رسالة ماجستير الطالب هاتف محسن الركابي/1 مفهوم الإرهاب في القانون الدولي والداخلي… دراسه مقارنه
رسالة تقدم بها الطالب هاتف محسن الركابي الى مجلس كلية القانون والسياسه – بالاكاديميه العربيه في الدانمارك وهي جزء من متطلبات نيله شهادة الماجستير في القانون العام
بإشراف الأستاذ
الدكتور مازن ليلو راضي
الدنمارك – كوبنهاغن
2007
اشهد ان اعداد هذه الرساله قد جرى تحت اشرافي في كلية القانون والسياسه بالاكاديميه العربيه في الدانمارك وهي جزء من متطلبات الحصول على شهادة الماجستير في القانون العام.
التوقيع :
المشرف : الاستاذ الدكتور مازن ليلو راضي
التاريخ :
بناء على التوصيات المتوافره ارشح هذه الرساله للمناقشه
التوقيع :
الدكتور سمير جميل حسين
رئيس قسم القانون
التاريخ :
نشهد باننا اعضاء هيئة المناقشه اطلعنا على هذه الرساله وقد ناقشنا الطالب في محتوياتها وفيما له علاقه بها ونعتقد انها جديره بالقبول لنيل شهادة الماجستير في القانون العام وبتقدير ( )
التوقيع التوقيع
الاسم الاسم
المشرف عضو
التوقيع التوقيع
الاسم الاسم
عضو رئيس لجنة المناقشه
صدقت من مجلس كلية القانون والسياسه
التاريخ
التوقيع
الاستاذ لطفي حاتم
عميد كلية القانون والسياسه
الاهداء
*الى من انار لي الطريق منذ نعومة اظافري .. الى روح والدي وفاءا
لذكراه
* الى الذين قاسموني شدة الحياة ورخائها .. امي العزيزه.. اخوتي .. اخواتي..زوجتي ..احبائي .. باقر وزينب
* الى الدماء الزكيه التي روت ارض الرافدين ..
شكر وتقدير
وانا انجز هذه الرساله بحمد الله ومنه اتقدم بالشكر والامتنان الى استاذي المشرف الدكتور مازن ليلو راضي الذي لم يبخل بجهده ووقته متابعا مراحل انجاز هذه الاطروحه المتواضعه.
كما لايفوتني ان اتوجه بالشكر الجزيل الى الاستاذ الدكتور وليد الحيالي رئيس الاكاديميه العربيه في الدنمارك لما بذله لي من مساعده ساهمت في تذليل المصاعب التي واجهتني في الاعداد والكتابه.
وفي الختام لايمكنني ان اغفل الدور الكبير لللاستاذ لطفي حاتم في ابداء التوجيهات القيمه التي كان لها الفضل في ظهور الرساله بهذه الصوره .
هاتف محسن الركابي
كوبنهاغن
المحتويات
المقدمة
الفصل التمهيدي: التعريف بالإرهاب ودوافعه
المبحث الاول: تعريف ظاهرة الإرهاب وتاريخه
المطلب الاول : تعريف الارهاب
اولا:الاتجاه المادي في تعريف الإرهاب
ثانيا :الاتجاه المعنوي في تعريف الإرهاب
المطلب الثاني: تاريخ ارهاب
المبحث الثاني: اسباب الارهاب ودوافعه
المطلب الاول دوافع الارهاب على المستوى الفردي
اولا: الدوافع الشخصية للارهاب
ثانيا :دوافع مادية ” الارهاب والجوانب المادية
ثالثا :الارهاب والجوانب الوجدانية ” تاثير وسائل الاعلام ”
رابعا: اثر البيئة المحيطة بالفرد
المطلب الثاني دوافع الإرهاب على المستوى الوطني
اولا الدور المباشر للدولة في الارهاب على المستوى الوطني
ثانيا الدور غير المباشر للدوله في دغم الارهاب على المستوى الوطني
المطلب الثالث: دوافع الارهاب على المستوى الدولي
اولا دور الاوضاع الدولية في الارهاب
ثانيا رعاية بعض الدول والانظمة السياسية لـ الإرهاب
الفصل الاول
الإرهاب والشريعة الإسلامية
المبحث الاول الجرائم الارهابيه في الشريعه الاسلاميه
المبحث الثاني موقف الشريعه الاسلاميه من الارهاب
المطلب الاول : التطرف والشريعه الاسلاميه
المطلب الثاني : العنف والشريعه الاسلاميه
الفصل الثاني
الإرهاب في القانون الوطني
المبحث الاول اشكال وصور الارهاب
المبحث الثاني الإرهاب في التشريعات المقارنه
المبحث الثالث تجريم الارهاب في التشريعات الجنائية
المطلب الاول الارهاب جريمة مستقلة
المطلب الثاني الارهاب عنصر في الجريمة
المطلب الثالث الارهاب ظرف مشدد
المبحث الرابع موقف المشرع العراقي من تجريم الارهاب
المطلب الاول الارهاب في قانون العقوبات العراقي
المطلب الثاني الارهاب في قانون مكافحه الارهاب العراقي
المطلب الثالث نماذج من الجرائم الوارده في قانون مكافحة الارهاب العراقي
الفصل الثالث
الإرهاب في القانون الدولي
المبحث الاول موقف القانون الدولي من تعريف الارهاب .
المطلب الأول/ الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب
المطلب الثاني/ الاتفاقات الدولية
المطلب الثالث/ القرارات الدولية
المبحث الثاني مضمون الارهاب كجريمة دولية
المطلب الاول: الارهاب كجزء من الجريمه الدولية
المطلب الثاني :الافعال التي تؤلف الارهاب الدولي
المبحـــــث الثالث مواجهة الارهاب بوصفه جريمة
الفصل الرابع
تمييز الإرهاب من نشاط الكفاح المسلح واعمال المقاومة
المبحث الأول مفهوم حركات التحرر الوطني
المبحث الثاني الاعتراف الدولي بشرعية أنشطة حركات التحرير
المبحث الثالث انواع الكفاح المسلح
الخاتمه
المقدمة
شغل موضوع الارهاب حيزأ كبيرأ من اهتمام فقهاء القانون الدولي والقانون الجنائي لما تشكله هذه الظاهرة من خطر عظيم على المجتمع بما يخلفه من ضياع للامن وتدمير للمتلكات وانتهاك للحرمات وتدنيس للمقدسات وقتل وخطف للمدنيين الآمنيين وتهديد لحياة الكثير منهم .
وفي العراق يأخذ هذا الموضوع بعدأ اكثر اهمية بحكم معاناته من مختلف صور الجرائم الارهابية وتحت مسميات وذرائع مختلفة .
ولا شك ان البحث في المفهوم الارهاب يتطلب دراسته من جوانبه المختلفه غير ان دراسته هذه تقتصر على تحديد مفهومه باعتبارها ظاهرة قانونية على الصعيدين الدولي والداخلي .
