الاكاديمية العربية في الدنمارك ، أفاق وطموح
الاكاديمية العربية في الدنمارك صرح علمي متميز بكادره التعليمي والمهني في المجال التعليمي والاكاديمي، لقد اتاحت الاكاديمية فرصة لكل من يرغب بإكمال دراسته وخاصة لتلك الشريحة من الافراد الذين أرغمتهم الظروف للتوقف عن الدراسة بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو أسرية، لهذا فقد تألقت الاكاديمية كنجمً وهاج في السماء، فأضاءت بذلك قبساً من نور العلم، يستدل به، لمن يرغبون في أكمال دراساتهم وخاصة الدراسات العليا (الماجستير، الدكتوراه).
وللوهلة الأولى وانت تتجول في موقع الاكاديمية الالكتروني، تكتشف عمق وفائدة هذه الصرح الذي يقدم كل خدماته إلى جميع الناس بدون استثناء، خدمة مجانية من محاضرات صوتية أو كتب الكترونية او مجلة علمية محكمة أو رسائل ماجستير أو اطروحات دكتوراه .
لقد فتحت الاكاديمية أبوابها المعرفية للجميع، دون أي اعتبارات دينية او عرقية أو طائفية، انطلاقاً من قاعدة أساسية وراسخة وهي أن المعرفة لا يمكن أن يتم احتكارها على فئة دون آخرى، لقد ساهمة الاكاديمية بشكل مباشر بنشر المعرفة العلمية والاكاديمية دون قيد أو شرط، وبهذا تقدم الاكاديمية خدمات مجانية للجميع لمن يبحث عن المعرفة والعلم، فجميع ابوابها مفتوحة لمن يرغب في ذلك.
تجربتي مع الاكاديمية استمرت لمدة تقارب ستة سنوات، تخللها حصولي على درجتي الماجستير والدكتوراه، ولكل مرحلة من هذه المراحل قصة بل قصص جميلة عشتها في رحاب الاكاديمية بين المناهج التعليمية والتحصيل العلمي، والذي يعتمد بدرجة كبيرة على التعليم الذاتي والمساندة الاكاديمية متمثلة في الكادر التعليمي من اساتذة ذات كفاءة عالية في التعامل مع الطالب.
أن الدراسة في الاكاديمية تتميز برغبة الفرد الذاتية لمواصلة تحصيله العلمي ، فيكون جُل اهتمامه هو الدراسة وتحصيل العلم، وليس رغبة في الحصول على عمل او التحسين الوظيفي وهو أمراً مهم بدون شك، ولكن الواقع أنها رغبة ذاتية بالدرجة الأولى، وقد يعتقد البعض أن هذه الرغبة هو بسبب طلب الوجاهة الاجتماعية وهي نظرة قاصرة لا تشكف عن مدى عمق وفهم مستوى الرغبة الذاتية، وخاصة ممن يبحث عن تحقيق ذاته .
من أجمل اللحظات التي لن تمحى من ذاكرتي، هي موقف حصل لي في مرحلة الماجستير، وذلك عندما توقفت في أحدى المواد الدراسية المقررة وكانت كما أعتقد في مادة ( نظرية المحاسبة )، وقد لاحظت تعدد الآراء حول أحدى القضايا المحاسبية، فما كان مني إلا أن أتوجه إلى المشرف على الدراسة وكان ذلك الشخص هو سعادة رئيس الاكاديمية الدكتور وليد الحيالي، وقد طرحت عليه الاشكالية المعرفية التي واجهتني، فطلبت رأيه في ذلك، فكان الرد من قبله، بتوجيه سؤال معاكس وهو ( قل لي ما هو رأيك في هذه القضية؟ ) طبعاً لم استطع أن اعطي رأياً مباشراً بدون الرجوع إلى أكثر من مصدر لدراسة تلك القضية المحاسبية، مما جعلني أعود وأبحث في المراجع المحاسبية، وبعد ذلك توصلت إلى نتيجة، بعدها أرسلت إلى الدكتور نتيجتي حول تلك القضية المحاسبية، فكان رأيه مطابقاً لرأيي، لكن صدر من الدكتور سؤال أخر، فقال لي : هل تعلم لماذا قلت لك أبحث عن ذلك واعطني رأيك ؟ قال الدكتور تلك العبارة التي حُفرت في ذاكرتي، وهي ( انك حينما تبحث بنفسك عن المعلومات وبرغبة في معرفة ذلك، فإنك سوف تحفر في ذاكرتك هذا الجهد الذي بذلته ولن تنسى ما سعيت من أجله من وقت وجهد، وهذه هي طريقتنا في الاكاديمية أن يكون الطالب منتج ومستهلك للمعرفة، ونحن نساند هذه الطالب ونأخذ بيده ونوجهه نحو الطريق الصحيح).
