دمج البعد البيئي في التخطيط الإنمائي… د. محمد غنايم
د. محمد غنايم معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج)
نيسان 2001
مقدمـــــة:
أدى التدهور في الوضع البيئي على المستوى العالمي ممثلا بالتسخين الحراري للجو وفقدان طبقة الأوزون ونقص المساحات الخضراء والأمطار الحمضية وفقدان التنوع البيولوجي واتساع نطاق التصحر وما إلى ذلك من مشاكل بيئية تتعدى الحدود الجغرافية للدول إلى الدعوة لدمج البعد البيئي في التخطيط الإنمائي لدول العالم. وعلى اثر ذلك، عقدت الأمم المتحدة مؤتمرا حول البيئة والتنمية (مؤتمر الأرض) في ريو دي جانيرو بالبرازيل سنة 1992. من الأهداف الرئيسية للمؤتمر الدعوة إلى دمج الاهتمامات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية على المستوى الدولي. وقد كانت أحد أهم المسائل الرئيسية التي تطرق لها المؤتمر هي وضع وتنفيذ استراتيجيات وإجراءات لتحقيق التنمية المستدامة.
لقد صدر عن “مؤتمر الارض” في ريو إعلان مبادئ يتعلق بالبيئة والتنمية، وبرنامج عمل يتناول الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في القرن الواحد والعشرين (سميت أجندة القرن 21). كذلك تم اعتماد اتفاقيتين دوليتين بخصوص البيئة وهما اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ واتفاقية التنوع البيولوجي، هذا ناهيك عما تولد عن هذه الاتفاقات من اتفاقات جديدة منذ ذلك التاريخ. وقد دعت مجموعة الاتفاقات والبرامج تلك إلى دمج البعد البيئي ضمن إستراتيجيات اقتصادية مسؤولة اجتماعيا، مع العمل في نفس الوقت على حفظ قاعدة الموارد والبيئة لصالح أجيال المستقبل وضمان أوسع مشاركة جماهيرية في المبادرات واتخاذ القرار وتشمل الاجندة أيضا تحديد السياسات وخطط العمل وتنفيذها ورصدها وتقييمها بصورة منظمة.
تهدف هذه الدراسة إلى شرح أبعاد التنمية المستدامة بمعناها الواسع ، والذي يجمع بين التنمية الاقتصادية في ظل حماية للبيئة وعدالة في التوزيع، وتركز على الدور المهم المناط للاستراتيجيات والخطط والسياسات الإنمائية على المستوى القطري وتدعو لدمج السياسات الاقتصادية والبيئة والاجتماعية بما في ذلك إعطاء المجال لمشاركة عناصر المجتمع على اختلاف مشاربهم في صنع القرار، وذلك لأن مثل هذه الالتزامات ، والتي هي نتاج للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، سرعان ما ستفرض علينا بمجرد قيام دولتنا العتيدة.
النمو الاقتصادي وتدهور البيئة في المنطقة
تشارك منطقتنا كباقي أجزاء العالم من حولنا بما وصلت إليه البيئة من تدهور. وقد سبق ذكر العديد من مظاهر هذا التدهور. كما أدت الحروب المتتالية في المنطقة وإخفاقات السوق إلى تدهور في أسعار النفط خلال الأعوام القليلة الماضية، وهذا مما زاد من استفحال المشاكل البيئية. فمن الملاحظ عالميا ، ومنطقتنا لا تختلف عن ذلك، انه كلما انخفض الوضع الاقتصادي لمجتمع ما، زاد إهمال ذلك المجتمع للوضع البيئي. وكلما زاد غنى المجتمع ، كلما زادت الصبغة الاستهلاكية لذلك المجتمع، مما يزيد من استنزافه للمصادر وبالتالي زيادة حجم المخلفات التي ينتجها ونضب لمصادره الطبيعية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تدهور الوضع البيئي يفرض أعباء ضخمة على الاقتصاد على المدى البعيد، لان تكاليف معالجة التلوث تزداد كلما زادت مدة إهمال علاج ذلك التلوث. وبالنظر للمؤسسات البيئية الموجودة في المنطقة نجد أن غالبيتها تفتقر إلى موظفين ذوي كفاءة ودراية، بالإضافة إلى نقص في الإرادة السياسية لفرض سياسات بيئية جيدة وتحويلها إلى ممارسات فعالة.
الاقتصاد البيئي والاقتصاد التقليدي
ينظر الاقتصاد التقليدي إلى عملية الإنتاج على أنها “نظاما مغلقا” تقوم من خلاله الشركات ببيع السلع والخدمات، ثم توزع العائد على عناصر الإنتاج من ارض ويد عاملة ورأس مال. ومثل هذه المعادلة لا تتضمن عوامل أخرى غير مباشرة تدخل في صميم العملية الإنتاجية. فعلى سبيل المثال فإن استخراج الموارد الأولية من باطن الأرض يعني نقصا لمجموع هذه الإمكانيات الاقتصادية، بالإضافة إلى أن عمليات الاستخراج نفسها قد تكون مصحوبة بتلويث للبيئة، بما في ذلك من مخلفات لعملية الاستخراج هذه. كذلك فان عملية زراعة المحاصيل وحصادها قد تسبب انجراف للتربة بفعل الريح ومياه الري مما قد يحد من خصوبة الأرض المستقبلية.
