الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك بين الواقع والتوقع
يقول الشاعر العراقي الخالد معروف الرصافي
مِنْ أين يُرجى للعراقِ تقدُّمٌ وسبيلُ محتكميهِ غيرُ سبيلهِ
الرأي عند ضعيفه والسيف عنــــــد جبانه والمالُ عند بخيلهِ
هذان البيتان على ضعفهما الفني بيتان عظيمان لخَّصا بجرأة ووعي نادرين محنة الشعب العراقي مع حكامه منذ نبوخذ نصر ( شبيه صدام حسين ) الى ساعة البدء بكتابة هذه المكابدة أي الساعة التاسعة من مساء يوم 6 ابريل نيسان 2007 ! بتوقيت مشيغن ! وحتى لا اشتت انتباه القاريء العزيز عن الهم المركزي لهذه المكابدة فانني سأنهي هذه التوطئة الموجعة واقارب الموضوع مباشرة ! فأقول : قبل زمن ضئيل تأسست الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك ! فقد بدأت الدراسة في الأول من شهر سبتمبر من عام2005!! ومشروع الأكاديمية العربية المفتوحة كما جاء في موقع الأكاديمية بالحرف الواحد (أعده د. وليد الحيالي بمساعدة المجلس العلمي للأكاديمية . علماَ أن المجلس العلمي متكون من خمسة أكاديميين عراقيين من حملة الدكتواره ولهم ألقاب علمية عالية وخبرة طويلة ويقيمون جميعهم في الدنمارك. تساعده شبكة عريضة من الأساتذة الأكاديميين المتعاونين مع الأكاديميين . وقد أنجزت اللجنة العلمية وشبكة الأساتذة المتعاونين وضع الخطط الدراسية لطلبة الدراسات الجامعية الأولية والماجستير. إنَّنا نسعى إلى خلق توأمة مع الجامعة المستنصرية في العراق وتسجيلها لدى وزارة التعليم العالي العراقية بوصفها جامعة عراقية خاصة تعمل خارج التراب الوطني وهذا ما يدعم ويضمن الاعتراف العلمي بشهادة الجامعة. إن الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك عاقدة العزم على بدء الدراسة في الأول من شهر سبتمبر من عام2005 إ. هـ أي انتهى الإقتباس ) ! ويبدو ان هذه المعلومة قديمة ولم تحدَّث بعد ! فالأكاديمية اليوم معروفة لدى كثير من الأوساط العلمية والأكاديمية العربية والعراقية ! وحين تهاتفت قبل شهرين مع السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأستاذ الدكتور عبد ذياب العجيلي حول مؤتمر مشروع عقد تأسيسي أول للتكنوقراط والأكاديميين والمثقفين العراقيين بعامة في المنفى وأبدى استعداده الكامل والفوري لدعم هذا المؤتمر ماديا ومعنويا ! وقد ذكرت لسيادته امكان ان تتبنى الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك هذا المشروع ! فطلب سيادته اليَّ كتابة متطلبات المشروع بصورة عجلى وأعطيت هاتف السيد الوزير الدكتور عبد ذياب العجيلي الى السيد رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك الدكتور وليد ناجي الحيالي وتمت اول مهاتفة بينهما ! لكن الحملة الشعواء الظالمة التي شنت ضدي شخصيا وضد الشيخ علي القطبي وضد مشروع المؤتمر المؤتمر التأسيسي عموما فضلا عن تلكؤ بعض رفاقي في جو من الحساسيات التفيهة غير المسوغة وامور اخرى اودت بفكرة المؤتمر النبيلة الى مستوى الإلغاء ولهذا الحديث موضع آخر غير هذا ! اردت فقط ان اقول ان هذه الأكاديمية الوليدة على شحة المتوفر لديها فهي تخطو خطوات ثابتة وجريئة ! هل قلت انا شحة المتوفر لدى الأكاديمية ؟ نعم قلت هذه !! وهذه ليست فلتة لسان بل هي نبضة وجدان ! فالأكاديمية على حد علمي بدأت دون ايما دعم مالي ! ولعلها حتى اليوم تعاني من الإنكماش المالي ! ويبدو ان هذه الأكاديمية محظوظة جدا رغم المكابدات أو ميمونة حقا رغم العصي والعثرات ! فالإجتهاد لوحده في هذا الزمان الرديء جدا جدا غير كاف ! لهذا تذمر احد الشعراء وقال :
