الأكاديمية العربية وصناعة المستقبل وحافاته الأمامية
كتب محرر الشؤون العلمية: يعّد التعليم واحدة من العمليات المهمة في صناعة المستقبل وأجياله، إذ إن الاستثمار في هذا النوع من الصناعة الانسانية والروحية والمادية، هو الأفضل على الاطلاق وسط أنواع الاستثمار، على مستوى الماضي من التاريخ والحاضر والمستقبل منه، بل ومن أكثر الصناعات المنتجة فائدة، لكون الجامعات والمؤسسات التعليمية، تعمل على تغذية المجتمع بقيادة متعلمة وواعية ومستقبلية في كافة المجالات والتخصصات العلمية والانسانية والفنية، وهذا ما تنبهّت اليه من وقت مبكر، البلدانُ المتقدمة في هذا العصر.. لذلك نجدُ من يقول: “إذا أردتَ أن تبني لسنة ابنِ مصنعا، وإذا أردتَ أن تبني للحياة كلها فابنِ جامعة”.
قولٌ عقلانيٌ ومتوازنٌ في الرؤية والمنهج، فالجامعاتُ لم تكن يوماً ما، مجرد شرف أكاديمي أو مادي فحسب، وإنما أضحت ضرورة وحاجة انسانية تكفلُ للبلاد والعباد النمو والتطور ومواجهة التحديات المتفاقمة التي لا تتوقفُ عند حد معين، بل هي في تزايد وتنامي من حيث الصعوبة والقوة وانعكاساتهما، وكل ما فيهما من مدخلات ومخرجات… ووفقاً لهذا التصوّر، تسعى الأكاديمية العربية بالدنمارك، على أن تخوض هذه التحديات، بثقة وايمان للفوز والظفر بما وَضعت من قواعد ومبادئ لتشارك في صناعة المستقبل وأجياله. فالأكاديمية عملت وما زالت تعمل منذ تأسيسها، على وفق المبادئ الآتية:
1- الربط الحاكم ما بين التعليم الجامعي وحاجات المجتمع، العلمية والتعليمية والثقافية والمهنية والتنموية بكل تخصصاتها من جهة، وبواقع وقضايا المجتمع المختلفة من جهة ثانية.
2- التوظيف العقلاني المتوازن لبرامج التعليم الجامعي، بغية تلبية حاجات الانسان، الآنية والمستقبلية، اضافة الى تنمية الاتجاهات الصحيحة لدى الناس، حول أهمية التعليم بكل مستوياته لروافد الحياة، واستمرارية التحسين والتطوير للتعليم وعناصره وأدواته البشرية والمادية والمعلوماتية، باعتبار التعليم عملية دائمة غير محددة بزمان أو مكان.
3- التحسين والتنويع للبرامج والمقررات الدراسية، والنشاطات والتخصصات التي تطرحها الأكاديمية، لمواكبة التجديد والتطوير لمناهج العصر ومتطلباته.
4- اعتماد معايير الجودة والتطوير للمناهج وطرق التدريس والبحث العلمي، التي تضمن لنا تخريج أجيال قادرة على التفاعل مع حافات وعلوم المستقبل، وما تقتضيه تقنيات العصر من عقول مبدعة وقادرة على الإنتاج بمعدلات عالية.
5- إحداث الممكن من التغيير والتطوير في مفاهيم وأساليب وممارسات التعليم، من ادارة الواقع الى ادارة المتوقع، والتحولّ من الكم إلى الكيف، ونقل بؤرة الارتكاز من التعليم إلى التعلمّ، ومن المعلِّم إلى المتعلّم من الحفظ والاستظهار، إلى التفكير والابتكار والإبداع في الحياة الخاصة والعامة.
6- التفاعل التعليمي والتعلميّ، مع شرائح المجتمع، بهدف التلاقي والتفاعل مع المستجدات الانسانية والروحية والمادية في مختلف المجالات.
7- التنويع ببرامج خدمة المجتمع ومقاصده، من حيث (المحاضرات، المؤتمرات، الندوات، ورش عمل، الدورات التدريبية وسواها من برامج).
8- توفير برامج الرعاية الطلابية المتكاملة بحلقاتها، التي تشمل الرعاية الانسانية والمادية والاجتماعية والنفسية والإرشادية والثقافية.
