مشكلات نفسية – إجتماعية معاصرة …. الدكتور أسعد الإمارة (1)
لذا فأن علماء النفس قالوا بأن الافراد الذين يواجهون بعض التهديدات الحياتية المتعلقة بالشؤون الاقتصادية او المعاشية او المتعلقة بالعمل والتي لا يمكن التحكم بها تكون استجابتهم للمواقف التالية بمثابة الانسحاب والاستسلام او الشعور بالاكتئاب .
ان افضل الحلول لمواجهة مشكلات الحياة الصعبة هو تأجيل التفكير بها اثناء مداهمتها لكي لا تتحول الى احباطات ومن ثم فأن ارجاء الحصول على الوضع الافضل الى فترة ربما يؤدي الى مراجعة الاساليب في التعامل فضلا عن ايجاد حلول اخرى بديلة …
وهكذا فأن الاحباط ينتج من داخل انفسنا اولا ويتحدد الفشل في مدى حجم وسعة وكبر وقدرة الفرد على التصدي لمواجهته … فالطموحات الواسعة تحتاج الى قدرات عالية وان تحققت فأنها ستتحقق بالتدريج والارجاء الناجح…
حياتنا والضغوط النفسية
ان الناس باستمرار يسايرون ضغوط الحياة اليومية والعادية من دون ان يدركوا ذلك في الغالب،فأذا كانت الحياة وعاء لأي شئ فأنها في المقام الاول وعاء يحوي ضغوطاً كثيرة ومتنوعة بالنسبة الى الافراد،وحتى البشر السعداء والمرتاحين والميسرة احوالهم المالية او الانفعالية النفسية يواجههم الكثير من خيبات الامل والصراعات والاحباط والازمات والانواع المختلفة من الضغوط اليومية،الا ان عدداً قليلا نسبيا منهم هم الذين يواجهون الظروف القاسية والصعبة الشديدة كما عبرت عن ذلك ليندا دافيدوف وهو تصريح واضح وصريح بوجود الضغوط النفسية في حياتنا اليومية التي باتت تشكل الغيمة الاكثر قتامة في سماء ايامنا هذه والتي لم تكن في الازمان السابقة ذات تأثير فعال على الانسان مثلما هو الحال اليوم رغم التطور التكنولوجي ووسائل الراحة والاتصال حتى غدا عالم اليوم كما تقول تكنولوجيا الاتصالات قرية صغيرة لكن موضوع الضغوط النفسية شغل الباحثين والمهتمين بالصحة النفسية والطب انشغالا زاد عن الوضع الاعتيادي لما لاثاره الجانبية من سلبيات واضحة في حياة الانسان لكون الخبرات المؤلمة التي تمر به على حدتها وقوتها تدخل فيما يسميه علماء النفس بالاحداث الضاغطة، ففي العقود الاخيرة اصبح للضغوط النفسية Stress هيئات متخصصة لدراسة الضغوط النفسية التي تعتري انسان اليوم وما يعانيه من ارق بسبب هذه الضغوط وما جلبته له من امراض مثل قرحة المعدة او الاختناق الليلي او اضطرابات القولون العصبي وهي اعراض جسمية لاسباب نفسية تسمى الامراض النفسجسمية.
ان الضغط النفسي كما يقول وولف حالة نفسية مستمرة عند الكائن الحي توحي له بعدم امكانية تحاشيها لان الضغط حالة ديناميكية مستمرة ومتفاعلة مع المواقف الاخرى ، تحدث عند الكائن الحي استجابة لحاجة التكيف .
ولأن الحياة بحد ذاتها تستلزم تكيفاً ثابتاً، لذا يتعرض الكائن الحي لحالة ضغط اعلى من الحد العادي او اقل منه ، وفي هذا الامر اضطراب بكلتا الحالتين
فالمؤسسات العلاجية والجمعيات النفسية والعقلية اكدت على وجود الاسباب المؤدية للامراض النفسية بعد ان تم تشخيصها كسبب اساس ورئيس للامراض النفسية فاعلنت رابطة الطب النفسي الامريكية ان الضغوط يمكن ان تقود الى امراض عقلية وأحد تلك الامراض الاكثر تكراراً والناتجة من الضغوط هي الاكتئاب، وقد اشارت بعض النتائج العلمية والدراسات الميدانية ان الضغوط تأخذ اشكالاً متعددة في احداث نتائجها المرضية او الحالات اللاسوية،فمواقف الضغط النفسي اكبر خطراً من مواقف الضغط المادي او الاجتماعي وذلك بسبب طبيعتها المتواترة ، وقد تحدث مواقف الضغط النفسي بفعل مواقف الضغط المادي او الاجتماعي.
يقول علماء النفس ان الازمات النفسية الشديدة او الصدمات الانفعالية العنيفة او اي اضطراب في علاقة الفرد مع غيره من الافراد على مستوى الاسرة او المدرسة او العمل او المجتمع الصغير الذي يعيش فيه وغير ذلك من المشكلات او الصعوبات التي يجابهها الفرد في حياته من السهل ان تدفعه الى حالة الضيق والتوتر والقلق وهي بحد ذاتها ضغوط حياتية تضرب كيان الانسان واتزانه النفسي. وعليه فان الكائن البشري حينما يتعرض يوميا لمصائب او مواقف او هزات انفعالية شديدة ، قد يتحمل وقد ينهار وهناك فروق بين الناس في القدرة على التحمل والمطاولة لاطول فترة ممكنة ولكن لا يمكن ان يستمر الحال كما هو عليه وبعد هذا التحمل ينهار الكائن البشري بعد ان يفقد اخر قدرات التحمل وطاقات المناعة البدنية والنفسية حتى يصاب البعض بامراض نفسية او عقلية. ان الطريقة التي يعبر بها الافراد عن المرض تكون بشكل اعراض مرضية تسبق المرض مثل حالة الذهول او التوهان الفكري او ضعف التركيز الواضح وكثرة النسيان حتى تتطور الحالة المرضية لتصل الى الانهيار.