ومن أسس الاقتصاد التقليدي أيضا أن الناتج القومي الإجمالي يعتبر مؤشرا لقياس أداء الاقتصاد والرفاهية على المستوى القومي. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن هنالك عوامل أخرى أغفلها هذا النظام. إذ لا يأخذ في الاعتبار ما يصاحب العملية الإنتاجية من تلوث بيئي، ولا يعطي أية قيمة للموارد الطبيعية وتعتبر التكاليف المتعلقة بمكافحة التلوث والرعاية الصحية للحالات المتضررة مساهمات إيجابية في الناتج القومي الإجمالي، لأن مثل هذه التكاليف هي مدخلات إيجابية لمجموع نشاطات الوحدات الصحية أو الخدماتية القائمة عليها.
ينظر الاقتصاد البيئي التقليدي إلى مشكلتين، الأولى مشكلة الآثار البيئية الخارجية والثانية الإدارة السليمة للموارد الطبيعية (التوزيع الأمثل للموارد غير المتجددة بين الأجيال). مثل هذا المنطق، وحتى في ظل غياب أي تقدم تكنولوجي، لا ينظر إلى نضب الموارد كمشكلة أساسية إذا كان رأس المال المتجدد الذي يجمعه الإنسان مستداما بالقدر الكافي بالنسبة للموارد الطبيعية. أي أنه يستعيض عن رأس المال الطبيعي برأس مال اكثر إنتاجية يجمعه من خلال نشاطات ومشاريع معينه. ولكن المأخذ على هذا التوجه هو أن مبدأ الاستعاضة محدود لان رأس المال الطبيعي يمكن أن يستثمر في مجالات عديدة، في حين أن رأس المال الذي يجمعه الإنسان يفتقر إلى مثل هذه الصفة. ولا يمكن مقايضة المصادر البيئية بموارد اصطناعية أوجدها الإنسان لأسباب أخرى، أهمها هو أنه لا توجد بدائل اصطناعية لكثير من الأصول البيئية، كما أن رأس المال البيئي يتميز بأنه لو أتلف لكان فقده دائما، وذلك على عكس رأس المال الاصطناعي والذي يمكن إعادته بعد إتلافه. ويجب أيضا التنويه إلى أن فهم الإنسان لفعل الطبيعة فهم محدود، وبالتالي فإن خفض رصيد رأس المال الطبيعي يعتبر استراتيجية محفوفة بالمخاطر.
يمكن تعريف الاقتصاد البيئي على انه فرع من فروع علم الاقتصاد يتناول مسألة التوزيع الأمثل للموارد الطبيعية التي توفرها البيئة لعملية التنمية البشرية. ويمكن تعريف البيئة البشرية على أنها المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على المواد اللازمة لبقائه وتنميته المادية والثقافية، ويبني فيه مسكنه ويفرغ فيه النفايات الناتجة عن نشاطاته اليومية. وبهذا المنطق فإن عناصر الاقتصاد البيئي هي سلع اقتصادية نادرة، ولا توفر الطبيعة كمية كافية من الموارد البيئية لتلبية احتياجات الإنسان، وهي ليست مجانية حتى وان كانت غير قابلة للنضوب بالفعل، أو كان الطلب عليها شبه معدوم.
المعنى الاقتصادي للتنمية المستدامة
تعني التنمية المستدامة ان نكون منصفين مع الأجيال القادمة، بمعنى أن يترك الجيل الحالي للأجيال القادمة رصيدا من الموارد مماثلا للرصيد الذي ورثه أو افضل منه. ويتضمن ذلك تحقيق عدة أهداف أهمها:
(1) الاستخدام الرشيد للموارد الناضبة (ماء ونفط وغاز). بمعنى آخر، حفظ الأصول الطبيعية بحيث نترك للأجيال القادمة بيئة مماثلة، حيث أنه لا توجد بدائل صناعية لكثير من الأصول البيئية.
(2) مراعاة القدرة المحدودة للبيئة على استيعاب النفايات.
(3) الاقتصار على استخدام حصيلة مستدامة للموارد المتجددة.
أما بالنسبة لتحديد الكمية التي ينبغي استخدامها من كل شكل من أشكال رأس المال (الثروات البيئية والبشرية والرأسمالية) فإن ذلك يعتمد على تحديد قيمتها الاقتصادية الحقيقية وتحديد سعر لها. وهنا تكمن الصعوبة في تسعير الأنظمة البيئية.
