الوجيز في القانون الإداري… الدكتور مازن ليلو راضي 10
ففي عام 1903 أصدر مجلس الدولة الفرنسي حكمه في قضية “Terrir ” الذي كان يمثل مع تقريره مفوض الدولة “Romieu ” نقطة تحول في قرارات مجلس الدولة ، فقد تعرض مفوض الدولة في تقريره إلى النظرية الإدارية الخاصة بوصفها معياراً لتوزيع الاختصاص بين القضائين المدني و الإداري وورد في تقريره” وتتم هذه التفرقة بين ما اقترح تسميته بالإدارة العامة Gest – Publ و الإدارة الخاصة Gest -Privee أما على أساس طبيعة المرفق محل النظر وأما على أساس التصرف الذي يتعين تقديره فقد يكون المرفق مع أهميته لشخص لعام لا يتعلق إلا بالإدارة دومينه خاص، وفي هذه الحالة يعتبر الشخص العام يتصرف كشخص خاص، كمالك في أوضاع القواعد العامة. ومن جهة أخرى قد يحدث أن الإدارة وأن تصرفت لا كشخص خاص ولكن كشخص عام لمصلحة مرفق عام بالمعنى الحقيقي لا تتمسك بالإفادة من مركزها كشخص عام وتضع نفسها باختيارها في نفس أوضاع الفرد سواء بإبرام أحد عقود القواعد العامة ذي طابع حدده التقنيين المدني بوضوح ” استئجار عقار مثلا لتقر فيه مكاتب إدارة ما” لا يفترض بذاته تطبيق أية قاعدة خاصة بتسيير المرافق العامة”. ( )
ومن هذا التاريخ اتجهت آراء الفقه في الأغلب إلى رأي مفاده أن الإدارة إذا ما اتبعت أساليب القانون العام فإن عقودها تنطبع بالطابع الإداري أما إذا كانت أساليبها متشابهه لأساليب الأفراد في القانون الخاص فتكون عقودها مدنية أو تجارية.
وأخذت قرارات مجلس الدولة الفرنسية تتوالى مؤكدة الاتجاه ذاته ومن ذلك حكم المجلس في 31-7-1912 في قضية شركة الجرانيت ورد” ومن حيث أن العقد المبرم بين المدينة و الشركة خلا من أي أشغال تنفذها الشركة وكان محله الوحيد التوريد عند التسليم حسب قواعد وشروط العقود المبرمة بين الأفراد، وإنه بهذا يثير الطلب منازعة لا يختص القضاء الإداري بنظرها”. ( )
وعلى هذا الأساس برزت فكرة العيار المزدوج في فرنسا التي تعد عقدا إدارياً إذا كانت الإدارة طرفاً فيه واتصل العقد بمرفق عام واتجهت نية الإدارة إلا الأخذ بأسلوب القانون العام.
ومنذ ذلك الوقت برز مفهوم الشروط الاستثنائية غير المألوفة التي تخرج عن المألوف في قواعد القانون المدني معياراً رئيسياً ينهض إلى جانب معيار المرفق العام للتعبير عن نية الإدارة في أتباع أسلوب القانون العام.
فلا يكفي وفق هذه النظرية اتصال العقد بمرفق عام لإضفاء الصفة الإدارية على العقد مثلما لا يكفي تضمن العقد لشروط استثنائية لاعتباره عقداً إدارياً. ( )
وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر أن علاقة العقد بالمرفق العام إذا كانت ضرورية لكي يصبح العقد إدارياً ليس كافية لمنحة تلك الصفة، اعتبار بأن قواعد القانون العام ليست علاقة حتمية بالمرفق إذ أنه مع اتصال العقد بالمرفق العام فإن الإدارة قد لا تلجأ في أبرامة إلى أسلوب القانون العام لما تراه من مصلحتها في العدول عن ذلك إلى أسلوب القانون الخاص. ( )
وبالرغم من التأييد الكبير الذي حظيت به فكرة المعيار المزدوج حاول أنصار نظرية المرفق العام إحياء نظريتهم و الاكتفاء بها معياراً وحيداً لتمييز العقد الإداري واستبعاد وسائل القانون العام ممثلة في الشروط الاستثنائية عن طريق أساليب عدة لعل من أهمها نظرية اشتراك المتعاقد في تسيير المرفق العام.
نظرية اشتراك المتعاقد في تسيير المرفق العام:
بتاريخ 20-4-1956 إصدار مجلس الدولة الفرنسي قرار مهما عد إحياء لنظرية المرفق العام، ينحصر مضمونة على أن العقد الذي يعهد إلى المتعاقد بتنفيذ المرفق العام ذاته يعد إدارياً دون البحث في صفة العقد الإداري أو تضمينه شروطاً غير مألوفة .
وتتلخص وقائع هذا الحكم الذي سمي بحكم الزوجين بيرتان”Epoux Bertin إنه عندما انتهت الحرب العالمية الثانية وضع الرعاية الروس الموجودين في فرنسا في مراكز الإيواء تمهيداً إلى ترحيلهم إلى بلادهم وفي تاريخ 24-11-1944 أبرم عقد شفوي بين رئيس أحد هذه المراكز والزوجان ” بيرتان ” يلتزم هذان الزوجان بمقتضاه بتغذية اللاجئين مقابل مبلغ محدد من المال عن كل فرد في اليوم .
أدعى الزوجان عام 1945 أن المقابل المستحق لها قد زاد مقداره نتيجة لزيادة كميات الأغذية التي قدمت للاجئين بأمر المركز وطلبا صرف المقابل لهذه الزيادة ، إلا أن الوزارة المشرفة على المعسكرات رفضت الدفع . فأقام الزوجان الدعوى أمام مجلس الدولة .
دفعت الوزارة بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر النزاع مستنده أن العقد لم يتضمن شروطاً استثنائية ولذلك فهو لا يعد عقداً إدارياً .