عدت حياتنا الحالية بكل ما فيها من مصاعب وازمات ناتجة من مشكلات الحياة تؤدي الى ترسب المواقف الضاغطة وتكون استجابة الانسان حادة ازاء المواقف فيختل توافقه النفسي والذاتي ويبدو الاجهاد واضحا في علاقاته الاجتماعية وكثيرا ما شخص اطباء النفس بعض
الاضطرابات العصابية”النفسية”على انها استجابة لحادث شديد او نتيجة لضغط نفسي شديد ويقول د.احمد عكاشة تاتي الاضطرابات كنتيجة مباشرة لضغط شديد او حادث مستمر ، فالحدث شديد الاجهاد او الظروف المستمرة غير المريحة هي العامل السببي الاول والاساس ولولا تأثيرهما لما ظهر الاضطراب اصلاً.
ان ما نواجهه في حياتنا اليومية من ضغوط نفسية مستمرة يترسب ويتراكم الى الحد الذي يجعل البعض منا ينفجر فجأة بعد اول موقف شديد حتى تظهر الاعراض،ولا توجد فترة زمنية مباشرة او واضحة بين وقوع الحدث وبداية الاعراض، فهي عادة لا تتجاوز بضع دقائق ان لم تكن فورية حتى يقع الانهيار الكلي فضلا عن ان الاعراض تعكس نمطا مختلطا وغالبا يكون متغيرا فبالاضافة الى شدة الحالة وشدة الذهول في مراحلها الابتدائية
فقد يشاهد البعض الاكتئاب والقلق والغضب واليأس وزيادة النشاط او انسحاب الفرد التدريجي من دوامة العمل المرهق والاختلاط الاجتماعي الكثيف الى العزلة والانسحاب،هذه الاعراض تخفت بعد ساعات على الاكثر وخصوصا اذا تم استبعاد الفرد الذي تعرض للضغوط النفسية القوية الصادمة عن المحيط محل وطأة تفجر الموقف الضاغط مثل سماع خبر مؤلم او اخبار عن وفاة شخص عزيز او اخبار عن خسارة مالية مفاجئة وصلته بشكل سريع دون سابق انذار فيكون رد الفعل بقوة حجم الضغط ولكن بعد مرور 24-48 ساعة تصبح المؤثرات ضئيلة وتنقص بعد حوالي الثلاثة ايام، ولكن عند البعض تظهر اعراضا تستوفي شروط الاضطراب النفسي المرضي مثل هذيان الاجهاد واستجابة الازمة الحادة وحالة الازمة الفعلية الحادة.
كانت الفكرة السائدة قديما ان الانسان بامكانه ان يتحمل قساوة الطبيعة ومشكلات الحياة بكل ما حملت من ضغط او قسوة علية وان جسده به من القوة ما لا يمكن ان يوصف ونحن نقول ان الضغوط النفسية يمكن لها ان تسبب حالة الارهاق والاجهاد التي لاحصر لها وقد تقع في مجال اي تجربة جسمية ولكن ما يؤثر عليها فعليا هو العوامل الداخلية النفسية والعقلية ولهذا فان الضغوط تحدث اثرها ان تجمعت تدريجيا ووصلت الى الحد الذي لا يستطيع الفرد التكيف عليه او تحمله.
واثبتت البحوث النفسية الميدانية ان انفعال الضغوط قد يحدث اذاما تجمعت مصادر الشدة الكافية والمختلفة في آن معاً او بالتتابع تكفي بمجموعها تكوين ازمة تهز كيان واختلال الفرد حتى تفقده المقاومة وقدرته على التحمل.
نسبية الضغوط والتعامل معها :
يتعرض الناس كلهم للضغوط بشكل او بآخر ولكنهم لا يتعرضون جميعا لمخاطرها بالدرجة نفسها،لأن تأثير الضغط يختلف من فرد الى آخر وان التهديد ومستواه يختلفان ايضا من فرد الى اخر ،ويعتمد ذلك على قدرات الفرد وخبراته الماضية وتقويمه لذاته وادراكه للضغط الواقع عليه. وقد اكد “لازاروس”ان الضغوط تحدث عندما لا يستطيع الفرد التعامل او التكيف لمتطلبات حياته.فالضغوط من وجهة نظره لا تكون متزامنة مع خصائص التنبيه او الاستجابة،ولكن تظهر متى ما ادرك الفرد الموقف على انه مهدد،وهذا التقييم يستند الى تخمين الموقف وقابليته وآلياته”ميكانيزماته” التعاملية المعتمدة مع هذه المتطلبات.وهذا يفسر الاختلافات الفردية في الاستجابة للضغوط وعليه فأن حدة اي ضغط ستعتمد على شعور الفرد وكيفية تعامله مع الموقف الذي ادركه كمهدد والذي سيؤدي الى استثارة انفعالية والى ظهور المحاولات السلوكية للتعامل ومدى تخمين التغيرات النفسية الناتجة.