وفي هذه الرساله المتواضعه سنسعى الى بحث مفهوم الارهاب في الشريعة الاسلاميه والقانون الوضعي الدولي والداخلي ونحاول تمييز الارهاب من غيره من اعمال العنف المشروعه كأعمال المقاومه والكفاح المسلح .
ظهر موضوع الارهاب جليا بعد الحرب العالمية الثانية وجاء ذلك بعد ان ذاق العالم ويلات الحرب الطاحنة مما حدى ببعض الدول الى تحقيق اهدافها بطرق اخرى منها ترويج الارهاب كون هذا الاخير يحقق الاهداف المنشودة باقل كلفة حيث تقوم به جماعات تقوض البُنيه الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه للطرف الاخر دون ان يكون معروفا ومن غير حاجة الى اعلان الحرب التي تتطلب نفقات ماديه عاليه وخسائر بشريه كبيرة , وخلال هذه الفترة تنوع الارهاب واختلفت اساليبه فهناك الارهاب الداخلي الذي جرمتة القوانين الداخليه الوضعيه وهناك ارهاب الدولة الذي تباشره الدول وهناك ارهاب الجماعات الاجراميه المنظمه , الا ان مفهوم الارهاب بمعناه الحديث ظل غامضاً وغير محدد حتى ضرب مركز التجارة العالمية ووزارة الدفاع الامريكيه في الحادي عشر من ايلول عام 2001 حيث ازداد ظهور هذا المفهوم والقي الضوء عليه وتنوعت الدراسات بشأنه لكن من الزاويه التي تراها الدوله الكبرى والمهيمنه على العالم مما جعله يصطبغ بالصبغة السياسيه لتحقيق الاهداف المرسومه من تلك الدول مما ادى الى اختلاط مفهوم الارهاب وفق وجهة النظر السابقه بالمفاهيم المشروعه في دول العالم خاصة الضعيفه منها او المغلوب على امرها او المحتله فاختلط الارهاب مع حق الدفاع الشرعي ضد العدوان الذي يقع على الدولة كذلك اختلط مع المقاومه المسلحه المشروعه للدول المحتله اراضيها كفلسطين ولبنان والعراق وغيرها.
ويبدو من خلال تتبع الاحداث ان الدول الكبرى خاصة المهيمنه على العالم لا تشجع وضع تعريف واضح ومحدد للارهاب لانه يصطدم مع طروحاتها ومصالحها الاقتصاديه والسياسيه ويضطرها لان تقيس الامور بمكيالين كما يحصل في ارض الواقع فتجنبت بل تهربت من تعريف الارهاب , فمن الملاحظ رواج مفهوم الارهاب بالمعنى العام ودون تحديد وتعريف بعد الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحده الامريكيه مما قاد الى توجيه اصابع الاتهام الى الاسلام والمسلمين عموما وبالنتيجة لحقت الاساءه بالدين الاسلامي الحنيف وبكل من يعتنق الاسلام كعقيدة دينيه , وصور الاسلام بافكاره الداعية الى السلام والتسامح والتعاون والتعايش والمحبة بين الناس عكس ما هو عليه في الحقيقه واساءة الظن بالمسلمين ,ومن خلال متابعة البحوث القانونيه والعلميه التي تحدثت عن الارهاب نلاحظ انها درسته من جوانبه المتعددة, لكن الملاحظ انها لم تلقي الضوء عليه بما يكفي وبشكل موضوعي ومنصف من زاوية الفقه الاسلامي الذي جرم الارهاب والارهابين بالنص على ذلك في القران الكريم وبالذات في اية الحرابه بالاضافه الى نبذ الشريعه الاسلاميه لكل المفاهيم الداعيه للبغضاء بين البشر وكان للفقه الاسلامي فضل السبق في وضع شروط المحاربين وعقوباتهم من خلال الشروحات والتفصيلات التي بينها الفقه لآية الحرابه والتي اعتبرها جريمه عاديه وقرر لها العقوبات الشرعيه , لهذا رأينا بحث هذا الموضوعفي هذه الرساله محققا للغايه وعلى هذا الاساس خصصناه جزء من البحث لجريمة الحرابه كجريمه ارهابيه في الشريعه الاسلاميه اما الجزء آخر فافردناه لبراءة الشريعه الاسلاميه من المفاهيم ذات الصله بالارهاب كالتطرف والعنف ومن خلال البحث ركزنا على كون جريمة الحرابه جريمه عاديه وليست سياسيه كما هو الحال في جريمة البغي لنؤكد حرص الاسلام على مجابهة الارهاب قبل قرون من معرفته في عصرنا الراهن ولنفرق بينه وبين المقاومة المشروعة .
مما لاريب فيه ان الارهاب ، على اختلاف اهدافه ووسائله ، هو نتيجة لاسباب مختلفة متعددة منها اسباب سياسية واخرى اقتصادية واجتماعية ونفسية .. الخ ، ومن المتفق عليه ان دراسة هذه الاسباب مهمة صعبة لانها تستلزم الغور في معظم المشكلات المعقدة التي تواجه الافراد والمجتمع الدولي على حد سواء ، والتي تكمن فيها اسباب الارهاب . وقد تذرع البعض بهذه الصعوبة ورأى من الاصوب التركيز اولا على اتخاذ تدابير عملية عاجلة لمكافحة الارهاب دون الانغمار في محاولة تحديد اسبابه المتعددة والمعقدة ولكن هناك من رأى ان تحديد اسباب الارهاب وازالتها يجب ان يسبقا العمل على اتخاذ اية تدابير لمنع الارهاب.
ونحن نرى ان تشخيص اسباب الارهاب ولا سيما بعد توسعه في الفترة الاخيرة ، لابد منه قبل الاقدام على اية اجراءات فعالة لاستئصاله في المدى البعيد . ولكن هذا لايعني بان العمل على اتخاذ تدابير لمنع الارهاب يجب ان ينتظر ، بالضرورة ، تحديد اسباب الارهاب وازالته وذلك ان مقاومة حالة من حالات الارهاب يمكن ان تتزامن والمساعي المبذولة لاستئصال جذورها ، ونرى كذلك ان الاصرار على اولوية ما في معالجة مشكلة الارهاب قد يؤدي إلى تجزئة لا تفيد هذه المعالجة في شيء ، وبصورة عامة ، يمكننا القول بان تشخيص اسباب الارهاب يساعد على ايضاح مفهوم الارهاب الدولي ذاته واثارة مزيدٍ من الاهتمام بمكافحته.