إلا أن مجلس الدولة رفض هذا الدفع وحكم ” إن محل هذا العقد أن يعهد في هذا الصدد إلى أصحاب الشأن بتنفيذ المرفق العام ذاته lexecution memme du service public المكلف آنذاك بكفالة إعادة اللاجئين من جنسيات أجنبية الموجودين في إقليم فرنسا إلى أوطانهم وإن هذا الظرف يكفي بذاته في دمغ العقد محل البحث بصفة العقد الإداري ؛ وأنه يترتب على ذلك دون حاجة لبحث ما إذا كان العقد المذكور يتضمن شروطاً غير مألوفة في القواعد العامة.” ( )
وبعد هذا الحكم بعشرين يوماً أصدر مجلس الدولة قراراً آخر يؤكد هذا المبدأ في قضية Gondrand .
ودرجت محكمة التنازع على ذلك ففي قضية Houend في 12-6-1978 وفي قرارين اعتبرت المحكمة عمل موظفه في مدرسة للفتيات تقوم بمراقبة نوم الفتيات ” النهوض والنوم ” اشتراكاً بصورة مباشرة في تنفيذ خدمة عامة تخص التعليم وكذلك اعتبرت عمل زوجها وهو عامل مكلف بصيانة بعض الأجهزة وتعليم الطلاب استعمالها .
وفي المجال نفسه اطردت أحكام القضاء الإداري الفرنسي على اعتبار الفنانين الذين يعملون في المسرح البلدي كالمغنيين أو الراقصات أو العازفين ، مشتركين في تنفيذ المرفق العام وهو ما قضت به محكمة التنازع في 17-1-1979 في قضية : Dme le Cachey et autres . ( (
وقد وجد هذا الاتجاه تطبيقا له في قضاء ً محكمة القضاء الإداري المصري فورد في قرار لها في 27-1-1963 ” قاعدة ضرورة اطراد سير المرافق العامة تتطلب أن تطبق على الأشخاص الذين يساهمون في تسيير قواعد معينة لا يجب تعليق تطبيقها على وجود أو تخلف شروط غير مألوفة في العقد المبرم بين الشخص المعنوي العام وبين الأفراد المعاونين له ، خاصة إذا توافرت للمرفق أهمية خاصة أو بلغت معاونة الفرد المتعاقد مع الإدارة درجة كبيرة فإن معيار العقد الإداري يكون حينئذ معياراً منفرداً قائما بذاته لا ضرورة ً لبحث شروطه من ناحية ما إذا كانت تتضمن استثناءات غير مألوفة في القانون الخاص ” . ( )
وفي الاتجاه نفسه تقريباً برزت أحكام تعد اشتراك المتعاقد في تيسير المرفق بصورة دائمة particiption du Concontrant a lexecution du service public. كافياً لإضفاء الصفة الإدارية على العقد دون الحاجة للبحث عما يحتويه من شروط استثنائية غير مألوفة . وقد أيد جانب في الفقه هذا الاتجاه فذهب pequignot إلى القول إن اشتراك المتعاقد في تسيير المرفق بصفة دائمة يجعل العقد إدارياً في جميع الأحوال دون اللجوء إلى البحث فيما إذا كان العقد يحتوي على شروط غير مألوفة أم لا ، وقد طبق “بكينو” هذه الفكرة في عقود إجارة الأشخاص والخدمات وعقود الامتياز . ( )
وعلى هذا فأن العقد الذي يعهد إلى المتعاقد بصورة مباشرة بتنفيذ المرفق نفسه أو يتضمن اشتراك المتعاقد في تسيير المرفق بصفة دائمة يعد إدارياً دون الحاجة إلى أي شروط أخرى .
وقد عد أنصار فكرة المرفق ذاته إن أحكام مجلس الدولة المؤيدة لاتجاههم قد أدت إلى استبعاد الرأي القائل بصلاحية الشروط غير المألوفة لتكون معياراً وحيداً لتمييز العقد الإداري ، وإن هذه الفكرة أعادت الأهمية لنظرية المرفق العام .
فذهب Lamarque إلى إن المعيار المأخوذ من موضوع العقد ـ ويقصد معيار تنفيذ المرفق ذاته ـ يبدو أكثر إيجابية . وإن اعتبار العقد إدارياً إذا احتوى على شروط غير مألوفة لا يضفي إلى العقد إلا عنصراً إضافياً “.( )
في حين ذهب prosper إلى القول أن معيار العقد الإداري أصبح بصدور حكم “بيرتان” في أزمة بددت الاستقرار والـتوازن الذي استمر لفترة طويلة في ظل المعيار المزدوج.( )
كما أيد هذا القضاء جانب من الفقهاء في مصر ومنهم الدكتور عبد الفتاح حسن الذي قال : ” لذلك لا غرو أن يكون حكم مجلس الدولة الذي صدر في 20-4-1956 م- يقصد حكم بيرتان – من أحكام المبادئ أعاد الحياة لقضاء قديم ، وإعادة شاباً يعمل في مجالات أكثر أتساعاً..” ( )
إلا أن ذلك لا يعني إجماع من القضاء والفقه حول اعتماد هذا المبدأ معياراً كافياً لتميز العقد الإداري فما زالت نظرية الشروط الاستثنائية تتمتع بأهمية كبيرة في هذا المجال وتحظى بتأييد جانب كبير من الفقهاء .
ثالثاً : إتباع أسلوب القانون العام :
Lemploi du procede de Droit public
بعد تراجع نظرية المرفق العام أساساً وحيداً للقانون الإداري ومعياراً لتمييز العقد الإداري دعا طائفة من الفقهاء إلى ضرورة إبراز دور السلطة العامة في تمييز العقد الإداري ، من خلال البحث فيما يتضمنه العقد من شروط استثنائية خارجة عن القانون الخاص . تكشف عن نية المتعاقدين في إتباع أسلوب القانون العام ، وإخضاع العقد لقواعده وأحكامه .( )
وقد برز هذا الاتجاه أولاً في حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية Terrier عام 1903 ثم ما لبث أن توالت أحكام مجلس الدولة في الاتجاه نفسه فصدر في عام 1912 م حكم المجلس في قضية ” شركة الجرانيت ” إذ وضع مفوض الدولة Leon blum مبدأ عاماً يتعلق بمعيار التمييز بين العقود الإدارية وعقود القانون الخاص ، فبين في تقريره : ” إذا تعلق الأمر بعقد يجب البحث ليس عن الغاية من إبرامه ، ولكن ما هو العقد بذات طبيعته ، ولا يكفي لكي يختص القاضي الإداري وجوب استعمال التوريد وهو محل العقد عقب تمامه لمرفق عام ؛ فيجب أن يكون هذا العقد بذاته وبطبيعته الخاصة أما من العقود التي لا يستطيع أن يعقدها ألا شخص عام أو أن يكون بشكله وتكوينه عقداً إدارياً .. فما يجب بحثه هو طبيعة العقد ذاته استقلالا عن الشخص الذي عقده والغاية التي أبرم من أجلـها ” . ( )
وعلى ذلك لم يعد اتصال العقد بالمرفق العام كافياً لكي يكتسب الصفة الإدارية ، أنما يلزم أن تكشف الإدارة عن نيتها في اختيار أسلوب القانون العام ، والوسيلة في ذلك هي تضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص .
ولأهمية هذه الشروط ،أصبحت علامة مميزة يمكن الاسترشاد بها في تقرير الطبيعة الإدارية للعقود التي تبرمها الإدارة بصفتها سلطة عامة تتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الفرد العادي ، وتخضع العقد لنظام قانوني هو نظام القانون العام .
ولا شك أن فكرة الشروط الاستثنائية تتطلب الكثير من البحث لما ثار حولها من جدل في فقه القانون الإداري وأحكام القضاء التي لم توضح بصورة قاطعة مضمون هذه الشروط .
يكتب الأستاذ pequignot عن فكرة الشروط الاستثنائية فيقول :” أنها تبدو صعبة التحديد في أحكام القضاء الإداري .. وأنه من الصعب أن نجد في أحكام القضاء الإداري تحديداً للشروط التي يعدها هذا القضاء غير عادية” . ( )
في حين عد Vedel معيار الشروط الاستثنائية المعيار الحقيقي للعقد الإداري وهو الوحيد الذي يكشف عن إرادة المتعاقدين في إتباع أسلوب القانون العام .
إذا كتب في هذا الصدد ” الشرط الاستثنائي هو المعيار الوحيد الكافي لإضفاء الصفة الإدارية على العقد فمضمون العقد هو الذي يبين الشروط الخارجة عن القانون الخاص ، ونية الإدارة في تمسكها بمباشرة حقوق السلطة العامة ، ومعرفة التصرف الذي تتخذه الإدارة في ظل نظام السلطة العامة لا يتحقق إلا من طريق واحد هو الاختيار الذي قررته الإدارة بموافقة المتعاقد وذلك ما يكشف عن وجود الشروط الاستثنائية أو غيابها”.( )
تقدير نظرية الشروط الاستثنائية :
لم تسلم نظرية الشروط الاستثنائية معياراً وحيداً للعقد الإداري ، من النقد وفي هذا المجال ذهب بعض الفقهاء إلى القول أن معيار الشرط غير المألوف أثار صعوبات كبيرة ساعد عليها القضاء الإداري في عجزه عن تعريف الشرط غير المألوف واتساع مفهومه ليشمل أنواع عديدة من الشروط من قبيل الشروط المانحة للإدارة امتيازات في مواجهة المتعاقد معها كحق الإدارة بالرقابة والتوجيه ، فهي وان كانت من الشروط الغير المألوفة فأنها لا تعد مجهولة في عقود الأفراد العاديين وهي ليست حكراً على عقود القانون العام . إذ من الممكن أن تتضمنها عقود الإذعان والعقود المبرمة بين الشركات متفاوتة القدرة والاتساع مما يتيح لأحد الأطراف أن يملي شروط أحادية الجانب من حيث الأسعار وظروف الدفع .
ومن هؤلاء الأساتذة Lamarque الذي يضيف بالقول ” أن الدور الذي نسب إلى الشرط غير المألوف دوراً مصطنعاً مجرد من كل قيمة منطقية جوهرية .( )
بيد أن هذه الانتقادات لم تقض نهائياً على معيار الشروط غير المألوفة أنما جعل لها دوراً ثانوياً فهو يتمتع بأهمية ، خاصة عندما لا يكون العقد إدارياً في مضمونه باتصاله بالمرفق العام ، إذ يتم البحث عن الشروط غير المألوفة في حالة عدم القدرة على حسم ما إذا كان العقد يتضمن مشاركة في تنفيذ المرفق ذاته وهو ما عرف بالمعيار المتناوب .
وبالاتجاه نفسه يذهب Chapus إلى أنه يجب أن لا يعتقد إن معيار البند أو الشروط المخالفة دائماً معيار مساعد ، فالمعيار المأخوذ من الموضوع هو دائما معيارً مبدأ ، ففي كثير من الحالات يفضل القاضي استخدام معيار الشرط غير المألوف ، فهذا يمكن أن يكون أكثر تناسباً من غيره ويجب أن لا ننسى أن معيار الشرط غير المألوف يستطيع هو بمفرده إعطاء صفة إدارية لكل عقد .( )
إلا أن المعيار المتناوب هو الآخر لم يسلم من النقد إذا قاد تطبيقه في القضاء الإداري الفرنسي إلى نتائج غير مقبولة في بعض الأحيان ، من ذلك قرار محكمة التنازع في 25-11-1963 في قضية Vve Mazerand “مدام مازران” وهي مستخدمة في مدرسة عام 1942 وحتى عام 1946 من أجل تنظيف الأبنية ومسؤولة عن الإنارة وصيانة آلات التدفئة ثم قامت بعد ذلك بتنظيم حضانة للأطفال في المدرسة ومنذ عام 1946 إلى 1952 كان عليها أن تخدم في هذه الحضانة فحكمت محكمة التنازع أن العقد الذي يربطها بالبلدة هو من اختصاص القانون الخاص بين 1942 و 1946 ولكنه إداري من 1946 إلى 1952 .