ورغم ان الاختلاف من فرد لآخر في ادراكه للضغوط الموجهة اليه،فأن استجابته اليها تختلف تبعا لنمط شخصيته،فأما ان تكون هذه الاستجابة فعالة بحيث تؤدي الى تغيير او تعديل هذه الضغوط للوصول الى درجة التوافق التي تشعر الفرد بالراحة،او قد تكون الاستجابة معرفية(Cognitive) او سلوكية (Behavioral) او تكون استجابة الفرد تجنبية(Avoidance) يبتعد فيها من دون اللجوء الى حل ما لمواجهة الضغوط.
كما ان العوامل البيئية والوسط الاجتماعي الذي يتحرك فيه الفرد،يؤثر في تشكيل شخصيته ونموها وتحديد حيل دفاعه النفسي عن طريق نوع التربية والضغوط والمطالب التي تسـود في البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.
وأذا فشل الفرد في مواجهة هذه الضغوط وتلك المطالب خاصة ما بينها من تناقضات ساء توافقه(الشخصي والاجتماعي) وأدى ذلك الى المرض النفسي كما اكده حامد زهران.
ويؤكد(لازاروس) ان الاختلاف في الاسلوب يمكن ان يتسق الى درجة كبيرة بالنسبة الى فرد معين على الرغم من ان الافعال النوعية المتضمنه سوف تختلف باختلاف اهدافها واسباب المثير.
ومن السهل في كثير من الاحيان التعرف على هذه الاساليب كونها مميزة لشخص معين بالذات. وقد اظهرت الدراسات التي قام بها (والاش وجرين وليست ومينشارت)ذلك. افترض هؤلاء الباحثون ان من بين الافراد الذين يتجهون اجتماعيا في سلوكهم نحو الخارج في علاقاتهم، يحققون توازنا مرغوبا فيه لانفسهم وفي التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الاخرين بشدة ، ويوجد عدد آخر من الافراد يفضل العزلة الاجتماعية والانسحاب عن اللقاءات الاجتماعية والتواري بعيدا عن انظار الجميع في كل المناسبات السارة او المؤلمة . ومن ناحية اخرى نجد من يفضل الانسحاب اجتماعيا ، وعلى الرغم من نتائج دراسة والاش والاخرين التي اعتمدت على استخدام استبيان الاساليب الدفاعية ،فأنهم توصلوا ايضا الى ان الفرد يمكن ان يعد دفاعيا اذا انكر شيئا من المشاعر والخبرات غير المقبولة.
ويسلم السلوكيين بالحتمية النفسية بمعنى حتمية حدوث الاستجابة اذا تعرض الانسان لمثير ما،وانه من الممكن التنبؤ بنوع الاستجابة التي سيثيرها مثير معين،وكذلك من الممكن التعرف على ما يؤدي الى استجابة معينة من مثيرات وبالتالي يمكن تحديد اسلوب التعامل مع المثير ثم التعرف على نمط الشخصية.
يختلف الاشخاص بالحتمية بعضهم عن بعض في تكوينهم للوقائع والاحداث ويمكن النظر الى الناس على انهم مختلفون بعضهم عن بعض لا بسبب اختلاف الوقائع او الاحداث التي يسعون لتوقعها او سبقها وانما بسبب وجود طرق مختلفة في توقع الاحداث ذاتها، لذا فان وعي الفرد في ادراكه للضغط يعتمد على فهم دلالة الاحداث التي يواجهها .
المصادر
· اسعد الامارة(1995)علاقة الضغوط والتعامل معها بالخصائص العصابية لدى طلبة الجامعة ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية التربية،الجامعة المستنصرية،بغداد
· ليندا.ل.دافيدوف(1983)مدخل علم النفس ،ترجمة سيد الطواب واخرون،دار ماكجروهيل ،القاهرة
· مصطفى زيور(1975)محاضرة في الاكتئاب النفسي، مكتبة الانجلو ،القاهرة
· احمد عكاشة(1980)الطب النفسي المعاصر ، مكتبة الانجلو ،القاهرة
· وائل فاضل(1994)نمط الشخصية والضغوط النفسية وتأثيرها على حدوث الجلطة القلبية،رسالة ماجستير غير منشورة،كلية الاداب،جامعة بغداد،بغداد
· ريشارد لازاروس(1981)الشخصية،مطبعة الشروق،بيروت
· Lawrence Cohen,(1988)Life Events and Psychological Function.TheOreintal Land Methodological Issues.
· Peter Gantous (1994) Stress Derive High Suicide rate among Native Canadian. Psychology International Vol.5, No.4, April.
