ندوات: القانون الدولي ومخاطر الإرهاب على الدولة الوطنية
عقدت كلية القانون والسياسة في الاكاديمية العربية العربية في الدنمارك كونفرنسا علميا تحت عنوان ” القانون الدولي ومخاطر الإرهاب على الدولة الوطنية “، قدمت فيه ست مداخلات رئيسية وست مداخلات فرعية ، من قبل نخبة من أساتذة الكلية وطلبة الدراسات العليا من مختلف الأقطار العربية .
تناولت المداخلة الأولى الموسومة بالقضاء الدولي وتسييس العدالة، للدكتور إدريس لكريني، الأزمات والحروب الدولية الكبرى التي شهدها العالم والتي كان لها دوراً كبيرا في بلورة أهمية تشكيل مؤسسات دولية سياسية واقتصادية توكل لها مهمة تثبيت الامن والسلم الدوليين ومنها محكمة العدل الدولية التي اعتبرها ميثاق الأمم المتحدة أحد أهم الأجهزة المكلفة بتوفير السلم والامن الدوليين؛ كما شكل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1995 تطورا في تأسيس بنية تنظيمية للقضاء الدولي. وترى المداخلة أن محكمة العدل الدولية لم تحقق مهامها، نتيجة لمجموعة من الصعوبات، القانونية والسياسية، التي حالت دون تمكين المحكمة من القيام بواجباتها.
المداخلة الثانية، قدمها الدكتور فواز عبابنه معنونة بحماية الأقليات الدينية والعرقية من منظور القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية. وبدأ الباحث مداخلته، بتعريف الأقليات التي هي ” مجموعات بشرية ذات سمات وخصائص تختلف عن مثيلاتها في مجتمع الأكثرية، ولكل أقلية سمات قومية أو إثنية أو دينية مشتركة. فهي جماعة غير مسيطرة من مواطني دولة أقل عدداً من بقية السكان يرتبط أفرادها ببعضهم البعض عن طريق روابط عرقية أو دينية أو لغوية أو ثقافية تميزهم بجلاء عن بقية السكان، ويتضامن أفراد هذه الجماعة فيما بينهم للحفاظ على هذه الخصائص وتنميتها “.
ويرى الباحث إن الشريعة الإسلامية السمحاء، تحث على كرم الضيافة وحسن المعاملة والرفق واللين والتسامح مع مختلف الأقليات، اي كان أصل تلك الأقليات، أو لونها أو عرقها أودينها امتثالا لما ورد في القرآن الكريم،: ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ” سورة الحجرات، الآية 13 “.
المداخلة الثالثة، الموسومة بالإرهاب والقانون الجنائي الدولي، قدمتها الدكتورة ليلى حسين، ، التي بدأتها بالاشارة إلى ان ظاهرة الإرهاب أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد البيئة والحياة اليومية للإنسان، بمعنى إنها لم تعد ظاهرة محلية او إقليمية. وقالت الباحثة إلى أن مكافحة الإرهاب تتطلب، تحديد التعريف القانوني للإرهاب، الذي ما زال يكتنفه الغموض لأسباب سياسية تهدف إلى عرقلة الجهود الدولية لوضع اتفاقية عالمية لمكافحة الجرائم الإرهابية.
المداخلة الرابعة، الموسومة بالتوسع الرأسمالي والفكر السياسي لليمين المتطرف، للدكتور لطفي حاتم، يستهل الباحث مداخلته بالاشارة إلى أن التغييرات في وظائف الدولة الرأسمالية التي انتجتها الليبرالية الجديدة أدت إلى صعود اليمين الذي تطور إلى منظمات سياسية اجتماعية تعتمد الوطنية المترابطة وروح عنصرية توسعية، فكراً أيديولوجياً محركاً لفعاليتها السياسية، وتشير المداخلة إلى ان القاعدة الاجتماعية تتكون من شرائح طبقية متعددة يشدها الأحباط الاجتماعي الناتج عن الأزمات الاقتصادية التي يفرزها تطور بنية الاقتصاد الرأسمالي.