لو نظرنا إلى نظم المحاسبة التقليدية، فإننا نجد أنها تعتبر أن زيادة الإنتاج أو استخراج اكبر للمصادر الطبيعية (مثل زيادة الضخ من المياه الجوفية وزيادة الإنتاج من النفط الخام) هي مدخلات إيجابية عند حساب الناتج القومي الإجمالي. وحسب هذا المنطق فان صيد سمك اكثر وقطع أخشاب اكثر وبيعها كأخشاب أو تصديرها ، كل ذلك يزيد من الناتج القومي الإجمالي، بغض النظر عما تتركه مثل هذه التوجهات من آثار بيئية سيئة، مثل زيادة سخونة الجو وفقدان طبقة الأوزون والتلوث الناتج لكل من الهواء والماء، والتي لها تكاليفها المخفية وغير المنظورة. ولذلك نجد أن التنمية المستدامة تفترض أن تعكس نظم المحاسبة قدر الإمكان الأسعار الافتراضية للموارد الطبيعية. ويجب اتخاذ موقف سلبي من نظام اقتصادي أو محاسبي لا يعتبر الموارد الطبيعية أصولا مادية إنتاجية قابلة للنضوب والتدهور نتيجة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، لان ذلك سيشجع استخدامها بشكل غير مستدام وسيؤدي إلى إساءة استخدامها.
كذلك فإن استخدام الناتج القومي الإجمالي كمقياس لرفاهية المجتمع يفتقر للدقة، لأن من متطلبات التنمية المستدامة اقتطاع جزء من الدخل لتغطية تكلفة الأضرار الناتجة عن التلوث. ومن النتائج المباشرة للتنمية المستدامة اعتبار أن رأس المال غير متناقص وبالتالي فإن هناك ضرورة لتقييم الأرصدة والتغير في الأصول البيئية (أي تحديد حجم الأضرار الناتجة عن التلوث أو التحسينات التي تحققت من خلال الأنظمة البيئية).
من الآثار الأخرى للتنمية المستدامة الحاجة إلى قياس الدخل “المستدام”، وهو بمثابة قياس للدخل الصافي، حيث يجب طرح استهلاك رأس المال المادي والبيئي من الناتج القومي الإجمالي. وبالتالي فان قياس ” الدخل المستدام” يتم بحساب الدخل حسب الطرق التقليدية منقوصا منه نفقات حماية البيئة والقيمة النقدية للتلوث المتخلف واستهلاك رأس المال الاصطناعي واستهلاك رأس المال البيئي (الضرر الذي أصاب وظائف النظام الايكولوجي ورأس المال المتجدد ورأس المال الآيل للنضوب).
إن الهدف الأمثل للتنمية المستدامة هو التوفيق بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة. وهي تسعى إلى بلوغ “الحد الأقصى” من أهداف الأنظمة الثلاثة، البيولوجي (التنوع الجيني والمرونة والقدرة على الانتعاش والإنتاجية البيولوجية) والاقتصادي (تلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان وتعزيز العدالة وزيادة السلع والخدمات المفيدة) والاجتماعي (التنوع الثقافي والاستدامة المؤسساتية والعدالة الاجتماعية والمشاركة).
الإصلاحات الاقتصادية والتنمية المستدامة
تتجه الاقتصاديات العالمية وخاصة في منطقتنا إلى الخروج من تجربة القطاع العام باتخاذ خطوات إصلاحية تستهدف مواكبة الاقتصاديات المتقدمة عالميا. من هذه السياسات ما يعرف بالخصخصة والإصلاح الهيكلي. وهنا يجدر السؤال، هل إن زيادة تحرير الأسعار افضل للبيئة من السياسات السابقة القائمة على امتلاك أو إدارة الدولة لعناصر الإنتاج (القطاع العام)؟ وهل هناك علاقة بين التنمية المستدامة وانفتاح الاقتصاد؟
يرى البعض أن زيادة التحرر الاقتصادي زاد من الخلل في توزيع الدخل في المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة حيث زاد دخل فئة محدودة بمعدلات خيالية، وفي نفس الوقت انتشر الفقر لجزء اكبر من المجتمع. غير أن هناك جهات أخرى، مثل البنك الدولي، والذي يرى إن زيادة التحرر الاقتصادي تعني ارتفاع في الأسعار مما قد يخفض من استهلاك الطاقة والماء (موارد ناضبة). وهذا بحد ذاته يعمل على تحسين الوضع البيئي على حد تعبيرهم.
في الواقع، إن زيادة التحرر الاقتصادي تعني تخلي الحكومات عن سياسة الدعم للسلع، وخاصة الموارد المستنفدة. وهذا بحد ذاته يعتبر خدمة للتنمية المستدامة، غير أن ذلك لا يؤدي بالضرورة لسياسة بيئية سليمة. بل يجب أن تكون هناك سياسات وحسابات اقتصادية تأخذ في حسابها التكاليف البيئية. لأنه وكما سبق ذكره فان زيادة سياسة الانفتاح الاقتصادي ستزيد الدخل لشرائح معينة من المجتمع، وهذه بدورها وبسلوكها الاستهلاكي ستخلق عبئا على البيئة عن طريق زيادة الاستهلاك وزيادة إنتاج المخلفات.