مما توجب على السيدة “مازران” أن تقيم دعويين واحدة أمام المحاكم العادية والأخرى أمام القضاء الإداري . وهذا قضاء غريب تكرر في أحكام أخرى منها قرار محكمة التنازع في 26-11-1990 في قضية Mlle Salliege استخدمت فيها السيدة من قبل المستشفى ابتداء لمساعدة المرضـى أثناء تنقلهـم ( مشاركة مباشرة في الخدمة الطبية ) وكذلك في أعمال غسل الملابس ( غياب المشاركة المباشرة ) وقد تم تكليفها بهذه الأعمال الأخيرة بعد ذلك فأصبحت شخص من أشخاص القانون الخاص ، وبما أنه قد تم تسريحها من الخدمة وهي تملك الصفة الأخيرة فإن النزاع يعد من اختصاص المحاكم العادية .( )
إزاء ذلك لا نعتقد بصلاحية المعيار المتناوب ليكون معياراً كافياً لتمييز العقد الإداري ولا نرى مانعاً من أن يشتمل معيار التمييز المبادئ الثلاثة التي توصل إليها القضاء الإداري في سني تطوره التي استغرقت عقوداً من الزمن ، وهذا المعيار التخييري يوكل به قاضي الموضوع إذ يتفحص العقد ويطبق كل مبدأ من هذه المبادئ فإذا ما تحقق من توافر أحدها فيه كان العقد إدارياً دون الحاجة للبحث في توافرها معاً ، وإن هذه المبادئ متساوية في أهميتها فليس هناك مبدأ رئيسي وآخر مساعد وهذه المبادئ هي :
المبدأ الأول : الاشتراك المباشر في تنفيذ المرفق العام ذاته. ويقوم هذا المبدأ على أساس اعتبار العقد الذي يتضمن تنفيذ المتعاقد للمرفق العام ذاته عقداً إدارياً دون الحاجة لوجود الشروط غير المألوفة. وقد ظهر هذا المعيار بحكم بيرتان 1956 وحقق نجاحاً كبيراً من خلال شموله أغلب الموظفين في الإدارات العامة واعتبار عقود توظيفهم إدارية .
وفي هذا السبيل عد مجلس الدولة الفرنسي العديد من العقود إدارية لأن موضوعها هو تنفيذ مرفق عام ففي قرار مجلس الدولة في قضية Soc-Codiam في 8-6-1994 عد العقد إدارياً عندما أبرمته مستشفى مع شركة أجهزة التلفاز لتأجير أجهزة إلى المرضى. باعتبار أن خدمة الاستشفاء تعني بالإضافة للعناية الطبية تحسين ظروف الإقامة للمرضى كذلك عدت محكمة التنازع في قرار حديث لها في 16-1-1995 في قضية Cie nat,du Rhoc ,EDF العقد إدارياً لأنه يسمح بأن تستخدم شركة الكهرباء الفرنسية الطاقة المنتجة من الشركة الوطنية لمنطقة (الرون) باعتبار أن هذا العقد يتضمن تنسيقاً لوظائف الشركتين المتعلقة بالمرفق العام. ( )
وهذا المبدأ في الحقيقة يتسم بسهولة التطبيق إذ تكفي الإشارة إلى طبيعة المهمة التي كان يمارسها المتعاقد مع الإدارة لمعرفة العقد فيما إذا كان إدارياً من عدمه، بالإضافة إلى أنه عد أغلب عقود التوظيف في الإدارات العامة عقوداً إدارية ومن ذلك عقود الأطباء والمهندسين والأساتذة والعاملين في المسارح العامة .
غير أنه مع حسنة شموله جميع الموظفين بمظلة القانون العام فإن القول به سيؤدي في النهاية إلى عدم الحاجة إلى البحث في مدى ارتباط مبدأ المشاركة في تنفيذ المرفق في العقد الإداري لأن جل عقود الوظيفة العامة ستعد إدارية من حيث الموضوع حتماً .
المبدأ الثاني : الشروط غير المألوفة :- إن عدم تنفيذ المتعاقد للمرفق ذاته لا يجعل من العقد من عقود القانون الخاص حتماً ، إذ يتوجب على القاضي أن يبحث فيما إذا كان العقد محتوياً على شروط غير مألوفة من عدمه .
ففي هذه الحالة يستعيد مبدأ الشروط الغير مألوفة، أهميته يذهب الأستاذ Chapus إلى القول أن كل عقد يتم الإفصاح عنه يعود للقانون الخاص ولا يعترف به كعقد إلا تبعاً للتأكد بأنه ليس إدارياً لا في موضوعه ولا من ناحية شروطه .( )
المبدأ الثالث : العقود الإدارية تبعاً لأنظمتها : منذ صدور حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية Riviere du Sant عام 1973 برز الاتجاه الذي يعد العقد إدارياً ليس من خلال ما يحويه من شروط غير مألوفة ولا من خلال تنفيذ المتعاقد للمرفق العام ذاته وإنما لقيام العقد على نظام قانوني غير مألوف، وقد أثار هذا المبدأ عند ظهوره بعض الارتباك بخروجه عن الاستقرار النسبي في ظل المعيار المتناوب .
ونعتقد إن هذا المبدأ يمثل قاعدة ثالثة يمكن الاعتماد عليها في وضع حل لمعضلة التمييز بين العقد الإداري وعقود القانون الخاص ويؤكد ذلك اعتماده من القضاء الإداري الفرنسي في الكثير من الأحكام .
ومع ذلك وباستثناء بعض قرارات محكمة التنازع التي لم تعد العقود خاضعة لنظام قانوني استثنائي مثال ذلك قرارها في 11-10-1993 في قضية Soc-Central siderurgiqe de richemont فأنه لا يمكننا أن ننفي كون أن مبدأ النظام القانوني غير المألوف قد أصبح ركناً أو مبدأ مهماً في تمييز العقد الإداري في الوقت الحاضر .
المبحث الثالث
التعريف بأهم أنواع العقود الإدارية
تبرم الإدارة أنواعاً مختلفة من العقود الإدارية، منها عقود نظمها المشرع بأحكام خاصة ونص عليها في القانون المدني ومنها ما ورد عليه النص في لائحة العقود الإدارية، ومنها ما ترك تحديده للقضاء الإداري .
وفي هذا المبحث سنتناول أهم ثلاثة عقود إدارية أشارت إليها اغلب التشريعات العربيه ,
1- عقد الالتزام أو الامتياز .
2- عقد الأشغال العامة .
3- عقد التوريد .
أولاً : عقد الالتزام أو الامتياز :
يعد عقد الالتزام من أهم العقود الإدارية، لأنه يمنح فرد أو شركة الحق بإدارة واستغلال مرفق من المرافق العامة .