بهذه الطريقة واصلت دراستي في كل مادة معتمداً على منهج المنتج والمستهلك للمعرفة، في كل مادة لا اقتصر على دراسة المقرر الدراسي بل أبحث وأقرأ في أكثر من مصدر حتى أتوصل إلى معرفة مضاعفة في تلك المادة، أذكر تجربتي في أحدى المواد في مرحلة الماجستير وكانت مادة التحليل المالي المتقدم ، وكانت المادة الدراسية هي كتاب التحليل المالي المتقدم للدكتور وليد الحيالي، بالإضافة إلى مجموعة من المحاضرات الصوتية، وكان المطلوب بعد دراسة تلك المادة هي كتابة بحث بمناهج البحث العلمي، وهي أن تقدم القوائم المالية لشركة مساهمة عامة لمدة خمس سنوات وتقوم بتحليلها مالياً وذلك بتطبيق جميع الطرق والأساليب والأدوات المالية والتحليلية الموجودة في الكتاب، بمعنى آخر لا يمكن ان تقوم بحل هذه الواجب بدون قراءة ذلك الكتاب، هذا أولاً، لكن الطريقة التي تعلمتها من الدكتور وليد الحيالي وهي فتح المجال للطالب للإبداع وليس المطلوب فقط عمل الواجب المطلوب، وهذا الطريقة قد لا تتوفر في الدراسة التقليدية والتي تتمتع بالالتزام بالواجب بدون زيادة أو نقص، إلا أن الاكاديمية تفتح المجال للطالب للإبداع وهذا ما قمت به في هذه المادة، حيث لم يتم الاقتصار على مادة واحدة فقط بل تم استخدام أربعة كتب إضافية تناولت موضوع التحليل المالي ، وقد أثمر الواجب عن بحث متقدم في التحليل المالي بعنوان ” دراسة تحليلية لمادة التحليل المالي المتقدم لشركة مواد التعبئة والتغليف ” وهي منشورة على موقع الأكاديمية وقد منحت في هذه المادة أعلى درجة يمنحها الدكتور وليد الحيالي لطالب طوال مدة ممارسته للعملية التعليمية، وكان ذلك دافعاً قوياً لمواصلة الدراسة بتلك المنهجية.
ان الجهد والوقت الذي يبدله الطالب في العملية التعليمية يفوق بل يتعدى الدراسة الجامعية التقليدية، وهذه المفارقة الجميلة جعلت من الطالب يقبل على الدراسة وهو محب لها وليس مجبراً عليها، وإنما بصدد دافع ذاتي يقوم به الطالب وهو متمتع ومستفيد مما يقوم به، لأنه قد زرع في اعتقاده أن ما يقوم به في المحصلة النهائية سوف يعود عليه بالنفع والفائدة في الحياة العلمية والعملية، وسوف يساهم بتقديم خدمة علمية تنفع الاجيال القادمة .
أما الدراسة في مرحلة الدكتوراه وخاصة في مرحلة كتابة الاطروحة فقد كانت تجربتي أكثر من رائعة، وخاصة حينما ترتبط كاتبة اطروحتك بمشرف يتمتع بالصرامة المعرفية والقسوة على الطالب، فقد استفدت من هذا المشرف العظيم وهو الدكتور عبدالاله نعمة جعفر، والذي يتمتع بصبر وعلم غزير ، زاده الله علماً ومنفعة.
اول تجربة منهجية واجهتني مع المشرف هي الكتابة الممنهجة، فكل جزء من الاطروحة يكتب بطريقة ممنهجة علمياً، بدأً من كتابة خطة البحث، ثم كتابة فصول الاطروحة، فكل جزء يكتب بطريقة منهجية، فقد تعلمت من المشرف تعدد المناهج في الكتابة الأكاديمية، فهو متابعاً لكل ما تكتب من الاطروحة من أول سطر حتى آخر حرف، فلهو الشكر والتقدير والاحترام على ما بدله من جهد في قراءة الاطروحة وأبداء ملاحظاته والتي كانت قاسية، حتى وصل بي الأمر إلا أن أقرر عدم مواصلة الدراسة، ولكن كم كنت غافلاً، فاليوم أكتشف أن هذه القسوة قد أثمرت نتائجها، وإن ما قام به المشرف هو عين العقل، وهو الذي ينبغي أن يقوم به كل مشرف على أي دراسة في مرحلتي الماجستير او الدكتوراه، وفي الحقيقة يسعى المشرف بكل ما يملك بأن يتخرج الطالب هو على أعلى دراجات الكفاءة الاكاديمية والعلمية، والتي سوف يتمتع بها وتنعكس على ما يقدمه من مساهمات علمية وأكاديمية تخدم المجتمع، ومتمثلة في البحوث العلمية التي يكتبها بمنهجية صارمة تمتاز بقوة علمية ومتانة نصية، وهذا أقل ما يمكن أن أقوله في هذه التجربة الشيقة، رغم المشقة والتعب والوقت الذي بدل على حساب الاهل والأصدقاء.
أشكر كل القائمين على هذه الصرح العلمي المتميز ، الذي اتاح لي شخصياً اكمال دراستي وتحقيق طموحي في الدراسة الاكاديمية فكل الشكر والتقدير ، وبالخصوص لرئيس الاكاديمية العربية في الدنمارك الاستاذ الدكتور وليد الحيالي على ما يبدله من جهد ووقت، في السعي لنجاح وتطوير هذا الصرح العلمي المتميز، فلي الشرف أن أكون أحد خرجي هذه الاكاديمية .