هناك من يقول أن زيادة تحرر السوق سيزيد من المساهمة في زيادة الكفاءة الاقتصادية، وهذا بدوره سيزيد من فرص العمل المتاحة وخاصة للطبقة المحرومة. إلا أن السياسات الملازمة لسياسة تحرر السوق والانفتاح، والمرتبطة بالإصلاحات الهيكلية، تكون في الغالب مصحوبة بالحد من فرص العمل وتقييد الإنفاق الاجتماعي، ولو على المدى القصير أو المتوسط.
التخطيط الاقتصادي مع الآخذ في الاعتبار البعد البيئي
(أ) سياسات التنمية الاقتصادية
إن إحداث تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية والتخطيط على المستوى الوطني والإقليمي هو متطلب أساسي لمواجهة المشاكل البيئية والوصول إلى التنمية المستدامة. ومن التغييرات المقترحة في هذا المجال ما يلي:
(1) زيادة اتساع قاعدة اتخاذ القرار والسماح للجمهور بالمشاركة،
(2) إدماج البعد البيئي في خطط التنمية،
(3) خلق سياسات تنموية متوازنة إقليميا، بمعنى تأكيد أهمية التنمية الزراعية في البلدان التي تتوفر لديها الموارد الطبيعية اللازمة للزراعة والتركيز على التنمية الصناعية بهدف تطوير الاقتصاد،
(4) تحقيق التوازن بين تنمية المجتمعات الحضرية والريفية،
(5) الاستخدام المتوازن للموارد وخاصة الناضبة منها، وبحيث يكون استخدام الموارد المتجددة بما لا يتجاوز قدرتها على التجدد وزيادة فعالية استخدامها لتعوض عن الموارد الناضبة.
(6) مراعاة حفظ التنوع الايكولوجي باعتماد سياسات تتعامل مع المشاكل البيئية الطويلة الآجل.
(7) فرض رسوم تلوث ومن ثم استخدام مثل هذه الرسوم في حل المشاكل الناتجة عن التلوث من جهة ولتشجيع الحد من التلوث من جهة أخرى،
(8) الحد من إنتاج النفايات بحيث لا يتعدى قدرة تحمل البيئة على استيعابها وزيادة فعالية استخدام الموارد وزيادة الموارد المتجددة لتعوض عن الموارد الناضبة،
(9) تخفيض دعم إنتاج المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية وتشجيع استخدام الأسمدة العضوية،
(10) تحسين وسائل النقل العام وشبكات الطرق للحد من التلوث الناجم عن السيارات،
(11) تشجيع استخدام البنزين الخالي من الرصاص.
مرت منطقتنا خلال العقود القليلة الماضية بكثير من النزاعات والحروب. بالإضافة إلي ذلك، ومن خلال سياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة، نمت المجتمعات المحلية وزادت الفوارق بينها مما زاد من حدة التنافس وتفاوتت المداخيل بين تلك البلدان، وهذا بدوره ساعد في زيادة التوتر والفقر وتدهور الوضع البيئي، وعمل على توسيع الهوة بين طبقات الفقراء والأغنياء في داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة. ففي سنة 1960 حصل أعلى 20% من أغنياء العالم على 30 ضعف اكثر من أفقر 20% من سكان العالم. وتغيرت هذه النسبة مع الزمن بحيث أن إحصائيات سنة 1990 تدل على أن أعلى 20% من أغنياء العالم قد حصلوا على 150 ضعف ما حصل علية أفقر 20% من سكان العالم.
وإذا أضفنا إلى ذلك اتجاه تدفق الأموال من البلاد الفقيرة إلى البلاد الغنية فإن الصورة تصبح اكثر سوادا. ففي سنة 1993 دفعت الدول الفقيرة فوائد على ديونها بقيمة 250 بليون دولار، بينما وصل هذه البلاد فقط 70 بليون دولار كمساعدات مالية. والمضحك المبكي في هذه الصورة أن الدول الدائنة هي نفسها الدول المنتجة للسلع، والتي عملت من خلال رفع أسعار سلعها وزيادة الصبغة الاستهلاكية للمجتمعات النامية من أن تتعدى القدرة الشرائية لهذه المجتمعات مصادر دخلها، مما خلق عجزا هائلا في ميزان مدفوعاتها وزيادة ديونها لمستويات خيالية (اكثر من 3 تريلون دولار في سنة 1999). ويعني كل ذلك أن اعتماد الاقتصاد الشمولي كأساس لخطط التنمية في سياق إقليمي سيوفر ظروفا افضل لتنمية مستدامة.
(ب) السياسات البيئية الفنية
من الممكن تسخير السياسات البيئية الفنية في استبدال عناصر الإنتاج (رأس مال ويد عاملة وموارد طبيعية ومرافق بيئية) والحد من ندرتها. فاستخدام التكنولوجيا الحديثة سيساعد في المحافظة على الماء والطاقة المستخدمة في المجالات الزراعية والصناعية والمنزلية، بما في ذلك تشجيع استخدام تقنيات زراعية وأساليب ري حديثة للحد من الفاقد في مياه الري، وكذلك زراعة محاصيل مناسبة للتربة والبيئة المحلية، وكذلك للتقليل من التلوث وإعادة التدوير كلما أمكن ذلك على كل من المياه العادمة والنفايات الصلبة على المستوى المنزلي أو الصناعي.
