاطها
تنقسم المرافق العامة من حيث نطاق أو مجال عملها إلى مرافق قومية ومرافق محلية.
1- المرافق القومية
يقصد بالمرافق القومية تلك المرافق التي يتسع نشاطها ليشمل كل أقليم الدولة. كمرفق الدفاع ومرفق القضاء ومرفق الصحة، ونظراً لعمومية وأهمية النشاط الذي تقدمه هذه المرافق فأنها تخضع لإشراف الإدارة المركزية في الدولة من خلال الوزارات أو ممثليها أو فروعها في المدن، ضماناً لحسن أداء هذه المرافق لنشاطها وتحقيقاً للمساواة في توزيع خدماتها.
وتتحمل الدولة المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب فيها المرافق القومية بحكم إدارتها لها والإشراف على شؤونها.
2- المرافق المحلية :-
ويقصد بها المرافق التي يتعلق نشاطها بتقديم خدمات لمنطقة محددة أو إقليم معين من أقاليم الدولة ،ويعهد بإدارتها إلى الوحدات المحلية، كمرفق النقل،أو مرفق توزيع المياه أو الكهرباء وغيرها من المرافق التي تشبع حاجات محلية.
وتتميز المرافق المحلية بالاختلاف والتنوع في أساليب إدارتها بحكم اختلاف وتنوع حاجات كل وحدة محلية أو إقليم تمارس نشاطها فيه كما أن المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب بإحداثها المرافق المحلية أو موظفيها ويتحملها الشخص المعنوي المحلي أو الإقليمي .( )
رابعاً : المرافق العامة من حيث مدى الالتزام بإنشائها
تنقسم المرافق العامة من حيث حرية الإدارة في إنشائها إلى مرافق اختيارية وأخرى إجبارية :-
1- المرافق الاختيارية .
الأصل في المرافق العامة أن يتم إنشائها بشكل اختياري من جانب الدولة . وتملك الإدارة سلطة تقديرية واسعة في اختيار وقت ومكان إنشاء المرفق ونوع الخدمة أو النشاط الذي يمارسه وطريقة إدارته.
ومن ثم لا يملك الأفراد إجبار الإدارة على إنشاء مرفق عام معين ولا يملكون الوسائل القانونية التي يمكنهم حملها على إنشاء هذا المرفق أو مقاضاتها لعدم إنشائها له. ويطلق الفقه على المرافق العامة التي تنشئها الإدارة بسلطتها التقديرية اسم المرافق العامة لاختيارية( ).
2- المرافق العامة الإجبارية :
إذا كان الأصل أن يتم إنشاء المرافق العامة اختيارياً فأن الإدارة استثناء تكون ملزمة بإنشاء بعض المرافق العامة عندما يلزمها القانون أو جهة إدارية أعلى بإنشائها ومثال ذلك إنشاء الإدارة لمرفق الأمن والصحة فهي مرافق إجبارية بطبيعتها وتهدف لحماية الأمن والصحة العامة وغالباً ما تصدر القوانين بإنشائها.
المطلب الثالث : إنشاء وإلغاء المرافق العامة
نعرض في هذا المطلب المبادئ المتعلقة بإنشاء وإلغاء المرافق العامة .
أولاً : إنشاء المرافق العامة :
عندما تجد السلطة المختصة أن حاجة الجمهور تقتضي إنشاء مرفقاً عاماً لإشباعها ويعجز الأفراد عن ذلك، فإنها تتدخل مستخدمة وسائل السلطة العامة وتنشئ المرفق العام.
وحيث إن إنشاء المرافق العامة يتضمن غالباً المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم لاعتمادها أحياناً على نظام الاحتكار الذي يمنع الأفراد من مزاولة النشاط الذي يؤديه المرفق وفي أحيان أخرى يقيدهم بممارسة نشاطات معينة بحكم تمتع المرافق العامة بوسائل السلطة العامة وامتيازاتها التي تجعل الأفراد في وضع لا يسمح لهم بمنافسة نشاطات هذه المرافق ولأن إنشاء المرافق العامة يتطلب اعتمادات مالية كبيرة في الميزانية لمواجهة نفقات إنشاء هذه المرافق وإدارتها.