· اسعد الامارة(2001)الضغوط النفسية،مجلة النبأ،العدد (54)،بيروت
الضغوط النفسية stress
تعريف الضغوط stress
كيف تتكون الضغوط
استجابة الانسان للضغوط الخارجية
انواع الضغوط
الضغوط والامراض النفسية
تحديد الضغوط وقياسها
الضغوط التي تتعرض لها المرأة
ضغوط العمل
المقدمة
عاش الإنسان منذ بداية نشأة الكون عبر ملايين السنين، باحثاً عن الاستقرار، والأمان، جارياً وراء الراحة التي تعطيه الاتزان، فمنذ تلك الأزمان وهو ينشد الطمأنينة له ولأبنائه.. فهو يسعى لتخفيف عبء الحياة عن كاهله.. ولما ازدادت الحياة تعقيداً وقوة وتوسعت وازدادت مطالبها وحاجاتها، ازدادت الضغوط الواقعة عليه لتلبية تلك المطالب.. فلا يستطيع التوقف عن مجاراة ذلك، لأنه سيتخلف عن اللحاق بها، مما اضطره إلى مواكبة التسارع لتحقيق الرغبات والمطالب، هذا الإسراع زاده مرة أخرى من الضغط على النفس وتحميلها أكثر من طاقتها بغية اللحاق بموكب التحضر بكل ما
يحمله من قسوة ورخاء.. فالحضارة تحمل معها رياح التغيير، والتغيير يحمل معه التبديل في السلوك، وينتج عنه بعض الانحرافات، وهي بالتالي نتاج الحضارة.
إن الضغوط بكل أنواعها هي نتاج التقدم الحضاري المتسارع الذي يؤدي إلى إفراز انحرافات تشكل عبئاً على قدرة ومقاومة الناس في التحمل.. فرياح الحضارة تحمل في طياتها آفات تستهدف النفس الإنسانية. وزيادة التطور تحمّل النفس أعباءً فوق الطاقة.. وينتج عنها زيادة في الضغوط على أجسامنا، مما ينعكس على الحالة الصحية (الجسدية – البدنية) والنفسية العقلية ويؤدي إلى الانهيار ثم الموت.
إن الإنسان المعاصر ينجح في استيعاب النمو المتسارع لمتطلبات الحضارة، لكنه يخسر بالنتيجة قدرته الجسدية والنفسية ومقاومته في التحمل.. مما يؤدي إلى استنزاف تلك الطاقة وتدميرها.. ويعني ذلك تدمير الذات.
في هذا الموضوع سنتعرض إلى الضغوط الحياتية بأنواعها: النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الأسرية، المهنية، الدراسية، العاطفية. وآثارها المتوقعة في حالة عدم وجود وسيلة أو آلية للتخفيف منها، كذلك التطرق إلى الضغوط الداخلية والخارجية ومكوناتها، وظروف نشأتها، ثم آثارها على الصحة الجسدية والنفسية..
إن أساليب التعامل مع الضغوط بنوعيها الشعورية (التي يتحكم بها الإنسان) واللاشعورية (التي لا يستطيع أن يتحكم بها الإنسان) تهدف أساساً إلى إحداث التوازن ومحاولة التخفيف من شدة تلك الضغوط، وهي استجابات يلجأ إليها الكائن البشري سعياً إلى الراحة، وإلى حالة الاتزان، ومن تلك الأساليب:
التصدي للمشكلة، طلب الإسناد الاجتماعي، ضبط النفس، التجنب، الخيال والتمني.. الخ.
أما الأساليب اللاشعورية فهي: التبرير، النكوص (الارتداد)، الإسقاط، الاستدخال، الكبت، التكوين العكسي (الضدي)، العزل.. الخ.
إن إنسان هذا العصر، يعيش الضغوط بأشكالها، لذا سمي عصرنا بعصر الضغوط وفي هذا الموضوع نوجه دعوة صادقة للوقوف مع الذات ومشاهدتها عن قرب، ليرى الإنسان ما له وما عليه، ليبدأ من الآن إصلاح ما يمكن إصلاحه وإيقاف الاستنزاف باللجوء إلى الأسلوب الذي يناسب حالته النفسية والشخصية قبل أن يصل إلى حالة الانهيار.
تـعـريف الضغـوط
STRESS
الضغوط مفهوم يشير إلى درجة استجابة الفرد للأحداث أو المتغيرات البيئية في حياته اليومية، وهذه المتغيرات ربما تكون مؤلمة تحدث بعض الآثار الفسيولوجية. مع أن تلك التأثيرات تختلف من شخص إلى آخر تبعاً لتكوين شخصيته وخصائصه النفسية التي تميزه عن الآخرين، وهي
فروق فردية بين الأفراد.
يعرّف (سيلي Sely ) الضغوط: بأنها مجموعة أعراض تتزامن مع التعرض لموقف ضاغط.
وعرفها (ميكانيك) بأنها تلك الصعوبات التي يتعرض لها الكائن البشري بحكم الخبرة والتي تنجم عن إدراكه للتهديدات التي تواجهه.
أما (إبراهيم) فيرى: أنها تغير داخلي أو خارجي من شأنه أن يؤدي إلى استجابة انفعالية حادة ومستمرة (إبراهيم: 118).
إن هذا المفهوم الذي شاع استخدامه في علم النفس والطب النفسي، تمت استعارته من الدراسات الهندسية والفيزيائية، حينما كان يشير إلى (الإجهاد Strain، والضغط Press، والعبء Load).
هذا المفهوم استعاره علم النفس في بداية القرن العشرين عندما انفصل عن الفلسفة وأثبت استقلاليته كعلم له منهج خاص به. وأيضاً جرى استخدامه في الصحة النفسية والطب النفسي على يد (هانز سيلي) الطبيب الكندي في العام 1956م عندما درس أثر التغيرات الجسدية والانفعالية غير السارة الناتجة عن الضغط والإحباط والإجهاد.