(ج) التشريعات
قد لا يكون تشريع قوانين بيئية فقط هو الأسلوب الأمثل للحد من التلوث لضمان تنمية مستدامة، وإنما لا بد أن تكون متكاملة مع استراتيجيات التنمية المستدامة بما فيها من مبادرات اقتصادية وتكنولوجية. لذا يفترض بالتشريعات البيئية أن تضع معايير لبعض الأنشطة (مثل الحد من التلوث لكل من الهواء والماء والتربة)، وأن تنظم بعض النشاطات الاقتصادية. وتشمل التشريعات البيئية مجموعة من المواضيع، مثل تخطيط استخدام الأرض ( بما في ذلك التخطيط الحضري والتجمعات السكانية) وتقييم أثار المنشأة على الوضع البيئي المحيط وتشريعات ضريبية على منتجي الملوثات، وهذه الإجراءات بحد ذاتها مهمة وضرورية، ولكنها قد تعيق التنمية إذا لم تربط مع العناصر الاقتصادية والاجتماعية الأخرى ذات العلاقة. وفي جميع الأحوال هناك ضرورة لوجود جهاز فعال لرصد وتقييم جميع السياسات والإجراءات السالفة الذكر.
(د) تنفيذ السياسات
لضمان تنفيذ السياسات بفعالية، يجب أن تتميز هذه السياسات بالواقعية والمرونة والاستمرارية، مع تفادي الانقطاع في السياسات الموضوعة. ويتطلب كل ذلك وجود إدارة مركزية مسئولة وذات فعالية ونفوذ تستطيع تجميع جهود إدارات مختلفة ومدربة تدريبا جيدا وقادرة على إدارة هذه السياسات بدون تحيز، مع حرصها على إشراك المجتمعات المحلية والمنظمات الأهلية والأفراد ذوي الاهتمام. كما يجب أن تصبح التنمية المستدامة استراتيجية حكومية تلتزم بها وتتعاون على تنفيذها جميع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.
من الملاحظ أن جانبا مهما من المشاكل البيئية تحدث على المستوى المحلي، وبالتالي فان ذلك يتطلب تدريب وتجهيز القدرات الإدارية للسلطات المحلية على حل المشاكل البيئية بشكل فعال. ولابد أن يكون واضحا من أن وجود السياسات لا يكفي بحد ذاته لضمان تنفيذها بأمانة، بل لابد من توفر طواقم فنية لها قدرة المراقبة للتأكد من الالتزام بتنفيذ تلك السياسات، ووجود نظام قضائي فعال لمحاسبة المخالفين منهم.
دمج الأبعاد البيئية مع التنمية على مستوى التخطيط
لم يكن من المتعارف عليه في السابق اعتماد الاعتبارات البيئية والاجتماعية كجزء من المعطيات التي يتم بناء عليها تصميم الخطط الاقتصادية الإنمائية. إلا انه اصبح من الواضح بان وضع الاعتبارات البيئية في حسابات المخطط الإنمائي بما في ذلك تقييم الاثار البيئية للمشروع قبل البدء في تنفيذه يعطي أبعادا جديدة لقيمة الموارد واستخدامها على اساس تحليل التكلفة والفائدة وكيف يمكن المحافظة عليها، فضلا عما سيعود عن ذلك من فوائد اقتصادية، بالإضافة طبعا لتحقيق هدف المحافظة على البيئة.
يتضمن الفصل الثامن من جدول أعمال القرن 21 المتطلبات الرئيسية اللازمة لدمج الأبعاد البيئية والتنمية عند صنع القرار، بما في ذلك المسائل المتعلقة بدمج البيئة والتنمية على مستويات السياسة والتخطيط والإدارة ، والإطار القانوني والتنظيمي ذي الصلة والاستخدام الكفؤ للأدوات الاقتصادية وحوافر السوق، وكذلك التوصية بإنشاء نظام محاسبي جديد يتضمن تلك الاعتبارات.
ويتبين من استعراض الوضع البيئي في منطقتنا من أن هناك العديد من المشاكل البيئية والتي في الأصل هي ناتجة عن عدم الاعتماد في الأساس على سياسة تتضمن الجوانب الثلاثة السالفة الذكر. من ذلك مثلا، التدهور الكبير في الموارد الطبيعية، كما هو الحال في استمرار عمليات التصحر والتملح، ونقص موارد المياه مما يساهم في انخفاض الإنتاجية والفقر والبطالة والنزوح الريفي إلى المدن. كذلك فان تدهور نوعية الموارد المتجددة ونقص الموارد غير المتجددة يحدان من امكانية التنمية الطويلة الآجل (للأجيال القادمة)، بالإضافة لما يسببانه من ارتفاع في الأسعار في الوقت الحاضر. يضاف إلى ذلك ما سيترتب عليه إهمال البيئة من مشاكل تلوث والتي لابد من معالجتها ولو بعد حين، وهذا سيزيد من الأعباء المالية على الاقتصاد، والذي هو في الأصل هش ويعاني من عجز مالي في كل دول المنطقة دون استثناء.