فقد درج الفقه والقضاء على ضرورة أن يكون إنشاء المرافق العامة بقانون أو بناء على قانون صادر من السلطة التشريعية أي أن تتدخل السلطة التشريعية مباشرة فتصدر قانوناً بإنشاء المرفق أو أن تعهد بسلطة إنشاء المرفق إلى سلطة أو هيئة تنفيذية.
وكان هذا الأسلوب سائداً في فرنسا حتى عام 1958 عندما صدر الدستور الفرنسي دون أن يذكر أن إنشاء المرافق العامة ضمن الموضوعات المحجوزة للقانون، وأصبح إنشاء هذه المرافق في اختصاص السلطة التنفيذية دون تدخل من جانب البرلمان إلا في حدود الموافقة على الاعتمادات المالية اللازمة لإنشاء المرفق( ) .
مع ضرورة التنبيه إلى أن إنشاء المرافق العامة يتم بأسلوبين :
الأول : أن تقوم السلطة المختصة بإنشاء المرفق ابتداءً .
والثاني : أن تعمد السلطة إلى نقل ملكية بعض المشروعات الخاصة إلى الملكية العامة، كتأميمها لاعتبارات المصلحة العامة مقابل تعويض عادل .
ثانياً : إلغاء المرافق العامة
بينا أن الأفراد لا يملكون إجبار الإدارة على إنشاء المرافق العامة ولا يستطيعون إجبارها على الاستمرار في تأدية خدماتها إذا ما قدرت السلطة العامة إن إشباع الحاجات التي يقدمها المرفق يمكن أن يتم بغير وسيلة المرفق العام أو لاعتبارات أخرى تقدرها هي وفقاً لمتطلبات المصلحة العامة.
والقاعدة أن يتم الإلغاء بنفس الأداة التي تقرر بها الإنشاء ، فالمرفق الذي تم إنشاؤه بقانون لا يتم إلغاؤه إلا بنفس الطريقة وإذا كان إنشاء المرفق بقرار من السلطة التنفيذية فيجوز أن يلغى بقرار إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.
وعندما يتم إلغاء المرفق العام فإن أمواله تضاف إلى الجهة التي نص عليها القانون الصادر بإلغائه، فإن لم ينص على ذلك , فإن أموال المرفق تضاف إلى أموال الشخص الإداري الذي كان يتبعه هذا المرفق .
أما بالنسبة للمرافق العامة التي يديرها أشخاص معنوية عامة مستقلة فإن مصير أموالها يتم تحديده من خلال معرفة مصدر هذه الأموال كأن تكون الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الإقليمية الأخرى فيتم منحها لها.
أما إذا كان مصدرها تبرعات الأفراد والهيئات الخاصة فإن هذه الأموال تأول إلى أحد المرافق العامة التي تستهدف نفس غرض المرفق الذي تم إلغاؤه أو غرضاً مقارباً له، احتراماً لإرادة المتبرعين . ( )
المبحث الثاني
المبادئ التي تحكم المرافق العامة
تخضع المرافق العامة لمجموعة من المبادئ العامة التي استقر عليها القضاء والفقه والتي تضمن استمرار عمل هذه المرافق وأدائها لوظيفتها في إشباع حاجات الأفراد ، وأهم هذه المبادئ مبدأ استمرار سير المرفق العام ومبدأ قابلية المرفق للتغيير ومبدأ المساواة بين المنتفعين.
المطلب الأول : مبدأ استمرار سير المرفق العام
تتولى المرافق العامة تقديم الخدمات للأفراد وإشباع حاجات عامة وجوهرية في حياتهم ويترتب على انقطاع هذه الخدمات حصول خلل واضطراب في حياتهم اليومية.