مـقـدمــة
إذا كان موضوع الضغوط متشعباً وشائكاً كما يعتقد بعضهم، فإننا يمكن القول أن التعامل معه أكثر تعقيداً وتشابكاً، لاسيما أن بعضاً من جوانبه لا إرادي يصعب التحكم به حتى عند الأشخاص الأسوياء والقسم الآخر إرادي ملحوظ… ومن هنا جاءت المصاعب في تحديد أساليب التعامل مع الضغوط.
من المعروف أن الضغوط تمثل خطراً على صحة الفرد وتوازنه، كما تهدد كيانه النفسي، وما ينشأ عنها من آثار سلبية، كعدم القدرة على التكيف وضعف مستوى الأداء والعجز عن ممارسة مهام الحياة اليومية، وانخفاض الدافعية للعمل والشعور بالإنهاك النفسي. فإن أساليب التعامل مع هذه الضغوط هي الحلول السحرية لإعادة التوافق عند الإنسان إذا ما استدل على معرفة الأسلوب المناسب لشخصيته، وهنا تكمن الصعوبة. فحينما يتعامل الإنسان مع الموقف فإنه يستجيب بطريقة من شأنها أن تساعده على التجنب أو الهروب أو من تقليل الأزمة ومعالجة المشكلة(1).
سنقوم في هذا الموضوع باستطلاع بعض التعريفات لأساليب التعامل والتي يستخدمها معظم الناس الأسوياء (الأصحاء) في تعاملهم مع ضغوط الحياة. علماً بأن معالجة الضغوط تعني ببساطة أن نتعلم ونتقن بعض الطرق التي من شانها أن تساعدنا على التعامل اليومي مع هذه الضغوط والتقليل من آثارها السلبية بقدر الإمكان(2).
إن ما سيواجهنا لإحداث حالة التوافق عند استخدام أساليب التعامل أو آليات الدفاع اللاشعورية تساؤل مهم، وهو:
إلى أي مستوى يكون التوافق طبيعياً لكي يحدث التوازن؟
تعرف أساليب التعامل بأنها الطريقة أو الوسيلة التي يستخدمها الأفراد في تعاملهم مع الضغوط الواقعة عليهم.
فعرفها سبيلبرجر بأنها عملية وظيفتها خفض أو إبعاد المنبه الذي يدركه الفرد على أنه مهدد له(3).
أما كوهين ولازروس فيعرّفانها على أنها: أي جهد يبذله الإنسان للسيطرة على الضغط(4).
ويعرفها (الإمارة) بأنها المحاولة التي يبذلها الفرد لإعادة اتزانه النفسي والتكيف للأحداث التي أدرك تهديداتها الآنية والمستقبلية(5).
إن الأزمة النفسية الشديدة أو الصدمات الانفعالية العنيفة أو أي اضطراب في علاقة الفرد مع غيره من الأفراد على مستوى البيت أو العمل أو المجتمع الصغير وغير ذلك من المشكلات أو الصعوبات التي يجابهها الفرد في حياته، والتي تدفع به إلى حالة من الضيق والتوتر والقلق، تخلق لديه الوسيلة لاستيعاب الموقف والتفاعل معه بنجاح فيتخذ أسلوباً لحل تلك الأزمة على وفق استراتيجية نفسية خاصة تتناسب وشخصيته. هذه الطرق والوسائل التي تستطيع أن تخفض التوتر تسمى أساليب التعامل مع الضغوط، وعند نظرية التحليل النفسي تسمى بالأساليب أو الحيل الدفاعية أو آليات الدفاع، وهي تعد حلاً توفيقياً وسطاً، أو تسوية بين المكبوت وقوى الكبت، كما أنها أشبه ببديل تعويضي عن فشل الكبت وما يترتب عليه من قلق. وإن أهم ما يميز العمليات الدفاعية في منهج عملها عن أساليب التعامل، كون الأولى تحدث لا شعورياً، أما الثانية (أساليب التعامل) فهي تحدث شعورياً ويلجأ إليها الفرد بما يلبي نمط شخصيته في الرد على الموقف الضاغط أو المهدد.
إن إدراك الفرد للضغط يعد من أهم الاستجابات الصحيحة الأولى لدى الفرد، واعتبر رد الفعل لذلك الضغط. هو إدراك الفرد للتهديد المحتمل في المواقف الضاغطة، وهو اعتقاد الفرد بقدرته في مواجهة أو تجنب التهديد في ذلك الموقف، وهو الجانب الأهم.
لقد زاد الاهتمام منذ سنوات عدة بالوسائل والطرائق التي يلجأ إليها الفرد لدرء الخطر الذي يواجهه يومياً في حياته، وسمى علماء النفس هذه بأساليب التعامل Coping وعندما يستخدمها الناس إنما يستجيبون بطريقة من شأنها أن تساعدهم على تجنب ذلك الموقف الضاغط أو الهرب منه أو حتى التقليل من شدته بغية الوصول إلى معالجة تحدث التوازن. ولم ينصب الاهتمام على دراسة نوع واحد بعينه من الضغوط، بل تم دراسة أساليب التعامل مع الضغوط بأنواعها المختلفة وحسب نوعية الضغوط أو شدتها، فأسلوب التعامل مع النكبات التي تمر بالإنسان يختلف عن أسلوب التعامل مع الضغط الداخلي. فقد أثبت العلماء أن أسلوب طلب الإسناد الاجتماعي، هو أحد أساليب التعامل مع الضغوط الناجمة عن فقدان شخص عزيز أو الحرائق التي تحصل لممتلكات الإنسان وأمواله، أو النكبات الطبيعية، أما أسلوب الإسناد الانفعالي، فهو الأسلوب الأكثر استخداماً مع الأفراد المصابين بالاكتئاب النفسي. وسنستعرض أساليب التعامل (شعورية) وآليات الدفاع (ميكانيزمات) (لاشعورية) واستخداماتها.