وكما هو معروف، فان التنمية الاقتصادية تتضمن تغير بيئي، وهذا سيؤثر على التكاليف الحالية والآجلة التي سيتحملها الاقتصاد، ولهذا فان الخاسرين والمستفيدين من الأجيال الحالية والمستقبلية يمثلون مصالح متضاربة. ومن هنا جاء المبدأ الذي يعني أن التنمية المستدامة هي حلول منطقية للتعايش بين الأجيال الحالية والمستقبلية، وهذا هو جوهر التنمية المستدامة.
في كثير من الأحيان قد يكون هناك اكثر من وجهة نظر في التعامل مع المشكلة المطروحة. وبالطبع فان تناقض المصالح ينطوي على ربح وخسارة. والجانب ذو النفوذ في المجتمع هو الذي يحدد المستفيدين. وعليه، فان للدولة دور في إيجاد توازن بين هذه المصالح المتضاربة من اجل ضمان مواصلة التنمية الاقتصادية والحفاظ على التوازن البيئي للأجيال الحالية والقادمة. ولا بد لجميع دوائر صنع القرار من أن تأخذ هذه المعايير في حسابها. ولن يكون بالإمكان تحقيق ذلك إذا جرى تهميش المنظور البيئي واستبعد من مراكز صنع القرارات الإنمائية الشاملة . وهذا يتطلب إعادة تشكيل هياكل بناء القرارات والهياكل المؤسسية، لان السياسة الاقتصادية هي عادة من اختصاص اقتصاديي وإداريي وزارات الاقتصاد والتخطيط والمالية والبنك المركزي فقط.
البيئة في سياق التخطيط الوطني
كما سبق ذكره، لم تؤخذ اعتبارات حماية البيئة في السابق مأخذ الجد في التخطيط الإنمائي للمنطقة، ليس فقط للجهل بأبعاد هذا السلوك فقط، بل لأنه لم يكن هناك توقعا لأخطار بيئية منظورة . وهذا الواقع ليس حصرا على منطقتنا ، بل كان هو المنطق السائد في جميع الدول الأخرى بدرجات متفاوتة. لذا كان تطبيق التنمية المستدامة بمعناها الواسع، والذي يجمع بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، تطبيقا سطحيا ومحدودا.
وكتعديل لهذا الواقع، وإدراكا للتركة البيئية السلبية التي خلقتها تلك السياسات الإنمائية، فقد عمل أصحاب القرار على إنشاء مؤسسات مكلفة بشئون البيئة (قد تكون وزارة أو سلطة أو كلاهما…)، واقتصر دورها على المراقبة في مجال اختصاصها. وبالتالي فإن مثل هذه المؤسسة قد تعارض تنفيذ المشاريع لأسباب بيئية. وهذا في حد ذاته قد يفسره المسئولون في الوزارات المتأثرة على انه تدخل في شئونهم وقد يسبب في رأيهم عائقا للتنمية ويحد من إمكانية خلق فرص العمل. وبالتالي تبقى سلطة اتخاذ القرارات الاقتصادية والمتعلقة بالتخطيط في يد وزارات ومؤسسات غير معنية كثيرا بالبيئة، وهذا يؤدي إلى تهميش المؤسسات البيئية وبالتالي يزيد من المشاكل البيئية ويحد من استدامة النمو الاقتصادي.
لقد اعتمدت بلدان المنطقة أسلوب التنمية الغربي في خططها التنموية مما ترك أثارا متعددة، مثل الاستخدام المكثف للموارد البيئية مع عدم الاكتراث لإمكانية استنفاذها، وظهور أنماط استهلاك شجعتها وسائل الإعلام والدعاية وكان من أهم سماتها عدم الاكتراث للموارد الطبيعية. ويتضح هذا بجلاء في بلدان مثل منطقة الخليج العربي حيث الاهتمام الكبير بالنمو وازدياد الرغبة في الاستهلاك، وكلا العاملين شكلا عاملي ضغط دفعت الحكومات المحلية لزيادة إنتاجها من النفط لتغطية نفقات التنمية من جهة ولسد الاحتياجات الاستهلاكية من جهة أخرى. وقد أدى كل ذلك إلى أثار سلبية متمثلة في استنفاد الموارد وخفض أسعار النفط، مما عاد بالضرر الاقتصادي على تلك المجتمعات. يضاف إلى ذلك الأضرار البيئية التي تركتها تلك السياسات والتي لابد للأجيال القادمة من أن تتعامل معها.
وبالطبع لا يمكن إنكار أن هذه المجتمعات سعت ومن خلال خطط تنموية طموحة اقتصاديا إلى تنمية مجتمعاتها. إلا أن هذه التنمية ينظر إليها على أنها نمو اقتصادي وركزت على معدل النمو وسعت لرفعه إلى أقصى حد ممكن، مع عدم الاهتمام لجوانب التنمية الأخرى من اجتماعية وبيئية. وقد تزامن التنافس على معدلات النمو مع الاهتمام بتفاوت الدخل بين البلاد النامية والبلاد المتقدمة النمو وزاد البحث عن سياسات وموارد لتضييق هذا التفاوت مما دفعها للجري وراء سراب الدخل، متجاهلة الاحتياجات الأساسية المتزايدة في المجالات الأخرى.