إن الارهاب باعتباره ظاهرة اجرامية او سلوك منحرف عن قواعد السـلوك الاجتماعي السائدة في المجتمع ، وذلك تاسيسا على ان السلوك الاجرامي ليس محض واقعة يجرمها القانون ، ولكنه سلوك يصدر من انسان يعيش في بيئة معينة ووسط مجتمع معين ، ومن ثم فهو سلوك اجتماعي منحرف ، لذلك فان دراسة اسباب ودوافع الارهاب يعطي التفسير لهذه الظاهرة وبالتالي فان تفسير هذه الظاهرة ينطبق عليه ما يقال عن تفسير الظاهرة الاجرامية بصفة عامة حيث يقرر علماء الجريمة انها لا ترجع الى مصدر واحد او مصدرين بل تنبع عن مصادر عديدة متنوعة ومتشابكة ومعقدة ، وبالمثل فالإرهاب ، كظاهرة إجرامية لها خصوصيتها بين غيرها من الظواهر الاجرامية الاخرى ، ليس فعلا منعزلا او عرضيا ولكنه ثمرة تضافر عوامل عديدة تحركه وتحدد تكوينه وهيئته وظهوره .
وبالنظر إلى هذا التعدد ( تعدد دوافع الإرهاب وميزاته ) ، فقد تعددت اراء الباحثين فيما يتعلق بالاسس التي عليها يتم التحليل ودراسة دوافع الارهاب ، الا اننا سنتناول تحليل الموضوع ، وكما اخذ بهذا معظم الباحثين في الظاهرة لتكون الدراسة اكثر اكتمالا وشمولا.
وسنقسم الدراسه الىاربعة فصول يتقدمها فصل تمهيدي يتعلق بتعريف الارهاب ودوافعه وكرسنا الفصل الاول لموضوع الارهاب في الشريعه الاسلاميه اما الفصل الثاني فتناولنا فيه موضوع الارهاب في القانون الوطني في حين خصصنا الفصل الثالث لموضوع الارهاب في القانون الدولي اما الفصل الرابع والاخير فقد ميزنا فيه بين الارهاب ونشاط الكفاح المسلح واعمال المقاومه .
الفصل التمهيدي
التعريف بالارهاب ودوافعه
من المهم قبل الولوج في دراسة الارهاب في القانون الدولي والداخلي ان نبحث بشيء من التفصيل تعريف الارهاب ودوافعه وهو ما سنتناوله في مبحثين متتابعين.
المبحث الاول
تعريف الإرهاب وتاريخه
اختلف الباحثين في تعريف الإرهاب وتاريخ ظهوره ,ومنهم من أهمل مسالة التعريف تلافيا”لصعوبته مكتفيا”ببحث ظاهرة الإرهاب وسرد خصائصها وصورها,بينما سعى البعض الى وضع تعريف محدد وجامع ,فكان إن برزت العديد من التعاريف التي تحوي على بعض عناصر الإرهاب والتي من الممكن أن تكون أساسا” في تحديد مفهوم هذه الظاهره
المطلب الاول
تعريف ظاهرة الإرهاب
يأتي الإرهاب في اللغة العربية من الفعل (رهب ,يرهب,رهبة”)أي خاف ,ورهبه أي خافه والرهبه هي الخوف والفزع وهو راهب من الله أي خائف من عقابه ,وترهبه أي توعده سأما في القران الكريم فينصرف معنى الإرهاب إلى ما ورد في الآيات القرآنية التي تأتي بمعنى الفزع والخوف والخشية والرهبة من عقاب الله تعالى ,فقد ورد في قوله تعالى(واوفوا بعهدي أوف بعهدكم واياي فارهبون ). وجاء (إنما هو اله واحد فإياي فارهبون) وورد (انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا” ورهبا”)
كما يأتي الإرهاب في القران الكريم بمعنى الردع العسكري فقد ورد (ترهبون به عدوا الله وعدوكم واخرين من دونهم) وجاء أيضا” (واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم). أما في اللغات الأخرى فان الإرهاب يأتي بمعنى رعبterror وتعني خوفا”أو قلقا”متناهيا”أو تهديد غير مألوف وغير متوقع ,وقد اصبح هذا المصطلح يأخذ معنى جديد في الثلاثين عاما” الأخيرة ويعني استخدام العنف والقاء الرعب بين الناس.
والإرهابي هو من يلجا إلى العنف غير القانوني أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية سواء من الحكومة أو الأفراد والجماعات الثورية المعارضة
وقد بلغت أهمية تعريف ظاهرة الإرهاب حدا” كبيرا”دفع الدول إلى إقامة المؤتمرات والندوات لتحديد مفهومه وعناصره ومسبباته وعموما” ظهر في هذا السبيل اتجاهان الأول الاتجاه المادي والثاني هو الاتجاه المعنوي أو الغائي :
اولا :الاتجاه المادي في تعريف الإرهاب
يقوم الأساس المادي في تعريف الإرهاب على السلوك المكون للجريمة أو الأفعال المكونة لها وطبقا” لذلك يعرف الإرهاب بأنه عمل أو مجموعة من الأفعال المعينة التي تهدف إلى تحقيق هدف معين وقد قاد هذا لمفهوم إلى تعريف الإرهاب بالاستناد إلى تعداد الجرائم التي تعد إرهابية دون البحث في الغرض أو الهدف من العمل الإرهابي
وفي هذا الاتجاه يذهب (بروس بالمر )إلى أن الإرهاب قابل للتعريف فيما إذا كانت الأعمال التي يضمها معناه ,يجري تعدادها وتعريفها بصورة دقيقة وبطريقة موضوعية دون تمييز فيما يتعلق بالفاعل مثل الأفراد وأعضاء الجماعات السياسية وعملاء دوله من الدول .
ومن ثم ذهب أنصار هذا الأسلوب إلى الاكتفاء بتعداد الأعمال أو الأفعال التي تعد أر هابيه كالقتل والاغتيال والاختطاف واحتجاز الرهائن و أعمال القرصنة .
ولا يخفى ما يكتنف هذا التحديد من قصور من حيث انه تجاوز عن أهم عنصر من عناصر الجريمة الإرهابية وهو الغرض أو الهدف السياسي كما إن التحديد الحصري لجرائم معينة على إنها إرهابية يؤدي الى خروج الكثير من الجرائم من دائرة الإرهاب لالشيء سوى إنها لم تذكر في ضمن هذا النوع من الجرائم متجاوزين عما قد يجلبه التطور العلمي والتكنولوجي من صور جديدة للجرائم الإرهابية .
إزاء ذلك اتجه جانب من الفقه إلى تحديد صفات معينة للجرائم الإرهابية لتمييزها من غيرها وعدم الاكتفاء بالتعداد الحصري ومن تلك الصفات على سبيل المثال:
1-إن الأعمال الارهابيه تتصف بأنها أعمال عنف أو تهديد به و أضاف البعض إلى هذه الصفة ,إن يكون العنف غير مشروع وفي ذلك يقول ((يورام دينستن))((أنا اعتبر الإرهاب على انه عمل عنف غير قانوني ))
2-أن يتضمن هذا العنف أحداث الرعب أو التخويف ,وتقوم بهذا الدور الإداة أو الوسيلة المستخدمة في العمل الإرهابي .
3-إن يكون هذا العنف منسقا”أو منضما”ومستمرا”وعلى ذلك فعمل الاغتيال الذي لا يكون جزء” من نشاط منظم لايعد إرهابيا”.
