ماذا حققت الأكاديمية العربية في الدنمارك .. ؟
لم يكن شيء يشغلني بعد أنهائي دراسة الإعلام في كلية الآداب بجامعة بغداد سوى أمر واحد ، ذاك هو حصولي على فرصة أتمام دراستي العليا ، ولظروف السفر والعمل خارج العراق ، ثم حدوث الأحتلال الغاشم لوطني الحبيب من قبل القوات الأميركية والقوى المتحالفة معها عام 2003 ، بات الأمر بالنسبة إلي أشبه بحالة من تضاؤل الأمل فيما كنت أتمناه وأمني نفسي في تحقيقه بإحدى جامعات العراق ، حتى جاء العام 2005 م الذي مثّل بالنسبة لي مفترق طرق رئيسي في حياتي المهنية والشخصية لم يكن في حساباتي المتوقعة نهائيا ؛ ذاك هو أكتشافي موقعا ألكتروني كان عنوانه “الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك” ، ولإننا لم نكن نعلم الكثير مما تعنيه عبارة “المفتوحة ” ، فقد أمتزج لدي شعور الفرح مع قلق المجهول ، حتى قررت الأتصال بهاتف رئيس الجامعة المثبت في صفحة الموقع الالكتروني الخاص بالأكاديمية .
إن نقطة التحول الكبرى ، حقيقة ، كانت تلك المكالمة الهاتفية مع الأستاذ الدكتور وليد الحيالي ، رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك ، حيث شرح لي بدماثة خلقه ، ورحابة صدره ، وعمق معرفته بمخاوف العراقي ، والعربي بشكل عام ، من موضوع التعليم عن بعد ، ، شرح لي طبيعة الدراسة في الأكاديمية ومن ثم وضح لي تماما كيف تتعامل وزارات التعليم العالي العربية مع هذا النوع من الجامعات وشهادات التخرج منها ، لكنه بينّ لي أنه لن يستكن أبدا في سعيه العلمي والمنهجي لإجل تغيير الفكرة القائمة عن مثل هذا النوع من التعليم ، وهو ما قطع فيه فعلا شوطا كبيرا تمثل بإعتراف هيئات ومجالس علمية ، أعتبارية ورسمية ، عربية وإسلامية ودولية ، وفور إنهائي المكالمة الشيقة ، والتي لن أنساها أبدا ، كنت أسابق نفسي للوصول إلى جهاز الحاسوب حتى أبعث بطلب دراسة الماجستير في الإعلام في الأكاديمية ، والتي كانت مرتكزا فعالا لإنجاز دراسة الدكتوراه عام 2009 م .
كثيرة هي حقا الجامعات والأكاديميات وحتى الكليات ، التي أعلنت عن نفسها وروجت لغرض أستقطاب الطلبة للدراسة فيها ، لكن من يطلع على هذا الجانب الأكاديمي في التعليم ، يكتشف ، أن من بين العشرات ، وربما أكثر ، من هذه الجامعات ، كانت الأكاديمية العربية المفتوحة ، الأكثر صدقا ، ومنهجية ، وأمانة علمية ؛ في أن ينجز الطالب كل ما يجب عليه إنجازه من حصص تعليمية أو بحوث أو أختبارات ، ولم تشهد الأكاديمية أية حالة من حالات التسيب العلمي أو التهاون في الأشراف والمناقشة لطلبة الدراسات العليا في درجتي الماجستير والدكتوراه ، رغم حجم المرونة والتعاون الهائل مع الطلبة من خلال تقدير ظروفهم المعاشية والوظيفية ، كما لم تستعن أي من جامعات التعليم عن بعد بعدد من الأساتذة والمدرسين المتخصصين والمتميزين في علميتهم ، كما فعلت الأكاديمية في الدنمارك ، وقد أنعكس ذلك كله على ماهية ومستوى خريجيها عندما ولجوا الحياة الوظيفية والمهنية ، فكان معظمهم قادة ومسؤولون ناجحون ومشهود لهم بالكفاءة والقدرة الأكاديمية .
ما يجب الثناء عليه دائما ، هو إصرار إدارة الأكاديمية على التميز في العمل والعطاء الجامعي ، وعدم الرضوخ لنمطية وروتين وزارات التعليم العالي العربية ، وعصامية رئيسها وكل العاملين فيها بالشكل الذي جعل من هذه الأكاديمية صرحا علميا لاذ ، ويلوذ إليه ، كل من سدت بوجهه فرص إكمال الدراسة نتيجة أي ضغط أو مؤثر ، كما أن مراجعة سريعة لعدد وعناوين الدراسات والأطاريح التي قدمت من طلبة الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك ، كجزء من متطلبات حصولهم على شهاداتهم العليا ، يثبت بشكل لا تردد فيه ، مدى ما اضافته هذه الأكاديمية للمكتبة العربية من بحوث علمية غاية في المنهجية والفائدة العملية والتطبيقية ، ويبين كذلك دقة الضوابط المنهجية والأكاديمية المطبقة على طلبتها ومستوى التعليم فيها .
بارك الله في رئيس وأساتذة وطلبة الأكاديمية العربية المفتوحة الذين خاضوا ، ويخوضون ،ضمار التحدي في مجال التعليم وفق رؤى وتطورات تكنلوجيا العصر ، مقابل نمطية الجمود والتكرار التي ما زالت كثير من دولنا العربية تسبح فيها .