وهنا يجدر السؤال، هل إن أولويات التخطيط في منطقتنا محددة بوضوح؟ قد تتوفر جهود ملموسة هنا وهناك على هذا الصعيد ولكن الواقع الغالب هو غياب مثل هذه الأولويات. يضاف إلى ذلك الجهل بسلوك وخصائص النظام البيئي للمنطقة، وعدم فهم الهيكل الاجتماعي – الاقتصادي؛ وكل ذلك يدفع إلى تقليد أساليب للتنمية غريبة وأجنبية عن المنطقة.
إن الخطر الحالي يتمثل في إتباع نفس أساليب التنمية السابقة والتي تعتمد على رفع معدلات النمو إلى أقصى حد بدون اعتبار للبعد البيئي و الاجتماعي. لقد كانت آثار مثل هذه السياسات واضحة بالنسبة للبلدان الصناعية، ولكنها قد تكون اكثر وضوحا في بلادنا بسبب انخفاض مستوى الأداء الاقتصادي والاستغلال المفرط للموارد فيها. إن الخيار الذي لا بد من اتباعه لتحقيق تنمية إقليمية مستدامة هو دمج البعد البيئي في التخطيط الإنمائي. بمعنى آخر، يجب اعتماد التنمية المستدامة كنهج مختلف عن مجرد النمو، وهذا يعني تعزيز قدرة المنطقة على استخدام نموها وجعله جزءا من هيكلها. وبوضوح اكثر يعني الاحتفاظ بجزء مهم من فائض النمو الاقتصادي وإعادة تشغيله فيها، على أن يرافق ذلك دمج البعد البيئي في الخطط الإنمائية.
لقد أثبتت التجارب السابقة للبلاد المحيطة أن هناك قيودا على التخطيط وإمكانياته كأداة للسياسة العامة. ومن المشاكل التي ظهرت وكان لها تأثيرها على الخطط التنموية الموضوعة هو النقص في البيانات الدقيقة، وافتقار القائمين على التخطيط والتنفيذ للخبرة، وقلة التعاون بين الأجهزة المختلفة، وضعف العلاقة بين التخطيط والإمكانيات المتوفرة، بالإضافة إلى الافتقار لأمانة التنفيذ. كذلك ظهرت تجاوزات للخطط التنموية، فمجرد شعور السياسي بالقيود المفروضة عليه من قبل هذه السياسات فانه سرعان ما يتجاوزها. بل اكسبه ذلك مزيدا من السلطة. وفي كثير من الأحيان قد يحبط هؤلاء المنتفعون الخطط الإنمائية لخدمة مصالحهم الخاصة. كذلك فشلت مثل هذه السياسات بالتنبؤ بسلوك القطاع الخاص.
يدل الواقع كذلك على أن المعرفة للبيئة المحلية على مستوى منطقتنا محدودة لنقص المعلومات الدقيقة والتقييم الشامل لها. وان توفرت بعض المعلومات فان السلطات المعنية تعاملها وكأنها معلومات سرية ولا يسمح في كثير من الأحيان بتبادلها مع الجهات المختلفة في المنطقة. وهذا يحرم المنطقة من قدرة التخطيط السليم على المستوى الإقليمي، وخاصة في مجال المياه والطاقة وإدارة الأراضي.
ويؤدي الوضع الحالي في منطقتنا والمتمثل في عدم وجود تكامل اقتصادي بين دول المنطقة إلى الحد من قدرة المنطقة على التفاوض على أولويات الاستثمار. ويؤثر هذا الوضع سلبا حتى على تحقيق الأهداف الوطنية والتي تشكل فيه هذه الموارد المجالات الرئيسية للتنمية الإقليمية المتكاملة. فالمشاريع المتعلقة بالمياه والطاقة مثلا من الممكن لو اعتمدت على المستوى الإقليمي أن تعطي نتائج أوفر اقتصاديا، ناهيك على القدرة عند ذلك على الاستخدام الأمثل لمثل هذه الموارد، على العكس مما لو بقيت هذه المشاريع “وطنية”. وهذا بدوره يحد من قدرة المنطقة على التفاوض جماعيا بما يخص حقوقها وواجباتها المتعلقة بالاتفاقات البيئية الدولية، مثل اتفاقية تغير المناخ ومكافحة التصحر والتي بدأت تظهر وتفرض على دول العالم منذ منتصف الثمانينات.
التخطيط لتنمية مستدامة
كما سبق ذكره، فإن جدول أعمال القرن 21 دعا ومن خلال تحديد سياسات عامة إلى وضع خطط ميدانية تعتمدها جميع وزارات الحكومات المركزية وعلى جميع مستويات الحكم، وذلك لضمان تماسك السياسات والخطط وأدوات السياسة العامة القطاعية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. والغرض من الاستراتيجيات هذه هو الربط بين الخطط المختلفة ليكون التخطيط شمولي وطويل الآجل ويخدم الأهداف السابقة الذكر.