وأيا”كانت محاولات هذا الاتجاه في تطوير مذهبة فقد ظل بعيدا”عن المحتوى الأساسي للإرهاب والذي يتجلى في الطابع السياسي للجريمة الارهابية رغم محاولات بعض الدول لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية القبول بهذا التعريف .
فقد ذهب وفد الولايات المتحدة في الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بالإرهاب وطرق معالجته إلى اقتراح تعريف ظاهرة الإرهاب على إنها ((كل شخص يقتل شخصا” أو يسبب له ظررا” جسديا” بالغا”أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخصا” قام أو حاول القيام بذلك )).
ثانيا :الاتجاه المعنوي في تعريف الإرهاب
يركز هذا الاتجاه في تعرف الإرهاب على أساس الغاية أو الهدف الذي يسعى إليه الإرهابي من خلال عمله. غير إن أنصار هذا الاتجاه يختلفون في طبيعة هذه الأهداف فهناك أهداف سياسية وأخرى دينية وثالثة فكرية وهكذا فهل يتعلق الإرهاب بهدف من هذه الأهداف بالتحديد باعتباره الركن المعنوي للجريمة الإرهابية ؟
استقر الرأي الغالب على القول بان الركن المعنوي في الجريمة الإرهابية يتجلى في غاية الإرهاب ذاته وهو توظيف الرعب والفزع الشديد لتحقيق مآرب سياسية أيا” كان نوعها . وفي ذلك يعرف الدكتور شفيق المصري الإرهاب بشكل عام باعتباره ((استخدام غير شرعي للقوة او العنف أو التهديد باستخدامها بقصد تحقيق أهداف سياسية)).
غير إن هذا التعريف يشكل نوع من التطابق بين الجريمة السياسية والأعمال الإرهابية وهو أمر غير مقبول لما يقود إليه ذلك من تخفيف للعقوبة وعدم إمكان تسليم المجرمين فإذا كان الغرض السياسي عنصرا”مهما”في الجريمة الإرهابية فهو ليس المعيار الوحيد في تميزها.
إزاء ذلك ذهب البعض إلى التركيز على عناصر أخرى في التعريف منها استخدام الوسائل القادرة على أحداث حاله من الرعب والفزع بقصد تحقيق الهدف أيا” كانت صورته سياسيا”أو دينيا”أو عقائديا”أو عنصريا”,وفي هذا إخراج للجريمة السياسية والتي يمكن أن تحصل دون اللجوء إلى العنف.
وفي ذلك يكتب الدكتور إمام حسانين عطا لله ((إننا نشايع الرأي الذي يرى إن الإرهاب هو طريقة أو أسلوب فهو سلوك خاص وليس طريقة للتفكير أو وسيله للوصول إلى هدف معين ويؤيد ذلك إن المقطع الأخير من كلمة Terrorisme بالفرنسية Isme تعني النظام أو الأسلوب – فالإرهاب على ذلك هو الأسلوب أو الطريقة المستخدمة والتي من طبيعتها إثارة الرعب والفزع بقصد الوصول إلى الهدف النهائي. ونرى إن هذا التعريف مقبول إلى حد كبير فهو يتضمن العناصر الواجب مراعاتها في تحديد مضمون الأعمال الإرهابية وتمييزها عما قد يختلط بها من أفعال أخرى.
على انه من المهم التأكيد على أن تكون أعمال العنف تلك ، أعمالا”غير مشروعه لتميز الفعل الإرهابي عن أعمال العنف المشروعة كأعمال المقاومة والكفاح المسلح.
ومن ثم يمكن تحديد عناصر تعريف الجريمة الإرهابية فيما يلي:
1-العنف غير المشروع
2-التنسيق والتنظيم
3-أن يؤدي العنف إلى خلق حالة الرعب والفزع
4-أن يهدف العمل إلى تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو عقائدية أو عنصرية بعيدة عن الغايات الفردية
ويستوي أخيرا”أن يمارس هذا العنف المنسق وغير المشروع من الأفراد أوالمؤسسات أو الدولة مادامت قد اجتمعت فيه العناصر المذكورة الأخرى
المطلب الثاني
تاريخ الإرهاب
بدا الإرهاب مع بداية البشر توارثوه جيلا” بعد جيل فمنذ الخليقة والإنسان يعيث في الأرض فسادا” وسفكا” للدماء ولعل ذلك ما دفع الملائكة إلى القول ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك))
الخطاب والإمام علي بن أبي طالب(ع)والحسن بن علي(ع)على يد الخوارج وهي جماعة إرهابية منظمة كانت تهدف إلى تحقيق غايات سياسية .
كما انتشر في بعض مراحل التاريخ العربي ما يمكن أن نطلق عليه بإرهاب الدولة والذي تجلى بأعمال القتل والسبي أبان الحكم الأموي ,كما عرف عن الحجاج بن يوسف الثقفي انه كان يعرض جثث المقاتلات من الخوارج عارية في الأسواق لردع النساء من الانضمام اليهم .
اما الإرهاب بمعناه الحديث فلم يظهر إلا في المجازر التي أعقبت الثورة الفرنسية والتي أدت إلى قتل اكثر من أربعين ألف انسان والأعمال الإرهابية التي قامت بها العصابات الصهيونية في فلسطين ومجازر الصرب في كوسوفو والبوسنة والتي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين وتنتشر في الوقت الحاضر العديد من التنظيمات الممولة بشكل جيد والقادرة على التخطيط والتنسيق فيما بينها لتكون خصما” للدول الكبرى والتي تستخدم الخطاب الديني في حشر المؤيدين لها.
وظهر موضوع الارهاب المعاصر جليا بعد الحرب العالمية الثانية وجاء ذلك بعد ان ذاق العالم ويلات تلك الحرب الطاحنة مما حدى ببعض الدول الى تحقيق اهدافها بطرق اخرى منها ترويج الارهاب كون هذا الاخير يحقق الاهداف المنشودة باقل كلفة حيث تقوم به جماعات تقوض البُنيه الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه للطرف الاخر دون ان يكون معروفا ومن غير حاجة الى اعلان الحرب التي تتطلب نفقات ماديه عاليه وخسائر بشريه كبيرة , وخلال هذه الفترة تنوع الارهاب واختلفت اساليبه فهناك الارهاب الداخلي الذي جرمتة القوانين الداخليه الوضعيه وهناك ارهاب الدولة الذي تباشره الدول وهناك ارهاب الجماعات الاجراميه المنظمه , الا ان مفهوم الارهاب بمعناه الحديث ظل غامضاً وغير محدد حتى ضرب مركز التجارة العالمية ووزارة الدفاع الامريكيه في الحادي عشر من ايلول عام 2001 حيث ازداد ظهور هذا المفهوم والقي الضوء عليه وتنوعت الدراسات بشأنه لكن من الزاويه التي تراها الدوله الكبرى والمهيمنه على العالم مما جعله يصطبغ بالصبغة السياسيه لتحقيق الاهداف المرسومه من قبل تلك الدول مما ادى الى اختلاط مفهوم الارهاب وفق وجهة النظر السابقه بالمفاهيم المشروعه في دول العالم خاصة الضعيفه منها او المغلوب على امرها او المحتله فاختلط الارهاب مع حق الدفاع الشرعي ضد العدوان الذي يقع على الدولة كذلك اختلط مع المقاومه المسلحه المشروعه للدول المحتله اراضيها كفلسطين ولبنان والعراق وغيرها .
