مناقشة اطروحة دكتوراه الطالب حسن إبراهيم حسن المحمداوي
حضر المناقشة في مقر الأكاديمية او من الذين شاركوا الاستماع للمناقشة من خلال البالتوك جمع من المهتمين بالدراسات العليا من العراقيين المقيمين ومن اساتذة وطلاب الأكاديمية. وقد نقلت شبكة الأعلام العراقي وقائع المناقشة ونشرت الخبر كما مبين في الرابط التالي:
برعاية القائم بالأعمال السفارة العراقية في الدانمارك الأستاذ فارس شاكر القصير
كلمة سعادة القائم بأعمال السفارة العراقية في الدنمارك
الجاليات العراقية ودورها بين اشباح النظام البائد واطياف العراق الجديد
فارس شاكر فتوحي
ربما يكون من المناسب استهلال موضوع المحاضرة هذه بالقاء بعض الضوء على فداحة ما خلّفه النظام السابق من تركة تعترض بقوة، منذ نيسان 2003، طريق بناء العراق الجديد، عراق حر ديمقراطي تعددي فيدرالي يسوده العدل وحكم القانون- وهذا ليس بشيء جديد- في خطوة تمهيدية من قبلي للوصول الى صورة علاقة مستحسنة، ولا أقول مثلى، بين أبناء وطننا العزيز في المهجر او المنفى او الخارج (فالقصد واحد وان اختلفت المسميات) والعراق الجديد كدولة ومؤسسات واجيال من ابناء شعبنا الصابر، تقوم على جسور متينة من التواصل والتفاعل والتآزر والتعاون المشترك…الخ.
اساتذني…اخواتي واخواني الاعزاء
ان الاستبداد بكل صيغه، لا سيما بصيغة الرئيس السابق والنظام الذي قاده لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان يخلق، لكي يطيل أمد البقاء في السلطة، كل الشروط السياسية والاجتماعية والايديولوجية والثقافية في المجتمع ومؤسساته وفي الدولة ومؤسساتها.. الشروط التي تعطيه شرعيته وتصبح ازالته- بحكم هذه الشروط- مهمة شاقة بل ومستحيلة في حالة نظام كنظام صدام حسين. وكان من أبرز هذه الشروط تسخير حزب البعث وايديولوجيته لاستدامة بقاء النظام، وخلق قاعدة اسناد له غير قابلة للاختراق او التقوض تتمثل في اجهزة الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية والشرطة، علاوة على القواعد الحزبية…يضاف الى ذلك تمادي أهل النظام في الاعتماد على طائفة على حساب الطوائف الأخرى والتركيز على القومية الاكبر (العربية) بالضد من الاقليات القومية (وخاصة الكردية). وكان من أبشع مظاهر تعسف- أو شروط ادامة النظام كما اسميتها سلفا- التهجير القسري للسكان ومحو او احراق مناطق سكنية بالكامل وتغيير ديموغرافية مناطق اخرى واستخدام اسلحة التدمير الشامل في اطار ابادة جماعية ضد ابناء شعبه، هذا بالاضافة الى الاغتيالات والاعدامات لمعارضيه وأمور اخرى لا مجال للتطرق اليها ( حتى الهجرة الواسعة من البلاد من النوع الذي يقع ضمن ما يسمى بالهجرة الاقتصادية او للبحث عن العمل او الرزق الافضل استطيع ان اعدها تهجيرا فانك مهجرعندما تكون من مواطني أغنى البلدان النفطية في العالم دون ان تشم في شوارعه رائحة النفط). ما أريد ان أصل اليه هو ان ازالة النظام من الداخل كان يقارب المستحيل، ان لم يكن مستحيلا، للأسباب التي اوردتها بايجاز، وان كل ما يحدث منذ سقوط النظام في 9-4-2003 وحتى الآن من مآسي وارهاب وقتل واحتراب داخلي، ديني او مذهبي، وانهيار للبنى الاساسية وتدهور اقتصادي وثقافي وتراجع اجتماعي هو الثمن الباهض جدا الذي يتحتم على العراق دفعه من اجل التغيير باتجاه الحرية والديمقراطية والتعددية. ان انتقال المجتمع من حالات الحرمان والظلم والاضطهاد الذي تسببه السلطة الى مجتمع ديمقراطي سترافقه حتما مصاعب سياسية وتحديات تكتنفها الهفوات والاخطاء وخاصة في مجتمع يتميز بتكوينه الطبقي وتنوع نسيجه الاجتماعي. لقد توقف عنف السلطة ليبدأ عنف أذناب السلطة من الصداميين والتكفيريين والحاقدين الذين رأوا في الديمقراطية الناشئة في العراق اعلان موت اما للأمل في العودة الى الحكم او في اقامة (الدولة الاسلامية) المرسومة في مخيلة راسميها وحسب. واني من الذين يرون ان ثقافة الموت، التي باتت، للأسف الشديد، تخيّم على رؤوس ابناء وطننا وكأنها القدر المحتوم الذي لا مفر منه وهي ثقافة موروثة من النظام البائد ومن انظمة استبدادية واستعمارية سابقة عصفت بتاريخ العراق قد امتزجت بثقافة الانتحار التي صدرتها للعراقيين جماعات العنف والارهاب والتكفير التي تفضل، لفرط بؤسها ويأسها، قيم الموت على الحياة فتُلبس الانتحار، زورا وبهتانا، لباس الجهاد. فتصوروا مدى صعوبة بناء عراق جديد على الاسس والمعايير العصرية الآنفة الذكر.