لقد أعدت بعض بلدان المنطقة وبدرجات متفاوتة خططها الخاصة باستراتيجيات حفظ البيئة. ويمكن تقسيم الاستراتيجيات الوطنية إلى مجموعتين: الأولى ذات أبعاد شمولية والثانية ذات أبعاد قطاعية. فمن الخطط التنموية الشمولية ما يلي:
(1) الخطط الإنمائية التقليدية،
(2) الاستراتيجيات الوطنية لحفظ الطبيعة، وقد صاغ معظمها منظمات دولية متخصصة مثل
برنامج الأمم المتحدة للبيئة والاتحاد العالمي لحفظ البيئة والصندوق العالمي للطبيعة،
(3) خطط العمل البيئية الوطنية وقام بالترويج لها ووضع برامجها البنك الدولي، مع الاعتماد على منظمات أو مؤسسات محلية للتنفيذ،
(4) الخطط الخضراء، وهي تهتم بالبيئة وقليل من الدول صاغت خططها في هذا المجال،
(5) الخطط الوطنية لإدارة البيئة ، واخيرا
(6) ما دعا إليه جدول أعمال القرن 21 من ضرورة وضع استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة .
أما في ما يتعلق بالاستراتيجيات القطاعية فمنها ما تناول قطاعات معينة مثل الزراعة والسياحة والحراج، كما حدث في أماكن كثيرة في أسيا. ومنها ما تم وضعه بتمويل من منظمة الأغذية والزراعة الدولية، كما هو الحال بخطط العمل الوطنية الخاصة بالغابات الاستوائية، أو الخطط الوطنية لمكافحة التصحر أو الخطط الوطنية التي وضعت استجابة لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ أو اتفاقية التنوع البيولوجي.
لقد اتسمت الإستراتيجيات الأولية باهتمامها بالبيئة من منطلق أن التحسين في الوضع البيئي هو هدف بحد ذاته (اعتبارات رفاهية، بيئة خضراء). وعلى الرغم من أهمية ذلك، إلا أن ما دعى إليه جدول أعمال القرن 21 هو أعمق من ذلك، حيث أن الاهتمام بالبيئة هو ليس من باب الرفاهية المعيشية للفرد أو المجتمع، ولكنه ضرورة للمحافظة على استمرارية هذه الرفاهية. وهذا يتطلب وضع خطط واستراتيجيات تنموية قطرية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد البيئية والاجتماعية، بجانب بعدها الاقتصادي والتنموي. وهذا ما تنطوي عليه التنمية المستدامة.
ومن المفيد التطرق لما تحتاجه عملية صياغة استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة من شروط:
(أ) تقديم دعم سياسي رفيع المستوى يرتكز على فهم واضح لما تنطوي عليه العملية ولما يتوقع لها من نتائج،
(ب) إيجاد جهاز إداري يجمع بين المركزية والتنسيق مع الإدارات الأخرى، ومنح الجهات المسئولة عن صياغة الاستراتيجيات التنموية المستدامة والمتمثلة في هذا الجهاز الإداري درجة من النفوذ في عملية اتخاذ القرار،
(ت) الاستقرار السياسي بمعنى المنهجية طويلة الآجل،
(ث) وجود نظام سياسي يشجع المشاركة والفكر النقدي وحرية التعبير.
ونحن هنا في فلسطين وعلى أبواب تأسيس الدولة ، لدينا فرصة قد لا تتوفر لأي من المجتمعات الأخرى ألا وهي البدء وعلى أسس تضع في اعتبارها دمج استراتيجيات التنمية المستدامة كجزء أساسي في التخطيط الإنمائي. وهنا يجدر التنبيه لبعض النقاط والتي هي من الأساسيات في الخطط الإنمائية المستدامة:
(1) التخطيط الاقتصادي المتكامل،
(2) دمج البيئة في التحليل الاقتصادي،
(3) تحليل الكلفة والفائدة للموارد،
(4) استخدام تقييم الآثار البيئية في صناعات البنية التحتية والبناء،
(5) إدارة الأراضي بما في ذلك التخطيط الحضري والهياكل التنظيمية والتجمعات البشرية، مع مراعاة الظروف الصحية والبيئية لتأمين مواقع سكنية ملائمة للعيش،
(6) توفير بيئة نظيفة صحيا بما في ذلك خدمات المياه والصرف الصحي وإعادة التدوير للنفايات،
(7) تحسين شبكات الطرق المحلية والربط بين التجمعات السكنية وتحسين شبكات النقل العام للتخفيف من تلوث الهواء،
(8) المحافظة على الموارد والحد من استغلالها بما يتعدى قدرتها على التجديد،
(9) اعتماد أساليب زراعية تراعي الظروف المحلية وقدرتها،
(10) فتح المجال لأوسع مشاركة ممكنة في اتخاذ القرار وزيادة الشفافية والمراقبة، بما في ذلك
(11) فتح المجال للمنظمات الأهلية في صياغة مثل هذه الاستراتيجيات.