تصاعد الاهتمام العالمي بتحصيل التعليم العالي عبر الإنترنت.. وسط تساؤلات عن التواصل الإنساني ومستقبل المباني الجامعية
هيرشي (بنسلفانيا): جوزيف بيرغر «نيويورك تايمز» – كانت قاعة الدرس الجامعية للمستقبل موجودة في غرفة طعام جانيت داك الواقعة على شارع «ايست تشوكليت أفنيو» في هذه المدينة. وفي هذه الغرفة ليست هناك سبورة أو منضدة أو حتى طلبة. تدرّس الدكتورة داك صفوفها في جامعة ولاية بنسلفانيا عن طريق الجلوس عدة ساعات كل يوم، وهي ترتدي سروال جينز وخفين في غرفة طعام بيتها، برنامج الماجستير في مجال إدارة الأعمال.
وفي هذا المناخ البيتي، تنقر داك على كومبيوترها الحضني وترسل محتويات الدرس، وتقرأ الأسئلة للدورتين الخاصتين بـ«مصادر الإدارة البشرية» التي تغطي مواضيع مثل تقييم الأداء والتشغيل. ويسمح البرنامج التوجيهي الذي تستخدمه لطلابها البالغ عددهم 54 أن يرتبطوا به من أي مكان يكونون فيها وفي أي وقت يشاءون.
ويحاول هؤلاء الطلاب، الذين هم في الثلاثينات من أعمارهم ويشغلون مواقع إدارية، أن يعمقوا مهاراتهم وهم لا يستطيعون أن يكونوا معها في الجامعة وفي وقت محدد. كذلك لا تستطيع الدكتورة داك أن تكون هي الأخرى في الجامعة بشكل منتظم، وهذا بالدرجة الأولى بسبب أطفالها الثلاثة. مع ذلك، فهي مع الأساتذة الآخرين يساعدون الطلاب على إكمال الماجستير في إدارة الأعمال بتكاليف تصل إلى 52 ألف دولار من دون أن يدخل أيٌّ من الطرفين إلى أي قاعة درس.
مرحبا بالعالم الشجاع الذي ما زال في أول براعمه عبر الانترنت. إنه عالم سيكون علينا أن نتعامل معه سواء أحببنا أم لا. وعند النظر المباشر إلى التعليم نجد أنه مثير للدهشة. ويتذكر كاتب هذا التقرير دورة دخل فيها في الجامعة وكان استاذها يدرّس أشعار روبرت فروست، ومن خلال قراءته كان من الممكن تلمّس حافة التهديد التي ينقلها الشاعر باعتبارها شكلا من الاحترام لجمال الطبيعة المشؤوم. وتلك الأبيات ما كانت تمتلك ذلك الثراء لو أنها قرأت عبر الانترنت وما كان ممكنا تقييمها بالدرجة نفسها بوجود الاستاذ حياً في الصف.
لكن مخاوف من هذا النوع ستكون في غير محلها. فتلك الجامعات التي تشعر بالذعر من التدريس عبر الانترنت ظلت ملتزمة بالأسلوب القديم إلا في حالة أن يكون الطلبة يعيشون في الخارج أو هم من المتهربين من الواجبات الذين لا يتمكنون من حضور دروس الثامنة صباحا. مع ذلك بدأت بعض الجامعات بالاهتمام بهذه الظاهرة مثل جامعة كولومبيا التي ظلت منذ عدة سنوات تعرض دورات لدراسة الماجستير في حقول الهندسة.
مع ذلك، فإن الارتفاع في استخدام الانترنت بين الكليات في طور التزايد، فهناك، دراسات البزنس والتعليم أصبحت متوفرة على الانترنت في جامعات مثل جامعة فوينكس وجامعة ولاية بين والينوي اللتين تجدان ضرورة إشراك الطلبة المقيمين بعيدا عن مراكزها. ومن المتوقع زيادة العدد لأن الكونغرس أسقط السنة الماضية الشرط الذي يفرض على الكليات حضور الطلاب نصف ساعات الدروس داخل الصفوف من أجل التأهل لطلب المساعدة الفيدرالية المالية.
أي نوع من المواضيع الدراسية يمكن نقلها عبر الانترنت، وأي منها يضيع معناه في الطريق؟ وأي أساتذة وطلاب يعملون بأفضل شكل من خلال قاعة درس افتراضية؟ وماذا يحدث لكل تلك الأقسام الداخلية والمباني الجامعية؟ وكيف يمكن حساب تكاليف التدريس؟
يتساءل بارماك ناسيريان من اتحاد الإداريين للجامعات ماذا سيحدث للمباني الجامعية حينما يصبح التعليم بشكل واسع عبر الانترنت؟ وماذا سيؤثر على التواصل الانساني الذي نحن بحاجة إليه حينما يتحول الكل إلى التعلم عبر الانترنت؟
أما اندرو دلبانكو، استاذ العلوم الانسانية في جامعة كولومبيا، فقال إنه من المستحيل جعل حلقاتها الدراسية حول الحرب أو الثقافة على الانترنت. وأضاف: «الطاقة المتأتية من التفاعل المباشر الناجم عن النقاش ما بين الأفراد الموجودين مع بعضهم بعضا في غرفة صغيرة، وهذا لا يمكن استنساخه عبر حوارات انترنتية».
وجاء تصريحه ولا عجب عبر رسالة الكترونية. وسواء كان ذلك أمرا حسنا أم سيئا، فالحقيقة هي أننا نعيش في عالم مستعجل، والكثير من الناس يقضون جزءاً مهماً من حياتهم، وهم يتنقلون في الطائرات، حيث يجبر المهنيون لتحسين خبراتهم وحيث يتبادل الاصدقاء الحديث من خلال شاشة الرسائل الالكترونية بدلا من اللقاء وجهاً لوجه.
أما بالنسبة لأولئك الذين لا يأخذون الدورات الدراسية المنقولة عبر الانترنت بشكل جدِّي، تقول الدكتورة داك وطلبتها وغيرهم من المركز الجامعي العالمي لولاية بين، إنهم بحاجة إلى ساعات أكثر من العمل والمناقشات غير محددة بالساعة المكرس لها داخل قاعة الصف، لكنهم مع ذلك يعترفون بأنهم يفتقدون القدرة على قراءة التعابير على الوجه ولغة الجسد التي تؤكد أن هذه النقطة أو تلك قد فهمت حقاً.
وقد لا تكون كل المواضيع مناسبة لتدريسها عبر الانترنت مثل مواضيع علم المكتبات أو المسرح، لكنه يكون في هذه الحالة مفيدا للحصول على الكثير من المعلومات المتعلقة بهما. مع ذلك فإنه حتى في تلك المجالات يشعر الكثير من الأساتذة بأنهم ضائعون على الانترنت.
والدكتورة داك، استاذة جامعية محترمة، سبق لها أن عملت بطريقة تقليدية لمدة 9 سنوات ثم عملت 5 سنوات عبر الانترنت، وقالت: «أنا لن أذهب إلى قاعات الدرس حتى لو ضاعفوا راتبي». وترى أن عملها هو على خط التعليم الأمامي للاقتصاد العالمي. لكن أطفالها يتسببون في إشكال لها داخل غرفة الطعام حينما يقفون بجانبها أثناء تدريسها، وهي لا تمنعهم من الحديث. وقالت الدكتورة داك: «إنه أمر حسن بالنسبة لهم أن يروا ذلك أثناء التطبيق. إنه سيكون عالمهم».