استعراض العدد العشرين من المجلة العلمية للأكاديمية العربية في الدنمارك 2017م
كتب محرر الشؤون العلمية في الأكاديمية: بتوفيق من الله، صدر العدد العشرون من المجلة العلمية المحكمّة للأكاديمية العربية في الدنمارك، وفي محاوره مجموعة بحوث علمية ضمن عدد من الاختصاصات الاقتصادية والقانونية والتربوية وفي الشريعة الاسلامية…
وفي تعقيب على صدور العدد الجديد للمجلة، واستكمالاً للكلمة الافتتاحية التي تصدّرت العدد، قال الأستاذ الدكتور وليد الحيالي رئيسُ الاكاديمية رئيسُ هيئة تحرير المجلة، لمحرر الشؤون العلمية: إن العدد الجديد ما هو إلا استكمال للطريق الذي اختارته الاكاديمية في دعم البحث العلمي والباحثين وأساتذة الجامعات وفتح أبواب النشر أمامهم، سواء على مستوى بلدان أوربا او في محيطها الخارجي، من البلدان العربية وسواها من بلدان العالم أجمع.
وأضاف الدكتور الحيالي ان الجهد الذي تبذله الاكاديمية وتقدمه للعالم وللدارسين، جهد علمي تتوسع أفاقه ليشمل أكبر مساحة من الكرة الارضية، من خلال جمهرة مقتدرة من أساتذة وكوادر متخصصّة تدير مفاصل العمل الأكاديمي والعلمي والفني في الاكاديمية، التي تخّرجَّ منها عددٌ كبيرٌ من طلاب الدراسات العليا في الدكتوراه والماجستير والدراسات الأولية الجامعية، على مستوى المغتربين من العرب في أوربا وغيرها من بقاع الأرض..
وفي ختام تصريحه وكلمته الافتتاحية، رحبّ رئيس التحرير بمشاركة الأساتذة من كل البلدان في العالم، ودعاهم الى استثمار الأبواب المفتوحة للمجلة المحكمّة للأكاديمية لنشر بحوثهم العلمية، والمشاركة في الأنشطة العلمية المختلفة التي تعمل بها وتنشط في أوساطها، الأكاديمية العربية في الدنمارك.
جدير بالذكر أن العدد العشرين من المجلة العلمية، احتوى على بحوث ودراسات قدمّها أساتذة من الأكاديمية ومن جامعات مختلفة، حيث جاءت تلك البحوث والدراسات وفق المحاور الآتية:
أولاً- محور الدراسات والبحوث الاقتصادية، وتضمن بحثاً موسوماً: “امكانية قياس التكاليف المالية لقيمة الموارد البشرية والإفصاح عنها في المؤسسات التعليمية الخاصة” للأستاذ المساعد الدكتور علي نعيم جاسم ــ جامعة المثنى ــ العراق ــ الدائرة الثقافية في ستوكهولم.
تناول فيه الباحث الموارد البشرية، باعتبارها تشكل ركناً أساسياً من أركان الموجودات، في بعض المؤسسات الخاصة ذات الطابع التعليمي وذلك لقيمتها الكبيرة جداُ، مقارنة مع أقيام الموجودات الأخرى في قائمة المركز المالي لهذه المؤسسات، وان عملية قياس قيمة هذا النوع من الموجودات ليس بالأمر البسيط والسهل، وذلك لعدم وجود أساليب قياس محددة، اضافة الى مشاكل أخرى تتعلق بعملية الشراء والامتلاك، حيث لا يمكن شراؤها أو امتلاكها لأسباب اجتماعية وإنسانية، الأمر الذي أدى إلى عدم بيان قيمتها كأصل من الأصول في قائمة المركز المالي للمؤسسات التعليمية الخاصة. كما أن هناك عدداً قد يترك العمل ويستقيل قبل انتهاء خدمته الوظيفية، وبالتالي لابد من استبدالهم بآخرين. كما لا يمكن معاملة العنصر البشري على أساس مادي، لأن الفكر الإنساني لا يمكن امتلاكه، إلا أن المعارضين لذلك يرون هناك ضرورة ملحة للقياس والإفصاح عن هذا العنصر في قائمة المركز المالي، وذلك لتحقيق الهدف الرئيسي من إعداد قائمة المركز المالي لإعطاء صورة واضحة وعادلة عن الوضع المالي للمؤسسة في ذات التاريخ، لفوائده المستقبلية التي تستمر لأكثر من سنة مالية. لذا كان لزاماُ التمييز والتفرقة بين المصاريف التي تتحملها المؤسسة للتطوير على سنوات بقاء العنصر البشري في المؤسسة والى مصاريف إيراديه تحمل على نفس السنة المالية.
