عراقي.. تحدّى (جور الغربة) بتأسيس (أكاديمية عربية) في الدانمارك
كوبنهاغن: رعد اليوسف (المشرق) – فِي السبعينات لملم الوطن.. واودعه في قلبه، ليحيا معه اينما يحل ويذهب وحزم امتعته ليخترق الحدود ثم يجول في مدن لم يكن في يوم من الايام يدور في خلده، ان الاقدار ستحمله مُجبراً ليسكن فيها، ويعمل في مؤسساتها.. كانت الاشواط تسلمه الى اشواط من الاردن الى ليبيا والجزائر وموسكو محاولة انهاكه واجباره على التوقف، والحد من اندفاعه وطموحاته ورفع راية الاستسلام. وبعد معاناة وعناء استطاع وليد الحيالي الحائز على شهادة البكلوريوس في السبعينات ان يصبح دكتورا في عام 1986 وباختصاص المحاسبة والتحليل المالي مما اكسبه المزيد من المعرفة في ميدان التخصص.
ثم حلت به الرحلة في عام 2002 في الدانمارك وعن طريق الامم المتحدة بعد حادثة اغتيال ابنته في الاردن فماذا عساه ان يعمل؟
وقبل الدخول في معرض اجابات الدكتور، اجد من الضروري التمهيد بشيء من الكلام على واقع العمل في الغربة.. فأنْ تكون متميزا وناجحا في بلدك، ذلك جيد ومتاح، ولكن الاجود والاصعب عندما تتسلح بالارادة لتخترق الصفوف في الغربة مؤكدا ذاتك التواقة الى المعرفة والعلم والابداع. انك تعد بطلا وناجحا اذا ما تمكنت من ادارة سوبر ماركت او محل بسيط، اما ان تؤسس وتقود صرحاً علمياً أكاديمياً، تنافس به وتضاهي وتحتل مكانة مرموقة في بلاد انت فيها غريب فهذا ضرب من الخيال، اذا ما علمنا ان القوانين في بلد مثل الدانمارك تعد من القوانين التي يصعب اختراقها.
* ترى كيف اخترقها الدكتور وليد الحيالي؟
– يقول: علمت منذ الايام الاولى التي وطأت فيها قدمي ارض الدانمارك، اني مقبل على تجربة صعبة هي اقسى من كل التجارب التي خضتها في غربتي العربية اذ ان اللغة غريبة والقوانين صعبة والبيئة مختلفة وكل شيء علينا جديد. ونتيجة لاكتسابي المعرفة وبنائي لاسس الخبرة المتراكمة والتي ترشحت لدي عبر المسالك العلمية والتدرج بالوظائف من مدرس جامعي ثم استاذ مساعد ثم مشارك ثم استاذ قررت العمل على تهيئة وامتلاك الادوات ذات العلاقة بتنفيذ مشروع علمي في الدانمارك واولها اللغة الدانماركية.
* وهل ولد مشروعك العلمي؟
– نعم فبعد دراسات متعدد وفحوصات متواصلة للمجتمع العربي وتشخيص حاجات المغتربين العرب ظهرت لدي نتائج مشجعة دفعتني لتنفيذ هذا المشروع فكان انشاء الاكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك التي جاء تأسيسها تلبية لاحتياجات الكثير من الناطقين بالعربية الذين لديهم الرغبة في اكمال الدراسة الجامعية ممن يواجهون صعوبات في الانخراط في الجامعات الدانماركية ومن العوامل الاخرى التي شجعتني على اقامة هذا الصرح، اكتشافي وجود الكثير من الاكاديميين من حملة الشهادات العليا المرموقة بدون عمل وكادت شعلة كفاءاتهم العلمية، تنطفئ لعدم مواكبة ومجاراة التطور في البيئة الاكاديمية.
وخلال فترة قياسية بعد اعلاني عن النية والرغبة في التأسيس توافدت علينا طلبات التسجيل التي شكلت علامة مشجعة فبدأت رحلة العمل الاصعب للحصول على التراخيص وتأمين المستلزمات وظهرت لنا معاناة كبيرة استطعنا ان نذللها لاننا وضعنا نصب اعيننا هدفاً سامياً ونبيلاً.
عتب .. و محبة!
– يضيف الدكتور: اعتمدنا منذ البداية العمل الرصين والتدريس الحقيقي والمعايير والضوابط المشددة مما جعل الاكاديمية تتميز عن بقية الجامعات المماثلة التي تذهب وراء العوامل الربحية والجشع المادي، مما جعل شهادات الاكاديمية تحظى بالمعادلة الطبيعية في استراليا وكندا والمانيا وغيرها من البلدان النامية كافغانستان وتشاد وجمهورية مصر العربية، كما ان الافاق تشير الى ان ايران ماضية في طريق الاعتراف.. وباعتقادنا ان الاعتراف ستنتزعه الاكاديمية من الجميع وان كل الذي تحتاجه لتحقيق ذلك هو المزيد من الوقت لتتوضح الصورة لبقية الدول وللاسف الشديد منها العراق الذي نحمل له المحبة والصدق في الانتماء، اذ ان عتبنا على المسؤولين فيه كبير لعدم ابداء المساعدة لنا والعون مع ان هذا الصرح شئنا ام ابينا فهو بالاخير عراقي وانا سعيد انه مفخرة لكل العراقيين. ولا انسى عتبي على العرب ممثلين بالدول العربية الذين ظننا انهم سيفتحون ابواب التعاون والرعاية، فكان نصيبنا الجفاء واللامبالاة، مع اننا شيدنا جسرا علمياً بين العرب واوروبا. وانا في هذا المجال، ادعو السادة المسؤولين في العراق والدول العربية لتشكيل لجان علمية لفحص النتائج واساليب التدريس للوقوف على النجاحات المتميزة لدينا.
