الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك تحظى بالاعتراف الدولي: تجربة عربية رائدة لاحتضان الكفاءات المهاجرة
تُعَد الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، من التجارب العربية المتميزة في مجال التعليم الالكتروني، وقد استطاعت خلال مسيرة ثلاثة أعوام من العطاء الأكاديمي والعلمي، الحصول على تقدير الأوساط العلمية والأكاديمية العالمية والعربية، باعتبارها تمثل مبادرة جادة لاحتضان العقول المبدعة والكفاءات العربية المهاجرة، ويأتي تقدير المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة(اليونسكو)، واعترافها بدور هذه المؤسسة الأكاديمية العربية الرائدة في تطوير التعليم العالي في البلدان النامية بعامة، والعراق بخاصة، ليؤكد نجاح هذه التجربة،ويعزز الأمل بتطورها في المستقبل، فقد تقدمت منظمة اليونسكو بالشكر للأكاديمية لدورها الفاعل في عملية أثراء وتحديث آليات عمل التعليم العالي في البلدان العربية، على وفق أحدث منجزات العلم والتطور، جاء ذلك في رسالة تلقتها رئاسة الأكاديمية من مدير مجلس التعليم العالي التابع لليونسكو الأستاذ جورج حداد، شكر فيها الأكاديمية، ممثلة برئيسها الأستاذ الدكتور وليد ناجي الحيالي لمساهمته الفاعلة في الطاولة المستديرة لوزراء التعليم والتكنلوجيا تحت عنوان(اليونسكو ودورها في عملية البناء والتطور) المنعقدة في 26-27 أكتوبر(تشرين الأول) عام 2007 في باريس خلال الدورة 34 للمؤتمر العام لليونسكو، والتي قدم فيها رئيس الأكاديمية كلمة عن هجرة الكفاءات الأكاديمية العربية وتطوير التعليم العالي في البلدان النامية(الأكاديمية أنموذجاً).
وفي هذه الرسالة وجهت اليونسكو الدعوة للأكاديمية للمساهمة في المؤتمرات التي ستعقد قريباً في كل من الأردن وقطر، عبر التنسيق مع المكاتب الإقليمية للمنظمة الدولية في لبنان والأردن.
إن التعاون والتنسيق بين هذه المؤسسة الأكاديمية العربية ومنظمة اليونسكو، فضلاً عن مشاركتها في العديد من النشاطات واللقاءات والمؤتمرات والندوات العلمية، العربية والعالمية، يأتي في ظل تزايد الاعتراف الدولي بدور التعليم الالكتروني في نشر المعرفة وتسهيل التحصيل العلمي، من خلال استخدام تقنيات المعلومات الحديثة، وبالأخص شبكة الإنترنيت، وقد جاء تأسيس الأكاديمية المفتوحة في الدنمارك، وسط ظروف صعبة، وبجهود حثيثة لمجموعة من العقول العربية المهاجرة، اتخذت زمام المبادرة، وتحملت المسؤولية، وأدت الأمانة العلمية، في سبيل احتضان الطاقات الشابة والكفاءات الواعدة، وتوفير الفرصة أمام مئات الطلبة العرب،لمواصلة التحصيل العلمي، في سياق مشروع حضاري يعتمد على الاستثمار في بناء الإنسان من أجل تنمية الأوطان ونهضتها.
ولا شك أن من واجبات إدارة هذه المؤسسة والأساتذة المشاركين فيها والطلبة المنتظمين في كلياتها وأقسامها العلمية نشر الوعي بأهمية هذا النوع من التعليم، وكسب ثقة الأوساط العلمية كافة، بفاعلية التعليم الالكتروني، الذي يتناغم مع معطيات العصر ويستفيد من أدوات الحضارة الإنسانية، وذلك من خلال الحرص على تحقيق التفوق والإنجاز العلمي، الذي لا يقتصر على الحصول على الشهادة العلمية، فحسب، بل بناء الشخصية العلمية القادرة على التفاعل مع متطلبات العصر وظروفه، ومن ثم المشاركة في عملية التنمية وتحقيق النهوض الحضاري الشامل.
وأستطيع القول، من خلال مواكبتي لهذه التجربة الجديدة في التعليم الالكتروني، أو كما كان يسمى(التعليم عن بعد) أنها فتحت أبواب العصر الالكتروني الرقمي أمام الكثير من الأساتذة والطلبة الذين دفعتهم الرغبة في التعليم والتعلم،إلى خوض هذه( المغامرة) وسط أجواء التشكيك ومحاولة التعطيل من قبل بعض الأشخاص الذين لم يستوعبوا أبعاد هذا المشروع الريادي، واعتمدوا المقاييس التقليدية في النظر إلى أهدافه وأدواته ونتائجه المتوقعة، بيد أن تلك المحاولات اصطدمت بقوة الإرادة والإصرار على مواصل المشوار، من جانب العقول المنفتحة والكفاءات المجربة،فأصبحت الأكاديمية اليوم منارة علمية عربية شامخة، في بلاد المهجر.