أما المحور الثاني، فكان محور الدراسات والبحوث القانونية، الذي تضمنّ بحثاً موسوماً: “فعالية القوانين الوطنية والدولية في مكافحة الجرائم الإلكترونية” تقدمتّ به الدكتورة ليلى حسين ــ العراق ــ قسم القانون في الاكاديمية العربية في الدنمارك.
تناولت فيه الباحثة الجرائم الإلكترونية، إذ أصبحت هذه المشكلة أكثر إلحاحاً على حياة ونشاط الإنسان، لذا تنبهت دول العالم اليها حتى أسفرت عن تضافر جهود الدول والمنظمات الدولية، باتجاه عقد العديد من المؤتمرات وأبرام الاتفاقيات على المستوى الدولي والإقليمي والوطني، من أجل مكافحة هذه الجرائم والحد منها.
ولقد تم اختيار موضوع البحث في هذا النطاق، لأهميته العلمية والأخلاقية والأمنية والانسانية، ولبيان وتحليل أهم الاتفاقيات والمؤتمرات والبروتوكولات الدولية والإقليمية. وحاولت الباحثة ايضاً إلقاء الضوء على مدى فعالية التشريعات الوطنية في التعامل مع هذا النوع من الجرائم. وبالفعل كان بحثاً علمياً يحتاج الى الاغناء من الباحثين والهيئات والأطراف الرسمية العامة والخاصة لتعزيز الرؤية والإسناد الموضوعي والرقابي، للحفاظ على القيم العليا وعدم المساس بالإنسان وحقوقه المشروعة، ويما يتصل بها وبالقوانين والأعراف الوطنية والدولية.
كما تضمن المحور القانوني الثاني بحثاً بعنوان: “الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية” تقدمّ به الدكتور عمار بجبوج ــ استاذ زائر في جامعة كنجز كوليج لندن ــ مدرس القانون الجنائي/ قسم القانون في الاكاديمية العربية في الدنمارك.
تناول البحث المحكمة الجنائية الدولية، ودورها وقواعدها واجراءاتها في متابعة الجهود الدولية، لمنع افلات المجرمين من العقاب من خلال العدالة الجنائية الدولية، خاصة وأن المحكمة تهدف إلى محاسبة المسؤولين عن جرائمهم، والمساعدة في منع هذه الجرائم من الحدوث مرة أخرى. فالمحكمة لا يمكن أن تصل إلى هذه الأهداف وحدها من دون مشاركة أطراف عدة، فهي تعتبر كمحكمة، الملاذ الأخير، في حال تعثر عمل المحاكم الوطنية, فهي تسعى إلى استكمال دور المتابعة والتضامن القانوني مع الجهات الوطنية، وليس استبدال المحاكم الوطنية. يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تحكمها معاهدة دولية تسمى نظام روما الأساسي، وهي أول محكمة جنائية دولية دائمة في العالم. ويمكن للمحكمة ان تمارس اختصاصها من خلال ثلاث طرق, وهي أن تتم الاحالة من دولة طرف أو أن يقوم المدعي العام للمحكمة بالتحقيقات بنفسه بعد الحصول على اذن الدولة التي وقعت الجريمة على أراضيها, كما يمكن للمحكمة العمل بعد الإحالة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
أما المحور الثالث، فهو محور الدراسات والبحوث السياسية وتضمن أولاً بحثاً موسوماً: “الأُسُس النظرية لمفهوم الدَّولة في الفكر السّياسي الإسلامي الحَديث والمُعاصر” وهو دراسة مقدمّة من قبل الأستاذ المساعد الدكتور محمّد باقر البهادلي ــ كلية العلوم السياسية الاكاديمية العربية في الدنمارك.
تناول فيه الباحث العلاقة بين الفكر السياسي بعامة والمبادئ والنظريات التي تخص حياة وأهداف المسلمين السياسية بخاصة؛ لما لها من علاقة بذي دلالات معرفية تساهم في صياغة نظرية سياسية فكرية اسلامية. وان اختلفت أو تعددت استنادا الى طبيعة الترابط بين مفهومي الشرع والفقه، وبين مفهوم الفـكر عامة والفكر السياسي خاصة، لما في ذلك الاثر في اغناء الفكر السياسي الإسلامي. من هذا المفهوم تنطلق فكرة البحث الذي كان بمقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة ومن ثم قائمة بأهم المصادر والمراجع التي اعتمد عليها البحث.