المبحث الثاني
اسباب الارهاب ودوافعه
مما لاريب فيه ان الارهاب ، على اختلاف اهدافه ووسائله ، هو نتيجة لاسباب مختلفة متعددة منها اسباب سياسية واخرى اقتصادية واجتماعية ونفسية .. الخ ، ومن المتفق عليه ان دراسة هذه الاسباب مهمة صعبة لانها تستلزم الغور في معظم المشكلات المعقدة التي تواجه الافراد والمجتمع الدولي على حد سواء ، والتي تكمن فيها اسباب الارهاب . وقد تذرع البعض بهذه الصعوبة ورأى من الاصوب التركيز اولا على اتخاذ تدابير عملية عاجلة لمكافحة الارهاب دون الانغمار في محاولة تحديد اسبابه المتعددة والمعقدة ولكن هناك من رأى ان تحديد اسباب الارهاب وازالتها يجب ان يسبقا العمل على اتخاذ اية تدابير لمنع الارهاب
ونحن نرى ان تشخيص اسباب الارهاب ولا سيما بعد توسعه في الفترة الاخيرة ، لابد منه قبل الاقدام على اية اجراءات فعالة لاستئصاله في المدى البعيد . ولكن هذا لايعني بان العمل على اتخاذ تدابير لمنع الارهاب يجب ان ينتظر ، بالضرورة ، تحديد اسباب الارهاب وازالته وذلك ان مقاومة حالة من حالات الارهاب يمكن ان تتزامن والمساعي المبذولة لاستئصال جذورها ، ونرى كذلك ان الاصرار على اولوية ما في معالجة مشكلة الارهاب قد يؤدي إلى تجزيئية لا تفيد هذه المعالجة في شيء ، وبصورة عامة ، يمكننا القول بان تشخيص اسباب الارهاب يساعد على ايضاح مفهوم الارهاب الدولي ذاته واثارة مزيدٍ من الاهتمام بمكافحته.
إن الارهاب باعتباره ظاهرة اجرامية او سلوك منحرف عن قواعد السـلوك الاجتماعي السائدة في المجتمع ، وذلك تاسيسا على ان السلوك الاجرامي ليس محض واقعة يجرمها القانون ، ولكنه سلوك يصدر من انسان يعيش في بيئة معينة ووسط مجتمع معين ، ومن ثم فهو سلوك اجتماعي منحرف ، لذلك فان دراسة اسباب ودوافع الارهاب يعطي التفسير لهذه الظاهرة وبالتالي فان تفسير هذه الظاهرة ينطبق عليه ما يقال عن تفسير الظاهرة الاجرامية بصفة عامة حيث يقرر علماء الجريمة انها لا ترجع الى مصدر واحد او مصدرين بل تنبع عن مصادر عديدة متنوعة ومتشابكة ومعقدة ، وبالمثل فالإرهاب ، كظاهرة إجرامية لها خصوصيتها بين غيرها من الظواهر الاجرامية الاخرى ، ليس فعلا منعزلا او عرضيا ولكنه ثمرة تضافر عوامل عديدة تحركه وتحدد تكوينه وهيئته وظهوره
وبالنظر إلى هذا التعدد ( تعدد دوافع الإرهاب وميزاته ) ، فقد تعددت اراء الباحثين فيما يتعلق بالاسس التي عليها يتم التحليل ودراسة دوافع الارهاب ، الا اننا سنتناول تحليل الموضوع على ثلاث مستويات :-
– المستوى الفردي ، أي الدوافع التي تجعل الفرد يتجه الى الارهاب ويختار النشاط الارهابي كسبيل اساسي في حياته .
– المستوى الوطني ، أي الدوافع والميزات التي تدفع الى الارهاب على المستوى الداخلي في الدولة الواحدة .
– المستوى الدولي ، ويقصد بالدوافع على هذا المستوى مجموعة الأوضاع الدولية التي تشجع على الارهاب كنظام تقسيم العمل الدولي الراهن وما يحمله في طياته من ضغوط ومظالم على بعض الدول .
المطلب الاول: دوافع الارهاب على المستوى الفردي
تتعدد الدوافع التي تقود الفرد إلى الإرهاب ، وقد عرض كثير من الباحثين العديد من النظريات التي تفسر لماذا يندفع الفرد الى الارهاب فمنهم من يرى بوجود دوافع شخصية بذات الشخص ، ومنهم من ركز على الجوانب السيكولوجية ومنهم من ركز على الاعتبارات المادية، في حين ذهب فريق اخر الى القول بان ذلك يعود إلى الجوانب الوجدانية .
اولا: الدوافع الشخصية للارهاب
باعتبار السلوك المنحرف يصدر عن انسان ، فان علماء الجريمة عند بحثهم لدوافع هذا السلوك قد استرعى انتباههم مرتكب هذا السلوك وهو الانسان . فبدأوا في محاولة تفسير السلوك الاجرامي بارجاعه الى شخصية الانسان ذاته سواء في تكوينه العضوي الخارجي ، او في تكوينه النفسي واصابته ببعض مظاهر الخلل والاضطراب النفسي ، وقد حاولوا ايجاد العلاقة بين الجريمة وبعض الصفات الشخصية في الانسان مثل الوراثة والسن والجنس والعنصر ( السلالة ) والذكاء وبعض الامراض المختلفة ، ونظرا لخصوصية الارهاب ، فان بعضا من هذه العوامل قد تمثل دوافع بالنسبة له ، وليس جميعها ، ومنها على سبيل المثال الذكاء ، والعنصر والتكوين النفسي المرتبط ببعض الاختلالات العقلية ، وسوف نقسم الدوافع الشخصية على النحو التالي :
أ.الارهاب والذكاء:
ارتبط الارهاب بالذكاء ، نظراً لما يتطلبه من تخطيط دقيق وتنفيذ ادق لعملياته لاحداث اكبر قدر ممكن من التأثير في الرأي العام ،بما يخدم القضية التي يعلنها الارهابيون ،ولا شك ان عملية التمويل هي الاخرى تستلزم قدر كبير من الذكاء من اجل تأمين مصادر التمويل ، وعلى الرغم من ان الكثير من علماء الاجرام يربطون بين ضعف الذكاء والجريمة بصفة عامة ،فأنهم يعترفون-مع ذلك – بأن هناك انواعاً معينة من الجرائم تستلزم قدراً من الذكاء ويذكرون منها النصب ،واحتجاز الرهائن .