ان اربع سنوات بعد سقوط ذلك النظام ليست بمدة طويلة في ضوء التجارب السابقة للدول التي اختارت ركوب موجة التغيير نحو الديمقراطية. وان الشعب العراقي قد اختار هذا الطريق الذي ما ان خطا اولى خطواته حتى ادرك ان الرجوع عنه أمر غير ممكن على الاطلاق، وان سياسات وممارسات النظام السابق، ومهما تباكى عليها ودافع عنها وأناب عنه للقتال في سبيل احيائها من مناصرين له في الداخل وفي الخارج لن تثنيه عن ارادة التغيير.
اساتذتي..اخواني واخواتي الافاضل
لقد أردت بهذه المقدمة المبسطة أن أوصل- عليّ أفلح- لكل ابناء الجاليات العراقية حيثما كانوا وأقاموا، بكل ثقافاتهم وانتماءاتهم واديانهم ومذاهبهم وقومياتهم، القناعة بان هذا هو قدر بلدكم العزيز وكما هو ولاؤكم وحبكم له ظلّ، رغم السنين العجاف وقسوة الغربة ووطأة الظروف، في الداخل والخارج، راسخا ضاربا اطنابه في الارض فلتكن كذلك جهودكم واسهاماتكم في خدمة العراق الجديد..في اعادة بناء مؤسساته واعادة اعماره في كل مناحي الحياة، ولتكن جسور التواصل مع وطنكم وابناء شعبكم في داخله دائمة متينة الأسس. فقد ولّى النظام السابق دون رجعة وكما ذكرت سلفا، ان العراق اختار الحرية والديمقراطية طريقا لا حياد عنه رغم التضحيات والجراح والآلام والخسائر وحالات الانهيار.
لا أقول هذا لأني أشكك في امكانات وفاعلية أبناء العراق الغيارى في المهجر..ولكن خشية تبني بعضهم مواقف سلبية ازاء محنة بلدهم الحالية ودعم القضية الوطنية الاكبر، الا وهي بناء العراق الحر الديمقراطي الجديد.. وهذا ما لمسته لدى البعض هنا في الدنمارك وعرفته عن آخرين مقيمين في بلدان اوربية اخرى. هذه الخشية تكمن في الاعتقاد بأن شعبهم المسكين كان تحت مطرقة الدكتاتورية واليوم هو تحت مطرقة الارهابيين مصاصي الدماء.. وهم بالاضافة الى حالة العجز واليأس والتخبط التي خلّفتها سنوات ارهاب الدولة في عهد النظام السابق، يشهدون بذهول وارتباك افرازات (الطائفية ونظام المحاصصة) الذي ضاعت على اثره- كما يعتقدون- آمالهم وسني نضالهم وصبرهم الطويلة، في داخل الوطن او في خارجه، او في كليهما، وهناك بعض الفئات المستقلة التي تفسر استقلاليتها بعدم انتمائها الى اي حزب او تكتل سياسي مؤئر على الساحة السياسية في داخل العراق فتتقوقع على نفسها وتنأى بنفسها عن اية مسؤولية تجاه قضية بلدها بعيدا عن خيمة الوطن المشتركة واخذت بعض المنظمات تنغلق على ذاتها ولم تترك للهم الوطني الا هامشا ضئيلا.. او ان نظام المحاصصات الجديد قد عقد صلحاً بين البعثيين القدامى والوجوه الجديدة ويأتي بالسفارات العراقية ما بعد سقوط النظام مثالا على ذلك. واستذكر، في هذا السياق ما قاله أحد الأصدقاء الإعلاميين هنا في كوبنهاغن على إحدى موائد الإفطار في شهر رمضان المبارك، إذ قال “ألم يكن بإمكاننا- ويقصد الأحزاب والتنظيمات العراقية المعارضة للنظام السابق وخاصة الموجودة في المنفى منها- أن نستقدم قوات أجنبية للإطاحة بالنظام الدكتاتوري، فهل هذا ثمن صبرنا وكفاحنا الطويلين وتشردنا عن ارض الوطن”.