وعليه نجد أنفسنا، نحن العاملين في الأكاديمية العربية بالدنمارك، أمام تحديات علمية وتقنية وبشرية، لنكون في فضاءات المستقبل العلمي والفني، المتصل عضوياً بمعايير ادارة الجودة الشاملة بالتعليم العالي، سواء ما يخص البرامج الدراسية أو المقررات الدراسية معاً. ومن بين التطلعات والتوجهات العلمية الكبيرة التي حققتها الأكاديمية مؤخراً، هو حصولها على العضوية الكاملة في منظمة ضمان الجودة بالتعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية، لتعزيز وتحسين تلكم المعايير الدولية المعتمدة بالجودة بالتعليم العالي على مستوى البرامج والمقررات الدراسية ذات الصلة بالأقسام العلمية والكليات ذات الشأن المتفرعة عن الأكاديمية.
وليس هذا فحسب، وإنما سعت الأكاديمية العربية بالدنمارك للتوقيع على اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم علمية وثقافية وفنية مع عدد من الجامعات والمؤسسات والمنظمات المعنية بالتعليم العالي والبحث العلمي خلال السنوات الماضية، وكان آخرها التوقيع على اتفاقية التعاون المبرمة بين الأكاديمية وجامعة تونس، والتي تمخضت عن زيارة رئيس ومؤسس الأكاديمية الأستاذ الدكتور وليد ناجي الحيالي الى تونس، حيث جرى البحث مع قيادة الجامعة المعنية، في سبل تنمية وتبادل المواقف والعلاقات العلمية والثقافية والفنية بين المؤسستين… ومن نافلة القول: إن الاتفاقية الجديدة تعدّ من الاتفاقيات المهمة التي تبرمها الأكاديمية مطلع العام الجديد 2020م، إذ تضمنت في فقرتها العاشرة الاعتراف الصريح المتبادل من قبل الطرفين بالشهادات الممنوحة للطلاب الدراسين والمتخرجين منهما ومعادلتها.
اذن.. فالأكاديمية في طريقها العضوي الرابط بين حاضرها ومستقبلها، فهي لا تدخرّ جهدا إلاّ وقد وضعته في خدمة العلم والعلماء، والعملية التعليمية برمتها، ومواجهة التحديات العلمية والتقنية، وصولاً الى انجاز خططها وتحسين دائرة الجودة بالتعليم، وتوسيع قاعدة المنافع المشتركة مع الآخرين، من جامعات ومؤسسات ومنظمات عاملة تحت لواء التعليم العالي.. وهذا التصوّر والتصرّف، يدفعنا للقول والتأكيد مجدداً على أن القيادة الأمامية للأكاديمية العربية بالدنمارك، تظل طموحة في المنهج والمسعى، نحو الخطوات الآنية والمستقبلية الآتية:
1- التقييم المستمر لتطور الأكاديمية وكلياتها وأقسامها العلمية، وتحسين أدوارها، بغية المواكبة والتجديد للمستجدات.
2- التجديد لأهداف الأكاديمية وغاياتها البشرية والفنية والمادية بشكل علمي، يوازن ما بين المشروعية الانسانية والمشروعية المادية.
3- التنمية المتوازنة للقدرات البشرية لأعضاء الهيئة التدريسية، ضمن دوائر العمل بمعايير الجودة بالتعليم والتنسيق معاً، لتحسين وتطوير الامكانيات العلمية التدريسية والبحثية.
4- التقديم المؤثر للمادة العلمية الحديثة التي تواكب الانفجار المعرفي والمعلوماتي المتوازن، وتتناغم مع الحاجات الانسانية المتزايدة.
5- الرؤية الواضحة عند القيادة الأمامية للأكاديمية، لموقعها العلمي، العربي والاقليمي والدولي، من خلال ما تبنيه من علاقات مع الجامعات والمؤسسات العلمية والبحثية، فضلاً عن الصلات الحية مع المجتمع والعالم، باعتبارها جزء حيويا منهما.
6- الاستثمار الأمثل لما تمتلكه الأكاديمية من قدرات بشرية (أساتذة وطلابا وموظفين)، باتجاه التنوير لما تعنيه المهارات المستقبلية التي يحتاجها الانسان، وللتعامل مع الحافات الأمامية للمستقبل وحلقاته الانسانية والمادية المتوازنة.