فذكاء الفرد اذا لم يحسن استغلاله فيما هو مفيد قد ينجح البعض من تسخير هذا الذكاء لخدمة اغراض اجرامية او ارهابية ،ومن ثم يصبح عاملاً مهماً لارتكاب جرائم الإرهاب .
ب. الارهاب والعنصر والسلالة
السلالة هي انتقال مجموعة من الخصائص و الصفات داخل مجموعة عرقية من الافراد ،فهي وراثة عامة يكتسب فيها الشخص صفات الجماعة العرقية التي ينتمي اليها ،ولقد شهد التاريخ الإنساني دعوات لسيادة سلالة او جنس على اخر ،مما نتج عنه حروب عالمية أكلت الاخضر واليابس وراح ضحيتها ملايين البشر .
ج.الإرهاب والجوانب السيكولوجية
تلعب الجوانب النفسية وما يعتريها من متغيرات دوراً هاماً في هذا الخصوص ولا سيما عندما تتعرض تلك الجوانب لبعض الاضطرابات التي تأخذ صورة امراض او تقلبات نفسية حادة ،هذه الاضطرابات النفسية قد تعود الى اسباب وعوامل وراثية،كما تعود الى ضغوط عصبية مفاجئة نتيجةً لمواقف معينة يتعرض لها الفرد ،ومثل هذه الجوانب النفسية قد تكون الدافع الحقيقي للجوء العديد من الافراد الى الانشطة الارهابية .
الا ان التحليل الصحيح لتأثير الجانب السيكولوجي او التكوين النفسي في الارهاب ،يجب ان يتناول العناصر الرئيسية لهذا التكوين والتي قد تدفع بدورها –وبشكل مؤثر -الى الارهاب.
فالتكوين العضوي للفرد يشمل جانبين :الجانب الاول هو الجانب الظاهري او الخارجي ،والذي يمثل الملامح الخارجية لجسم الانسان ،وقد حاول البعض ايجاد علاقة بين هذه الملامح وارتكاب الجرائم ،ولكن هذه النظريات لم تصل الى نتائج ذات أهمية في هذا الاطار ،والجانب الثاني هو التكوين الداخلي ،ومن اهم عناصره التكوين النفسي للفرد ،وقد تمكن علماء التحليل النفسي من الربط بين مظاهر الخلل النفسي وبين الاندفاع نحو طريق الاجرام ،ولوحظ ان اهم العقد النفسية عند المجرمين هما عقدتا الشعور بالظلم والشعور بالنقص ،فالى أي مدى تدفع هاتان العقدتان إلى الإرهاب ؟
(1) عقدة الشعور بالظلم :
تأكد دور الشعور بالظلم واليأس والاحباط الذي يحمل بعض الناس على التضحية بأنفسهم او بأرواح بشرية اخرى لإحداث تغييرات جذرية ، في الدراسة التي اعدتها الامم المتحدة عن الارهاب في عام 1979،من خلال اللجنة الخاصة التي شكلتها لدراسة هذه الظاهرة وما تفرع عنها من ثلاث لجان فرعية ،تبحث الاولى في تعريفه ،والثانية في اسبابه ،والثالثه في طرق مكافحته ،فقد اعدت الامانة العامة دراسة بعنوان “الاسباب الكامنة وراء اشكال الارهاب واعمال العنف التي تنشأ عن البؤس وخيبة الامل والشعور بالظلم واليأس والتي تحمل بعض الناس على التضحية بأرواح بشرية. بما فيها ارواحهم محاولين بذلك “إحداث تغييرات جذرية”، فهذه العقدة تعني الاحساس بالظلم من جانب المجتمع ،والجريمة في هذه الحالة ستكون هي الرد الطبيعي على هذا الظلم ،وبذلك لا يتوانى الشخص عن الاقدام على الجريمة تحت تأثير ردع القواعد الاجتماعية او القانونية حتى العقابية منها ،فهل يمكن تفسير الارهاب على انه نوع من انواع السخط على المجتمع نتيجةً للظلم الواقع على الارهابي؟الواقع ان الارهابي يتذرع دائماً بأن الارهاب هو الوسيلة الوحيدة والاخيرة المتاحة للرد على المظالم التي يتعرض لها ولا يجد منها فكاكا سوى الخروج على قواعد التنظيم الاجتماعي، والرد بعنف على المجتمع الذي لم يمنحه سبل العيش او الحرية المنشودة او غيرها،وهذا المجتمع لا فرق فيه بين رجل السلطة والرجل العادي،فالكل مدان ،والجميع مسؤول عن هذا الظلم الواقع عليه ،ومن ثم فالمجتمع يستحق العقاب ،فالشباب الذي يعيش في مجتمع مختل القيم يعاني فراغا ًروحياً، وتمزقاً فكرياً،وقلقاً اجتماعياً على مستقبله ،مما يؤدي الى الاحباط وفقد الامل ويولد الشعور بالعداوة والكراهية والرغبة في الانتقام ،وهذا الشباب بميله الى الاستقلال الذاتي والثقة بالنفس والاعتماد عليها ،وعدم استطاعته تحقيق ذلك في ظل مجتمع تتزايد فيه الفوارق الاجتماعية ويتسم بعدم العدالة، وعدم تكافؤ الفرص ، مما يدفعه للاحساس بالظلم والمهانة ،فيتحرك لرد هذا الظلم الواقع عليه او على غيره ،في صورة عنيفة ، لعل اهمال هذا الدافع ينتج عنه قصور في وسائل مكافحة الارهاب ،حيث لن يتم التعرف على هذا الدافع الحقيقي للارهاب .
(2) عقدة الشعور بالنقص :
الشعور بالنقص قد يشمل جانبا ماديا،وقد يشمل جانباً معنوياً،ويتمثل الجانب المادي في الشعور بالنقص جسمانياً كمن يصاب بعاهة دائمة تجعله عاجزا عن القيام باعماله ، مما يؤدي الى الاستهانة به في الوسط الاجتماعي ، وقد يكون الشعور بالنقص اجتماعيا أي عجز الفرد عن تحقيق ما سعى اليه ” ومنها قصور بعض الامكانيات المادية عن تلبية بعض متطلبات الافراد وحاجياتهم ” ، وفي الحالتين يحاول الفرد تعويض هذا النقص عن طريق ارتكاب بعض الجرائم خاصة جرائم العنف التي يحقق من ورائها الشهرة والظهور.
رابعا . الارهاب والمرض العقلي :
قد يظهر للخلل العقلي – في بعض الأحيان – دور في تقديم تفسير بعض صور الارهاب مثل جرائم الاغتيال السياسي وجرائم خطف الطائرات التي يثبت فيها ان القائم بالفعل – رجل او امراة – مختل عقليا . ومع ذلك فدور الخلل العقلي في مجال الارهاب يظل محدودا ولا يصلح الا لتفسير بعض الحوادث الفردية . ولكن الفرد قد يدعي الجنون بعد ارتكاب الجريمة للهروب من المسؤولية الجنائية عنها ، كما ان العمليات الارهابية وما تنطوي عليه من تنظيم دقيق في تنفيذها ، تجعل من النادر الاقدام عليها من جانب شخص يعاني خللا عقليا ، واذا وقع حادث اغتيال لاحد الشخصيات العامة من مجنون ، فان هذا الحـادث لا يدخل في نطاق عمليات الارهاب .