عرفته محكمة القضاء الإداري المصرية بقولها “.. إن التزام المرافق العامة ليس إلا عقداً إدارياً يتعهد أحد الأفراد أو الشركات بمقتضاه بالقيام على نفقته وتحت مسئوليته المالية بتكليف من الدولة أو إحدى وحداتها الإدارية، وطبقاً للشروط التي توضع لها، بأداء خدمة عامة للجمهور، وذلك مقابل التصريح له باستغلال المشروع لمدة محددة من الزمن واستيلائه على الأرباح “. ( )
وقد ثار بشأن طبيعة عقد الالتزام خلاف فقهي كبير، إذ ذهب فريق من الفقهاء ” الألمان” إلى القول أنه عمل من جانب واحد هو الإدارة. وعلى ذلك فأن آثاره لا تنشأ عن عقد وإنما عن أمر انفرادي تصدر السلطة بإرادتها المنفردة، وتملك تعديله أو إلغائه.
ولم يصادف هذا الرأي القبول لأنه ينفي دور الملتزم في تحديد شروط الالتزام ودور إرادته في إبرامه . ( )
وانقسم الفقه الفرنسي إلى اتجاهين ذهب الأول نحو اعتبار عقد الالتزام من عقود القانون الخاص ، متجاهلاً خصائصه المميزة من حيث منحه الملتزم سلطات من طبيعة خاصة من قبيل سلطته في فرض أعباء مالية على المنتفعين بالمرفق وسلطته في شغل الدومين العام وما إلى ذلك من امتيازات أخرى ويوفرها له نظام القانون العام .
أم الاتجاه الثاني ويتزعمه الفقيه Duguit فيعتبر الالتزام عملاً قانويناً مركباً يشتمل على نوعين من النصوص الأول منها يتعلق بتنظيم المرفق العام وبسيره، وتملك الإدارة تعديل هذه النصوص وفقاً لحاجة المرفق . أما النوع الثاني من النصوص فيسمى بالنصوص أو الشروط التعاقدية التي تحكمها قاعدة ” العقد شريعة المتعاقدين ” ومنها ما يتعلق بتحديد مدة الالتزام والالتزامات المالية بين المتعاقدين ولا تتعدى ذلك لتشمل أسلوب الخدمات للمنتفعين .
وقد لاقى هذا الرأي ترحيباً في القضاء الإداري في فرنسا ومصر اذ أن المسلم به فقها وقضاء إن شروط عقد التزام المرفق العام تنقسم إلى نوعين : شروط لائحية وشروط تعاقدية . الشروط اللائحية فقط هي التي يملك مانح الالتزام تعديلها بإرادته المنفردة في أي وقت وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، دون أن يتوقف ذلك على قبول الملتزم. والمسلم به إن التعريفة أو خطوط السير وما يتعلق بهما، من الشروط اللائحية القابلة للتعديل بإرادة مانح الالتزام المنفردة.
وقد سعى المشرع العراقي نحو تنظيم أحكام عقد الالتزام ليكفل حسن سير المرفق محل الالتزام ومن ذلك ما نص عليه ا القانون المدني العراقي بخصوص المساواة بين المنتفعين في المرفق .
وتمارس الإدارة في مواجهة الملتزم سلطة الرقابة والإشراف على ممارسة عمله وفقاً لشروط العقد والقواعد الأساسية لسير المرافق العامة .
على أن لا تصل سلطة الإدارة في إصدار قراراتها بمناسبة سلطة الرقابة حدا يغير من طبيعة الالتزام وتعديل جوهره أو أن تحل محل الملتزم في إدارة المرفق وإلا خرج عقد الالتزام عن مضمونه، وتغير استغلال المرفق إلى الإدارة المباشرة .
ثانياً : عقد الأشغال العامة :
عرفت احكام القضاء الاداري المختلفه عقد الأشغال العامة بانه عقد مقاولة بين شخص من أشخاص القانون العام وفرد أو شركة بمقتضاه يتعهد المقاول بعمل من أعمال البناء أو الترميم أو الصيانة مقابل ثمن يحدد في العقد .( )
ومن هذا التعريف يتبين أنه يتميز عقـد الأشغال العامـة بتوافر العناصر التالية:
1- أن يتعلق موضوع العقد بعقار . ويشمل ذلك أعمال البناء والترميم والصيانة الواردة على عقار . وكذلك بناء الجسور وتعبيد الطرق وما إلى ذلك .
ويخرج من نطاق الأشغال العامة العقود الواردة على منقول مهما كانت ضخامته , فلم يعتبر القضاء الإداري في فرنسا من عقود الأشغال العامة الاتفاقات التي يكون محلها إعداد أو بناء أو ترميم سفينة أو حظيرة متحركة للطائرات .( )
وقد توسع مجلس الدولة الفرنسي في مفهوم الأشغال العامة وأدخل في اختصاصه كثيراً من العقود التي تتعلق بصيانة الأموال العامة من قبيل أعمال التنظيف والرش في الطرق العامة، وعقود توريد ونقل المواد اللازمة للأشغال العامة، وكذلك عقود تقديم مساعدة مالية أو عينية لتنفيذ أشغال عامة .( )
2- أن يتم العمل لحساب شخص معنوي . سواء كان العقار محل الأشغال مملوكاً لشخص عام أم مملوكاً لشخص من أشخاص القانون الخاص لكن العمل قد تم لحساب شخص معنوي عام .( )
كذلك اعترف القضاء الإداري الفرنسي بصفة الأشغال العامة لأشغال المرافق العامة الصناعية والتجارية التي تدار بالإشراف مباشر من مؤسسات عامة .( )
أو الأشغال التي تقوم بها البلدية من تلقاء نفسها في عقار مهدد بالسقوط لكفالة الطمأنينة العامة.( )
3- أن يكون القصد من الأشغال تحقيق نفع عام .
في البداية كان مفهوم الأشغال العامة يقتصر على الأشغال التي تتعلق بعقارات تدخل في ضمن نطاق الدومين العام أما الأعمال التي تجري على عقارات تدخل في نطاق الدومين الخاص فلا تعد عقوداً إدارية .