لذلك كان من الضروري أن لا تكتفي الدولة بإنشاء المرافق العامة بل تسعى إلى ضمان استمرارها وتقديمها للخدمات، لذلك حرص القضاء على تأكيد هذا المبدأ واعتباره من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري ومع أن المشرع يتدخل في كثير من الأحيان لإرساء هذا المبدأ في العديد من مجالات النشاط الإداري، فإن تقريره لا يتطلب نص تشريعي لأن طبيعة نشاط المرافق العامة تستدعي الاستمرار والانتظام.
ويترتب على تطبيق هذا المبدأ عدة نتائج منها: تحريم الإضراب، وتنظيم استقالة الموظفين العموميين ونظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة , وعدم جواز الحجز على أموال المرفق .
أولاً : تحريم الإضراب
يقصد بالإضراب توقف بعض أو كل الموظفين في مرفق معين عن أداء أعمالهم لمدة معينة كوسيلة لحمل الإدارة على تلبية طلباتهم دون أن تنصرف نيتهم إلى ترك العمل نهائياً .
وللإضراب نتائج بالغة الخطورة على سير العمل في المرفق وقد تتعدى نتائجه إلى الأضرار بالحياة الاقتصادية والأمن في الدولة وليس هناك موقف موحد بشأن الإضراب، ومدى تحريمه فهناك من الدول التي تسمح به في نطاق ضيق. ( )
غير أن أغلب الدول تحرمه وتعاقب عليه ضماناً لدوام استمرار المرافق العامة.
ثانياً : تنظيم الاستقالة
في تطبيقات هذا المبدأ تنظيم استقالة الموظفين بعدم جواز إنهائهم خدمتهم بإرادتهم عن طريق تقديم طلب يتضمن ذلك قبل قبوله لما يؤدي إليه هذا التصرف من تعطيل العمل في المرفق.
ثالثاً : الموظف الفعلي
يقصد بالموظف الفعلي ذلك الشخص الذي تدخل خلافاً للقانون في ممارسة اختصاصات وظيفية عامة متخذاً مظهر الموظف القانوني المختص .( )
ولا شك أنه لا يجوز للأفراد العاديين أن يتولون وظيفة عامة بصورة غير قانونية لأنهم يكونون مغتصبين لها وجميع تصرفاتهم تعتبر باطلة .( )
غير أنه استثناء على هذه القاعدة وحرصاً على دوام استمرار سير المرافق العامة في ظروف الحروب والثورات عندما يضطر الأفراد إلى إدارة المرفق دون أذن من السلطة اعترف القضاء والفقه ببعض الآثار القانونية للأعمال الصادرة منهم كموظفين فعليين، فتعتبر الأعمال الصادرة عنهم سليمة ويمنحون مرتباً لقاء أدائهم لعملهم إذا كانوا حسنى النية .
رابعاً : نظرية الظروف الطارئة
تفترض نظرية الظروف الطارئة أنه إذا وقعت حوادث استثنائية عامة غير متوقعة بعد إبرام العقد وأثناء تنفيذه وخارجه عن إرادة المتعاقد وكان من شأنها أن تؤدي إلى إلحاق خسائر غير مألوفة وإرهاق للمتعاقد مع الإدارة فان للإدارة أن تتفق مع المتعاقد على تعديل العقد وتنفيذه بطريقة تخفف من إرهاق المتعاقد وتتحمل بعض عبئ هذا الإرهاق بالقدر الذي يمكن المتعاقد من الاستمرار بتنفيذ العقد فإن لم يحصل هذا الاتفاق فإن للقضاء أن يحكم بتعويض المتعاقد تعويضاً مناسباً .
وهذه النظرية من خلق مجلس الدولة الفرنسي ،أقرها خروجاً على الأصل في عقود القانون الخاص التي تقوم على قاعدة ” العقد شريعة المتعاقدين ” ضماناً لاستمرار سير المرافق العامة وللحيلولة دون توقف المتعاقد مع الإدارة عن تنفيذ التزاماته وتعطيل المرافق العامة .
خامساً: عدم جواز الحجز على أموال المرفق العام .