ثانيا : دوافع مادية ” الارهاب والجوانب المادية
تمثل الجوانب المادية نسبة لا باس بها من الدوافع الكامنة وراء لجوء بعض الافراد الى الانشطة الارهابية فحين يثور التعارض بين الحاجة واشباعها ، وحين تقصر الامكانيات المادية المتاحة عن تلبية متطلبات بعض الافراد وحاجياتهم ، وحين توفر المنظمات الارهابية الفرص الملائمة لهؤلاء الاشخاص في اشباع الحاجات العديدة المثارة لديهم يتجه ذوي النفوس الضعيفة الى ممارسة الانشطة الارهابية من خلال منظمات الاجرام الارهابي .
ولنا في تأثير الجوانب المادية حديث اوسع نتطرق اليه عند الحديث عن دوافع الارهاب على المستوى الوطني.
لا يخفى دور وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في الجريمة ، حيث ان طريقة نشر انباء الجرائم وتفصيلاتها ، وعرض افلام العنف والجريمة ، واظهار المجرم في معظم الاحيان بدور البطل والتركيز على الجانب الانساني فيه ، وتضخيم المؤثرات النفسية المرتبطة بالحوادث الارهابية ، والعرض الهزلي للمحاكمات القضائية للمجرمين ، لا شك ان كل ذلك يهيء الظروف لارتكاب الجرائم واذكاء نار العنف والارهاب ، وتحفز وتشجع الافراد ذوي النفوس الضعيفة والضمائر الميتة على القيام باعمال مشابهة للاعمال التي تتم في بلدان اخرى عبر الانخراط في مجموعات ارهابية ، وبذلك فان الاعلام يلعب دورا في الارهاب باعتباره دافعا ومحركا له ، نظرا لما تتركه هذه الوسائل من تقليل لاثر الردع العام في النفوس – التي هي بالاصل مليئة بالاحباط واليأس ، فتستسهل الجريمة وترى ان ذلك امرا اعتياديا ، فتكون الاستهانة بالقانون والعقوبات التي يتضمنها ،.. الا ان دور الاعلام في الارهاب لا يقتصر فقط باعتباره دافعا ومحركا له ، بل يلعب الاعلام دور اخر لا يقل اهمية عن دوره الاول يتمثل بوصفه وسيلة يستهدف الارهابي نشر قضيته من خلالها .
وقد اشار الامين العام السابق للامم المتحدة بطرس غالي الى اهمية وسائل الاعلام ، لكونها تشكل احد الدوافع المهمة لفعل الارهاب ، ولا سيما انها تمنح الارهابيين الدعاية التي يسعون إليها .
ثالثا: اثر البيئة المحيطة بالفرد
ان عدم التطرق الى اثر البيئة المحيطة بالفرد على الظاهرة يجعل من دراسة الاسباب والدوافع للظاهرة مبتورة ، نظرا لما لهذا الجانب من اهمية في صياغة شخصية الانسان ، وما نقصده بأثر البيئة هو البحث في دوافع الارهاب الخارجية على المستوى الشخصي ، أي تقصي حقيقة العوامل المحيطة بالفرد والتي قد تدفعه – هو بالذات – دون غيره من افراد المجتمع الى ممارسة الارهاب .
واذا كان الفرد يعيش في ظل مجتمع معين فهذا المجتمع – بالنسبة له – يتدرج وفقا للمراحل العلمية له، فالأسرة هي المجتمع الاول للشخص ، ثم المدرسة او الجامعة ، ثم بيئة العمل – ان وجد – او الفراغ ، وكل هذه البيئات تؤثر في تكوين الفرد وصقله كانسان يحترم قواعد السلوك الاجتماعي ، او انسان متمرد على هذه القواعد وكافر بها . وتاثير هذه العوامل يكون مباشرا على الشخص ، حيث قد تدفعه دفعا الى طريق الاجرام اذا نشا في بيئة تتسم بالعنف والاجرام ، وقد تكون – على العكس – هي السياج الذي يحميه من الانزلاق في مهاوي الجريمة.
وسوف نتناول دور كل من الاسرة والمدرسة او الجامعة باعتبارها عوامل خارجية يختلف تاثيرها من شخص لاخر ، ودورها في تهيئة المناخ الملائم للارهاب ، وذلك على النحو التالي :-
أ- دور الأسرة
الأسرة هي نواة المجتمع ولبنته الأولى التي يقوم عليها بنيان المجتمع والحياة الاجتماعية فإذا ما كانت تلك اللبنة سليمة كان البنيان قويا متماسكا اما اذا كانت ضعيفة كانت تعاني الجهل والتخلف وتعيش في تفكك فان ذلك يؤدي بالتاكيد الى نشأة اشخاص غير اسوياء من السهولة اغوائهم واستهوائهم ، ويتوفر في داخلهم الحقد على المجتمع ككل .
فالأسرة يمكن ان تجعل من الطفل مشروعا لمواطن صالح ، في حين انه اذا فقد داخلها مقومات التنشئة التربوية السليمة فانه يكون مهيأ” لارتكاب الجريمة .
ب- دور المؤسسة التعليمية
تبحث المنظمات الإرهابية عادة”عن أنصارها ومؤيدها بين صفوف الشباب المثقف والمتعلم ، وذلك في المدارس والجامعات ، حيث انها مكان مفتوح لتبادل الرأي والحوار وصقل الفكر بعد تكوينه ، الأمر الذي يفرض مزيدا من المسؤولية على المؤسسة التعليمية- في أي دولة – في الوقوف ضد حركات الاستقطاب للطلاب بها ، خاصة وان التيارات الفكرية والسياسية – من واقع التاريخ تنشا أولا – وتتنامى- بين صفوف الشباب ، خاصة في المدارس والجامعات والمعاهد التي تشكل أماكن تجمع الشباب فترات طويلة من العام .
المطلب الثاني :دوافع الإرهاب على المستوى الوطني
تتنوع دوافع الإرهاب ومثيراته على المستوى الوطني – أي على مستوى الدولة الواحدة – وتختلف هذه الدوافع باختلاف الظروف التاريخية والجغرافية والديموجرافية للمجتمع ، وهناك اهمية كبيرة لتقصي دوافع الإرهاب على المستوى الوطني نظرا لما ينتج عن عملياته من خسائر فادحة في الارواح والممتلكات ، بالاضافة الى ما تتكلفه عمليات مكافحته من مبالغ طائلة، الامر الذي يدعو الى تحديد الدوافع الكامنة والعوامل المساعدة على نمو الارهاب ايا كانت صوره واشكاله او نوعية ممارسيه ، وذلك لامكان التغلب عليها واصلاحها ، لان الوقاية خير من العلاج ، وهذا التحديد ليس بالامر الصعب ، فالدوافع يمكن تحديدها بدوافع مباشرة للارهاب على مستوى الدولة تظهر كنتيجة مباشرة لممارسة السلطة ، في حين هناك دوافع اخرى تكمن في السياسة العامة التي تنتهجها الدولة على مختلف الاصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا … الخ وعلى ذلك يمكن تقسيم دوافع الارهاب على مستوى الدولة الى قسمين ، الاول يشمل الدوافع الناشئة عن ممارسات الدولة بصورة مباشرة ، والثاني : يتناول الدوافع الكامنة في سياسات الدولة والتي تشجع على الارهاب بصورة غير مباشرة .