الروليت .. وإنتاج العلم!
* الغربة مثل ذئب يزداد عواؤه كلما ضغط عليه الجوع.. ومثل ريح شتائية لئيمة يتعالى صفيرها بين احياء خالية من الحياة.. الغربة فناء ودمار وموت.. فهل من سبيل لتغيير مرارة هذا الواقع الى شهد وجنائن وماء عذب؟
– يقول الدكتور بعد تأمل.. نعم.. ويضيف: لو نزيل الحجب، نبصر الحقائق.. والحقائق تؤكد ان الانسان اذا تسلح بارادة قوية فانه متفوق لا محال.. فالنفس البشرية السليمة تسند الى قدرات خارقة تجعل المستحيل مجرد كلمة لا معنى لها. وهذا ماتحقق في انجاز مشروع الاكاديمية كدليل واحد بين ادلة حياتية لا تعد ولا تحصى تحكي قصة العقل الجبار المقترن بالنفوس العظيمة والعقول المتميزة.
* ان العقول لا تكفي والنفوس الرصينة والارادات العظيمة، في إنجاز المشاريع المهمة.. فلابد من امتلاك العوامل المادية للإنفاق. ترى من أين جئت بالأموال.. دكتور؟
– يقول رئيس الاكاديمية.. تمكنت من تأمين بعض القروض العينية لتوفير تكنلوجيا التعليم ووسائل العمل، ولم نحصل حتى هذه اللحظة على اي دعم من اية جهة، مفضلين الاعتماد على الذات.
* وأي ذات هذه التي تتحمل ان نتكئ عليها مادياً؟
– تبسم الدكتور.. وقال: كنت امتلك حينها مبلغا من المال ادخرته وعائلتي للمحن في الغربة التي امتدت سنوات طويلة.. فحدثت نفسي ان استخدمه لانشاء الاكاديمية.. ومن غير ارتياب وضعته في خدمة المشروع لاحظى بشرف انتاج العلم والمعرفة.
* ألا خشيت الخسارة؟
– كلا اذ قلت في نفسي ان البعض يخسر امواله في لعبة الروليت.. دون فائدة.. اما انا فان خسرت فلن اشعر في الندم اذ محاولتي شريفة.. فبدأت دونما الشعور بالخوف.
البيئة المعرفية..
يؤكد الدكتور في عام 2005 تأسست الاكاديمية بطاقم تدريسي اصبح الان يتكون من 120 دكتورا واستاذا واستاذا مساعدا ومدرسا.. وتتكون من كليات متعددة هي الادارة والاقتصاد باقسامها.. كلية الاداب والتربية وكلية القانون والسياسة، والدبلوم العام لتأهيل الطلبة من اجل الحصول على شهادة البكالوريوس علما ان الدبلوم العام يعد شهادة معادلة للثانوية العامة. وتم استحداث قسمين جديدين الحقا بكلية الدراسات العليا هما قسم الصحة العامة وقسم فقه الاصول. وقد تخرج منها حتى الان الكثير من الطلبة بمختلف الاختصاصات والمستويات العلمية موزعين على البلدان في العالم والوطن العربي.
وتشتمل الاكاديمية على مكتبة علمية ووسائل تدريس حديثة من شأنها خدمة الطالب والارتقاء بمستواه العلمي. ويسعى القائمون على العمل في الاكاديمية الى ترسيخ منهج للبيئة المعرفية بعيدا عن المناهج التقليدية وضمن محاولات جادة للتوفيق بين الخبرة العربية والاجنبية.
مليون خريج سنوياً!
تبقى الاكاديمية في اطارها العام، من الصروح الحضارية المرموقة التي انجزتها وابدعت في انجازها عقول عراقية في غربة طاردتهم آفة الحسد والمضايقات على مستوى المتطفلين المرضى من عموم مجتمع الغربة، وعلى المستوى العربي الرسمي الاكثر مرضا.
الاكاديمية اجابة صريحة وواضحة على اسئلة الخيبة والاستكانة والخوف والفشل.. نتعلم من انطلاقتها، الاقدام والتوثب والثقة بالنفس وان كان الواحد منا غارقا في بحر الغربة.
اكبرنا للروح العالية للدكتور وليد وسجلنا الاعجاب الكبير بدوره في تأسيس الاكاديمية.. وقبل ان تتوقف هذه الدردشة معه.. اشار الى ان الدراسة المفتوحة اصبحت نظاما عالميا يحتذى به، ويكفي ان نشير الى صورة وواقع هذه الدراسة مستقبلا القول ان في امريكا يتخرج عبر نظام الدراسة المفتوحة مليون طالب سنويا يتمتعون بذات الحقوق التي يتمتع بها خريجو الدراسة في الكليات الرسمية.
وبمحبة وود توجه الدكتور الحيالي بتجديد الدعوة الى السيد وزير التعليم العالي في العراق، لاعادة النظر في تقييم شهادات الاكاديمية لانصاف الخريجين، ولا ضير من تشكيل لجنة وزارية ومن المتخصصين لزيارة الاكاديمية وفحص كل مراحل التدريس والاطلاع على الواقع عن قرب.. والابواب ستبقى مفتوحة لهم.