إلا أن قضاء مجلس الدولة الفرنسي لم يستقر على هذا المبدأ فعمد إلى توسيع مفهوم الأشغال العامة ليشمل الأعمال المتعلقة بعقارات مخصصة للنفع العام ولو كانت داخله ضمن نطاق الدومين الخاص .
ومن ذلك في قضية Commune de Monsegur في 10-6-1921 بخصوص تعويض قاصر عن حادث أصيب به كنسية البلدية مدينة منسيجور إذ ورد ” .. إذا كان مرفق العبادة لم يعد مرفقاً منذ قانون 9 ديسمبر سنة 1905 بفصل الكنائس عن الدولة فتنص المادة 5 من قانون 2 يناير سنة 1907 على أن تستمر المباني المخصصة لممارسة العبادة ـ في غير حالات إزالة التخصيص المنصوص عليها في قانون 9 ديسمبر سنة 1905 ـ متروكة تحت تصرف المؤمنين والمكلفين بإقامة شعائر العبادة لممارسة ديانتهم ، وأنه يترتب على ذلك إن الأشغال التي تنفذ في الكنيسة لحساب شخص عام من أجل غرض ذي نفع عام تحتفظ بصفة الأشغال العامة وتدخل الدعاوي الموجهة ضد البلديات بسبب الأضرار الناشئة عن عدم صيانة الكنائس في اختصاص مجلس الأقاليم باعتبارها مرتبطة بتنفيذ أحد الأشغال العامة”.
ويتميز عقد الأشغال العامة في أن الإدارة تملك سلطة الإشراف والتوجيه على تنفيذ العقد في أوسع مدى لها، إذ تملك سلطة توجيه العمال واختيار طريقة التنفيذ، كما يجوز للإدارة أن تعدل الشروط الأصلية للعقد بما يحقق المصلحة العامة .
ثالثاً : عقد التوريد :
عرفت محكمة القضاء الإداري المصرية عقد التوريد بأنه ” إتفاق بين شخص معنوي من أشخاص القانون العام وفرد أو شركة يتعهد بقتضاه الفرد أو الشركة بتوريد منقولات معينة للشخص المعنوي لازمة لمرفق عـام مقابل ثـمن معين .”( )
ومن ذالك يتبين انه يشترط في هذا العقد مايلي :
1- موضوع عقد التوريد أشياء منقولة دائما، وهو ما يميزه عن عقد الأشغال العامة الذي يتعلق بالعقارات والعقارات بالتخصيص، ومن قبيل هذه المنقولات توريد مواد التموين والأجهزة والبضائع المختلفة الأخرى .
2- اتصال العقد بمرفق عام وتضمنه شروطاً استثنائية غير مألوفة، وإلا فأن العقد يعد من عقود القانون الخاص.ٍ
ويستوي بالنسبة لعقد التوريد أن يتم دفعة واحدة أو علي دفعات متعددة ، وقد أفرز التطور الصناعي ظهور عقود جديدة دخلت ضمن نطاق عقد التوريد، تتعلق بتسليم منقولات بعد صناعتها وسميت هذه العقود بعقود التوريد الصناعية Marches industriels والتي تقسم بدورها إلى نوعين من العقود: عقود التصنيع arches de fabrication وعقود التعديل والتحويل Marches de donversion et transfomration .( )
الفصل الثالث
إبرام العقــود الإداريـــة
لا تملك الإدارة حرية واسعة عند التعاقد، مثلما هو الحال في إبرام الأفراد عقودهم. إذ فرض المشرع جملة من القيود و الإجراءات تلتزم الإدارة بأتباعها حفاظاً على المصلحة العامة و المال العام.
وقد أكدت محكمة القضاء الإداري المصرية هذا الاتجاه عندما قضت” من حيث أن الأصل في كيفية إبرام العقود الإدارية و التي يشتد فيها القيد على حرية جهة الإدارة عند تعاقدها يرجع إلى أن الشارع هو الذي يستقل ببيان طريقة إبرام العقود العامة وهو في هذا السبيل يسعى إلى إدراك هدفين كبيرين الأول: تحقيق أكبر وفر مالي للخزينة العامة ، وهذا يستلزم بداهة التزام جهة الإدارة اختيار المتعاقد الذي يقدم أفضل الشروط والضمانات المالية والثاني : مراعاة المصلحة الإدارية ويتطلب تبعاً لذلك تمكين جهة الإدارة من أن تختار أكفاً المتقدمين لأداء الخدمة التي تحرص هي على تحقيقها “.( )
وسنتناول في هذا الفصل طرق وأساليب اختيار المتعاقد مع الإدارة ثم نبحث في إجراءات التعاقد وفقاً لما ورد بهذه اللائحة وفي مبحثين.
المبحث الأول
طرق إبرام العقود الإدارية
تتبع إدارة أساليب عدة في إبرام عقودهما الإدارة.وفي هذا المجال بينت لائحة العقود الإدارية طرق أساسية لإبرام العقود الإدارية أوردتها المادة العاشرة من اللائحة هي:
1- المناقصة .
2- الممارسة .
3- التكليف المباشرة.
4- المزايدة العامة .
أولاً : المناقصة :
يقوم نظام المناقصة على أساس وجود عدد من الراغبين في التعاقد مع الإدارة، يتنافسون فيما بينهم لتقديم العطاءات تختـار الإدارة أفضلها سعراً وشروطاً. ( )
وتلجأ الإدارة إلى هذا الأسلوب عندما تريد الحصول على الخدمات و السلع مثلما وهو الحال في العقود الأشغال العامة و التوريد، ولا يجوز العدول عن أسلوب المناقصة إلا في حالات خاصة.
إذ ورد في المادة الحادية عشر “تبرم عقود الأشغال، وعقود التوريد وغيرها من التوريد وغيرها من العقود الإدارية – بصفة عامة – بطريقة المناقصة العامة ولا يجوز العدول عن طريق المناقصة العامة إلى طريق آخر من طرق التعاقد .. إلا لمقتضى يستند إلى أحكام هذه اللائحة.”
وتقوم المناقصة على ثلاثة مبادئ رئيسية هي:
1- الإعلان عن المناقصة .
2- حرية المنافسة.
3- المساواة بين المتنافسين.