إذا لم يكن حظ يضاف إلى الفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده ( كذا ) فقد استطاعت هذه الأكاديمية وبفترة قياسية ان تحصد الأعترافات برصانتها من جامعات مهمة في مشرق الوطن العربي ومغربه ! بل ونالت الاعتراف من مؤسسة الجامعات العربية ! ولم تتغن الجامعة بأمجادها وانجازاتها وتعاطف الجامعات الرصينة معها بل واصلت المسير بخطى ثابتة ( مثلا بعض الجامعات طلبت اعارة بعض اساتذة الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك لتقديم خبراتهم الناجعة في مشروع التعليم المفتوح والتعليم عن بعد , قلت مثلا وليس حصرا ) ! لقد استطاعت الأكاديمية بإمكانتاها الضئيلة شراء مطبعة ضخمة ومكلفة الثمن لكي تطبع كتب كادرها العلمي والمؤلفين المنهجيين من غير كادرها وتوفرها للطلبة من البكالوريوس فالماجستير الى الدكتوراه الممتازة ( PH.D) اي دكتوراه فلسفة في العلوم البحتة والإنسانية ! وطباعة مجلة الجامعة الرصينة المحكمة ! ومادمت قد اشرت الى المجلة فينبغي القول ان السيد رئيس تحرير المجلة الدكتور وليد ناجي والسيد سكرتير المجلة الدكتور حسن السوداني قد تسلما بحوثا من معظم أكاديميي الجامعات العربية وللمثال وحسب تلقت المجلة من الجزائر الشقيقة فقط سبعة بحوث اكاديمية رصينة من استاذة معروفين ! وعلمت ان بورد الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك وافق بالإجماع على صيغة تكريم مبدعين عراقيين وعرب واجانب بشهادات تكريم اكاديمية ! ومثل هذه الخطوة لها ما يميزها ! والسبب لايمس حملة الشهادات الصغرى ( بكالوريوس ) والكبرى ( ماجستير دكتوراه بروفسور ) فقط وانما يمس ايضا وايضا المبدعين الذين شغلهم ابداعهم عن الدراسة الجامعية الصغرى او الكبرى ! بل يمس المبدعين الذين شغلهم بل حرمهم النضال الوطني المقدس عن مواصلة الدراسة ! فهم يحملون شهادات تعذيبهم وتشريدهم او تهميشهم ! شهادات كبريائهم في اقل تقدير ! من هنا يمكننا النظر الى مشروع التكريم فكأن هذه الأكاديمية تجبر بخاطر المبدعين العمالقة وتقول لهم ان العراقيين لن ينسوا نضالكم وإبداعاتكم وفي هذا القول رسالة اعتذار للأجيال القادمة حين تشتمنا وتقول لماذا نسيتم مبدعيكم حينما نسيتهم السلطات الحالية او تذكرتهم السلطات البائدة وياليتها لم تتذكرهم فمن تذكرته السلطات البائدة سجنته او نفته او قتلته ! الأكاديمية العربية المفتوحة رغم الضائقة الاقتصادية وانشغال الحكومة العراقية الحالية بنا عنا أو بالعراقيين المسلحين عن العراقيين المفكرين !! وتفرط نهر النفط العراقي في جيوب مثقوبة ومروءات معطوبة !! هذه الأكاديمية لم تيأس او تتكل بل استطاعت بسمعتها الرصينة وسمعتها فقط اجتذاب خيرة الأساتذة العراقيين مع ان جل الأساتذة والعاملين في الأكاديمية يعملون وفق نظام (الفلانتير ) او التطوع المجاني ! فأي حافز مقدس هذا الذي يجعل الاستاذ الكبير ربما عمرا ايضا فضلا عن كبر درجته العلمية يجعله يعمل في الأكاديمية دون مقابل مادي ! وللمثال ايضا ! ان احد طلبة الدكتوراه في أحد الأقسام ! وهو مبدع معروف وإعلامي مرموق انقطع عن الدراسة بسبب ظرف خاص وطاريء يجعله لايستطيع الذهاب الى مشرفه او مغادرة مدينته ! وحين علم مشرفه وهو الاستاذ الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي أعلن استعداده الكامل للذهاب الى بيت الطالب وعدم تجشيمه مؤونة السفر الى حيث يقيم المشرف ! كل ذلك يجري دون صرف رواتب وقد ينفق الأستاذ من جيبه على الهواتف مع الطلبة او ادارة الأكاديمية بل وعلى حد علمي ان بعض الاساتذة ينتقون كتبا لطلبتهم في الدراسات العليا ويرسلونها اليهم بالبريد المضمون ! ولن يفكر الاستاذ بما ينفقه او بما يستحقه من الاجور ما دام هو معتقدا بانه يخدم العراق والعلم ويوفر سوانح للعراقيين المغتربين المبهظين بالعمل من اجل توفير القوت لعيالهم !