فالمبحث الأول تناول مفهوم الدولة، وتوزع على ثلاثة مطالب؛ الأول منها بحث في ذلك المفهوم لغة، وما ورد مما يقاربه في القران الكريم والتراث الإسلامي. والثاني كان في مفهوم الدولة في الفكر الغربي وما أشير الى تفسير للمفهوم وفق واقع الدولة الحديثة، التي تطابقت وأركانها. أما المطلب الثالث من المبحث فكان في تفسير قيام الدولة. أما المبحث الثاني فهو يتناول مفهوم الدولة واشكالها في الفكر السياسي الإسلامي والذي كان بثلاثة مطالب أيضا. فالأول منه كان في مفهوم الدولة في الفكر السياسي الإسلامي وما تعنيه استنادا الى رأي المفكرين الاسلاميين الذين تناولوا المفهوم في كتاباتهم ونظرياتهم. والثاني منه كان في أشكال الدولة وموقف الفكر السياسي الإسلامي منها. كل ذلك لنصل الى المطلب الثالث من المبحث والذي يوضح شكل الدولة ونظام الحكم وفق المنظور الإسلامي. المبحث الثالث والاخير تناول نظريات بناء الدولة التي تناولت شرعية الحكم، وأسس مبادئ السلطة، التي اختلفت وفقا للفهم الفقهي الذي استند على رأي العلماء والمفكرين.
كما تضمن المحور الثالث بحثاً بعنوان: “الجيوسياسة الأميركية بين الانعزالية والتدخلية” وهو مقدمّ من قبل الدكتور صلاح نيوف ــ دكتوراه في الفكر السياسي والاجتماعي، جامعة السوربون، باريس 2007ــ محاضر في قسم العلوم السياسية في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك.
أكد الباحث في بحثه العلمي أن الولايات المتحدة الأميركية رَكَّزَت في الفترة الممتدة بين عامي 1783 و1890 على الاستيلاء وتوسيع الحدود لتشمل كل أراضيها الحالية، حيث أعلنت خلالها حروبا متعددة وطويلة على الهنود الحمر. ولقد كان لها موقف انعزالي، ولم تهتم أو تنشغل بالشؤون الأوربية، ورفضت في نفس الوقت التدخل الأوربي في النصف الشمالي من القارة الأميركية، وأُطْلِقَ على هذه العقيدة الانعزالية التي نُشِرت في عام 1823 “مذهب/مبدأ مونور”، ومونرو هو الرئيس الخامس للولايات المتحدة الأميركية بين عامي 1817 ـ 1825. مع ذلك، وعلى الرغم من خطاب الانعزالية، إلاّ أن الولايات المتحدة طردت إسبانيا من كوبا والفلبين بالقوة، وحصلت أول قطيعة واضحة مع هذا المذهب في عام 1917 عندما أَعْلَنَت الحرب على الإمبراطورية الألمانية. ومع عام 1941 التزمت الولايات المتحدة بسياسة خارجية تدخلية.
ونعتقد أن أهمية هذا البحث تأتي من حيث أنه يطرح مقاربة جديدة لقراءة تاريخ نشوء وتطور مفهومي الانعزالية والتدخلية الأميركيين، وهي مقاربة أولية/ مفاهيمية التزمت بها المساحة المخصصة للبحث، وبالتالي تحتاج للتوسع والتعمق أكثر ولضرورة ربطها مع تطور الأفكار الجيوسياسية التي نشأت في الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر. وعليه يطرح الباحث التساؤل: كيف انتقلت الولايات المتحدة من الانعزالية إلى التدخلية؟ وماذا تبقى من انعزاليتها؟…. هذا ما يحاول البحث الإجابة عنه.
كما تضمن المحور الثالث بحثاً بعنوان: “نقد الديمقراطية: المضمون والمصطلحات” وهو دراسة علمية مقدمة من قبل الدكتور فاخر جاسم ــ رئيس قسم العلوم السياسية في الاكاديمية العربية بالدنمارك.
تناول البحث الإشكاليات العديدة التي تثيرها الديمقراطية في الوقت الراهن، والتي ترجع إلى كثرة الكتابات التي تتناولها، وتقديم دراسات متباينة لمضمونها، نتيجة ما يجري من تركيز على آليات الديمقراطية، الانتخابات، الحريات السياسية، تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، الحريات الصحفية، وليس على مضمون الديمقراطية، الذي يعني تحقيق الإدارة العامة للمجتمع عبر المشاركة الفعالة في إدارة الدولة، بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة في توزيع الثروة وممارسة السلطة. يضاف إلى ذلك تبني كل الاحزاب والحركات السياسية للديمقراطية، حتى تلك التي لا تؤمن بها، كشعار سياسي. مع الاشارة الى إن الاختلاف في مفهوم الديمقراطية، لا يقتصر على الباحثين والمفكرين والسياسيين، بل أنه يشمل الكل، فماذا تعني الديمقراطية لمختلف الفئات والشرائح الاجتماعية؟ وما هي أهدافها من تبنيها ومدى إيمانها بها؟…. كل ذلك وغيره، إضافة إلى كثرة التشويهات التي تعرضت لها خلال التطبيق، أدى إلى خلق التباس لدى عامة المواطنين حول المعنى الحقيقي للديمقراطية. وبناء على ذلك تحاول الدراسة القاء بعض الأضواء على أسباب تعثر تطبيق الديمقراطية في العديد من البلدان العربيةـ الإسلامية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ومكامن الخلل، هل في مفهوم الديمقراطية نفسه او في البيئة الاجتماعية التي تطبق فيها.