1.الإعلان عن المناقصة :
إعلان الإدارة عن رغبتها بالتعاقد شرط ضروري لضمان فرص متساوية للراغبين بالتعاقد تتيح لهم تقدير كلفة المشروع موضوع العقد ونوع الخدمات المراد تقديمها وشروطها.
إذا يتوجب على الإدارة أن تضع مواصفات تفصيلية كاملة وجداول الكميات التي تبين للأفراد البنود و الإجراءات الواجب اتباعها في تنفيذ العقد و الجزاءات التي يمكن توقيعها على المتعاقد في حالة الإخلال بأحكامه أو التأخر في تنفيذه.إضافة إلى صفة المناقصة وشروط العقد العامة.( )
وتتولى لجنة العطاءات الإعلان عن المناقصة بناء على قرار الجهة المختصة بعد التحقق من صدور الأذن من الجهة المختصة.
2.حرية المنافسة :
من مقتضيات هذا المبدأ إعطاء الحق لكل المقاولين أو الموردين المنتمين للمهنة التي تختص بنوع النشاط الذي تريد الإدارة التعاقد عليه، أن يتقدموا بعطاءاتهم بقصد التعاقد مع أحدهم وفق الشروط التي تضعها هي. ( )
ولا يجوز للإدارة أن تبعد أياً من الراغبين في التعاقد و المنتمين إلى هذه المهنة من الاشتراك في المناقصة.
ويقوم أساس المنافسة الحرة في نظر الأستاذ De Laubadere على فكرة الليبرالية الاقتصادية القائمة على حرية المنافسة، وفكرة المساواة بين الأفراد في الانتفاع من خدمات المرافق العامة.( )
بالإضافة إلى أن هذا المبدأ يقوم على أساس وقوف الإدارة موقفاً حيادياً إزاء المتنافسين، فهي ليست حرة في استخدام سلطتها التقديرية بتقدير فئات المقاولين التي تدعوها وتلك التي تبعدها.( )
إلا أن هذا المبدأ لا يسري بإطلاقه،إذ ترد علية قيود تقتضيها المصلحة العامة،تسمح للإدارة إبعاد بعض الراغبين بالتعاقد مؤقتا أو نهائيا من التعاقد مع الإدارة.
3.المساواة بين المتنافسين:
يقوم هذا المبدأ على أساس أن جميع المتقدمين بعطاءاتهم يكونوا على قدم المساواة مع بقية المتنافسين، وليس للإدارة أن تقيم أي تمييز غير مشروع بينهم فلا تطلب من أحدهم ما لا تطلبه من غيرهم.( )
إلا أن هذا القيد لا ينبغي تعميمه، إذ أن الإدارة تستطيع أن تفرض شروطاً إضافية على المتقدمين إليها تضمن توفر خبرات خاصة أو تطلب وثائق أو شهادات معينة لا تتوفر إلا لفئة معينة من الراغبين في التعاقد.
ناهيك عن أن الإدارة تملك إعفاء بعض المتقدمين من بعض الشروط كإعفاء الشركات الوطنية من التأمين الابتدائي الواجب تقديمه أو شرط توافـر القدرة المالية .
و المناقصات تقسم على أنواع منها المناقصة العامة و المناقصة المحدودة :
المناقصة العامة هي تلك التي يعلن عنها لجميع الراغبين في التعاقد مع الإدارة دون تعيين، وهي القاعدة العامة في المناقصات وتقوم على أساس المبادئ الأساسية التي سبق ذكرها. وعرفتها لائحة العقود الإدارية بأنها هي التي يعلن عنها لجميع أدوات التنفيذ بقصد الوصول إلى أصلح عرض ..”( )
و المناقصة العامة أما أن تكون مناقصة داخلية أو محلية وأما أن تكون مناقصة دولية وتتبع في المناقصة المحلية إجراءات المناقصة العامة ذاتها من حيث وجوب المساواة بين المتقدمين وحرية المنافسة فضلاً عن الإجراءات الأخرى، لكن المناقصة تختلف في أن المشاركة فيها تقتصر على الشركات المحلية و المقاولين المحليين الذين يختارون من بين المقيدة أسماؤهم في السجلات المعدة لذلك وهي على ذلك يعلن عنها بالنشر في وسائل الأعلام المحلية.
في حين يعلن عن المناقصة العامة أو الدولية عن طريق النشر في وسائل الإعلام المحلية و العالمية، ويتعلق هذا النوع من المناقصات ببعض العقود المهمة التي تتطلب قدراً عالياً من الخبرة، التي لا تتوفر في الشركات المحلية، فيسمح باشتراك الأفراد و الشركات الأجنبية.
أما المناقصات المحدودة، فهي المناقصات التي يقتصر الاشتراك فيها على جهات أو أشخاص يختارون عن طريق قائمة تعدها الإدارة بأسمائهم ولا يحق لمن هم خارج هذه القائمة المشاركة إلا في حالات استثنائية.( )
وهذه القائمة تعد بناء على توافر شروط معينة تقررها الإدارة من حيث المقدرة المالية للشركات أو خبرتها الفنية في الأعمال المماثلة، وتلجأ الإدارة إلى هذا الأسلوب في حالات الضرورة ولاعتبارات تعود إلى طبيعة المشروعات التي ترغب الإدارة بإنجازها، و التي تتطلب قدرة من الخبرة و الكفاية، مثلما هو الحال في إنشاء الجسور و الأنفاق و المصافي … ألخ .
ثانياً : الممارسة :
يمكن للإدارة أن تلجأ إلى طريق أخر في إبرام عقودها هو طريق الممارسة، ويتم بتقديم العروض أو الاتصال بجهات أو أشخاص متخصصين و التفاوض معهم للوصول إلى أفضل الشروط و الأسعار للتعاقد.( )
ويتميز هذا الأسلوب باختصار الإجراءات الطويلة التي يستغرقها غالباً طريق المناقصة، بالإضافة إلى طابع العلنية من خلال معرفة جميع الراغبين بالتعاقد بالأسعار التي يقدمها المنافسون، و التفاوض العلني للوصل إلى الاتفاق، مثلما هو الشأن بالنسبة لعقود القانون الخاص.