وبعــــــــد فإن الحديث عن الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك يشبه قصيدة المديح العربية التي تجعل الممدوح انسانا بلا اخطاء ولا عيوب وذلك شيء لايحصل الا في خيال الشعراء ! نعم ان لهذه الأكاديمية الوليدة مشاكلها وأخطاءها ولن تجد احدا يقول لك ان الأكاديمية بلا اخطاء او عيوب ! لكن الأكاديمية وفق تقاليدها تعلن كل شيء للاساتذة والطلبة والقراء غير المنتمين لها دون أدنى حرج ! فقد ربحت الجأكاديمية مثلا الإعلامي المعروف الأستاذ نوري علي فهو الذي يفتتح الموقع كل يوم ويحدثه ربما كل ساعة ان استدعى الأمر ! ويهاتف الأساتذة ليسجل لهم محاضراتهم وحتى انه ودون تخطيط منه يحرج الأساتذة احراجا جميلا حين يحدد لهم ميقات تسجيل محاضراتهم ويشرف على غرف التدريس والاجتماعات جاعلا لكل غرفة مفتاحها الذي لايمكن الدخول اليها دونه ! زيدوا على ذلك ان الهواتف والعنوانات مدونة في الموقع وفي الحقائب الدراسية الهواتف المكتبية والبيتية والمحمولة وعناوين البريد والاقامة من رئيس الجامعة الى نائبه الى العمداء فرؤساء الاقسام فالسادة العاملين في الشؤون الفنية ! هذه النجاحات وهذه المصداقية مع الذات جعلت اسم الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك ماركة ممتازة ! فقبل شهور قرأت اعلانا عن (الجامعة ) في الدانمارك وان لهم ممثلين في مشيغن ! فما كان مني الا أن اتصلت هاتفيا بالسيد رئيس الجامعة وقلت له بنبرة عاتبة كيف تضعون ممثلين لكم في مشيغن دون علمي وانا مدير الأكاديمية في مشيغن ومعي عدد من الاساتذة المساعدين ! فأكد لي السيد رئيس الأكاديمية ان شيئا من هذا لم يحدث ولن يحدث ! وبعدها علمت ان بعض المؤسسات اختارت اسما قريبا من اسم مؤسستنا الأكاديمية ولنقل تصرفت كذلك تيمنا بأكاديميتنا العربية المفتوحة في الدانمارك ! ولا نقول شيئا آخر ! ومرة اتصل بي فنان وإعلامي معروف وقال لقد دفعت اقساط الدراسة للأكاديمية العربية المفتوحة وعرفت من سير حديثه انه اتفق مع جامعة اخرى اسمها مقارب لاسم أكاديميتنا ! ولم اشأ ان اصوب له فروح الزمالة فوق اي اعتبار ووعدته بتقديم العون العلمي له وقلت له مبروك من اعماقي وبعد فترة عاتبني وقال لي لماذا لم تقل لي انها أكاديمية اخرى فقلت له لافرق بين الأكاديميات العراقية المفتوحة ولو كان لدي الوقت والصحة الكافيان لطلبت التدريس في عدد من الأكاديميات المفتوحة وقد درست فعلا في التسعينات من القرن العشرين ثلاث سنوات في الجامعة الليبية المفتوحة وبعض طلبتي فيها باتوا اساتذة مرموقين ! ومسك الختام ان الجهد والاجتهاد اللذين تبذلهما هذه المؤسسة الأكاديمية في اطار من التضحية والايثار يجعلني ارفع صوتي عاليا معاتبا المؤسسات العراقية حكومية ومدنية وأخص فخامة السيد رئيس الجمهورية مام جلال المعروف بكثرة مستشاريه الثقافيين من الأسماء المعروفة والمحترمة كيف يغفل عن هذا المشروع المشرف ولن استثني دولة رئيس الوزراء العراقي ودولة رئيس اقليم كوردستان !! أرفع صوتي معاتبا عن السهو الفادح الذي يرتكبوه جميعا ضد أكاديمية حالمة رفضت الأفكار الظلامية والشوفينية وآمنت بالمنهج الديموقراطي التقدمي الحضاري للعراقيين كل العراقيين فرئيس الجامعة مثلا من مدينة ونائبه من مدينة والعمداء من محافظات وانتماءات مختلفة فيهم الكوردي وفيهم العربي والسني والشيعي والمسيحي والمتدين والمادي ولكن كل كادر يعمل بعراقيته وعلمه فقط دون النظر الى المحاصصات التي ابتكرها ( بريمر لا رضي الله عنه ) وتمسكت بها الحكومات العراقية ! حتى بعد رحيل بريمر ! والأكاديمية كما اعلم لاتريد معونة من احد ! ولا منة ولا عطفا !! وما سوف تقدمه المؤسسات الحكومية او المدنية او الرساميل العراقية كما اتمنى يشكل واجبا لمروءة اي منا وهاجسا لديموقراطيته وإشارة لحبه الى العلم والعلماء ! إن الأكاديمية العربية المفتوحة التي تعددت كلياتها العلمية والإنسانية وترسخت تقاليدها بين كادرها وكادر الجامعات النظيرة إنما هي أمانة في اعناقنا جميعا وعلينا دعمها ولو بالصبر عليها وانتظار خطواتها وعدم ارباكها بالبراكين والهزاهز ( كما حصل في العام الفائت !! ) بانتظار ما ستقدمه هذه الجامعة الطموحة للعراقيين المغتربين والعرب ومن يضحك اخيرا يضحك كثيرا .
بروف عبد الإله الصائغ
مشيغن المحروسة 6 ابريل نيسان 2007