وجاء المحور الرابع، وهو محور الدراسات وبحوث الآداب والتربية، وتضمن بحثاً موسوماً: “المعوقات التي يواجهها معلمو التربية الوطنية والمدنية في تنفيذ استراتيجيات إدارة الصف من وجهة نظرهم في محافظة المفرق” وهو بحث مقدمّ من قبل الدكتورة هيفاء عبد الهادي حمدان الدلابيح ــ أستاذ مساعد- كلية العلوم التربوية ــ جامعة آل البيت – الأردن.. والدكتورة هيام عقله سالم المومني ــ أستاذ مساعد – كلية عجلون الجامعية قسم العلوم الإنسانية ــ جامعة البلقاء التطبيقية ــ الأردن.
تناولت الباحثتان في دراستهما المعوقات التي يواجهها معلمو ومعلمات التربية الوطنية والمدنية في المدارس التابعة لمحافظة المفرق في تنفيذ استراتيجيات إدارة الصف من وجهة نظرهم في ثلاثة مجالات: إدارية، وتعليمية، واجتماعية.
تكون مجتمع الدراسة من جميع المعلمين والمعلمات اللذين يدرسون منهاج التربية الوطنية والمدنية في المديرات التابعة لمحافظة المفرق، وهي “مديرية قصبة المفرق، مديرية البادية الشرقية، مديرية البادية الغربية” والبالغ عددهم (193) معلماً ومعلمة للعام الدراسي 2016/2017م. تم اختيار عينة الدراسة بطريقة عشوائية فبلغ حجمها (58) معلماً ومعلمة، وقد استخدمت الباحثتان المنهج الوصفي، وطورتا استبانة لجمع البيانات، تم التحقق من صدقها وثباتها، حيث بلغت (45) فقرة. وأظهرت النتائج أن المعوقات الإدارية احتلت المرتبة الأولى واتصلت أكثر الفقرات ذات التقييم المرتفع بكثرة الأعمال الإدارية المطلوبة من المعلم، وعدد الطلبة الكبير في الصف، وتحديد التعليمات المدرسية من حرية عمل المعلمين. وجاءت بالمرتبة الثانية المعوقات الاجتماعية حيث اتصلت بالمشكلات العائلية التي يعاني منها الطلبة، وإهمال دور المعلم في البناء الاجتماعي من قبل مؤسسات المجتمع، انعكاس الظروف الاقتصادية الصعبة للمعلم على أدائه التعليمي. كما اتصلت المعوقات التعليمية بقلة المدة الزمنية المخصصة للمنهاج المقرر، ويؤدي عدم فهم الطلبة للأنظمة والتعليمات الصفية إلى قلة الانضباط الذاتي داخل الصف. وعدم مراعاة المعلم للفروق الفردية بين الطلبة. وأظهرت النتائج أيضا أن غياب الفروق ذات الدلالة الإحصائية تعزى لمتغير النوع (ذكور- إناث) والخبرة التعليمية في تقديرات المعلمين والمعلمات للمعوقات التي يواجهونها في تنفيذ استراتيجيات إدارة الصف. وتوصي الدراسة بتبصير المسؤولين والإدارات المدرسية بأهم المعوقات التي يواجهها معلمو ومعلمات التربية الوطنية والمدنية في إدارة وضبط الصفوف لإشراكهم في تقديم الحلول والحد منها.
وفقاً لما تقدم من عرض لبحوث العدد العشرين من المجلة العلمية المحكمّة للأكاديمية العربية بالدنمارك، يرى محرر الشؤون العلمية في الأكاديمية، أن هذا العدد يعتبر نقلة نوعية اضافية لمسارات العلوم والمعارف التي ينهجها ويعمل بها العقل القيادي المخطط والمدبرّ للأعمال والأنشطة العلمية للأكاديمية منذ تأسيها، للنهوض بالتعليم العالي ومستوياته التقنية والمعلوماتية، اضافة الى منهج تعزيز القدرات البشرية الأكاديمية، وصولاً الى الحافات الأمامية للعلم والمعرفة الانسانية والمادية المتوازنة.