أساليب التعامل مع الضغوط وآليات الدفاع
نوجز بعض أساليب التعامل مع الضغوط بما يلي:
– التصدي للمشكلة.
– طلب الإسناد الاجتماعي.
– طلب الإسناد الانفعالي.
– ضبط النفس.
– الخيال والتمني.
– التجنب والهروب.
– العدوان.
– الإبدال.
أما آليات الدفاع أو (الحيل) أو ميكانيزمات الدفاع فهي:
– الكبت.
– التعويض.
– التبرير.
– التحويل.
– التكوين العكسي.
مشكلات
نفسية – اجتماعية
معاصرة
– النكوص.
– التوحد (التقمص).
– التسامي.
– الخيال.
– الإسقاط.
إن التصور العام عن أساليب التعامل (Coping) مع الضغوط شامل ويحتاج إلى تفصيل أكثر وخاصة إذا استخدم مع آليات الدفاع اللاشعورية.. فيرى بعض علماء النفس بأن أساليب التعامل مع الضغوط تعتمد على أنها:
أ) وسيلة تعديل أو محو الموقف الذي يزيد من حدة المشكلة التي تسبب الضغط.
ب) وسيلة التحكم الإدراكي واستدعاء الخبرات لتحييد المشكلة.
ج) وسيلة التحكم بالنتائج الانفعالية للمشكلة ضمن حدود الاستجابة الناجحة للحل.
وعموماً فإننا نرى بأن التعامل مع الضغوط عبارة عن أساليب تختلف باختلاف الأفراد أنفسهم. وبناءً على ذلك فسنستعرض تلك الأساليب بشكل مفصل:
استراتيجيات “اساليب”التعامل مع الضغوط
التصدي للمشكلة
وهو أسلوب من أساليب التعامل مع الضغوط، يلجأ إليه بعض الناس وفقاً لنمط الشخصية. ويهدف هذا الأسلوب إلى تخفيف العقبات التي تحول بينه وبين التكيف والاتزان أو تحقيق الأهداف الآنية.. ويكون واضحاً جداً في حالات الأزمات أو الكوارث. فعندما يواجه بعض الناس الضغوط المستمرة، طويلة الأمد، ويعمل البعض ما يقارب العشرين ساعة يومياً بهدف جمع ثروة أو لتحقيق مركز اجتماعي أو سياسي أو لتحسين المستوى المادي للعائلة.. فلا بد من أن يلجأ الإنسان إلى هذا النوع من الأساليب، ويقوم هذا الأسلوب على ثلاث عمليات هي:
1- التعامل النشط.
2- كفّ الأنشطة المتنافسة.
3- الكبح.
وبينت الدراسات النفسية أن هذا الأسلوب من أساليب التعامل يلجأ له المثقفون كاستجابة لآلية التعامل مع الضغط، إضافة إلى المعرفة المسبقة لمصدر الضغط لدى الفرد. ويعتمد هذا الأسلوب أساساً على قوة الشخصية والشجاعة في مواجهة المواقف النفسية والتوترات الناجمة عن مصدر الضغط وشدته.
طلب الاسناد الانفعالي- الاجتماعي
وهو محاولة البعض للحصول على مساعدة الآخرين اجتماعياً أو نفسياً، طبياً، مادياً، تبعاً لتقديرات المعنيين أنفسهم. إذ يلجأ البعض إلى الأهل أو الأقرباء أو حتى العشيرة في بعض المجتمعات للحصول على الدعم الأمني عند الشعور بالتهديد لسبب معين. وقد يتجه البعض إلى أصدقائهم لغرض الحصول منهم على اطمئنان مستقبلهم الوظيفي أو السياسي أو التجاري إثر الخوض في مجازفة معينة، ويسعى البعض إلى طلب الإسناد الانفعالي (وخاصة المكتئبين) سواء من القريبين أو الأطباء النفسيين، ويتجه البعض إلى الدين لما في الدين من أمان وسكينة وطمأنينة طلباً للإسناد في التعامل مع الضغوط، ويتم ذلك على شكل استشارات لرجال الدين وطلب مباركتهم أو على شكل زيارات للمراقد الدينية أو الأضرحة أو الإكثار من الصلوات وقراءات الأدعية التي تضفي
الراحة النفسية بتقوية العزيمة، والإرادة، ويتعارف عند الناس، أنه إذا أصيب شخص بعزيزٍ له أو بمال أو بآفة، أمروه بالبكاء أو الشكاية ببث الأشجان(6). وتشير نتائج الدراسات العلمية إلى أن الإسناد الاجتماعي مخفف للضغط ويقلل من تأثيره السلبي في الصحة النفسية والجسمية.