وتنتقل المداخلة إلى تأثير العولمة الرأسمالية على بنية الحركات السياسية وقواها الاجتماعية في الدول الوطنية وظهور السلفية الجهادية التي تعتمد العنف الإرهابي نهجاً لتفكيك الدولة الوطنية ونظمها السياسية لغرض بناء دولة ” الخلافة الإسلامية ” التي تعتمد العديد من الركائز الايديولوجية منها ، تحويل الدولة الوطنية وسلطتها التنفيذية إلى أمارات تشدها روح أيديولوجية تحددها أطر مذهبية إسلامية، ومنها ، بناء دولة الخلافة على مبدأ وحدة السلطات مع اعلاء مركزية السلطة التنفيذية المتمثلة بسلطة الامير المجاهد، ومنها كذلك، اعتماد برنامج اقتصادي يعتمد على اعلاء شأن القطاع التجاري وتطوير الوكالة التجارية عبر إدارة الثروة الوطنية بالترابط مع الشركات الاحتكارية وما ينتج عن ذلك من تعطيل الدورة الانتاجية.
المداخلة الخامسة، السلفية الجهادية وتفكيك الدولة الوطنية ، قدمها الدكتور فاخر جاسم. بدأ الباحث مداخلته بتحديد معنى السلفية الجهادية، مستندا على تحليل الخطاب السياسي والطروحات الفكرية والممارسة العملية، للمنظمات السلفية الجهادية المعاصرة، وهو ” تفسير خاص متشدد لمبادئ الإسلام لا يقوم على جوهر الدين الإسلامي ومتطلبات التطور، يعتمد القوة لفرض منهجه السياسي والفكري على الآخرين “. وفي هذا السياق تناول الباحث سمات السلفية الجهادية المعاصرة التي يراها في التالي : عالمية حركة الجهاد باعتبارها ردا على ما يتعرض له الإسلام من الدول الكافرة في العالم ” غزو افغانستان والعراق، تشجيع العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والدول العربية، عدم الاعتراف بشرعية الدول الوطنية باعتبارها، نتاج السياسة الاستعمارية للدول الكافرة، بعد سقوط الخلافة الإسلامية. تكفير المجتمع، والذي يشمل كل أطراف تيار الإسلام السياسي التي لا تؤمن بفكرها الجهادي ونهجها السياسي، وكذلك نشاط الحركات الجهادية يتميز بسعة قاعدته الاجتماعية، لأسباب فكرية وسياسية واجتماعية.
المداخلة السادسة،الإعلام الطائفى والهوية الوطنية، إعلام داعش نموذجاً، للدكتور نهاد مكرم بدأت الباحثة بتحديد مدلول الاعلام الطائفى باعتباره” يقوم على حقائق ومعلومات، تقدم بصورة ذاتية تعبر عن وجهة نظر معينة، بهدف تكوين رأي عام حول موضوع معين” وهو يختلف عن الطائفية باعتبارها انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية ولكن ليست عرقية، حيث يمكن ان يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف اوطانهم أو لغاتهم. وتحدد الباحثة أسباب انتشار الطائفية الدينية الى تسييس المؤسسات الدينية الكبرى، في محاولة للسيطرة على الواقع الديني، والقضاء على أي منافسة اجتماعية ممكنة، غياب أي مشروع قومي يتمكن من توحيد أبناء الشعب الواحد، أياً كان، الامر الذي أدى إلى انسحاب الفرد إلى ذاته، والتمسك بميراثه الديني القديم، ربط كل ما هو ثقافي أو معرفي بالمحاولات الغربية للهيمنة على الواقع العربي، وبالتالي رفض كل الحلول التي يطرحها الفكر الإنساني بمعزل عن التدين الطائفي أو المذهبي.
جريدة الشرق الأوسط، 3 أكتوبر 2015