اولا: الدور المباشر للدولة في الارهاب على المستوى الوطني
قد تضطلع الدولة بدور مباشر في ميلاد بعض حركات ومنظمات العنف والارهاب. وتتعدد الاشكال التي يتخذها هذا الدور المباشر للدولة ، فقد تسهم في نشأة هذه المنظمات من خلال سياساتها القمعية والتعسفية ، وقد تخلق او تنشيء هذه الجماعات والمنظمات لممارسة سياسة منظمة وحملة مطردة من العنف ضد السكان ، وقد تنشأ انواع اخرى من الارهاب على مستوى الدول وبدعم مباشر منها ، ومن امثلة ذلك ما يلي
أ. ارهاب القمع والقهر ، وارهاب التمرد والخلاص
ان المبالغة في استخدام العنف من جانب الدولة – فيما يعرف بارهاب القمع او القهر – يعطي المبرر للافراد والجماعات – كدافع اساسي – لممارسة نوع من العنف المضاد في الامدين الطويل والمتوسط في صورة ارهاب التمرد والخلاص من هذا القهر
وقد ينتشر هذا النمط المولد للارهاب المضاد نتيجة لممارسات الدولة التعسفية في الانظمة الشمولية ، حيث خروج الحكام عن حدود الصلاحيات الدستورية المخولة لهم واستبدادهم وطغيانهم يعتبر امراً هيناً، وحيث لا تمتلك الغالبية من سكانها وسيلة سلمية لابداء ارائهم والدفاع عن مصالحهم ،كما انه يصاحب الانظمة الشمولية عادةً حالة من التبعية لأحد القوى الخارجية لحماية مصالحها،بالاضافة لبعض مظاهر القهروالظلم الاجتماعي والاقتصادي ،الامر الذي يعزز بعض الجماعات التي تسعى للتخلص من هذه التبعية او القضاء على مظاهر القهر من خلال ممارسة العنف ،فالارهاب قد يكون مضاداً لارهاب الحكومة ، بحيث يكون الاخير هو المحرك او الدافع له.
وقد اشير في مناسبات عديدة الى ارهاب الدولة بوصفه دافعاً الى ممارسة الارهاب من جانب الافراد ،كما ركزت عليه اللجنة الخاصة بالارهاب التابعة للامم المتحدة ،مشيرةً الى ان سياسات الترهيب التي تمارسها بعض الدول ضد شعوبها بأكملها والهجمات المسلحة على الدول ،هي من العوامل التي تسبب عنف الافراد ،وركزت على الاستعمار كاحدى صور هذه السياسات ،بوصفه سلوكاً غير مبرر اذا كان علنياً او مستتراً ،بالاضافة الى الانظمة السياسية القائمة على الدكتاتورية بجميع وجوهها ،خاصةً تلك التي تتخذ موقفاً عدائياً من جميع اشكال الحرية الفردية ،وعلى جميع مستوياتها ،مما يولد نوعاً من ردة الفعل العدائية لدى الجماهير تتخذ غالباً شكل الارهاب.
وقد لا يقف دور الدولة على الممارسات القمعية التي تتولد عنها اعمال الارهاب،بل انها قد تشجع بصورة مباشرة قيام بعض الجماعات الراديكالية بهدف القضاء على بعض التغييرات التي لا ترغب في ظهورها .
ب.الارهاب العنصري “العرقي” (دوافع عنصرية)
قد تمارس الدولة سياسة الفصل العنصري بهدف القضاء علىجنس معين ، فتشن حملة واسعة من الابادة الجماعية تتخذ من مختلف صنوف التعذيب ادوات لها ،بهدف القضاء على مجموعة معينة او جماعة عرقية تمثل ـ عادة ـ اقلية بين السكان ،الامر الذي يولد ارهاباً مقابلاً،فعندما لا تستطيع القومية المضطهدة من تحقيق مطالبها ـالتي تتمثل بازالة الفوارق والمساواة ـومن على الحفاظ على نفسها بالطرق السلمية وعبر الوسائل الديمقراطيةـ ان وجدت ـ فانها تنتقل الى اسلوب العنف والارهاب على امل ان تحصل على بعض المكاسب ، وليس ادل على ذلك من السياسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
ج .الارهاب الانفصالي”دوافع انفصالية ”
قد ينشأ الارهاب داخل الدولة من قبل بعض الجماعات العنصرية او العرقية التي ترغب في الانفصال عن الدولة الاصلية والاستقلال او جزء منها، فقد مثلت الدوافع الانفصالية ذات الطابع القومي نسبة كبيرة من دوافع الارهاب المعاصر فحيث توجد بعض الاقليات ذات الطابع القومي والتي تنادي بتحقيق وبلورة الشخصية المستقلة في اطار كيان سياسي مستقل عن الدولة الام التي تعيش في اطارها تلك الاقليات ،وحيث تتدعم تلك الاتجاهات الانفصالية بالمزيد من الوعي بضرورة الاستقلال وتحقيق الانفصال ، وحيث يزداد تعنت السلطات المركزية وصلفها وقمعها لتلك الاتجاهات الانفصالية تتدعم النزعات الرامية الى استخدام العنف و خاصة السبل الارهابية لتحقيق تلك الاهداف والتخلص من تلك الاوضاع السيئة التي تعيشها تلك المجموعات.
ثانيا :الدور غير المباشر للدوله في دغم الارهاب على المستوى الوطني.
ونقصد بهذا الدور تلك الدوافع الكامنة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية …والخ، مما تنتهجها الدولة ،لان هذه السياسات قد تؤدي في بعض الاحيان الى توفير المناخ الملائم لعمليات العنف والارهاب على مستوى الدولة ،..وسوف نتناول فيما يلي دور هذه العوامل على مستوى الدولة :-
أ.العوامل السياسية تتعدد العوامل السياسية التي تهيء المناخ للعمليات الارهابية او ممارسة الارهاب على مستوى الدولة ويمكن تلخيصها فيما يلي:-
(1) افتقاد الشباب للتربية السياسية السليمة ،وعزوفهم عن المشاركة السياسية الواعية نتيجةًً لعدم اقتناعهم بجدوى صوتهم في التغيير ،اضافةً الى افتقادهم الثقة في نتائج الانتخابات فشاعت مظا