ضبــط النفـــس
وهو أسلوب من أساليب التعامل مع الضغوط، يلجأ إليه بعض الناس عندما يتعاملون مع مواقف من شأنها أن تؤثر على التحكم والسيطرة، ولكن تتولد لديهم مشاعر قوية نابعة من العقل. بمعنى آخر فإنهم يعالجون الموقف بخبرات وقوة إرادة رغم التوتر والإثارة، إلا أن التحكم وتقليل وطأة الأحداث التي تبعث على الضيق، تظل مفتاح حل المشكلة لديهم من خلال السيطرة والقدرة على ضبط الاستجابة الانفعالية. وتكون – عادة – أنماط الشخصيات التي تلجأ إلى هذا الأسلوب هم من الذين يعملون في مجالات الطب أو العمل الصحي كالأطباء والممرضين والمساعدين لهم، حيث يكون التحكم في أعلى حالاته أثناء التعامل مع المرضى المصابين بأمراض خطيرة أو إصابات من جراء الحوادث الطارئة. ويرى (ستيرلي) أن أسلوب ضبط النفس يريح الفرد في حينه، وقد يكون لذلك فائدته في الصحة النفسية والجسمية، أما إذا فشل فإنه يؤدي إلى حالات مرضية خطيرة.
الخيــال و التمنــــي
يلجأ بعض الناس عندما لا يستطيعون المواجهة، إلى الهروب من الأحداث المحيطة بهم والمثيرة للقلق والتوتر، متوهّمين الحل، فبعض الناس تنتابهم أحلام يقظة كثيرة وبالتالي ينسحبون من الحياة الفعلية. ويعني هذا الأسلوب أيضاً رغبة الفرد على مستوى المتخيل فقط بأن يبتعد عند تعرضه لموقف ضاغط عن واقع هذا الموقف وظروفه، مثل تخيل العيش في مكان أو زمان غير الذي هو فيه أو حدوث معجزة تخلصه مما هو فيه من ظروف
التجـــنب و الهـــروب
عندما لا يجد الفرد الإمكانات المتوفرة لديه والكافية للتعامل مع الضغط السائد، فبإمكانه وفي بعض الأحيان تجنب التعامل لحين استجماع قواه ثانية، أو التهيؤ له، ويحدث هذا على مستوى الأفراد. أما إذا فشل في تجنب الموقف الضاغط ولم يستطع مقاومته، فإنه يلجأ إلى العقاقير. والكثير من الذين يتعاطون العقاقير، يجدون فيها وسيلة للهروب من المواجهة، لذا يعتبر الانسحاب استجابة شائعة للتهديد عند بعض الناس. فقد يختار البعض هذا الأسلوب على وفق نمط شخصيته، فهم لا يفعلون شيئاً، وغالباً ما يصاحب هذا السلوك شعور بالاكتئاب وعدم الاهتمام.
العـــدوان
إن الإحباط والضغوط كثيراً ما يؤدي إلى الغضب والعدوان، وسلوك العدوانية هو استجابة لموقف لم يحقق صاحبه نتائج مثمرة متوقعة ويحس الفرد عادة بمشاعر عدوانية لا يفجرها إلا في أوضاع معينة(7)، كرد فعل غير متحكم به. فمعظم الناس حينما يواجهون تحدياً قوياً يصبون نار غضبهم في غير مكانه، ويهجمون بدون سيطرة على أهداف أو ممتلكات أو أشخاص آخرين يكونون كبش الفداء، وربما هم أبرياء، فقد يسلك الفرد سلوكاً عدوانياً بعد يوم كامل من الإذلال والتحقير، أو الشعور بالدونية تجاه مواقف الحياة المختلفة، ولم يستطع أن يحقق فيها أي نتيجة مريحة.
الإبــــدال
الضغوط حالة نفسية تؤثر في الإنسان سلبياً، خاصة مع استمرارها لحقبة طويلة، وبهدف التكيف معها أو تخفيف شدتها على أقل تقدير، يمكن التحكم بالاستجابات الناتجة عنها عن طريق الإبدال، فالضغوط وازدياد التوتر يجد مصرفاً له على مستوى الجسد، وثمة ظواهر للتدليل على ذلك مثل التبول وكثرة التغوط والإفراط في الأكل أو الأكل بنهم وكثرة التدخين أو الإفراط في النشاط الجنسي… كل تلك الأفعال يمكن اعتبارها تفريغات جسدية يتفاوت وعي الناس لها ولكنهم يمارسونها يومياً(8).