خلافاً للقاعدة العامة التي تجيز الحجز على أموال المدين الذي يمتنع عن الوفاء بديونه، لا يجوز الحجز على أموال المرافق العامة وفاءً لما يتقرر للغير من ديون في مواجهتها لما يترتب على ذلك من تعطيل للخدمات التي تؤديها.
ويستوي في ذلك أن تتم إدارة المرافق العامة بالطريق المباشر أو أن تتم إدارتها بطريق الالتزام مع أن أموال المرفق في الحالة الأخيرة تكون مملوكة للملتزم، فقد استقرت أحكام القضاء على أنه لا يجوز الحجز على هذه الأموال تأسيساً على مبدأ دوام استمرار المرافق العامة ولأن المرافق العامة أياً كان أسلوب أو طريقة إدارتها تخضع للقواعد الضابطة لسير المرافق العامة . ( )
المطلب الثاني : مبدأ قبلية المرفق للتغيير
إذا كانت المرافق العامة تهدف إلى إشباع الحاجات العامة للأفراد وكانت هذه الحاجات متطورة ومتغيرة باستمرار فإن الإدارة المنوط بها إدارة وتنظيم المرافق العامة تملك دائماً تطوير وتغيير المرفق من حيث أسلوب إدارته وتنظيمه وطبيعة النشاط الذي يؤديه بما يتلاءم مع الظروف والمتغيرات التي تطرأ على المجتمع ومسايرة لحاجات الأفراد المتغيرة باستمرار ومن تطبيقات هذا المبدأ أن من حق الجهات الإدارية القائمة على إدارة المرفق كلما دعت الحاجة أن تتدخل لتعديل بإدارتها المنفردة لتعديل النظم واللوائح الخاصة بالمرفق أو تغييرها بما يتلاءم والمستجدات دون أن يكون لأحد المنتفعين الحق في الاعتراض على ذلك والمطالبة باستمرار عمل المرافق بأسلوب وطريقة معينة ولو أثر التغيير في مركزهم الشخصي .
وقد استقر القضاء والفقه على أن هذا المبدأ يسري بالنسبة لكافة المرافق العامة أياً كان أسلوب إدارتها بطريق الإدارة المباشرة أم بطريق الالتزام .
كما أن علاقة الإدارة بالموظفين التابعين لها في المرافق علاقة ذات طبيعة لائحية. فلها دون الحاجة إلى موافقتهم نقلهم من وظيفة إلى أخرى أو من مكان إلى أخر تحقيقاً لمقتضيات المصلحة العامة.
ومن تطبيقات هذا المبدأ أيضاً حق الإدارة في تعديل عقودها الإدارية بإرادتها المنفردة دون أن يحتج المتعاقد ” بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ” إذ أن الطبيعة الخاصة للعقود الإدارية وتعلقها بتحقيق المصلحة العامة، تقتضي ترجيح كفة الإدارة في مواجهة المتعاقد معها، ومن مستلزمات ذلك أن لا تتقيد الإدارة بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين وأن تتمكن من تعديل عقودها لتتمكن من تلبية التغير المستمر في المرافق التي تديرها .( )
وسلطة الإدارة في تعديل عقودها الإدارية أثناء تنفيذها تشمل العقود الإدارية جميعها دونما حاجة إلى نص في القانون أو شرط في العقد وقد اعترف القضاء والفقه بهذه الفكرة ولاقت القبول تأسيساً على أن طبيعة احتياجات المرافق العامة المتغيرة باستمرار هي التي تقضي بتعديل بعض نصوص العقد، على أن لا يمس هذا التعديل النصوص المتعلقة بالامتيازات المالية .
