المعّلمُ قمرٌ بحظٍ وافر
كتب: محرر الشؤون العلمية.. يقولُ رسولنا ونبينا الكريم محمد : “ليس من أمَّتي مَن لم يُجِلَّ كبيرَنا ويرحَمْ صغيرَنا ويعرِفْ لعالِمِنا حقَّه”… ويقول الرسول الأعظم: “منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ”… مثلُ هذا الوصف النبوي الشريف، هو في حقيقته تعبيرٌ حيٌ عن فضل أهل العلم وأهل الأخلاق والقيم العليا، على كل من يصبو ويريد العمل بالمنهج المتوازن في الحياة الانسانية وروافدها الروحية والمادية.
فالمعّلمُ يرسمُ للأجيال طريقهم الصحيح نحو حافات العلم الأمامية، ويضعُ المسالك الواضحة والمضيئة لهم، مما يتطلبُ من الجميع أن لا ينسوا هذا الانسانَ المعّلم العظيم، صاحبَ الهمّة والرقي والارتقاء، بل ينبغي أن نقدرّ ما فعله المعّلمُ للمجتمع وضحّى من أجله، كي يقطف الجميعُ الثمار، حتى وَصفه البعضُ بمثابة الرسول، أو “كـادَ أن يكونَ المعلّمُ رسولا، فقُـمْ للمعلّمِ، وَفِّـهِ التبجيـلا”، كما قال الشاعر أحمد شوقي…
ففي العلم وحلقاته ومستوياته، ترقى الأممُ والشعوب وتزدهر، ويسمو وينهضُ الأفراد، ويصبحون أكثر قدرة وامكانية مادية وروحية على مجابهة ظروف الحياة وروافدها، بيد أنّ العلم وحافاته المتقدمة يحتاج إلى من يوصله إلى الناس بأيسر الطرق، وينوّرهم بما يصعُب عليهم منه، وكيفية الاستفادة منه في البناء الخاص والعام وفي التدبير المتوازن لأمور الحياة في الميدان… وفق هذه الرؤية يبرز دورُ المعّلم بما يقدمّه من علم ومعرفة وانسانية فذة، وعلى طالب العلم أن يدرك أهميّة هذا الدور العظيم، وما هو مُقبل على أخذه، إذ يجبُ عليه أن يعرف قيمة العلم وعظم قدر المعّلم، وما يتعرضّ له المعلمُ من مشقة وتعب تفرضهما عليه هذه المهنة الصعبة، فيرى منَا الاحترام لقاء تعبه وتفانيه في تحضير المحاضرات والدروس، وأن نقدم له أطيب الكلام، ذلك لأن المعّلم أو المعّلمة كالأب أو الأم في حرصهما وتعبهما المتواصلان.
كما أنّ من حق المعّلم على أبنائه من الطلاب والتلاميذ، حفظ حق العلم، فحق المعّلم علينا كلنا، على الاداري، والاقتصادي، والطبيب، والمهندس، والعسكري، وغيرهم ممن تعلموّا على يديه القراءة والكتابة، ثم تلقوا منه العلمَ والمعرفة… وبهذا العمل الحق، على الطلاب أن يكرمّوا معلّميهّم ومدرسيّهم ويشكروهم أبداً، بطيب الكلام، إذا ما التقوا بهم أو جمعتهم بهم الأيامُ يوماً، وألّا يجحدوا فضلهم عليهم، ما بقيَ من العمر بقية.
واليوم تنهجُ قيادة الأكاديمية العربية بالدنمارك، هذا الطريقَ الأخلاقي، علمياً وانسانياً، عبر تكريم أحد الأساتذة المعلمّين، ممن كانت لهم بصمة على العاملين في الأكاديمية، وفي المقدمة منهم على مؤسسِّها ورئيسِها الأستاذ الدكتور وليد الحيالي، الذي أوفى لهذا الأنسان المعّلم الجليل (الأستاذ شهاب أحمد التكريتي) مكانته المحمودة والعظيمة في النفس والذاكرة الصافية، وعرفانا بالجميل منه ومن الأكاديمية، اتخذت رئاسة الأكاديمية قراراً بمنح هذا المربيّ العظيم والرجل الأصيل، وسام الأكاديمية والشهادة التقديرية التي تليقُ به، وبمن هُم في وصفه، ووصفِ أولئك النبلاء من المعلمين في الرعيل الأول، من أهل العلم والخير كله.
اذن.. المعلّم هو الفاتحُ لمسالك وروافد الحياة، والهادي لعقول الأجيال نحو آفاق جديدة، فهو الآخذ والموجّه للناس إلى نواصي وطرق الحياة، ليمنحهم الخطوة الأولى للسير فيها، فهو مصنع الأمّة وذخر المستقبل المُنفتح في لحظة الحاضر، وهو الانسان النبيل الذي مهما قلنا من كلمات لن نفيه حقه.