ثالثا: التكليف المباشر :
تملك الإدارة أيضاً حرية التعاقد مع الجهات بصورة مباشرة دون اتباع إجراءات خاصة، بإصدار أمر الشراء أو التكليف بالأعمال مباشرة من المختص بتوقيع العقود في الوحدات الإدارية، وفق ما يسمى بطريقة التكليف المباشر، وتلجأ الإدارة لهذا الأسلوب في أحوال معينة استثناء.
رابعاً المزايدات :
تسلك الإدارة طريق المزايدة في إبرام العقود الإدارية المتعلقة ببيع الأشياء التي تستغني عنها الإدارة أو التي يتقرر بيعها وفقاً للقانون، وتتم عن طريق تقديم عطاءات أو عروض للشراء أو بطريق المناداة للوصول إلى أعلى الأسعار.( )
المبحث الثاني
إجراءات التعـــاقـــد
يمر التعاقد في العقود الإدارية بأربع مراحل، حددها المشروع في لائحة العقود الإدارية وأوجب اتباعها وهي :
المرحلة الأولى : استيفاء الإجراءات الشكلية السابقة على التعاقد.
المرحلة الثانية : تقديم العطاءات.
المرحلة الثالثة : فظ المظاريف و البت فيها.
المرحلة الرابعة : إبرام العقد .
المرحلة الأولى : استيفاء الإجراءات الشكلية السابقة على التعاقد.
يتطلب القانون أن تستكمل الإدارة بعض الإجراءات الشكلية قبل إبرام العقد وأهمها :
1- الاعتماد المالي.
2- دراسة الجدوى .
3- الحصول على تصريح بالتعاقد.
1) الاعتماد المالي :-
الإدارة لا تستطيع التعاقد أو إجراء أي تصرف يرتب عليها التزامات مالية، ما لم يتوفر لديها الاعتماد المالي اللازم، كذلك تلتزم الإدارية أن بعدم تجاوز حدود هذا الاعتماد المالي. ويترتب على مخالفة الإدارة لهذا الالتزام مسئوليتها القانونية.
وقد أوجبت المادة الثامنة من لائحة العقود الإدارة تراعي الجهات الإدارية حدود الاعتماد قبل إبرام أي عقد من العقود الإدارية باستثناء الأعمال أو المشروعات التي تتم بالجهد الذاتي أو التطوعي أو العمل الجماعي المنظم، ولا يجوز التعاقد على أي عمل أو مشروع غير مدرج بالخطة أو الميزانية. كما لا يجوز التعاقد إلا في حدود الاعتمادات المدرج بالخطة و الميزانية للعمل موضوع العقد.
وهنا لابد من التساؤل حول مآل العقد الذي يبرم مخالفاً لشرط توافر الاعتماد المالي أو متجاوزا لحدوده .
وفي هذا المجال نجد أن القضاء و الفقه الإداريين قد أستقرا على اعتبار تصرف الإدارة بإبرام عقودها الإدارية بهذه الظروف يكون صحيحاً وملزماً لإطرافه( ) مع ما يشكله من استحالة تنفيذ الإدارة لالتزاماتها المالية في مواجهة المتعاقد معها مما يرتب مسئوليتها القانونية.
وقد بررالقضاء الاداري القضاء ذالك بضرورة حماية الأفراد في تعاقدهم مع الإدارة كون علاقتهم مع الإدارة فردية وليست تنظيمية مع وجوب عدم زعزعة الثقة الإدارية.
ووفقاً للقواعد العامة في التعاقد لا يمنع تعاقد الإدارة في هذه الحالة، من مطالبة المتعاقد فسخ العقد لعدم تنفيذ الإدارة التزاماتها المالية المستحقة لصالحها مع التعويض إذا كان لها مقتضى .
2) دراسة الجدوى :
يوجب المشرع قبل المباشرة بأي إجراء من الإجراءات التعاقد دراسة موضوع العقد وإجراء استشارات متعددة في سبيل إنجاز المشروعات وفقاً للمواصفات المطلوبة في الخطة مع مراعاة حدود الاعتماد المالي المخصص.
ونعتقد أن هذه الضوابط لا تعدو أن تكون توجيهات للإدارة تستنير بها قبل الإقدام على التعاقد ومع نص المشرع على وجوب اتباعها، لا يترتب على مخالفة ذلك اعتبار العقد باطلاً.إذ أن دراسة الجدوى من التعاقد في هذين النصين لا تبلغ حد الاستشارة الإلزامية أو الأذن بالتعاقد. ولا يترتب على مخالفة الإدارة لهذه الضوابط إلا مسئوليتها أمام السلطة الإدارية العليا.
3)التصريح بالتعاقد :
يشترط قبل إبرام العقد الإداري الحصول على أذن الجهة المختصة التي يحددها القانون، وبعكس ذلك لا يجوز للإدارة مباشرة أي إجراء من إجراءات التعاقد .
ويترتب على ذلك أن العقد الذي تبرمه الإدارة دون الحصول على الأذن معدوما من الناحية القانونية ولا يجوز تصحيحه بصدور إذن لاحق.
وعلى ذلك لا تتوافر الرابطة التعاقدية بين الإدارة و الطرف الأخر، ويملك هذا الأخير المطالبة بالتعويض الذي لحق به على أساس المسئولية التقصيرية إذا كان له مقتضى.
المرحلة الثانية : تقديم العطاءات :
خلال المدة التي يحددها الإعلان يتقدم الراغبون بالتعاقد بعطاءاتهم، ولا يعتد بالعطاءات بعد هذه المدة.
إلا إذا قررت لجنة العطاءات تمديد مدة قبول العطاءات لأسباب تتعلق بقلة عدد العطاءات المقدمة بالنسبة لأهمية المشروع، أو عندما تطلب مد الميعاد أغلبية الشركات أو المنشآت التي دعيت للمناقصة أو طلب ذلك عدد كبير من الشركات أو المنشآت الراغبة في التقدم للمناقصة.
محتويات العطاء:
وإذا تم تقديم العطاء فيجب توافر مجموعة من المعلومات و المواصفات التي يتعلق بعضها بالراغب بالتعاقد بينما يتعلق القسم الأخر بالمشروع موضوع المناقصة. وهذه المعلومات ينبغي أن تكون واضحة ودقيقة بشكل لا يسمح بوجود لبس أو تفسير خاطئ.