وفي هذا الاتجاه يذكر الدكتور”سليمان الطماوي” إن الأساس الذي تقوم عليه سلطة التعديل مرتبطة بالقواعد الضابطة لسير المرافق العامة ومن أولها قاعدة قابلية المرفق العام للتغيير والمرفق العام يقبل التغير في كل وقت متى ثبت أن التغير من شأنه أن يؤدي إلى تحسين الخدمة التي يقدمها إلى المنتفعين وفكرة التعديل هي فكرة ملازمة للقاعدة السابقة. ( )
المطلب الثالث: مبدأ المساواة بين المنتفعين
يقوم هذا المبدأ على أساس التزام الجهات القائمة على إدارة المرافق بأن تؤدي خدماتها لكل من يطلبها من الجمهور ممن تتوافر فيهم شروط الاستفادة منها دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو المركز الاجتماعي أو الاقتصادي .
ويستمد هذا المبدأ أساسه من الدساتير والمواثيق وإعلانات الحقوق التي تقتضي بمساواة الجميع أمام القانون ولا تمييز بين أحد منهم.
غير أن المساواة أمام المرافق العامة مساواة نسبية وليست مطلقة، ومن مقتضياتها أن تتوافر شروط الانتفاع بخدمات المرفق فيمن يطلبها، وأن يتواجد الأفراد في المركز الذي يتطلبه القانون والقواعد الخاصة يتنظيم الانتفاع بخدمات المرفق ثم يكون لهم الحق بالمعاملة المتساوية سواء في الانتفاع بالخدمات أو في تحمل أعباء هذا الانتفاع.
وبمعنى أخر على الإدارة أن تحترم مبدأ المساواة بين المنتفعين متى تماثلت ظروفهم وتوافرت فيهم شروط الانتفاع التي حددها القانون , أما إذا توافرت شروط الانتفاع في طائفة من الأفراد دون غيرهم فإن للمرفق أن يقدم الخدمات للطائفة الأولى دون الأخرى أو أن يميز في المعاملة بالنسبة للطائفتين تبعاً لاختلاف ظروفهم كاختلاف رسوم مرفق الكهرباء والمياه بالنسبة لسكان المدينة وسكان القرى .
ومع ذلك فإن هذا المبدأ لا يتعارض مع منح الإدارة بعض المزايا لطوائف معينة من الأفراد لاعتبارات خاصة كالسماح للعجزة أو المعاقين بالانتفاع من خدمات مرفق النقل مجاناً أو بدفع رسوم مخفضة أو إعفاء أبناء الشهداء من بعض شروط الالتحاق بالجامعات .
أما إذا أخلت الجهة القائمة على إدارة المرفق بهذا المبدأ وميزت بين المنتفعين بخدماته فإن للمنتفعين أن يطلبوا من الإدارة التدخل لإجبار الجهة المشرفة على إدارة المرفق على احترام القانون ، إذا كان المرفق يدار بواسطة ملتزم ،فإن امتنعت الإدارة عن ذلك أو كان المرفق يدار بطريقة مباشرة فإن من حق الأفراد اللجوء إلى القضاء طالبين إلغاء القرار الذي أخل بمبدأ المساواة بين المنتفعين وإذا أصابهم ضرر من هذا القرار فإن لهم الحق في طلب التعويض المناسب.
المبحث الثالث
طرق إدارة المرافق العامة
تختلف طرق إدارة المرافق العامة تبعاً لاختلاف وتنوع المرافق وطبيعة النشاط الذي تؤديه، وأهم هذه الطرق هي الاستغلال المباشر أو الإدارة المباشرة وأسلوب المؤسسة أو الهيئة العامة وأسلوب الالتزام وأخيراً الإدارة أو الاستغلال المختلط ( ).
المطلب الأول : الإدارة المباشرة
يقصد بهذا الأسلوب أن تقوم الإدارة مباشرة بإدارة المرفق بنفسها سواء أكانت سلطة مركزية أم محلية مستخدمة في ذلك أموالها وموظفيها ووسائل القانون العام ولا يتمتع المرفق الذي يدار بهذه الطريقة بشخصية معنوية مستقلة .
ويترتب على ذلك أن يعتبر موظفي المرافق التي تدار بهذا الأسلوب موظفين عموميين وتعد أموال المرفق أموالاً عامة تتمتع بالحماية القانونية المقررة للمال العام .