أعتقد إنني أجبت بإيجاز على هذه الشواغل او الهموم المشروعة ضمنياً في فقرات سابقة من هذه الكلمة، وأود ان أضيف انه لو كان أبناء شعبنا الغيارى قد اختاروا في أول تجربة انتخابات ديمقراطية لهم في تاريخ بلدهم ممثليهم على أساس الانتماء الطائفي او الحزبي، وهم الذين لم يذوقوا سوى طعم الموت والعنف والاضطهاد والحرمان والتهميش وتغييب الهوية والخراب، فانهم في التجارب الانتخابية القادمة لن يفعلوا كذلك اذ سيكونون مدركين ومستوعبين لهذه الممارسة الديمقراطية الرئيسة ولمن هو اجدر بتمثيلهم في الحكومة او البرلمان. وكما ذكرت سلفا، فأن الديمقراطية لا تلد في ظرف سنة او بضعة سنوات.
اني عندما اتحدث الآن في الاكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك المرموقة بأساتذتها الجامعيين وكفاءاتها وطرق تدريسها الحديثة وتقنياتها المتطورة وحسن ادارتها، أفكر في مدى ما تستطيع تقديمه للعراق الجديد وللعراقيين في الداخل والخارج من خبرات ومعارف، فان مثل هذه المشاريع الكبيرة هي ما نحتاجه في الوقت الحاضر لنخدم ونبني بلدنا الذي انهكته الحروب وممارسات النظام السابق التعسفية وافرازاتها والعقوبات الأممية وما الى ذلك. ومن هذا المكان أوجه دعوتي لجميع ابناء جالياتنا في الخارج لأن يعودوا، بعد تحسن الاوضاع الامنية- وهذا ما يجري على ارض الواقع حاليا، ليسهموا في تطوير وتحسين حال بلدهم وابنائهم، او من مواقعهم في الخارج، ان اختاروا البقاء، وباعتباري الشخص الأول في سفارة جمهرية العراق في كوبنهاغن حاليا، يمكنني ان اتصور مدى الاستفادة من الخبرات والطاقات المتوفرة لدى مؤسسات وتنظيمات ومراكز جالياتنا العراقية، التي تضم دون ادنى شك، مفكرين واساتذة جامعيين وأدباء وفنانين وسياسيين لامعين، وخاصة من حيث استغلال التطور التكنلوجي المتاح لديها، مثلا، في تسهيل مهام السفارة وتجاوز النقص الموجود في كادرها الوظيفي. فاتني ان اذكر انه قبل هذا ينبغي الاشارة الى ان المواطن العراقي بعد كل ما عاناه وقاساه وشهده من ممارسات مسخ الشخصية العراقية هو بحاجة الى انقلاب على الذات..الى ثقافة جديدة..الى تغيير الذات.. بحاجة الى ثقافة التعايش والقبول بالرأي الآخر او المعاكس..الى التسليم بمبدأ الحوار كطريق لا بدّ منه للتصالح والتفاهم والتقدم.. وهذا ايضا يمكن ان يقع ضمن اسهامات المثقفين والمفكرين والساسيين من ابناء وطننا في المهجر، وخاصةً من المقيمين منهم في البلدان الاوربية وغير الاوربية التي تزدهر فيها الديمقراطية وتشكل فيها ركنا اساسيا من اركان انظمتها. ولا شك في ان كل جهد، صغيرا كان كبيرا، فرديا او جماعيا، قريبا او بعيدا، سيضع أساسا مفيدا في تشييد صرح العراق الجديد. اننا ننظر الى الجاليات العراقية بوصفها اللوبي المؤثر في دعم عراقنا الجديد واعادة بناء صرحه الحضاري. ثمة نقطة في غاية الاهمية تتمثل في تعاون المراكز والجمعيات والاندية العراقية بالخارج فيما بينها وتوحيد كلمتها من اجل العراق الجديد والاجيال المقبلة في العراق حتى لا يكونوا ضحايا انظمة دكتاتورية جديدة او ضحايا موجات هجرة مستمرة خارجة من العراق. ولعل من نافلة القول ان على الدولة ومؤسساتها ان تقوم بواجباتها تجاه العراقيين في المهجر لكي لا يبقوا بعيدين عن المعادلة الوطنية ورسم مستقبل العراق الجديد. فعلى سفاراتنا، مثلا، وكما أكد السيد وزير الخارجية في مناسبات عديدة، ان تقوم بتسخير كل امكانياتها المادية والفنية والبشرية للأهتمام بأبناء الجالية العراقية واعتبار ذلك على رأس قائمة اهتماماتها وبما يرقى الى مستوى الطموح الرامي الى جعل كافة بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج بيوتاً لكل العراقيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية والمذهبية والقومية.
اتمنى ان اكون قد وفقت في نيل رضاكم عن الفكرة التي رغبت في ايصالها اليكم ولكل ابناء جاليتنا العريقة والعزيزة في الدانمارك بوجه خاص وفي عموم بلدان العالم بجه عام. والله وليّ التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للإطلاع على إطروحة الدكتوراه للطالب حسن المحمداوي , يرجى الضغط على هذا الرابط