آليات(ميكانيزمات)الدفاع
أول من أدخل مفهوم آليات الدفاع أو الحيل الدفاعية هو سيجموند فرويد، ويرى أن الناس يلجأون إليها لحماية أنفسهم وتساعدهم على معالجة الصراعات والإحباطات وهي أساليب عقلية لا شعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثل تهديداً. وهي تساعد الناس على خفض القلق حينما يواجهون معلومات تثير التهديد(9)
الكبــــت
عملية عقلية لاشعورية يلجأ إليها الفرد للتخلص من شعور بالقلق والضيق الذي يعانيه بسبب ورود عوامل متضاربة الأهداف في نفسه(10). وباستخدام هذا الميكانيزم (الآلية) فإن الإنسان يحرر نفسه ولو مؤقتاً من الضغوط المتسلطة عليه وتشكل عبئأً لا يطيقه، فيهرب من الموقف الضاغط بكبته ومحاولة تحييده على الأقل. لكي يحصل على توازنه النفسي، ورغم الاختلافات من فرد لآخر في إدراك الضغوط واستخدام هذا الميكانيزم.. إلا أنه ليس كل الناس يلجئون إلى الكبت عندما يتعرضون لموقف ضاغط، أو محاولة الهروب منه باللجوء إلى استخدام الآليات الدفاعية، فبعض الناس لهم قدرة المواجهة وتحمل الموقف… وإيجاد الحل المنسجم مع هذه الصراعات والضغوط الداخلية والخارجية، وهو أمر يتعلق بشخصية كل فرد وأسلوبه الشخصي المميز في مواجهة الإحباط أو الضغوط(11). ويرى علماء النفس والصحة النفسية بأن الكبت الناجح هو الذي يؤدي إلى حل الصراع وتوازن المتطلبات والرغبات اللذين يحققان الصحة النفسية. أما الكبت الفاشل فهو الذي يؤدي إلى حالة الاختلال ثم المرض النفسي.
العنف …سرطان الحضارة المعاصرة
مدخل
كمـا يفتك الطاعون قبل قرون بالجنس البشري فتكا مروعا،تفتك العدوانية،كما تفتك الامراض الاخرى والاوبئة بالانسان منذ الآف السنين فتكا لا يقل شأناً عن فتك الحروب والغزوات والفتوحات وفرض الاراء الجديدة والاتجاهات المذهبية والدينية،يفتك العنف بكل اشكاله،فأن اختفت بعض الاوبئة والامراض من خارطة التواجد البشري ، لم تختف العدوانية الجمعية والسلوك العنيف الجمعي ، فما زال يشكل ظلاً اسود على الحضارة الانسانية فكلما تقدمت حضارتنا الانسانية في التطور المعرفي والعلمي والتكنولوجي والاقتصادي كلما ازدادت وتيرة تصعيد امراض العصر وابرزها العنف والسرطان ،ولا ندري ايهما اكثر فتكاً في الحضارة الانسانية المعاصرة ومن يتغلب على الاخر ، الاول ام الثاني ،امام التساؤل ندع قارئنا الكريم يخوض غمار المفاضلة ويستنتج ما يريد . ان العنف كسلوك يصدر عن الانسان تحت ظرف معين وفي وقت معين حتى يتشكل ويصبح ظاهرة عامة تغطي كل السلوك ويسبب حينئذ تراجع الجوانب الطيبة الخيرة في الجزء الاكبر من الشخصية كما هو حال الامراض، فالمرض في بدايته اختيار ، والاختيار ملازم للحرية ، والانسان مخلوق لغرض التوافق مع نفسه ومع الاخرين ومع البيئة ومع الكائنات الحية الاخرى ، ولديه القدرة الكاملة على مخالفة كل هذه التوافقات ومخالفة التكوين الانساني الذي انبنى عليه وجوده ، وهو بذلك يخالف اوامر الدين الذي يؤمن به او المعتقد السياسي المعتدل او المعتقد الفكري الذي يدعو الى المسالمة والتآخي مع كل الاجناس البشرية وازاء ذلك فأن الانسان يدفع الثمن بان يزداد مرضاً كلما ابتعد عن هذه التوافقات ، فالعنف نقيض المسالمة والتوافق والتسامح ، والمرض نقيض الصحة ، وكلاهما نكوص متزايد نحو ايجاد وسيلة تكيف جديدة يعتقد الفرد انه يحمي نفسه بها من مواقف الحياة . فلا العنف ينجح في تهدئة النفس ولا الاسباب المؤدية لمرض السرطان تخلق حالة التوازن لدى الفرد المنفعل والهائج بسبب ازمة تمر به.
يقول( د.محمد شعلان) استاذ الطب النفسي ان هناك امراضاُ اخرى غير الامراض المعدية
اخذت تتكاثر وهي ما تعرف الان بامراض الحضارة واهمها تصلب الشرايين وما يترتب عليها من امراض في القلب والجهاز العصبي وامراض التنفس وامراض المفاصل وامراض الحساسية والامراض الجلدية. وكل هذه الامراض لا نستطيع حتى الان ان نحدد لها عاملا فاصلا مثل الجرثومة والفيروس وهنا مرة اخرى نرى ارتباطات بين انتشار هذه الامراض والحالات النفسية لهؤلاء الافراد والتي تأخذ احياناً صورة الوباء النفسي ، اي المرض النفسي الذي يصيب حضارة بأكملها ، بل ان الامراض التي قد تبدو لاول وهلة ان لها علاقة بالصحة النفسية مثل السرطان قد وجد ارتباط ما بين انتشارها او سرعة تطورها وبين العوامل النفسية للفرد المصاب ، وهنا مرة اخرى تستطيع ان ترى كيف يدخل سلوك العنف في تشكيل السلوك العام ويدخل في اضطراب السلوك الجماعي للمجتمع ، فالانسان يختار طريقته في الحياة وهو لذلك مسؤول بطريقة او اخرى عما يحدث له في حالة الاوبئة ومرض السرطان او المرض النفسي وانحرافات الشخصية مثل التعصب والتطرف والعنف والسلوك المضاد للمجتمع وهو بذلك يدفع ثمن اختياره بان يمرض ويزداد مرضا، ويمارس العنف ويسلك طريق القتل او