لم يكن الكثير من الأساتذة والطلبة، في بداية انضمامهم للأكاديمية المفتوحة، يعرفون الكثير عن التعليم الالكتروني، ولا يمتلكون سوى خبرات متواضعة في استخدام الكومبيوتر وشبكة الإنترنيت، وقد شرعت إدارة الأكاديمية، كخطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، في تفعيل موقعها الالكتروني، على شبكة الانترنيت،لكي يساعد على التفاعل والحوار والتواصل الالكتروني بين أطراف العملية التعليمية، التي تشمل(الإدارة التعليمية) و(الهيئة التدريسية) و(الطلبة)، وقد كانت إجراءات الإدارة التعليمية، منذ البدء، تهدف إلى تحقيق المتابعة والإشراف والتسجيل، عن طريق شبكة الإنترنيت،حيث كسرت حاجز المسافة الجغرافية، فاستقطبت الأكاديمية مئات الطلبة العرب موزعين على جميع قارات العالم، أما في مجال التفاعل بين الأساتذة والطلبة، فقد تم اعتماد وسائل عديدة، من أهمها(الغرف التعليمية) باستخدام برنامج(بالتوك) فضلاً عن البريد الالكتروني والماسنجر، كما تم إرسال حقائب تعليمية، تضم كتباً منهجية،إلى الطلبة، ويجري الإعداد لتزويد الطلبة بأقراص مضغوطة CDتحتوي برامج تعليمية مرئية ومسموعة،وكتب الكترونية،وقد تم خلال الفصل الدراسي الحالي تعزيز موقع الأكاديمية بمكتبة صوتية،بالإضافة إلى المكتبة الورقية والمكتبة الإلكترونية، التي تضم أهم المصادر والكتب الدراسية.
ولعل من أهم منجزات هذه المؤسسة الأكاديمية، أنها أتاحت الفرصة أمام أساتذتها وطلبتها للقيام بالمبادرات الخلاقة، غير التقليدية، من خلال زرع روح التعاون والتواصل الإنساني، رغم المسافات البعيدة التي تفصل بين المنتمين إلى هذه المؤسسة، وتشجيع الإنجاز والتفوق والتميز العلمي، الذي برزت ثمراته بسرعة في تخريج عدد من طلبة الماجستير والدكتوراه، حيث تمت مناقشة اطروحاتهم،في مقر الأكاديمية في كوبنهاجن أو عبر غرف الأكاديمية الالكترونية، بمشاركة عدد من الأساتذة العرب البارزين في تخصصاتهم،وسيتم في العام المقبل تخريج أول دفعة من طلبة البكالوريوس في تخصصات اللغات والقانون والسياسة والإدارة والاقتصاد والإعلام والمسرح وعلم النفس، وقد استطاع أغلب الأساتذة تأليف عدد من الكتب المنجية والمساعدة، ونشر البحوث والتقارير العلمية، في مجلة الأكاديمية العلمية المحكّمة،إلى جانب المشاركة في الحوار التفاعلي المتواصل، مع الطلبة، الذي لا يخضع لحاجزي الزمان والمكان، ولا ينقطع بسبب المعوقات أو الظروف البيئية.
ورغم أن الأدوات التقنية، ومن ضمنها الإنترنيت، لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى الاتصال الشخصي المباشر، من حيث التفاعل الحي والطبيعي بين البشر، بيد أن لغة العلم، التي تستخدم بين أطراف العملية التعليمية، قد أثبتت فاعليتها في تبادل المعلومات وتطوير المهارات وتعزيز الخبرات البشرية، وذلك باستخدام الوسائل المطبوعة والمسموعة والمرئية، ثم جاءت الوسائط المتعددة(MULTIMEDIA) لتضيف مؤثرات قوية في عملية التواصل التعليمي.
إن قيمة هذا المشروع، وربما سر نجاحه، أن المشاركين فيه يراهنون على الكفاءات العربية المبدعة والنيات الصادقة والغايات النبيلة، فضلاً عن استخدام الأدوات التي توفرها التقنية الحديثة،في خلق بيئة تعليمية جديدة، أسرع توصيلاً، وأقل جهداً وتكلفة، وأكثر تأثيراً، في نقل وتبادل وتخزين واسترجاع ومعالجة المعلومات، ولسوف تظل التجربة منفتحة من أجل المزيد من التطور والتفاعل مع معطيات الحاضر وتحديات المستقبل.